الرسالة الثانية إلى كورنثوس | 12 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح الرسالة الثانية إلى كورنثوس
للدكتور . وليم إدي
الأصحاح الثاني عشر
رؤيا بولس العظيمة وبراهينه على صحة رسوليته وبيان غايته من ممارستها
قال بولس في هذا الأصحاح إنه لا يفتخر بعد ما فعله واحتمله لأن ذلك على خلاف ذوقه وميله وأنه يأتي إلى ما فعله الله من إعلاناته له فإنه خُطف إلى السماء الثالثة وسمع ما لا يؤذن في إعلانه فهذا له ولكل مصدقيه أقوى برهان على مسرة الله به من كل ما سبق من البراهين (ع ١ – ٦). وأن الله مع أنه أبان مسرته به أصابه ببلية جسدية مؤلمة لم يستحسن أن ينقذه منها لكي يحفظه متواضعاً (ع ٧ – ١٠) وإنه كان يصعب عليه أن يفتخر لكن أعداءه ألجأوه إليه لأنهم لم يقتنعوا بالأدلة الخارجية (ع ١١ و١٢). وإن كنيسة كورنثوس نفسها دليل قاطع على كونه رسول الحق لأنه هو أسس تلك الكنيسة وهي لم تنقص شيئاً من المواهب التي كانت في ما أسسها غيره من الرسل وأنها إن كانت ناقصة شيئاً فذلك الشيء الوحيد هو إباؤه أن يأخذ نفقة منها وإنه لا يزال يأبى ذلك (ع ١٣ – ١٨). وأن تبرئته لنفسه كان من زهيد الأمور عنده فلا يهمه ما يفتكره الناس فيه أو يقولونه إنما أهم الأمور عنده ما يفتكره الله فيه لأنه هو الديّان الأخير. والرسول خاف أنه يضطر عند إتيانه إلى كورنثوس أن يأتي في صورة ديّان وموبخ (ع ١٩ – ٢١).
رؤيا بولس العظيمة ع ١ إلى ٦
١ «إِنَّهُ لاَ يُوافِقُنِي أَنْ أَفْتَخِرَ. فَإِنِّي آتِي إِلَى مَنَاظِرِ ٱلرَّبِّ وَإِعْلاَنَاتِهِ».
ع ٧
لاَ يُوافِقُنِي أَنْ أَفْتَخِرَ لأن ذلك مناف لميله ولما يُنتظر من المسيحي ولكن أجبره عليه أعداؤه بافترائهم ولهذا دعاه «غباوة» في ما سبق وكف عنه هنا اكتفاء بما مضى. ولعل بين هذه العبارة وبين العبارة من كلامه كلام مضمر تقديره «وعدلت عن الافتخار».
آتِي أي نظراً لما ذُكر آتي إلى موضوع آخر غير الافتخار لا عمل لي فيه ولا مدح لنفسي وهو مجرد ما فعله الله.
مَنَاظِرِ ٱلرَّبِّ وَإِعْلاَنَاتِه المناظر «وهي الرؤى» أعمّ من الإعلانات لا مكان الأولى بلا الثانية. والإعلانات أعظم لأنها تفسر معنى المناظر. ونسب كليها إلى الرب (أي الرب يسوع المسيح) لكونه منشئها لا لكونه موضوعها فاعتبره حياً مؤثراً في أفكاره وأحوال نفسه. وذُكر في سفر الأعمال رؤى أُخر رآها بولس (أعمال ٩: ٤ – ٦ و١٦: ٩ و١٨: ٩ و٢٢: ١٧ و١٨ و٢٣: ١١ و٢٧: ٢٣) وذُكرت رؤيا في (غلاطية ٢: ٢).
٢ «أَعْرِفُ إِنْسَاناً فِي ٱلْمَسِيحِ قَبْلَ أَرْبَعَ عَشَرَةَ سَنَةً. أَفِي ٱلْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ، أَمْ خَارِجَ ٱلْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. ٱللّٰهُ يَعْلَمُ. ٱخْتُطِفَ هٰذَا إِلَى ٱلسَّمَاءِ ٱلثَّالِثَةِ».
رومية ١٦: ٧ وص ٥: ١٧ وغلاطية ١: ٢٢ أعمال ١٤: ١٩ و٢٢: ١٧
أَعْرِفُ إِنْسَاناً أراد بالإنسان نفسه ولا نعلم لماذا اختار الغيبة على التكلم والأرجح أتى ذلك تواضعاً لأنه شعر بضعفه وعدم استحقاقه فلم ير من اللائق أن يقول كانت لي أنا هذه الرؤيا المجيدة. أو لعله رأى أنه في هذه الرؤيا مثل شاهد لا فاعل.
فِي ٱلْمَسِيحِ هذا وصف اعتيد أن يوصف به المؤمن لاتحاده بالمسيح بواسطة الإيمان اتحاداً يحيا به حياة جديدة بمجرد حياة المسيح.
قَبْلَ أَرْبَعَ عَشَرَةَ سَنَةً هذا وقت حدوث الرؤيا. كتب هذه الرسالة إلى أهل كورنثوس سنة ٥٧ فيكون وقت حدوث الرؤيا سنة ٤٣ وكان يومئذ في طرسوس أو ما جاورها في كيليكية قُبيل أن سأله برنابا أن يأتي إليه ويساعده على التبشير في أنطاكية (أعمال ٩: ٣٠) فإذا لم تكن تلك الرؤيا هي التي رآها على طريق دمشق زمن تنصره فإن تلك كانت قبل هذه بنحو ست سنين أي سنة ٣٨. وكانت رؤياه حينئذ وهو على الأرض وكانت هذه وهو في السماء إذ خُطف إليها. وأسلوب الكلام يدل على أنه لم يذكر تلك الرؤيا لأحد قبل كتابة نبإها هنا. وذكر تاريخها بالتدقيق بياناً لشأنها عنده.
أَفِي ٱلْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ، أَمْ خَارِجَ ٱلْجَسَدِ لا شيء في هذا من الشك في حدوث الرؤيا أو في اختطافه إلى السماء بل في حاله حينئذ وهي كون نفسه منفصلة عن جسده أو كونها لا تزال فيه. فالسماء محل كما أنها حال فجسد المسيح الممجد يحتاج إلى محل.
ٱخْتُطِفَ أي اختطفه آخر فلا فعل له في ذلك (١ملوك ١٨: ١٢ و أعمال ٨: ٣٩ و١تسالونيكي ٤: ١٧). وما حدث لحزقيال النبي (حزفيال ٨: ٣ و١١: ١) يختلف عما حدث لبولس بكونه نُقل في الرؤيا من بابل إلى أورشليم ولم يخطف حقيقة.
ٱلسَّمَاءِ ٱلثَّالِثَةِ ويعبر عنها بسماء السموات. فالسماء الأولى سماء السحب والطيور. والسماء الثانية سماء الكواكب. والثالثة سماء مظهر المجد الإلهي ومسكن المسيح بالجسد والملائكة والقديسين.
