الرسالة إلى رومية | 14 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح الرسالة إلى رومية
للدكتور . وليم إدي
الأصحاح الرابع عشر
ما يجب على المؤمنين لإخوتهم الذين اختلفوا عنهم في بعض الآراء والأعمال غير الجوهرية في الدين وأخصها ما يتعلق بأكل اللحم وحفظ الأعياد اليهودية ع ١ إلى ٢٣
١ «وَمَنْ هُوَ ضَعِيفٌ فِي ٱلإِيمَانِ فَٱقْبَلُوهُ، لاَ لِمُحَاكَمَةِ ٱلأَفْكَارِ».
ص ١٥: ١ و٧ و١كورنثوس ٨: ٩ و١١ و٩: ٢٢
مَنْ هُوَ ضَعِيفٌ فِي ٱلإِيمَانِ أشار بهذا إلى قسم من المؤمنين في كنيسة رومية اعتقدوا أن يسوع هو المسيح واتكلوا عليه للخلاص ولكن إيمانهم كان في بعض الأمور ضعيفاً لأنهم كانوا عرضة لبعض الشكوك والأوهام الناتجة عن ريبهم أن المسيح حرّر المؤمن من وجوب حفظ الرسوم اليهودية وعن نقص معرفتهم أن العبادة الإنجيلية روحية. ولا نعلم إتمام العلم من هم أولئك الإخوة الضعفاء. ظن بعضهم أنهم متنصروا اليهود في رومية وهم الذين أوجبوا حفظ الرسوم الموسوية لكن الذين أشار بولس إليهم هنا حرّموا أكل كل نوع من اللحوم (ع ٢) والخمر (ع ٢١) وهما لم يحرّما في شريعة موسى. وظن آخر أنهم هم الذين حرّموا اللحم والخمر اللذين قُدما أولاً في الهياكل والولائم الوثنية وهم المشار إليهم في (١كورنثوس ٩: ٤ – ١٣) ولكن القرينة لا تدل على أنهم كذلك. فالمرجح أنهم المتنصرون من الفرقة اليهودية المعروفة بالأسينية وذكر الكلام عليها في تفسير (ع ٧ من ص ٣ من بشارة متّى). وكان من جملة عقائدهم أن الدين يوجب التقشفات وقهر الجسد وأشار الرسول إليه أيضاً في (كولوسي ٢: ١٦ – ٢٣). قال يوسيفوس المؤرخ في كلامه على يهود رومية أن بعضهم امتنع كل الامتناع عن أكل اللحم خيفة أن يتدنسوا بأكل ما تنجس منه.
فَٱقْبَلُوهُ عضواً في الكنيسة وأخاً.
لاَ لِمُحَاكَمَةِ ٱلأَفْكَارِ أي لا للجدال في أمور مبهمة أو لا للحكم عليهم بالأخطاء أو الإصابة والتوبيخ لهم على مخالفتهم لكم. وهذا يستلزم وجوب اجتنابهم الجدال والحكم ووجوب أن يعلّموهم جوهريات الدين وروحانية العبادة آملين أن الضعيف سيقوى.
إن كنيسة رومية كانت مؤلفة من متنصري اليهود والأمم وكان الفريقان قبل التنصر على غاية الخلاف في المعارف والعوائد والعقائد والعبادة فكان لا بد من توقّع اختلافهم بعد تنصرهم. وكتب الرسول هذا الأصحاح ليحثهم على احتمال بعضهم بعضاً وحفظ السلام وعدم التعرّض لأخيه في عرضيات الديانة.
٢ «وَاحِدٌ يُؤْمِنُ أَنْ يَأْكُلَ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَمَّا ٱلضَّعِيفُ فَيَأْكُلُ بُقُولاً».
ع ١٤ و١كورنثوس ١٠: ٢٥ و١تيموثاوس ٤: ٤ وتيطس ١: ١٥
وَاحِدٌ يُؤْمِنُ أَنْ يَأْكُلَ كُلَّ شَيْءٍ هذا الأخ يكون قوياً في الإيمان فلا يرى فرقاً عند الله بين طعام وطعام لاعتقاده «أن ملكوت الله ليس أكلاً وشرباً» (ع ١٧). والأرجح أن هذا يوناني الأصل لم يتعلم كاليهودي أن يميّز بين الطاهر والنجس في اللحوم.
وَأَمَّا ٱلضَّعِيفُ الذي لم يتمكن في مبادئ الحرية المسيحية التي يستحقها المتبرّر بالإيمان فيتبع آراء الأسينيين (Essenes) والباطنيين.
فَيَأْكُلُ بُقُولاً فقط لتوهمه أن أكل اللحم حرام بالذات كما في (كولوسي ٢: ١٠ – ٢٣ و١تيموثاوس ٤: ١ – ٨) أو لخوفه من أن يأكل ما قُدِّم من اللحم للأوثان فيكون شريكاً للوثنيين في عبادتهم كما في (١كورنثوس ١٠: ٢٠ – ٣٢) قال الكتاب أن دانيال وأرفاقه وهم في قصر الملك في بابل امتنعوا عن أطائب الملك وخمره خيفة أن يتنجسوا فاقتصروا على أكل القطاني (دانيال ١: ٨ – ١٦).
