سفر نشيد الأنشاد

سفر نشيد الأناشيد | 08 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر نشيد الأناشيد

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ

تتمة الكلام في الأصحاح السابق.

١ – ٤ «١ لَيْتَكَ كَأَخٍ لِي ٱلرَّاضِعِ ثَدْيَيْ أُمِّي، فَأَجِدَكَ فِي ٱلْخَارِجِ وَأُقَبِّلَكَ وَلاَ يُخْزُونَنِي. ٢ وَأَقُودُكَ وَأَدْخُلُ بِكَ بَيْتَ أُمِّي، وَهِيَ تُعَلِّمُنِي، فَأَسْقِيكَ مِنَ ٱلْخَمْرِ ٱلْمَمْزُوجَةِ مِنْ سُلاَفِ رُمَّانِي. ٣ شِمَالُهُ تَحْتَ رَأْسِي وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي. ٤ أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ أَلاَّ تُيَقِّظْنَ وَلاَ تُنَبِّهْنَ ٱلْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ».

ص ٣: ٤ ص ٢: ٦ ص ٢: ٧ و٣: ٥

لَيْتَكَ كَأَخٍ لو كان أخاها الحقيقي لم يكن حبيبها. ومعناها ليته أخ لي لكي تكون لها حرية في الكلام معه ومعاشرته بلا تنكيت ولكنها تقدمت في كلامها إلى ما لا يكون لأخ بل لحبيب.

٥ «مَنْ هٰذِهِ ٱلطَّالِعَةُ مِنَ ٱلْبَرِّيَّةِ مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا؟ تَحْتَ شَجَرَةِ ٱلتُّفَّاحِ شَوَّقْتُكَ، هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ أُمُّكَ، هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ وَالِدَتُكَ».

ص ٣: ٦ ص ٢: ٣

كلام أهل شونم (أو شولم) والطالعة من البرية هي شولميث وحبيبها وهو الراعي من شونم الذي اختارته شولميث دون سليمان وهما آتيان ليحتفلا بعرسهما.

شَوَّقْتُكَ تطابق ترجمتنا الأصل العبراني في الحركات وبموجب هذه الحركات تكلم شولميث حبيبها أي هو شوقته وتذكر أن أمه خطبتها له تحت شجرة التفاح. وفي الترجمة اليسوعية «لقد نبهتك تحت شجرة التفاح هناك وضعتك أمك» وأكثر التفاسير تقبل هذه الترجمة أي يقول حبيبها أنه شوّقها الخ وأمها وضعتاها الخ وإذا قبلنا الترجمة اليسوعية «هناك وضعتك أمك» وتفسير أكثر المفسرين المحدثين نفهم أن البيت الذي فيه وضعتها أمها كان تحت شجرة التفاح.

٦ – ١٢ «٦ اِجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ، كَخَاتِمٍ عَلَى سَاعِدِكَ. لأَنَّ ٱلْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ كَٱلْمَوْتِ. ٱلْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَٱلْهَاوِيَةِ. لَهِيبُهَا لَهِيبُ نَارِ لَظَى ٱلرَّبِّ. ٧ مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْفِئَ ٱلْمَحَبَّةَ، وَٱلسُّيُولُ لاَ تَغْمُرُهَا. إِنْ أَعْطَى ٱلإِنْسَانُ كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ بَدَلَ ٱلْمَحَبَّةِ تُحْتَقَرُ ٱحْتِقَاراً. ٨ لَنَا أُخْتٌ صَغِيرَةٌ لَيْسَ لَهَا ثَدْيَانِ. فَمَاذَا نَصْنَعُ لأُخْتِنَا فِي يَوْمٍ تُخْطَبُ؟ ٩ إِنْ تَكُنْ سُوراً فَنَبْنِي عَلَيْهَا بُرْجَ فِضَّةٍ. وَإِنْ تَكُنْ بَاباً فَنَحْصُرُهَا بِأَلْوَاحِ أَرْزٍ. ١٠ أَنَا سُورٌ وَثَدْيَايَ كَبُرْجَيْنِ. حِينَئِذٍ كُنْتُ فِي عَيْنَيْهِ كَوَاجِدَةٍ سَلاَمَةً. ١١ كَانَ لِسُلَيْمَانَ كَرْمٌ فِي بَعْلَ هَامُونَ. دَفَعَ ٱلْكَرْمَ إِلَى نَوَاطِيرَ، كُلُّ وَاحِدٍ يُؤَدِّي عَنْ ثَمَرِهِ أَلْفاً مِنَ ٱلْفِضَّةِ. ١٢ كَرْمِي ٱلَّذِي لِي هُوَ أَمَامِي. ٱلأَلْفُ لَكَ يَا سُلَيْمَانُ، وَمِئَتَانِ لِنَوَاطِيرِ ٱلثَّمَرِ».

إشعياء ٤٩: ١٦ وإرميا ٢٢: ٢٤ وحجي ٢: ٢٣ أمثال ٦: ٣٤ حزقيال ١٦: ٧ و١ملوك ٦: ١٥ جامعة ٢: ٤ متّى ٢١: ٢٣ ص ١: ٤ ع ١٢ وص ٢: ٣ إشعياء ٧: ٢٣

اِجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ (انظر حجي ٢: ٢٣) «أَجْعَلُكَ كَخَاتِمٍ، لأَنِّي قَدِ ٱخْتَرْتُكَ. يَقُولُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ» فإن الخاتم من أعزّ المقتنيات واشتهاء شولميث هي أن تكون عزيزة عنده كخاتم وتكون على قلبه وعلى ساعده كزوجته.

لأَنَّ ٱلْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ كَٱلْمَوْتِ الخ مدح المحبة بألفاظ لا أجمل ولا أقوى منها. والمحبة المذكورة هنا ليست كمحبة الملك لسيداته وسراريه بل محبة رجل واحد لامرأته الواحدة محبة طاهرة وثابتة. وهذه المحبة لا تطلب ما لنفسها بل ما للغير فتحمل الحبيب على احتمال الضيقات والآلام حتى الموت لأجل المحبوب. ومثالنا الوحيد للمحبة هو الرب يسوع المسيح الذي بذل نفسه ومات لأجلنا لنكون معه إلى الأبد لأن محبته محبة أبدية.

ٱلْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَٱلْهَاوِيَةِ المحبة الزوجية الحقيقية لا تطيق شريكاً أو شريكة. كان لسليمان ٧٠٠ سيدة و٣٠٠ سرية ولكن لا يمكنه أن يحب إحداهن من كل قلبه ولا يمكن إحداهن أن تحبه من كل قلبها فمن الألف لم يكن له واحدة زوجة حقيقية. انظر نبأ ساراي وهاجر (تكوين ١٦: ٦) وراحيل وليئة (تكوين ٣٠: ١) وحنة وفننة (١صموئيل ١: ١ – ٨) وأحوال داود البيتية بعد ما أكثر الزوجات.

مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْفِئَ ٱلْمَحَبَّةَ (ع ٧) في هذا السفر مبالغة في وصف الجمال الجسدي وذلك من خصائص الشعر. ولكن «اَلْحُسْنُ غِشٌّ وَٱلْجَمَالُ بَاطِلٌ» (أمثال ٣١: ٣٠) أي الجمال الجسدي يزول سريعاً وأما المحبة الحقيقية فلا تزول بل تبقى قوية في الصحة وفي الضعف وفي الشيخوخة.

وكما أن الإنسان عرضة للأمراض والضعف الجسدي كذلك هو عرضة أيضاً للضعفات والنقصان في الأخلاق ولا أحد يخلو منها. ولعل العريس يظن أن عروسه كاملة بكل صفاتها والعروس كذلك تظن أن عريسها كامل ولكنهما عن قريب يجدان نقصاً كل واحد في الآخر وهذا النقص امتحان محبتهما. فإن المحبة الحقيقية لا تُطفأ ولا تغمر وهي من الله وبنعمة الله تثبت فإنها «لهيب نار لظى الرب».

كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ بَدَلَ ٱلْمَحَبَّةِ تُحْتَقَرُ ٱحْتِقَاراً أي يُحتقر الرجل الذي يتزوج بامرأة لأجل مالها وتُحتقر المرأة التي تأخذ رجلاً لأجل ماله. والزيجة على هذا النوع كالعبودية لأنها بيع النفس بالمال وتفصيل الجسديات على الروحيات كأن الإنسان حيوان بلا عقل. انظر ما قاله بولس الرسول في المحبة (١كورنثوس ص ١٣) وفي المحبة الزوجية التي يُمثل بها محبة المسيح للكنيسة (أفسس ٥: ٢٢ – ٣٣) وما قيل في سفر الرؤيا في العروس التي تُمثل بها الكنيسة (رؤيا ١٩: ٦ – ٩ و٢١: ٩).

لَنَا أُخْتٌ (ع ٨) تذكرت شولميث كلام إخوتها (انظر ١: ٦) «بَنُو أُمِّي غَضِبُوا عَلَيَّ. جَعَلُونِي نَاطُورَةَ ٱلْكُرُومِ».

لَيْسَ لَهَا ثَدْيَانِ لم يحن لها وقت الزيجة حسب قولهم.

فَمَاذَا نَصْنَعُ لأُخْتِنَا شعروا بأنهم مسوؤلين عنها.

وَإِنْ تَكُنْ سُوراً (ع ٩) أي إن تكن حافظة عفافها رغماً عن تجاربها القوية.

بُرْجَ فِضَّةٍ وعدوها بزينة ثمينة وبالمبالغة قالوا «برج فضة».

وَإِنْ تَكُنْ بَاباً أي إذا كانت ضعيفة العزم وعرضة للسقوط كباب مفتوح لكل من يريد الدخول.

نَحْصُرُهَا بِأَلْوَاحِ أَرْزٍ أي يسدون الباب بألواح قوية ويعملون لها أحسن وسائط لحفظها عند هجوم التجارب. وأما شولميث فقالت (ع ١٠) «أَنَا سُورٌ وَثَدْيَايَ كَبُرْجَيْنِ» أي أنها حفظت عفافها وقاومت أعظم تجارب ورفضت الغنى والمجد العالمي مع أنه كان كمجد سليمان وقالت أيضاً «كنت في عينيه» أي عيني سليمان «كواجدة سلامة» أي شبهت نفسها بمدينة لها سور وأبراج فهجم عليها الملك ولم يقدر أن يفتحها فسالمها أي تركها لما رفضته.

بَعْلَ هَامُونَ (ع ١١) موقعها مجهول ويظن البعض أنها بقرب شونم أو سولم وألف من الفضة أو ألف شاقل تعادل نحو ١٣٥ ليرة إنكليزية ذهب وفي زمان يسوع كان الفاعل يأخذ نحو ثلث شاقل أجرة يومية (انظر متّى ٢٠: ٢) فكان كرم سليمان ثميناً جداً.

كَرْمِي ٱلَّذِي لِي هُوَ أَمَامِي (ع ١٢) أي كرامتها وهي أفضل من كرم سليمان وقولها إن كرامتها لها وهي تحفظها ولا يقدر سليمان أن يشتريها وإن كان أعظم الناس غنىً ومجداً.

ٱلأَلْفُ لَكَ يَا سُلَيْمَانُ وأجرة النواطير لهم أي رفضت الكل.

١٣، ١٤ «١٣ أَيَّتُهَا ٱلْجَالِسَةُ فِي ٱلْجَنَّاتِ، ٱلأَصْحَابُ يَسْمَعُونَ صَوْتَكِ، فَأَسْمِعِينِي. ١٤ اُهْرُبْ يَا حَبِيبِي، وَكُنْ كَٱلظَّبْيِ أَوْ كَغُفْرِ ٱلأَيَائِلِ عَلَى جِبَالِ ٱلأَطْيَابِ».

ص ١: ٧ ص ٢: ٧ و٩ و١٧ ص ٤: ٦

يكلمها حبيبها وهي جالسة في الجنات مع حبيبها بعد رجوعهما إلى قريتهما وكان الأصحاب حاضرين ومنتبهين وطلب حبيبها منها أن تغني لهم فغنت الأغنية المطلوبة المعروفة (٢: ١٧).

وهكذا تنتهي هذه الرواية الجميلة فإننا نرى العروسين وأصحابهما جالسين في الجنات وقد زالت أتعابهما وخوفهما وثبتا في محبتهما كل واحد للآخر. ونشم روائح الزهور ونسمع صوت الغناء والفرح. فإن المحبة الحقيقية لا تحتاج إلى كثير من المال والمأكولات والمفروشات بل إلى بركة الله وقد تكون في بيوت الفقراء والبسطاء أكثر مما هي في قصر سليمان مع كل مجده.

السابق
زر الذهاب إلى الأعلى