٣ «وَأَعْرِفُ هٰذَا ٱلإِنْسَانَ. أَفِي ٱلْجَسَدِ أَمْ خَارِجَ ٱلْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. ٱللّٰهُ يَعْلَمُ».
هذه الآية مكرر الآية الثانية للتقرير.
٤ «أَنَّهُ ٱخْتُطِفَ إِلَى ٱلْفِرْدَوْسِ، وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا، وَلاَ يَسُوغُ لإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا».
لوقا ٢٣: ٤٣ ورؤيا ٢: ٧
ٱخْتُطِفَ إِلَى ٱلْفِرْدَوْسِ ذكر الفردوس هنا بدلاً من السماء الثالثة في الآية الثانية يدل على وحدة معنييهما. والفردوس فارسي الأصل ومعناه جنة وعبّر به اليهود عن جنة عدن أولاً ثم عن مسكن المتوفين من الأتقياء. وهو الذي يجري فيه نهر الحياة خارجاً من عرش الله وفيه شجر الحياة (رؤيا ٢: ٧ و٢٢: ١ و٢).
كَلِمَاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا تفسير هذه العبارة في العبارة التي تليها.
لاَ يَسُوغُ لإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا أي لم يؤذن الله بإعلانها للبشر فكانت لتعزية الرسول وتنشيطه. وما قصد الله أن يعرفه كل الناس من أمور السماء أعلنه في كتابه وخلاصته هو أن القديسين فيها كاملو القداسة والسعادة.
٥ «مِنْ جِهَةِ هٰذَا أَفْتَخِرُ. وَلٰكِنْ مِنْ جِهَةِ نَفْسِي لاَ أَفْتَخِرُ إِلاَّ بِضَعَفَاتِي».
ص ١١: ٣٠
مِنْ جِهَةِ هٰذَا أَفْتَخِرُ الإشارة بهذا إلى الإنسان الذي ذكره منذ أربع عشرة سنة قبل كتابة هذه الرسالة وذلك الإنسان هو هو نفسه لكنه تكلم عليه كأنه غيره دفعاً للتصريح بنسبة الافتخار إلى نفسه. وكأنه صعب عليه أن يعتبر أنه منذ تلك المدة بعد كل ما مضى عليه من المصائب والمشقات والأتعاب وغير ذلك من النوازل هو صاحب هذه الرؤيا. وساغ له أن يفتخر بما حدث له حينئذ لأنه حصل عليه من نعمة الله وإحسانه لا من فعله ولا من استحقاقه.
مِنْ جِهَةِ نَفْسِي لاَ أَفْتَخِرُ أي من الصفات والأعمال الشخصية التي يمكن الإنسان أن يفتخر بها.
إِلاَّ بِضَعَفَاتِي رجع إلى صيغة التكلم لما رجع إلى بيان ضعفه فقال إن الموضوع الوحيد الذي يرضى الافتخار به هو ما بين ضعفه ونقصانه وذكر من تلك الضعفات واحدة مثالاً لسائرها في الآية السابعة.
٦ «فَإِنِّي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَفْتَخِرَ لاَ أَكُونُ غَبِيّاً، لأَنِّي أَقُولُ ٱلْحَقَّ. وَلٰكِنِّي أَتَحَاشَى لِئَلاَّ يَظُنَّ أَحَدٌ مِنْ جِهَتِي فَوْقَ مَا يَرَانِي أَوْ يَسْمَعُ مِنِّي».
ص ١٠: ٨ و١١: ١٦
إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَفْتَخِرَ لاَ أَكُونُ غَبِيّاً لأن الحق يكون معي فلا أفتخر باطلاً.
وَلٰكِنِّي أَتَحَاشَى الخ لم يرد أن يعتبره أحد بمقتضى ما قاله في نفسه من المدح بل بمقتضى ما رآه فيه وسمعه من تعليمه. فكره أن يصل إلى كورنثوس والناس يعظمونه في تصوراتهم بناء على ما قاله في نفسه ويجدونه دون ما تصوروه.
براهين بولس على صحة رسوليته وبيان غايته من ممارستها ع ٧ إلى ٢١
٧ «وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ ٱلإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي ٱلْجَسَدِ، مَلاَكَ ٱلشَّيْطَانِ، لِيَلْطِمَنِي لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ».
حزقيال ٢٨: ٢٤ وغلاطية ٤: ١٣ و١٤ أيوب ٢: ٧ ولوقا ١٣: ١٦
ذكر الرسول في الآية السادسة ما عزم عليه لكيلا يظنه الناس فوق منزلته. وذكر في هذه الآية ما فعله الله معه لئلا يعتبر نفسه فوق منزلتها لأنه من المعلوم أن الناس عرضة للخطر من أن يتخذوا اعتبار العظماء لهم سبيلاً إلى تعظمهم في أعين نفوسهم. وكان الرسول عرضة لخطر الكبرياء الروحية بعلامات رضى الله الخاصة.
لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ ٱلإِعْلاَنَاتِ أي الرؤى والإعلان الذي ذكره هنا وغيره من أمثاله حين كشف له الله من كنوز علمه ما كتمه على غيره من الناس.
أُعْطِيتُ من الله فإنه هو الذي أنزل المصاب الذي طلب بولس النجاة منه.
شَوْكَةً فِي ٱلْجَسَدِ أي نازلة جسدية مؤلمة جداً إيلام شوكة أُدخلت في الجسد بعنف. وعبر عنها في رسالته إلى غلاطية بتجربته التي في جسده (غلاطية ٤: ١٤). وتعيين كونها في الجسد يمنع من التسليم بالآراء المختلفة مثل كونها وسواساً شريراً ألقاه الشيطان في ذهنه أو عدواً خاصاً لا ينفك يقاومه أو شيئاً آخر مما ذكره في جدول مصائبه (ص ١١: ٢٢ – ٣٢). أو تأنيباً له من ضميره على ما صدر منه وهو يضطهد المسيح وكنيتسه. أو خوفاً من أن الله لا يغفر له وأنه يهلك هلاكاً أبدياً. وظن بعضهم أن تلك الشوكة مرض مؤلم في عينيه والذي يقوى هذا الرأي قوله في مؤمني غلاطية أنهم كانوا على استعداد أن يقلعوا عيونهم لو أمكنهم ذلك ويعطوه إياها (غلاطية ٤: ١٥). وأنه كان يستخدم دائماً من يكتب له. وكان حين يختم الرسالة بخط يده يكبر الحروف (غلاطية ٦: ١١) ولكن بعد مراجعة كل الآراء في ذلك والتأمل فيها نضطر إلى أن نعترف بعدم معرفتنا الرأي الصحيح.
