تيموثاوس الثانية

الرسالة الثانية إلى تيموثاوس | 01 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة الثانية إلى تيموثاوس

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ

تسليم الرسول على تيموثاوس ع ١ و٢

١ «بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ ٱللّٰهِ، لأَجْلِ وَعْدِ ٱلْحَيَاةِ ٱلَّتِي فِي يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».

٢كورنثوس ١: ١ وأفسس ٣: ٦ وتيطس ١: ٢ وعبرانيين ٩: ١٥

بُولُسُ، رَسُولُ… بِمَشِيئَةِ ٱللّٰهِ قال في الرسالة الأولى «بحسب أمر الله» (١تيموثاوس ١: ١) ولا ريب في أن هذا الأمر كان ناشئاً عن مشيئته تعالى. ونسب «رسوليته» إلى «مشيئة الله» واختياره في رسالتيه إلى كورنثوس والرسالة إلى أفسس وكولوسي وعنى بذلك أن الله اختاره رسولاً بقطع النظر عن استحقاقه أو عمله. ونسبته هنا «رسوليته» إلى «مشيئة الله» موافقة لخضوعه للإرادة الإلهية على ما أظهر في كل هذه الرسالة. وهذا الخضوع حمله على أن يسرّ بأسفاره للتبشير بالإنجيل وأن يبتهج بإقامته بسجن نيرون حيث كان يتوقع الموت حين كتب هذه الرسالة إلى صديقه وتلميذه.

لأَجْلِ وَعْدِ ٱلْحَيَاةِ في هذا بيان أن غاية تعيينه رسولاً المناجاة بوعد المسيح بالحياة الأبدية حياة السعادة الحقة للمؤمنين به (تيطس ١: ١ و٢) ومع أن بولس كان يتوقع يومئذ نهاية الحياة الحاضرة تكلم في الوعد بالحياة التي لا تنتهي وهي الحياة في المسيح (ع ٢٠ و٢: ٨) وهذا على وفق قول المسيح «أتيت لتكون لكم الحياة» (يوحنا ١٠: ١٠) وهذه الحياة يحتاج إليها الخاطئ كل الاحتياج لأنه محكوم عليه بالموت لأجل خطاياه فعجز عن أن ينالها بسوى المسيح.

٢ «إِلَى تِيمُوثَاوُسَ ٱلابْنِ ٱلْحَبِيبِ. نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ مِنَ ٱللّٰهِ ٱلآبِ وَٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا».

١تيموثاوس ١: ٢

ٱلابْنِ ٱلْحَبِيبِ دعاه في الرسالة الأولى «الابن الصريح في الإيمان» وأظهر بما دعاه به هنا محبته له وبذلك ثقته به.

نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ (انظر تفسير رومية ١: ٧ و١تيموثاوس ١: ٢).

شكر الرسول لله لأجل تيموثاوس وبيان محبته له وشوقه إلى مشاهدته ع ٣ إلى ٥

٣ « إِنِّي أَشْكُرُ ٱللّٰهَ ٱلَّذِي أَعْبُدُهُ مِنْ أَجْدَادِي بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ، كَمَا أَذْكُرُكَ بِلاَ ٱنْقِطَاعٍ فِي طِلْبَاتِي لَيْلاً وَنَهَاراً».

رومية ١: ٨ وأفسس ١: ١٦ أعمال ٢٢: ٣ و٢٣: ١ و٢٤: ١٤ و٢٧: ٢٣ ورومية ١: ٩ وغلاطية ١: ١٤ و١تسالونيكي ١: ٢ و٣: ١٠

إِنِّي أَشْكُرُ ٱللّٰهَ موضوع شكره في (ع ٥) وهو إيمان تيموثاوس العديم الرياء الذي سكن في جدته وأمه.

أَعْبُدُهُ مِنْ أَجْدَادِي لم يعن «بالأجداد» أجداد شعب إسرائيل كإبراهيم وإسحاق ويعقوب بل سلفاءه الأقربين الذين شهد بتقواهم وأمانتهم وامتيازهم بالغيرة الدينية فاعتبر غيرته الدينية ميراثاً من أولئك الجدود مع أن التقوى لا تورث عن الوالدين. لكن كثيراً ما يكون الوالدون المسيحيون سبب خلاص لأهل بيتهم علاوة على خلاص أنفسهم. ومن أمثلة ذلك في الإنجيل غير بولس زكا (لوقا ١٩: ٩) وكرنيليوس (أعمال ١٠: ٤٤). وليدية والسجّان في فيلبي (أعمال ١٦: ١٥ و٣١). وكثيرون اليوم من هم كبولس في أن لهم ما يدعوهم إلى الشكر لله على إيمان أسلافهم.

بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ حين كنت يهودياً (أعمال ٢٣: ١) وحين صرت مسيحياً.

أَذْكُرُكَ بِلاَ ٱنْقِطَاعٍ الخ هذا دليل على أن حياة بولس السرّية كانت حياة صلاة فإن غايته من الصلاة لم تكن نفع نفسه فقط بل نفع الذين أحبهم أيضاً ولا سيما تيموثاوس.

