سفر راعوث | 03 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر راعوث
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ
مضمونه. دبّرت نُعمي طريقة بها يعرف بوعز أنها طالبة منه أن يكون وليها ويفك أرضها ويتزوج راعوث. وقبلت راعوث تدبير حماتها وعملت كما علّمتها. وفهم بوعز المطلوب منه وقبل أن يكون الولي ويفك الأرض إذا رفض الولي الأول أن يأخذ راعوث امرأة له.
١ «وَقَالَتْ لَهَا نُعْمِي حَمَاتُهَا: يَا ٱبْنَتِي أَلاَ أَلْتَمِسُ لَكِ رَاحَةً لِيَكُونَ لَكِ خَيْرٌ؟».
١كورنثوس ٧: ٣٦ و١تيموثاوس ٥: ٨ ص ١: ٩
رَاحَةً الراحة المشار إليها هي راحة المرأة في بيت زوجها لأن المرأة تحتاج إلى من يحامي عنها ويعتني بها ويعظم فرحها برجلها وأولادها. وليس المراد عدم العمل لأن المتزوجة تعمل وتتعب أحياناً أكثر من غير المتزوجة ولكن الراحة المقصودة هي الراحة من الهمّ والعار والظنون والوحدة. وليس لكل المتزوجات راحة وذلك من دخول الخطيئة إلى البيت أما خطيئة الرجل أو خطيئة المرأة أو خطيئتهما كليهما. وما يجب على الزوجين المحبة وطول البال والتواضع. وأساس الراحة البيتية الوحيد خوف الله.
إن بعض الفاضلات لم يتزوجن ومع ذلك وجدن راحة حقيقية في خدمتهن المقبولة التي بها نلنَ المحبة والكرامة. وفي نظرهن إلى الرب وهو عروس الكنيسة وفي اشتياقهن إلى الوطن السماوي. وليس للمرأة أن تطلب رجلاً بل أن تقبل بالشكر تدبير الله لها. وفي أيامنا هذه كثرت ذرائع الراحة لغير المتزوجات وذلك بوجود أنواع كثيرة من الخدمة العالمية والروحية لم تكن في القديم. وبامتداد الدين الحق الذي ينشئ في العالم الشفقة على الضعفاء.
كانت نُعمي قالت لكنتيها (ص ١: ٩) أن ترجعا إلى بلاد موآب لتجدا راحة كل واحدة في بيت رجلها أي إنها لم تنتظر زيجتهما في بلاد إسرائيل لأنهما موآبيتان. ولكن معاملة بوعز الحسنة وغير المنتظرة جعلت فيها الرجاء براحة راعوث.
٢، ٣ «٢ فَٱلآنَ أَلَيْسَ بُوعَزُ ذَا قَرَابَةٍ لَنَا، ٱلَّذِي كُنْتِ مَعَ فَتَيَاتِهِ؟ هَا هُوَ يُذَرِّي بَيْدَرَ ٱلشَّعِيرِ ٱللَّيْلَةَ. ٣ فَٱغْتَسِلِي وَتَدَهَّنِي وَٱلْبَسِي ثِيَابَكِ وَٱنْزِلِي إِلَى ٱلْبَيْدَرِ، وَلٰكِنْ لاَ تُعْرَفِي عِنْدَ ٱلرَّجُلِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ ٱلأَكْلِ وَٱلشُّرْبِ».
ص ٢: ٨ و٢صموئيل ١٤: ٢
ٱلْبَسِي ثِيَابَكِ أي ثياب غير ثياب العمل وربما كانت لابسة ثياب الأرامل وخلعها ولبس غيرها مما يوافق غاية نُعمي أن بوعز يتزوجها.
حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ ٱلأَكْلِ وَٱلشُّرْبِ لا يوافق أنها تتكلم أو تعمل شيئاً ما دام بوعز مشغولاً في البيدر وحوله غلمانه وغيرهم. والوقت الذي يوافق المقصود هو وقت النوم وهو وحده لا عمل له.
٤ «وَمَتَى ٱضْطَجَعَ فَٱعْلَمِي ٱلْمَكَانَ ٱلَّذِي يَضْطَجِعُ فِيهِ وَٱدْخُلِي وَٱكْشِفِي نَاحِيَةَ رِجْلَيْهِ وَٱضْطَجِعِي، وَهُوَ يُخْبِرُكِ بِمَا تَعْمَلِينَ».
يظهر لنا في هذا القول عدم اللياقة ولا تعمل في أيامنا امرأة فاضلة ما عملت راعوث – الدافع له:
- عرفت نُعمي أن بوعز كان إنساناً فاضلاً معتبراً متوسطاً في العمر ولها ثقة به.
- عرفت أن راعوث امرأة فاضلة طاهرة لا يمكنها أن تعمل ما لا يليق.
- مطلوب نُعمي أن بوعز يفك الأرض التي لها (أو التي كانت لها انظر تفسير ص ٤: ٣) وإنه يتزوج راعوث (تثنية ٢٥: ٥ – ١٠ وص ٤: ٥) ولكنها رأت إنه لا يليق بها أن تتكلم بشأن راعوث لأن المرأة لا تطلب الرجل بل الرجل المرأة. فاختارت هذه الطريقة لنيل قصدها بلا كلام منها.
- ولعلّ بوعز أراد أن يفك الأرض ويتزوج راعوث ولكنه لم يظن أنها تريد هذا لأنه أكبر منها بالسن وربما كانت هي جميلة الصورة تقدر أن تتزوج لو أرادت أحد الشبان الأغنياء (ع ١١) فافتقر بوعز إلى علامة مثل هذه حتى يعرف أفكار راعوث نحوه فيطلبها.
٥ «فَقَالَتْ لَهَا: كُلَّ مَا قُلْتِ أَصْنَعُ».
كُلَّ مَا قُلْتِ أَصْنَعُ القول يدل على ثقة راعوث بحماتها وتسليمها لرأي من كان أكبر منها سناً وحكمة وذلك من صفات راعوث الحميدة.
٦، ٧ «٦ فَنَزَلَتْ إِلَى ٱلْبَيْدَرِ وَعَمِلَتْ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَتْهَا بِهِ حَمَاتُهَا. ٧ فَأَكَلَ بُوعَزُ وَشَرِبَ وَطَابَ قَلْبُهُ وَدَخَلَ لِيَضْطَجِعَ فِي طَرَفِ ٱلْعَرَمَةِ. فَدَخَلَتْ سِرّاً وَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ رِجْلَيْهِ وَٱضْطَجَعَتْ».
قضاة ١٩: ٦ و٩ و٢٢ و٢صموئيل ١٣: ٢٨ وأستير ١: ١٠
وَطَابَ قَلْبُهُ لا نفهم من ذلك أنه سكر وسياق الكلام (ع ١٠ – ١٣) ينفي هذا الظن بل إنه شبع من الأكل والشرب واستراح من أتعاب النهار وهمومه وكان مستعداً لنوم هادئ.
لِيَضْطَجِعَ فِي طَرَفِ ٱلْعَرَمَةِ اختار هذا المكان للنوم منعاً لسرقة الشعير بالليل.
٨ «وَكَانَ عِنْدَ ٱنْتِصَافِ ٱللَّيْلِ أَنَّ ٱلرَّجُلَ ٱضْطَرَبَ، وَٱلْتَفَتَ وَإِذَا بِٱمْرَأَةٍ مُضْطَجِعَةٍ عِنْدَ رِجْلَيْهِ».
ٱضْطَرَبَ لأن من لم يعرفه كان مضطجعاً عند رجليه.
٩ «فَقَالَ: مَنْ أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا رَاعُوثُ أَمَتُكَ. فَٱبْسُطْ ذَيْلَ ثَوْبِكَ عَلَى أَمَتِكَ لأَنَّكَ وَلِيٌّ».
حزقيال ١٦: ٨ ص ٢: ٢٠ وع ١٢
فَٱبْسُطْ ذَيْلَ ثَوْبِكَ عَلَى أَمَتِكَ ومعنى ذلك أنها دخلت تحت حمايته مثل فرخة تحت جناحي أمها. فيكون هو وليها ويفك أرضها (لاويين ٢٥: ٢٥) ويتزوجها (تثنية ٢٥: ٥ – ١٠). والثوب هو ما يُلبس بالنهار ويتغطى به بالليل.
١٠ «فَقَالَ: إِنَّكِ مُبَارَكَةٌ مِنَ ٱلرَّبِّ يَا ٱبْنَتِي لأَنَّكِ قَدْ أَحْسَنْتِ مَعْرُوفَكِ فِي ٱلأَخِيرِ أَكْثَرَ مِنَ ٱلأَوَّلِ، إِذْ لَمْ تَسْعَيْ وَرَاءَ ٱلشُّبَّانِ، فُقَرَاءَ كَانُوا أَوْ أَغْنِيَاءَ».
