بطرس الثانية

الرسالة بطرس الثانية | 03 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح رسالة بطرس الثانية 

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ

أظهر الرسول في هذا الأصحاح غايته من كتابة هذه الرسالة وهي بيان إن المسيح سيرجع إلى هذا العالم خلافاً لقول المستهزئين وإن الأرض تحترق وأنه يكون على أثر ذلك سماء جديدة وأرض جديدة وواجبات المؤمنين بالنظر إلى هذه الأمور. وفي هذا الأصحاح ثلاثة أقسام:

الأول: اعتراضات بعض الناس على رجوع المسيح وهلاك العالم لعدم الإمارات على ذلك والأسباب الطبيعية التي ينشأ عنها خراب العالم وإن ثبوت الأرض إلى الآن يدّل على استمرارها ثابتة (ع ١ – ٤).

الثاني: دفع الرسول الاعتراضات على رجوع المسيح وفيه تأكيد مجيء المسيح واحتراق الأرض وكل ما فيها وأنه تكون سماوات جديدة وأرض جديدة. ومما يبرهن إمكان تغيُّر نظام الطبيعة هو إهلاك العالم القديم بالماء وما حدث مرّة بالماء يمكن أن يحدث مرّة أخرى بالنار (ع ٥ – ٧). وإن الله لا يحسب الزمان كما يحسبه الناس لأنهم سريعو الزوال فما يجب أن يفعلوه يجب أن يفعلوه حالاً وإلا فهم لا يفعلونه لكن الله أبدي يتمم مقاصده في الأبدية فالتباطوء عنده لا يدل على تغييره قصده (ع ٨ و٩). وإن تباطوء الله نتيجة طول أناته وصبره (ع ١٠ – ١٣). وواجبات المؤمنين بالنظر إلى هذه الأمور وإثبات ما سبق من كلامه (ع ١٤ و١٥). وإن بولس الرسول ذكر في ما كتبه أشياء عسرة الفهم. وأما ما قاله في مجيء المسيح ثانية فكله واضح (ع ١٥ و١٦).

الثالث: نصيحته الوداعية المبنية على ما سبق وتسبيح (ع ١٧ و١٨).

بيان الغاية من كتابة هذه الرسالة ع ١ و٢

١ «هٰذِهِ أَكْتُبُهَا ٱلآنَ إِلَيْكُمْ رِسَالَةً ثَانِيَةً أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، فِيهِمَا أُنْهِضُ بِٱلتَّذْكِرَةِ ذِهْنَكُمُ ٱلنَّقِيَّ».

ع ٨ و١٤ و١٧ و١بطرس ٢: ١١ وص ١: ١٣

هٰذِهِ أَكْتُبُهَا ٱلآنَ إِلَيْكُمْ رِسَالَةً ثَانِيَةً في هذا تصريح إلى أنه كتب الرسالة الأولى منذ أمد غير بعيد وأنه كتب هذه الرسالة إلى الأشخاص الذين كتبت إليهم الرسالة الأولى أنفسهم. ولعله قصد بقوله «الآن» إن وقت انحلاله قريب والإشارة إلى وجود المستهزئين بينهم.

فِيهِمَا أُنْهِضُ بِٱلتَّذْكِرَةِ في هذا بيان أن غاية الرسالتين واحدة.

ذِهْنَكُمُ ٱلنَّقِيَّ أي غير المتكدر بالشهوات أو الخداع. والكلمة اليونانية التي تُرجمت «بالنقي» هنا ترجمت «بالمخلص» في (فيلبي ١: ١٠). فأراد أن تكون أذهانهم منتبهة لكي تعتبر قيمة مجيء المسيح ثانية. وأفضل طريق إلى إنهاض أذهاننا هو أن نتذكر ما أعلنه الله لنا بواسطة أنبيائه ورسله.

٢ «لِتَذْكُرُوا ٱلأَقْوَالَ ٱلَّتِي قَالَـهَا سَابِقاً ٱلأَنْبِيَاءُ ٱلْقِدِّيسُونَ، وَوَصِيَّتَنَا نَحْنُ ٱلرُّسُلَ، وَصِيَّةَ ٱلرَّبِّ وَٱلْمُخَلِّصِ».

يهوذا ١٧ ولوقا ١: ٧٠ وأعمال ٣: ٢١ وأفسس ٣: ٥ ص ٢: ٢١ وغلاطية ٦: ٢ و١تيموثاوس ٦: ١٤

ٱلأَنْبِيَاءُ ٱلْقِدِّيسُونَ كما سبق في (ص ١: ١٩).

وَوَصِيَّتَنَا نَحْنُ ٱلرُّسُلَ، وَصِيَّةَ ٱلرَّبِّ وَٱلْمُخَلِّصِ أتى بأدلة من العهد القديم والعهد الجديد ليحث المؤمنين على انتظار مجيء المسيح ثانية وفي هذا تفسير لقوله «بالتذكرة» فإنه ذكّرهم بأقوال الأنبياء والرسل والرب ويستلزم التحذيرات من الأنبياء الكذبة (متّى ٧: ١٥ و٢٤: ٥ و١١ ومرقس ١٣: ٢٢ ورومية ١٦: ١٧ وأفسس ٥: ٦ و٢تيموثاوس ٤: ٣). وتكلم الإنجيل في مجيء المسيح ثانية صريحاً (متّى ٢٤: ٢٦ – ٣٠ ومرقس ١٣: ٣٥ – ٣٧ ولوقا ١٢: ٤٠ و١تسالونيكي ٥: ٢ – ٤).

الإنباء بمجيء المستهزئين الذين ينكرون رجوع المسيح ع ٣ و٤

٣ «عَالِمِينَ هٰذَا أَوَّلاً: أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي آخِرِ ٱلأَيَّامِ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ».

ص ١: ٢٠ و١تيموثاوس ٤: ١ وعبرانيين ١: ٣ ويهوذا ١٨ وص ٢: ١

هذه النبوة الثانية في هذه الرسالة فالأولى الإنباء بقيام المعلمين الكاذبين (ص ٢: ١ – ١٠).

عَالِمِينَ هٰذَا أَوَّلاً أي موضوع كلام الأنبياء (ص ١: ٢٠) وإنه من أهم الأمور التي يجب أن نذكرها.

أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي آخِرِ ٱلأَيَّامِ هي الأيام المذكورة في (١بطرس ١: ٥) وهي تسبق مجيء المسيح ثانية (أعمال ٢٠: ٢٩ و١تيموثاوس ٤: ١ و٢تيموثاوس ٣: ٢). وذُكر هؤلاء «المستهزئون» في رسالة يهوذا (يهوذا ع ١٨).

مُسْتَهْزِئُونَ كان استهزاؤهم إنكارهم صدق النبوءة ووحي الإنبياء ولكن إتيانهم أثبت النبوءة.

سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ المحظورة لا بمقتضى مشيئة الله وناموسه. فرجعوا عن أن يلبسوا أثواب الحملان لكي يخدعوا غيرهم بل أعلن طبيعتهم الرديئة (ص ٢: ١٩ ويهوذا ١٦ و١٨) فأشبهت خطاياهم خطايا الذين قبل الطوفان وخطايا سدوم وعمورة.

٤ «وَقَائِلِينَ: أَيْنَ هُوَ مَوْعِدُ مَجِيئِهِ؟ لأَنَّهُ مِنْ حِينَ رَقَدَ ٱلآبَاءُ كُلُّ شَيْءٍ بَاقٍ هٰكَذَا مِنْ بَدْءِ ٱلْخَلِيقَةِ».

إشعياء ٥: ١٩ وإرميا ١٧: ١٥ وحزقيال ١١: ٣ و١٢: ٢٢ و٢٧ ومتّى ٢٤: ٤٨ وملاخي ٢: ١٧ وع ١٢ و١تسالونيكي ٢: ١٩ وأعمال ٧: ٦٠ ومزمور ١٠: ٦

أَيْنَ هُوَ مَوْعِدُ مَجِيئِهِ أي أين إنجاز الوعد. وهذا كلام استهزاء وإنكار للوعد وادّعاء أنه باطل. وجاء مثل هذا في (مزمور ٧٩: ١٠ وإرميا ١٧: ١٥ وملاخي ٢: ١٧). فكأنهم قالوا هذه النبوءة باطلة ولو كانت حقاً لكانت تمّت قبل الآن وعدم إتمامها الآن دليل على أنها لا تتم. والضمير في «مجيئه» إلى المسيح وأخذوا عبارة «موعد مجيئه» من أقوال المؤمنين التي يعبّرون بها عن إتيانه ثانية بالجسد ليعاقب الأشرار ويثيب الأبرار (متّى ٢٤: ٣ و٢٧ و٣٧ و١تسالونيكي ٢: ١٩ و٣: ١٣ و٢بطرس ٣: ١٢).

لأَنَّهُ مِنْ حِينَ رَقَدَ ٱلآبَاءُ المراد «بالآباء» هنا الذين وُعدوا بمجيء المسيح وهم الجيل المسيحي الأول ونسبة أولئك إلى الكنيسة المسيحية كنسبة إبراهيم وإسحاق ويعقوب إلى الكنيسة اليهودية فإنهم توقعوا سرعة إنجاز الوعد وماتوا قبل أن ينجز. والمراد بقوله «رقد الآباء» ماتوا (يوحنا ١١: ١١ وأعمال ٧: ٦٠ و١٣: ٣٠ و١كورنثوس ١٥: ٦ و١٨ و٢٠ و١تسالونيكي ٤: ١٤). وتشبيه الموت بالرقاد يدل على راحة الموتى ووجودهم أحياء في السماء وقيامة أجسادهم بنشاط جديد.

كُلُّ شَيْءٍ بَاقٍ هٰكَذَا مِنْ بَدْءِ ٱلْخَلِيقَةِ أي لم يزل على حاله منذ موت المؤمنين ومن قبلهم منذ بدء الخليقة.

تفنيد أقوال المستهزئين ع ٥ إلى ٩

٥ «لأَنَّ هٰذَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ بِإِرَادَتِهِمْ: أَنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ كَانَتْ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ وَٱلأَرْضَ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ قَائِمَةً مِنَ ٱلْمَاءِ وَبِٱلْمَاءِ».

تكوين ١: ٦ و٩ وعبرانيين ١١: ٣ ومزمور ٢٤: ٢ و١٣٦: ٦ وكولوسي ١: ١٧

لأَنَّ هٰذَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ بِإِرَادَتِهِمْ أي حين يقولون «كل شيء باق» الخ يغمضون عيونهم عن النظر إلى الحقيقة كما هي معلنة في أقوال موسى وأشار بقوله هذا إلى ما يأتي من كلامه.

أَنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ المنظورة.

مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ أي من بدء الخليقة.

بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ لا بالاتفاق ولا بقوة في المادة بل بأمره تعالى (تكوين ١: ٦ – ٩ ومزمور ٣٣: ٦) وهو قول المرنم «بِكَلِمَةِ ٱلرَّبِّ صُنِعَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَبِنَسَمَةِ فَمِهِ كُلُّ جُنُودِهَا».

قَائِمَةً مِنَ ٱلْمَاءِ وَبِٱلْمَاءِ بناء على قوله تعالى «لِتَجْتَمِعِ ٱلْمِيَاهُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ ٱلْيَابِسَةُ الخ» (تكوين ١: ٩ و١٠ انظر أيضاً مزمور ٢٤: ٢ و١٣٦: ٦). وهذا وصف حال الخليقة في أول أمرها بحسب الظاهر إذ انفصلت المياه التي تحت الجلد عن المياه التي فوقه وظهرت اليابسة.

٦ «ٱللَّوَاتِي بِهِنَّ ٱلْعَالَمُ ٱلْكَائِنُ حِينَئِذٍ فَاضَ عَلَيْهِ ٱلْمَاءُ فَهَلَكَ».

تكوين ٧: ٢١ وص ٢: ٥

هذا وصف العالم وقت الطوفان.

ٱللَّوَاتِي بِهِنَّ أي بواسطة السماوات والأرض لأن السماوات والأرض اشتركن في إنشاء الطوفان بدليل قول الكتاب «فِي ذلك ٱلْيَوْمِ ٱنْفَجَرَتْ كُلُّ يَنَابِيعِ ٱلْغَمْرِ ٱلْعَظِيمِ، وَٱنْفَتَحَتْ طَاقَاتُ ٱلسَّمَاءِ» (تكوين ٧: ١١).