مَلاَكَ ٱلشَّيْطَانِ كثيراً ما ذكر الكتاب المقدس أن مسبب الأمراض الجسدية الشيطان فإذاً يصح أن يُعبر عن المرض بملاك الشيطان أي رسوله ومن أمثال ذلك قروح أيوب (أيوب ٢: ٧). وروح الضعف الذي انحنت به إحدى النساء ثماني عشرة سنة (لوقا ١٣: ١٦). ويؤيد هذا قول بولس أن الشيطان عاقه مراراً عن سفره (١تسالونيكي ٢: ١٨). وتسليمه بعض الناس للشيطان لهلاك أجسادهم وخلاص نفسهم (١كورنثوس ٥: ٥ و١تيموثاوس ١: ٢٠). وتعبير بطرس الرسول عن شفاء المسيح المرضى بأنه كان «يَشْفِي جَمِيعَ ٱلْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ» (أعمال ١٠: ٣٨).
إن الشيطان مستعد أبداً لإيذاء الناس فأعطاه بولس شوكة في جسده لا يحتاج إلا إلى أن يأذن الله لعدو البشر في أن يفعل ما يرغب في فعله دائماً.
لِيَلْطِمَنِي أي يضرب خديّ. وكنى بذلك عن إيذاء الشيطان إياه.
لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ أي لئلا أتكبر ولأبقى متواضعاً وهذا كما قال في أول الآية وهو غاية الله من سماحه بإيلام رسوله. ولنا من ذلك أن مصيبة الرسول كانت دائمة ونتعلم منه أن الله قادر على أن يجعل الآلام الجسدية واسطة تقديس للمؤمنين وأن الكبرياء يكرهها الله كثيراً وأن كل مسيحي عرضة لها فيعلمه الله بواسطة الوجع ضعفه وافتقاره إليه تعالى والخضوع له والصبر والتواضع.
٨، ٩ «٨ مِنْ جِهَةِ هٰذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى ٱلرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي. ٩ فَقَالَ لِي: تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي ٱلضَّعْفِ تُكْمَلُ. فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِٱلْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحُلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ ٱلْمَسِيحِ».
ص ١١: ٣٠ ١بطرس ٤: ١٤
مِنْ جِهَةِ هٰذَا تَضَرَّعْتُ أي أن مصابه ألجأه إلى الصلاة.
ثَلاَثَ مَرَّاتٍ كما صلى المسيح ثلاثاً بغية أن تعبر عنه كأس الآلام فكان الجواب ليس المطلوب نفسه بل المساعدة على الاحتمال (متى ٢٦: ٣٦ ولوقا ٢٢: ٤٢ – ٥٤). وليس المراد أنه كرر الطلب ثلاثاً في وقت واحد بل أنه جعل ذلك موضوع ثلاث صلوات.
أَنْ يُفَارِقَنِي أي المصاب الذي كان بمنزلة ملاك الشيطان.
فَقَالَ لِي أي في الصلاة الثالثة. فقول الرب له حيئنذ بمعنى قوله تعالى لموسى لما سأله أن يدخل أرض الميعاد مع الإسرائيليين «كَفَاكَ! لاَ تَعُدْ تُكَلِّمُنِي أَيْضاً فِي هٰذَا ٱلأَمْرِ» (تثنية ٣: ٢٦). ولم يخبرنا الرسول بأي طريق كلمه الرب لكنه اقتنع بأن المتكلم هو المسيح.
تَكْفِيكَ نِعْمَتِي أبى الله إزالة وجعه لكنه وهب له بركة أعظم منها فأكد حبه إياه وهذا يشمل كل البركات فكأنه قال يكفيك أني أحبك فخذ هذا التوكيد فإنه خير لك من إزالة تلك الشوكة لأن في رضى الله حياة ورحمته أفضل من الحياة (مزمور ٣٠: ٥ و٦٣: ٣).
لأَنَّ قُوَّتِي فِي ٱلضَّعْفِ تُكْمَلُ أي أن الله وعده أن يجعل ضعفه هذا مصدر قوة لأن شعور الإنسان بضعفه شرط لإظهار الله قوته. وهكذا شعورنا بجهلنا يجعلنا أهلاً لقبول تعليم المسيح. فإن عجز الطفل يدعو أمه إلى الحنو عليه وأباه إلى العناية به. وكذا ضعفنا يحمل المخلص القادر على كل شيء أن يساعدنا. ولعل من أعظم الأسباب التي ألجأت بولس إلى طلبته إزالة الشوكة ظنه أنها تمنعه من أن ينفع غيره لكن الله رأى خلاف ذلك فالطبيب أدرى من العليل بما ينفعه وبما يضره والله أعلم من بولس فاختار أن يعطيه ما تقضتيه حكمته لا ما اقتضاه إلحاح رسوله.
أَفْتَخِرُ بِٱلْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي أراد بالضعفات شوكته وسائر ما يماثلها من المصائب ففضل بقاءها فيه على النجاة منها إذ كانت وسيلة هبة المسيح له نعمته وقوته.
لِكَيْ تَحُلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ ٱلْمَسِيحِ سر الرسول بالمصائب التي تبيّن له ضعفه وافتقاره إلى المسيح لأنها كانت وسيلة إلى حلول قوة المسيح عليه. حسب كثيرون فضيلة عظيمة لهم أن يحتملوا المصائب بالصبر لكي تحل قوة المسيح عليهم. وأما بولس فزاد عليهم بأنه سرّ وافتخر بضعفاته معتبراً أن المسيح يتمجّد بها. ويتمجّد المسيح بضعفات شعبه لأن ليس لهم قوة في أنفسهم على فعل ما يطلب منهم فيضع كنز البشارة في الآنية الخزفية ليكون كل المجد له فبجهالة البشرى يخلص المؤمنين. فإنه بواسطة اثني عشر من عامة الناس الذين لا غنى لهم ولا سطوة ولا جيوش أسس كنيسته في العالم ونشر دينه في أقطار المسكونة يومئذ. وبواسطة أناس ضعفاء قليلي العدد بث إنجيله في العالم كله وترك بعض الأمم الوثنية عبادة الأوثان وتمسكت بعبادة الإله الحق.
١٠ «لِذٰلِكَ أُسَرُّ بِٱلضَّعَفَاتِ وَٱلشَّتَائِمِ وَٱلضَّرُورَاتِ وَٱلٱضْطِهَادَاتِ وَٱلضِّيقَاتِ لأَجْلِ ٱلْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ».
رومية ٥: ٣ وص ٧: ٤ ص ١٣: ٤
أُسَرُّ بِٱلضَّعَفَاتِ قال سابقاً «أفتخر بضعفاتي» والفرق بينهما أن الافتخار الإعلان ظاهراً لما يُسرّ به باطناً. وسُرّ بها بالنظر إلى نتائجها لا إلى ذواتها. وأشار «بالضعفات» هنا إلى ما ذكره في (ص ١١) من النوازل التي ألمت بطبيعته الجسدية وطبيعته الروحية وظهر بها ضعفه وجمع إليها «الشوكة» المذكورة التي قال فيها أحد اللاهوتيين لعل بولس رآها في السماء مضفورة في إكليل مجده.
