سفر يونان

سفر يونان | 01 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر يونان 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ

١، ٢ «١ وَصَارَ قَوْلُ ٱلرَّبِّ إِلَى يُونَانَ بْنِ أَمِتَّايَ: ٢ قُمِ ٱذْهَبْ إِلَى نِينَوَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ وَنَادِ عَلَيْهَا، لأَنَّهُ قَدْ صَعِدَ شَرُّهُمْ أَمَامِي».

٢ملوك ١٤: ٢٥ ومتّى ١٢: ٣٩ – ٤١ و١٦: ٤ ولوقا ١١: ٢٩ و٣٠ و٣٢ تكوين ١: ١١ و٢ملوك ١٩: ٣٦ وإشعياء ٣٧: ٣٧ وناحوم ١: ١ وصفنيا ٢: ١٣ ص ٣: ٢ و٣ و٤: ١١ إشعياء ٥٨: ١ تكوين ١٨: ٢٠

الأرجح أن يونان هو المذكور في (٢ملوك ١٤: ٢٥) الذي تنبأ في أيام يربعام الثاني برد تخم إسرائيل إلى مدخل حماة وإلى بحر العربة. وهو من جت حافر في زبولون بقرب بحر طبرية. ولا يوجد غيره بهذا الاسم ولا غير أبيه باسم أمتاي. والأرجح أن يونان هذا هو كاتب هذا السفر مع أن الكلام في صيغة الغائب لا بصيغة المتكلم.

يقول البعض ولا سيما المفسرون المحدثون إن هذا السفر ليس تاريخاً بل رواية تمثيلية ويبنون رأيهم على ما يأتي: (١) وجود السفر مع الأسفار النبوية وليس مع الأسفار التاريخية (٢) ذكر عجائب تختلف عن العجائب المذكورة في الأسفار التاريخية ولا سيما نبأ الحوت العظيم (٣) عدم الاتفاق بين ما قيل في نبوة أهل نينوى من كبيرهم إلى صغيرهم وما يُعرف عن تاريخ نينوى وما أتى في سفر ناحوم «وَيْلٌ لِمَدِينَةِ ٱلدِّمَاءِ. كُلُّهَا مَلآنَةٌ كَذِباً وَخَطْفاً» (٣: ١) «جُرْحُكَ عَدِيمُ ٱلشِّفَاءِ. كُلُّ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ خَبَرَكَ يُصَفِّقُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَيْكَ» (٣: ١٩) وناحوم بعد يونان (٤) ما أتى في إرميا (٥١: ٣٤ و٤٤) «أَكَلَنِي أَفْنَانِي نَبُوخَذْنَصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ. جَعَلَنِي إِنَاءً فَارِغاً. ٱبْتَلَعَنِي كَتِنِّينٍ وَمَلأَ جَوْفَهُ مِنْ نِعَمِي. طَوَّحَنِي… وَأُعَاقِبُ بِيلَ فِي بَابِلَ وَأُخْرِجُ مِنْ فَمِهِ مَا ٱبْتَلَعَهُ» والأمر واضح أن هذا الكلام تشبيه. فيقولون إن نبأ يونان أيضاً تشبيه لا تاريخ.

والأرجح أن سفر يونان سفر تاريخي. ومما يثبت ذلك (١) نَفَس الكلام فإنه لا يقول «صار قول الرب إلى إنسان بل إلى يونان ابن أمتاي» الخ (٢) كلام يسوع إذ قال «لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ ٱلْحُوتِ الخ… رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي ٱلدِّينِ مَعَ هٰذَا ٱلْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ، لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ هٰهُنَا» (متّى ١٢: ٤٠ و٤١) (٣) إن نبأ الحوت العظيم ليس من الحكايات التي غايتها أن يندهش الناس منها بل غايته الرمز إلى موت المسيح وقيامته. ومن جهة توبة أهل نينوى فمن المحتمل أنهم تابوا توبة وقتية فقط فلا تُذكر إلا في هذا السفر. ولعل هذا السفر وُضع مع الأسفار النبوية لأن فيه ما يرمز إلى أمور آتية كقيامة المسيح وتبشير الأمم بعد ذلك وعلى أي وجه كان يوجد في هذا السفر فوائد مهمة ستظهر في التفسير بالتفصيل.