٣ «لاَ يَزْدَرِ مَنْ يَأْكُلُ بِمَنْ لاَ يَأْكُلُ، وَلاَ يَدِنْ مَنْ لاَ يَأْكُلُ مَنْ يَأْكُلُ لأَنَّ ٱللّٰهَ قَبِلَهُ».
كولوسي ٢: ١٦
لاَ يَزْدَرِ مَنْ يَأْكُلُ بِمَنْ لاَ يَأْكُلُ لا يحتقر القوي الضعيف لأوهامه ونقص معرفته.
وَلاَ يَدِنْ مَنْ لاَ يَأْكُلُ مَنْ يَأْكُلُ لا يحكم الضعيف على القوي بأنه خطئ لأكله محرماً ويستنتج من ذلك أنه ليس مسيحياً.
لأَنَّ ٱللّٰهَ قَبِلَه مسيحياً حقيقياً من جملة المفديين وهذا القول موجه إلى الاثنين الضعيف والقوي فإن الله لم يجعل شرط قبوله الناس أكل اللحم أو أكل البقول فإذاً لا يحق للمسيحيين أن يجعلوا شيئاً منهما شرطاً لقبولهم إياهم أعضاء في الكنيسة.
٤ «مَنْ أَنْتَ ٱلَّذِي تَدِينُ عَبْدَ غَيْرِكَ؟ هُوَ لِمَوْلاَهُ يَثْبُتُ أَوْ يَسْقُطُ. وَلٰكِنَّهُ سَيُثَبَّتُ، لأَنَّ ٱللّٰهَ قَادِرٌ أَنْ يُثَبِّتَهُ».
يعقوب ٤: ١٢
مَنْ أَنْتَ ٱلَّذِي تَدِينُ عَبْدَ غَيْرِكَ؟ أي لا حق لك أن تدين عبد غيرك إذ لم يأمرك سيده بذلك ولم يترك لك شريعة فيه بل ترك الأمر لاستحسانه فإن سيده المسيح لم يضع شريعة في الأطعمة يبني عليها الحكم فإذاً لا يحق لك أن تدينه. وهذا يدلنا على أن كل مؤمن تحت المسؤولية للمسيح باعتبار كونه رأس الكنيسة فهو الذي يدين وهو الذي يبرّر الآن وفي يوم الدين وأنه لا يسوغ لأحد أن يفرض على الكنيسة ما لم يفرضه الله وأنه يجب علينا أن نتمسك بالجوهريات ونتساهل بالعرضيات. فلا شيء في هذه الآية يمنع تأديب الكنيسة للمخالفين في الأمور التي أمر الله بها أو نهى عنها أو جعلها شرط دخولها ما جعله شرطاً لذلك.
وَلٰكِنَّهُ سَيُثَبَّتُ الخ ظن الضعيف أخاه الذي يأكل لحماً لا يقدر أن يثبت في الإيمان والقداسة لأنه عرّض نفسه بذلك للتجربة والخطيئة ولكن الرسول حقق له أن المسيح قادر أن يثبته وأنه يفعل ذلك. ولعل معناه أن الله يبرّره في هذا الأمر لأنه يعطيه نعمة لكي يفعل ما يرضيه.
٥ «وَاحِدٌ يَعْتَبِرُ يَوْماً دُونَ يَوْمٍ، وَآخَرُ يَعْتَبِرُ كُلَّ يَوْمٍ فَلْيَتَيَقَّنْ كُلُّ وَاحِدٍ فِي عَقْلِهِ».
غلاطية ٤: ١٠ وكولوسي ٢: ١٦
في هذه الآية قضية أخرى اختلف فيها الإخوة أُوجب فيها التساهل.
وَاحِدٌ يَعْتَبِرُ يَوْماً دُونَ يَوْمٍ في هذا إشارة إلى الأعياد والاحتفالات اليهودية فإن المؤمنين من الأمم لم يعتبروها واجبة الحفظ ولكن المؤمنين من اليهود لاعتيادهم إياها أوجبوا حفظها وتمسكوا بها. ويدل على أن هذا معنى العبارة القرينة وما جاء في (غلاطية ٤: ١٠ وكولوسي ٢: ١٦). فاعتبار بعض مؤمني رومية لتلك الأعياد ضعف عرضي لا من جوهريات الدين فلا يجوز أن يكون مانعاً من سلام الكنيسة واتفاق الإخوة.
إن يوم الراحة غير مقصود هنا لأن هذا اليوم ليس بعيدٍ يهودي لأن الله أمر به قبل إعطاء الشريعة الموسوية بنحو ١٥٠٠ سنة فجعله فرضاً أبدياً على كل أمم الأرض.
وَآخَرُ يَعْتَبِرُ كُلَّ يَوْمٍ أي يعتبر يوم العيد كغيره من الأيام لا مزّية له عليه.
لْيَتَيَقَّنْ كُلُّ وَاحِدٍ فِي عَقْلِهِ أي لينظر في حكم الكتاب في الأمر ثم يعمل بمقتضى حكم ضميره ولا يجبر نفسه على العمل بمقتضى أوهام غيره ولا يبكّت غيره على عمله.
٦ «ٱلَّذِي يَهْتَمُّ بِٱلْيَوْمِ فَلِلرَّبِّ يَهْتَمُّ، وَٱلَّذِي لاَ يَهْتَمُّ بِٱلْيَوْمِ فَلِلرَّبِّ لاَ يَهْتَمُّ. وَٱلَّذِي يَأْكُلُ فَلِلرَّبِّ يَأْكُلُ لأَنَّهُ يَشْكُرُ ٱللّٰهَ، وَٱلَّذِي لاَ يَأْكُلُ فَلِلرَّبِّ لاَ يَأْكُلُ وَيَشْكُرُ ٱللّٰهَ».
١كورنثوس ١٠: ٣١ و١تيموثاوس ٤: ٣
ٱلَّذِي يَهْتَمُّ بِٱلْيَوْمِ لاعتباره إياه مقدساً.
فَلِلرَّبِّ يَهْتَمُّ يحفظ العيد إرضاء لله ورغبة في عبادته لأن غايته حسنة فلا نحتقره ولا نوبخه مع أننا نعرف أنه غير مكلف بذلك وأنه أتاه خطأ لنقص معرفته أن المسيح أكمل كل الرسوم الشرعية التي هي ظل الأمور الآتية ورفعها عنّا.
فَلِلرَّبِّ لاَ يَهْتَمُّ بحفظ العيد أي أنه يمتنع عن حفظ العيد إكراماً للرب كما أن المهتم اهتم به كذلك حفظ العيد إكراماً للرب كما أن المهتم اهتمّ به كذلك.
وَٱلَّذِي يَأْكُلُ لحماً (ع ٢).
فَلِلرَّبِّ يَأْكُلُ كمن يكرمه تعالى ويخدمه فإنه يأكل لكي يقوى على ذلك وهذا على وفق قوله «فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئاً، فَٱفْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ ٱللّٰهِ» (١كورنثوس ١٠: ٣١).
وَيَشْكُرُ ٱللّٰهَ على ما يأكله من اللحم طالباً بركته. وهذا دليل قاطع على أنه يأكل للرب.
وَٱلَّذِي لاَ يَأْكُلُ الخ أي الذي لا يأكل لحماً لتوهّمه أن الله حرّمه ويقتصر على أكل البقول (ع ٢) فهو يشكر الله عليها ويُظهر أنه يتقي الله ويكرمه مع أن اللحم لم يُحرم عليه.
وما جاء في هذه الآية دليل على أن المؤمنين الأولين كان من عادتهم أن يشكروا الله على الطعام وكذا يجب علينا تمثلاً بالمسيح (متّى ١٤: ١٩ و١٥: ٣٦ و٢٦: ٢٦ ومرقس ٦: ٤١ و١٤: ٢٢ ولوقا ٩: ١٦ و٢٤: ٣٠).
٧ «لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَّا يَعِيشُ لِذَاتِهِ وَلاَ أَحَدٌ يَمُوتُ لِذَاتِهِ».
١كورنثوس ٦: ١٩ و٢٠ وغلاطية ٢: ٢٠ و١تسالونيكي ٥: ١٠ و١بطرس ٤: ٢
لَيْسَ أَحَدٌ مِنَّا يَعِيشُ لِذَاتِهِ إن الذي يعيش لذاته هو من يؤثر لذته وشرفه وغناه على مجد الله والنفع للناس. فالرسول نفى هنا أنه أو أن غيره من المؤمنين أتى ذلك كأن ذلك يستحيل على تلاميذ ذاك الذي قال «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي» (متّى ١٦: ٢٤).
وَلاَ أَحَدٌ يَمُوتُ لِذَاتِهِ إن المؤمن يرغب في أن يمجّد الله بموته كما يمجّده بحياته (فيلبي ١: ٢٠ ورؤيا ١٤: ١٣) والعيشة والموت يعمّان كل ما للإنسان والمسيحي الحقيقي يقف كل دقيقة من دقائق حياته من أولها إلى آخرها للرب. قال الرسول إن هذا قانون جميع المؤمنين وهو يمنع أن يأكل أحدٌ لحماً أو بقولاً وأن يعتبر يوماً دون آخر لمجرد لذته أو شهوته أو راحته. فإذاً على كل واحد من المسيحيين أن يعتبر أخاه خادماً أميناً للرب مستحقاً لمحبة إخوته وثقتهم به وإن اختلف عنهم في بعض العرضيات في الدين.
٨ «لأَنَّنَا إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ».
ما قاله الرسول في ع ٧ بطريق السلب قاله في هذه الآية بطريق الإيجاب. قال هنالك «من المحال أن يعيش المسيحي ويموت لنفسه» وقال هنا «إنه يعيش ويموت للمسيح ومجده» ويرى أنه مضطر أن يقف حياته من أولها إلى آخرها للعمل بمقتضى إرادته وتمجيد اسمه بوقف أعضاء جسده وقوى عقله ومشيئته وضميره ومحبة قلبه وعبادته له على وفق قوله «أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱلَّذِي فِيكُمُ، ٱلَّذِي لَكُمْ مِنَ ٱللّٰهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟» (١كورنثوس ٦: ١٩). وهذا أعظم تقدمة يمكن الإنسان أن يقدمها. وتقديمها للمسيح ووضع اسمه موضع الرب (ع ٩) دليل على أن المسيح هو الله وأنه مساوٍ للآب. ووجوت تلك الخدمة مبني على عمل الفداء بدليل قوله «لأَنَّكُمْ قَدِ ٱشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا ٱللّٰهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ ٱلَّتِي هِيَ لِلّٰهِ» (١كورنثوس ٦: ٢٠ و٧: ٢٣).
٩ «لأَنَّهُ لِهٰذَا مَاتَ ٱلْمَسِيحُ وَقَامَ وَعَاشَ، لِكَيْ يَسُودَ عَلَى ٱلأَحْيَاءِ وَٱلأَمْوَاتِ».
٢كورنثوس ٥: ١٥ أعمال ١٠: ٣٦
في هذه الآية علّة كون المؤمنين للمسيح وهي كون موته كفارة عنهم وقيامته إحياء لهم وهذا جعل له حق السيادة عليهم كما أبان بقوله «لِذٰلِكَ رَفَّعَهُ ٱللّٰهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ ٱسْماً فَوْقَ كُلِّ ٱسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِٱسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي ٱلسَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى ٱلأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ ٱلأَرْضِ» (فيلبي ٢: ٩ و١٠ انظر أيضاً أفسس ١: ٢٠ و٢١ وعبرانيين ٢: ٩ و١٠ و١٢: ٢ ورؤيا ٥: ٩).
لِكَيْ يَسُودَ عَلَى ٱلأَحْيَاءِ وَٱلأَمْوَاتِ أي على المفديين الذين نُقلوا كما على الباقين على وجه الأرض لأن تغيير المكان لا يغير نسبتهم إليه ولا محبتهم وطاعتهم له (متّى ٢٢: ٣٢ ومرقس ١٢: ٢٧).
١٠ «وَأَمَّا أَنْتَ فَلِمَاذَا تَدِينُ أَخَاكَ؟ أَوْ أَنْتَ أَيْضاً، لِمَاذَا تَزْدَرِي بِأَخِيكَ؟ لأَنَّنَا جَمِيعاً سَوْفَ نَقِفُ أَمَامَ كُرْسِيِّ ٱلْمَسِيحِ».
متّى ٢٥: ٣١ و٣٢ وأعمال ١٠: ٤٢ و١٧: ٣١ و٢كورنثوس ٥: ١٠ ويهوذا ١٤ و١٥
وَأَمَّا أَنْتَ أيها الأخ اليهودي الضعيف الذي يأكل بقولاً ويحفظ الأعياد اليهودية فلماذا تدين أخاك اليوناني كأنه متعد شريعة الله بأكله اللحم وعدم حفظه الأعياد الموسوية.
أَوْ أَنْتَ أَيْضاً أيها الأخ اليوناني القوي ليس لك أن تستخف بأخيك الضعيف في الإيمان لأنه لم يعتبر أن الله رفع كل تمييز بين اليهود والأمم في الأطعمة والاحتفالات. ومعنى الآية أن المؤمنين كلهم إخوة مهما اختلفوا أصلاً وأن الله قبلهم وهم جميعاً راغبون في العمل بمقتضى إرادته فلا يليق ببعضهم أن يحكموا على بعض ويحتقروهم لمخالفتهم لهم في غير الجوهريات.
لأَنَّنَا جَمِيعاً سَوْفَ نَقِفُ أَمَامَ كُرْسِيِّ ٱلْمَسِيحِ الديّان الوحيد الذي يقف أمامه الضعيف والقوي للحكم القطعي النهائي. ويدل على كونه الديّان في (متّى ٧: ٢٢ و٢٣ ويوحنا ٥: ٢٢ وأعمال ١٧: ٣١) فإذا حكم مسيحي على أخيه أو دانه في مثل تلك الأمور ادعى لنفسه منزلة المسيح وأخذ ما يحق له وحده.
١١ «لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَا حَيٌّ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، إِنَّهُ لِي سَتَجْثُو كُلُّ رُكْبَةٍ، وَكُلُّ لِسَانٍ سَيَحْمَدُ ٱللّٰهَ».
إشعياء ٤٥: ٢٣ وفيلبي ٢: ١٠
هذا مقتبس من نبوءة إشعياء معنىً (إشعياء ٤٥: ٢٣) وهو في الأصل أنباء بخضوع كل البشر لله غير مقيّد بيوم الدين كما قيّده الرسول هنا وحق له ذلك لأن العالم يتضمن الخاص وما صدق في الوقت كله يصدق في بعضه. ونسب الرسول إلى المسيح ما نسبه إشعياء إلى الله لتيقنه أن المسيح هو الله.
١٢ «فَإِذاً كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا سَيُعْطِي عَنْ نَفْسِهِ حِسَاباً لِلّٰهِ».
متّى ١٢: ٣٦ وغلاطية ٦: ٥ و١بطرس ٤: ٥
فَإِذاً أي نتيجة ما اقتبسه.
كُلُّ وَاحِدٍ الخ اختصاص الدينونة بالله يوجب علينا أن نترك الحكم له ونتوقع قضاءه وأن لا يتجاسر أحد منا أن يدين أخاه على أمر لم يكله الله إليه أو أن يقيمه نائباً عنه فيه. وفي هذه الآية تلميح إلى أنه يجب على كل إنسان أن يمتحن نفسه ليرى هل أعماله ترضي الله لكي لا يدينه في اليوم الأخير.
١٣ «فَلاَ نُحَاكِمْ أَيْضاً بَعْضُنَا بَعْضاً، بَلْ بِٱلْحَرِيِّ ٱحْكُمُوا بِهٰذَا: أَنْ لاَ يُوضَعَ لِلأَخِ مَصْدَمَةٌ أَوْ مَعْثَرَةٌ».
١كورنثوس ٨: ٩ و١٣ و١٠: ٣٢
فَلاَ نُحَاكِمْ هذا نهي للضعفاء وللأقوياء عن أن يتخذوا موضع الله في المحاكمة.
بِٱلْحَرِيِّ أولى بكم من شدة المحاكمة لإخوتكم.
ٱحْكُمُوا بِهٰذَا الخ هذا موجه إلى الأقوياء والمراد به تحذيرهم من أن يستعملوا حريتهم لإضرار غيرهم أي من أن يكونوا علّة وقوع إخوتهم في التجربة والخطيئة. فما يجوز لك أيها المؤمن يحظر عليك أن تأتيه إذا أفضى بأخيك إلى مخالفة ضميره لأنه يأتيه اقتداء بك فيخالف ضميره ويخطأ.
١٤ «إِنِّي عَالِمٌ وَمُتَيَقِّنٌ فِي ٱلرَّبِّ يَسُوعَ أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ نَجِساً بِذَاتِهِ، إِلاَّ مَنْ يَحْسِبُ شَيْئاً نَجِساً، فَلَهُ هُوَ نَجِسٌ».
أعمال ١٠: ١٥ وع ٢ و٢٠ و١كورنثوس ١٠: ٢٥ و١تيموثاوس ٤: ٤ وتيطس ١: ١٥ و١كورنثوس ٨: ٧ و٨ و١٠
عَالِمٌ وَمُتَيَقِّنٌ فِي ٱلرَّبِّ يَسُوعَ هذا تصريح بأنه يتكلم باعتبار كونه رسولاً موحى إليه من الرب.
لَيْسَ شَيْءٌ نَجِساً بِذَاتِهِ أي بطبيعته فالشريعة التي جعلت بعض الأطعمة طاهراً وبعضها نجساً قد أُلغيت لأنها كانت وقتية غايتها فصل أمة اليهود عن غيرها من الأمم إلى أن يجيء المسيح (متّى ٥: ١٧ و١٥: ١١ ومرقس ٧: ١٥) كذا أعلن الله لبطرس في الرؤيا (أعمال ١٠: ١٠ – ١٦ و١١: ٥ – ١٠) ومثله ما في (كولوسي ٢: ١٧) وأثبت الرسول بقوله هذا صحة رأي الإخوة من الأمم وهو جواز أن يأكلوا لحماً.
إِلاَّ مَنْ يَحْسِبُ شَيْئاً نَجِساً كاعتقاد المؤمنين من اليهود الذين اعتبروا الشريعة الرمزية لا تزال قائمة وأن الله كلف المسيحيين بحفظها.
فَلَهُ هُوَ نَجِسٌ لاعتقاده أن الله حرّمه فلو أكله خطئ لمخالفته ضميره.
١٥ «فَإِنْ كَانَ أَخُوكَ بِسَبَبِ طَعَامِكَ يُحْزَنُ، فَلَسْتَ تَسْلُكُ بَعْدُ حَسَبَ ٱلْمَحَبَّةِ. لاَ تُهْلِكْ بِطَعَامِكَ ذٰلِكَ ٱلَّذِي مَاتَ ٱلْمَسِيحُ لأَجْلِهِ».
١كورنثوس ٨: ١١
فَإِنْ كَانَ أَخُوكَ بِسَبَبِ طَعَامِكَ يُحْزَنُ أي إن رآك أخوك الضعيف تأكل ما هو حلال لك وحرام عليه اقتدى بك وأكل فخطئ بمخالفته حكم ضميره وامتلأ فؤاده ندامة وأسفاً.
فَلَسْتَ تَسْلُكُ بَعْدُ حَسَبَ ٱلْمَحَبَّةِ فإن شريعة المحبة أن تحب غيرك كنفسك وأنت خالفت ذلك.
لاَ تُهْلِكْ بِطَعَامِكَ ذٰلِكَ أي فلا تجعل طعامك سبباً لهلاكه لأن أكلك اللحم وضميرك مستريح جعله يأكله وضميره متعب. ومخالفة الضمير تحزن الروح القدس وإحزان هذا الروح علّة الهلاك الأبدي فنتيجة فعلك الجائز في ذاته إهلاك نفس أخيك.
ٱلَّذِي مَاتَ ٱلْمَسِيحُ لأَجْلِهِ أحبه المسيح حتى مات من أجله ليخلصه من الهلاك الأبدي أفَلا يجب عليك أن تحبه بأن تنكر نفسك قليلاً بغية خلاصه بامتناعك عن أكل اللحم. وفي هذه الآية إشارة إلى سمو قيمة أصغر المسيحيين بأن المسيح مات من أجله وإلى عظمة ما يستطيعه الإنسان من إضرار غيره وهو حرمانه فوائد موت المسيح من أجله.
١٦ «فَلاَ يُفْتَرَ عَلَى صَلاَحِكُمْ».
ص ١٢: ١٧
الصلاح هنا التحرّر من الرسوم الموسوية لأن هذا التحرر نفع عظيم ولكنه يُفترى عليه أو يُلام إذا صار علّة عثرة أو حزن أو هلاك نفس. وهذا نصح للأخ القوي في شأن الطعام فقط ولكنه يصح أن يُجعل قانوناً عاماً فلو اعتبرنا أن المراد بالصلاح هنا الدين المسيحي وجب أن لا يأتي المسيحيون شيئاً مما يُفترى به على ذلك الدين كالخصام والانشقاق والجدال العنيف.
١٧ «لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ أَكْلاً وَشُرْباً، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ».
هنا علّة أخرى لوجوب احتمال بعض المسيحيين بعضاً لأن الأمور التي اختلفوا فيها عرضية فإن الدين المسيحي لم يأمر بهذه الأطعمة والأشربة ولم ينهَ عنها.
مَلَكُوتُ ٱللّٰه أي الدين المسيحي لأنه هو الملكوت الذي أنشأه المسيح في قلوب المؤمنين وميّزه بالروحيات عن الدين الموسوي فإنه قام بكثير من الرسوم الخارجية.
أَكْلاً وَشُرْباً أي ليس بقائم بأكل بعض الأطعمة دون بعض ولا بشرب بعض الأشربة دون بعض. والخلاصة أن الدين المسيحي غير قائم بالرسوم الظاهرة فيجب على المسيحيين أن يحترزوا من أن يلام دينهم بجدالهم في مثل هذه الرسوم.
بَلْ هُوَ بِرٌّ أي برّ الإيمان الذي يقدّرنا أن نقف أمام الله بلا لوم إذ أوفى الناس كل مطاليبه ومن أثمار هذا البرّ القداسة.
وَسَلاَمٌ ناشئ عن الشعور بمغفرة الخطايا والمصالحة لله وراحة الضمير وهذا السلام يقترن بمسالمة الناس لأنه ينشئ في قلب المؤمن المحبة للجميع.
وَفَرَحٌ فِي ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ أي فرح برجاء الخلاص ينشئه الروح القدس كما في (أعمال ١٣: ٥٢ وغلاطية ٥: ٢٢ و١تسالونيكي ١: ٦). وهذا لا يستلزم أن كل مهذب ومسالم وفرح مسيحي حق وإلا لزم منه أن تهذيب الأخلاق والدين المسيحي واحد. وهذا مناف لتعليم الإنجيل لأن الفضائل كلها أثمار الدين المسيحي لا الدين المسيحي بعينه فالقداسة ثمر البرّ الذي بالإيمان والمسالمة للناس ثمر السلام مع الله وقس على ذلك.
١٨ «لأَنَّ مَنْ خَدَمَ ٱلْمَسِيحَ فِي هٰذِهِ فَهُوَ مَرْضِيٌّ عِنْدَ ٱللّٰهِ وَمُزَكّىً عِنْدَ ٱلنَّاسِ».
٢كورنثوس ٨: ٢١
هذه الآية إثبات للتي قبلها.
مَنْ خَدَمَ ٱلْمَسِيحَ فِي هٰذِهِ أي في البرّ والسلام والفرح التي هي من جوهريات الدين.
فَهُوَ مَرْضِيٌّ عِنْدَ ٱللّٰهِ لأنه يُسرّ بها وبمن يظهرها (أمثال ٣: ٤ ولوقا ٢: ٥٢ وأعمال ٢: ٤٢ و١٩: ٢٠).
مُزَكّىً عِنْدَ ٱلنَّاسِ أي ممدوح فمن أظهر تلك الفضائل لا يُفترى على صلاحه فيجب أن نعتبر من تظهر فيهم إخوة محبوبين وإن خالفونا في العرضيات اعتقاداً وعملاً. ومما يستحق الاعتبار أن ممارسة تلك الفضائل خدمة للمسيح فينتج من ذلك أنه رب القلب والضمير.
١٩ «فَلْنَعْكُفْ إِذاً عَلَى مَا هُوَ لِلسَّلاَمِ وَمَا هُوَ لِلْبُنْيَانِ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ».
مزمور ٣٤: ١٤ وص ١٢: ١٨ و١٥: ٢ و١كورنثوس ١٤: ١٢ و١تسالونيكي ٥: ١١
هذا نتيجة (ع ١٧ و١٨).
فَلْنَعْكُفْ إِذاً عَلَى الخ أي لنجعل غايتنا حصول الاتفاق في الكنيسة والنمو في المعرفة والقداسة بتجنب كل ما يسبب الخلاف في العرضيّات ويمنع النموّ.
٢٠ «لاَ تَنْقُضْ لأَجْلِ ٱلطَّعَامِ عَمَلَ ٱللّٰهِ. كُلُّ ٱلأَشْيَاءِ طَاهِرَةٌ، لٰكِنَّهُ شَرٌّ لِلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَأْكُلُ بِعَثْرَةٍ».
ع ١٥ متّى ١٥: ١١ وأعمال ١٠: ١٥ وع ١٤ وتيطس ١: ١٥ و١كورنثوس ٨: ٩ – ١٢
هذا موجه إلى «الأقوياء».
لاَ تَنْقُضْ لأَجْلِ ٱلطَّعَامِ عَمَلَ ٱللّٰهِ النقض هنا خلاف البناء في (ع ١٩) والعبارة تكرير لما في ( ع ١٥) وهو قوله «لا تهلك بطعامك ذلك الذي مات المسيح من أجله» (كما في ١كورنثوس ٣: ٩ وأفسس ٢: ١٠).
ذهب بعضهم أن المراد بعمل الله هنا ملكوت المسيح الذي أخذ الله يبنيه في العالم. وخلاصة الجملة وجوب الامتناع عن بعض الأطعمة التي ينشأ من أكلها الانشقاق في الكنيسة وهدم ما بناه الله فيها.
كُلُّ ٱلأَشْيَاءِ طَاهِرَةٌ أي جائز أكلها لأن الإنجيل أبطل تمييز الأطعمة على ما في الرسوم الموسوية.
لٰكِنَّهُ شَرٌّ لِلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَأْكُلُ بِعَثْرَةٍ هذا يحتمل معنيين أحدهما أنه يخطأ من يجعل يأكله أخاه الضعيف يخالف حكم ضميره بأكله ما هو محرم عنده. والآخر أنه يخطأ من يأكل لحماً يظنه محرماً وهذا حق وهو على وفق ما قيل في (ع ١٤) ولكن القرينة تدل على أن مقصود الرسول هو المعنى الأول.
٢١ «حَسَنٌ أَنْ لاَ تَأْكُلَ لَحْماً وَلاَ تَشْرَبَ خَمْراً وَلاَ شَيْئاً يَصْطَدِمُ بِهِ أَخُوكَ أَوْ يَعْثُرُ أَوْ يَضْعُفُ».
١كورنثوس ٨: ١٣
حَسَنٌ أي مُرض لله وممدوح.
أَنْ لاَ تَأْكُلَ لَحْماً يظن أخوك الضعيف أكله محرماً. وهذا قانون للمؤمن «القوي» يوجب عليه وعلى كل إنسان أن ينكر نفسه بغية النفع لغيره فالسلام بين الإخوة خير من استباحة الأطعمة على اختلاف صنوفها.
وَلاَ تَشْرَبَ خَمْراً أُبيح شرب الخمر لليهود ما عدا النذراء (عدد ٦: ٣) والركابيين (إرميا ص ٣٥) واستحرمه بعض مسيحي كنيسة رومية والأرجح أنهم من متنصري اليهود.
يَصْطَدِمُ بِهِ أَخُوكَ أَوْ يَعْثُرُ أي تصدمه التجربة أو يعثر بها فيقع في الخطيئة لأنه يراك تأكل وتشرب ما يعدّه محرماً فيقتدي بك مخالفاً لحكم ضميره.
أَوْ يَضْعُفُ أي يشك في ما يجب أن يفعله أو يتردّد بين إطاعة ضميره وعصيانه. القانون الذي وضعه بولس هنا لمؤمني رومية يجب أن يكون قانون كل المؤمنين في كل زمان ومكان فلا يأتون شيئاً للتسلية أو المسرة من المباحثات التي تأتي بالعثرات المهلكة للنفوس.
٢٢ «أَلَكَ إِيمَانٌ؟ فَلْيَكُنْ لَكَ بِنَفْسِكَ أَمَامَ ٱللّٰهِ! طُوبَى لِمَنْ لاَ يَدِينُ نَفْسَهُ فِي مَا يَسْتَحْسِنُهُ».
١يوحنا ٣: ٢١
أَلَكَ إِيمَانٌ؟ أيها القوي ليس لأخيك الضعيف. والمراد بالإيمان هنا تيقن جواز كل أنواع الأطعمة والأشربة كما جاء في (ع ١ و٢).
فَلْيَكُنْ لَكَ بِنَفْسِكَ أَمَامَ ٱللّٰهِ أي تمتّع بما تتيقن أنه مباح ما لم يعثر به غيرك ولا تفتخر بذلك بين الإخوة ولا تتخذه موضوعاً للجدال أو الخصام في الكنيسة.
طُوبَى لِمَنْ لاَ يَدِينُ نَفْسَهُ أي لا يفعل شيئاً مخالفاً لأحكام ضميره. وفي هذا تلميح إلى الخطر الذي يتعرّض له الإنسان بتردده في استباحة ما فعله أو استحرامه فيستحيل أن يكون لمثل هذا راحة ضمير.
٢٣ «وَأَمَّا ٱلَّذِي يَرْتَابُ فَإِنْ أَكَلَ يُدَانُ، لأَنَّ ذٰلِكَ لَيْسَ مِنَ ٱلإِيمَانِ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ مِنَ ٱلإِيمَانِ فَهُوَ خَطِيَّةٌ».
تيطس ١: ١٥
ٱلَّذِي يَرْتَابُ في جواز أكل اللحم.
فَإِنْ أَكَلَ يُدَانُ أي يخطأ ويُلام فيلومه ضميره والناس والله لأنه أكل شيئاً لم يستبحه ضميره ولم يتيقّن إن أكله حلال.
كُلُّ مَا لَيْسَ مِنَ ٱلإِيمَانِ المراد بالإيمان هنا تيقُّن الإنسان أن ما يفعله حلال وصالح وهذا مثل قوله «مُتَيَقِّنٌ فِي ٱلرَّبِّ يَسُوعَ أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ نَجِساً بِذَاتِهِ» (ع ١٤). وهو مبني على تعليم كتاب الله لا مجرّد أحكام العقل البشري.
فَهُوَ خَطِيَّةٌ لأن فيه عدم الاكتراث بما يجب علينا لله لأن من اتقى الله حقاً لم يفعل شيئاً يحتمل أنه يغيظه تعالى. والخلاصة أنه يجب عليك أيها القوي أن لا تطلب من الأخ الضعيف أن يقتدي بك في الأكل والشرب لأن ما يجوز لك يكون خطيئة له وإن تحذر من جعل ما منحك الله من الحرية عثرة لغيرك فيضر نفسه باقتدائه بك على خلاف حكم ضميره.
حكم الرسول بأن كل ما نظنه حراماً يُحرَم علينا وهذا لا يستلزم أن كل ما نظنه حلالاً يحلّ لنا.
ظن مضطهدو المسيحيين الأولين أنهم يخدمون الله بذلك الاضطهاد (يوحنا ١٦: ٢ وأعمال ٢٦: ٩) ولكنهم لم يُعذروا بدليل قول الرسول على نفسه «لأَنِّي أَصْغَرُ ٱلرُّسُلِ، أَنَا ٱلَّذِي لَسْتُ أَهْلاً لأَنْ أُدْعَى رَسُولاً، لأَنِّي ٱضْطَهَدْتُ كَنِيسَةَ ٱللّٰهِ» (١كورنثوس ١٥: ٩).
فوائد
- أنه يُحظَر على المسيحيين جعل التمسك بالعرضيّات علّة للاختلاف لأن الاتفاق من أحب الأمور في الكنيسة وأن لا يشرطوا على طالبي عضويتها ما لم يشرطه الله عليهم فمن قبله الله وظهر أن روحه فيه وجب على الكنيسة قبوله (ع ١ – ١٢).
- إن المسيحي يُعرف بغايته فإن عاش للرب أي اتخذ إرادة المسيح قانوناً لحياته ومجد المسيح غاية له فهو مسيحي حقيقي وإن غلظ لضعف أو جهل في الأمور العرضيّة وأوجب على نفسه ما لم يوجبه الله عليه (ع ٦ – ٨).
- إن الميل إلى الانتقاد والتخطئة في العرضيّات ضد روح الإنجيل لأنه سلب لحقوق الله الذي وحده ديّان القلب والضمير ومما يعمي البصيرة عن التمييز بين الجوهري والعرضي في الأدبيات ويحمل الإنسان على الغفلة عن نقائصه وعلى رؤية نقائص غيره (ع ٤ – ١٠).
- إن احتقار من نحسبهم أدنى منا خطيئة (ع ٣ و١٠).
- إن الأدلة في هذا الفصل على أن يسوع هو الله صريحة وهي خمسة:
- الأول: إنه الرب الذي يجب أن نطيعه ونحيا لمجده (ع ٦ – ٨).
- الثاني: إنه ملك الأحياء والأموات (ع ٩).
- الثالث: إنه ديّان الجميع (ع ١٠).
- الرابع: إن الأقوال التي نُسبت إلى يهوه في العهد القديم نُسبت إلى المسيح في العهد الجديد (ع ١١).
- الخامس: إن بولس كثيراً ما نسب فيه ما لله إلى المسيح وما للمسيح إلى الله مثال ذلك قوله إن العيشة للمسيح هي العيشة لله والوقوف أمام كرسي دينونة المسيح هو إعطاء الحساب لله والخضوع للمسيح هو الجثو لله.
- إن الدين المسيحي لا يقوم بالرسوم الخارجية «لأن الطعام لا يقدمنا إلى الله. لأننا إن أكلنا لا نزيد وإن لم نأكل لا ننقص» (ع ٦ و٧).
- إنه ليس كل ما يحل موافقاً لأن شريعة المحبة قد تلزم المسيحي أن يمتنع عما يحل له (ع ١٥ و٢٠ و٢١).
-
إنه يجب علينا أن نثبت في الحرية التي قد حرّرنا المسيح بها وأن لا نسمح بأن ضمائرنا ترتبك بنير عبودية للأوهام البشرية فمن الخطاء الفاحش أن نحرّم ما لم يحرّمه الله ونلزم الإنسان بما لم يلزمه الله به (ع ١٣ – ٢٣).
السابق |
التالي |