وَٱلشَّتَائِمِ التي بها طعن فيه أعداءه كما مرّ في (ص ١: ١٧ و٣: ١ و٧: ٨ و٨: ٢ و١٠: ١٠ و١١: ٦ و٨ و١٦).
ٱلضَّرُورَاتِ… وَٱلضِّيقَاتِ كما ذُكر في (ص ١١).
لأَجْلِ ٱلْمَسِيحِ هذا علة سروره بمصائبه لأنها نزلت به باعتبار كونه خادم المسيح ولأنه اعتبر أن المسيح سمح بنزولها به وتيقن أن المسيح يتمجد باحتماله إياها وأنها تكون وسيلة نيله النعمة والقوة من المسيح. فلم يبتهج بالمصائب من حيث أنها مصائب لأن الألم لا يلذ لبولس كما لا يلذ لغيره ولم يسرّ بما جلبه هو من الآلام على نفسه اختياراً ولا بما نتجت عن جهله وخطيته بل بما وقع عليه في خدمة سيده. فعلى كل مسيحي حقيقي أن يقول مع المسيح «الكأس التي أعطانيها الآب ألا أشربها».
حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ الخ أي شعوره بضعفه جعله يتمسك بذراع المسيح القوية وجعل المسيح يأخذ بيده. فالذين يشعرون بضعفهم هم أهل أن يقبلوا قوة من العلى فحين نشعر بالعجز عن تغيير قلوبنا وتكفير خطايانا وأمانة شهوات قلوبنا الرديئة ومقاومة الشيطان والعالم وتبرير أنفسنا بأعمالنا وجعل غيرنا صالحاً ونعترف بذلك العجز ونستعين بالله حينئذ يظهر الله قوته فينا ولنا.
١١ «قَدْ صِرْتُ غَبِيّاً وَأَنَا أَفْتَخِرُ. أَنْتُمْ أَلْزَمْتُمُونِي! لأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ أُمْدَحَ مِنْكُمْ، إِذْ لَمْ أَنْقُصْ شَيْئاً عَنْ فَائِقِي ٱلرُّسُلِ، وَإِنْ كُنْتُ لَسْتُ شَيْئاً».
ص ١١: ١ و١٦ و١٧ ص ١١: ٥ وغلاطية ٢: ٦ إلى ٨ ١كورنثوس ٣: ٧ و١٥: ٨ و٩ وأفسس ٣: ٨
صِرْتُ غَبِيّاً وَأَنَا أَفْتَخِرُ لأني أعتقد أن كل افتخار غباوة ولا يوافق دعوتي مسيحياً ورسولاً وينافي انفعالاتي وعوائدي.
أَنْتُمْ أَلْزَمْتُمُونِي ولذلك جاز لي أن أفتخر والذين ألزموه مسيحيو كورنثوس فكان يجب عليهم أن يحاموا عن الرسول ولا يصغوا إلى طعن أعدائه فيه.
كَانَ يَنْبَغِي أَنْ أُمْدَحَ مِنْكُمْ أي أنهم لو فعلوا ما يجب عليهم من المحاماة عن الرسول وحمايته من افتراء المعلمين الكاذبين عليه ما احتاج إلى المحاماة عن نفسه. فكل الذي يقدرون أن يحاموا عن الأتقياء عند الافتراء عليهم مكلفون بالمحاماة عنهم فيجب أن يدفعوا عن صيتهم كما يدفعون اللصوص عن أموالهم والقتلة عن حياتهم. فسكوتنا عن قدح الناس فيهم بما نعلم أنه كذب يجعلنا شركاءهم في ذلك. وأذنب مؤمنو كورنثوس في أمر الرسول لأن لهم براهين كافية على صحة دعواه أنه رسول وصحة أمانته.
لَمْ أَنْقُصْ شَيْئاً عَنْ فَائِقِي ٱلرُّسُلِ بطرس ويعقوب ويوحنا الذي سموا أعمدة (غلاطية ٢: ٩). فإن أولئك الرسل لم يعطوا الكنائس التي أسسوها من مواهب الروح القدس ما لم يُعط بولس كنيسة كورنثوس. ونجاحهم في التبشير بالإنجيل لم يكن أكثر من نجاح بولس وبيناتهم على رسوليتهم بما عملوا من المعجزات لم تكن أكثر من بيناته كما يظهر من الآية الآتية. فعدم محاماة مؤمني كورنثوس عن رسولهم كفرٌ بإحسانه وجبن وظلم منهم.
وَإِنْ كُنْتُ لَسْتُ شَيْئاً في عيني نفسي. إن بولس اعتبر أن ما كان له كان من نعمة الله أي هبته المجانية فلم يبق موضع للإعجاب بنفسه ولا للكبرياء (١كورنثوس ٤: ٧). إنه شعر بعجزه وعدم استحقاقه أمام الله وعظم قوة الروح القدس الذي وهب له المعرفة والنعمة والقدرة. وهذا موافق لقوله قبلاً «بنعمة الله أنا ما أنا الخ» (١كورنثوس ١٥: ٨ – ١٠).
١٢ «إِنَّ عَلاَمَاتِ ٱلرَّسُولِ صُنِعَتْ بَيْنَكُمْ فِي كُلِّ صَبْرٍ، بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَقُوَّاتٍ».
رومية ١٥: ١٨ و١٩ و١كورنثوس ٩: ٢ وص ٤: ٢ و٦: ٤ و١١: ٦
إِنَّ توكيد للجملة ما بعدها وهي بيان كونه ليس بأقل من فائقي الرسل.
عَلاَمَاتِ ٱلرَّسُولِ صُنِعَتْ بَيْنَكُمْ أي المعجزات التي صنعها هو وهي بينات أن الله أرسله وشهادات الله له وخطئ الذين شاهدوها وأبوا الاعتراف برسولية صانعها. وكذلك يخطأ الذين يدعون أنهم رسل أو خلفاء الرسل ولم يأتوا بمثل تلك البيّنات ومثلهم الذين يقفون بهم (ص ١١: ١٣ – ١٥ ورؤيا ٢: ٢).
وعلامات رسولية الرسل بمقتضى الإنجيل متنوعة منها المعرفة الكاملة بحقائق الإنجيل بواسطة إعلان المسيح (غلاطية ١: ١٢ و١كورنثوس ١٥: ٣) ووحي الروح القدس الذي جعلهم معصومين من الغلط في تبليغ الحق (١كورنثوس ٢: ١٠ – ١٣ و١٢: ٨ و٢٨ و١٤: ٣٧) وتأثيرات خاصة من الله تثبت دعواهم أنهم رسل (غلاطية ١: ٨) وأمانتهم للحق (غلاطية ١: ٨ و٩) ونجاحهم في التبشير (١كورنثوس ٩: ٢ وص ٣: ٢ و٣) وقوة منح الروح القدس لمن يضعون أيديهم عليه (أعمال ٨: ١٧ و١٨ و١٩: ٦). وقوة عمل المعجزات (كما ذكر في هذه الآية وفي (رومية ١٥: ١٨ و١٩ وعبرانيين ٢: ٤ ومرقس ٤: ٢٠ وأعمال ٥: ١٢).
فِي كُلِّ صَبْرٍ لم يحسب احتماله الضيقات من علامات كونه رسولاً فصرّح بأنه عمل أمامهم المعجزات وهو في أحوال ضيق أوجبت عليه شديد الصبر.
بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَقُوَّاتٍ هذه الكلمات الثلاث تصدق على شيء واحد وهو المعجزات فإن المعجزة آية بالنظر إلى غايتها وهي إثبات دعوى صانعها وعجيبة بالنظر إلى تأثيرها في المشاهدين وقوة بالنظر إلى ظهور قوة الله بها.
١٣ «لأَنَّهُ مَا هُوَ ٱلَّذِي نَقَصْتُمْ عَنْ سَائِرِ ٱلْكَنَائِسِ، إِلاَّ أَنِّي أَنَا لَمْ أُثَقِّلْ عَلَيْكُمْ؟ سَامِحُونِي بِهٰذَا ٱلظُّلْمِ».
١كورنثوس ١: ٧ و١كورنثوس ٩: ١٢ وص ١١: ٩ ص ١١: ٧
مَا هُوَ ٱلَّذِي نَقَصْتُمْ عَنْ سَائِرِ ٱلْكَنَائِسِ هذا استفهام إنكاري متعلق بالآية الحادية عشرة وبيان أنه ليس أنقص من سائر الرسل لأنهم لم ينقصوا شيئاً عن سائر الكنائس المسيحية.
إن الكنائس التي أسّسها بولس ليست أقل عدداً ومعرفة ونعمة من الكنائس التي أسّسها غيره من الرسل فإذا هو معادل لهم. وهذا كقوله «فَإِنَّ ٱلَّذِي عَمِلَ فِي بُطْرُسَ لِرِسَالَةِ ٱلْخِتَانِ عَمِلَ فِيَّ أَيْضاً لِلأُمَمِ» (غلاطية ٢: ٨ انظر ١كورنثوس ١: ٥ – ٧).
إِلاَّ أَنِّي أَنَا لَمْ أُثَقِّلْ عَلَيْكُمْ بأخذ النفقة.
سَامِحُونِي بِهٰذَا ٱلظُّلْمِ دعا ذلك ظلماً لكونه في الظاهر نتيجة عدم الثقة بهم كأنه شك في كرمهم ومحبتهم إذ أخذ من غيرهم ما أبى أن يأخذه منهم لكنه أبان في الأصحاح السابق أن ذلك لم يكن ناتجاً عن عدم ثقته بهم ومحبته لهم بل لأسباب ذكرها.
١٤ «هُوَذَا ٱلْمَرَّةُ ٱلثَّالِثَةُ أَنَا مُسْتَعِدٌّ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ وَلاَ أُثَقِّلَ عَلَيْكُمْ. لأَنِّي لَسْتُ أَطْلُبُ مَا هُوَ لَكُمْ بَلْ إِيَّاكُمْ. لأَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنَّ ٱلأَوْلاَدَ يَذْخَرُونَ لِلْوَالِدِينَ بَلِ ٱلْوَالِدُونَ لِلأَوْلاَدِ».
ص ١٣: ١ أعمال ٢٠: ٣٣ و١كورنثوس ١٠: ٣٣ و١كورنثوس ٤: ١٤ و١٥
هُوَذَا ٱلْمَرَّةُ ٱلثَّالِثَةُ لم يذكر لوقا في سفر الأعمال من زيارات بولس لكورنثوس قبل كتابة هذه الرسالة سوى زيارة واحدة (أعمال ص ١٨) لكن ما ذكره بولس هنا وفي (ص ٢: ١ و١٣: ١ و٢) يؤكد أنه زارهم مرتين قبل ذلك. والأرجح أن الزيارة الثانية كانت في أثناء السنين الثلاث التي تقضت عليه في أفسس (أعمال ص ١٩).
لاَ أُثَقِّلَ عَلَيْكُمْ بأخذ النفقة كما سبق مرتين واعتمد أنه لا يأخذ منهم شيئاً للسببين الآتيين.
لأَنِّي لَسْتُ أَطْلُبُ مَا هُوَ لَكُمْ بَلْ إِيَّاكُمْ هذا السبب الأول. والمعنى أنه لا غاية شخصية له يجتهد في إدراكها لكنه يبتغي أن يربح نفوسهم للمسيح لا أموالهم لنفسه إذ تيقن أن ربحه نفوسهم بترك النفقة أكثر منه بأخذها.
لأَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنَّ ٱلأَوْلاَدَ يَذْخَرُونَ الخ هذا السبب الثاني ومفاده أنه بمنزلة أب لهم (١كورنثوس ٤: ١٤ و١٥) وليس من الترتيب الطبيعي أن الأولاد ينفقون على الوالدين بل منه أن الوالدين ينفقون على الأولاد. فسألهم أن يأذنوا له أن يجري معهم مجرى الوالد مع الأولاد وأن لا يصعب عليهم إباؤه أن يأخذ منهم شيئاً منن أسباب المعاش.
ولا شيء مما قاله الرسول هنا يستلزم أن الأولاد غير مكلفين بالنفقة على والديهم إذا افتقروا أو احتاجوا ولكن هذا نادر بالنسبة إلى ما نراه في كل العالم من أن الوالدين يعتنون بالأولاد.
١٥ «وَأَمَّا أَنَا فَبِكُلِّ سُرُورٍ أُنْفِقُ وَأُنْفَقُ لأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ، وَإِنْ كُنْتُ كُلَّمَا أُحِبُّكُمْ أَكْثَرَ أُحَبُّ أَقَلَّ!».
فيلبي ٢: ١٧ و١تسالونيكي ٢: ٨ يوحنا ١٠: ١١ وص ١: ٦ وكولوسي ١: ٢٤ و٢تيموثاوس ٢: ١٠ ص ٦: ١٢ و١٣
ما ذُكر في هذه الآية من أعظم بيّنات المحبة وهو إنكار الذات في سبيل نفع المحبوبين وهذا ما يأتيه الوالد المحب في الاعتناء بأولاده. ومثل هذه المحبة تحمل الوالدين على مداومة الاعتناء بالأولاد وإن شك الأولاد فيها وعدلوا عن محبتهم. فصرّح بولس هنا بأن محبته لمؤمني كورنثوس مثل تلك المحبة.
فَبِكُلِّ سُرُورٍ أُنْفِقُ أي مستعد أن أنفق مالي عليكم بلا مجازاة.
وَأُنْفَقُ أي تُبذل حياتي وقوتي في طريق منفعتكم فأكون بمنزلة ذبيحة عنكم بلا مكافأة.
كُلَّمَا أُحِبُّكُمْ أَكْثَرَ ولذلك استمرّ على أن لا أقبل منكم شيئاً من النفقة.
أُحَبُّ أَقَلَّ شككتم أيها الكورنثيون فيّ فضعفت محبتكم لي. ولا يخفى ما في هذا القول من التوبيخ اللطيف على أنهم لم يلتفتوا حق الالتفات إلى عظمة حبه إيّاهم وشدة تعبه وإنكاره نفسه لأجلهم فيثيبوه على محبته لهم بمثلها. فما كابده من الحزن بمعاملتهم إيّاه كما ذُكر مما جعله «ينفق» بأكثر سرعة.
١٦ «فَلْيَكُنْ. أَنَا لَمْ أُثَقِّلْ عَلَيْكُمْ. لٰكِنْ إِذْ كُنْتُ مُحْتَالاً أَخَذْتُكُمْ بِمَكْرٍ!».
ص ١١: ٩
في هذه الآية اعتراض من المعلمين الكاذبين عَلمَ بولس أنهم مستعدون إلى التصريح به فسبقهم إلى بيانه ودفعه وهو أن عدم قبوله النفقة بنفسه صحيح ولكنه أخذها بواسطة غيره.
فَلْيَكُنْ أي نعم نعم أني لم آخذ شيئاً من النفقة بيدي.
لٰكِنْ إِذْ كُنْتُ مُحْتَالاً الخ (كما يفعل الصيّاد بغية الصيد) على ما سيقول أعدائي والمعنى أنهم سيقولون أنه أخذ بواسطة غيره ما أبى أن يأخذه بيده أي حوّل إليهم أصحابه فربح بواسطتهم. وأرسل بعضهم ليجمعوا منهم إحساناً لفقراء أورشليم ومن يعلم ماذا أخذوا منها. وإذ علم أن ذلك في نفوسهم سبقهم إلى التصريح به ليدفعه قبل أن يخدعوا مؤمني كورنثوس به.
١٧، ١٨ «١٧ هَلْ طَمِعْتُ فِيكُمْ بِأَحَدٍ مِنَ ٱلَّذِينَ أَرْسَلْتُهُمْ إِلَيْكُمْ؟ ١٨ طَلَبْتُ إِلَى تِيطُسَ وَأَرْسَلْتُ مَعَهُ ٱلأَخَ. هَلْ طَمِعَ فِيكُمْ تِيطُسُ؟ أَمَا سَلَكْنَا بِذَاتِ ٱلرُّوحِ ٱلْوَاحِدِ؟ أَمَا بِذَاتِ ٱلْخَطَوَاتِ ٱلْوَاحِدَةِ؟».
ص ٧: ٢ ص ٨: ٦ و١٦ و٢٢ ص ٨: ١٨
ذكر هنا الواقع لكي يبرهن بواسطته أنه لم يأخذ بمكر ما أبى أخذه جهاراً فإن مؤمني كورنثوس علموا أن لا أحد ممن أرسلهم أخذ منهم شيئاً من النفقة لأنفسهم واستشهدهم بالمسائل الآتية.
هَلْ طَمِعْتُ فِيكُمْ الخ (ع ١٧) هذا استفهام إنكاري بياناً أنه لم يرسل أحداً إليهم طمعاً في شيء من أموالهم كما هم يعملون يقيناً.
تِيطُسَ كان هذا وكيلاً لبولس ونائباً عنه فلو أراد أن يأخذ بواسطة أحد من أصحابه لكان تيطس الأولى. وإرساله تيطس إليهم ذُكر في (ص ٧: ٦ و٧ و١٣ و١٤). وعلى أثر هذا ذهب إلى مكدونية وأخبر بولس هناك بتوبتهم.
ٱلأَخَ لم يذكر اسمه ولعله ممن ذكرهم أنهم سيذهبون إليهم في (ص ٨: ١٨).
هَلْ طَمِعَ فِيكُمْ تِيطُسُ استشهدهم بهذا السؤال بياناً أنه لم يأخذ منهم شيئاً بواسطة «الأخ».
أَمَا سَلَكْنَا بِذَاتِ ٱلرُّوحِ ٱلْوَاحِدِ أي أما اشتركنا في روح إنكار النفس وكراهة الربح منكم أولم يكونوا مرشدين بالروح القدس مثلي. فأعمالهم جميعاً بيّنة على إخلاصهم واستقامتهم ومحبتهم وخلوهم من الطمع.
أَمَا بِذَاتِ ٱلْخَطَوَاتِ ٱلْوَاحِدَةِ أي أنه هو وكل الذين أرسلهم كانوا يسلكون في طريق واحد على أثر المسيح الذي ترك لنا مثالاً للسلوك.
١٩ «أَتَظُنُّونَ أَيْضاً أَنَّنَا نَحْتَجُّ لَكُمْ؟ أَمَامَ ٱللّٰهِ فِي ٱلْمَسِيحِ نَتَكَلَّمُ. وَلٰكِنَّ ٱلْكُلَّ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ لأَجْلِ بُنْيَانِكُمْ».
ص ٥: ١٢ رومية ٩: ١ وص ١١: ٣١ و١كورنثوس ١٠: ٣٣
أَتَظُنُّونَ أَيْضاً أَنَّنَا نَحْتَجُّ لَكُمْ قال «أيضاً» لأنه احتجّ قبلاً (ص ٣: ١ و٥: ١٢) فأراد أن يدفع عنه في هذه الآية ظنين الأول أنه مسؤول لهم والثاني أن غايته نفسانية. والمعنى هل تظنون أني قلت ما قلته لمجرد أن أرضيكم وأحصل على مدحكم وأني اعتبرتكم قضاة ووقفت أمامكم للمحاكمة فأحتجّ لكي تبرروني.
أَمَامَ ٱللّٰهِ نَتَكَلَّمُ لا أمامكم فإنا تحت سلطته والمسؤولية له وقد تكلمنا كأننا في حضرته.
فِي ٱلْمَسِيحِ أي متحداً به باعتبار أني مؤمن به ورسول له.
لأَجْلِ بُنْيَانِكُمْ أي نفعكم الروحي بتثبيت إيمانكم ومحبتكم لا لغاية شخصية كانتشار الصيت والربح المالي. وهذا دفع ثان للظنين المذكورَين في تفسير أول هذه الآية.
٢٠ «لأَنِّي أَخَافُ إِذَا جِئْتُ أَنْ لاَ أَجِدَكُمْ كَمَا أُرِيدُ، وَأُوجَدَ مِنْكُمْ كَمَا لاَ تُرِيدُونَ. أَنْ تُوجَدَ خُصُومَاتٌ وَمُحَاسَدَاتٌ وَسَخَطَاتٌ وَتَحَزُّبَاتٌ وَمَذَمَّاتٌ وَنَمِيمَاتٌ وَتَكَبُّرَاتٌ وَتَشْوِيشَاتٌ».
١كورنثوس ٤: ٢١ وص ١٠: ٢ و١٣: ٢ و١٠
لاَ أَجِدَكُمْ كَمَا أُرِيدُ، وَأُوجَدَ مِنْكُمْ كَمَا لاَ تُرِيدُونَ أبان بهذه العبارة أنهم محتاجون إلى البنيان الذي ذكره في الآية السابقة لأنه خاف أن يجدهم عند مجيئه على غير ما يرغب فيه مستوجبين التوبيخ والتأديب وأن يجدوه هم على غير ما يرغبون فيه من أن يكون موبخاً ومؤدباً. وهذا الخوف منعه من المجيء إليه قبلاً (ص ١: ٢٣ و١كورنثوس ٤: ٢١).
خُصُومَاتٌ أي اختلافات نتج عنها تحزب الكنيسة فكان بعضهم يقول «أَنَا لِبُولُسَ، وَأَنَا لأَبُلُّوسَ، وَأَنَا لِصَفَا» (١كورنثوس ١: ١٢)
مُحَاسَدَاتٌ وهي المحاسد التي تقترن غالباً بالتحزب والانشقاق.
وَسَخَطَاتٌ أي غضبات لا تنفك عن الخصام والحسد.
وَتَحَزُّبَاتٌ أي تفرق الكنيسة أحزاباً وهي نتيجة الخصومات وذُكر من تلك الأحزاب أربعة في (١كورنثوس ١: ١٢).
مَذَمَّاتٌ من طعن وهجو وسبّ. وعنها نهى يعقوب الرسول (يعقوب ٤: ١١) وبطرس (١بطرس ٢: ١).
نَمِيمَاتٌ السعي بين المتآلفين بكلام الذم لإيقاع الوحشة بينهم.
تَكَبُّرَاتٌ وهذه مما مالت إليه كنيسة كورنثوس كثيراً (١كورنثوس ٤: ٦ و١٨ و١٩ و٥: ٢ و٨: ١ و١٣: ٤).
تَشْوِيشَاتٌ اختلاطات وعدم ترتيب في الكنيسة والهيئة الاجتماعية والمدنية. ومما يدل على تشويشاتهم أنه حذرهم منها قبلاً بقوله «لأَنَّ ٱللّٰهَ لَيْسَ إِلٰهَ تَشْوِيشٍ» (١كورنثوس ١٤: ٣٣). ولا تخفى الصعوبة في التوفيق بين كثرة هذه الشرور التي خشي أن يجدها عند مجيئه في كنيسة كورنثوس وما قيل في (ص ٧) في شأن توبتهم وطاعتهم.
ذهب بعضهم إلى أنه مرّ وقت طويل بين بداءة كتابته لهذه الرسالة وإتمامها فكتب إلى نهاية الأصحاح التاسع ثم توقف عن الكتابة وبعد ذلك بلغه أن إصلاحهم لم يكن كما رجا. والمرجّح أن أكثر أعضاء الكنيسة كانوا قد تابوا وأطاعوا واستمروا على ذلك وسائرهم بقي على ما كان عليه من الشر والعناد فمدح الأولين في بداءة الرسالة وذم الآخرين ووبخهم هنا.
٢١ «أَنْ يُذِلَّنِي إِلٰهِي عِنْدَكُمْ، إِذَا جِئْتُ أَيْضاً وَأَنُوحُ عَلَى كَثِيرِينَ مِنَ ٱلَّذِينَ أَخْطَأُوا مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَتُوبُوا عَنِ ٱلنَّجَاسَةِ وَٱلزِّنَا وَٱلْعَهَارَةِ ٱلَّتِي فَعَلُوهَا».
ص ٢: ١ و٤ ص ١٣: ٢ و١كورنثوس ٥: ١
أَنْ يُذِلَّنِي إِلٰهِي عِنْدَكُمْ هذا معطوف على «أن لا أحد الخ» في الآية السابقة فهو من مفاعيل خوفه. أن ما ملأ قلوب الرسل سروراً هو أن رأوا الكنائس التي أسسوها ثابتة في الإيمان والطاعة للحق والذي أحزنهم وأذلهم هو أن رأوها جائرة عن طريق الحق والقداسة فخاف بولس أن يجد علة للحزن والذل حين يأتي إليهم إذ لا يشاهد فيهم ما توقعه من أثمار أتعابه وصلواته.
إِذَا جِئْتُ أَيْضاً أي زرتكم ثالثة.
عَلَى كَثِيرِينَ الخ هم كثيرون بالنظر إلى أنفسهم وقليلون بالنسبة إلى الذين تابوا ومدحهم في (ص ٧). والخطايا المذكورة هنا هي ما كانت شائعة في مدينة كورنثوس لتعلقها بعبادة الأوثان فيها (انظر تفسير ١كورنثوس ٥: ١ و٦: ١٨). والكنيسة التي تألفت في تلك المدينة من متنصري الوثنيين كانت عرضة للسقوط في تلك الخطايا ولم يزل ذلك شأن الكنائس المؤلفة ممن كانوا عبدة أوثان.
فوائد
- إنه حدث لبولس ما لم يستطع إيضاحه فاكتفى بأن يذكر الحادثة بدون أن يحاول بيانها تاركاً لله أن يبينها متى شاء فلو فعل كل اللاهوتيين كذلك لنجوا من بدع وضلالات وخصومات كثيرة. فلو تركوا لله الأسرار في مثل التثليث والتجسد وقيامة الأجساد لأراحوا أنفسهم والكنيسة. إن المعلنات لنا والسرائر للرب إلهنا فمتى شاء جعل السرائر معلنات (ع ٢).
- إنه يجب علينا أن نشكر الله على ما أعلنه من أسرار السماء وأمجادها ليرينا الطريق إليها ويعزينا ونحن في مضايق هذه الحياة بأن يبين لنا أن السماء عالم الراحة والقداسة التي لا نهاية لها وأن نكتفي بما استحسن الله إعلانه لنا وأن لا نحاول كشف الحجاب بين العالَمين وأن لا نصدق الذين يدعون المخاطبة والمخالطة لأرواح الموتى ومعرفة ما لا يعرفه غيرهم من الأحياء بواسطة ذلك. إن موسى وإيليا رجعا من السماء إلى الأرض وشاهدهما الرسل ولكنهما لم يخبراهم بشيء من مشاهد السماء (يوحنا ٩: ٣١). ولعازر بقي ميتاً أربعة أيام ثم أحياه المسيح ولم يخبر بشيء (يوحنا ص ١١). وما سمعنا شيئاً من الموتى الذين قاموا يوم موت المسيح (متى ٢٧: ٥٢). فإن كنا لم نتعلم شيئاً من هؤلاء فمن العبث أن نتوقع الإفاداة من العرّافين اليوم.
- إن بولس بقي ساكتاً نحو أربع عشرة سنة عن رؤياه العجيبة ولم ينبئ بها بعدئذ إلا اضطراراً. فيجب أن نتعلم من ذلك أن لا نفتخر بزيادة معرفتنا وتيقّننا خلاصنا وما حصلنا عليه من القداسة وغرائب استجابات صلواتنا بغية أن يعتبرنا الناس كثيراً عليها فالأولى أن نطلب أن يعتبرونا لما يروا فينا من حسن السيرة والاقتداء بالمسيح (ع ٦).
- إن الله رأى المختار عرضة للكبرياء الروحية ولو من إعلاناته له فاستحسن أن يصيبه بمصاب مؤلم إماتة للكبرياء. أفليس المسيحي اليوم عرضة لمثل تلك التجربة ولا سيان إذا اشتهر بالمعرفة أو الفصاحة أو الاقتدار في الصلاة. أَ ولا يجب على كل واحد منا الآن أن يسهر ويصلي لكي لا يسقط في فخ الكبرياء القبيح. أَ ولا يجب عليه أن يحتمل بالصبر المصائب التي يرسلها الله عليه وأن يعتبرها رسل محبة لتحفظه متواضعاً (ع ٧).
- إن الله يكره الكبرياء ولا سيما في المسيحيين ولكن هذا الشر متأصل في طبيعة البشر واستئصاله صعب جداً فالناس يتخذون علامات رضى الله بهم وسيلة إلى الافتخار والانتفاخ فيرى الله أنه ضروري لهم أن يقرن مراحمه الخاصة بمصائب خاصة دفعاً لذلك ولا يزيل عنهم تلك المصائب مهما طلبوا ذلك إلا متى رأى أنهم حصلوا على الغاية المطلوبة ومشوا بسكوت أمام الله (١ملوك ٢١: ٢٧) (ع ٧).
- إن عدم استجابة الله لبعض صلواتنا ليس برهان أنه لم يسمعنا أو أنه لا يحبنا لأنه تعالى قد يُظهر حبه لنا بمسكه عنا المطلوب كما يظهره بإعطائه إيّانا. فهو مثل الوالد يمنع ابنه من النار حين يريد أن يلعب بها والطبيب الماهر يمنع المريض مما يشتهيه من الطعام الضار. وقد يمنعنا من البركة التي نطلبها لقصد أن ينعم علينا بأحسن منها فيمنع البركة الزمنية ليهب الروحية والبركة التي لا يهبها واحدة ألف مما يهبه. نعم أنه أبى أن يجيب صلاة موسى (تثنية ٣: ٢٣ – ٢٦) وصلاة داود (٢صموئيل ١٣: ١٦ و١٩) وصلاة ابني زبدي (مرقس ١٠: ٣٥ – ٤٠) وصلاة بولس هنا. ومثلما منع مطلوب هؤلاء منع مطلوب ابنه (متى ٢٦: ٣٩ – ٤٤) ومع هذا كله لم تزل صلاة البار الحارة تقتدر كثيراً (ع ٨ و٩).
- إننا نستنتج مما قيل هنا أنه يحق لنا إذا أصبنا بمصاب ما أن نطلب إزالته بالحرارة والمواظبة ونستنتج أيضاً أنه لا بد من حد لمثل ذلك الطلب. فسيدنا يسوع طلب مراده ثلاثاً وبولس كذلك وكل منهما ترك الأمر حينئذ لمشيئة الله وعدل عن طلبته. ولا يلزم من ذلك أن لا نطلب الشيء الواحد من مثل ذلك إلا ثلاثاً بل أنه متى أعلن الله أنه لا يشاء الإجابة وجب علينا أن نخضع بسرور لإرادة الله ونسكت ومثال ذلك إذا طلبنا شفاء مريض أو إزالة عماء أو طرش من الآفات فيجب في مثل هذا أن نقول «لتكن مشيتئك» (ع ٨).
- إنه لم يحدث قط أن يخسر المؤمن بالآلام والضيق لكنه يربح دائماً بدليل قول داود «خَيْرٌ لِي أَنِّي تَذَلَّلْتُ لِكَيْ أَتَعَلَّمَ فَرَائِضَكَ… قَبْلَ أَنْ أُذَلَّلَ أَنَا ضَلَلْتُ، أَمَّا ٱلآنَ فَحَفِظْتُ قَوْلَكَ» (مزمور ١١٩: ٧١ و٦٧). فعليه أن يحسب المصائب من جملة المراحم لأن الله يتخذها وسائل إلى إعداده لسكنى السماء وهي تجعل راحة السماء أشهى وأحب إليه حين يدركها. وعليه أن يسهر لئلا يخسر بجزعه المنفعة التي قصدها الله له (ع ٩).
- إن شعور الإنسان بقدرته يجعله يتكل على نفسه وعرضة للسقوط كبطرس يوم قال «إن شك فيك الجميع فأنا لا اشك أبداً». وشعوره بضعفه يلجئه إلى أن يصرخ إلى الله ويتكل عليه. كان خطر الغرق على بطرس بعد أن أخذ يغرق وصرخ إلى المسيح ومسك المسيح بيده أقل منه حين نزل من السفينة ومشى على الماء متكلاً على نفسه (ع ٩).
- إنه ليس من دين يقدر الإنسان على أن يقول «أسر بالضعفات» إلا الدين المسيحي فالفلسفة تقدره على أن يقول احتمل الضيقات بلا تذمر لأنها مقدرة على كل بشر والكفر يتركه يتذمر وييأس ولذة العالم ليست بكفء لتعلو الحزن ولا أن تنير وادي ظل الموت ولكن الدين المسيحي يقدره أن يترنم في السجن الداخلي (أعمال ١٦: ٢٥) ويبتسم عندما يدعوه الموت (ع ١٠).
- إن أقدس الناس يمتازون بفرط تواضعهم وأقربهم من الله ينوحون لبعدهم عنه فالذي أعد له الله أسمى منزل في السماء يشعر بأنه لا يستحق أدنى منزل فيها (ع ١١).
- يتبين أن بولس اعتبر إنفاق المال على خدم الإنجيل مما يجب أن يرغب فيه المسيحيون فيجب علينا أن نعتبره كذلك ولا نستثقله ولا نرهب منه (ع ١٣).
- إنه يتضح مما قاله بولس وجوب أن نتعب نفعاً لغيرنا وإن لم يجازونا بسوى إنكار المعروف فإن غايتنا من السعي في نفعهم الطاعة لله شكروا أو لم يشكروا وأحبوا أو أبغضوا وبذلك نتمثل بالله الذي «يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى ٱلأَشْرَارِ وَٱلصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى ٱلأَبْرَارِ وَٱلظَّالِمِينَ» (متى ٥: ٤٥) (ع ١٥).
-
إن من أعظم المحزنات التي تصيب المبشرين أن يروا الذين ظهر لهم أنهم دخلوا طريق الحياة وصاروا أتباع المسيح وتوقعوا أن يكونوا أكاليل سرورهم في اليوم الأخير يرتدون عن المسيح والسماء ويخطأون إلى الله وضمائرهم ويهبطون إلى هاوية الهلاك الأبدي. فويل للعالم من العثرات (ع ٢١).
السابق |
التالي |