رومية

الرسالة إلى رومية | 15 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة إلى رومية

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح الخامس عشر

 

في هذا الأصحاح مطلبان الأول إثبات ما قيل في (ص ١٤) في وجوب احتمال الأقوياء للضعفاء اقتداء بالمسيح وموافقة لبعض نبوءات العهد القديم (ع ١ – ١٣). والثاني إظهار الرسول إحساساته الشخصية من ثقته بمؤمني رومية وعلّة كتابة هذه الرسالة لهم وذكر ما احتمله في سبيل خدمة الإنجيل وقصده أن يزورهم بعد إكمال خدمته لفقراء الإخوة في أورشليم (ع ١٤ – ٣٣).

الفصل الأول

إثبات ما قيل في ص ١٤ في وجوب احتمال الأقوياء للضعفاء ع ١ إلى ١٣

١ «فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ ٱلأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ ٱلضُّعَفَاءِ، وَلاَ نُرْضِيَ أَنْفُسَنَا».

غلاطية ٦: ١ ص ١٤: ١

نَحْنُ ٱلأَقْوِيَاءَ بتيقننا إنا غير مكلفين بحفظ الرسوم اليهودية المتعلقة بالأطعمة والأعياد. والمرجّح أن أكثر هؤلاء الأقوياء كانوا من متنصري الأمم وصرّح الرسول بأنه شريكهم في الاعتقاد.

أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ ٱلضُّعَفَاءِ أي أن نعدل عن جدالهم ونصبر عليهم ونعاملهم بالحلم واللطف. والأرجح أن أكثر أولئك الضعفاء من متنصري اليهود الذين رأوا أنهم مكلفون بحفظ رسوم الشريعة الموسوية التي حررهم المسيح منها بإكماله إياها. وإضعافهم هي توهماتهم في شأن بعض الأطعمة والأشربة التي نشأت عن ضعف الإيمان وقلة المعرفة. وبيّن الرسول مراده «باحتمال أضعاف الضعفاء» بما أتاه في كورنثوس وأشار إليه بقوله «صِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ ٱلْيَهُودَ، وَلِلَّذِينَ تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ لأَرْبَحَ ٱلَّذِينَ تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، وَلِلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ مَعَ أَنِّي لَسْتُ بِلاَ نَامُوسٍ لِلّٰهِ، بَلْ تَحْتَ نَامُوسٍ لِلْمَسِيحِ لأَرْبَحَ ٱلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ. صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ ٱلضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَوْماً» (١كورنثوس ٩: ٢٠ – ٢٢).

وَلاَ نُرْضِيَ أَنْفُسَنَا بإتيان ما يحل لنا ونلذ به وهو يضر غيرنا ممن يتوهمون أنه محرم.

٢ «فَلْيُرْضِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَرِيبَهُ لِلْخَيْرِ، لأَجْلِ ٱلْبُنْيَانِ».

ص ١٤: ١٩ و١كورنثوس ٩: ١٩ و٢٢ و١٠: ٢٤ و٣٣ و١٣: ٥ وفيلبي ٢: ٤ و٥

ذكر في هذه بطريق الإيجاب ما ذكره في الأولى بطريق السلب.

فَلْيُرْضِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَرِيبَهُ لِلْخَيْرِ يجب علينا أن نفعل ذلك طوعاً لشريعة المحبة. قيّد الرسول الإرضاء بأنه للخير دفعاً لأن نرتضيه للشر وهو لا يحل إذ لا يجوز أن يغيظ الله إرضاء للإنسان.

لأَجْلِ ٱلْبُنْيَانِ أي بنيان الإخوة في المعرفة والقداسة ويجب ان يكون هذا غرضنا من تساهلنا معهم.

٣ «لأَنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ، بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: تَعْيِيرَاتُ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ.

متّى ٢٦: ٣٩ ويوحنا ٥: ٣٠ و٦: ٣٨ مزمور ٦٩: ٩

لأَنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ إن سيرة المسيح مثال لكل مؤمن وهو لم يبتغ في كل حياته على الأرض إرضاء نفسه. وقوله «أيضاً» يفيد أن المسيح أظهر غاية التنازل واللطف بعدم ابتغائه إرضاء نفسه بالنظر إلى سمو رتبته فلو كان لأحد عاش في هذا العالم أن يرضي نفسه لكان ذلك للمسيح وإن كان لم يجز للمسيح فبالأولى أنه لا يجوز لنا. ولا يلزم من قوله «إن المسيح لم يرض نفسه» أنه أتى عمل الفداء على رغمه وأنه لم يستحسنه لأن المعنى أن حياته على هذه الأرض كانت موقوفة لعمل مشيئة الله لا لتحصيل الغنى والشرف بين الناس والراحة واللذة لنفسه وأنه رضي الضيقات والآلام حتى الموت لمجد الله ولنفع الناس (يوحنا ٥: ٣٠ و٦: ٣٨ ولوقا ٢٢: ٤٢ و٢كورنثوس ٨: ٩ وفيلبي ٢: ٥ و١بطرس ٢: ٢١ وعبرانيين ١٢: ٢).

كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ (مزمور ٦٩: ١٠) والكلام مخاطبة المسيح لأبيه.

مُعَيِّرِيكَ أيها الإله الآب.

عَلَيَّ أنا ابنك يسوع. قصد الرسول من هذا الاقتباس بيان وجوب الاقتداء بالمسيح في أن ننكر أنفسنا لنفع غيرنا لأنه أنكر نفسه لأجل مجد الله وما احتمله من التعييرات لكي يكمل عمل الفداء وفقاً لإرادة الله دليل على أنه لم يأتِ ليرضي نفسه.

والدليل على أن المزمور التاسع والستين الذي اقتبس الرسول منه هنا أنباء بالمسيح كثرة ما اقتبسه كتبة الإنجيل منه معتبرين أن المقتبس أنباء بالمسيح (متّى ٢٧: ٣٤ و٤٨ ويوحنا ٢: ١٧ و١٥: ٢٥ و١٩: ٢٨ وأعمال ١: ٢٠).

٤ «لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا، حَتَّى بِٱلصَّبْرِ وَٱلتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي ٱلْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ».

ص ٤: ٢٣ و٢٤ و١كورنثوس ٩: ٩ و١٠ و١٠: ١١ و٢تيموثاوس ٣: ١٦ و١٧

الكلام في هذه الآية كالمعترض فقد اقتبس الرسول من مزمور ٦٩ قول داود لما فيه من التعليم المتعلّق بصفات المسيح وأعماله لكي نقتدي به فصرّح هنا أن استعماله للمزمور كان على وفق الغاية التي كُتب المزمور لها. وما صدق على هذا الجزء من الكتاب المقدس يصدق على كله لأن الله قصد أن يكون دستوراً لإيماننا وأعمالنا. واتخذ الرسول هذا الكلام مقدمة لما عزم أن يقوله في (ع ٦) من وجوب اتحاد بعض الإخوة ببعض.