٤ «مُشْتَاقاً أَنْ أَرَاكَ، ذَاكِراً دُمُوعَكَ لِكَيْ أَمْتَلِئَ فَرَحاً».

ص ٤: ٩ و٢١

مُشْتَاقاً أَنْ أَرَاكَ (انظر ص ٤: ٩ و٢١) والمرجّح أن اشتياقه هذا كان من علل كتابته لهذه الرسالة لشدة المودة بينه وبين تيموثاوس ولفرط حاجته إليه ولأنه كان يرى أنه مشرف على الموت.

ذَاكِراً دُمُوعَكَ المرجّح أن هذه الدموع هي التي أجراها يوم فارقه آخر مرة. ولعله ظهرت علامات الخطر على بولس يومئذ فحملت تيموثاوس على الشك في أن يراه ثانية فبكى.

كان لبولس أصدقاء كثيرون في كل موضع كان يذهب إليه وكانوا يظهرون محبتهم له بحزنهم وبكائهم ساعة المفارقة (أعمال ٢٠: ٣٧ و٣٨ و٢١: ٣١).

٥ «إِذْ أَتَذَكَّرُ ٱلإِيمَانَ ٱلْعَدِيمَ ٱلرِّيَاءِ ٱلَّذِي فِيكَ، ٱلَّذِي سَكَنَ أَوَّلاً فِي جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ وَأُمِّكَ أَفْنِيكِي، وَلٰكِنِّي مُوقِنٌ أَنَّهُ فِيكَ أَيْضاً».

١تيموثاوس ١: ٥ و٤: ٦ وأعمال ١٦: ١

إِذْ أَتَذَكَّرُ ٱلإِيمَانَ ٱلْعَدِيمَ ٱلرِّيَاءِ ٱلَّذِي فِيكَ هذا متعلق بقوله «اشكر الله» في الآية الثالثة فأبان أن علة ذلك الشكر أن الله أنشأ الإيمان الحق في قلب تيموثاوس وقلب أمه وجدته انظر تفسير «الإيمان العديم الرياء» في (١تيموثاوس ٤: ٦).

ٱلَّذِي سَكَنَ أَوَّلاً فِي جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ هذا تصريح بأنها كانت كتيموثاوس مؤمنة حقة بالمسيح والأرجح أنها آمنت أيام زيارة بولس الأولى لدربة ولسترة وفي سفره الأول للتبشير (أعمال ص ١٤: ١).

وقوله «أولاً» يرجّح أنها كانت أول من آمن من بيتها. ولم يذكر لوقا هذه الجدة في كلامه على بيت تيموثاوس (أعمال ١٦: ١) فالأرجح أنه لم يعرف من أمرها ما عرف بولس. ويتضح من قول لوقا أن أم تيموثاوس وُلدت يهودية إن جدته كانت كذلك ولا ريب في أن إيمان تلك الجدة كان وسيلة بالله إلى هداية بنتها وحفيدها إلى المسيح.

وَأُمِّكَ أَفْنِيكِي لا نعلم شيئاً من أمرها غير ما ذُكر هنا وقول لوقا أنها كانت يهودية ذات بعل يوناني وأنها آمنت بالمسيح (أعمال ١٦: ١) ولم يُذكر أن أباه كان مؤمناً. فمن أعظم البركات للولد أن تكون أمه تقية. ومن تقيات الأمهات حنة أم صموئيل وأليصابات أم يوحنا وسالومي أم يعقوب ويوحنا ومونيكي أم أوغسطينوس.

حث بولس لتيموثاوس على أن يزيد غيرة وإيماناً وشجاعة ع ٦ إلى ١٨

٦ «فَلِهٰذَا ٱلسَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضاً مَوْهِبَةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ».

١تسالونيكي ٥: ١٩ و١تيموثاوس ٤: ١٤

لِهٰذَا ٱلسَّبَبِ أي لإيمانك الذي ورثته وكان لك ولم يزل.

أَنْ تُضْرِمَ أَيْضاً مَوْهِبَةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي فِيكَ اعتبر الرسول تلك الموهبة مثل جمر نار غطاه الرماد فخمد فاحتاج إلى أن يُحرك ويجدد لكي يلتهب كما التهب أولاً. لم يتهمه الرسول بالفتور في الحياة الروحية لأنه اعتبر أنه اتقدت فيه النار السماوية لكنه لعلمه أنها لا تبقى مضطرمة بدون الاجتهاد واستعمال الوسائط ولرغبته في أن تزيد اضطراماً حثه على بذل المجهود في زيادة إيقادها. وهذا لا يفرق معناه كثيراً عن معنى قوله «وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ ٱللّٰهِ فَٱهْرُبْ مِنْ هٰذَا، وَٱتْبَعِ ٱلْبِرَّ وَٱلتَّقْوَى وَٱلإِيمَانَ وَٱلْمَحَبَّةَ وَٱلصَّبْرَ وَٱلْوَدَاعَةَ. جَاهِدْ جِهَادَ ٱلإِيمَانِ ٱلْحَسَنَ» (١تيموثاوس ٦: ١١ و١٢). وقوله «ٍٱجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ لِلّٰهِ مُزَكّىً، عَامِلاً لاَ يُخْزَى» (ص ٢: ١٥).