ٱلْعَالَمُ ٱلْكَائِنُ حِينَئِذٍ الخ هذا موافق لقوله «وَلَمْ يُشْفِقْ عَلَى ٱلْعَالَمِ ٱلْقَدِيمِ، بَلْ… جَلَبَ طُوفَاناً عَلَى عَالَمِ ٱلْفُجَّار» (ص ٢: ٥). فتغيّر العالم بالطوفان حتى صار بلا ترتيب فكأن ما بعده كان عالماً جديداً وبذلك بطل قول المستهزئين «كل شيء باق» الخ وتبيّن إمكان أن يتغيّر نظام العالم أيضاً في وقت آخر.

٧ «وَأَمَّا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ ٱلْكَائِنَةُ ٱلآنَ فَهِيَ مَخْزُونَةٌ بِتِلْكَ ٱلْكَلِمَةِ عَيْنِهَا، مَحْفُوظَةً لِلنَّارِ إِلَى يَوْمِ ٱلدِّينِ وَهَلاَكِ ٱلنَّاسِ ٱلْفُجَّارِ».

إشعياء ٦٦: ١٥ ودانيال ٧: ٩ و٢تسالونيكي ١: ٧ وعبرانيين ١٢: ٢٩ ومتّى ١٠: ١٥ و١كورنثوس ٣: ١٣ ويهوذا ٧

ٱلْكَائِنَةُ ٱلآنَ أي التي نشاهدها.

فَهِيَ مَخْزُونَةٌ أي محروسة من الهلاك بالماء حسب وعد الله (تكوين ٩: ١١).

بِتِلْكَ ٱلْكَلِمَةِ أي بالقوة التي خلق بها السماوات والأرض نفسها.

مَحْفُوظَةً لِلنَّارِ أي للهلاك بالنار كما سبقت بعض الأدلة على ذلك (متّى ٥: ٢٢ و٢٩ و١كورنثوس ٣: ١٣ و٢تسالونيكي ١: ٧ وعبرانيين ١٢: ٢ ورؤيا ٢١: ٨). وما ذكره هنا إيضاح لذلك. وفي العهد القديم إشارات إلى تغيُّر هذا العالم (أيوب ١٤: ١٢ ومزمور ١٠٢: ٢٦ و٢٧ وإشعياء ٣٤: ٤ و٥١: ٦ و٦٦: ٢٢). وكان هلاك سدوم وعمورة بالنار رمزاً إلى هلاك الأشرار أخيراً. وإشارات كلمة الله إلى إجراء حكمه بالنار في (مزمور ٥٠: ٣ و٩٧: ٣ وإشعياء ٦٦: ١٥ و١٦ و٢٤ ودانيال ٧: ٩ و١٠). وما قاله كتبة العهد القديم في إتيان الله للدينونة يفسره بطرس بمجيء المسيح ثانية وكما هلك العالم وقتئذ بالماء سيهلك ثانية بالنار.

٨ «وَلٰكِنْ لاَ يَخْفَ عَلَيْكُمْ هٰذَا ٱلشَّيْءُ ٱلْوَاحِدُ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، أَنَّ يَوْماً وَاحِداً عِنْدَ ٱلرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ».

مزمور ٩٠: ٤

في هذه الآية الجواب الثاني على اعتراض المستهزئين.

وَلٰكِنْ لاَ يَخْفَ عَلَيْكُمْ الأمر الذي يجهله غيركم باختياره وتقودكم معرفته إلى كل الحق.

أَنَّ يَوْماً وَاحِداً عِنْدَ ٱلرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ الخ أي أنه لا يجوز أن نحكم على الله كما نحكم على الناس لإبطائه في إنجاز مواعيده لأنه لا يقيس الزمان كالناس. فالفرق بين الوقت الطويل كألف سنة والوقت القصير كيوم واحد يتعلق بالناس لا بالله. فيوم واحد عند الإنسان الذي حياته معدودة أكثر كثيراً من ألوف السنين عند الله. فالذي يحسبه الناس إبطاء في الوعد ليس كذلك عند الله. فإن أبطأ إنسان في إنجاز مواعيده فربما لا يحصل على فرصة لإنجازها ولكن لله الأبدية فينجز مواعيده متى شاء. فعلى المؤمن أن يتكل على مواعيد الله وليس للكافر أن يشك أو أن ينسب إلى الله النسيان أو التغيّر في مقاصده وعدم إنجازه وعده بمجيء المسيح. وما قاله بطرس هنا في إبطاء الله عن إنجاز وعده قاله المرنم في مقدار عمر الإنسان بالنسبة إلى أبدية الله وهو ما نصه «لأَنَّ أَلْفَ سَنَةٍ فِي عَيْنَيْكَ مِثْلُ يَوْمِ أَمْسِ» (مزمور ٩٠: ٤). إن ثواب البار على بره وعقاب الشرير على إثمه مؤكد سواء أكان بعد يوم أم كان بعد ألف سنة.

٩ «لاَ يَتَبَاطَأُ ٱلرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ ٱلتَّبَاطُؤَ، لٰكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ ٱلْجَمِيعُ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ».

حبقوق ٢: ٣ وعبرانيين ١٠: ٣٧ ورومية ١٣: ١١ و٢: ٤ ورؤيا ٢: ٢١ و١تيموثاوس ٢: ٤

لاَ يَتَبَاطَأُ ٱلرَّبُّ المراد «بالرب» هنا الله الآب والمراد بقوله «لا يتباطأ» أنه لا يتأخر أكثر مما تقتضيه حكمته.

عَنْ وَعْدِهِ بمجيء المسيح ثانية.

كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ ٱلتَّبَاطُؤَ أراد «بالقوم» هنا المستهزئين أو بعض الناس بالنظر إلى آرائهم المعتادة فإنهم يحسبون «التباطوء» نتيجة الإباء أو النسيان أو العجز أو غاية شخصية.

لٰكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا لأنه أزلي أبدي فأزليته وأبديّته لا توجبان عليه العجلة.

وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ فما يظهر لنا أنه تباطوء فليس هو إلا نتيجة نعمة الله وإرادته نفع البشر كلهم لا نفع المختارين فقط. وهذه العبارة كقول النبي «هَلْ مَسَرَّةً أُسَرُّ بِمَوْتِ ٱلشِّرِّيرِ يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ؟ أَلاَ بِرُجُوعِهِ عَنْ طُرُقِهِ فَيَحْيَا» وقوله «حَيٌّ أَنَا يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ، إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ ٱلشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ ٱلشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا» (حزقيال ١٨: ٢٣ و٣٣: ١١) وقول الرسول في الله «ٱلَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (١تيموثاوس ٢: ٤). فإذا خطئ الإنسان بتعدّيه شريعة الله فصبر الله عليه ليس بدليل على أنه لا يعاقبه كما أوعد بل ذلك دليل على حلم الله عليه ليعطيه فرصة للتوبة وعلى هذا صبر الله عن أن يدين عالم الأشرار بإرسال المسيح ليدين العالم فيجب أن نتخذ تباطؤه آية على أنه لا يريد هلاك أحد وإلا فسهل عليه أن يهلك المعتدين حالاً.

بَلْ أَنْ يُقْبِلَ ٱلْجَمِيعُ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ فعدم إرادة الله أن يهلك أحد ليس بدليل على أنه لا أحد يهلك لأنه لا يقصد كل ما يشاء فأوامره تدل على مشيئته. ولو قصد كل ما شاء لم يكن من عصيان في العالم فهو يريد أن يكون الناس كلهم أبراراً وسعداء إلى الأبد ولا يستلزم ذلك أن يكونوا كذلك وإلا لم يكن من خطيئة أو ألم في الدنيا.

تأكيد مجيء المسيح ثانية وأنه بغتيٌّ والواجبات المبنية على ذلك ع ١٠ إلى ١٣

١٠ «وَلٰكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي ٱللَّيْلِ، يَوْمُ ٱلرَّبِّ، ٱلَّذِي فِيهِ تَزُولُ ٱلسَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ ٱلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ ٱلأَرْضُ وَٱلْمَصْنُوعَاتُ ٱلَّتِي فِيهَا».

١تسالونيكي ٥: ٢ ومتّى ٢٤: ٤٣ ورؤيا ٣: ٣ و١٦: ١٥ و١كورنثوس ١: ٨ ومتّى ٢٤: ٣٥ ورؤيا ٢١: ١ وإشعياء ٣٤: ٤ و٢٤: ١٩ وميخا ١: ٤ وغلاطية ٤: ٣

وَلٰكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي ٱللَّيْلِ، يَوْمُ ٱلرَّبِّ إن حلم الله مهما عظم فلا بد من أن ينتهي أخيراً بغتة. والذي سُمي «يوم الرب» هنا سُمي «يوم المسيح» في (٢تسالونيكي ٢: ٢) و «يوم الرب يسوع» في (٢كورنثوس ١: ١٤) ونُسب ذلك «اليوم» إلى المسيح لأنه هو الديّان يومئذ. وهذا يشبه النبوءات بمجيئه (يوئيل ١: ١٥ وإشعياء ٢: ١٢ وملاخي ٣: ٢) فهي تصدق على مجيئه الأول ومجيئه الثاني. وقوله «سيأتي» يؤكد مجيئه على رغم الشك والإنكار. وقوله «كلص في الليل» من قول المسيح الذي سمعه بطرس (متّى ٢٤: ٤٣ ولوقا ١٢: ٣٩ انظر ١تسالونيكي ٥: ٢ ورؤيا ٣: ٣ و١٦: ١٥) ووجه الشبه أنه بغتيٌّ لا هائل.

فِيهِ تَزُولُ ٱلسَّمَاوَاتُ (متّى ٢٤: ٣٥) والمراد «بالسماوات» هنا المنظورة (مزمور ١٠٢: ٢٦ وإشعياء ٣٤: ٤ ورؤيا ٢١: ١١). فإنه يستحيل أن تزول السماء التي هي مسكن الله.

بِضَجِيجٍ كما تقتضي تلك التغيرات.

تَنْحَلُّ ٱلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً ظن بعض المفسرين أن المراد «بالعناصر» هنا الأجرام السماوية لكونها مكونة من العناصر لأن زوالها مذكور في يوم مجيء الرب بدليل قوله «وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ ٱلأَيَّامِ تُظْلِمُ ٱلشَّمْسُ، وَٱلْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَٱلنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ» (متّى ٢٤: ٩ و٢٠ انظر أيضاً إشعياء ١٣: ٩ و١٠ و٢٤: ٢٣ و٣٤: ٤ ويوئيل ٢: ٣١).

وظن بعض المفسّرين أن المقصود «بالعناصر» الأصول الأربعة التي اعتقد القدماء أن المادة مؤلفة منها وهي النار والهواء والماء والتراب. وذُكرت الكلمة اليونانية الأصلية سبع مرات في العهد الجديد وقد تُرجمت هنا بكلمة «عناصر» وبكلمة أركان في (عدد ١٢ وفي غلاطية ٤: ٣ و٩ وكولوسي ٢: ٨ و٢٠ وعبرانيين ٥: ١٢) ولا شيء يدل على تعيين معناها. ولعل المقصود بها ما سُمي «بقوّات السماوات» في (متّى ٢٤: ٢٩) ومعنى العبارة أن السماوات تزول بانحلالها إلى الأجزاء التي تركبت منها.

وَتَحْتَرِقُ ٱلأَرْضُ وَٱلْمَصْنُوعَاتُ ٱلَّتِي فِيهَا هذا كقول المرنم «الأرض وملؤها» و «المسكونة وملؤها» (مزمور ٢٤: ١ و٥٠: ١٢) والمراد به أعمال الخليقة وأعمال الإنسان.

لا نعلم من أمر مجيء المسيح وما يتعلق به غير ما أُعلن في أربعة مواضيع في الكتاب المقدس إلا قليلاً وأعظمها ما في هذه الرسالة والثلاثة الأخر هي ما في (متّى ٢٥: ٣١ – ٤٦ و١تسالونيكي ٤: ١٣ – ١٨ ورؤيا ٢٠: ١١ – ١٥) وفيهما من الأمور ذات الشأن اثنان:

الأول: تأكيد مجيء المسيح.

والثاني: إتيانه بغتة والعالم في غفلة عن ذلك. واحتراق العالم المذكور متوقف على مجرد أمره. ويسهل علينا أن نفهم كيف يحرق الله العالم إذا تأملنا في أن جوف الأرض على رأي كثيرين من الفلاسفة نار على أشد الحرارة وأن الجزء المسكون من الأرض ليس سوى قشرة رقيقة بالنسبة إلى جرم الأرض فيسهل كسرها وانفجار ما فيها من النيران. والذي يرجح أن العالم يهلك بالنار هو أنه منذ مئتي سنة أو ثلاث مئة سنة وجه الفلكيون أنظارهم إلى ثلاثة عشر كوكباً من الثوابت كانت معلومة واختفت وظهر في بعضها أعراض الاحتراق بالنار فإنها كانت في أول الأمر شديدة الإضاءة ولون ضوئها أبيض ثم ضعف ضوءها واصفرّ ثم احمرّ ثم أربدّ أي صار كلون الرماد واختفى كل الاختفاء. والسماوات والأرض تدوم على حالتها الحاضرة بعناية الله الدائمة وقوته الحافظة فلا يحتاج احتراقها إلا أن يرفع الله حفظه إياها فترجع إلى ما كانت عليه قبل التكوين.

١١ «فَبِمَا أَنَّ هٰذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟».

فَبِمَا أَنَّ هٰذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ المراد بهذه السماوات والأرض. والمراد بانحلالها رجوعها إلى عناصرها كما في (ع ١٠).

أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ إذا كان العالم رهن الزوال نتج من ذلك طبعاً وجوب أن لا نحب العالم ولا نكنز كنوزنا على الأرض حتى تكون قلوبنا فيها. وأنه يجب أن نكون مستعدين دائماً للملكوت السماوي الذي لا يتزعزع. وفي قول الرسول هنا حث للمؤمنين على السهر والتقوى والصلاة لكي يشغلوا الوقت الباقي لهم بخدمة المسيح باجتهاد وأمانة وأن يحتملوا الضيقات بالصبر.

١٢ «مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ ٱلرَّبِّ، ٱلَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ ٱلسَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً، وَٱلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً تَذُوبُ».

١كورنثوس ١: ٧ وإشعياء ٣٤: ٤ و٢٤: ١٩ وميخا ١: ٤ وغلاطية ٤: ٣

مُنْتَظِرِينَ أي متوقعين يوم الرب بثقة ورجاء وابتهاج حتى لا يأتينا كلص في الليل. وهذا على وفق قول بولس «مُنْتَظِرِينَ ٱلرَّجَاءَ ٱلْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (تيطس ٢: ١٣).

طَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ ٱلرَّبِّ لأن هذا هو الغاية التي وعد لأجلها المسيح بأن يكّمل انتصاره ويشارك شعبه في فرحه فذلك يوم سروره وفداء العالم لأنه منذ يوم صعد المسيح من الأرض كانت الكنيسة كعروس منتظرة بعلها والشهداء والمؤمنون في كل تلك المدة يصرخون إلى الله قائلين «حَتَّى مَتَى أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ ٱلْقُدُّوسُ وَٱلْحَقُّ، لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا» ويصلي المؤمنون قائلين «تَعَالَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ يَسُوعُ» (رؤيا ٦: ١٠ و٢٢: ٢٠). وهذا مضمون قوله في الصلاة الربانية «ليأت ملكوتك» لأن هذا الملكوت ليس ملكوت النعمة فقط بل ملكوت المجد. وهو من مضامين وعظ بطرس في رواق سليمان وهو قوله «فَتُوبُوا وَٱرْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ، لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ ٱلْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ. وَيُرْسِلَ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ ٱلْمُبَشَّرَ بِهِ لَكُمْ قَبْلُ. ٱلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ ٱلسَّمَاءَ تَقْبَلُهُ، إِلَى أَزْمِنَةِ رَدِّ كُلِّ شَيْءٍ، ٱلَّتِي تَكَلَّمَ عَنْهَا ٱللّٰهُ بِفَمِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ ٱلْقِدِّيسِينَ مُنْذُ ٱلدَّهْرِ» (أعمال ٣: ١٩ – ٢١). وطول ذلك اليوم غير معيّن ويستحيل أن يكون أربعاً وعشرين ساعة لاستحالة أن يُدان ربوات لا تحصى من البشر والملائكة في مثل هذه المدة.

ٱلَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ ٱلسَّمَاوَاتُ هذا يدل على أن كل الأمور المذكورة آنفاً تتعلق بمقتضى قضاء الله بمجيء يوم الرب (قابل بما في ميخا ١: ٤ وملاخي ٤: ١ وإشعياء ٣٤: ٤).

إن الكتاب المقدس يذكر من جملة حوادث ذلك اليوم الدينونة العامة.

١٣ « وَلٰكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا ٱلْبِرُّ».

إشعياء ٦٥: ١٧ و٢٥ و٦٦: ٢٢ ورؤيا ٢١: ١ و٢٧ ورومية ٨: ٢١ وإشعياء ٦٠: ٢١

بِحَسَبِ وَعْدِهِ أي وعد الله المذكور في (إشعياء ٣٠: ٢٦ و٦٥: ١٧ – ٢٥ و٦٦: ٢٢ – ٢٤).

سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا ٱلْبِرُّ معنى «البر» هنا القداسة أو السير بمقتضى إرادة الله (إشعياء ٦٥: ٢٥ ورؤيا ٢١: ٢٦). إنه كما أن العالم تطهّر قديماً بالماء من الأشرار كذلك يتطهّر بالنار إلى الأبد. وسكنى البر فيه يستلزم دوامه أبداً وهذا الوعد موافق لما في (رومية ٨: ٢٠ – ٢٢).

إن السماوات الجديدة والأرض الجديدة لا تظهر إلا بعد زوال السماوات والأرض الأولى أي بعد الدينونة. فالرسول لم يقل شيئاً يدل على إتيان المسيح إلى الأرض الجديدة ليسكن مع قديسيه قبل الدينونة. ولم يتضح تغيّر الأرض أنه هل يكون كاملاً كالخليقة الجديدة أو يكون إصلاحاً بعد الإحراق ولم يتبيّن أتكون الأرض الجديدة مسكناً دائماً للقديسين الممجدين أم تكون أحد المنازل الكثيرة التي تُسكن وقتياً. فإذا قصد الله أن يسكنها القديسون كانت حينئذ موافقة لأجساد الناس بعد القيامة. وهذه الآية تؤكد لنا أن ما تتميز به السماوات الجديدة والأرض الجديدة عن العتيقة هو أنه يسكن فيها البرّ أي القداسة. وهذا موافق لما في (١كورنثوس ٦: ٩ و١٠ وعبرانيين ١٢: ١٤). وهذا يؤكد سعادة سكانها بأنه لا يدخلها خطيئة ولا شيء من نتائجها الضارة.

واجبات المؤمنين بالنظر إلى ما سبق ع ١٤ إلى ١٦

١٤ «لِذٰلِكَ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، إِذْ أَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ هٰذِهِ، ٱجْتَهِدُوا لِتُوجَدُوا عِنْدَهُ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ عَيْبٍ، فِي سَلاَمٍ».

ص ١: ١٠ و١كورنثوس ١٥: ٥٨ وفيلبي ٢: ١٥ و١تيموثاوس ٦: ١٤ ويعقوب ١: ٢٧ و١تسالونيكي ٥: ٢٣ و١بطرس ١: ٧

لِذٰلِكَ أي لما ذُكر.

إِذْ أَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ هٰذِهِ أي ما ذُكر في (ع ١٢ و١٣). وانتظارهم علّة وجوب الاجتهاد المطلوب.

ٱجْتَهِدُوا قوله «اجتهدوا» هنا كقوله في (ص ١: ١٠) لأنه بلا الاجتهاد لا يكون من تقدُّم في القداسة ولا من استعداد للسماء.

لِتُوجَدُوا عِنْدَهُ أي عند المسيح في حضرته حين يأتي ليفحص عن قلوب الناس وأعمالهم (متّى ٢٢: ١١).

بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ عَيْبٍ هذا كقول بولس في الكنيسة «لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذٰلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ» (أفسس ٥: ٢٧). إن الديّان قدوس فلذلك وجب على الذين يُدانون أن يجتهدوا في اعتزال دنس الخطيئة. وهذا خلاف ما كان عليه المعلمون الكاذبون الذين حذّرهم بطرس منهم بقولهم أنهم «أدناس وعيوب» (ص ٢: ١٣). وكذا يجب أن يخلو من الدنس والعيب الذين يدخلون إلى عرس الخروف (رؤيا ١٩: ٨ و٢١: ٢). لا طريق إلى أن نكون عند المسيح بلا دنس ولا عيب إلا أن نحترس من الخطيئة وأن نستعمل كل وسائل النعمة من درس كتاب الله وطلب تقديس الروح القدس فالذين يطلبون ذلك يجدونه.

فِي سَلاَمٍ أي في حال يوافق نيل السلام الأبدي وهذا يستلزم سلام الضمير بين الناس وبينهم وبين الله. قال الله «لا سلام للاشرار» (إشعياء ٤٨: ٢٢ و٥٧: ٢١) ولكنه قال في شعبه «كَنَهْرٍ سَلاَمُكَ وَبِرُّكَ كَلُجَجِ ٱلْبَحْرِ» (إشعياء ٤٨: ١٨).

١٥ «وَٱحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصاً، كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا ٱلْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضاً بِحَسَبِ ٱلْحِكْمَةِ ٱلْمُعْطَاةِ لَهُ».

أعمال ٩: ١٧ و١٥: ٢٥ وص ٣: ٢ و١كورنثوس ٣: ١٠ وأفسس ٣: ٣

ٱحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصاً أي اعتبروا حلم الله علامة أنه يريد أن كل الناس يخلصون ولا تحسبوا ذلك كما حسب البعض أنه دلالة على أن المسيح لا يأتي ثانية أبداً. يستنتج الناس اليوم أن الله لا يعاقب الأشرار وأنه لا يجري ما أنذر به ولكن الكتاب المقدس يعلّمنا أن الله لا يعاقب المجدف في الحال ولا الذي يدنس يوم الرب ولا اللص ولا الزاني لكي يعطيه فرصة ليتوب ويخلص (انظر تفسير رومية ٢: ٤).

كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا ٱلْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضاً الضمير في «إليكم» لكنائس أسيا. والرسائل التي كتبها بولس إلى كنائس أسيا هي رسائل غلاطية وأفسس وكولوسي والمرجّح أن منها الرسالة إلى العبرانيين. وهذا يحقق أربعة أمور:

الأول: أن بطرس قرأ رسائل بولس وعرف مضمونها.

الثاني: أنه اعتقد إن الذين كتب هو إليهم يعرفونها أيضاً.

الثالث: أنه اعتبر بولس أخاً محبوباً مع أن بولس اضطر أن يوبخه (غلاطية ٢: ٢).

الرابع: أنه اعتبر بولس معلماً يعتمد عليه في حقائق الإنجيل وأن تعليمه تعليم رسول ملهم وأنه حق إلهي. وإذا قابلنا ما كتبه بطرس بما كتبه بولس نرى دلائل أن بطرس قرأه ومن أمثال ذلك مقابلة ما في (أفسس ١: ٣ وما في ١بطرس ٣: ١. وما في كولوسي ٣: ٨ وما في ١بطرس ٢: ١. وأفسس ٥: ٢٢ و١بطرس ١: ٣. و١تسالونيكي ٥: ٦ و١بطرس ٥: ٨. و١كورنثوس ١٦: ٢٠ و١بطرس ٥: ١٤ ورومية ٨: ١٨ و١بطرس ٥: ١ ورومية ٤: ٢٤ و١بطرس ١: ٢١. ورومية ١٣: ١ – ٤ و١بطرس ٢: ١٣ و١٤. و١تيموثاوس ٢: ٩ و١بطرس ٣: ٣ و١تيموثاوس ٥: ٥ و١بطرس ٣: ٥). والكنائس التي كتب إليها بطرس رسالتيه هي الكنائس التي أسسها بولس ورفقاؤه وخدمها وكتب رسائله إليها.

بِحَسَبِ ٱلْحِكْمَةِ ٱلْمُعْطَاةِ لَهُ نسب بطرس إلى بولس حكمة غير بشرية فعظم حكمته. ولم يحتقر حكمته البشرية لكن بالنظر إلى كونه رسولاً كان ذا حكمة أعظم أخذها من الله أبي الأنوار (يعقوب ١: ٥ و١٧). وهذا لشهادة بولس لنفسه (١كورنثوس ٣: ١٠ وغلاطية ٢: ٩).

١٦ «كَمَا فِي ٱلرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضاً، مُتَكَلِّماً فِيهَا عَنْ هٰذِهِ ٱلأُمُورِ، ٱلَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ ٱلْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ ٱلْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ ٱلثَّابِتِينَ كَبَاقِي ٱلْكُتُبِ أَيْضاً، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ».

ع ١٤ وعبرانيين ٥: ١١ وص ٢: ١٤ وإشعياء ٢٨: ١٣ وع ٢

كَمَا فِي ٱلرَّسَائِلِ كُلِّهَا علاوة على التي كتبها إلى كنائس أسيا منها رسالته إلى أهل رومية ورسالتاه إلى أهل كورنثوس والرسالة إلى أهل فيلبي وكلها أربع عشرة رسالة. ولعل بعضها كُتب قبل رسالتي بطرس بخمس عشرة سنة. ولا يستلزم ذلك أن رسائل بولس كانت مجموعة مجلداً واحداً ولا أن كل الكنائس عرفتها كلها والأرجح إن كل كنيسة حفظت الرسالة التي أُرسلت إليها بحرص وطلبت كل ما أمكنها الحصول عليه من غيرها.

مُتَكَلِّماً فِيهَا عَنْ هٰذِهِ ٱلأُمُورِ لم يتضح جلياً ما قصده بقوله «هذه الأمور» وربما أراد قوله «أناة ربنا» (ع ١٥). والمرجّح أنه ما قاله في مجيء المسيح ثانية وهلاك العالم وما يجب على المؤمنين بالنظر إليها وبدع المعلمين الكاذبين المهلكة.

فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ ٱلْفَهْمِ ظن بعضهم أنه أراد بهذه «الأشياء» ما كتبه بولس في مجيء المسيح ثانية (١كورنثوس ١٥: ٢٠ – ٢٨ و١تسالونيكي ٤: ١٣ – ١٧). وظن غيرهم أنه أراد بذلك تعليم بولس في شأن التبرير والحرية المسيحية وفي إنسان الخطيئة (٢تسالونيكي ٢: ٣). ولا عجب في أن يكون في الإعلان الإلهي أمور يعسر على الإنسان فهمها ولكن كل ما هو ضروري للخلاص واضح لكل إنسان. و «الأمور العسرة الفهم» يتعلق معظمها بالأمور المستقبلة والأمور الروحية التي يصعب على الإنسان الطبيعي أن يقبلها والتي هي مخالفة لآرائنا العادية. وأوحى الله بها حثاً للإنسان على الدرس وطلب مساعدة الروح القدس.

يُحَرِّفُهَا غَيْرُ ٱلْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ ٱلثَّابِتِينَ الذين ادعوا أنهم معلمون ومفسرون وهم غير متعلمين من الله ولا من إنسان فلا يكون لهم مبادئ راسخة. ومن أمثال هؤلاء هيميناس وفيليتس اللذان استنتجا من تعليم بولس في (أفسس ٢: ٥ وكولوسي ٢: ١٢) «إن القيامة مضت» (٢تيموثاوس ٢: ١٨). ولعل بطرس أشار إلى تعليم بولس بالتبرير بالإيمان بلا أعمال فاستنتج منه بعضهم أن لا حاجة إلى الأعمال الصالحة. أو إلى تعليمه الحرية المسيحية فبنوا عليه إباحة كل شيء للمؤمن (١كورنثوس ٦: ١٢ – ٢٠ وغلاطية ٥: ١٣ – ٢٦ انظر أيضاً رؤيا ٢: ٢٠).

كَبَاقِي ٱلْكُتُبِ أَيْضاً، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ قال بطرس إن الذين حرّفوا تعاليم بولس لهلاكهم حرّفوا أيضاً باقي الكتب المقدسة.

اتفق أكثر المفسرين أنه قصد «بالكتب» هنا كتب العهد القديم والذي يستحق الملاحظة هنا أن بطرس يتكلم في رسائل بولس بالعبارة التي تكلم بها في كتب موسى والأنبياء.

ختم بطرس كل ما كتبه بالشهادة بصحة ما كتبه بولس كما ختم ملاخي نبوءته بشهادته بصحة ما كتب موسى بقوله «اُذْكُرُوا شَرِيعَةَ مُوسَى عَبْدِي ٱلَّتِي أَمَرْتُهُ بِهَا فِي حُورِيبَ عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ» (ملاخي ٤: ٤). وختم يوحنا إنجيله بإظهار أهمية ما كتبه بقوله «أَمَّا هٰذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِٱسْمِهِ» (يوحنا ٢٠: ٣١). وختم بولس آخر رسالة من رسائله ببيان نفع الكتاب المقدس كله بقوله «أَمَّا أَنْتَ فَٱثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ وَأَيْقَنْتَ، عَارِفاً مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ. وَأَنَّكَ مُنْذُ ٱلطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ ٱلْكُتُبَ ٱلْمُقَدَّسَةَ، ٱلْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِٱلإِيمَانِ ٱلَّذِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ. كُلُّ ٱلْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ ٱللّٰهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَٱلتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَٱلتَّأْدِيبِ ٱلَّذِي فِي ٱلْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ ٱللّٰهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّباً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ» (٢تيموثاوس ٣: ١٤ – ١٧).

وختم يهوذا رسالته بقوله «وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ فَٱذْكُرُوا ٱلأَقْوَالَ ٱلَّتِي قَالَهَا سَابِقاً رُسُلُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (يهوذا ١٧). وخاتمة العهد الجديد كله كلمات البركة للذين يحفظون أقوال الكتاب والويل لمن ينقّص منها أو يزيد عليها (رؤيا ٢٢: ١٩).

وما أثبته بطرس من السلطان لرسائل بولس يوافق ما صرّح به بولس نفسه من أمر سلطانه الإلهي على ما كتبه (١تسالونيكي ٢: ١٣ و٢تسالونيكي ٢: ١٥ وأفسس ٣: ٣ – ٥ انظر أيضاً أعمال ١٥: ٢٨).

لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ فعلوا ذلك باختيارهم وعاقبهم الله كما استحقوا فلا لوم على بولس ولا على غيره من الكتبة الملهمين. ولم يشر بطرس إلى مفسّر ملهم من الله أو إلى المجامع أو الكهنة ليثبت أنهم هم المفسرون الأشياء العسرة الفهم فترك الأمر كما تركه الله وهي أن يطلب كل مفسر إرشاد الروح القدس.

بنى بعض التقليديين على قول بطرس هنا أن عامة الناس لا تستطيع أن تفهم الكتاب المقدس فإذاً لا يجوز أن يكون بين أيديهم. ولكن لكون بعض الأمور عسرة الفهم لا يستلزم أن غيرها لا ينتفع بها. وخلاصة تعليم بطرس هنا التحذير من قبول تفسير مخالف لتعليم الروح القدس الواضح في سائر العهد الجديد وهذا يختلف كل الاختلاف عن قول بعض التقليديين أنه لا يجوز للعامة أن تطالع الكتب الإلهية.

التحذير من الضلال ومن الأمور بالنمو والتسبيح ع ١٧ و١٨

١٧ «فَأَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ إِذْ قَدْ سَبَقْتُمْ فَعَرَفْتُمُ، ٱحْتَرِسُوا مِنْ أَنْ تَنْقَادُوا بِضَلاَلِ ٱلأَرْدِيَاءِ فَتَسْقُطُوا مِنْ ثَبَاتِكُمْ».

١كورنثوس ١٠: ١٢ وص ٢: ٧ و١٨ ورؤيا ٢: ٥

أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ إِذْ قَدْ سَبَقْتُمْ فَعَرَفْتُمُ مجيء المعلمين المفسدين وسوء تعليمهم وسيرتهم وتضليلهم لبعض الناس. وذلك مما كتبه في هذه الرسالة.

ٱحْتَرِسُوا مِنْ أَنْ تَنْقَادُوا كما انقاد غيركم حتى برنابا (غلاطية ٢: ١٣).

بِضَلاَلِ ٱلأَرْدِيَاءِ أي المعلمين الكاذبين والمستهزئين (ص ٢: ١ – ٣ و٣: ٣).

فَتَسْقُطُوا مِنْ ثَبَاتِكُمْ أي من التمسك بحق الإنجيل والأمور الروحية إلى الضلال. حذرهم من الضلال لأنه مضر بالنفس إضرار السم بالجسد. وكون المؤمن عرضة للسقوط في الضلال يوجب عليه أن يجتهد في درس الكتاب الإلهي وأن يقابل بعض أجزائه ببعض ويطلب أفضل الوسائل لإدراك المعنى وأن يقرأ ذلك الكتاب طالباً إرشاد الروح القدس وحفظه إياه من الخطإ.

١٨ «وَلٰكِنِ ٱنْمُوا فِي ٱلنِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. لَهُ ٱلْمَجْدُ ٱلآنَ وَإِلَى يَوْمِ ٱلدَّهْرِ. آمِينَ».

ص ١: ٢ و١١ و٢: ٢٠ ورومية ١١: ٣٦ و٢تيموثاوس ٤: ١٨ ورؤيا ١: ٩

ٱنْمُوا فِي ٱلنِّعْمَةِ أوجب علينا التقدّم في كل من النعمة والمعرفة بيسوع المسيح. إن التقدم في النعمة أي القداسة جوهر الدين المسيحي والحياة الروحية والمسيح منشئ هذه النعمة كما أن النموّ في النبات والحيوان ضروري لبلوغ الكمال كذلك النموّ الروحي في النفس وهذا لا يمكن إلا باتخاذ وسائل النموّ ولا سيما درس الكتاب الإلهي وطلب إرشاد الروح القدس وانتظار الله في الصلاة (أفسس ٤: ١٥ وكولوسي ١: ١٠) وقوله «انمو الخ» أمر يوجب علينا الجري بمقتضاه وهو نفسه شرط السعادة والخلاص لأن عدم النموّ دليل على عدم الحياة فمتى بطل النموّ ابتدأ الموت. والكمال في التقوى نتيجة الاجتهاد ككمال تحصيل القوة الجسدية والمعرفة والثروة فلا أحد يحصل على درجة سامية في شيء بلا اجتهاد.

وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ فيسوع المسيح موضوع تلك المعرفة باعتبار ذاته وصفاته وأعماله وأنه نبي وملك وكاهن فعلينا أن نعرفه بالنظر إلى نسبته إلينا واختبارنا إياه باعتبار كونه مخلّصنا وصديقنا ومرشدنا وسيدنا (يوحنا ١٧: ٣ و١كورنثوس ١: ١٠). فمهما حصّل الإنسان من المعرفة في العلوم الدنيوية لا ينفع نفسه شيئاً ما لم يعرف المسيح بالإيمان ويسِر معه.

لَهُ ٱلْمَجْدُ أي كل المجد في كل زمان إلى الأبد (قابل ما في رومية ١٦: ٢٧ بما في ٢تيموثاوس ٤: ١٨). يرغب شعب الله في تمجيد المسيح فوق كل شيء على وجه الأرض وهذا يكون موضوع تسابيحهم وعباداتهم في السماء (رؤيا ١: ٥ و٦ و٥٦: ١٢ و١٣).

ابتدأ الرسول هذه الرسالة بطلب أن «تكثر للمؤمنين النعمة والسلام بمعرفة الله ويسوع ربنا» (ص ١: ١٢). وختمها «بوجوب التقدم في الحياة الروحية وفي المعرفة لحمايتهم من بدع الذين حذرهم منهم في الرسالة». وكانت النهاية تعظيم المسيح دون التحيّات الوداعية ودون أدنى إشارة إلى رفقائه أو إلى مَن كتب إليهم.

السابق
زر الذهاب إلى الأعلى