الرسالة إلى رومية | 04 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح الرسالة إلى رومية
للدكتور . وليم إدي
الأصحاح الرابع
غاية ما في هذه الأصحاح إثبات تعليم التبرير بالإيمان وهو قسمان القسم الأول برهاني (ع ١ – ١٧) والثاني تمثيلي (ع ١٨ – ٢٥).
القسم البرهاني ع ١ إلى ١٧
١ «فَمَاذَا نَقُولُ إِنَّ أَبَانَا إِبْرَاهِيمَ قَدْ وَجَدَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ؟».
إشعياء ٥١: ٢ ومتّى ٣: ٩ ويوحنا ٨: ٣٣ و٣٩ و٢كورنثوس ١١: ٢٢
أخذ الرسول يبيّن أن البعض تبرّروا بواسطة الإيمان قبل مجيء المسيح ومنهم إبراهيم نفسه وهو أبو اليهود فاتضح من ذلك أنه لم يأت بتعليم جديد بمناداته بالتبرير بالإيمان.
فَمَاذَا نَقُولُ اصطلح الرسول على هذه العبارة حين الاحتجاج (ص ٣: ٥ و٦: ١ و٧: ٧ و٨: ٣١ و٩: ١٤) وهي في الغالب بداءة كلام جديد. وهذا ينافي قول البعض بأن أول هذا الأصحاح آخر آية من الأصحاح الثالث.
إِنَّ أَبَانَا إِبْرَاهِيمَ عدّ الرسول نفسه مع سائر اليهود وذكر إبراهيم باعتبار كونه أصل الأمة اليهودية.
قَدْ وَجَدَ أي نال من التبرير وذكر إبراهيم هنا لأنه من المسلم عند الجميع أنه قد تبرّر فإذا تحققنا كيف نال التبرير اتضح كيف يمكن غيره أن يناله.
حَسَبَ ٱلْجَسَدِ هذا متعلق بقوله «وجد» فسر بعضهم هذه العبارة بقوله من تلقاء نفسه وبعضهم بمعنى طبيعته البشرية وغيره بأعماله وهذا هو الصحيح بدليل قوله على أثر ذلك «فإن كان قد تبرّر بالأعمال فله فخر» فأشار الرسول بلفظة «جسد» إلى كل خارجيات الرسوم الدينية كما أشار بها إلى ذلك بقوله في غلاطية ٣: ٣ «أَبَعْدَمَا ٱبْتَدَأْتُمْ بِٱلرُّوحِ تُكَمِّلُونَ ٱلآنَ بِٱلْجَسَدِ» ومثله في (غلاطية ٦: ١٣ وفيلبي ٣: ٣ و٤) وفيه طوى تحت لفظة «الجسد» التسلسل من العبرانيين والختان وكونه فريسياً والتمسك بالشريعة الموسوية إلى الغاية. وكل هذه الأمور حسبها من أعمال الناموس التي افتخر قبل ذلك بها. وعلّة تعبيره عنها بلفظة «الجسد» هو أن الجسد الجزء من طبيعتنا الذي تقوم به الأعمال وينشأ منها الاتكال عليها بخلاف جزء طبيعتنا الروحي الذي يُنسب إليه الإيمان. وظن بعضهم أنه أشار بلفظة الجسد إلى الختان واقتصر عليه من سائر أعمال الناموس الرسمي لكونه أولها وأعظمها والنتيجة واحدة وهي ماذا وجد إبراهيم من التبرير بأعماله. والاستفهام إنكاري أي أنه لم يجد شيئاً من التبرير بالجسد أو من تلقاء نفسه أو أعماله الدينية.
٢ «لأَنَّهُ إِنْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ قَدْ تَبَرَّرَ بِٱلأَعْمَالِ فَلَهُ فَخْرٌ وَلٰكِنْ لَيْسَ لَدَى ٱللّٰهِ».
ص ٣: ٢٠ و٢٧ و٢٨
لأَنَّهُ إِنْ… تَبَرَّرَ بِٱلأَعْمَالِ كما زعم اليهود فالظاهر أن بولس ترك للاختصار كلاماً تقديره لا نقدر أن نقول أن إبراهيم وجد التبرير حسب الجسد (أي بالأعمال) لأن ذلك يستلزم ما ذُكر في هذه الآية وهو محال. وقوله هنا «بالأعمال» تفسير لقوله في الآية السابقة «حسب الجسد» لأنها وقعت موقعه.
فَلَهُ فَخْرٌ أي أن إبراهيم لو تبرّر بأعمال الجسد لحق له أن يفتخر وهذا يصدق على كل إنسان كما صدق على إبراهيم.
وَلٰكِنْ هنا كلام مقدّر مفاده مهما يقل الناس في إبراهيم من أنه حفظ الناموس حفظاً تاماً.
لَيْسَ لَدَى ٱللّٰهِ أي لم يكن لإبراهيم حق أن يفتخر أمام الله فإذاً لم يتبرّر بأعماله فغيره كذلك لأنه إن أمكن أحداً أن يتبرّر بالأعمال فإبراهيم أولى بذلك لأنه اشتهر بالبرّ وكان خليل الله ورأس شعب إسرائيل وأبا المؤمنين وبنسله تتبارك كل قبائل الأرض. وبنى الرسول هذا على المبدإ العام (وهو أنه ليس لبشر أن يقف أمامه تعالى ويفتخر ببرّ نفسه) أو على البراهين الآتية المستمدّة من الوحي.
٣ «لأَنَّهُ مَاذَا يَقُولُ ٱلْكِتَابُ؟ فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِٱللّٰهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرّاً».
تكوين ١٥: ٦ وغلاطية ٣: ٦ ويعقوب ٢: ٢٣
أثبت الرسول هنا من الوحي ما قاله في إبراهيم من أنه لم يكن له أن يفتخر وينتج من ذلك أنه لم يتبرّر بأعماله.
مَاذَا يَقُولُ ٱلْكِتَابُ؟ أي ماذا يقول الله في كتابه. وهنا كلام مقدّر معناه هل يقول الكتاب أن إبراهيم تبرّر بأعماله والجواب لا بل قال إنّه تبرّر بالإيمان. والرسول اعتبر كلام كتاب الله الحجّة القاطعة.
فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِٱللّٰهِ هذا مقتبس من (تكوين ١٥: ٦) واقتبس أيضاً في (غلاطية ٣: ٦ ويعقوب ٢: ٢٣). والذي آمن به إبراهيم هو وعد الله المذكور في (ع ١٧ – ٢٢) من هذا الأصحاح فإنه صدّق الله في وعده وتوقع الإنجاز. وقوله «آمن» الخ جواب السؤال قبله وهو ما معناه كيف تبرّر إبراهيم أمام الله. وخلاصته أن إبراهيم تبرّر بإيمانه لا بأعماله وهو على وفق ما سبق في (ص ٣: ٢٨).
فَحُسِبَ لَهُ بِرّاً أي فحُسب إيمانه الخ والمعنى أن الله اعتبره باراً لإيمانه وعامله معامة البار. وهذا:
- أولاً: أنه لا يفيد أن إبراهيم تغيّر من خاطئ إلى قديس لأن المراد به أنه لم يبقَ عليه شيء من مطاليب الناموس أو عدل الله فكان في موقفه أمام القاضي العادل مثل بار.
- ثانياً: إنه لا يفيد أن إيمان إبراهيم كان فعلاً مقدساً قَبِله الله بدل الطاعة الكاملة لأن إيمانه لا يستحق الأجر أكثر من صلواته أو صدقاته أو محبته. ولو قُبل ثمناً للتبرير لكان قد تبرّر بأعماله. وهذا ضد قول الرسول أنه تبرّر بالإيمان وحده دون الأعمال.
- ثالثاً: إن قوله «حُسب له الإيمان براً» معناه أن الله قبل إيمانه بدل البرّ ولم يذكر علّة ذلك. ومن الواضح أن الإيمان ليس ما طلبه الناموس لأن الناموس يطلب الطاعة الكاملة كما أبان في موضع آخر وأن على التبرير استحقاق المسيح وأن الإنسان لم يطع تمام الطاعة.
٤، ٥ «٤ أَمَّا ٱلَّذِي يَعْمَلُ فَلاَ تُحْسَبُ لَهُ ٱلأُجْرَةُ عَلَى سَبِيلِ نِعْمَةٍ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ دَيْنٍ. ٥ وَأَمَّا ٱلَّذِي لاَ يَعْمَلُ، وَلٰكِنْ يُؤْمِنُ بِٱلَّذِي يُبَرِّرُ ٱلْفَاجِرَ، فَإِيمَانُهُ يُحْسَبُ لَهُ بِرّاً».
ص ١١: ٦ يشوع ٢٤: ٢ وص ١: ١٨
غاية الرسول في هاتين الآيتين أن معنى قوله في (ع ٣) «إيمان إبراهيم حُسب له براً» أنه لم يتبرّر بأعماله وأن معنى القول «تبرّر بالإيمان» أنه تبرّر مجاناً. فكل ما في الكتاب من الآيات التي تفيد أن الله قبِل الخاطئ مجاناً يفيد القول بالتبرير بالإيمان.
أَمَّا ٱلَّذِي يَعْمَلُ كل أعمال الناموس عملاً تاماً بغية الأجرة باعتبار كونه أجيراً. والكلام هنا عام يصدق على كل إنسان.
ٱلأُجْرَةُ هي ما يستحقه الفاعل على فعله ويحق له أن يطلبه.
سَبِيلِ نِعْمَةٍ أي هبة أو صدقة من المعطي مع قبول المعطى إياها كذلك.
سَبِيلِ دَيْنٍ أي ما للفاعل حق أن يطلبه بمقتضى العدل فمثل ذلك مثل أنه لو ثبت آدم في قداسته وأطاع الله طاعة كاملة لكان الثواب الذي وعده الله به مما حق له أن يطلبه كدَين. وأما الطاعة الكاملة التي يطلبها الناموس لم يقم آدم بها ولا أحد من نسله على ما أبان الرسول.
ٱلَّذِي لاَ يَعْمَلُ أي لم يعمل شيئاً يستحق أن يثاب عليه باعتبار أنه فاعل يعمل بغية الأجرة فهو لا يحسب أنه مستحق شيئاً ولا يتكل على عمله. وهذا يصدق على إبراهيم وغيره من الناس ومن الواضح أن الله لا يحسب عملاً من أعمال الإنسان مستحقاً الثواب كأجرة ما لم يكن كاملاً بمقتضى الشريعة. وأفضل أعمال المؤمنين ناقصة ولذلك لا يمكن أن يُعتبر «عل سبيل دين» يوفي به الناموس حقوقه ويستحيل أن يكون الباري تعالى مديوناً للإنسان الخاطئ. وهكذا علّم المسيح في (لوقا ١٧: ٧ – ١٠).
وَلٰكِنْ يُؤْمِنُ هذا مقابل لقوله «الذي يعمل» في (ع ٤) ويتوقع الخلاص بأعماله الصالحة وأما الذي يؤمن فيطرح نفسه على رحمة الله بالتواضع والاتكال. وهذا الإيمان يزيد على تصديق العقائد الدينية بالاتكال عليه تعالى للتبرير أي أن يبرّره الله مع كونه خاطئاً. والكلام عام بصيغة المفرد للدلالة على أنه يجب على كل إنسان أن يؤمن لنفسه لكي يتبّرر بنفسه.
بِٱلَّذِي يُبَرِّرُ ٱلْفَاجِرَ أي بالله. لم يقصد الرسول «بالفاجر» إبراهيم وحده لكونه كان في أول أمره وثنياً بل كل إنسان (ص ٥: ٦) في عيني الله. وجاء الفاجر مفرداً لأنه تعالى لا يبرّر الناس جماهير بل أفراداً. وقول الرسول «يبرّر الفاجر» يدل:
- أولاً: على أنّ الله لا يقدّس الإنسان ثم يبرّره لكنه يقبله كما هو ويغفر خطاياه مجاناً ويحسبه باراً. نعم أن الذي يبرّره الله يقدّسه أيضاً لكن التبرير ليس هو التقديس.
- ثانياً: يدل على أن الله حين يبرّر المؤمن لا يرى فيه شيئاً يستحق أن يبرّر من أجله.
- ثالثاً: إنه يجب على المؤمن لكي يتبرّر أن يشعر ويعترف بأنه فاجر لا يستحق شيئاً من الثواب. والجملة كلها إثبات لقوة الإيمان فإنه لا يبرّر البار ولا الذي يكاد أن يكون باراً بل الفاجر.
فَإِيمَانُهُ يُحْسَبُ لَهُ بِرّاً هذا ما قيل على إبراهيم في (ع ٣) وقد برهن الرسول في هاتين الآيتين ما يستلزم أنه لم يتبرّر إبراهيم «على سبيل دين» أي ليس هو بفاعل تبرّر بأعماله. فإذا قد تبرّر مجاناً لأنه بُرّر بلا أعمال.
٦ «كَمَا يَقُولُ دَاوُدُ أَيْضاً فِي تَطْوِيبِ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَحْسِبُ لَهُ ٱللّٰهُ بِرّاً بِدُونِ أَعْمَالٍ».
كَمَا أي ما قيل في تبرير إبراهيم بلا أعمال ثابت بشهادة داود. وتلك الشهادة ذات شأن عند اليهود لأن داود عندهم نبي عظيم محترم. فمعنى الآية الخامسة أن المؤمن يبرّر مجاناً وهذا مضمون داود في كلامه على غبطة الإنسان الذي يعتبره الله باراً ويعامله معاملة الأبرار وهو لا يستحق ذلك. وغاية الرسول من إيراد هذه الشهادة تبيين أن ما ذكره من تبرير إبراهيم مجاناً ليس هو المثال الوحيد لذلك ثم عاد إلى ذكر إبراهيم في (ع ٩).
يَحْسِبُ لَهُ ٱللّٰهُ بِرّاً الخ أي يعتبره باراً ويعامله معاملة الأبرار مع أنه ليس باراً. وقوله «يحسب له براً» كقوله «تبريره» والخلاصة أن التبرير على سبيل النعمة لا على سبيل دَين كما سبق في (ع ٤).
٧، ٨ «٧ طُوبَى لِلَّذِينَ غُفِرَتْ آثَامُهُمْ وَسُتِرَتْ خَطَايَاهُمْ. ٨ طُوبَى لِلرَّجُلِ ٱلَّذِي لاَ يَحْسِبُ لَهُ ٱلرَّبُّ خَطِيَّةً».
مزمور ٣٢: ١ و٢
هذا مقتبس من (مزمور ٣٢: ١ و٢) وهو شرح غبطة الإنسان الذي مع أنه خاطئ يعتبره الله باراً ويعامله معاملة البار لأن نيل المغفرة يتضمن رضى الله وهما معاً التبرير. والعبارات الثلاث مغفرة الآثام وستر الخطايا وعدم حسبان الخطيئة بمعنى واحد وهو جوهر التبرير لأن الذي غُفرت آثامه رُفع عنه عقابها والذي سُترت خطيئته بطل أن تكون شاهدة عليه أو محسوبة.
٩ «أَفَهٰذَا ٱلتَّطْوِيبُ هُوَ عَلَى ٱلْخِتَانِ فَقَطْ أَمْ عَلَى ٱلْغُرْلَةِ أَيْضاً؟ لأَنَّنَا نَقُولُ إِنَّهُ حُسِبَ لإِبْرَاهِيمَ ٱلإِيمَانُ بِرّاً».
برهن الرسول في ما سبق أن المؤمن لا يتبرّر بأعماله الصالحة وأخذ هنا يبرهن على أن التبرير لا يكون بالختان. والآيات من التاسعة إلى الثانية عشرة بيان أن الختان ليس بعلة للتبرير ودليل ذلك أن إبراهيم تبرّر قبلما اختتن.
أَفَهٰذَا ٱلتَّطْوِيبُ الذي ذكره داود على المغفرة والتبرير.
هُوَ عَلَى ٱلْخِتَانِ أي أهل الختان لكونهم مختونين وهل كان اختتانهم ضرورياً لنيل غبطة التبرير.
أَمْ عَلَى ٱلْغُرْلَةِ أَيْضاً؟ أي هل لأهل الغيرة نصيب في ذلك التطويب كما لأهل الختان.
أورد الرسول هذا السؤال وجوابه لئلا يظن أحد أن التطويب على التبرير مقصور على أولاد العهد المختونين بختمه وأن شهادة داود لا تفيد أن تبرير الله بالإيمان معروض على جميع الناس. وإذ لم يكن في المزمور دفع لهذا الظن رجع الرسول إلى الكلام على تبرير إبراهيم.
لأَنَّنَا نَقُولُ هذا تعليل لقول محذوف تقديره «هذا التطويب ليس على الختان فقط».
إِنَّهُ حُسِبَ لإِبْرَاهِيمَ الخ هذا مكرر قوله في الآية الثالثة ليبين حال إبراهيم حين قيل ذلك فيه وهو يمنع أن يكون ختانه علّة تبريره.
١٠ «فَكَيْفَ حُسِبَ؟ أَوَهُوَ فِي ٱلْخِتَانِ أَمْ فِي ٱلْغُرْلَةِ؟ لَيْسَ فِي ٱلْخِتَانِ، بَلْ فِي ٱلْغُرْلَةِ!».
كان إبراهيم المبرَّر في حالين الأولى حال الغرلة والثانية حال الختان والسؤال هنا في أي الحالين نال التبرير.
لَيْسَ فِي ٱلْخِتَانِ الخ كُتب نبأ إيمان إبراهيم وتبريره في (ص ١٥) من سفر التكوين ونبأ ختانه في (ص ١٧) منه وحوادث ص ١٧ كانت بعد حوادث (ص ١٥) بنحو ١٣ سنة. قابل ما في (تكوين ١٥: ٣ و٦ بما في تكوين ١٧: ٢٥ و٢٦). فاتضح من ذلك أن إيمانه حُسب له براً قبل أن وُلد له إسماعيل وهو لم يختتن إلا بعد أن بلغ إسماعيل السنة الثالثة عشرة فتبين جلياً أن الختان ليس شرط التبرير ولا علتّه.
١١ «وَأَخَذَ عَلاَمَةَ ٱلْخِتَانِ خَتْماً لِبِرِّ ٱلإِيمَانِ ٱلَّذِي كَانَ فِي ٱلْغُرْلَةِ، لِيَكُونَ أَباً لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَهُمْ فِي ٱلْغُرْلَةِ، كَيْ يُحْسَبَ لَهُمْ أَيْضاً ٱلْبِرُّ».
تكوين ١٧: ١٠ لوقا ١٩: ٩ وع ١٢ و١٦ وغلاطية ٣: ٧
بعد أن بيّن الرسول أن الختان ليس بعلة التبرير استحسن أن يبين حقيقة الختان.
عَلاَمَةَ ٱلْخِتَانِ أي الختان الذي هو علامة خارجية لعهد الله (تكوين ١٧: ١١).
خَتْماً الذي كان علامة العهد كان ختمه أيضاً والمعنى أنه ثُبت به.
لِبِرِّ ٱلإِيمَانِ أي للبرّ الذي هو بواسطة الإيمان. فتحصل من ذلك أن الله أثبت لإبراهيم بالختان أنه لإيمانه بمواعيده اعتبره باراً وعامله معاملة البارّ.
فاتضح من قول الرسول هنا أن الختان ليس هو مجرد ختم العهد بين الله والأمة العبرانية (التي هي سلالة إبراهيم) لأن هذا العهد كان في ضمن قوله أنه بنسل إبراهيم (أي المسيح) تتبارك كل قبائل الأرض (غلاطية ٣: ١٦). وهذا عهد الفداء الذي يشترك فيه كل الأمم (غلاطية ٣: ١٣ – ١٨).
قال الرسول أن شرط نيل إبراهيم العهد كان الإيمان لا الأعمال فإذاً كل الذين يشاركون إبراهيم في بركات ذلك العهد يشاركونه فيها بذلك الشرط نفسه أي بالإيمان دون الأعمال.
إن اليهود باتخاذهم علامة الختان سلّموا بأنهم قبلوا عهد النعمة وصاروا كنيسة منتظمة ودخل أولادهم معهم في العهد وعلامته وبناء على ذلك يُعمّد أطفال المؤمنين في العهد الجديد. فكما أن الختان ليس هو سوى علامة عهد الله لإبراهيم وختمه كذلك المعمودية ليست سوى علامة الولادة الجديدة وختمها فهي علامة التطهير وختم عهد النعمة.
لِيَكُونَ هذا يوضح غاية الله من تبرير إبراهيم قبل أن اختتن.
أَباً لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَهُمْ فِي ٱلْغُرْلَةِ كون إبراهيم أباً للمؤمنين يدل على أنهم مماثلون له فهو كقوله أن «يَابَالَ ٱلَّذِي كَانَ أَباً لِسَاكِنِي ٱلْخِيَامِ» (تكوين ٤: ٢٠) و «يُوبَالُ ٱلَّذِي كَانَ أَباً لِكُلِّ ضَارِبٍ بِٱلْعُودِ وَٱلْمِزْمَارِ» (تكوين ٤: ٢١). وسُمي المؤمنون «أولاد إبراهيم» لأنهم يشبهون إبراهيم في طبيعتهم الروحية وفي أن العهد الذي قطعه الله معه يشمل كل أولاد الله من اليهود والأمم وفي أنهم يرثون المواعيد التي وُعد بها إبراهيم.
إن إبراهيم كان أباً للمؤمنين في عصر العهد القديم والحاجز باقٍ بين اليهود والأمم فالأولى أن يكون أباً لجميع أولاد الله في عصر العهد الجديد وقد رُفع ذلك الحاجز وصاروا جميعاً أهل بيتٍ واحد.
كَيْ يُحْسَبَ لَهُمْ أَيْضاً ٱلْبِرُّ كما حُسب لإبراهيم. زاد الرسول هذا تفسيراً لقوله «ليكون أباً لجميع الذين يؤمنون». فكأنه قال أنه أبٌ لغير المختونين من المؤمنين لأنهم تبرّروا بالإيمان كما تبرّر هو به. ودل على أن إبراهيم أبو المؤمنين في الروح لا في الجسد.
١٢ «وَأَباً لِلْخِتَانِ لِلَّذِينَ لَيْسُوا مِنَ ٱلْخِتَانِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً يَسْلُكُونَ فِي خُطُوَاتِ إِيمَانِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي كَانَ وَهُوَ فِي ٱلْغُرْلَةِ».
أثبت الرسول في الآية الحادية عشرة أن إبراهيم أبٌ لمؤمني الأمم وأثبت في هذه الآية أنه أبٌ لمؤمني اليهود.
أَباً لِلْخِتَانِ أي للمختونين وهم اليهود.
بَلْ أَيْضاً يَسْلُكُونَ فِي خُطُوَاتِ إِيمَانِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ هذا يفيد أن اختتانهم وحده لا يجعل إبراهيم أباهم الروحي ما لم يقتدوا به ويؤمنوا كما آمن.
ٱلَّذِي كَانَ وَهُوَ فِي ٱلْغُرْلَةِ كما قيل في (ع ١١) وخلاصة ما قيل هنا أن إبراهيم نال التبرير بالإيمان قبل أن وُجد التمييز بين أهل الختان وأهل الغرلة. وشرط نيل التبرير نفسه باقٍ إلى الآن وهو الإيمان بقطع النظر عن العلامة الخارجية.
١٣ «فَإِنَّهُ لَيْسَ بِٱلنَّامُوسِ كَانَ ٱلْوَعْدُ لإِبْرَاهِيمَ أَوْ لِنَسْلِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثاً لِلْعَالَمِ، بَلْ بِبِرِّ ٱلإِيمَانِ».
تكوين ١٧: ٤ الخ وغلاطية ٣: ٢٩
ما قاله الرسول في أمر الختان قاله أيضاً في شأن الناموس في هذه الآية والأربع التي تليها. فإنه قد برهن أن إبراهيم لم يتبرّر بختانه وصرّح هنا أنه لم يتبرّر بطاعته للناموس واستدل على ذلك بمقابلة ما في العهد الذي آمن به بما في الناموس.
لَيْسَ بِٱلنَّامُوسِ كَانَ ٱلْوَعْدُ ذهب البعض أن الناموس المشار إليه هنا هو ناموس موسى الذي ذكره في (غلاطية ٣: ١٧) حيث قيل «إِنَّ ٱلنَّامُوسَ ٱلَّذِي صَارَ بَعْدَ أَرْبَعِمِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً». وذهب آخرون إلى أن المراد به ناموس الله الادبي الذي أُوجب على كل الخليقة العاقلة ولم يكتب منه شيء في أيام إبراهيم وهذا هو الصحيح كما يستفاد من قوله «حَيْثُ لَيْسَ نَامُوسٌ لَيْسَ أَيْضاً تَعَدٍّ» (ع ١٥) لأن الناموس هنا لا يصح أن يكون ناموس موسى وإلا قصر التعدّي على اليهود دون سائر الناس وهو باطل.
ٱلْوَعْدُ ذكر مضمونه في آخر هذه الآية.
لإِبْرَاهِيمَ أَوْ لِنَسْلِهِ سُمّي إبراهيم في الآية «أباً للمؤمنين» وبهذا المعنى سموا هم هنا نسله أي أولاده وورثته في الروح.
أَنْ يَكُونَ وَارِثاً لِلْعَالَمِ هذا هو الوعد المذكور في أول الآية وهو خلاصة كل المواعيد التي كانت لإبراهيم معنىً لا لفظاً (تكوين ١٢: ٧ و١٣: ١٤ و١٥ و١٥: ١٨ و١٧: ٨ و٢٢: ١٧). ومثل تفسير الرسول هنا لتلك المواعيد كان تفسير علماء اليهود لها لأنهم فهموا أنها تشير إلى عموم سلطان المسيح الذي هو نسل إبراهيم. وهو على الخصوص مضمون وعد الله له بقوله «تَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ» (تكوين ١٢: ٣). وقوله أنه يجعله أباً لجمهور من الأمم (تكوين ١٧: ٥).
وهذا الوعد يتم غالباً بمعنى روحي فينال أولاده بالإيمان أفضل البركات الإلهية ويتم كل الإتمام حين «ٱلْمَمْلَكَةُ وَٱلسُّلْطَانُ وَعَظَمَةُ ٱلْمَمْلَكَةِ تَحْتَ كُلِّ ٱلسَّمَاءِ تُعْطَى لِشَعْبِ قِدِّيسِي ٱلْعَلِيِّ» (دانيال ٧: ٢٧) وعندما يأخذ المسيح أقاصي الأرض ملكاً له (مزمور ٢: ٨).
بَلْ بِبِرِّ ٱلإِيمَانِ إن الوعد لإبراهيم لم يكن لطاعته للناموس فكان بالضرورة لإيمانه كما صرّح كتاب الله (تكوين ١٥: ٦).
١٤ «لأَنَّهُ إِنْ كَانَ ٱلَّذِينَ مِنَ ٱلنَّامُوسِ هُمْ وَرَثَةً، فَقَدْ تَعَطَّلَ ٱلإِيمَانُ وَبَطَلَ ٱلْوَعْدُ!».
غلاطية ٣: ١٨
ٱلَّذِينَ مِنَ ٱلنَّامُوسِ أي الذين يطلبون التبرير بطاعتهم للناموس فيتكلون على أعمالهم الصالحة.
هُمْ وَرَثَةً لو نالوا التبرير بأعمالهم حسبما رجوا. وهذا فرض من الرسول أبان به بطلان ذلك الرجاء.
فَقَدْ تَعَطَّلَ ٱلإِيمَانُ أي كان بلا فائدة من جهة نيل البركة بواسطته وكان كل المدح الذي مدحه إبراهيم على إيمانه في غير محله.
بَطَلَ ٱلْوَعْدُ كان الوعد لإبراهيم ونسله مبنياً على الإيمان دون الأعمال فلو تبرّر الناس بالناموس أُخلف الوعد. وخلاصة الآية أنه لو كان الميراث لحفظة الناموس لم يبق نفع من الإيمان ولا فائدة من الوعد.
ومن الجلي أن ما لزم عنه إخلاف الله الميعاد لا يمكن أن يكون طريقاً للتبرير. والقرينة تدل على أن الرسول أراد بالناموس هنا كل ما أعلن به الله مشيئته للبشر وجعله قانوناً لسيرتهم.
١٥ «لأَنَّ ٱلنَّامُوسَ يُنْشِئُ غَضَباً، إِذْ حَيْثُ لَيْسَ نَامُوسٌ لَيْسَ أَيْضاً تَعَدٍّ».
ص ٣: ٢٠ و٥: ١٣ و٢٠ و٧: ٨ و١٠ و١١ و١كورنثوس ١٥: ٥٦ و٢كورنثوس ٣: ٧ و٩ وغلاطية ٣: ١٠ و١يوحنا ٣: ٤
غاية ما في هذه الآية محاليّة أن يكون الناس ورثة البركة الموعود بها بواسطة الناموس.
ٱلنَّامُوسَ يُنْشِئُ غَضَباً أي غضب الله على الذين يتعدّونه. وهو يكشف لهم ذنوبهم ويطلب عقابهم على تلك الذنوب فالناس كلهم تعدوا الناموس ولذلك صاروا عرضة لغضب واضع الناموس الذي قضى بعقاب مخالفيه.
ليس في الناموس من سبيل لإظهار الرحمة للمعتدين فهو يدين الأثيم ولكن لا يستطيع أن يبرّره. أنه يوجب الطاعة الكاملة فإذا لم تكن صرّح بغضب الله كقوله تعالى «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لاَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ ٱلنَّامُوسِ لِيَعْمَلَ بِهِ» (غلاطية ٣: ١٠).
والناموس ينشئ الغضب أيضاً لأنه يترك مخالفه بلا حجة أمام الله. وقد بيّن الرسول طريقاً آخر لإنشاء الناموس الغضب في (ص ٧) وهو أنه يهيّج عواطف القلب الشريرة حتى يعصيه. وليس من غاية الرسول أن يوضح هذا هنا لأن موضوع كلامه هنا التبرير وتأثير الناموس في أمره ومن المعلوم أن ما ينشئ الغضب لا يمكنه أن يؤدي إلى نيل الوعد (ع ١٣).
حَيْثُ لَيْسَ نَامُوسٌ لَيْسَ أَيْضاً تَعَدٍّ فإذاً ليس خطيئة إذ على ما قال الرسول «أَنَّ ٱلْخَطِيَّةَ لاَ تُحْسَبُ إِنْ لَمْ يَكُنْ نَامُوسٌ» (ص ٥: ١٣). لأن الخطيئة هي تعدّي الناموس فإذا لم يكن من ناموس مكتوب أو غير مكتوب لم يكن من تعد ولا خطيئة ولا غضب ولا دينونة ولكن وُضع الناموس فثبت التعدّي.
نعم «إِذاً ٱلنَّامُوسُ مُقَدَّسٌ، وَٱلْوَصِيَّةُ مُقَدَّسَةٌ وَعَادِلَةٌ وَصَالِحَةٌ» (ص ٧: ١٢) وهو يحكم على بواطن القلب وبواعث الأعمال ويوجب الطاعة الكاملة على من يريد أن يتبرّر به ويقضي بالعقاب على مخالفه فرجاء الشرير أن يتبرّر بمثل هذا الناموس ظاهر البطلان.
١٦ «لِهٰذَا هُوَ مِنَ ٱلإِيمَانِ، كَيْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ ٱلنِّعْمَةِ، لِيَكُونَ ٱلْوَعْدُ وَطِيداً لِجَمِيعِ ٱلنَّسْلِ. لَيْسَ لِمَنْ هُوَ مِنَ ٱلنَّامُوسِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً لِمَنْ هُوَ مِنْ إِيمَانِ إِبْرَاهِيمَ، ٱلَّذِي هُوَ أَبٌ لِجَمِيعِنَا».
ص ٣: ٢٤ غلاطية ٣: ٢٢ إشعياء ٥١: ٢ وص ٩: ٨
في هذه الآية وما تليها خاتمة قول الرسول أن الميراث الموعود به إبراهيم ونسله بالإيمان لا بالناموس وأنه ليس من شأن الناموس أن يجعل الخطأة ورثة للخلاص.
لِهٰذَا هُوَ مِنَ ٱلإِيمَانِ لأنه يستحيل أن يكون من الناموس كما تبيّن. ولا فرق في أن رجع الضمير «هو» إلى الميراث المفهوم من (ع ١٤) أو الوعد المذكور في (ع ١٣) أو التبرير الذي هو موضوع الكلام في هذا الفصل.
كَيْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ ٱلنِّعْمَةِ أي لكي يظهر جلياً أن الخلاص يهبه الله مجاناً للمؤمن على غير استحقاق لمجرد رحمة الواهب. فإذا نظرنا إلى التبرير من جهة الإنسان فهو من الإيمان وإذا نظرنا إليه من جهة الله فهو من النعمة.
لِيَكُونَ ٱلْوَعْدُ وَطِيداً لِجَمِيعِ ٱلنَّسْلِ ولو توقّف الخلاص على استحقاق الإنسان وقداسته وثباته لم يكن لأحد أن يرجو الخلاص رجاء وطيداً ولا أن يرجوه البتة لأنه لا أحد من البشر أطاع وصية الله الطاعة الكاملة ولن يستطيع ذلك أبداً. فلو لم يكن الخلاص بالنعمة لم يكن من سبيل إليه البتة لكن رجاءه وطيد لأنه بالإيمان بلا نظر إلى نسبة أو أمة أو عمل وأنه مباح لكل إنسان على وجه الأرض.
والمراد «بالنسل» هنا المؤمنون الذين هم من نسل إبراهيم الروحي كما اتضح من (ع ١١ و١٢).
لِمَنْ هُوَ مِنَ ٱلنَّامُوسِ فَقَطْ تدل القرينة على أنه قصد بالناموس هنا ناموس موسى ولا سيما الختان أحد رسوم الناموس. والمراد «بمن هم من الناموس» مؤمنو اليهود وهم نسل إبراهيم من جهتين طبيعية وروحية الأولى بالدم والثانية بالإيمان.
لِمَنْ هُوَ مِنْ إِيمَانِ إِبْرَاهِيمَ أي المؤمن من الأمم فنسبته إلى إبراهيم نسبة روحية وهي نسبة الإيمان لا الدم.
ٱلَّذِي هُوَ أَبٌ لِجَمِيعِنَا أي أب روحي لكل المؤمنين يهوداً وأمماً وهذا مكرر ما في (ع ١١ و١٢) وخلاصة كل احتجاجه من الآية التاسعة إلى هذه الآية. وهي أن اليهود والأمم شركاء الميراث الموعود به إبراهيم فهم متبرّرون الآن وسيتقدسون ثم يتمجدون.
١٧ «كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: إِنِّي قَدْ جَعَلْتُكَ أَباً لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ. أَمَامَ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي آمَنَ بِهِ، ٱلَّذِي يُحْيِي ٱلْمَوْتٰى، وَيَدْعُو ٱلأَشْيَاءَ غَيْرَ ٱلْمَوْجُودَةِ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ».
تكوين ١٧: ٥ ص ٨: ١١ وأفسس ٢: ١ و٥ ص ٩: ٢٦ و١كورنثوس ١: ٢٨ و١بطرس ٢: ١٠
كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ في تكوين ١٧: ٥ على ما في ترجمة السبعين. اقتبس بولس هذا الوعد إثباتاً لقوله «إن إبراهيم أب لكل المؤمنين». وبياناً لسعة معناه وهو أنه يشمل كل نسله طبيعياً وروحياً وأن كل المؤمنين هم أولاده الروحيون.
أَباً لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ إن إبراهيم لا يمكن أن يكون أباً طبيعياً إلا لأمة واحدة لكن الله جعله بقضائه أن يكون على خلاف الطبيعة أباً لأمم كثيرة.
أَمَامَ ٱللّٰهِ أي أمام عينيه تعالى والظرف متعلق «بجعل». كان إبراهيم يومئذ بلا ولد والله الذي يرى الأمور المستقبلة كأنها حاضرة رأى إبراهيم كما صار في المستقبل واقفاً أمامه محيطة به أمم كثيرة من نسله الروحي.
ٱلَّذِي يُحْيِي ٱلْمَوْتٰى اصطلح بولس على أنه متى ذكر اسم الله في خطابه وصفه بصفة تناسب الموضوع الذي كلامه فيه. إن إبراهيم آمن بالله وقد وعده بما هو فوق الطبيعة ولا يستطيع إجراءه إلا القوة الإلهية فوصف الله هنا بصفة تدل على شمول قدرته فكأنه قال أنه القادر على كل شيء لأن إحياء الموتى من الأعمال المختصة بالله وحده (عبرانيين ١١: ١٩) والذي قدر على ذلك يقدر على كل شيء. وكان إبراهيم يوم وعده الله بأن يكون أباً لأمم كثيرة قد طعن في السن وكذلك امرأته سارة (انظر ع ١٩) ولم يكن لهما من ولد فكان يجب لكي يمكنه أن يصدّق إنجاز الله لوعده أن يؤمن بأنه قادر على إحياء الموتى.
وَيَدْعُو ٱلأَشْيَاءَ غَيْرَ ٱلْمَوْجُودَةِ الخ أي يأمرها كما في قوله «يَمِينِي نَشَرَتِ ٱلسَّمَاوَاتِ. أَنَا أَدْعُوهُنَّ فَيَقِفْنَ مَعاً» (إشيعاء ٤٨: ١٣). والمعنى أن كل الأمور التي حدثت والتي يمكن أن تحدث تحت سلطان الله على السواء أي في قدرته كل موجود في الحال أو ما ليس بموجود فيه لكنه يقصد إيجاده في المستقبل (قابل هذا بما في تكوين ١: ٣ و١كورنثوس ١: ٢٨ و٢كورنثوس ٤: ٦ وكولوسي ١: ١٦ وعبرانيين ١١: ٣).
ذهب بعضهم إلى أن الرسول أشار بالأشياء غير الموجودة إلى من لم يكن قد وُلد من نسل إبراهيم حين قال له الله «إن نسله يكون كنجوم السماء في الكثرة» وذهب آخرون إلى أنه أشار بذلك إلى برّ الخاطئ حين ينسب الله إليه البرّ بدون صالح الأعمال لانه حينئذ يدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة. وذهب فريق إلى أنه أشار بذلك إلى المدعوين من الأمم بدليل قوله «وَأَرْحَمُ لُورُحَامَةَ (أي غير المرحومة) وَأَقُولُ لِلُوعَمِّي (أي لمن هم غير شعبي) أَنْتَ شَعْبِي وَهُوَ يَقُولُ: أَنْتَ إِلٰهِي» (هوشع ٢: ٢٣).
فوائد
- إنه قد وجب على أفضل الناس (أي إبراهيم) في عصر العهد القديم أن يترك الاتكال على أعماله الصالحة ويقبل التبرير هبة مجاناً فينتج بالضرورة أن تبرير غيره من الناس بالأعمال الصالحة محال (ع ٢ و٣).
- إن قبول النعمة وترك كل اتكال على البرّ الذاتي أول شروط الخلاص فمن اتكل على أعماله فقد رفض النعمة (ع ١ – ٥).
- إنه ليس لأحد أن يفتخر بصلاحه أو يعجب به أي لا يقدر أن ينال راحة الضمير وسلامة القلب وهو يثق بأعماله للتبرير (ع ٢).
- إنه يستحيل أن يكون التبرير أجرة وهبة معاً لأنه إن كان من النعمة فهو ليس من الأعمال وإن كان من الأعمال فهو ليس من النعمة.
- إن الله يبرّر الفاجر فإذا لم يبرّره لاستحقاقه بل لاستحقاق غيره والله ينسبه إليه وهو يقبله بالإيمان (ع ٥ و٦ و١١).
- إن بركات الإنجيل التي إحداها التبرير موافقة لكل البشر وغير مقصورة على ملة من الملل ولا مقيدة برسم من الرسوم (٩ – ١١).
- إن أسرار الكنيسة ورسومها مع أنها نافعة في محلها تكون ضارّة لمن يتكل عليها للخلاص لأنه من المحال أن يفيد الرمز إفادة المرموز إليه. إن الختان لا يقوم مقام البرّ والمعمودية لا تقوم مقام تجديد القلب (ع ١٠).
- إن إبراهيم أب لكل المؤمنين فكل المؤمنين إخوة.
- إن نسل إبراهيم أي المؤمنين الحقيقيين مع المسيح رأسهم هم ورثة العالم وأقاصي الأرض ميراثهم. كل شيء لهم لأنهم للمسيح وهم ليسوا ورثة العالم الحاضر فقط بل ورثة المستقبل أيضاً (ع ١٣).
- الاستناد للتبرير على الناموس الذي خالفناه غاية الجهالة فالذي من شأنه أن يديننا من المحال أن يبرّرنا (ع ١٥).
- الخلاص مؤكد لنا لأنه مجان لأنه لو كان متوقفاً على شيء من طاعتنا لم نستطع أن نتحقق إننا قمنا بالمطلوب منا ولكن لكونه هبة يمكننا أن نعلم هل قبلناه أو لا (ع ١٦).
- الذي جعله الله موضوع إيماننا يجب علينا أن نثق به كل الثقة لأنه قادر أن يتمم كل ما وعد به وهو ناوٍ ذلك (ع ١٧).
إيمان إبراهيم وكونه مثالاً لنا ع ١٨ إلى ٢٥
مضمون هذا الفصل خمسة أمور:
- الأول: إن إيمان إبراهيم كان مبنياً على وعد الله (ع ١٨).
- الثاني: إن قوة إيمانه ظهرت بعدم اكتراثه بالصعوبات (ع ١٩ و٢٠).
- الثالث: إن ما اتكل إبراهيم عليه كان قوة الله وصدقه.
- الرابع: إن نتيجة إيمانه كانت أنه تبرّر به.
- الخامس: إن الطريق الذي تبرّر به هو الطريق الذي نتبرّر به نحن وأنه علينا أن نؤمن بالله القدير الذي بإقامته يسوع المسيح من الموت أظهر أنه قبله كفارة عنا.
١٨ «فَهُوَ عَلَى خِلاَفِ ٱلرَّجَاءِ آمَنَ عَلَى ٱلرَّجَاءِ، لِكَيْ يَصِيرَ أَباً لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا قِيلَ: هٰكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ».
تكوين ١٥: ٥
فَهُوَ عَلَى خِلاَفِ ٱلرَّجَاءِ أي بلا علّة ظاهرة تحمل على الرجاء وعلى خلاف ما اعتاد الناس أن يتوقعوا في أحوال كأحواله. والمشار إليه هنا هو أمله أن يكون له نسل (انظر ع ١٩ – ٢١). وكان يظهر من شيخوخته وشيخوخة امرأته أن لا رجاء أن يكون له نسل.
آمَنَ عَلَى ٱلرَّجَاءِ بناء على وعد الله أي أنه آمن أنه ينال ما رجاه وما وعده الله به.
لِكَيْ يَصِيرَ أَباً لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ أي ليتمم بإيمانه قصد الله ذلك فإيمانه كان وسيلة لنيل الغاية التي لم تحدث بدون إيمانه وهذا موافق لما في الآية الحادية عشرة. فهذه الغاية لم تكن موضوع إيمانه بل ما ترتب عليه وإلا قال آمن أن يصير الخ.
هٰكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ الوعد الذي آمن إبراهيم به هو أن نسله يكون كنجوم السماء (تكوين ١٥: ٥). والمرجّح أن الرسول أخذ هذا الوعد عبارة عن كل مواعيد الله المتعلقة بوفرة نسل إبراهيم وتبارك كل قبائل الأرض به. ولا ريب في أن إيمانه شمل الوعد بالمسيح وفدائه لأن هذا الرسول صرّح بأن ذلك الوعد تضمن الوعد بالمسيح (غلاطية ٣: ١٦). والمسيح نفسه يقول ما معناه أن إبراهيم فهم الوعد كذلك وهو قوله «أَبُوكُمْ إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي فَرَأَى وَفَرِحَ» (يوحنا ٨: ٥٦).
١٩ «وَإِذْ لَمْ يَكُنْ ضَعِيفاً فِي ٱلإِيمَانِ لَمْ يَعْتَبِرْ جَسَدَهُ وَهُوَ قَدْ صَارَ مُمَاتاً، إِذْ كَانَ ٱبْنَ نَحْوِ مِئَةِ سَنَةٍ وَلاَ مُمَاتِيَّةَ مُسْتَوْدَعِ سَارَةَ».
تكوين ١٧: ١٧ و١٨: ١١ وعبرانيين ١١: ١١ و١٢
في هذه الآية فسّر بولس قوله «آمن على خلاف الرجاء» أي أبان علّة ظهور أن إنجاز الوعد غير مستطاع.
إِذْ لَمْ يَكُنْ ضَعِيفاً فِي ٱلإِيمَانِ أي لأنه كان شديد الإيمان. وفي قوله هذا إشارة إلى أن إبراهيم لو كان ضعيف الإيمان لشغل نظره بالصعوبات التي في سبيل إنجاز الوعد ولقاس الأمر بمقياس العقل لا مقياس الإيمان وشك كما شك بطرس لما نظر إلى اضطراب الأمواج (متّى ١٤: ٣٠) لكنه قوي بإيمانه على كل الشكوك. نعم أنه عرف الصعوبات وأشار إليها في خطاب الله لكنه لم يكترث بها حتى يرتاب (تكوين ١٥: ٥ و٦ و١٧: ١٧).
لَمْ يَعْتَبِرْ جَسَدَهُ وَهُوَ قَدْ صَارَ مُمَاتاً الخ (تكوين ١٧: ١ و١٧ و١٦: ١).
٢٠، ٢١ «٢٠ وَلاَ بِعَدَمِ إِيمَانٍ ٱرْتَابَ فِي وَعْدِ ٱللّٰهِ، بَلْ تَقَوَّى بِٱلإِيمَانِ مُعْطِياً مَجْداً لِلّٰهِ. ٢١ وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضاً».
مزمور ١١٥: ٣ ولوقا ١: ٣٧ و٤٥ وعبرانيين ١١: ١٩
ما في هاتين الآيتين توكيد لما في الآية التاسعة عشرة. وفيهما بيان ما اعتبره وهو وعد الله فزاد إيماناً بدلاً من أن يشك لضعف الإيمان والاهتمام بالصعوبات وهو ينظر إلى الذي وعد وإلى عظمة قدرته وصدقه.
مُعْطِياً مَجْداً لِلّٰهِ بثقته بقوله تعالى وبقدرته وأمانته في مواعيده. فيحسب الله إظهار الثقة به مجداً له وإظهار الشك إهانة له.
توقف بعض الناس عن التمسك بمواعيد الإنجيل بحجة أنهم غير مستحقي المغفرة. وحسبانهم شكوكهم في محبة الله لهم ورحمته تواضعاً غفلة عن أن الله يدعو غير المستحقين إلى قبول بركات الإنجيل وأنه يبرّر الفاجر إكراماً للمسيح. فالثقة بقول الإنجيل «آمن بالرب يسوع المسيح تخلص» واجبة كما وجب على إبراهيم وهو في نحو سن المئة أن يثق بأن يكون أباً لأمم كثيرة. فعلينا أن لا نلتفت إلى الصعوبات في طريق خلاصنا بل إلى قوة الواعد وصدقه. فالخاطئ المتكل على نعمة الله يمجّده كما مجده إبراهيم وهو يثق بقدرته.
٢٢ «لِذٰلِكَ أَيْضاً حُسِبَ لَهُ بِرّاً».
معنى هذه الآية إن إيمان إبراهيم حُسب له براً فكأنه قال خلاصة الكلام أن إبراهيم تبرّر بالإيمان لا بالأعمال على ما سبق في (ع ٣) وموضوع إيمانه وعد الله له بنسله. وموضوع إيماننا اليوم وعد الله بالحياة الأبدية بابنه يسوع المسيح. فإذا آمنا بذلك حُسب لنا الإيمان براً أي تبرّرنا.
٢٣، ٢٤ «٢٣ وَلٰكِنْ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ أَجْلِهِ وَحْدَهُ أَنَّهُ حُسِبَ لَهُ، ٢٤ بَلْ مِنْ أَجْلِنَا نَحْنُ أَيْضاً، ٱلَّذِينَ سَيُحْسَبُ لَنَا، ٱلَّذِينَ نُؤْمِنُ بِمَنْ أَقَامَ يَسُوعَ رَبَّنَا مِنَ ٱلأَمْوَاتِ».
ص ١٥: ٤ و١كورنثوس ١٠: ٦ و١١ أعمال ٢: ٢٤ و١٣: ٣٠
لَمْ يُكْتَبْ مِنْ أَجْلِهِ وَحْدَهُ أي أنه لم تكن غاية الله من نبإ إبراهيم أن يشهد بإيمانه بل أن يبيّن أن طريق تبرّره هو الطريق الذي يتبرّر به كل خاطئ.
بَلْ مِنْ أَجْلِنَا نَحْنُ أي ليرينا كيف نتبرّر. إننا كلنا خطأة والطريق الذي تبرّر به أحد الخطأة هو الطريق الذي يتبرّر به الجميع. تبرّر إبراهيم بالإيمان فيمكننا نحن أن نتبرّر به. كان موضوع إيمانه وعد الله وهو موضوع إيماننا لنيل الحياة الأبدية.
سَيُحْسَبُ لَنَا البرّ.
ٱلَّذِينَ نُؤْمِنُ بِمَنْ أَقَامَ يَسُوعَ أي بالله لأنه بإقامة يسوع قد أعلن أنه ابنه وأنه نسل إبراهيم الذي به يتبارك كل قبائل الأرض. فإذاً موضوع إيمان إبراهيم هو موضوع إيمان المسيحيين. والفرق بينهما أن إبراهيم آمن بنيل بركة مستقبلة أي أن الله يقيم نسلاً به يتبارك كل الناس ونحن نؤمن بما أنجزه الله بإقامة يسوع من الأموات.
خصّ بولس هنا بالذكر إقامة الله للمسيح من المبادئ التي امتاز بها الدين المسيحي عن غيره دون تجسده وصلبه للمناسبة بينها وبين موضوع إيمان إبراهيم وهو أنه «آمن بالذي يحيي الموتى» (ع ١٧) ولأن تلك الإقامة كانت البرهان الأعظم على قوة الله ولأنها كانت خاتمة أعمال المسيح الفدائية.
٢٥ «ٱلَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا».
إشعياء ٥٣: ٥ و٦ وص ٣: ٢٥ و٥: ٦ و٨: ٣٢ و٢كورنثوس ٥: ٢١ وغلاطية ١: ٤ وعبرانيين ٩: ٢٨ و١بطرس ٢: ٢٤ و٣: ١٨ و١كورنثوس ١٥: ١٧ و١بطرس ١: ٢١
هذه الآية مختصر الإنجيل.
أُسْلِمَ للموت. وهذا يُنسب أحياناً إلى الآب (كما في رومية ٨: ٣٢ وغلاطية ١: ٣ وغير ذلك من المواضع) وأحياناً إلى المسيح نفسه بمعنى أنه رضي ذلك (غلاطية ٢: ٢٠ وأفسس ٥: ٢ وتيطس ٢: ١٤) وإنما أُسلم بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق (أعمال ٢: ٣٢ و٤: ٢٨).
مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا ليكفر عنها (كما في ص ٣: ٢٥ انظر أيضاً إشعياء ٥٣: ٥ و٦ وعبرانيين ٩: ٢٨ و١بطرس ٢: ٢١ و٢٤) لأن موته كان إيفاء لما علينا من القصاص من أجل خطايانا ولذلك كان علّة تبريرينا أمام الله.
أُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا كانت قيامة المسيح وسيلة إلى تبريرنا لأمرين:
الأول: إنها دليل على أن الله قبل موته كفارة عن خطايانا فلو لم يقم لم يكن من برهان على أنه ابن الله المسيح الفادي وكنا لم نزل في خطايانا تحت الدينونة (١كورنثوس ١٥: ١٧) وبسبب قيامته نثق به ونستفيد التبرير به على وفق قول بولس الرسول «مُبَارَكٌ ٱللّٰهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ ٱلْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (١بطرس ١: ٣).
الثاني: إنها صارت سبيلاً إلى وجوده عن يمين الله الآب يشفع فينا ويُحصّل لنا فوائد فدائه. فإنه كما كان الحبر الأعظم قديماً يقدم ذبيحة على المذبح ثم يدخل بها إلى قدس الأقداس ويرش الدم على غطاء التابوت هكذا اقتضى تبريرنا أن يقدم رئيس أحبارنا الأعظم نفسه على الأرض ذبيحة عن الخطيئة ثم يجتاز السموات ليشفع فينا بإظهار دمه أمام الله. فموت المسيح وقيامته مع أنهما منفصلان لفظاً في هذه الآية هما في الإنجيل متحدان غالباً بمعنى أنهما موضوع واحد لإيماننا فعندما آمنا بأن يسوع المسيح مات على الصليب وقام من الأموات وصعد إلى السماء حيث يشفع فينا تبرّرنا.
فوائد
- إن الإيمان هو تصديق قول الله لمجرد شهادته تعالى لا لأن عقولنا صدقته (ع ١٨ و٢٠).
- إنه يجب لتقوية إيماننا أن نحوّل نظرنا عن الصعوبات في طريق إنجاز وعد الله إلى قوته تعالى غير المتناهية وصدقه الذي لا ريب فيه (ع ١٩).
- إنه إذا كان إيمان الإنسان خالصاً فلا بد من تأثيره في قلبه وسيرته (ع ٢٠ و٢١).
- إن عدم الإيمان خطيئة كبيرة لأنه الشك في قدرة الله وصدقه (ع ٢٠ و٢١).
- إنه كل ما كُتب في كتابه تعالى هو لتعليمنا ونفعنا مع أن بعضه يظهر أنه مختص بأشخاص لأن أولئك الأشخاص نوّاب عن صنوف الناس. فما أمرهم الله ووعدهم وأنذرهم به يؤمر ويوعد وينذر به الذين هم مثلهم في الصفات والأحوال.
- إن طريق الخلاص لم يتغير على توالي العصور فإن إبراهيم خلص بالإيمان وكذلك نحن نخلص به. وإن موضوع إيمانه موضوع إيماننا (ع ١٧ و٢٤).
-
إن قيامة المسيح ثابتة ببراهين قاطعة وهي تثبّت صحة الإنجيل كله. وأن المبدأين الجوهريين في الإنجيل هما أن يسوع مات كفارة لخطايانا وقام لتبريرنا فمن آمن بهما إيماناً قلبياً لخلاصه مؤكد ومن لم يؤمن بهما كذلك لا يؤمن بالإنجيل ويرفض الخلاص في الطريق التي اعدها الله (ع ٢٥ وص ١٠: ٩).
السابق |
التالي |