ص ٢: ٢٠ ص ١: ٨
إِنَّكِ مُبَارَكَةٌ مِنَ ٱلرَّبِّ ظهر من قوله أنه لم يلمها وإن لم يلمها بوعز لا يلومها غيره لأنه هو المتعدّى عليه وهو لم يحكم أن عملها غير لائق مع أنه رجل فهيم معتبر مستعدّ أكثر من غيره للحكم بلياقة عمل راعوث.
فِي ٱلأَخِيرِ أَكْثَرَ مِنَ ٱلأَوَّلِ كلمة «الأول» تشير إلى تركها بلاد موآب والتصاقها بنُعمي واختيارها إله إسرائيل. وكلمة «الأخير» تشير إلى اختيارها بوعز ليكون وليها. فإنه لو كان ميلها إلى الشبان كان يمكنها أن تتزوج أحدهم إما في موآب أو في إسرائيل. ولكن كان اهتمامها أن تفك الأرض التي كانت لحميّها ولرجلها وإقامة نسل له حسب شريعة موسى. وليس عملها مصدره الطمع أو الأميال الجسدية بل النية المخلصة لتعمل ما كان يجب عليها بموجب شريعة إله إسرائيل. ففي عملها الأخير أحسنت أكثر من عملها الأول مع أن ذلك كان حسناً.
١١ «وَٱلآنَ يَا ٱبْنَتِي لاَ تَخَافِي. كُلُّ مَا تَقُولِينَ أَفْعَلُ لَكِ، لأَنَّ جَمِيعَ أَبْوَابِ شَعْبِي تَعْلَمُ أَنَّكِ ٱمْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ».
أمثال ١٢: ٤
لاَ تَخَافِي من أني ألومك ولا تخافي من خيبة آمالك.
جَمِيعَ أَبْوَابِ شَعْبِي جميع الذين يخرجون من أبواب المدينة ويدخلون إليها أي أهل المدينة كلهم.
ٱمْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ كان بوعز جبار بأس (ص ٢: ١) والكلمة العبرانية المترجمة «بأس» هي نفس الكلمة المترجمة هنا «فاضلة». وهي تشير إلى القوة إما القوة الجسدية والشجاعة أو القوة الأدبية والرزانة. فمن الموافقة أن يتزوج جبار البأس امرأة فاضلة أي أن يتزوج الفاضل الفاضلة.
١٢، ١٣ «١٢ وَٱلآنَ صَحِيحٌ أَنِّي وَلِيٌّ، وَلٰكِنْ يُوجَدُ وَلِيٌّ أَقْرَبُ مِنِّي. ١٣ بِيتِي ٱللَّيْلَةَ، وَيَكُونُ فِي ٱلصَّبَاحِ أَنَّهُ إِنْ قَضَى لَكِ حَقَّ ٱلْوَلِيِّ فَحَسَناً. لِيَقْضِ. وَإِنْ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَقْضِيَ لَكِ حَقَّ ٱلْوَلِيِّ، فَأَنَا أَقْضِي لَكِ. حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ. اِضْطَجِعِي إِلَى ٱلصَّبَاحِ».
ع ٩ ص ٤: ١ تثنية ٢٥: ٥ وص ٤: ٥ ومتّى ٢٢: ٢٤ قضاة ٨: ١٩ وإرميا ٤: ٢
يُوجَدُ وَلِيٌّ أَقْرَبُ كان بوعز رجلاً عادلاً فكان مستعداً أن يعدل عما أحب أن يعمله إذا أدى ذلك إلى التعدي على حق غيره.
حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ حلف لها ويجوز الحلف في أمر ذي أهمية كهذا الأمر إذا كان بنيّة مخلصة وخوف الله.
اِضْطَجِعِي إِلَى ٱلصَّبَاحِ لأنها لا تقدر أن ترجع إلى بيتها بالمدينة عند انتصاف الليل.
١٤ «فَٱضْطَجَعَتْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ إِلَى ٱلصَّبَاحِ. ثُمَّ قَامَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْدِرَ ٱلْوَاحِدُ عَلَى مَعْرِفَةِ صَاحِبِهِ. وَقَالَ: لاَ يُعْلَمْ أَنَّ ٱلْمَرْأَةَ جَاءَتْ إِلَى ٱلْبَيْدَرِ».
رومية ١٢: ١٧ و١٤: ١٦ و١كورنثوس ١٠: ٣٢ و٢كورنثوس ٨: ٢١ و١تسالونيكي ٥: ٢٢
وبكّرت صباحاً خوفاً من أن يراها أحد ويظن فيها ظنون رديئة.
١٥ «ثُمَّ قَالَ: هَاتِي ٱلرِّدَاءَ ٱلَّذِي عَلَيْكِ وَأَمْسِكِيهِ. فَأَمْسَكَتْهُ، فَٱكْتَالَ سِتَّةً مِنَ ٱلشَّعِيرِ وَوَضَعَهَا عَلَيْهَا. ثُمَّ دَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ».
سِتَّةً مِنَ ٱلشَّعِيرِ يقول الربانيون ستة أكيال والكيل ثلث الإيفة فيكون الستة أكيال أيفتين أي نحو عشرين رطلاً. ورأى بعضهم أن العدد «ستة» يشير إلى أيام الأسبوع الستة المختصة للعمل يليها يوم للراحة فيكون مقصود بوعز أن راعوث كملت أيام تعبها ووصلت إلى يوم راحتها. ويكفينا المعنى الواضح وهو أن بوعز تكرم عليها بمقدار غير عادي من الشعير وهو عربون الخير الذي قصده لها.
وَوَضَعَهَا عَلَيْهَا لأن حملها ثقيل وهو نحو عشرين رطلاً.
١٦ «فَجَاءَتْ إِلَى حَمَاتِهَا فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتِ يَا ٱبْنَتِي؟ فَأَخْبَرَتْهَا بِكُلِّ مَا فَعَلَ لَهَا ٱلرَّجُلُ».
قضاة ١٨: ٨
مَنْ أَنْتِ أي كيف حالك وكيف كان الأمر بينك وبين بوعز. ورأى بعضهم أن معنى سؤالها أأنت راعوث الموآبية أو راعوث خطيبة بوعز.
١٧، ١٨ «١٧ وَقَالَتْ: هٰذِهِ ٱلسِّتَّةَ مِنَ ٱلشَّعِيرِ أَعْطَانِي، لأَنَّهُ قَالَ: لاَ تَجِيئِي فَارِغَةً إِلَى حَمَاتِكِ. ١٨ فَقَالَتِ: ٱجْلِسِي يَا ٱبْنَتِي حَتَّى تَعْلَمِي كَيْفَ يَقَعُ ٱلأَمْرُ، لأَنَّ ٱلرَّجُلَ لاَ يَهْدَأُ حَتَّى يُتَمِّمَ ٱلأَمْرَ ٱلْيَوْمَ».
مزمور ٣٧: ٣ و٥
ٱجْلِسِي هذه نصيحة من كانت اختبرت أمور الحياة وعرفت طباع الناس الرجال والنساء. فمن الحكمة أن راعوث لا تعمل شيئاً بل تتوقع ما يعمله بوعز.
لاَ يَهْدَأُ حَتَّى يُتَمِّمَ من صفات الفاضل أن يثبت في عمله إلى النهاية. كثيرون يبتدئون عملاً ولكن لما تظهر أمامهم صعوبات يخافونها أو إذا طال العمل يملّون منه أو إذا رأوا عملاً آخر يلتهون به. وأما بوعز فعرفته نُعمي حق المعرفة وقالت «إنه لا يهدأ حتى يتمم» فكان فاضلاً حقيقياً.
فوائد
- على الوالدين أن يفضلوا مصلحة أولادهم على مصلحة نفوسهم فلا يجوز أن يطلبوا من الأولاد أن يبقوا في البيت متى حان وقت زيجتهم واستقلالهم أو أن يعيشوا من أتعاب أولادهم إلا عند الضرورة (ع ١).
- يجب أن تكون الزيجة في الرب أي أن المؤمن يتزوج مؤمنة والمؤمنة تتزوج مؤمناً. فلا يخدع المؤمن الجمال والغنى والمجد العالمي راجياً أن غير المؤمنة تصير مؤمنة. وكذلك لا يجوز للمؤمنة أن تكتفي بالصفات الخارجية كالتمدن واللطف وممارسة فرائض الدين والأدب بل عليها أن تطلب في من يريد أن يقترن بها أن يكون مسيحياً حقيقياً في قلبه لأن الإيمان بالمسيح أصل جميع الفضائل.
- إن بعضهم يدوسون حقوق غيرهم لينالوا مقاصدهم وأما الفاضل فيدوس شهواته ويعدل عن مقاصده لئلا يتعدّى على حقوق غيره (ع ١٣).
-
للعمل وقت وللقعود وقت (ع ٥ و١٨) والحكيم الحقيقي هو الذي يقدر أن يميّز وقت العمل من وقت القعود.
السابق |
التالي |