الرسالة إلى تيطس

الرسالة إلى تيطس | 01 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة إلى تيطس

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ

تحية رسولية ع ١ إلى ٤

١ «بُولُسُ، عَبْدُ ٱللّٰهِ، وَرَسُولُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، لأَجْلِ إِيمَانِ مُخْتَارِي ٱللّٰهِ وَمَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ، ٱلَّذِي هُوَ حَسَبُ ٱلتَّقْوَى».

٢تيموثاوس ٢: ٢٥ و١تيموثاوس ٣: ١٦ و٦: ٣

بُولُسُ، عَبْدُ ٱللّٰهِ، وَرَسُولُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ لم يأت بهذه العبارة في غير هذه الرسالة واكتفى في أكثر مقدمات رسائله بذكر أنه عبد الله وهو أعمّ من أنه رسول الله. فقال في رسالتيه إلى تيموثاوس أنه «رسول يسوع المسيح» وقال أنه «عبد يسوع المسيح» في (رومية ١: ١ وغلاطية ١: ١٠ وفيلبي ١: ١).

لأَجْلِ إِيمَانِ هذا بيان غاية اختياره رسولاً وهي أن يثبت الإيمان الحق. ونسب بولس توطيد الحق إلى المناداة بالإنجيل في رسالته إلى رومية (رومية ١٠: ١٤) والله أرسله لينشئ الإيمان الحق في قلوب المختارين ويقوّيه.

مُخْتَارِي ٱللّٰهِ أي الذين انتخبهم الله منذ الأزل للطاعة ورش دم يسوع المسيح (١بطرس ١: ٢) لا لاستحقاقهم بل بمقتضى قضاء الله (أعمال ١٣: ٤٨ ورومية ٨: ٣٠ – ٣٣ و٢تيموثاوس ١: ٩).

مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ إنّ الله وهب لمختاريه تمام معرفة إنجيله (أفسس ١: ١٣).

ٱلَّذِي هُوَ حَسَبُ ٱلتَّقْوَى أي الذي يؤول إلى التقوى. وتانك الصفتان الإيمان والتقوى ضروريتان للنمو في الحياة الروحية. وأما المعرفة التي ادعاها المبتدعون وافتخروا بها وسموا أنفسهم غنوسين أي ذوي معرفة لم تؤد قط إلى التقوى بل إلى ضدها (ع ١١ و١٦ و١تيموثاوس ٦: ٣) فإن التقوى الحقة ثمر معرفة الإنجيل. وغاية الإنجيل أن ينشئ في المؤمنين التقوى والقداسة ويجعلهم نافعين وسعداء في هذا العالم ومستعدين للسماء وأن يقاوم كل تعليم يؤدي إلى الفجور (ص ٢: ١١ و١٢ و٢تيموثاوس ٢: ١٦) فليس غايته إثبات حقائق علمية دنيوية.

٢ «عَلَى رَجَاءِ ٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ، ٱلَّتِي وَعَدَ بِهَا ٱللّٰهُ ٱلْمُنَزَّهُ عَنِ ٱلْكَذِبِ، قَبْلَ ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَزَلِيَّةِ».

٢تيموثاوس ١: ١ وص ٣: ٧ وعدد ٢٣: ١٩ و٢تيموثاوس ٢: ١٣ ورومية ١٦: ٢٥ و٢تيموثاوس ١: ٩ و١بطرس ١: ٢٠

عَلَى رَجَاءِ ٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّة هذا بيان العلّة الغائبة التي حملت بولس على الاجتهاد في توطيد إيمان المختارين ومعرفتهم للحق وهي أن يكون لهم يقين الرجاء لنيل الحياة الأبدية فاعتبر المناداة بالإنجيل أعظم الوسائل إلى تلك الغاية المجيدة «فالحياة الأبدية» هي الأمر المرجو. ومثل هذا قوله في (ص ٣: ٧).

ٱلَّتِي وَعَدَ بِهَا ٱللّٰهُ اعتبر بولس قصد الله الأزلي أن يهب الحياة الأبدية وعداً (رومية ١٦: ٢٥ و٢٦ وكولوسي ١: ٢٦ وأفسس ٣: ١١). وهذا كقوله «بِمُقْتَضَى ٱلْقَصْدِ وَٱلنِّعْمَةِ ٱلَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَزَلِيَّةِ» (٢تيموثاوس ١: ٩).

ٱلْمُنَزَّهُ عَنِ ٱلْكَذِبِ (رومية ٣: ٤ و١١: ٢٩ وعبرانيين ٦: ١٨) تمييزاً عن آلهة كريت المشهورة بالكذب والنفاق.

قَبْلَ ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَزَلِيَّة هذا كقول المسيح «ثُمَّ يَقُولُ ٱلْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا ٱلْمَلَكُوتَ ٱلْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ» (متّى ٢٥: ٣٤).

٣ «وَإِنَّمَا أَظْهَرَ كَلِمَتَهُ فِي أَوْقَاتِهَا ٱلْخَاصَّةِ، بِٱلْكِرَازَةِ ٱلَّتِي ٱؤْتُمِنْتُ أَنَا عَلَيْهَا، بِحَسَبِ أَمْرِ مُخَلِّصِنَا ٱللّٰهِ».

٢تيموثاوس ١: ١٠ و١تسالونيكي ٢: ٤ و١تيموثاوس ١: ١١ و١تيموثاوس ١: ١ و٢: ٣ و٤: ١٠

وَإِنَّمَا أَظْهَرَ كَلِمَتَهُ أي وعده بالحياة الأبدية وهو الإنجيل نفسه وهذا الوعد أساس كل رجاء الخلاص.

فِي أَوْقَاتِهَا ٱلْخَاصَّةِ التي عيّنها الله بقضائه ورآها مناسبة لإظهارها (أعمال ١: ٧ وغلاطية ٤: ٤). وقد أُظهر وعد الله بالحياة الأبدية في العهد القديم بعض الإظهار (تكوين ٣: ١٥ و١٢: ٣ و١٧: ١٥). وأُظهر كل الإظهار بالمسيح (يوحنا ٥: ٢٥ و٦: ٦٣ و١٧: ٣ و١٧).

بِٱلْكِرَازَةِ أي بالتبشير في الإنجيل (رومية ١٠: ١٤ و١٥).

ٱلَّتِي ٱؤْتُمِنْتُ أَنَا عَلَيْهَا كما قال في (أفسس ٣: ٧ و١تيموثاوس ١: ١١) وأماكن أُخر. ولم يؤتمن عليها وحده بل كان من جملة المؤتمنين.

بِحَسَبِ أَمْرِ كما أبان في (١تيموثاوس ١: ١ وغلاطية ١: ١ – ١١) فلم يبشر بالإنجيل من تلقاء نفسه بل بأمر الله.

مُخَلِّصِنَا ٱللّٰهِ وُصف الله أيضاً بأنه «مخلص» في (لوقا ١: ٤٧ و١تيموثاوس ١: ١ ويهوذا ٢٥) لأنه مصدر الفداء ولأنه أرسل يسوع ليخلصنا بطاعته وموته (يوحنا ٣: ١٦).

٤ «إِلَى تِيطُسَ، ٱلابْنِ ٱلصَّرِيحِ حَسَبَ ٱلإِيمَانِ ٱلْمُشْتَرَكِ. نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ مِنَ ٱللّٰهِ ٱلآبِ وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مُخَلِّصِنَا».

٢كورنثوس ٢: ١٣ و٧: ١٣ و٨: ٦ و١٦ و٢٣ و١٢: ١٨ وغلاطية ٢: ٣ و١تيموثاوس ١: ٢ ورومية ١: ١٢ و٢كورنثوس ٤: ١٣ و٢بطرس ١: ١ وأفسس ١: ٢ وكولوسي ١: ٢ و١تيموثاوس ١: ٢ و٢تيموثاوس ١: ٢

تِيطُسَ انظر المقدمة.

ٱلابْنِ ٱلصَّرِيحِ دعاه بهذا لأنه آمن بالمسيح بواسطة بولس رأساً وهذا مثل قوله في مؤمني كورنثوس (١كورنثوس ٤: ١٥ وفليمون ١٥). وفي هذا إشارة إلى كونه مماثلاً له في الاعتقاد والعمل. ودعاه «أخاً» في (٢كورنثوس ١١: ١٢).

حَسَبَ ٱلإِيمَانِ ٱلْمُشْتَرَكِ هذا بيان أن الرُبط بينه وبين تيطس ليست طبيعية دموية بل روحية مبنية على أن لهما رباً واحداً وإيماناً واحداً. ووصف بطرس ذوي هذه القرابة بقوله «ٱلَّذِينَ نَالُوا مَعَنَا إِيمَاناً ثَمِيناً مُسَاوِياً لَنَا، بِبِرِّ إِلٰهِنَا وَٱلْمُخَلِّصِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (٢بطرس ١: ١).

نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ (انظر تفسير رومية ١: ٧).

بيان على ترك بولس لتيطس في كريت ع ٥ إلى ٩

٥ «مِنْ أَجْلِ هٰذَا تَرَكْتُكَ فِي كِرِيتَ لِكَيْ تُكَمِّلَ تَرْتِيبَ ٱلأُمُورِ ٱلنَّاقِصَةِ، وَتُقِيمَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ شُيُوخاً كَمَا أَوْصَيْتُكَ».

١كورنثوس ١١: ٣٤ وأعمال ١٤: ٢٣ و٢تيموثاوس ٢: ٢

تَرَكْتُكَ فِي كِرِيتَ حين ذهبت من الجزيرة. هذا يدل على أن بولس وتيطس بشرا معاً في تلك الجزيرة وأن بولس لعلة لم تُعلم اضطر أن يذهب منها سريعاً فوكل إلى تيطس الخدمة إلى حين. انظر الكلام على كريت في المقدمة.

لِكَيْ تُكَمِّلَ تَرْتِيبَ ٱلأُمُورِ ٱلنَّاقِصَةِ هذا بيان أن على إبقاء تيطس هنالك إكمال ما قصد بولس إكماله ولم يستطعه قبل سفره. ولا شك في أنه كان قد أبان له شفاهاً ما هي تلك الأمور فذكره بها كتابة.

وَتُقِيمَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ شُيُوخاً هذا أحد الأمور التي لم يستطع بولس أن يكملها ورآها ضرورية لنجاح الإنجيل ونمو الكنيسة. كان عدد اليهود في تلك الجزيرة كثيراً (ع ١٠) وسمع بعض الكريتيين وعظ بولس في أورشليم يوم الخمسين منذ نحو ٣٣ سنة (أعمال ٢: ١١) ولعل بعض المؤمنين كاوا قد تشتتوا من اليهودية على أثر الاضطهاد الذي نشأ من تبشير استفانوس وبشروا في كريت كما بشروا في جزيرة قبرس (أعمال ١١: ١٩) والمرجح أنه كان كثيرون من المؤمنين بالمسيح في مدن كريت المختلفة ولكن لم يكونوا قد انتظموا كنائس حين زارهم بولس وتيطس بعد السجن الأول في رومية وأن بولس أخذ في ذلك لكنه اضطر أن يتركه قبل إكماله فوكله إلى تيطس فذكره هنا به. والمراد بقوله «نقيم شيوخاً» انتخاب من هم أهل للخدمة وتعيينهم لها (أنظر تفسير أعمال ١٤: ٢٣). إنه حين رُسم تيموثاوس كانت رسامته بوضع أيدي بولس والمشيخة عليه (١تيموثاوس ٤: ١٤). وقوله «في كل مدينة» دليل على أن الإنجيل كان منتشراً في كل الجزيرة. والذين سموا «شيوخاً» هنا سموا «أساقفة» في (ع ٧). وتعيين أسقف في كل مدينة يمنع أن يكون معنى الأسقف المعنى الذي يفهمه بعض الكنائس المسيحية وإلا لزم أن يكون أسقف واحد في كل تلك الجزيرة. ولم يبين بولس عدد الشيوخ الذين يجب أن يُقاوموا في كل مدينة ولعلهم كانوا متعددين كما كانوا في مدينة أفسس ومدينة فيلبي (أعمال ٢٠: ١٧ وفيلبي ١: ١). واشتهرت كريت قديماً بكثرة مدنها وعظمتها وأشار هوميروس في إحدى قصائده إلى مئة مدينة فيها وفي قصيدة أخرى إلى تسعين.

كَمَا أَوْصَيْتُكَ شفاهاً قبل المفارقة.

٦ «إِنْ كَانَ أَحَدٌ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ ٱمْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، لَهُ أَوْلاَدٌ مُؤْمِنُونَ لَيْسُوا فِي شِكَايَةِ ٱلْخَلاَعَةِ وَلاَ مُتَمَرِّدِينَ».

١تيموثاوس ٣: ٢ الخ و١تيموثاوس ٣: ١٢ و١تيموثاوس ٣: ٤ و١٣

صرّح بولس هنا بالصفات التي يجب أن تكون للشيوخ الذين أمر بإقامتهم في الآية السابقة.

إِنْ كَانَ أَحَدٌ بِلاَ لَوْمٍ (انظر تفسير ١تيموثاوس ٣: ١٠).

بَعْلَ ٱمْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ (ارجع إلى تفسير ١تيموثاوس ٣: ٢).

لَهُ أَوْلاَدٌ مُؤْمِنُونَ كون أولاده مؤمنين دليل على أنه أمين بالقيام بما يجب عليه لأولاده من تعليم الإنجيل بالقول والعمل.

لَيْسُوا فِي شِكَايَةِ ٱلْخَلاَعَةِ وَلاَ مُتَمَرِّدِينَ الذين أولادهم خليعون ومتمردون لا يمكن أن يعتبرهم الناس ممن «يرتبون بيوتهم حسناً» ولا يثقون بأنهم أهل لأن يُقاموا مدبرين لأهل بيت الإيمان. إن سيرة أولاد الشيخ الملتوية تمنع نفع والدهم إذا كان راعياً للكنيسة كما قيل في تفسير (١تيموثاوس ٢: ٤). رغب بولس في أن يكون بيت الأسقف ممتازاً عن سائر البيوت المشهور أهلها بالترفه وسوء الأدب وذلك بأن يكون حسن الترتيب ومثالاً للجميع.

٧ «لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ٱلأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ كَوَكِيلِ ٱللّٰهِ، غَيْرَ مُعْجِبٍ بِنَفْسِهِ، وَلاَ غَضُوبٍ، وَلاَ مُدْمِنِ ٱلْخَمْرِ، وَلاَ ضَرَّابٍ، وَلاَ طَامِعٍ فِي ٱلرِّبْحِ ٱلْقَبِيحِ».

متّى ٢٤: ٤٥ و١كورنثوس ٤: ١ و٢ وغلاطية ٥: ٢٦ وفيلبي ٢: ٣ ولاويين ١٠: ٩ وأفسس ٥: ١٨ و١تيموثاوس ٣: ٣ و٨

لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ٱلأُسْقُفُ الأمر الظاهر أن المراد «بالشيخ» في الآية الخامسة هو المراد «بالأسقف» هنا. فسمي شيخاً باعتبار مقامه وأسقفاً باعتبار عمله.

بِلاَ لَوْمٍ كما قيل في (١تيموثاوس ٣: ٢).

كَوَكِيلِ ٱللّٰهِ (انظر تفسير ١كورنثوس ٤: ١ و٢ و١بطرس ٤: ١٠). هذا نص على أن الأسقف أو القسيس وكيل الله فضلاً عن كونه خادم الكنيسة وناظرها وأن سياسة الكنيسة مما عيّنه الله.

غَيْرَ مُعْجِبٍ بِنَفْسِهِ لا ريب في أن الإعجاب بالنفس وسائر الصفات المذكورة في هذا الفصل كانت من الصفات التي اشتهر الكريتيون بها ولذلك رأى بولس وجوب أن يكون الأسقف خالياً منها. والمعجب بنفسه يبذل وسعه في إرضاء نفسه ويهمل ما عليه لغيره.

وَلاَ غَضُوبٍ (يعقوب ١: ١٩).

وَلاَ مُدْمِنِ ٱلْخَمْرِ، وَلاَ ضَرَّابٍ، وَلاَ طَامِعٍ الخ (انظر تفسير ١تيموثاوس ٣: ٣).

٨ «بَلْ مُضِيفاً لِلْغُرَبَاءِ، مُحِبّاً لِلْخَيْرِ، مُتَعَقِّلاً، بَارّاً، وَرِعاً، ضَابِطاً لِنَفْسِهِ».

١تيموثاوس ٣: ٢

بَلْ مُضِيفاً لِلْغُرَبَاءِ (١تيموثاوس ٣: ٢).

مُحِبّاً لِلْخَيْرِ ولذلك يجتهد في إجرائه في الروحيات والزمنيات لأفراد الناس وللكنيسة كلها.

مُتَعَقِّلاً (١تيموثاوس ٢: ٩).

بَارّاً، وَرِعاً (انظر أفسس ٤: ٢٥ و١تسالونيكي ٢: ١٠ وتفسيرهما).

ضَابِطاً لِنَفْسِهِ أي متسلطاً عليه من النظر إلى مهيجات الفجور ولسانه من التكلم بالشر ويديه من فعله وفمه من المسكرات وهلم جراً.

٩ «مُلاَزِماً لِلْكَلِمَةِ ٱلصَّادِقَةِ ٱلَّتِي بِحَسَبِ ٱلتَّعْلِيمِ، لِكَيْ يَكُونَ قَادِراً أَنْ يَعِظَ بِٱلتَّعْلِيمِ ٱلصَّحِيحِ وَيُوَبِّخَ ٱلْمُنَاقِضِينَ».

١تيموثاوس ١: ١٥ و٤: ٩ و٦: ٣ و٢تيموثاوس ٢: ٢ و١تيموثاوس ١: ١٠ و٦: ٩ و٢تيموثاوس ٤: ٣ وص ٢: ١ و٢تسالونيكي ٢: ١٥ و٢تيموثاوس ١: ١٣

ما سبق من الكلام على خدم الدين مختص بصفاتهم وما هنا مختص بتعليمهم.

مُلاَزِماً لِلْكَلِمَةِ ٱلصَّادِقَةِ أي متمسكاً بإنجيل المسيح على وفق قوله «صَادِقَةٌ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ… أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ ٱلْخُطَاةَ ٱلَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا» (١تيموثاوس ١: ١٥ انظر أيضاً ٢تسالونيكي ٢: ١٥) وهذا خلاف ما أتى به المعلمون الكاذبون.

ٱلَّتِي بِحَسَبِ ٱلتَّعْلِيمِ أي تعليم كتاب الله على وفق قوله لتيموثاوس «أَنَّكَ مُنْذُ ٱلطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ ٱلْكُتُبَ ٱلْمُقَدَّسَةَ، ٱلْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ» (٢تيموثاوس ٣: ١٥ و١تيموثاوس ٤: ٦).

لِكَيْ يَكُونَ قَادِراً أَنْ يَعِظَ بِٱلتَّعْلِيمِ ٱلصَّحِيحِ أي يبشر المؤمنين بما هو حق ونافع وقائد إلى القداسة.

وَيُوَبِّخَ ٱلْمُنَاقِضِينَ أي يحجّجهم ويبكمهم.

وصف الذين يجب أن يقاومهم ع ١٠ إلى ١٦

١٠ «فَإِنَّهُ يُوجَدُ كَثِيرُونَ مُتَمَرِّدِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِٱلْبَاطِلِ، وَيَخْدَعُونَ ٱلْعُقُولَ، وَلاَ سِيَّمَا ٱلَّذِينَ مِنَ ٱلْخِتَانِ».

١تيموثاوس ١: ٦ رومية ١٦: ١٨ أعمال ١٥: ١

يُوجَدُ كَثِيرُونَ داخل الكنيسة ما عدا المناقضين خارجها.

مُتَمَرِّدِينَ يأبون الخضوع للسلطة الشرعية ولا سيما السلطة الرسولية (انظر تفسير ١تيموثاوس ١: ٦ و٧).

يَتَكَلَّمُونَ بِٱلْبَاطِلِ كما قيل في (٢تيموثاوس ٣: ١٣) فهم يماحكون في مسائل لا طائل تحتها وفي أنساب وخرافات وتقاليد بشرية.

يَخْدَعُونَ ٱلْعُقُولَ أي يضلونها عن سبيل الإنجيل.

وَلاَ سِيَّمَا ٱلَّذِينَ مِنَ ٱلْخِتَانِ هذا يوافق ما في تواريخ ذلك العصر وهو أنه كان في كريت يومئذ كثيرون من اليهود ولا عجب من أن بعضهم دخل جماعة المسيحيين فسماهم بولس «الذين من الختان» لأنهم علموا أن الختان ضروري للخلاص كما علم متنصرو اليهود في اليهودية (أعمال ١٦: ١).

١١ «ٱلَّذِينَ يَجِبُ سَدُّ أَفْوَاهِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَقْلِبُونَ بُيُوتاً بِجُمْلَتِهَا، مُعَلِّمِينَ مَا لاَ يَجِبُ، مِنْ أَجْلِ ٱلرِّبْحِ ٱلْقَبِيحِ».

متّى ٢٣: ١٤ و٢تيموثاوس ٣: ٦ و١تيموثاوس ٦: ٥

ٱلَّذِينَ يَجِبُ سَدُّ أَفْوَاهِهِمْ لكي لا يستمروا أن يخدعوا الناس ويضروا الكنيسة. وليس المراد بسد أفواههم إجبارهم على السكوت بواسطة الحكام أو الاضطهاد بل بالوسائط التي يجيزها الإنجيل مثل إقامة البراهين من الكتب المقدسة كما أفحم المسيح الصدوقيين وأسكت الفريسيين حتى «لم يجسروا على أن يجادلوه بعد ذلك» (متّى ٢٢: ٣٤ – ٤٠) أو بإقامة الأدلة على فساد تعليمهم وبيان جهلهم أو بالسيرة الصالحة (١بطرس ٢: ١٥).

يَقْلِبُونَ بُيُوتاً بِجُمْلَتِهَا أي يفسدون إيمان كل أهل البيت من الوالدين والأولاد والعبيد. ولعلهم علموا الحرية المطلقة وأنهم أحرار من كل الشرائع الإلهية والبشرية.

مُعَلِّمِينَ مَا لاَ يَجِبُ أي معلمين ما لا يجوز لكونه مخالفاً لشريعة الله ومفسداً لطهارة الكنيسة وآداب الناس وجالباً الإهانة لاسم المسيح.

مِنْ أَجْلِ ٱلرِّبْحِ ٱلْقَبِيحِ أي لكي يحشدوا الأموال من تباعهم. ووصفهم في موضع آخر «بأنهم يظنون التقوى تجارة» (١تيموثاوس ٦: ٥). فيعلّمون الناس ما يرضيهم بغية أن يتخذوهم مرشدين لهم في الأمور الدينية وينفقوا عليهم. وهذا يبين أن علة تعليمهم البدع ليس جهلهم الحق أو توهمهم صحة تعليمهم بل طمعهم.

١٢ «قَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَهُوَ نَبِيٌّ لَهُمْ خَاصٌّ: ٱلْكِرِيتِيُّونَ دَائِماً كَذَّابُونَ. وُحُوشٌ رَدِيَّةٌ. بُطُونٌ بَطَّالَةٌ».

أعمال ١٧: ٢٨

ما في هذه الآية مقتبس من شاعر وثني ذكره دلالة على صحة شهادته على الكريتيين. واستشهد بولس أيضاً بعض شعراء الوثنيين في (أعمال ١٧: ٢٨ و١كورنثوس ١٥: ٣٣).

قَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أي من أهل كريت.

وَهُوَ نَبِيٌّ لَهُمْ خَاصٌّ حسب اعتقاد الكريتيين. وهو أبيمينيدس أحد حكماء اليونان السبعة المشهورين. وُلد في كريت سنة ٦٠ ق. م وكان فيلسوفاً وشاعراً واعتبره كذلك شعراء أولئك العصر ومؤرخوه اليونانيون وقد فُقد كل ما نظمه من القصائد. والجملة المقتبسة أُخذت من قصيدة لشاعر آخر اسمه كليماكس أخذ تلك الجملة عن أبيمينيدس وكانت تلك القصيدة تسبحة لزفس إله الآلهة عند قدماء اليونانيين وهو جوبتر عند قدماء الرومانيين.

ٱلْكِرِيتِيُّونَ دَائِماً كَذَّابُونَ هذا موافق لشهادة كثيرين من مؤرخي ذلك العصر حتى صار الكريتي رديف الكذاب كما كان الكورنثي رديف الزاني.

وُحُوشٌ رَدِيَّةٌ إشارة إلى قساوتهم وشراسة أخلاقهم.

بُطُونٌ بَطَّالَةٌ إشارة إلى شراهتهم في الأطعمة والأشربة وإلى فرط كسلهم. ولشهرة الكريتين بتلك الصفات الثلاث حذّر بولس تيطس من أن يرسم أحداً منهم مبشراً ومعلماً في كنيسة المسيح هنالك قبل أن يتحقق أن نعمة الله قد جددت أخلاقه الطبيعية وجعلته مشابهاً للمسيح.

١٣ «هٰذِهِ ٱلشَّهَادَةُ صَادِقَةٌ. فَلِهٰذَا ٱلسَّبَبِ وَبِّخْهُمْ بِصَرَامَةٍ لِكَيْ يَكُونُوا أَصِحَّاءَ فِي ٱلإِيمَانِ».

٢كورنثوس ١٣: ١٠ و٢تيموثاوس ٤: ٢ ولاويين ١٩: ١٧ و٢كورنثوس ٧: ٨ إلى ١٢ وص ٢: ٢

هٰذِهِ ٱلشَّهَادَةُ صَادِقَةٌ أي شهادة شاعرهم قديماً تصدق عليهم في يوم كتب هذه الرسالة. ولم يقل بولس ذلك احتقاراً للكريتيين بل إظهاراً لصفاتهم الحقيقية ليعرفها تيطس فلا يُخدع بل يجتهد في إصلاحهم.

فَلِهٰذَا ٱلسَّبَبِ وَبِّخْهُمْ أي وبخ الضالين من أهل الكنيسة لا المعلمين المفسدين.

بِصَرَامَةٍ لكي لا يشك أحد في مراده ويبين في من هو المقصود بذلك التوبيخ وأن الموبخين في خطر الهلاك فيحتاج إلى شديد التوبيخ لكي ينتبهوا لأنفسهم ويصلحوا قلوبهم فلا يبقوا كذابين ووحوشاً ردية وبطوناً بطالة ويصيروا صديقين قديسين.

لِكَيْ يَكُونُوا أَصِحَّاءَ فِي ٱلإِيمَانِ صحة النفس أهم من صحة الجسد وشرط صحة النفس الثبات في الإيمان بحقائق الإنجيل. إن مؤمني كريت كانوا بمخالطتهم لفاسدي الإيمان والسيرة عرضة لخطر التمثل بهم وخسارة طهارة إيمانهم بالإنجيل الطاهر.

١٤ «لاَ يُصْغُونَ إِلَى خُرَافَاتٍ يَهُودِيَّةٍ وَوَصَايَا أُنَاسٍ مُرْتَدِّينَ عَنِ ٱلْحَقِّ».

١تيموثاوس ١: ٤ و٤: ٧ و٢تيموثاوس ٤: ٤ وإشعياء ٢٩: ١٣ ومتّى ١٥: ٩ وكولوسي ٢: ٢٢

لاَ يُصْغُونَ إِلَى خُرَافَاتٍ يَهُودِيَّةٍ (انظر تفسير ١تيموثاوس ١: ٤ و٦: ٢٠) ومثل هذه الخرافات مجموع في كتاب ديني لليهود يُعرف بالتلمود.

وَوَصَايَا أُنَاسٍ الخ (انظر تفسير متّى ١٥: ٣ – ٥ وكولوسي ١: ١٦ و٢٢). وهذه الخرافات والوصايا البشرية تجور بالناس عن حق الإنجيل فتفسد إيمانهم به وتحملهم على سوء السيرة وتحريم ما صرّح الله بأنه حسن وجعل الامتناع عنه فضيلة وحسبان رسوم الدين الخارجية جوهرية وحفظها ضرورياً للخلاص بدلاً من الإيمان بالمسيح وحسن السيرة مع التواضع وطلب نفع الغير. وتعليم بولس هنا يوافق ما قاله المسيح في (متّى ١٥: ١ – ٢٠) والمرجّح أنه بُني عليه.

١٥ «كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ لِلطَّاهِرِينَ، وَأَمَّا لِلنَّجِسِينَ وَغَيْرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ شَيْءٌ طَاهِراً، بَلْ قَدْ تَنَجَّسَ ذِهْنُهُمْ أَيْضاً وَضَمِيرُهُمْ».

لوقا ١١: ٣٩ إلى ٤١ ورومية ١٤: ١٤ و٢٠ و١كورنثوس ٦: ١٢ و١٠: ٢٣ و٢٥ و١تيموثاوس ٤: ٣ و٤ ورومية ١٤: ١٣

هذا جواب الرسول على تعليم المعلمين الفاسدين المفصل في (ع ١٤) وهو يبيّن أن مضمون «وصايا الناس» تحريم ما أجازه الله.

كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ لِلطَّاهِرِينَ أي لأطهار القلوب (متّى ٥: ٨) الذي طهر الله قلوبهم بالإيمان (أعمال ١٥: ٩). وأراد بكل شيء هنا كل ما هو مادي خارجي. والمراد «بالطاهر» جائز الاستعمال ولا ريب في أنه أشار بذلك إلى الأطعمة والأشربة. فبعض الأطعمة في شريعة موسى لم يُحسب طاهراً لليهودي فحُرم عليه وحُسب بعضها طاهراً جائزاً أن يُتناول. وهذا يوافق قوله سابقاً «إِنِّي عَالِمٌ وَمُتَيَقِّنٌ فِي ٱلرَّبِّ يَسُوعَ أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ نَجِساً بِذَاتِهِ» (رومية ١٤: ١٤ فانظر التفسير في موضعه) وهو موافق لقول الرسول «ليس ما يدخل الفم بنجس الإنسان» (متّى ١٥: ٢ و١١). ولا يستلزم ذلك أن الأمور المحرمة بذاتها جائزة للمؤمنين لأن القرينة تدل أن كلام بولس محصور في ما يؤكل ويشرب وأن القداسة لا بقوم بالامتناع عن بعض أنواع الطعام وأن الخطيئة لا تنشأ عن تناول الأطعمة.

أَمَّا لِلنَّجِسِينَ بالخطيئة.

وَغَيْرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أي رافضي الإنجيل.

فَلَيْسَ شَيْءٌ طَاهِراً لأنه صارت لهؤلاء كل الأشياء وسائل إلى الإثم ومؤديات إليه لنجاسة قلوبهم وأفكارهم وشهواتهم. فإذا توقع الخاطئ أن يتطهر بواسطة استعمال الماديات عبث. نعم إن الله خلق الأشياء حسنة ولكن الإنسان نجسها بسوء استعماله إيّاها. إن المسيح حرّر المسيحي من حفظ ناموس موسى في شأن تمييز الأطعمة وغيره من الرسوم اليهودية لأن الغاية من ذلك التمييز قد انتهت وهي انفصال اليهود عن سائر الأمم والإشارة إلى المسيح وعمله الفدائي.

قَدْ تَنَجَّسَ ذِهْنُهُمْ أَيْضاً وَضَمِيرُهُمْ هذا الحال أردأ من حال الذي كان يتنجس تنجساً خارجياً بمخالفته شريعة موسى الرمزية فهي تجعل باطن الإنسان نجساً مكروهاً أمام الله وتؤدي إلى النمو والتقدم في النجاسة أبداً كما يظهر من قول المسيح «إِنْ كَانَ ٱلنُّورُ ٱلَّذِي فِيكَ ظَلاَماً فَٱلظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ!» (متّى ٦: ٢٣). والمراد «بالذهن والضمير» هنا كل باطن الإنسان من أفكار وأهواء ومقاصد.

١٦ «يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ ٱللّٰهَ، وَلٰكِنَّهُمْ بِٱلأَعْمَالِ يُنْكِرُونَهُ، إِذْ هُمْ رَجِسُونَ غَيْرُ طَائِعِينَ، وَمِنْ جِهَةِ كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ مَرْفُوضُونَ».

٢تيموثاوس ٣: ٥ ويهوذا ٤ ورومية ١: ٢٨ و٢تيموثاوس ٣: ٨

يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ ٱللّٰهَ أي هؤلاء المعلمون المفسدون الذين وصف تعليمهم في (ع ١٤) وكانوا يشبهون الكتبة والفريسيين الذين وبخهم المسيح في متّى (ص ٢٣). والمرجّح أنهم كانوا يدّعون أنهم يعرفون الله معرفة سامية لم يدركها سواهم من الناس.

وَلٰكِنَّهُمْ بِٱلأَعْمَالِ يُنْكِرُونَهُ شهادة أعمالهم تنفي شهادة أفواههم. إن الناس يشبهون معبوداتهم فلو عرفوا الله حق المعرفة وعبدوه لكانوا أشبهوه.

إِذْ هُمْ رَجِسُونَ في نظر الله.

غَيْرُ طَائِعِينَ سيرتهم منافية لما أمر به الرب وتبرهن على أنهم يجهلونه.

وَمِنْ جِهَةِ كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ مَرْفُوضُونَ لأنهم غير نافعين لإجراء عمل صالح وقد تبين بالامتحان أنهم ناقصون فوجب على محبي الصلاح أن لا يتعلموا منهم ولا يتمثلوا بهم. وقد سبق الكلام على المرفوض في (رومية ١: ٢٨ و٢كورنثوس ١٣: ٥).

المقدمة
الأصحاح الثاني
زر الذهاب إلى الأعلى