٣ – ٧ «٣ فَقَامَ يُونَانُ لِيَهْرُبَ إِلَى تَرْشِيشَ مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ، فَنَزَلَ إِلَى يَافَا وَوَجَدَ سَفِينَةً ذَاهِبَةً إِلَى تَرْشِيشَ فَدَفَعَ أُجْرَتَهَا وَنَزَلَ فِيهَا، لِيَذْهَبَ مَعَهُمْ إِلَى تَرْشِيشَ مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ. ٤ فَأَرْسَلَ ٱلرَّبُّ رِيحاً شَدِيدَةً إِلَى ٱلْبَحْرِ، فَحَدَثَ نَوْءٌ عَظِيمٌ فِي ٱلْبَحْرِ حَتَّى كَادَتِ ٱلسَّفِينَةُ تَنْكَسِرُ. ٥ فَخَافَ ٱلْمَلاَّحُونَ وَصَرَخُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى إِلٰهِهِ، وَطَرَحُوا ٱلأَمْتِعَةَ ٱلَّتِي فِي ٱلسَّفِينَةِ إِلَى ٱلْبَحْرِ لِيُخَفِّفُوا عَنْهُمْ. وَأَمَّا يُونَانُ فَكَانَ قَدْ نَزَلَ إِلَى جَوْفِ ٱلسَّفِينَةِ وَٱضْطَجَعَ وَنَامَ نَوْماً ثَقِيلاً. ٦ فَجَاءَ إِلَيْهِ رَئِيسُ ٱلنُّوتِيَّةِ وَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ نَائِماً؟ قُمِ ٱصْرُخْ إِلَى إِلٰهِكَ عَسَى أَنْ يَفْتَكِرَ ٱلإِلٰهُ فِينَا فَلاَ نَهْلِكَ. ٧ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هَلُمَّ نُلْقِي قُرَعاً لِنَعْرِفَ بِسَبَبِ مَنْ هٰذِهِ ٱلْبَلِيَّةُ. فَأَلْقَوْا قُرَعاً، فَوَقَعَتِ ٱلْقُرْعَةُ عَلَى يُونَانَ».

إشعياء ٢٣: ١ و٦ و١٠ وإرميا ١٠: ٩ مزمور ١٣٩: ٧ و٩ و١٠ ٢أيام ٢: ١٦ وعزرا ٣: ٧ وأعمال ٩: ٣٦ و٤٣ مزمور ١٠٧: ٢٥ – ٢٨ و١٣٥: ٧ و١ملوك ١٨: ٢٦ أعمال ٢٧: ١٨ و١٩ و٣٨ مزمور ١٠٧: ٢٨ ص ٣: ٩ و٢صموئيل ١٢: ٢٢ وعاموس ٥: ١٥ يشوع ٧: ١٤ – ١٨ و١صموئيل ١: ٢٠ و٢١ و١٤: ٤١ و٤٢ وأعمال ٢: ٢٣ – ٢٦ عدد ٣٢: ٢٣ وأمثال ١٦: ٣٣

كانت نينوى عاصمة مملكة أشور وكان أشور أعظم عدو لإسرائيل وطبعاً لم يطلب يونان بقاءه ولم يرد أن يدعوه إلى التوبة فيخلص. وكانت ترشيش في بلاد أسبانيا في الغرب الأقصى. ولا شك أن يونان عرف أنه لا يقدر أن يهرب من الرب (مزمور ١٣٩: ٧ – ١٢) «اين أذهب من روحك» الخ. ولكنه هرب من الخدمة المطلوبة منه كما أن البعض يستعفون من خدمة التبشير أو خدمة المحتاجين وذلك من الكسل أو من الخوف وعدم الإيمان بنجاح الخدمة.

فَأَرْسَلَ ٱلرَّبُّ رِيحاً (ع ٤) الأرياح والبحر وحيوانات البحر جميعاً بيد الرب فيستعلمها كما يشاء.

كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى إِلٰهِهِ (ع ٥) للوثنيين آلهة كثيرون فاعتبروا الرب كأحد الآلهة ولم ينكروا وجوده وقدرته غير أنهم لم يعرفوه كالإله الوحيد.

طَرَحُوا ٱلأَمْتِعَةَ خسروها بسبب يونان «أَمَّا خَاطِئٌ وَاحِدٌ فَيُفْسِدُ خَيْراً جَزِيلاً» (جامعة ٩: ١٨) أنظر نبأ عخان الذي بسبب خيانته هرب إسرائيل أمام أهل عاي وقُتل منهم ٣٦ رجلاً (يشوع ٧: ١ – ٥) ونام يونان لأنه تعب من سفره ومن اضطراب أفكاره وبما أنه ليس نوتياً لم يأخذ على نفسه مسؤولية في تدبير السفينة.

مَا لَكَ نَائِماً (ع ٦) وُبخ يونان من الوثنيين كأنه لم يهتم بخلاص نفسه ولا بخلاص غيره ونام في وقت الخطر ولم يصلّ كأنه بلا دين.

نُلْقِي قُرَعاً (ع ٧) في القديم كان الرب يستعمل أحياناً القرعة لإعلان مشيئته (انظر لاويين ١٦: ٨ ويشوع ١٨: ٦) مع أن القرعة ليس لها اعتبار في أيامنا لأن الله أعطانا دستوراً أفضل في كتابه الكامل وفي موهبة الروح القدس.

٨ – ١٢ «٨ فَقَالُوا لَهُ: أَخْبِرْنَا بِسَبَبِ مَنْ هٰذِهِ ٱلْمُصِيبَةُ عَلَيْنَا؟ مَا هُوَ عَمَلُكَ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟ مَا هِيَ أَرْضُكَ وَمِنْ أَيِّ شَعْبٍ أَنْتَ؟ ٩ فَقَالَ لَهُمْ: أَنَا عِبْرَانِيٌّ، وَأَنَا خَائِفٌ مِنَ ٱلرَّبِّ إِلٰهِ ٱلسَّمَاءِ ٱلَّذِي صَنَعَ ٱلْبَحْرَ وَٱلْبَرَّ. ١٠ فَخَافَ ٱلرِّجَالُ خَوْفاً عَظِيماً، وَقَالُوا لَهُ: لِمَاذَا فَعَلْتَ هٰذَا؟ فَإِنَّ ٱلرِّجَالَ عَرَفُوا أَنَّهُ هَارِبٌ مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ، لأَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ. ١١ فَقَالُوا لَهُ: مَاذَا نَصْنَعُ بِكَ لِيَسْكُنَ ٱلْبَحْرُ عَنَّا؟ لأَنَّ ٱلْبَحْرَ كَانَ يَزْدَادُ ٱضْطِرَاباً. ١٢ فَقَالَ لَهُمْ: خُذُونِي وَٱطْرَحُونِي فِي ٱلْبَحْرِ فَيَسْكُنَ ٱلْبَحْرُ عَنْكُمْ، لأَنَّنِي عَالِمٌ أَنَّهُ بِسَبَبِي هٰذَا ٱلنَّوْءُ ٱلْعَظِيمُ عَلَيْكُمْ».

يشوع ٧: ١٩ و١صموئيل ١٤: ٤٣ تكوين ٤٧: ٣ و١صموئيل ٣٠: ١٣ تكوين ١٤: ١٣ وخروج ١: ١٥ و٢: ١٣ و٢ملوك ١٧: ٢٥ و٢٨ و٣٢ و٣٣ عزرا ١: ٢ ونحميا ١: ٤ ومزمور ١٣٦: ٢٦ ودانيال ٢: ١٨ نحميا ٩: ٦ ومزمور ٩٥: ٥ و١٤٦: ٦ ع ٣ وأيوب ٢٧: ٢٢ و٢صموئيل ٢٤: ١٧ و٢أيام ٢١: ١٧

كثرة سؤالاتهم تدل على اضطراب أفكارهم.

أَنَا عِبْرَانِيٌّ (ع ٩) هكذا كان الأجانب يلقبون الإسرائيليون ومع أنه كان قد هرب من وجه الرب قال «أنا خائف من الرب» فلم يكن كالملحدين بل كانت خطيئته كخطايا أولاد الله الناتجة عن ضعف إيمانهم. قال يسوع عن رسله «أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف» وخاف الرجال خوفاً عظيماً لما سمعوا أن إله يونان هو إله السماء الذي صنع البحر والبر.

لِمَاذَا فَعَلْتَ هٰذَا (ع ١٠) يتعجب غير المؤمنين من خطايا المؤمنين لأنهم لا يستنظرون مثل هذه الأعمال منهم.

ٱطْرَحُونِي فِي ٱلْبَحْرِ (ع ١٢) كان يونان رمزاً إلى المسيح الذي بذل نفسه ومات لتكون حياة أبدية لكل من يؤمن به. فإن يونان قال للنواتي اطرحوني في البحر أي سلّم نفسه للموت لينجو الرجال. ولعل الرب كان أعلن له أنه سيقوم من ذلك الموت وأما يونان فأطاع الرب في هذا الأمر إن كان للموت أو للحياة. وخاف الرجال أن يعملوا حسب قوله لما عرفوا أنه مرسل من قبل الرب وازداد خوفهم لما وقف البحر عن هيجانه لأن ذلك كان شهادة لصدق قول يونان إن الرب هو صانع البحر والبر.

١٣ – ١٧ «١٣ وَلَكِنَّ ٱلرِّجَالَ جَذَّفُوا لِيُرَجِّعُوا ٱلسَّفِينَةَ إِلَى ٱلْبَرِّ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا، لأَنَّ ٱلْبَحْرَ كَانَ يَزْدَادُ ٱضْطِرَاباً عَلَيْهِمْ. ١٤ فَصَرَخُوا إِلَى ٱلرَّبِّ: آهِ يَا رَبُّ، لاَ نَهْلِكْ مِنْ أَجْلِ نَفْسِ هٰذَا ٱلرَّجُلِ، وَلاَ تَجْعَلْ عَلَيْنَا دَماً بَرِيئاً، لأَنَّكَ يَا رَبُّ فَعَلْتَ كَمَا شِئْتَ. ١٥ ثُمَّ أَخَذُوا يُونَانَ وَطَرَحُوهُ فِي ٱلْبَحْرِ، فَوَقَفَ ٱلْبَحْرُ عَنْ هَيَجَانِهِ. ١٦ فَخَافَ ٱلرِّجَالُ مِنَ ٱلرَّبِّ خَوْفاً عَظِيماً، وَذَبَحُوا ذَبِيحَةً لِلرَّبِّ وَنَذَرُوا نُذُوراً. ١٧ وَأَمَّا ٱلرَّبُّ فَأَعَدَّ حُوتاً عَظِيماً لِيَبْتَلِعَ يُونَانَ. فَكَانَ يُونَانُ فِي جَوْفِ ٱلْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ».

أمثال ٢١: ٣٠ ع ١٦ ومزمور ١٠٧: ٢٨ مزمور ١١٥: ٣ و١٣٥: ٦ ودانيال ٤: ٣٤ و٣٥ مزمور ٦٥: ٧ و٩٣: ٣ و٤ و١٠٧: ٢٩ و١صموئيل ٦: ٢ – ٥ ودانيال ٤: ٣٤ – ٣٧ مزمور ٥٠: ١٤ و٦٦: ١٣ و١٤ ص ٤: ٦ (ص ٢: ١ في العبراني) متّى ١٢: ٤٠

وَذَبَحُوا ذَبِيحَةً (ع ١٦) أي وهم في البحر. ونذروا نذوراً أي وعدوا الرب بأنهم يقدمون ذبائح أخرى حينما يصلون إلى البر. ومن تقاليد اليهود أن النواتي رجعوا إلى البر وصعدوا إلى أورشليم واعترفوا بإيمانهم بالرب واختتنوا وانضموا إلى شعب الله.

حُوتاً عَظِيماً (ع ١٧) الكلمة العبرانية الأصلية تفيد معنى حيوان كبير في البحر. ويوجد حيوانات بحرية ككلب البحر تقدر أن تبلع إنساناً. قذفه الحوت إلى البر في اليوم الثالث. وقام يسوع من القبر في اليوم الثالث. والقول ثلاثة أيام وثلاث ليال اصطلاح عبراني معناه ثلاثة أيام وليلتان. وطبعاً لا يمكن إنساناً أن يعيش ولا ساعة إذا غرق في البحر ولا سيما في جوف سمكة. فكان كأنه مات ودُفن ولما قذفه الحوت كان كمن قام من بين الأموات. فذكر يسوع هذه الحادثة وخصصها لنفسه «كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ ٱلْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ، هٰكَذَا يَكُونُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي قَلْبِ ٱلأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ» (متّى ١٢: ٤٠).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى