تسالونيكي الثانية

الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي | 01 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة إلى تسالونيكي الثانية

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ

تسليم ع ١ و٢

١ و٢ «١ بُولُسُ وَسِلْوَانُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ، إِلَى كَنِيسَةِ ٱلتَّسَالُونِيكِيِّينَ، فِي ٱللّٰهِ أَبِينَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. ٢ نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ ٱللّٰهِ أَبِينَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».

٢كورنثوس ١: ١٩ و١تسالونيكي ١: ١ و١كورنثوس ١: ٣

الأشخاص الثلاثة المذكورون في بداءة هذه الرسالة هم الذين ذُكروا في بداءة الرسالة الأولى ويتضح من هذه أنها كتُبت قبل نهاية جولان بولس الثاني لأننا لم نسمع في أنباء هذا الجولان ما يدل على أن سلوانس كان مع بولس. والسلام في هذه الرسالة كالسلام في أول الأولى (١تسالونيكي ١: ١ و٢) فارجع إلى تفسيره هناك.

شكر الله على نموهم في الإيمان والمحبة وثباتهم في أثناء الاضطهاد ع ٣ و٤

٣ «يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْكُرَ ٱللّٰهَ كُلَّ حِينٍ مِنْ جِهَتِكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ كَمَا يَحِقُّ، لأَنَّ إِيمَانَكُمْ يَنْمُو كَثِيراً، وَمَحَبَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ جَمِيعاً بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ تَزْدَادُ».

١تسالونيكي ١: ٢ و٣ و٣: ٦ و٩ وص ٢: ١٣

افتتح بولس هذه الرسالة كعادته في أكثر رسائله بالشكر لله على ما يتعلق بمن كتبها إليهم وأظهر به مسرته بما سمعه من نبإ ثباتهم وتقدمهم في التقوى. وأعلن أن شكره مقترن بمواظبته الصلاة من أجلهم.

يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْكُرَ اعتبر تقديم الشكر إيفاء لدَين عليه يجب أن يوفيه بالنظر إلى وجدانه.

كَمَا يَحِقُّ أي كما يليق بالنظر إلى ما ظهر من أحوالهم الموجبة الشكر.

لأَنَّ إِيمَانَكُمْ يَنْمُو كَثِيراً قال في الرسالة الأولى أنه أرسل تيموثاوس حتى يثبتهم ويعظهم لأجل إيمانهم (١تسالونيكي ٣: ٢) ونستنتج من قوله هنا انه أبلغه أنهم تقدموا كثيراً في الإيمان مدة انفصاله عنهم.

مَحَبَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ… تَزْدَادُ نستنتج من هذا أنه قد زالت من كنيستهم الاختلافات التي حملته على أن يكتب ما كتبه في (١تسالونيكي ٣: ١٢ و٤: ٦ – ١٠ و٥: ١٢ – ١٤).

٤ «حَتَّى إِنَّنَا نَحْنُ أَنْفُسَنَا نَفْتَخِرُ بِكُمْ فِي كَنَائِسِ ٱللّٰهِ، مِنْ أَجْلِ صَبْرِكُمْ وَإِيمَانِكُمْ فِي جَمِيعِ ٱضْطِهَادَاتِكُمْ وَٱلضِّيقَاتِ ٱلَّتِي تَحْتَمِلُونَهَا».

٢كورنثوس ٧: ١٤ و٩: ٢ و١تسالونيكي ٢: ١٩ و٢٠ و١تسالونيكي ١: ٣ و١تسالونيكي ٢: ١٤

حَتَّى إِنَّنَا نَحْنُ أَنْفُسَنَا أي بولس ورفقاءه وفي العبارة إلماع إلى أن افتخارهم بتقدمهم غير لائق إما لكونه مثل مدح لأنفسهم لأنه افتخار بتلاميذهم وإما لكونه خلاف ما أظهروه قبلاً من عدم رضاهم بهم.

نَفْتَخِرُ بِكُمْ يظهر من هذا أن الرسول اعتاد في مكاتيبه وخطبه في كنيسة التكلم على تقدم الكنائس الأخرى إنهاضاً لغيرتها في الدين. فيجب على كل كنيسة اليوم أن تكون أمينة ذات غيرة حتى يفرح بها راعيها وتكون آية لقوة الإنجيل وقدوة لغيرها من الكنائس. ومعظم افتخار بولس مبني على ما ظهر من قوة عمل الله فيهم (١تيموثاوس ٢: ١٩ و٢كورنثوس ٩: ٢).

فِي كَنَائِسِ ٱللّٰهِ في أخائية وعاصمتها كورنثوس إذ كان بولس يومئذ يعمل بينهم.

مِنْ أَجْلِ صَبْرِكُمْ وَإِيمَانِكُمْ هذا الإيمان هو الذي شكر الله على زيادته في (ع ٣) وقد تبينت زيادته بثمره في أثناء ضيقهم واضطهادهم. ومعنى «الإيمان» هنا الأمانة والثبات على الاعتراف بالحق الديني والثقة بالله التي هي علة ثباتهم. وقد ذُكر أيضاً اقتران الصبر بالإيمان في (رؤيا ١٣: ١٠).

ٱضْطِهَادَاتِكُمْ وَٱلضِّيقَاتِ ٱلَّتِي تَحْتَمِلُونَهَا الفرق بين «الاضطهادات» و «الضيقات» أن الأولى هي ما تنشأ عن بغض المضطهد وحقده والثانية هي المصائب بقطع النظر عن أصلها. وقال «تحتملونها» من احتملتموها إشارة إلى أن الاضطهادات المذكورة في (١تسالونيكي ٢: ١٤) لم تزل قائمة يوم كتابة هذه الرسالة.

تيقنه من ثباتهم أنهم مسيحيون حقيقة وتصريحه بأن المسيح عند مجيئه يجازي المضطهدين بالهلاك ويثيب الأبرار بالمجد وصلاته لكي يثبتوا ويكملوا ع ٥ إلى ١٢

٥ «بَيِّنَةً عَلَى قَضَاءِ ٱللّٰهِ ٱلْعَادِلِ، أَنَّكُمْ تُؤَهَّلُونَ لِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي لأَجْلِهِ تَتَأَلَّمُونَ أَيْضاً».

فيلبي ١: ٢٨ و١تسالونيكي ٢: ١٤

بَيِّنَةً أي برهاناً ظاهراً لأنفسهم ولكل من يشاهد ما احتملوه من الضيقات ولا سيما احتمالهم إياها بالصبر والإيمان.

قَضَاءِ ٱللّٰهِ ٱلْعَادِلِ أي حكمه يوم مجيء المسيح وهذا مثل قوله «غَيْرَ مُخَوَّفِينَ بِشَيْءٍ مِنَ ٱلْمُقَاوِمِينَ، ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي هُوَ لَهُمْ بَيِّنَةٌ لِلْهَلاَكِ، وَأَمَّا لَكُمْ فَلِلْخَلاَصِ» (فيلبي ١: ٢٨). وخلاصة الكلام هنا أن الأبرار يتألمون في هذا العالم ولا ينالون شيئاً من الثواب فيه وأن الأشرار يضطهدون الأخيار ولا يُعاقبون هنا. ويتضح من ذلك أن لا بد من أن يكون يوم دينونة في المستقبل يجازي فيه الله العادل العالم بكل شيء الأبرار والأشرار كما يستحقون وأن جميع الناس يقدرون أن يحكموا مما يشاهدون من آلام الأبرار وصبرهم عليها ما هي المجازاة التي الله العادل سوف يجازيها الأبرار والعقاب الذي لا بد أن يعاقبه الأشرار على مقاومتهم إياه (١تسالونيكي ٢: ١٦). ولعل الرسول اعتبر اقتدار التسالونيكيين على أن يبقوا صابرين وثابتين في وقت الاضطهاد برهاناً على قضاء الله العادل لأنه وهب لهم تلك النعمة فيجازي الله طاعتهم له بزيادة النعمة لهم حسب وعده «مَنْ لَهُ سَيُعْطَى وَيُزَادُ» (متّى ١٣: ١٢).

أَنَّكُمْ تُؤَهَّلُونَ لِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ أي يحسبكم الله أهلاً حتى يصرّح المسيح لكم قوله «تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا ٱلْمَلَكُوتَ ٱلْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ» (متّى ٢٥: ٣٤). ويكون تأهلكم لملكوت الله بواسطة تلك الضيقات. أو أن صبركم وإيمانكم وأنتم تحتملونها يدلان على استعدادكم لدخول ذلك الملكوت. ولا يستلزم هذا أنهم استحقوا السماء بأعمالهم بل أن صفاتهم هي صفات الذين وعدهم الله للخلاص (متّى ٥: ١٠ – ١٢) وصفات شعب الله المتبررين المقدسين المضطهدين (لوقا ١٣: ٢٨ و٢٩).

ٱلَّذِي لأَجْلِهِ تَتَأَلَّمُونَ أَيْضاً لمحبتكم إياه واعترافكم به وأمانتكم له وطلبكم امتداده في العالم وكونكم منه (أعمال ٥: ٤١ و٩: ١٦ ورومية ١: ٥ و١٥: ٨ و٢كورنثوس ١٢: ١٠ و١٣: ٨). واستعدادكم لأن تتألموا من أجله برهان على إخلاصكم وبيان لاعتباركم إياه كل الاعتبار.

٦ «إِذْ هُوَ عَادِلٌ عِنْدَ ٱللّٰهِ أَنَّ ٱلَّذِينَ يُضَايِقُونَكُمْ يُجَازِيهِمْ ضِيقاً».

رؤيا ٦: ١٠

إِذْ هُوَ عَادِلٌ عِنْدَ ٱللّٰهِ هذا دليل على صحة ما قاله في الآية الخامسة. والحاكم بذلك العقل السليم والضمير الذي هو نائب الله فيحكم بما هو حق بمقتضى المبادئ التي غرسها الله في القلب البشري. وليس ذلك الحكم هو أن كل متألم أهل للسماء بل أنه يليق أن يشترك كل من يتألم من أجل ملكوت الله هنا في أفراح ذلك الملكوت في العالم الآتي.

يُجَازِيهِمْ ضِيقاً بمقتضى المبدإ الإلهي الذي أعلنه المسيح «َبِالْكَيْلِ ٱلَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ» (متّى ٧: ٢). وعلى وفق قول يعقوب الرسول «ٱلْحُكْمَ هُوَ بِلاَ رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً» (يعقوب ٢: ١٣). و «الضيق» هنا هو قضاء الله العادل ذكره الرسول في الآية الخامسة في شأن إثابة الأبرار وفي هذه في شأن عقاب الأشرار.

٧ «وَإِيَّاكُمُ ٱلَّذِينَ تَتَضَايَقُونَ رَاحَةً مَعَنَا عِنْدَ ٱسْتِعْلاَنِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَعَ مَلاَئِكَةِ قُوَّتِهِ».

رؤيا ١٤: ١٣ ١تسالونيكي ٤: ١٦ ويهوذا ١٤

رَاحَةً هذا الجزء من ثواب الملكوت الذي يفتقر إليه المضطهدون فيستريحون من أتعابهم والمخاصمات والشتائم وشهادة الزور وبغض الأصدقاء والسجن والرجم والجلد والتعذيب. وهي راحة كاملة أبدية (رؤيا ١٤: ١٣).

مَعَنَا نحن الذين بشروكم بالإنجيل وسائر شعب الله الذين اضطهدوا أيضاً.

عِنْدَ ٱسْتِعْلاَنِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ أي ظهور مجده الذي كان محتجباً. وهذا مثل قوله «حَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ ٱلْمَسِيحِ فِي ٱللّٰهِ. مَتَى أُظْهِرَ ٱلْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ فِي ٱلْمَجْدِ» (كولوسي ٣: ٣ و٤ انظر أيضاً لوقا ١٧: ٣٠ و١كورنثوس ١: ٧).

مِنَ ٱلسَّمَاءِ باعتبار كونها مركز سلطانه ومجده فإتيانه من السماء أول أمور استعلانه.

مَعَ مَلاَئِكَةِ قُوَّتِهِ الذين يعلنون قوته ويجرونها وهم جنود السماء (رؤيا ١٩: ١٤).

٨ «فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِياً نَقْمَةً لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ ٱللّٰهَ وَٱلَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».

عبرانيين ١٠: ٢٧ و١٢: ٢٩ و٢بطرس ٣: ٧ ورؤيا ٢١: ٨ مزمور ٧٩: ٦ و١تسالونيكي ٤: ٥ رومية ٢: ٨

فِي نَارِ لَهِيبٍ أي في نار ذات لهب وهي هنا إشارة إلى طهارته وجلاله وآلة لعقابه. وكثيراً ما أعلن الله في العهد القديم ظهوره بالنار ومن ذلك ظهوره في العليقة (خروج ٣: ٢ – ٤) وعلى طور سينا (خروج ١٩: ١٨) وفي خيمة الاشتراع والهيكل كما شهد دانيال (دانيال ٧: ٩) وملاخي (ملاخي ٤: ١). وفي العهد الجديد أعلن المسيح ظهوره بها (متّى ٢٥: ٣١ و١كورنثوس ٣: ١٣ و٢بطرس ٣: ٧ و١٠).

لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ ٱللّٰهَ هم الأولون الذي يذكر أنهم عرضة لنقمة الله أي الأمم (مزمور ٧٩: ٦ وغلاطية ٤: ٥). والمراد بقوله «لا يعرفون الله» لا يريدون أن يعرفوه كفرعون القائل «مَنْ هُوَ ٱلرَّبُّ حَتَّى أَسْمَعَ لِقَوْلِهِ» (خروج ٥: ٢). وقال الرسول فيهم «كَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا ٱللّٰهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ ٱللّٰهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ» (رومية ١: ٢٨). إن الأمم رفضوا معرفة الله التي حصلوا عليها بواسطة الضمير وبمشاهدة أعمال الله في عالم الطبيعة فعرضوا أنفسهم لنقمتهم العادلة (رومية ١: ١٩ – ٢١ و٢: ١٢ – ١٦).

وَٱلَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ الخ هم اليهود بالأولى لأنهم رفضوا المسيح ولم يهتدوا بنور إنجيله وأبوا السلوك بمقتضى مطاليبه فهم «يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ ٱللّٰهَ، وَلٰكِنَّهُمْ بِٱلأَعْمَالِ يُنْكِرُونَهُ» (تيطس ١: ١٦). «لأَنَّهُمْ إِذْ كَانُوا يَجْهَلُونَ بِرَّ ٱللّٰهِ، وَيَطْلُبُونَ أَنْ يُثْبِتُوا بِرَّ أَنْفُسِهِمْ لَمْ يُخْضَعُوا لِبِرِّ ٱللّٰهِ (المعلن في الإنجيل)» (رومية ١٠: ٣ و١٦). فمضطهدو مؤمني تسالونيكي كانوا من الفريقين وعرضوا أنفسهم لنقمة الله بإضرارهم شعبه. وما صدق عليهم يصدق على كل الذين يرفضون الإنجيل من الأمم واليهود في كل مكان وزمان أي على كل أعداء الله مضطهدي كنيسته فعلة الإثم غير التائبين وغير المؤمنين على وفق قول الرسول «شِدَّةٌ وَضِيقٌ، عَلَى كُلِّ نَفْسِ إِنْسَانٍ يَفْعَلُ ٱلشَّرَّ، ٱلْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ ٱلْيُونَانِيِّ» (رومية ٢: ٩).

٩ «ٱلَّذِينَ سَيُعَاقَبُونَ بِهَلاَكٍ أَبَدِيٍّ مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ وَمِنْ مَجْدِ قُوَّتِهِ».

فيلبي ٣: ١٩ و٢بطرس ٣: ٧ تثنية ٢٣: ٢ وإشعياء ٢: ١٩ وص ٢: ٨

سَيُعَاقَبُونَ بِهَلاَكٍ أَبَدِيٍّ كما قيل في (متّى ٢٥: ٤١ و٤٦). ووصف ذلك الهلاك بأمرين الأول أنه سيقع على الخطأة عقاباً لهم على جهلهم الاختياري ورفضهم الإنجيل فإنهم ملأوا بذلك الرفض مكيال آثامهم والثاني أن ذلك الهلاك أبدي.

مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ أي من أمامه وهذا ما يبان مصدر هلاك الأشرار «وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَٱلصُّخُورِ: ٱسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ ٱلْحَمَلِ» (رؤيا ٦: ١٦ انظر أيضاً إشعياء ٢: ١٠ و ١٩). وأما بيان حقيقة ذلك الهلاك أي أنه يقوم بالفصل عن الله الذي حضوره منشأ كل سعادة وبالنفي من حضرته. وهذا جوهر الدينونة التي يصرّح بها المسيح للذين على يساره بقوله «ٱذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ… فَيَمْضِي هٰؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَٱلأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ» (متّى ٢٥: ٤١ و٤٦). والذي يؤكد هلاك الأشرار الأبدي يؤكد أيضاً سعادة الأبرار السرمدية وقد أبان الرسول تلك السعادة بقوله «نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ ٱلرَّبِّ» (١تسالونيكي ٤: ١٧).

وَمِنْ مَجْدِ قُوَّتِهِ إن إظهار قوته هو المجد وسيعلنه بتمجيده شعبه كما جاء في الآية الآتية.

إن حماية الله لآله وملء قلوبهم رجاء وسروراً دليل على قوته غير المحدودة كما أن تخويفه لأعدائهم ونفيه إياهم من حضرته وكل الذين رفضوه وأبغضوه دليل عليها وهذا على حد قول المسيح «حِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ فِي ٱلسَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ» (متّى ٢٤: ٣٠).

١٠ «مَتَى جَاءَ لِيَتَمَجَّدَ فِي قِدِّيسِيهِ وَيُتَعَجَّبَ مِنْهُ فِي جَمِيعِ ٱلْمُؤْمِنِينَ. لأَنَّ شَهَادَتَنَا عِنْدَكُمْ صُدِّقَتْ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ».

مزمور ٨٩: ٧ مزمور ٦٨: ٣٥

هذه الآية تبين أن جزءاً من مجد المسيح في اليوم الأخير يقوم بإتيانه بجماعة من المفتدين بدمه القائمين من الموت متمجدين أرواحهم مكمّلة بالقداسة بنعمته وأجسادهم متغيرة بقوّته إلى صورة جسده الممجد.

لِيَتَمَجَّدَ فِي قِدِّيسِيهِ هذا فضلاً عما قيل في الآية السابعة في شأن استعلانهم مع ملائكة قوته. ويظهر تمجيد قديسيه عظيماً جداً بمقابلته بهلاك الأشرار المذكور في الآية التاسعة. و «تمجده في قديسيه» نتيجة مجيئه لا غايته. فالمعلم يُكرم بنجابة تلاميذه والقائد بشجاعة جيشه وترتيبه. وكذلك يتمجد المسيح بشعبه بدليل قوله في صلاته «وَٱلآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا ٱلآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِٱلْمَجْدِ ٱلَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ ٱلْعَالَمِ… وَكُلُّ مَا هُوَ لِي فَهُوَ لَكَ، وَمَا هُوَ لَكَ فَهُوَ لِي، وَأَنَا مُمَجَّدٌ فِيهِمْ» (يوحنا ١٧: ٥ و١٠). وهو قد وهب لهم المجد الذي أخذه من الآب بدليل قوله «وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ ٱلْمَجْدَ ٱلَّذِي أَعْطَيْتَنِي» (يوحنا ١٧: ٢٢). وإن نتيجة المؤمنين تظهر مجد منجيهم وقداستهم تظهر قوة ونعمة «الذي أحبهم وغسلهم بدمه» (رؤيا ١: ٥).

وَيُتَعَجَّبَ مِنْهُ فِي جَمِيعِ ٱلْمُؤْمِنِينَ الذين كانوا مؤمنين وهم على الأرض. قال ذلك مقابلة بينهم وبين الذين لا يطيعون الإنجيل (ع ٨). و «المؤمنون» هنا هم «القديسون» في الجملة الأولى من هذه الآية. و «التعجب» هنا ناشئ عن الابتهاج وعلته وفرة عدد المخلّصين (رومية ٧: ٩) وما حصلوا عليه من الفضائل بنعمة المسيح وما أظهروه من الأمانة وقوة الإيمان مع أنهم في أنفسهم ضعفاء محاطون بالتجارب فكل ما نالوه هو عمل فاديهم فهو يتمجد به.

لأَنَّ شَهَادَتَنَا عِنْدَكُمْ صُدِّقَتْ قال الرسول هذا ليؤكد لمؤمني تسالونيكي أنهم من جملة المؤمنين المذكورين هنا وأن لهم نصيباً مع الممجدين مع المسيح عند مجيئه.

فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أي يوم مجيء المسيح وهذا متعلق بقوله «يُتعجب».

١١ «ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي لأَجْلِهِ نُصَلِّي أَيْضاً كُلَّ حِينٍ مِنْ جِهَتِكُمْ: أَنْ يُؤَهِّلَكُمْ إِلٰهُنَا لِلدَّعْوَةِ، وَيُكَمِّلَ كُلَّ مَسَرَّةِ ٱلصَّلاَحِ وَعَمَلَ ٱلإِيمَانِ بِقُوَّةٍ».

ع ٥ و١تسالونيكي ١: ٣

ٱلأَمْرُ أي تمجده في قديسيه والتعجب منه.

لأَجْلِهِ نُصَلِّي علاوة على شكره من أجلهم (١تسالونيكي ١: ٢) فاشتهى كثيراً إتمام خلاصهم فأظهر ذلك بصلاته من أجلهم.

أَنْ يُؤَهِّلَكُمْ إِلٰهُنَا لِلدَّعْوَةِ أي لكل ما يتضمن في دعوة الله لهم أن يكونوا مؤمنين. وهذا يستلزم مصيرهم أهلاً لأن يكونوا أعضاء ملكوته (ع ٥). وتلك «الدعوة» دعوة للقداسة (١كورنثوس ١: ٢ و١تسالونيكي ٤: ٧) وللسلوك بمقتضى ما يحق لها. ويتضمن نتيجة الدعوة الأخيرة وهي دعوتهم للتمجد حين يسمعون صوت الرب يقول لهم «تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا ٱلْمَلَكُوتَ ٱلْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ» (متّى ٢٥: ٣٤).

اعتبر بولس صلاته من جملة الوسائط التي قضى الله بها ليكون المدعوون مكمّلين بالقداسة مؤهّلين للسماء.

وَيُكَمِّلَ كُلَّ مَسَرَّةِ ٱلصَّلاَحِ لم يبيّن أمسرّة الله هي أم مسرّة مؤمني تسالونيكي لكن الذي أوفق للقرينة أنها مسرّة الله بصلاحهم التي أظهرها بدعوتهم إلى الخلاص وبما فعله لإتمام خلاصهم. ويترتب على ذلك مسرّتهم بما قصده الله وفعله لأجلهم.

وَعَمَلَ ٱلإِيمَانِ بِقُوَّةٍ المراد «بعمل الإيمان» كل ما قصد أن ينتج من غرس الإيمان في نفس الإنسان. ومن نتائجه ما ذكره يوحنا الرسول بقوله «مَنْ هُوَ ٱلَّذِي يَغْلِبُ ٱلْعَالَمَ، إِلَّا ٱلَّذِي يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ» (١يوحنا ٥: ٥). وما ذكره يعقوب الرسول في (ص ١: ٦) وبولس الرسول في (١تسالونيكي ١: ٣) وعلى الجملة نقول إن «عمل الإيمان» تبرير وتقديس ثم تمجيد. ومما لا يحتاج إلى بيان أن القوة التي لا بد منها لهذا العمل هي قوة إلهية (انظر تفسير كولوسي ١: ٢٨ و ٢٩).

١٢ «لِكَيْ يَتَمَجَّدَ ٱسْمُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ فِيكُمْ، وَأَنْتُمْ فِيهِ، بِنِعْمَةِ إِلٰهِنَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».

١بطرس ١: ٧ و٤: ١٤

لِكَيْ يَتَمَجَّدَ ٱسْمُ رَبِّنَا… فِيكُمْ هذا غاية ما طلبه بولس في صلاته لكي يكمل الله عمل الإيمان في التسالونيكيين وهو أن يسوع نفسه يتمجد بواسطتهم. فالمراد «بالاسم» هنا المسمى بدليل قوله «مَتَى جَاءَ لِيَتَمَجَّدَ فِي قِدِّيسِيهِ» (ع ١٠ انظر تفسير فيلبي ٢: ٩ و١٠) فإنه يتمجد بصبرهم وطاعتهم وأمانتهم وهم على الأرض ثم بكونهم مكملين بالقداسة في السماء.

وَأَنْتُمْ فِيه أي في المسيح باعتبار أنكم شركاؤه في آلامه ثم في أمجاده حسب قوله في خطاب أبيه «َأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ ٱلْمَجْدَ ٱلَّذِي أَعْطَيْتَنِي» (يوحنا ١٧: ٢٢) ومواعيده العديدة في الإنجيل.

بِنِعْمَةِ إِلٰهِنَا الخ هذا متعلق بخبر «أنتم» في العبارة السابقة والمعنى أنتم تتمجدون فيه بنعمة إلهنا. وذلك يدل على أن تمجيدهم ليس من استحقاقهم بل من مجرد نعمة الله.

المقدمة
الأصحاح الثاني

زر الذهاب إلى الأعلى