مَا سَبَقَ فَكُتِبَ في العهد القديم.

كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا علاوة عن تعليم الذين كُتب لهم أولاً.

حَتَّى بِٱلصَّبْرِ وَٱلتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي ٱلْكُتُبِ إن الله قصد بما في الكتب المقدسة من سير الأتقياء (كأيوب ودواد وغيرهم) والأوامر والمواعيد أن يزيدنا صبراً في الأعمال والأتعاب ونحن نخدم الله وإخوتنا إكراماً له غير ملتفتين إلى إرضاء أنفسنا ويزيدنا عزاء في كل مصائبنا.

يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ للحصول على بركة الله هنا والسعادة الأبدية في السماء وبهذا الرجاء يمتاز المسيحي عن كل من سواه (ص ٥: ٤) فإنه يمنع عنه الملل والفشل ويعضده ويسنده في النوازل.

٥ «وَلْيُعْطِكُمْ إِلٰهُ ٱلصَّبْرِ وَٱلتَّعْزِيَةِ أَنْ تَهْتَمُّوا ٱهْتِمَاماً وَاحِداً فِيمَا بَيْنَكُمْ، بِحَسَبِ ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ».

ص ١٢: ١٦ و١كورنثوس ١: ١٠ وفيلبي ٣: ١٦ و١بطرس ٢: ٢١

قال الرسول في الآية السابقة أن الكتب المقدسة واسطة الحصول على الصبر والتعزية ولكنه علم أنها ليست كافية لذلك الحصول لأنها ليست سوى آلة بذاتها فسأل الله واهب الصبر والتعزية أن ينشئهما في قلوبهم بواسطة الكتب (ص ١٥: ٣٣ وفيلبي ٤: ٩ و١تسالونيكي ٥: ٢٣ وعبرانيين ١٣: ٢٠).

أَنْ تَهْتَمُّوا ٱهْتِمَاماً وَاحِداً أن تتفقوا ويحتمل بعضكم بعضاً كما أشرت عليكم (ص ١٢: ١٦ وكل ص ١٤).

بِحَسَبِ ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ أي بحسب مشيئته وصلاته (وهي أن يكون كل تلاميذه واحداً يوحنا ١٧: ٢١ – ٢٣) وسيرته (ع ٣ و٤).

يمكن أن يهتم الناس اهتماماً واحداً في الشر ولذلك قيّد الرسول الاهتمام أن يكون «بحسب المسيح يسوع» الذي نزل من السماء ليعمل مشيئة الآب (يوحنا ٦: ٣٨).

٦ «لِكَيْ تُمَجِّدُوا ٱللّٰهَ أَبَا رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَفَمٍ وَاحِدٍ».

أعمال ٤: ٢٤ و٣٢

لِكَيْ تُمَجِّدُوا ٱللّٰهَ لا يمكن شعب الله أن يمجدوه ما لم يكونوا متفقين ومتحدين لأن الاختلاف والانشقاق من موانع تمجيده.

بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ أي اتفاق في النيّة والعمل (أعمال ١: ١٤ و٢: ١ و٤: ٢٤).

وَفَمٍ وَاحِدٍ أي اتفاق في الصلوات والتسبيح.

٧ «لِذٰلِكَ ٱقْبَلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَمَا أَنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً قَبِلَنَا، لِمَجْدِ ٱللّٰهِ».

ص ١٤: ١ و٣ وص ٥: ٢

لِذٰلِكَ أي لما سبق من وجوب الاتفاق أو لكي تمجّدوا الله (ع ٦).

ٱقْبَلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً بمحبة ولطف وثقة كما يليق بالإخوة وهذا الأمر موجّه إلى فريقي الإخوة متنصري اليهود ومتنصري الأمم الأقوياء والضعفاء اللذين اختلفا في العرضيّات واتفقا في الجوهريات.

كَمَا أَنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً قَبِلَنَا للشركة في محبته وملكوته فإنه قبل اليهود والأمم حين آمنوا (ع ٨ و٩) فوجب ان يتمثلوا به في الترحيب بكل من يؤمن به من الفريقين.

لِمَجْدِ ٱللّٰهِ أي لتمجيده وهو متعلق بقوله «اقبلوا» وهذا التمجيد غاية فداء الناس وتقديسهم (أفسس ١: ٦) ولا يتم إلا بأن يحب ويقبل بعضهم بعضاً.

٨ «وَأَقُولُ: إِنَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ قَدْ صَارَ خَادِمَ ٱلْخِتَانِ، مِنْ أَجْلِ صِدْقِ ٱللّٰهِ، حَتَّى يُثَبِّتَ مَوَاعِيدَ ٱلآبَاءِ».

متّى ١٥: ٢٤ ويوحنا ١: ١١ وأعمال ٣: ٢٥ و٢٦ و١٣: ٤٦ ص ٣: ٣ و٢كورنثوس ١: ٢٠

هذه الآية وما بعدها تفسير لقوله أن المسيح قبلنا من اليهود والأمم.

أَقُولُ أي أعني.

إِنَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ قَدْ صَارَ خَادِمَ ٱلْخِتَانِ أي إن الله أرسله مخلصاً لأهل الختان وهم اليهود فوُلد إنساناً منهم وبشرهم ومات فيهم (متّى ١٥: ٢٤ و٢٠: ٢٨). نعته الرسول «بالخادم» إشارة إلى تنازله وتواضعه وإطاعته الناموس عنهم (غلاطية ٤: ٤ وفيلبي ٢: ٧). قبول المسيح اليهود أوجب على مؤمني الأمم قبولهم أيضاً.

مِنْ أَجْلِ صِدْقِ ٱللّٰهِ أي لبيان صدقه بإنجاز وعده.

حَتَّى يُثَبِّتَ مَوَاعِيدَ ٱلآبَاءِ أي مواعيد الله لهم بالمسيح. انظر تفسير (لوقا ١: ٥٥ وأعمال ٣: ٢٥ ورومية ٩: ٤).

٩ «وَأَمَّا ٱلأُمَمُ فَمَجَّدُوا ٱللّٰهَ مِنْ أَجْلِ ٱلرَّحْمَةِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ سَأَحْمَدُكَ فِي ٱلأُمَمِ وَأُرَتِّلُ لاسْمِكَ».

يوحنا ١٠: ١٦ وص ٩: ٢٣ مزمور ١٨: ٤٩

وَأَمَّا ٱلأُمَمُ أي مؤمنوهم الذين صاروا شركاء مؤمني اليهود في بركات مجيء المسيح فقبول المسيح إياهم أوجب على مؤمني اليهود قبولهم أيضاً.

فَمَجَّدُوا ٱللّٰهَ مِنْ أَجْلِ ٱلرَّحْمَةِ بقبوله إياهم في ملكوت المسيح ومنحه إياهم بركات ذلك الملكوت.

صرّح الرسول في هذه الآية أن قبول الله لليهود إنجاز لوعده وأن قبوله للأمم إظهار لرحمته.

كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ في مزمور ١٨: ٤٩ ومعناه ومعنى ما اقتبسه الرسول بعده من العهد القديم أن الله قصد أن تنتشر ديانة المسيح بين الأمم.

سَأَحْمَدُكَ فِي ٱلأُمَمِ الخ المتكلم هنا داود النبي. وتصوّر أنه محاط بجمهور عبدة لله من الأمم يشاركونه في التسبيح والعبادة. وتكلم هنا نيابة عن المسيح كما أتى ذلك مراراً في مزاميره لأنه كان رمزاً إليه ونائباً عنه.

١٠ «وَيَقُولُ أَيْضاً: تَهَلَّلُوا أَيُّهَا ٱلأُمَمُ مَعَ شَعْبِهِ».

تثنية ٣٢: ٤٣

هذه الآية مقتبسة من (تثنية ٣٢: ٤٣) على ما في ترجمة السبعين.

١١ «وَأَيْضاً: سَبِّحُوا ٱلرَّبَّ يَا جَمِيعَ ٱلأُمَمِ وَٱمْدَحُوهُ يَا جَمِيعَ ٱلشُّعُوبِ».

مزمور ١١٧: ١

هذه الآية من (مزمور ١١٧: ١).

١٢ «وَأَيْضاً يَقُولُ إِشَعْيَاءُ: سَيَكُونُ أَصْلُ يَسَّى وَٱلْقَائِمُ لِيَسُودَ عَلَى ٱلأُمَمِ. عَلَيْهِ سَيَكُونُ رَجَاءُ ٱلأُمَمِ».

إشعياء ١١: ١ و١٠ ومتّى ١٢: ٢١ ورؤيا ٥: ٥ و٢٢: ١٦

هذه الآية من إشعياء ١١: ١ و١٠ على ما في ترجمة السبعين وفيها وعد بقيام شخص من بيت داود الساقط يمتد سلطانه على كل أهل الأرض ويتكل عليه اليهود والأمم.

أَصْلُ يَسَّى أي المسيح (رؤيا ٥: ٥ و٢٢: ١٦).

ٱلْقَائِمُ أي الآتي.

لِيَسُودَ عَلَى ٱلأُمَمِ سيادة روحية.

عَلَيْهِ سَيَكُونُ رَجَاءُ ٱلأُمَمِ أي يرجو الأمم الخلاص بالاتكال عليه بعد أن كانوا «بلا رجاء». أثبت الرسول بما اقتبسه في هذا الفصل من الناموس ومن المزامير ومن الأنبياء أن المسيح كان مزمعاً أن يأتي ليقبل اليهود والأمم وعلى ذلك وجب على مؤمني كنيسة رومية من اليهود والأمم أن يقبل بعضهم بعضاً بكل محبة واتفاق معتزلين الخلاف والانشقاق والتخطئة والاستخفاف.

١٣ «وَلْيَمْلأْكُمْ إِلٰهُ ٱلرَّجَاءِ كُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ فِي ٱلإِيمَانِ، لِتَزْدَادُوا فِي ٱلرَّجَاءِ بِقُوَّةِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ».

ص ١٢: ١٢ و١٤: ١٧

إِلٰهُ ٱلرَّجَاءِ أي الله مصدر الرجاء الذي تنبأ إشعياء بأن يكون لكل قبائل الأرض بالمسيح أصل يسّى.

كُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ أحب الرسول أن يحصلوا على كل ما يمكن من السرور والسلام اللذين هما من أثمار الإيمان ولذلك سأل الله إياهما.

لِتَزْدَادُوا فِي ٱلرَّجَاءِ أي ليزيد رجاؤكم بحصولكم على المسرّة بالله ومسالمة بعضكم لبعض.

بِقُوَّةِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ لأنه الفاعل الذي به ينشئ الله في قلب المؤمن الرجاء وسائر الفضائل والانفعالات الروحية.

الفصل الثاني

هذا الفصل بداءة خاتمة هذه الرسالة ذكر فيه الرسول أموراً شخصية مما أوجب عليه كتابة الرسالة ومنها رغبته في أن يزورهم بعد إكمال خدمته فقراء أورشليم وأن يذكروه في صلواتهم (ص ١٥: ١٤ – ٣٣).

أمور شخصية ع ١٤ إلى ٣٣

١٤ «وَأَنَا نَفْسِي أَيْضاً مُتَيَقِّنٌ مِنْ جِهَتِكُمْ، يَا إِخْوَتِي، أَنَّكُمْ أَنْتُمْ مَشْحُونُونَ صَلاَحاً، وَمَمْلُوؤُونَ كُلَّ عِلْمٍ، قَادِرُونَ أَنْ يُنْذِرَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً».

١كورنثوس ٨: ١ و٧ و١٠ و٢بطرس ١: ١٢ و١يوحنا ٢: ٢١

ذكر بولس في هذه الآية ثقته بمؤمني رومية دفعاً لتوهمهم من وضوح كلامه في التعليم والنصح أنه يشك في إيمانهم وغيرتهم.

وَأَنَا نَفْسِي أَيْضاً مُتَيَقِّنٌ مع أن وضوح كلامي وحرارتي يظهران لكم أني غير متيقن.

أَنْتُمْ مَشْحُونُونَ صَلاَحاً أي أنه لم ينسب إليهم عناداً أو ضلالاً وأنه واثق بحسن نواياهم وأنهم مستعدون للقيام بذلك ما يجب عليهم. وقال ذلك لاعتباره أنهم مسيحيون حقيقيون وخليقة جديدة بيسوع المسيح ومنقادون بروح الله.

وَمَمْلُوؤُونَ كُلَّ عِلْمٍ أي أنه لم ينسب إليهم جهل حقائق الإنجيل وأنه لم يقصد أن يعلّمهم ما يجهلونه.

قَادِرُونَ أَنْ يُنْذِرَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً بلا افتقار إلى مساعدتي.

١٥ «وَلٰكِنْ بِأَكْثَرِ جَسَارَةٍ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ جُزْئِيّاً أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ، كَمُذَكِّرٍ لَكُمْ، بِسَبَبِ ٱلنِّعْمَةِ ٱلَّتِي وُهِبَتْ لِي مِنَ ٱللّٰهِ».

ص ١: ٥ و١٢: ٣ وغلاطية ١: ١٥ وأفسس ٣: ٧ و٨

وَلٰكِنْ مع تيقّني صلاحكم وعلمكم استحسنت أن أذكركم بما عرفتموه وأحثكم على السير بمقتضاه. ولا يخفى ما في هذا الكلام من اللطف والتواضع.

ِبِأَكْثَرِ جَسَارَةٍ أشار بالجسارة إلى وضوح كلامه وحماسته في التكلم.

كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ جُزْئِيّاً في بعض ما كتبته والمعنى أنه لم يأت الجسارة في كل ما كتبه. ولعله أشار إلى ما كتبه في (ص ١٢: ٢ و١٣: ١١ – ١٤ وكل ص ١٤).

كَمُذَكِّرٍ بما عرفتموه وغفلتم عنه لا كمعلم بما جهلتموه. ولطف الرسول هنا أظهر من أن يُبين.

بِسَبَبِ ٱلنِّعْمَةِ الخ أشار بهذا إلى النعمة الخاصة التي أظهرها الله له باختياره إياه رسولاً (ص ١: ٥). وجعل كونه رسولاً سبب أنه كتب لهم بجسارة أكثر مما لو كان غير رسول.

١٦ «حَتَّى أَكُونَ خَادِماً لِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ لأَجْلِ ٱلأُمَمِ، مُبَاشِراً لإِنْجِيلِ ٱللّٰهِ كَكَاهِنٍ، لِيَكُونَ قُرْبَانُ ٱلأُمَمِ مَقْبُولاً مُقَدَّساً بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُس».

ص ١١: ١٣ وغلاطية ٢: ٧ و٨ و٩ و١تيموثاوس ٢: ٧ و٢تيموثاوس ١: ١١ إشعياء ٦٦: ٢٠ وفيلبي ٢: ١٧

هذه الآية تفسير لقوله في (ع ١٥) «النعمة» الخ.

خَادِماً أي رسولاً.

لِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ باعتبار كونه رأس الكنيسة وملكها وهو الذي دعاه وعيّنه.

لأَجْلِ ٱلأُمَمِ على نوع خاص ليرشدهم إلى المسيح واختيار الله إياه رسولاً إلى الأمم لم يمنعه من بذل الجهد في تبشير اليهود أيضاً.

مُبَاشِراً لإِنْجِيلِ ٱللّٰهِ كَكَاهِنٍ هذا بيان الطريق التي خدم فيها الله والكنيسة باعتبار كونه رسولاً. إنه خدم بالمناداة بالإنجيل كما خدم الكهنة في الخيمة والهيكل قديماً بالقرابين والذبائح. ولم يشبه خادم الإنجيل بكاهن غير هذه المرة ولم يسم خدمة الإنجيل كهنة قط لأن عمل الكاهن الخاص أن يقدم الذبائح ويكفّر بها عن خطايا الشعب وأكمل المسيح هذه الخدمة إلى الأبد فلم يبق من حاجة إليها ولا إلى كاهن آخر. فالذي على خدمة الإنجيل هو أن يبشروا الناس بالمسيح ويقودوهم بنعمة الروح القدس إلى «تقديم نفوسهم ذبيحة حيّة مقدسة مرضية عند الله عبادتهم العقلية».

قُرْبَانُ ٱلأُمَمِ إن المؤمنين من الأمم بتبشير بولس هم القربان الذي رغب الرسول في أن يقدمه لله تقدمة طاهرة مقبولة لديه.

مُقَدَّساً بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ كانت قرابين الهيكل تُقدس (أي تُجعل لائقة أن تُقدم لله) بغسل الماء والملح واللبان. وأما قربان الأمم فصار مقبولاً بتأثير الروح القدس.

نسب الرسول التبشير إلى نفسه لكنه نسب كل نتائج التبشير إلى الروح القدس. وكذا فعل بطرس (أعمال ١١: ١٧).

١٧ «فَلِي ٱفْتِخَارٌ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَةِ مَا لِلّٰهِ».

عبرانيين ٥: ١

هذه الآية نتيجة (ع ١٥ و١٦).

فَلِي ٱفْتِخَارٌ أي يحق لي أن أفتخر أي أثق بالله وأفرح به وأمجده لأنه دعاني لخدمته رسولاً إلى الأمم. وعلّة افتخاره نجاحه في تبشيره المذكور في (ع ١٨) وفُسر هذا الافتخار في (١كورنثوس ١٥: ٣١ و٢كورنثوس ١: ١٢ و٧: ٤ و١تسالونيكي ٢: ١٩) وبهذا الافتخار نصح إخوته في رومية وأنذرهم بجسارة وسلطان.

فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ نسب كل نجاحه إلى المسيح وأعطاه كل المجد.

مِنْ جِهَةِ مَا لِلّٰهِ هذا متعلق بافتخار والمعنى أن الرسول لم يفتخر بربحٍ أو شرف عالمي بل بنجاح الإنجيل الذي هو عمل الله ومما يؤول إلى تمجيده.

١٨ «لأَنِّي لاَ أَجْسُرُ أَنْ أَتَكَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا لَمْ يَفْعَلْهُ ٱلْمَسِيحُ بِوَاسِطَتِي لأَجْلِ إِطَاعَةِ ٱلأُمَمِ، بِٱلْقَوْلِ وَٱلْفِعْلِ».

٢كورنثوس ١٠: ١٥ أعمال ٢١: ١٩ وص ١: ٥ و١٦: ٢٦ وغلاطية ٢: ٨

لم يُرد الرسول أن يدّعي النجاح الذي لغيره من المبشرين أو للمسيح إذ لم تكن له حاجة إلى ذلك لأن نجاحه في خدمته كان ظاهراً ولأن ادعاءه ما لغيره خطيئة لم يجسر على ارتكابها.

مِمَّا لَمْ يَفْعَلْهُ ٱلْمَسِيحُ بِوَاسِطَتِي كالذي فعله بالروح القدس أو بغيري من المبشرين ولا بد لي فيه. فكأنه قال لا أفتخر إلا بما فعله المسيح بواسطتي.

لأَجْلِ إِطَاعَةِ ٱلأُمَمِ أي لخضوعهم للإنجيل.

بِٱلْقَوْلِ وَٱلْفِعْلِ أي التبشير بالإنجيل والمعجزات التي صُنعت إثباتاً له فجعلها المسيح بقوته وسيلة إلى إطاعة الأمم للإنجيل.

١٩ «بِقُوَّةِ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، بِقُوَّةِ رُوحِ ٱللّٰهِ. حَتَّى إِنِّي مِنْ أُورُشَلِيمَ وَمَا حَوْلَهَا إِلَى إِللِّيرِيكُونَ، قَدْ أَكْمَلْتُ ٱلتَّبْشِيرَ بِإِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ».

أعمال ١٩: ١١ و٢كورنثوس ١٢: ١٢

ذكر بولس في هذه الآية بعض الأشياء التي فعلها المسيح بواسطته.

بِقُوَّةِ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ كالمعجزات التي صنعها في أفسس وغيرها (أعمال ١٤: ٣ و١٩: ١١ و١٢ و٢كورنثوس ١٢: ١٢ و١٥: ١٢ و١٦: ١٦). وسُميت هذه المعجزات آيات لأنها علامات حضور الله وقوته وشهادة بصدق رسوله. وسُميت عجائب لإنشائها العجب في قلوب المشاهدين.

بِقُوَّةِ رُوحِ ٱللّٰهِ العامل مع تبشيره في قلوب الناس ليقنعهم بالحق ويحملهم على قبول المسيح والإيمان به (غلاطية ٣: ٢ – ٥ وعبرانيين ٢: ٤). فالمسيح كان يشهد بأنه أرسل بولس بالعلامات الظاهرة والباطنة. وهذا مثل قوله لأهل كورنثوس «كَلاَمِي وَكِرَازَتِي لَمْ يَكُونَا بِكَلاَمِ ٱلْحِكْمَةِ ٱلإِنْسَانِيَّةِ ٱلْمُقْنِعِ، بَلْ بِبُرْهَانِ ٱلرُّوحِ وَٱلْقُوَّةِ» (١كورنثوس ٢: ٤).

حَتَّى إِنِّي مِنْ أُورُشَلِيمَ حيث ابتدأ خدمته (أعمال ٤: ٢٨ و٢٩ و٢٢: ١٨).

وَمَا حَوْلَهَا إِلَى إِللِّيرِيكُونَ أي كل الدائرة التي بين أورشليم والليريكون. والليريكون إحدى ولايات المملكة الرومانية إلى الشمال الغربي من مكدونية لم يذكر لوقا وصول بولس إليها لكن المرجح أنه أشار إلى ذلك بقوله «وَلَمَّا كَانَ قَدِ ٱجْتَازَ فِي تِلْكَ ٱلنَّوَاحِي (اي نواحي مكدونية) وَوَعَظَهُمْ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ، جَاءَ إِلَى هَلاَّسَ» (أعمال ٢٠: ٢) وكان ذلك سنة ٥٧ قرب الوقت الذي كتب فيه هذه الرسالة. والدائرة الواسعة التي بشر بولس فيها كانت تشتمل على دمشق وبلاد العرب وسورية وآسيا الصغرى ومكدونية وأخائية وهو جزء عظيم مما عُرف من المسكونة حينئذ.

قَدْ أَكْمَلْتُ ٱلتَّبْشِيرَ الخ أي قمت بما وجب علي باعتبار كوني رسولاً والمعنى أنه نادى بخلاصة الإنجيل وهي أن يسوع هو المسيح وأن الخلاص بالإيمان به وأنه أسس كنائس ورسم مبشرين فلا يلزم من قوله «أكملت التبشير» أنه لم يبق بعد ذلك من حاجة إلى المبشرين هناك.

٢٠ «وَلٰكِنْ كُنْتُ مُحْتَرِصاً أَنْ أُبَشِّرَ هٰكَذَا: لَيْسَ حَيْثُ سُمِّيَ ٱلْمَسِيحُ، لِئَلاَّ أَبْنِيَ عَلَى أَسَاسٍ لآخَرَ».

٢كورنثوس ١٠: ١٣ إلى ١٦

ذكر الرسول في هذه الآية مبدأ اعتمده في عمله الرسولي وهو أن لا ينادي بالإنجيل حيث نادى غيره. وأنه يؤسس كنائس حيث لم تؤسس. فإنه اعتبر العمل الرسولي افتتاح أماكن جديدة لدخول الإنجيل لا رعاية كنيسة معينة. وهذا من الأدلة على أن بطرس الرسول لم يكن في كنسية رومية وإلا لم يكتب بولس هذه الرسالة إليهم.

كُنْتُ مُحْتَرِصاً أي مجتهداً في مراعاة المبدإ الآتي.

لِئَلاَّ أَبْنِيَ عَلَى أَسَاسٍ لآخَرَ اعتبر ابتداء التبشير في مكان وضع أساس لكنيسة المسيح بدليل قوله «حَسَبَ نِعْمَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمُعْطَاةِ لِي كَبَنَّاءٍ حَكِيمٍ قَدْ وَضَعْتُ أَسَاساً، وَآخَرُ يَبْنِي عَلَيْهِ» (١كورنثوس ٣: ١٠ انظر أيضاً ٢كورنثوس ١٠: ١٥ و١٦). ومبدأه لا ينافي أن يعلم من آمنوا قبل تبشيره «لكي يمنحهم هبة روحية لثباتهم» (ص ١: ١١). على أن معظم عمله كان أن يبني كنائس حيث لم يبن أحد قبله. ولا يخفى ما يحتاج إليه الافتتاح الإنجيلي في بلاد وثنية من الشجاعة والنشاط والقوة والغيرة لمجد الله والمحبة لنفوس الناس والحكمة والفصاحة وكان بولس مشهوراً بتلك الصفات.

٢١ «بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: ٱلَّذِينَ لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ سَيُبْصِرُونَ، وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْمَعُوا سَيَفْهَمُونَ».

إشعياء ٥٢: ١٥

بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ في إشعياء ٥٢: ١٥ على ما في ترجمة السبعين. اجتهد بولس أن تكون مناداته بالمسيح بين الوثنيين على وفق هذه النبوءة.

٢٢ «لِذٰلِكَ كُنْتُ أُعَاقُ ٱلْمِرَارَ ٱلْكَثِيرَةَ عَنِ ٱلْمَجِيءِ إِلَيْكُمْ».

ص ١: ١٣ و١تسالونيكي ١: ١٧ و١٨

لِذٰلِكَ كُنْتُ أُعَاقُ الخ أي لمراعاتي مبدإي وانهماكي بالتبشير بالإنجيل حيث لم يناد به قبلاً.

٢٣ «وَأَمَّا ٱلآنَ فَإِذْ لَيْسَ لِي مَكَانٌ بَعْدُ فِي هٰذِهِ ٱلأَقَالِيمِ، وَلِي ٱشْتِيَاقٌ إِلَى ٱلْمَجِيءِ إِلَيْكُمْ مُنْذُ سِنِينَ كَثِيرَةٍ».

أعمال ١٩: ٢١ وص ١: ١١ وع ٣٢

لَيْسَ لِي مَكَانٌ بَعْدُ فِي هٰذِهِ ٱلأَقَالِيمِ إراد بهذه الأقاليم البلاد التي أشار إليها في ع ١٩ ومنها آسيا الصغرى وأخائية ومكدونية فإنه أكمل أعماله الرسولية هنالك إذ بشر حيث لم يبشر قبلاً بالمسيح وأسس كنائس وأسلمها إلى مشائخها (أعمال ٢٠: ١٧).

وَلِي ٱشْتِيَاقٌ إِلَى ٱلْمَجِيءِ إِلَيْكُمْ الخ كما قال في (ص ١: ٩ – ١٣) ولعله رغب في الذهاب إلى رومية لينادي بين الوثنيين لأن رومية كانت عاصمة الوثنية ومجتمع نواب كل شعوب الأرض فضلاً عن رغبته في مشاهدة الإخوة.

٢٤ «فَعِنْدَمَا أَذْهَبُ إِلَى ٱسْبَانِيَا آتِي إِلَيْكُمْ. لأَنِّي أَرْجُو أَنْ أَرَاكُمْ فِي مُرُورِي وَتُشَيِّعُونِي إِلَى هُنَاكَ، إِنْ تَمَلَّأْتُ أَوَّلاً مِنْكُمْ جُزْئِيّاً».