لعلّ بولس خاف من أن ييأس من طول سجن معلمه ومن خوفه أن يؤخذ عنه بعد قليل بعدما كان سنده في كل تلك السنين ومن الشك في أنه يضطر أن يقاوم أعداء الكنيسة وحده في داخلها وفي خارجها فأراد بذلك أن يشجع تلميذه على أن يجدد جهاده واجتهاده تمهيداً لما يكون عليه وهو وحده.

وأراد «بموهبة الله» نعمة الروح القدس الخاصة التي وُهبت له لتقديره على التبشير بالإنجيل علاوة على ما أُعطي سائر المؤمنين (انظر تفسير ١تيموثاوس ٤: ١٤).

بِوَضْعِ يَدَيَّ لا منافاة بين قوله هنا وقوله «بوضع أيدي المشيخة» (١تيموثاوس ٤: ١٤). إذا حسبنا بولس من جملتهم حين رسمه أو قائدهم كما يليق به بالنظر إلى كونه رسولاً. و «الموهبة» التي نالها تيموثاوس حينئذ كانت موهبة «القوة والمحبة والنصح» (ع ٨). وكان «وضع الأيدي» علامة تلك الموهبة وختمها الظاهر لا قوة سرّية تصل من أيدي الراسمين إلى المرسوم.

٧ «لأَنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ ٱلْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ ٱلْقُوَّةِ وَٱلْمَحَبَّةِ وَٱلنُّصْحِ».

رومية ٨: ١٥ ولوقا ٢٤: ٤٩ وأعمال ١: ٨ وتيطس ٢: ٤

لأَنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يُعْطِنَا حين دعانا بروحه القدوس وخص بنا خدمة الإنجيل.

رُوحَ ٱلْفَشَلِ أي الجبن واليأس ولهذا حثّه على أن يضرم موهبة الله فيه لأن تلك الموهبة تستلزم الشجاعة والرجاء وتطرد من القلب اليأس الذي كان تيموثاوس عرضة له لمقاومة المعلمين الكاذبين له وغيرهم من الأعداء داخل الكنيسة وخارجها ولميله طبعاً إلى الإعراض عن المقاومة ولتأثير سجن الرسول فيه وتوقعه قرب موته (يوحنا ١٤: ٢٩ ورؤيا ٢١: ٨). فذكر بولس تيموثاوس أن الروح القدس لم ينشئ قط في قلب المؤمن جبناً أو يأساً.

بَلْ رُوحَ ٱلْقُوَّةِ ليجاهد جهاد الإيمان ويهجم على جنود الضلال فضلاً عن احتمال الصيقات بالصبر. «فروح القوة» هو هبة الاقتدار على دفع التجربة عن حصن الحق وتقوية الرفقاء بأقواله وأعماله.

وَٱلْمَحَبَّةِ التي تحمله على إنكار ذاته ونفع غيره وأعمال الرحمة وبذل نفسه في سبيل المسيح وكنيسته.

وَٱلنُّصْحِ أي الخلوص وهذا يظهر بضبط النفس فيقدر به الإنسان على أن يخالط العالم ولا يتدنس به ولا يسلم لتجاربه وشهواته ولا يتزعزع بتضليلاته فيشهد أبداً عليه بفساد مبادئه وأعماله.

٨ «فَلاَ تَخْجَلْ بِشَهَادَةِ رَبِّنَا، وَلاَ بِي أَنَا أَسِيرَهُ، بَلِ ٱشْتَرِكْ فِي ٱحْتِمَالِ ٱلْمَشَقَّاتِ لأَجْلِ ٱلإِنْجِيلِ بِحَسَبِ قُوَّةِ ٱللّٰهِ».

رومية ١: ١٦ و١تيموثاوس ٢: ٦ ورؤيا ١: ٢ وأفسس ٣: ١ وفيلبي ١: ٧ وكولوسي ١: ٢٤ وص ٤: ٥

فَلاَ تَخْجَلْ بِشَهَادَةِ رَبِّنَا الخجل قرين الخوف فالشجاعة نتيجة الروح الذي أعطانا الله إياه بدليل قوله «إِنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ ٱلْفَشَلِ» (ع ٧). نهى الرسول تيموثاوس عن أن يخاف من إنسان يريد منعه عن الشهادة بكل الحق المتعلق بربنا وعن المناداة بالإنجيل في شأن لاهوته وتجسده ورفض رؤساء اليهود إياه وموته عن الخطأة على الصليب وقيامته وصعوده. ونهيه عن «الخجل» يستلزم أن ينادي جهراً بأن المسيح أصل كل رجاء وسرور (يوحنا ٣: ١١ و٣٢ و٣٣ و٧: ٧ وأعمال ١٠: ٢٢ و٢٠: ٢٤ و١كورنثوس ١: ٦ ورؤيا ٢٢: ٦). خشي بولس من أن الضيقات والاضطهادات المقترنة بالشهادة لإنجيل المسيح تحمل تيموثاوس على إخفاء بعض مبادئه ولذلك كتب هذه النصيحة وضم نفسه إليه بقوله «ربنا» بياناً لكون ربهما واحداً وشهادتهما له واحدة.

وَلاَ بِي أَنَا أَسِيرَهُ أي يجب أن لا تستحي من أن نعترف الآن وفيما بعد أني أنا بولس المسجون المحكوم عليّ صديقك ومعلمك. فتبرهن من هذه الآية أن بولس لما كتب هذه الرسالة كان في السجن وأن تيموثاوس علم أنه سجن على جسارته في التبشير بالإنجيل وأنه كان في خطر لا يريد أن يعرّض نفسه لمثله وإن كل أصدقاء بولس كانوا عرضة لذلك كما يظهر مما قيل في فيجلُّس وهرموجانس (ع ١٥) وامتياز أنيسيفورس عليهما (ع ١٦).

بَلِ ٱشْتَرِكْ فِي ٱحْتِمَالِ ٱلْمَشَقَّاتِ لأَجْلِ ٱلإِنْجِيلِ أي كن مستعداً لمشاركتي ومشاركة المسيح وكل أتباعه في أن تحتمل بالصبر والفرح كل ما يعرض للمؤمن من أجل اعترافه بالإنجيل (كولوسي ١: ٢٤).

حَسَبِ قُوَّةِ ٱللّٰهِ في هذا بيان لأن الاستعداد لاحتمال المشقات في سبيل الإنجيل هو بالنسبة إلى مقدار الشعور بقوة الله فينا بإنقاذه إيانا من الخطيئة والشيطان وجذبنا إلى المسيح ومنح النعمة والصبر لنا لكي نثبت في نيران التجارب ونطمئن وننتصر بتوقعنا الموت.

٩ «ٱلَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى ٱلْقَصْدِ وَٱلنِّعْمَةِ ٱلَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَزَلِيَّةِ».

١تيموثاوس ١: ١ وتيطس ٣: ٤ و١تسالونيكي ٤: ٧ وعبرانيين ٣: ١ ورومية ٣: ٢٤ و٩: ١١ وتيطس ٣: ٤ ورومية ٨: ٢٨ ورومية ١٦: ٢٥ وأفسس ١: ٤ و٣: ١١ وتيطس ١: ٢ و١بطرس ١: ٢٠

في هذه الآية تفصيل كل مظاهر «قوة الله» لنا.

ٱلَّذِي خَلَّصَنَا بإنقاذنا من جهنم وجعله إيانا سعداء إلى الأبد في السماء. هذا يتضمن كل ما عمله الله لنا من أعمال الفداء وسوف يعمله على وفق قوله «حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا ٱللّٰهِ وَإِحْسَانُهُ لاَ بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ خَلَّصَنَا» (تيطس ٣: ٤ و٥).

إن خلاص الخاطئ بيّنة على عظمة قدرة الله أعظم من خلقه العالم فيستحق عليه التمجيد الأعظم (رؤيا ٧: ١٠ و١١).

وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً لأن الداعي إلى الخلاص الله الآب القدوس نفسه (رومية ٨: ٢٨ و٣٠ وغلاطية ١: ٦ وأفسس ٤: ١) وهي دعوة مقدسة لأنها دعوة الإنسان إلى الشركة في الطبيعة الإلهية (٢بطرس ١: ٤). وإلى الاتحاد بالمسيح (١بطرس ١: ٩) فتوجب علينا أن نكون قديسين. فللناس دعوة خارجية بالتبشير تسمعها الأذن ودعوة داخلية بالروح القدس يدركها القلب.

لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا قال ذلك بياناً لأصل هذا الخلاص أنه ليس منّا البتة (انظر تفسير رومية ٣: ٣٤ وأفسس ١: ٤ و٢: ٨ و٩ وانظر أيضاً تيطس ٣: ٥). إن الله لم يدعنا إلى الخلاص باعتبار استحقاقنا بدليل قوله في العبارة التالية «إن النعمة أُعطيت منذ الأزل» فمن الواضح أن لا مدخل لأعمالنا في مسئلة الخلاص لأنه قصده قبل أن خلقنا.

بَلْ بِمُقْتَضَى ٱلْقَصْدِ أي قصد الله الأزلي بدون إمكان سبب خارج فهو من مجرد محبته تعالى (أفسس ١: ١٠ و١١).

وَٱلنِّعْمَةِ أي الرحمة بدليل قوله «لاَ بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ خَلَّصَنَا» (تيطس ٣: ٥).

أُعْطِيَتْ لَنَا فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَزَلِيَّةِ أي بقصد الله وقضائه منذ الأزل والمسيح كان علة هذه «النعمة» فهي عطية مبنية على استحقاقه وأمكن منحها بموته كفارة لخطايا الخاطئ.

١٠ «وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ ٱلآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي أَبْطَلَ ٱلْمَوْتَ وَأَنَارَ ٱلْحَيَاةَ وَٱلْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ ٱلإِنْجِيلِ».

رومية ١٦: ٢٦ وأفسس ١: ٩ وكولوسي ١: ٢٦ وتيطس ١: ٣ و١بطرس ١: ٢٠ و١كورنثوس ١٥: ٥٤ و٥٥ وعبرانيين ٢: ١٤

وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ ٱلآنَ التي أُظهرت هي «نعمة الله» وهي الهبة التي أُعطيها الناس بالمسيح باعتبار كون الإيمان به شرطها والوسيلة إليها (أفسس ١: ٤ و٣: ١١). وقصد الله إعطاءها منذ الأزل لكنها كانت مكتومة عن الناس في العصور الماضية إلى ملء الزمان الذي عُيّن بقضاء الله وحيئنذ ظهرت بالمسيح. وتلك «الأزمنة» لم تكن مدة النظام اليهودي ولا المدة بين سقوط آدم ومجيء المسيح بل الدهر الذي هو قبل كل تاريخ عالمي ونظام أرضي (رومية ١٦: ٢٥ وأفسس ٣: ١٠ و١١).

بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ بالجسد (كولوسي ١: ٢٦ وتيطس ١: ٣) ليس بمجرد ولادته بل بكل مظاهره على الأرض حتى موته وقيامته فكان تعليمه وآيات قدرته من أجزاء «ظهوره»

ٱلَّذِي أَبْطَلَ ٱلْمَوْتَ أي نزع شوكته وأعجزه عن أن يؤذي شعبه إذ أزال كل نتائجه الضارة وصيّره صديقاً بعد أن كان عدواً. و «الموت» هنا ليس مجرد انفصال النفس عن الجسد بل كل ما كان متضمناً في كونه «أجرة الخطيئة» فهو الموت الأبدي المؤثر في كل من النفس والجسد وعكسه «الحياة الأبدية» (١كورنثوس ١٥: ٢٦).

أعلن الإنجيل أنه بموت المسيح صار موت أجساد المؤمنين أمراً لا يُخشى منه (يوحنا ١١: ٢٦ ورومية ٨: ٢ و٣٨ و١كورنثوس ١٥: ٥٥ وعبرانيين ٢: ١٤). وأُعلن أيضاً أنه سوف يُبطل حقيقة إلى الأبد (رؤيا ٢٠: ٤١ و٢١: ٤). وأبطل المسيح الموت بموته وانتصر عليه بقيامته.

وَأَنَارَ ٱلْحَيَاةَ وَٱلْخُلُودَ المقصود «بالحياة» هنا حياة النفس الجديدة المجيدة التي ينالها المؤمن بالمسيح وهي تبتدئ في الأرض وتدوم إلى الأبد وتتضمن كمال القداسة والسعادة. و «الخلود» هو صفة من صفات الحياة الجديدة فهي ليست مجرد صفتة من صفات الجسد بعد القيامة بل من صفات الروح أيضاً لأن مجد تلك الحياة باق بخلاف الحياة الأرضية الزائلة. فالمسيح «أنار الحياة والخلود» بتعليمه وبإقامته بعض الموتى وأنارهما أحسن إنارة بقيامته (رومية ٢: ٧ و٨: ١١ و١كورنثوس ٤: ٥ و١بطرس ١: ٣ و٤ ورؤيا ٢١: ٤).

بِوَاسِطَةِ ٱلإِنْجِيلِ قليلون من المؤمنين سمعوا تعليم المسيح بشفتيه وشاهدوا إقامته الموتى ونظروه بعد قيامته ولذلك لم يعرف أكثر البشر هذه الحقائق المجيدة إلا بواسطة الإنجيل الذي يشهد بكلام المسيح وأعماله.

١١ «ٱلَّذِي جُعِلْتُ أَنَا لَهُ كَارِزاً وَرَسُولاً وَمُعَلِّماً لِلأُمَمِ».

أعمال ٩: ١٥ وأفسس ٣: ٧ و٨ و١تيموثاوس ٢: ٧ وص ٤: ١٧

ٱلَّذِي جُعِلْتُ أَنَا الخ (انظر تفسير ١تيموثاوس ١: ١٢ و٢: ٧). ذكر الرسول هنا أنواع خدمته للمسيح والسلطة التي منحه المسيح إياها في الكنيسة لكي يكون لكلامه هنا أهمية موافقة لسمو الوكالة التي ولاّه المسيح إيّاها.

١٢ «لِهٰذَا ٱلسَّبَبِ أَحْتَمِلُ هٰذِهِ ٱلأُمُورَ أَيْضاً. لٰكِنَّنِي لَسْتُ أَخْجَلُ، لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ».

أفسس ٣: ١ وص ٢: ٩ و١بطرس ٤: ١٩ و١تيموثاوس ٦: ٢٠ ع ١٨ وص ٤: ٨

لِهٰذَا ٱلسَّبَبِ أي لأن المسيح «جعلني كارزاً ورسولاً الخ».

أَحْتَمِلُ هٰذِهِ ٱلأُمُورَ التي عرفها تيموثاوس من سجن وسلاسل وترك بعض الأصحاب إيّاه وإهانة كثيرين له وبغضهم إياه واحتمال كل ذلك بصبر وفرح. وذكر احتماله إياها لكي يشجع تلميذه على احتمال مثلها على وفق قوله «ٱشْتَرِكْ فِي ٱحْتِمَالِ ٱلْمَشَقَّاتِ» (ع ٨).

لٰكِنَّنِي لَسْتُ أَخْجَلُ من أن أحتمل ما وقع عليّ من الإهانات والآلام من أجل المسيح. وقوله «لست أخجل» يستلزم أنه كان يفرح وإذا كان هو لا يخجل من ذلك فلا حق لتيموثاوس وأن يخجل من مثله.

لأَنَّنِي عَالِمٌ ذكر أسباب ثقته وسروره لكي يبلغ تيموثاوس ما بلغه هو من عظمة الثقة والمسرة فإنه آمن بالله الآب القادر على كل شيء بدليل قوله «لِذٰلِكَ سُرُّوا أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ، لأَنِّي أُومِنُ بِٱللّٰهِ» (أعمال ٢٧: ٢٥ انظر أيضاً تيطس ٣: ٨). والذي آمن به وتحققه هو قدرته ومحبته وأمانته في مواعيده.

وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي الموقن من لا يدخل قلبه أدنى شك. وكان يقين بولس مبنياً على قوله تعالى وما اختبره من حفظه إياه في ما مضى من ضيقات كثيرة متنوعة. ووديعة الإنسان يغلب أن تكون أثمن كنوزه. و «وديعة» بولس هنا نفسه التي استودعها في يدي صديقه السماوي ليحفظها له في الحاضر والمستقبل إلى الأبد. وثقته بحفظ تلك الوديعة في الأمن جعلته مطمئناً مستريحاً على رغم كل المصائب. ومثل هذا كان استيداع يسوع نفسه في يدي أبيه وهو على الصليب إذ قال «يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي» (لوقا ٢٣: ٤٦). ومثله قول المرنم في مزمور ٣١: ٥ انظر أيضاً ١بطرس ٤: ١٩). وتيقن بولس حفظ الله لنفسه على رغم ضعف إيمانه وكثرة أعدائه من الناس والشياطين.

إِلَى ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أي اليوم الآخر يوم مجيء الرب ليجمع شعبه ويهب فيه إكليل الحياة للأمين حتى الموت.

١٣ «تَمَسَّكْ بِصُورَةِ ٱلْكَلاَمِ ٱلصَّحِيحِ ٱلَّذِي سَمِعْتَهُ مِنِّي، فِي ٱلإِيمَانِ وَٱلْمَحَبَّةِ ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ».

ص ٣: ١٤ وتيطس ١: ٩ وعبرانيين ١٠: ٢٣ ورؤيا ٢: ٢٥ ورومية ٢: ٢٠ و١تيموثاوس ١: ١٠ و٦: ٣ ص ٢: ٢ و١تيموثاوس ١: ١٤

تَمَسَّكْ بِصُورَةِ ٱلْكَلاَمِ ٱلصَّحِيحِ ٱلَّذِي سَمِعْتَهُ مِنِّي إن الرسول بعد ما شجع تيموثاوس وهيّج غيرته الروحية أوصاه بأن يحفظ بدون تغيير قواعد الإيمان التي علّمه إيّاها وأن يحترص على كل ما تعلمه منها بحروفه خشية من أن يتخذ من المعلمين الكاذبين صوراً جديدة للتعبير عن تعاليم الإنجيل الأولى بناء على ادعاء أنها أوفق للبيان فيضعف قوتها الأصلية فتفقد المعنى الذي قصده الروح القدس. ومن أمثال الصور الأصلية ما ذكر في (١تيموثاوس ١: ١٥ و٦: ٣). وقوله «عظيم سر التقوى» الخ (١تيموثاوس ٣: ١٦). وقوله في الآية السابقة «إني عالم بمن آمنت» الخ والكلمة المترجمة «بصورة» هي هنا الكلمة المترجمة «بمثال» في (١تيموثاوس ١: ١٦). وأشار بقوله «الذي سمعته مني» إلى ما يمكن تيموثاوس أن يذكره مما علّمه بولس إياه بإرشاد الروح القدس وهو معه. ولعله أشار إلى ما علّمه إيّاه وقت ممارسته مما يتضمن خلاصة الإيمان المسيحي. فخاف بولس أن ينسى تلك الكلمات أو يغيّر صورتها وعبارتها بغية أن يرضي غيره أو يخلص من التغيير والاضطهاد.

فِي ٱلإِيمَانِ وَٱلْمَحَبَّةِ ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ هذا إما متعلق «بتمسك» فيبين أنه يجب على تيموثاوس أن يتمسك في الإيمان والمحبة بالحقائق التي سمعها من بولس أي بكل الثقة بأنها صادقة وبمحبة شديدة لمصدرها الإلهي. وذلك الإيمان وتلك المحبة لا يمكن نيلهما إلا بالاتحاد بالمسيح. وأما متعلق بقوله «سمعته» ويبيّن أن تيموثاوس حين علّمه بولس «الكلام الصحيح» اتخذه منه بكل ثقة بمعلمه ومحبة له بناء على اتحاد بولس بالمسيح وتعلّمه منه وهذا هو الأرجح.

١٤ «اِحْفَظِ ٱلْوَدِيعَةَ ٱلصَّالِحَةَ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱلسَّاكِنِ فِينَا».

١تيموثاس ٦: ٢٠ ورومية ٨: ١١

اِحْفَظِ ٱلْوَدِيعَةَ ٱلصَّالِحَةَ التي استودعك الله إياها وهي التي أرادها بقوله في الرسالة الأولى «يا تيموثاوس احفظ الوديعة الخ» (١تيموثاوس ٦: ٢٠ فارجع إلى التفسير) فهي غير «الوديعة» التي ذُكرت في (ع ١٢) وهي التي استودعها بولس في يدي الرب فمعناها هنا التعليم المسيحي بأسره الذي أؤتمن عليه من الله على يد الرسول وغيره من المشيخة وهي المشار إليها في (ص ٢: ٢).

بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ الذي بقوته وحده يقدر أن يحفظ تلك الوديعة الثمينة. فبقوة هذا «الروح» حفظت «وديعة الحق الإلهي» كل العصور التي تقضت من أيام بولس إلى الآن فلم تُحفظ بعلم معلميها من البشر وغيرتهم ولا بسيوف المؤمنين بها.

ٱلسَّاكِنِ فِينَا أي فيّ وفيك يا تيموثاوس وفي سائر المؤمنين الحقيقيين ليقدّرهم على «حفظ الوديعة» التي يعجزون عن حفظها بمجرد قوتهم وحرصهم.

١٥ «أَنْتَ تَعْلَمُ هٰذَا أَنَّ جَمِيعَ ٱلَّذِينَ فِي أَسِيَّا ٱرْتَدُّوا عَنِّي، ٱلَّذِينَ مِنْهُمْ فِيجَلُّسُ وَهَرْمُوجَانِسُ».

أعمال ١٩: ١٠ ص ٤: ١٠ و١٦

أَنْتَ تَعْلَمُ هٰذَا أشار بولس هنا إلى الأحزان التي اعترته من ترك بعض أصحابه إياه مما علم به تيموثاوس فاحتملها بالصبر وأراد أن لا ييأس تيموثاوس من أجلها ولا من أجل القبض عليه وسجنه بل أن يتخذ ذلك سبباً لاجتهاد جديد في سبيل الإنجيل.

جَمِيعَ ٱلَّذِينَ فِي أَسِيَّا ٱرْتَدُّوا عَنِّي المراد بأسيا هنا جزء من أسيا الصغرى يشتمل على ميسيا وفريجية وليديا وكاريا (انظر تفسير أعمال ١٦: ٦). ولنا مما قيل هنا أن كثيرين من المؤمنين في تلك الجهات ولعل بعض الكنائس أبوا أن يعتبروا بولس بعد ذلك رسولاً وأن يسلّموا بصحة تعليمه. ذُكر في الرسالة الأولى إلى كورنثوس أنه كان أحزاب في تلك الكنيسة حتى أن بعضهم قال «أنا لبولس وبعض أنا لأبلوس وآخر أنا لصفا» ولعل هذا التحزب امتد إلى كنائس أسيا باجتهاد المعلمين الكاذبين ولا سيما بعض متنصري اليهود الذي أبغضوا بولس لأنه قبل الأمم في الكنيسة بدون حفظ الرسوم الموسوية. ولا ريب في أن رفض أولئك للرسول الذي تعب وتألم من أجلهم كان من أعظم مصائبه. والأرجح أن ذلك حدث لبولس حين كان في أفسس آخر مرة وكان تيموثاوس عارفاً به. ذهب بعض المفسرين (وهم قليلون) إلى أن المقصود «بالذين في أسيا» هم بعض مؤمني أسيا الذين قطنوا وقتئذ في رومية. كانوا في أول أمرهم أصدقاء بولس ولكنهم تركوه حين اشتد عليه الخطر.

ٱلَّذِينَ مِنْهُمْ فِيجَلُّسُ وَهَرْمُوجَانِسُ لم يتضح لماذا خصص هذين بالذكر ولعل ذلك ليدل تيموثاوس على أي كنائس أسيا ارتدّ عنه. ولعل هذين الرجلين ممن تكلم بولس وتيموثاوس في أمرهما قبلاً وكانا يخشيان من ارتدادهما. ولا نعرف من أمر ذينك المرتدين سوى ما قيل هنا أنهما كانا صديقين وانقلبا عدوّين.

١٦ «لِيُعْطِ ٱلرَّبُّ رَحْمَةً لِبَيْتِ أُنِيسِيفُورُسَ، لأَنَّهُ مِرَاراً كَثِيرَةً أَرَاحَنِي وَلَمْ يَخْجَلْ بِسِلْسِلَتِي».

متّى ٥: ٧ وص ٤: ١٩ وفليمون ع ٨ وأعمال ٢٨: ٢٠ وأفسس ٦: ٢٠

ذكر هنا واحداً كانت سيرته مخالفة لسيرة ذينك المرتدين.

لِيُعْطِ ٱلرَّبُّ رَحْمَةً لِبَيْتِ أُنِيسِيفُورُسَ المرجّح أن أنيسيفورس كان من تجار أهل أفسس اقتضت تجارته أن يسافر إلى رومية وهناك سمع نبأ سجن بولس فزاره ولم يستطع بولس أن يجازيه بشيء على معروفه إلا أن يسأل الله أن يرحمه هو وأهل بيته كما رحمه هو في ضيقه.

لأَنَّهُ مِرَاراً كَثِيرَةً أَرَاحَنِي بزياراته المتوالية وباعتنائه بي وأنا في السجن والمعروف في مثل هذه الحال وهي حال الضيق والخذلان أضعاف المعروف في حال الفرج والرخاء.

لَمْ يَخْجَلْ بِسِلْسِلَتِي لم يستحي من أن يعترف بأنه صديق المسجون (الذي أُهين لهذا السبب عينه) ولم يبال بالخطر الذي عرّض نفسه له بإظهار صداقته للمتهم بخيانة الدولة.

١٧ «بَلْ لَمَّا كَانَ فِي رُومِيَةَ طَلَبَنِي بِأَوْفَرِ ٱجْتِهَادٍ فَوَجَدَنِي».

طَلَبَنِي بِأَوْفَرِ ٱجْتِهَادٍ فَوَجَدَنِي يلزم من هذا أنه كان يعسر على طالبه أن يجده وإن أحوال بولس تغيّرت عما كانت حين كتب لوقا أنه «أَقَامَ… فِي بَيْتٍ ٱسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ. وَكَانَ يَقْبَلُ جَمِيعَ ٱلَّذِينَ يَدْخُلُونَ إِلَيْهِ الخ» (أعمال ٢٨: ٣٠ و٣١).

١٨ «لِيُعْطِهِ ٱلرَّبُّ أَنْ يَجِدَ رَحْمَةً مِنَ ٱلرَّبِّ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ. وَكُلُّ مَا كَانَ يَخْدِمُ فِي أَفَسُسَ أَنْتَ تَعْرِفُهُ جَيِّداً».

متّى ٢٥: ٣٤ إلى ٤٠ و٢تسالونيكي ١: ١٠ وع ١٢ وعبرانيين ٦: ١٠

أَنْ يَجِدَ رَحْمَةً مِنَ ٱلرَّبِّ كما وجدت رحمة منه على وفق قول الرب أنه يحسب المعروف لأحد تلاميذه معروفاً له (متّى ٢٥: ٤٠).

فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أي وقت مجيء المسيح ثانية ودينونة الأحياء والأموات ومجازاة الأمناء أخيراً.

وَكُلُّ مَا كَانَ يَخْدِمُ فِي أَفَسُسَ التي هي موطنه ولم يزل فيها أهل بيته. وتيموثاوس كان يعرف ما أتاه يومئذ من المعروف لبولس لأنه كان معه هنالك. وذكر معروفه السابق في أفسس ومعروفه التالي في رومية بياناً أن محبة ذلك التلميذ له إكراماً للمسيح كانت دائمة وأنه يستحق أن يجازي كل ذلك في وقت واحد.

اتخذ بعض الناس قول بولس هنا دليلاً على جواز الصلاة من أجل الموتى إذ فرضوا أن أنيسيفورس كان قد مات يومئذ وأن بولس صلى من أجل نفسه بأن طلب رحمة الله له في يوم الدين. ولكن ليس من دليل على أنه كان قد مات. ويُستدل مما قيل في (ص ٤: ١٠) أنه كان يومئذ غائباً عن بيته لأنه لم يكن قد رجع إليه من رومية. وقول بولس هنا «ليجد رحمة» ليس هو إلا بيان رغبته الشديدة لتيموثاوس في أن أنيسيفورس ينال من الرب الجزاء على معروفه له وهذا غير كاف ليُبنى عليه عقيدة أنه تجوز الصلاة من أجل الموتى فضلاً عن أنه ليس في كل الكتاب المقدس آية تسند هذه العقيدة.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى