الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي | 03 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح الرسالة إلى تسالونيكي الثانية
للدكتور . وليم إدي
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ
طلب الرسول أن يصلوا من أجله وأجل رفقائه (ع ١ و٢). وبيان ثقته بأن الله يثبتهم في إيمانهم وطاعتهم وصلاته من أجل ذلك (ع ٣ – ٥) وأمره إيّاهم أن يعتزلوا كل من يسلك بلا ترتيب وبكسل وأن يدأبوا ولا يكلوا في عمل الخير (ع ٦ – ١٣). وكلامه في معاملة الأخ الذي لا يطيع رسالته (ع ١٤ و١٥). وخاتمة الرسالة (ع ١٦ – ١٨).
طلب الرسول صلاتهم من أجله وأجل رفقائه ع ١ و٢
١ «أَخِيراً أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ صَلُّوا لأَجْلِنَا، لِكَيْ تَجْرِيَ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ وَتَتَمَجَّدَ، كَمَا عِنْدَكُمْ أَيْضاً».
أفسس ٦: ١٨ و١٩ وكولوسي ٤: ٣ و١تسالونيكي ٥: ٢٥.
أَخِيراً هذا إشارة إلى كونه قد فرغ من القسم التعليمي من هذه الرسالة وابتدأ في القسم العملي.
صَلُّوا لأَجْلِنَا أي لأجله ولأجل سلوانس وتيموثاوس لكي ينالوا البركة والمعونة في مشقاتهم بالتبشير في كورنثوس. واعتاد الرسول أن يطلب مثل ذلك (١تسالونيكي ٥: ٢٥ ورومية ١٥: ٣٠ و٢كورنثوس ١: ١١ وأفسس ٦: ١٨ و١٩ وكولوسي ٤: ٣ وعبرانيين ١٣: ١٨). ولا ريب في أن صلوات المؤمنين الكثيرة التي قدمت إجابة لطلبه كانت من علل نجاحه العظيم في عمل الرب. والذي يستحق الاعتبار أنه لم يطلب صلواتهم من أجل وقايته من خطر جسدي بل طلبها لأجل المساعدة على عمله الروحي.
لِكَيْ تَجْرِيَ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ أي لكي ينتشر إنجيله وينجح سريعاً في الطريق التي عينها الله على رغم مقاومة الشيطان وأشرار الناس. وكتب مثل هذا إلى تيموثاوس أي سأله أن يصلي لكي تجري كلمة الله في رومية وهو مسجون فيها (٢تيموثاوس ٢: ٩).
وَتَتَمَجَّدَ أي يعرف الناس قيمتها معتبرين إياها قوة الله للخلاص (رومية ١: ١٦ وأعمال ١٣: ٤٨).
كَمَا عِنْدَكُمْ أَيْضاً لأن التسالونيكيين «قبلوا كلمة الله فِي ضِيقٍ كَثِيرٍ، بِفَرَحِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (١تسالونيكي ١: ٦).
٢ «وَلِكَيْ نُنْقَذَ مِنَ ٱلنَّاسِ ٱلأَرْدِيَاءِ ٱلأَشْرَارِ. لأَنَّ ٱلإِيمَانَ لَيْسَ لِلْجَمِيعِ».
رومية ١٥: ٣١ أعمال ٢٨: ٢٤ ورومية ١٠: ١٦
لِكَيْ نُنْقَذَ مِنَ ٱلنَّاسِ ٱلأَرْدِيَاءِ ٱلأَشْرَارِ فتجري بواسطتنا كلمة الله وتتمجد إذ يكون لنا حرية المناداة بالإنجيل. ولا ريب في أنه أشار بذلك إلى مقاومة اليهود إياه في كورنثوس (أعمال ١٨: ٥ و٦ و١٢) فإن غيرتهم لشريعة موسى حملتهم على بغض إنجيل المسيح ومقاومته.
لأَنَّ ٱلإِيمَانَ لَيْسَ لِلْجَمِيعِ أي ليس لهم استعداد لقبول الإنجيل الذي خلاصته الإيمان بالمسيح لنيل الخلاص فلا عجب من أنهم قاوموا تعليمه حتى طلب صلاة التسالونيكيين للنجاة منهم. والمرجّح أنه إجابة لصلواتهم التي طلبها حصل على رؤيا واطمئنان من المسيح وأن غاليون والي كورنثوس أبى أن يسمع شكوى اليهود عليه (أعمال ١٨: ٩ و١٢ – ١٦).
ثقته بحفظ الله إياهم وصلاته من أجل ذلك ع ٣ إلى ٥
٣ «أَمِينٌ هُوَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي سَيُثَبِّتُكُمْ وَيَحْفَظُكُمْ مِنَ ٱلشِّرِّيرِ».
١كورنثوس ١: ٩ و١تسالونيكي ٥: ٢٤ يوحنا ١٧: ١٥ و٢بطرس ٢: ٩
أَمِينٌ هُوَ ٱلرَّبُّ خلافاً للناس الأشرار. في هذا القول تعزية عظيمة للمؤمنين المتضايقين.
ٱلَّذِي سَيُثَبِّتُكُمْ أي الذي يُظهر أمانته بوقايتكم من السقوط كما طلب لهم في صلاته (ص ٢: ١٧).
وَيَحْفَظُكُمْ مِنَ ٱلشِّرِّيرِ أي مما قصده المضطهدون من الأضرار بمالهم وحياتهم ومما قصده الشيطان من الأضرار بأنفسهم أيضاً (متّى ١٣: ١٩ وأفسس ٦: ١٦). وهذا كالطلبة السادسة في الصلاة الربانية وهي «نَجِّنَا مِنَ ٱلشِّرِّيرِ» (متّى ٦: ١٣).
٤ «وَنَثِقُ بِٱلرَّبِّ مِنْ جِهَتِكُمْ أَنَّكُمْ تَفْعَلُونَ مَا نُوصِيكُمْ بِهِ وَسَتَفْعَلُونَ أَيْضاً».
٢كورنثوس ٧: ١٦ وغلاطية ٥: ١٠
نَثِقُ بِٱلرَّبِّ مِنْ جِهَتِكُمْ وثق الرسول بأن يكونوا محفوظين بنعمة الله لكونهم متحدين بالمسيح بالإيمان. فإنه كان يعرف الضعف البشري وقوة التجربة ولذلك لم يتكل على عزمهم ولا على شجاعتهم وعهودهم بل اتكل على القوة الإلهية التي عضدتهم (فيلبي ١: ٦ و٤: ٧ و٢تيموثاوس ١: ١٢ ويهوذا ٢٤ ورومية ٣: ١٠).
أَنَّكُمْ تَفْعَلُونَ مَا نُوصِيكُمْ بِهِ الخ الآن وفي ما بعد. في كلامه مع إظهار ثقته بهم شيء من الحث على الاجتهاد في الطاعة له والاستمرار وإعداد لقلوبهم لقبول الوصايا المزمع أن يوصيهم إياها.
٥ «وَٱلرَّبُّ يَهْدِي قُلُوبَكُمْ إِلَى مَحَبَّةِ ٱللّٰهِ وَإِلَى صَبْرِ ٱلْمَسِيحِ».
١أيام ٢٩: ١٨ ١تسالونيكي ١: ٣
في هذه الآية طلب إلى الله أن يُجري ما وثق الرسول به.
ٱلرَّبُّ يَهْدِي قُلُوبَكُمْ غلب أن ينسب هذا إلى الروح القدس ولهذا وعد المسيح بإرساله إلى تلاميذه (يوحنا ١٦: ١٣).
إِلَى مَحَبَّةِ ٱللّٰه محبة الله في القلب أساس الأمانة والدأب والمواظبة وسائر الفضائل. وهذه الطلبة لزيادة المحبة لا للإشارة إلى خلوهم منها. ولعله طلب بها أن يظهروا محبتهم لله بحفظهم الوصايا التي نطق بها نائباً عنه (يوحنا ١٤: ٢١).
إِلَى صَبْرِ ٱلْمَسِيحِ أي إلى صبر كالصبر الذي أظهره المسيح. فأراد أنهم يحتملون الاضطهادات المحدقة بهم كما احتمل المسيح آلام الصليب وأن يواظبوا على فعل الخير مثله.
أمره إياهم باعتزال الأخ السالك بلا ترتيب والكسلان وبالدأب والمواظبة على عمل الخير ع ٦ إلى ١٣
٦ «ثُمَّ نُوصِيكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ، بِٱسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، أَنْ تَتَجَنَّبُوا كُلَّ أَخٍ يَسْلُكُ بِلاَ تَرْتِيبٍ، وَلَيْسَ حَسَبَ ٱلتَّعْلِيمِ ٱلَّذِي أَخَذَهُ مِنَّا».
رومية ١٦: ١٧ وع ١٤ و١تيموثاوس ٦: ٥ و٢يوحنا ١٠ و١كورنثوس ٥: ١١ و١٢ و١تسالونيكي ٤: ١١ و٥: ١٤ وع ١١ و١٢ و١٤ ص ٢: ١٥
ثُمَّ نُوصِيكُمْ هذا بيان معنى قوله في الآية السابقة «إنكم تفعلون ما نوصيكم به» وتقرير لما قاله في الرسالة الأولى (١تسالونيكي ٤: ١١ و١٢ و٥: ١٤) والداعي إلى هذا الإيصاء أن بعضهم توقع مجيء المسيح في الحال ولذلك تركوا أعمالهم اليومية ونزعوا سلام غيرهم ونجاحهم لأنهم ألقوا أحمال حاجاتهم على إخوتهم.
بِٱسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أي بسلطانه كأنه يخاطبكم بشفاهنا. وعلى هذا يكون عدم امتثالهم أمره عصيان للمسيح لا للإنسان (يعقوب ٥: ١٠).
أَنْ تَتَجَنَّبُوا كُلَّ أَخٍ يَسْلُكُ بِلاَ تَرْتِيبٍ المراد «بالأخ» هنا كل مسيحي من أعضاء الكنيسة. والمراد «بتجنبه» عدم المخالطة له باعتبار كونه من أهل بيت الإيمان ولعل ذلك يشمل توقيفه عن مشاركتهم إياه في العشاء الرباني. قال الرسول سابقاً «أَنْذِرُوا ٱلَّذِينَ بِلاَ تَرْتِيبٍ» (١تسالونيكي ٥: ١٤). وزاد هنا على ذلك قوله «تجنبوا» الخ وهو أشد من الأول لأن ذلك الأخ زاد سلوكه بلا ترتيب عصياناً. وقصر تلك الوصية على الأخ دون غيره لأن عضو الكنيسة يعير الكنيسة بسوء سلوكه فتجنب الإخوة إياه يدل على أنهم لم يستحسنوا عمله ولم يشتركوا فيه (١كورنثوس ٥: ١٠ – ١٣). وربما كان تجنبهم إياه وسيلة إلى توبته وإصلاح سيرته.
يتضح من هذه الآية أنه لم يُخدع بالتعليم الباطل المؤدي إلى السلوك بلا ترتيب سوى بعض الكنيسة وأن الأكثرين بقوا أصحاء في الإيمان والأعمال. والمقصود من قوله «بلا ترتيب» يتبين مما قيل في الآية الحادية عشرة وهو أنهم تركوا الأعمال اليومية الضرورية فتعرضوا ببطالتهم لأمور غيرهم. إنه يسهل على من يميلون إلى الكسل أن يتخذوا مجيء المسيح حجة على ترك الحرث والزرع والبناء والتجارة وسائر الأعمال الموصلة إلى أسباب المعاش بناء على أن المسيح سيأتي قبل أن يجنوا نتائج أتعابهم وعلى أنهم أظهروا عظمة إيمانهم ومحبتهم في أنتظار سيدهم بلا عمل.
لَيْسَ حَسَبَ ٱلتَّعْلِيمِ ٱلَّذِي أَخَذَهُ مِنَّا في الرسالة الأولى (١تسالونيكي ٤: ١١). وما علّمهم إياه بكلامه علّمهم إياه بسيرته كما يظهر من الآية الآتية.
٧ «إِذْ أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ يُتَمَثَّلَ بِنَا، لأَنَّنَا لَمْ نَسْلُكْ بِلاَ تَرْتِيبٍ بَيْنَكُمْ».
١كورنثوس ٤: ١٦ و١١: ١ و١تسالونيكي ١: ٦ و٧ و١تسالونيكي ٢: ١٠
إِذْ أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ كَيْفَ يَجِبُ أن تسلكوا لأن لكم تعليماً كافياً منا (١تسالونيكي ٢: ١ و٤: ٩ و٥: ٢).
يُتَمَثَّلَ بِنَا فلكم فوق تعليمنا سيرتنا مفسرة لمعناه.
لأَنَّنَا هذا تعليل لقوله «تعرفون».
لَمْ نَسْلُكْ بِلاَ تَرْتِيبٍ بترك العمل والعيش بمال غيرنا. لم يرد الرسول أن يكلفهم ما لم يكلف نفسه إياه.
٨ «وَلاَ أَكَلْنَا خُبْزاً مَجَّاناً مِنْ أَحَدٍ، بَلْ كُنَّا نَشْتَغِلُ بِتَعَبٍ وَكَدٍّ لَيْلاً وَنَهَاراً، لِكَيْ لاَ نُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ».
أعمال ١٨: ٣ و٢٠: ٣٤ و٢كورنثوس ١١: ٩ و١تسالونيكي ٢: ٩
وَلاَ أَكَلْنَا خُبْزاً مَجَّاناً مِنْ أَحَدٍ كنى «بالخبز» عن كل أسباب المعاش والمعنى أننا لم نحصل على أسباب المعاش من إحسان الكنيسة. وهذا على سنن النظام الذي عيّنه الله للإنسان بقوله «بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزاً» (تكوين ٣: ١٩).
بَلْ كُنَّا نَشْتَغِلُ بِتَعَبٍ وَكَدٍّ بدلاً من أن نحصل على أسباب المعاش مجاناً كما ذُكر في (١تسالونيكي ٢: ٩).
لَيْلاً وَنَهَاراً شغل الرسول وقته بالوعظ والعمل حتى اضطر أن يحرم نفسه بعض أوقات الراحة. وإذا قابلنا ما قيل هنا بما كُتب في (١كورنثوس ٩: ٤ – ٦ وغلاطية ٦: ٦) رأينا أن بولس كان يومئذ يعمل مع إكيلا في صناعة الخيام.
لِكَيْ لاَ نُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ بتكليفنا إياه أن يعمل وينفق علينا.
٩ «لَيْسَ أَنْ لاَ سُلْطَانَ لَنَا، بَلْ لِكَيْ نُعْطِيَكُمْ أَنْفُسَنَا قُدْوَةً حَتَّى تَتَمَثَّلُوا بِنَا».
١كورنثوس ٩: ٦ و١تسالونيكي ٢: ٦ ع ٧
لَيْسَ أَنْ لاَ سُلْطَانَ لَنَا باعتبار الرسولية أن نطلب من الكنيسة القيام بحاجاتنا الجسدية ونحن نخدمها في الأمور الروحية (انظر تفسير ١كورنثوس ٩: ٤ – ١٤) وقول المسيح «ٱلْفَاعِلَ مُسْتَحِقٌّ أُجْرَتَهُ» (لوقا ١٠: ٧).
بَلْ لِكَيْ نُعْطِيَكُمْ أَنْفُسَنَا الخ هذا كقوله لشيوخ كنيسة أفسس «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حَاجَاتِي وَحَاجَاتِ ٱلَّذِينَ مَعِي خَدَمَتْهَا هَاتَانِ ٱلْيَدَانِ. فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرَيْتُكُمْ أَنَّهُ هٰكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ» (أعمال ٢٠: ٣٤ و٣٥). فتصرفه على هذا السنن لم يخلُ من قصد لكنه رغب في أن يعلّم بأعماله الكنائس التي خدمها الاجتهاد في العمل فضلاً عن تعليمه إيّاها بأقواله.
١٠ «فَإِنَّنَا أَيْضاً حِينَ كُنَّا عِنْدَكُمْ أَوْصَيْنَاكُمْ بِهٰذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلاَ يَأْكُلْ أَيْضاً».
تكوين ٣: ١٩ و١تسالونيكي ٤: ١١
فَإِنَّنَا أَيْضاً حِينَ كُنَّا عِنْدَكُمْ أَوْصَيْنَاكُمْ هذا متعلق بقوله «نوصيكم» في الآية السادسة. ويتبين أن وصيته فيها ليست بوصية جديدة بل هي الوصية التي أوصاهم إياها وهو عندهم.
إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ من القادرين على العمل.
فَلاَ يَأْكُلْ أَيْضاً أي لا يستحق أن يُعطى طعاماً من نفقة إخوته في الكنيسة. وكلامه هنا جرى مجرى المثل ولعله مثل معروف استحسنه العقل البشري فصدقه الوحي لأنه على وفق ما رسم الله (تكوين ٣: ١٩) فأعطاه الكسلان البطال القادر على العمل ليس بفضيلة مسيحية بل عثرة له وظلم للعاملين وتفريط في ما يجب أن يُنفق على العاجزين.
١١ «لأَنَّنَا نَسْمَعُ أَنَّ قَوْماً يَسْلُكُونَ بَيْنَكُمْ بِلاَ تَرْتِيبٍ، لاَ يَشْتَغِلُونَ شَيْئاً بَلْ هُمْ فُضُولِيُّونَ».
ع ٦ و١تسالونيكي ٤: ١١ و١تيموثاوس ٥: ١٣ و١بطرس ٤: ١٥
لأَنَّنَا نَسْمَعُ هذا تعليل لما ذُكر وهو ما بلغه من تيموثاوس أو ممن حملوا الرسالة الأولى أو من غيرهم.
أَنَّ قَوْماً يَسْلُكُونَ بَيْنَكُمْ بِلاَ تَرْتِيبٍ كما ذُكر في الآية السادسة. وما يأتي بيان للسلوك بلا ترتيب حتى لا يكون التباس في من يتكلم فيهم.
لاَ يَشْتَغِلُونَ شَيْئاً أي لا يعملون عملاً مفيداً يحصلون به على أسباب المعاش وما يستطيعون أن يساعدوا به الفقراء.
هُمْ فُضُولِيُّونَ كما في (١تيموثاوس ٥: ١٣ و١بطرس ٤: ١٥). فإنهم كانوا يجولون من بيت إلى بيت ومن معمل إلى معمل ليشغلوا أوقاتهم بالأباطيل فيعيقون غيرهم عن أعماله. ولعله رأى وهو بينهم أناساً كهؤلاء بدليل ما كتبه في الرسالة الأولى وهو قوله «أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ… أَنْ َتُمَارِسُوا أُمُورَكُمُ ٱلْخَاصَّةَ» (١تسالونيكي ٤: ١٠ و١١).
١٢ «فَمِثْلُ هٰؤُلاَءِ نُوصِيهِمْ وَنَعِظُهُمْ بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أَنْ يَشْتَغِلُوا بِهُدُوءٍ، وَيَأْكُلُوا خُبْزَ أَنْفُسِهِمْ».
١تسالونيكي ٤: ١١ أفسس ٤: ٢٨
فَمِثْلُ هٰؤُلاَءِ نُوصِيهِمْ في الآية السادسة أوصى الإخوة الذين كانوا يسلكون بترتيب وهنا أوصى الفضوليين الذين بلا ترتيب. وهذا المرة الرابعة لاستعماله تلك الكلمة القاطعة وهي قوله «نوصي» وفيها دلالة على أهمية الموصى به وغيرته عليه.
وَنَعِظُهُمْ بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ بناء على اتحادهم بالمسيح ووجوب المحبة والطاعة له. والوعظ ألطف من الإيصاء أضافه إلى الإيصاء حذراً من أن ينفروا منه.
أَنْ يَشْتَغِلُوا أي يعملوا عملاً شريفاً جائزاً نافعاً كما ذُكر في (أفسس ٤: ٢٨).
بِهُدُوءٍ خلافاً لعمل الفضوليين المتعرضين لأمور غيرهم.
وَيَأْكُلُوا خُبْزَ أَنْفُسِهِمْ أي الخبز الذي حصلوه بعمل أيديهم وبركة الله عليه لا بالتسول ممن حصلوه بأتعابهم.
١٣ «أَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ فَلاَ تَفْشَلُوا فِي عَمَلِ ٱلْخَيْرِ».
غلاطية ٦: ٩
أَمَّا أَنْتُمْ رجع في هذه الآية إلى خطاب الذين بلا لوم في ما ذُكر.
فَلاَ تَفْشَلُوا فِي عَمَلِ ٱلْخَيْرِ أي لا تضعفوا أو تيأسوا حتى تعدلوا عن عمل الخير. فإنهم كانوا يعملون الخير لكنهم في خطر أن يجبنوا عنه.
والنهي في العبارة يستلزم الأمر بالمداومة على «صبر المسيح» (ع ٥) وعلى العمل «بهدوء» وأكل «خبز أنفسهم» (ع ١٢). وخلاصة الآية الإيصاء بأن يستمروا على السلوك الواجب على تباع المسيح وأن يقوموا بما يجب عليهم لله وللناس غير متلفتين إلى التعليم الفاسد والسلوك الرديء. وجاء مثل هذا في (غلاطية ٦: ٩). لكن الرسول أضاف إليه هنالك ما رغبهم في عمل الخير وهو قوله «لأننا سنحصد في وقته إن كنا لا نكلّ».
ظن بعضهم أن قصد الرسول أن يداوموا مساعدة المحتاجين وإن كان كثيرون منهم يطلبونها وهم لا يستحقونها.
معاملة الذين لا يطيعون هذه الرسالة ع ١٤ و١٥
١٤ «وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُطِيعُ كَلاَمَنَا بِٱلرِّسَالَةِ، فَسِمُوا هٰذَا وَلاَ تُخَالِطُوهُ لِكَيْ يَخْجَلَ».
متّى ١٨: ١٧ و١كورنثوس ٥: ٩ و١١ وع ٦
كَلاَمَنَا بِٱلرِّسَالَةِ أي إن عصى أحد من أعضاء الكنيسة إيصاءنا ولم يلتفت إلى طلبنا في هذه الرسالة بعدما تُليت عليه.
فَسِمُوا هٰذَا أي ميّزوا عقلاً بينه وبين غيره في الاعتبار والمعاملة.
وَلاَ تُخَالِطُوهُ هذا كقوله «تجنبوا» في الآية السادسة إلا أنه تكلم هنالك في واجبات الأفراد وهنا تكلم في ما يجب على كل أعضاء الكنيسة أن يتفقوا عليه وهو أن يظهروا أنهم لا يعتبرونه مستحقاً أن يُعامل كعضو من أعضاء الكنيسة.
لِكَيْ يَخْجَلَ فيتوب ويصلح سيرته (١كورنثوس ٦: ٥ و١٥: ٣٤ وتيطس ٢: ٨).
١٥ «وَلٰكِنْ لاَ تَحْسَبُوهُ كَعَدُوٍّ، بَلْ أَنْذِرُوهُ كَأَخٍ».
لاويين ١٩: ١٧ و١تسالونيكي ٥: ١٤ تيطس ٣: ١٠
لاَ تَحْسَبُوهُ كَعَدُوٍّ لله ولا للكنيسة وترفضوه كل الرفض لأن غاية اعتزاله إصلاحه لا عقابه.
بَلْ أَنْذِرُوهُ كَأَخٍ أي وبخوا المذنب على ذنبه. بكل حنّو وصلوا معه ومن أجله وبيّنوا له أنكم مهتمون بنفعه وأنكم آسفون على إضراره الكنيسة واسم المسيح وبيّنوا له أن الكنيسة مستعدة لقبوله متى أظهر علامات التوبة (متّى ١٨: ١٥ و١تسالونيكي ٥: ١٤).
خاتمة الرسالة ع ١٦ إلى ١٨
١٦ «وَرَبُّ ٱلسَّلاَمِ نَفْسُهُ يُعْطِيكُمُ ٱلسَّلاَمَ دَائِماً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. ٱلرَّبُّ مَعَ جَمِيعِكُمْ».
رومية ١٥: ٣٣ و١٦: ٢٠ و١كورنثوس ١٤: ٣٣ و٢كورنثوس ١٣: ١١ و١تسالونيكي ٥: ٢٣
رَبُّ ٱلسَّلاَمِ نَفْسُهُ كما قيل في (١تسالونيكي ٥: ٢٣) فارجع إلى التفسير هناك. هذه الآية هي الصلاة الرابعة من أجلهم في هذه الرسالة.
يُعْطِيكُمُ ٱلسَّلاَمَ دَائِماً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قصد خاصة أن الله يهب لهم السلام في شأن المواضيع المذكورة في هذه الرسالة مما ينزع السلام كالاضطهادات التي كانوا عرضة لها وتزعزع قلوبهم من التعليم الفاسد وسوء الفهم في أمر مجيء المسيح بسرعة وهمومهم في أمر إنسان الخطية وقلق الكنيسة ممن سلكوا بلا ترتيب وما يترتب على ذلك من نتائج التأديب للمذنبين. والخلاصة أنه طلب السلام في الكنيسة وفي ضمائرهم وبينهم وبين الله (انظر تفسير يوحنا ١٤: ٢٧ ورومية ١٥: ١٣ و١كورنثوس ١٤: ٣٣ وانظر أيضاً عبرانيين ١٣: ٢٠).
ٱلرَّبُّ مَعَ جَمِيعِكُمْ هذا طريق آخر لطلب السلام لأن حيث يدخل المسيح يقول «سلام لكم». افتتح بولس هذه الرسالة بتقديم الشكر من أجل جميع التسالونيكيين (ص ١: ٣) وختمها بطلب البركة للجميع.
١٧ «اَلسَّلاَمُ بِيَدِي أَنَا بُولُسَ، ٱلَّذِي هُوَ عَلاَمَةٌ فِي كُلِّ رِسَالَةٍ. هٰكَذَا أَنَا أَكْتُبُ».
١كورنثوس ١٦: ٢١ وكولوسي ٤: ١٨
لما بلغ الرسول أول هذه الآية أخذ القلم من يد الكاتب وأضافها إلى الرسالة هي وما بعدها لينتبهوا لخطّه.
ٱلَّذِي هُوَ أي الخط لا الكلمات المكتوبة.
عَلاَمَةٌ بها تعرفون الرسالة الصحيحة من المزورة كالرسالة التي أقلقتهم (ص ٢: ١٢).
فِي كُلِّ رِسَالَةٍ نفهم من هذا أن بولس اعتاد أن يختم كل رسالة من رسائله مهما كان موضوعها بخط يده. ولعل رسائل بولس كانت كثيرة ولكن الروح القدس لم يستحسن أن تكون كلها محفوظة لتعليم الكنيسة. والأرجح أن ما قاله يوحنا في كثرة أقوال المسيح وأعماله غير المكتوبة يصح على أقوال بولس ومكتوباته (يوحنا ٢١: ٢٥).
هٰكَذَا أَنَا أَكْتُبُ قال هذا تنبيهاً على أحرف خطه الذي يمتاز بها عن غيره كقوله للغلاطيين «اُنْظُرُوا، مَا أَكْبَرَ ٱلأَحْرُفَ ٱلَّتِي كَتَبْتُهَا إِلَيْكُمْ بِيَدِي» (غلاطية ٦: ١١).
١٨ «نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ».
رومية ١٦: ٢٤
مَعَ جَمِيعِكُمْ أيها المخاطبون. ارجع إلى تفسير (رومية ١٦: ٢٠).
الأصحاح الثاني |