أعمال ١٥: ٣ ع ٣٢

إِلَى ٱسْبَانِيَا كانت أسبانيا يومئذ تشتمل على أسبانيا المعروفة اليوم والبرتغال وكانت أقصى الولايات الرومانية غرباً وكان سكانها كلهم وثنيين لم يسمعوا الإنجيل ولذلك رغب بولس في أن يذهب إليها ليبشرهم. ولا نعلم أذهب إليها أم لا. ظن بعضهم أنه ذهب إليها في المدة بين إطلاقه من الأسر الأول وبداءة الأسر الثاني نحو سنة ٦٥ و٦٦ ب. م (انظر الجدول في تفسير سفر الأعمال على صفحة ٣٦٦).

أَرَاكُمْ فِي مُرُورِي لأن رومية على الطريق بين أورشليم وأسبانيا.

وَتُشَيِّعُونِي إِلَى هُنَاكَ هذا بعد أن يمكث عندهم قليلاً لأنه لم ير من حاجة إلى طول الإقامة إذ كان الإنجيل قد بُشر به هناك والكنيسة قد أُسست. وتوقع تشييع الإخوة له لما عهده من العادة وقتئذ هناك (أعمال ١٥: ٣ و١٧: ١٤ و١٥ و٢٠: ٣٨ و٢١: ٥ و١كورنثوس ١٦: ٦ – ١١ و٢كورنثوس ١: ١٦ و٣يوحنا ٦).

تَمَلَّأْتُ أَوَّلاً مِنْكُمْ أي امتلأ قلبي مسرّة وتعزية بمشاهدتهم فهو كقوله «لِنَتَعَزَّى بَيْنَكُمْ بِٱلإِيمَانِ ٱلَّذِي فِينَا جَمِيعاً، إِيمَانِكُمْ وَإِيمَانِي» (ص ١: ١٢).

جُزْئِيّاً أي بعض التملئ لأنه لم يأمل إلا أن يكون تسليمه وداعاً.

٢٥ «وَلٰكِنِ ٱلآنَ أَنَا ذَاهِبٌ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَخْدِمَ ٱلْقِدِّيسِينَ»

أعمال ١٩: ٢١ و٢٠: ٢٢ و٢٤: ١٧

ذكر في هذه الآية علّة عدم ذهابه إلى رومية في الحال.

لأَخْدِمَ ٱلْقِدِّيسِينَ أي ليحمل إلى فقرائهم الصدقات التي جمعها من كنائس آسيا ومكدونية وأخائية وهذا كقول لوقا «لَمَّا كَمَلَتْ هٰذِهِ ٱلأُمُورُ، وَضَعَ بُولُسُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ بَعْدَمَا يَجْتَازُ فِي مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ يَذْهَبُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، قَائِلاً: إِنِّي بَعْدَ مَا أَصِيرُ هُنَاكَ يَنْبَغِي أَنْ أَرَى رُومِيَةَ أَيْضاً» (أعمال ١٩: ٢١ انظر أيضاً أعمال ٢٠: ٢ و٣) وهذا على وفق قول بولس أمام فيلكس «وَبَعْدَ سِنِينَ كَثِيرَةٍ جِئْتُ أَصْنَعُ صَدَقَاتٍ لأُمَّتِي وَقَرَابِينَ» (أعمال ٢٤: ١٧).

٢٦، ٢٧ «٢٦ لأَنَّ أَهْلَ مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ ٱسْتَحْسَنُوا أَنْ يَصْنَعُوا تَوْزِيعاً لِفُقَرَاءِ ٱلْقِدِّيسِينَ ٱلَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ. ٢٧ ٱسْتَحْسَنُوا ذٰلِكَ، وَإِنَّهُمْ لَهُمْ مَدْيُونُونَ! لأَنَّهُ إِنْ كَانَ ٱلأُمَمُ قَدِ ٱشْتَرَكُوا فِي رُوحِيَّاتِهِمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَخْدِمُوهُمْ فِي ٱلْجَسَدِيَّاتِ أَيْضاً».

١كورنثوس ١٦: ١ و٢ و٢كورنثوس ٨: ١ و٩: ٢ و١٢ ص ١١: ١٧ و١كورنثوس ٩: ١١ وغلاطية ٦: ٦

هاتان الآيتان إيضاح لغايته من سفره إلى أورشليم وهما مثل ما في (٢كورنثوس ٨: ١ – ٦ و٩: ١ و٢).

مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ هما ولايتان من الولايات الرومانية في أوربا كان أصل سكانها من الأمم تنصر كثيرون منهم بتبشير بولس. وكان أكبر كنائس مكدونية كنيسة فيلبي وكنيسة تسالونيكي (أعمال ١٦: ١٢ و١٧: ١). وأكبر مدن أخائية كورنثوس (أعمال ١٧: ١٦ و١٨: ١).

ٱسْتَحْسَنُوا أَنْ يَصْنَعُوا تَوْزِيعاً أي سروا أن يجمعوا مال الإحسان تبرعاً وهذا لا ينافي حث بولس إياهم على ذلك مراراً كثيرة فإنه أشار عليهم أن يجمعوا كل يوم أحد ما تيسر لهم من ذلك (١كورنثوس ١٦: ١ و٢).

وَإِنَّهُمْ لَهُمْ مَدْيُونُونَ قال الرسول أن هذا الإحسان إيفاء لدَين فوق إنه آية الشفقة للعلّة التي ستُذكر.

ٱلأُمَمُ قَدِ ٱشْتَرَكُوا فِي رُوحِيَّاتِهِمْ أي أن مؤمني الأمم حصلوا على الإنجيل بواسطة اليهود. إن كنيسة أورشليم هي أم الكنائس المسيحية ومنها انتشر الدين المسيحي في مكدونية وهو أعظم البركات. فيجب على الأمم الذين شاركوا يهود أورشليم في البركات الروحية أن يشاركوا محتاجي اليهود في المنافع الجسدية وهي أقل قيمة من تلك البركات. والذي أوجب عليهم إيفاء الدين الله وضمائرهم لا إخوتهم المحتاجون في أورشليم. وبهذا الحكم أوجب الرسول على المسيحيين أن يقوموا بنفقات رعاتهم (١كورنثوس ٩: ١١) وأثبت أن كل من بُشر بالإنجيل مديون لمبشره وأنه يستطيع إيفاء بعض دينه بأن يعوله.

٢٨ «فَمَتَى أَكْمَلْتُ ذٰلِكَ، وَخَتَمْتُ لَهُمْ هٰذَا ٱلثَّمَرَ، فَسَأَمْضِي مَارّاً بِكُمْ إِلَى ٱسْبَانِيَا».

فيلبي ٤: ١٧

فَمَتَى أَكْمَلْتُ ذٰلِكَ أي خدمتي لفقراء القديسين الذين في أورشليم.

وَخَتَمْتُ لَهُمْ هٰذَا ٱلثَّمَرَ هذا مجاز حقيقته تسليمه مال الإحسان إلى كنيسة أورشليم وهو ثمر (أي علامة) محبة مؤمني الأمم وإيمانهم وسخائهم.

فَسَأَمْضِي مَارّاً بِكُمْ إِلخ قصد أن يذهب بعد قليل من أورشليم إلى رومية ومنها إلى أسبانيا فذهب إلى أورشليم كما قصد وأُمسك هناك وأُرسل إلى قيصرية وبقي فيها سنتين مسجوناً (سنة ٥٨ و٥٩ ب. م). ثم أُرسل إلى رومية أسيراً وبقي فيها سنتين من سنة ٦٠ إلى سنة ٦٢. وليس لنا تاريخ يعتمد في ما فعله بعد ذلك ولا نعلم هل ذهب إلى أسبانيا أو لم يذهب والأرجح أنه ذهب إليها. انظر تفسير أعمال الرسل صفحة ٣٦٤.

٢٩ «وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي إِذَا جِئْتُ إِلَيْكُمْ سَأَجِيءُ فِي مِلْءِ بَرَكَةِ إِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ».

ص ١: ١١

وَأَنَا أَعْلَمُ أي أتيقن وهذا مبني على اختباره ما حدث في سائر الأماكن التي ذهب إليها.

مِلْءِ بَرَكَةِ إِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ وثق بأن الله يجعله باعتبار كونه خادماً ورسولاً للمسيح واسطة منحهم وافر البركات الروحية العظيمة الناتجة عن التبشير بالإنجيل وقبوله في قلوبهم وهذا موافق لقوله في أول الرسالة «لأَنِّي مُشْتَاقٌ أَنْ أَرَاكُمْ، لِكَيْ أَمْنَحَكُمْ هِبَةً رُوحِيَّةً لِثَبَاتِكُمْ» (ص ١: ١٠ و١١).

ذهب بولس إلى رومية بوسيلة لم يتوقعها وسُجن فيها سنتين على خلاف ما قصد لكن كان له فرصة لتبشير كل الذين أتوا إلى بيته (أعمال ٢٨: ٣٠) ولا ريب في أنه حصل على غايته وهي إفادته كنيسة رومية كثيراً.

٣٠ «فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ، بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَبِمَحَبَّةِ ٱلرُّوحِ، أَنْ تُجَاهِدُوا مَعِي فِي ٱلصَّلَوَاتِ مِنْ أَجْلِي إِلَى ٱللّٰهِ».

فيلبي ١: ٢ و٢كورنثوس ١: ١١ وكولوسي ٤: ١٢

بنى طلبه إلى الكنيسة الصلاة من أجله على محبتهم للمسيح ورغبتهم في تمجيده وامتداد ملكوته لتعلّق ذلك بخدمة الرسول.

وَبِمَحَبَّةِ ٱلرُّوحِ أي بما أنشأه الروح القدس في قلوبكم من حبكم إياي حباً أخوياً. قال ذلك لأن هذه المحبة تربط بعض قلوب المؤمنين ببعض وإن لم يشاهد بعضهم بعضاً كما كان بينه وبين معظم مؤمني رومية.

أَنْ تُجَاهِدُوا مَعِي فِي ٱلصَّلَوَاتِ أي أن تصلوا بحرارة وإلحاح. ولعل في العبارة تلميحاً إلى قول الله ليعقوب وهو يُصلي «أَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ ٱللّٰهِ وَٱلنَّاسِ وَقَدِرْتَ» (تكوين ٣٢: ٢٨). وأراد بقوله «معنى» أن يتفقوا معه على الطلب بغية الحصول على ما وعد به المسيح بقوله «َأَقُولُ لَكُمْ أَيْضاً: إِنِ ٱتَّفَقَ ٱثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى ٱلأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (متّى ١٨: ١٩).

٣١ «لِكَيْ أُنْقَذَ مِنَ ٱلَّذِينَ هُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ، وَلِكَيْ تَكُونَ خِدْمَتِي لأَجْلِ أُورُشَلِيمَ مَقْبُولَةً عِنْدَ ٱلْقِدِّيسِينَ».

٢تسالونيكي ٣: ٢ و٢كورنثوس ٨: ٤

ذكر الرسول في هذه الآية والتي تليها ثلاثة أمور أراد أن مؤمني رومية يصلّون معه من أجلها.

لِكَيْ أُنْقَذَ مِنَ ٱلَّذِينَ هُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ كان هؤلاء أشد أعداء بولس منذ آمن بالمسيح وأخذ يبشر بالإنجيل لأنهم حسبوه مرتداً عن إيمان آبائهم (أعمال ١٤: ٢ و٢١: ٢١ و٢٧ و٢كورنثوس ١١: ٢٤). واختباره عداوتهم في الماضي جعله يتوقعها ويخافها في ذهابه إلى أورشليم وحدث كما توقع فإنه ما نجا من أن يقتلوه إلا بعد أن بذل الأمير ليسياس كل الجهد في أنقاذه (أعمال ٢١: ٣١) ولشدة بغضهم له اضطر أن يرفع دعواه إلى قيصر فيحتمي به.

وَلِكَيْ تَكُونَ خِدْمَتِي لأَجْلِ أُورُشَلِيمَ مَقْبُولَةً الخ أي حمله الصدقات إلى كنيستها. كان بعض الإخوة في أورشليم يبغضونه ويعترضون عليه بأنه أدخل الأمم إلى شركة الكنيسة دون أن يخضعوا لشريعة موسى الرمزية (أعمال ٢١: ٢١) فخاف أن يحملهم بغضهم له وحسدهم لمؤمني الأمم على رفض ما حمله إليهم من صدقاتهم على أنه كان يرجو أن إتيانه إليهم بتلك الصدقات يكون وسيلة إلى كسبه رضاهم وثقتهم به وبكنائس الأمم أيضاً. ونستدل مما كتبه لوقا في الأصحاح الحادي والعشرين من سفر الأعمال أن تلك الصدقات جاءت بالغاية التي رجاها.

٣٢ «حَتَّى أَجِيءَ إِلَيْكُمْ بِفَرَحٍ بِإِرَادَةِ ٱللّٰهِ، وَأَسْتَرِيحَ مَعَكُمْ».

ص ١: ١٠ أعمال ١٨: ٢١ و١كورنثوس ٤: ١٩ ويعقوب ٤: ١٥ و١كورنثوس ١٦: ١٨ و٢كورنثوس ٧: ١٣ و٢تيموثاوس ١: ١٦ وفليمون ٧ و٢٠

حَتَّى أَجِيءَ إِلَيْكُمْ هذا الأمر الثالث مما سألهم أن يصلّوا معه من أجله وهو أن لا يحصل شيء يمنعه من المجيء إليهم.

بِفَرَحٍ لي بمشاهدتكم ولكم بإفادتي إياكم.

بِإِرَادَةِ ٱللّٰهِ أي برضاه وهدايته إياي إليكم بحكمته وعنايته.

وَأَسْتَرِيحَ مَعَكُمْ من الأتعاب والهموم التي قاسيتها في ما مضى وأتعزى بمحادثكم وأتقوى للخدمة التي أتوقعها في أسبانيا. إن الله استجاب هذه الطلبة لكن في غير الطريق التي انتظرها (أعمال ٢٨: ١٥ و١٦).

٣٣ «إِلٰهُ ٱلسَّلاَمِ مَعَكُمْ أَجْمَعِينَ. آمِينَ».

ص ١٦: ٢٠ و١كورنثوس ١٤: ٣٣ و٢كورنثوس ١٣: ١١ وفيلبي ٤: ٩ و١تسالونيكي ٥: ٢٣ و٢تسالونيكي ٣: ١٦ وعبرانيين ١٣: ٢٠

سألهم في ع ٣٠ إن يصلّوا من أجله وأخذ هنا يصلّي من أجلهم وكانت صلاته طلبة واحدة لكنها شملت كل البركات التي تؤكد سعادة النفس لأن كون إله السلام معهم يؤكد أنه يمنحهم السلام. وكثيراً ما طلب بولس هذه الطلبة لمن كتب إليهم (ص ١٦: ٢٠ و٢كورنثوس ١٣: ١١ وفيلبي ٤: ٩ و١تسالونيكي ٥: ٣ و٢تسالونيكي ٣: ١٦ وعبرانيين ١٣: ٢٠).

فوائد

  1. إنه يجب أن يكون اجتهاد الإنسان في إرضاء غيره بمقتضى الحكمة ولغاية صالحة فلا يجوز أن يرضيه لإضرار له أو لربح منه بل لنفعه لأجل البنيان (ع ٢).
  2. إن الله قصد بالكتب المقدسة نفع الناس في كل زمان وهي مصدر العلم الديني والتعزية (ع ٤).
  3. إنه يجب على الإنسان أن يسأل الله مع قراءة الكتاب المقدس إرشاد الروح القدس وتأثيره لأنه لا قوة للكتاب من تلقاء نفسه ولا من كثرة درسه (ع ٤ و٥ و١٣).
  4. إنه يجب على المسيحي أن يتخذ سجايا المسيح وسيرته مثالاً له فإننا كلما تأملنا في تنازله مع سمو مقامه وفي شدة آلامه وعظمة محبته لنا أوجبنا التواضع على أنفسنا بالنظر إلى تقصيرنا عن الاقتداء به وعن رغبتنا في أن نسير سيرته (ع ٣ و٥).
  5. إن الفضائل التي يجب بذل الجهد في تحصيلها ليست سوى مواهب من الله وهذا يستلزم أمرين الأول وجوب اجتهاد الإنسان والثاني اعترافه بشدة الافتقار إلى نعمته تعالى (ع ٥ و١٣).
  6. إن المخاصمات بين المسيحيين إهانة لله وأن اتحادهم تمجيد له (ع ٥ – ٧).
  7. إنه يجب على المسيحيين أن يقبلوا من قبله المسيح فليس أن يضعوا للقبول في الكنيسة شرطاً لم يضعه الله (ع ٧).
  8. إنه بمقتضى الإنجيل لا فرق بين اليهود والأمم في أن شرط الخلاص واحد لكل من الفريقين وكذا البركات الموعود بها (ع ٨ – ١٢).
  9. إن كتبة العهد الجديد صدقوا أسفار الأنبياء باقتباسهم منها واستدلالهم بأقوالها. وتلك الأسفار جزء كبير من كتاب العهد القديم الذي اعتبره اليهود كتاب الله فكتبة العهد الجديد أثبتوا بذلك أن أسفار العهد القديم كلها من وحي الله وإلهامه (ع ٩ – ١٢).
  10. إنه يجب على من يتولى نصح الناس وإرشادهم أن يكون محباً صالحاً متواضعاً فضلاً عن كونه عالماً مختبراً وإلا فلا نفع من نصحه وإرشاده إذ من طبع الإنسان أنه يرفض نصح من نصحه بالكبرياء والانتقاد والاستخفاف والغيظ وسيرته منافية لمقتضى نصحه. ومن أحسن من يُقتدى بهم في ذلك بولس الرسول فإنه كان ينصح ويرشد باللطف والمحبة والتواضع والحكمة (ع ١٤ و١٥).
  11. إن القسوس ليسوا بكنهة لأنه من شأن الكهنة أن يكفّروا عن الشعب بالذبائح والمسيح بتقديم نفسه مرة ذبيحة عن الخطايا أكمل إلى الأبد المقدسين فليس لنا الآن كاهن سواه. والمسيحيون كلهم كهنة بمعنى أنه صار لهم حق القرب من عرش الله بواسطة المسيح وأن يقدموا أنفسهم ذبائح حية مقدسة (ع ١٦).
  12. إنه يحظر على كل إنسان أن يدّعي ما لغيره فأكثر المعلمين والمبشرين اليوم يعلّمون ويبشرون حيث سبقهم غيرهم إلى ذلك فلا يجوز لهم أن يفتخروا بأعمال من سبقهم بطريق نسبتها إلى أنفسهم فإنه كثيراً ما يحدث في الروحيات أن يكون الحاصد غير الزارع فيزرع الواحد ويسقي الآخر وإنما الله الذي ينمي فلا فخر إلا به (ع ١٩ و٢٠).
  13. إنه يجب علينا أن نساعد المحتاجين على قدر طاقتنا ولا سيما الذين نفعونا قبلاً (ع ٢٦ و٢٧).
  14. إنه يجب علينا أن لا نتخذ التحامل علينا علّة لامتناعنا عن طلب الخير للمتحاملين. إن متنصري اليهود في أورشليم تحاملوا على بولس وظنوه من أعداء الحق ومع ذلك بذل جهده في جمع الصدقات لهم واجتهد في أن تكون خدمته إياهم مرضية (ع ٣١).
  15. إن المعاشرة المسيحية من احسن وسائل الراحة والتعزية للذي يتعب في خدمة الرب فإن بولس مع كونه من أول خدمة المسيح اشتهى أن يتمتع بمعاشرة مؤمني رومية مع أن كثيرين منهم كانوا من محتقري العالم (ع ٣٢).
  16. إنه لا يجوز لنا أن نعرّض أنفسنا للخطر بلا داع ولا أن نهرب منه ونحن نقوم بالواجبات بل نثبت متكلين على الله (ع ٣١).
  17. إن للصلاة نفعاً عظيماً فإن بولس سأل صلوات مسيحي رومية لكي يقيه الله من الأخطار وأن يعطف قلوب الناس إليه ولم يسألهم ذلك إلا وهو يعتبر نفع تلك الصلوات ويتيقنه. ولا ريب في أن صلوات الأتقياء من أجل إنسان من أحسن البركات لذلك الإنسان (ع ٣٠ و٣١).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى