رؤيا يوحنا | 22 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح سفر رؤيا يوحنا
للدكتور . وليم إدي
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ
١ «وَأَرَانِي نَهْراً صَافِياً مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ لاَمِعاً كَبَلُّورٍ خَارِجاً مِنْ عَرْشِ ٱللهِ وَٱلْحَمَلِ».
ص ٢١: ٩ وع ٦ ص ١: ١ مزمور ٤٦: ٤ وحزقيال ٤٧: ١ ع ١٧ ص ٧: ١٧ و٤: ٦
في هذه الآية وما بعدها إلى نهاية الخامسة وصف السماوات الجديدة والأرض الجديدة. وبيان إن كل ما خسره الناس بالخطيئة من (نِعم) الفردوس الأرضي يجدونها في الفردوس السماوي بواسطة الخروف.
أَرَانِي أي الملاك الذي تكلم معه.
نَهْراً صَافِياً مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ كلمة «صافياً» ليست في أفضل النسخ هذا يشبه ما كان يجري من جنة عدن (تكوين ٢: ١٠) إلا أن ينبوعه أسمى من ينبوع ذاك. وهو يشبه النهر الذي جرى من الصخرة التي ضربها موسى بالعصا فمصدره مصدر ذلك (مزمور ١٠٥: ٤١) ويشبه الذي رآه النبي يوئيل (يوئيل ٣: ١٨) وما رآه النبي زكريا (زكريا ١٤: ٨) والذي وصفه حزقيا بأنه «جرى من تحت عتبة بيت الله وكان يزداد اتساعاً وعمقاً وعظمة كلما زاد جرياناً ويأتي بالحياة كلما مرّ به» (حزقيال ٤٧: ١ – ١٢). والذي ترنم به داود وهو قوله «يَرْوُونَ مِنْ دَسَمِ بَيْتِكَ وَمِنْ نَهْرِ نِعَمِكَ تَسْقِيهِمْ. لأَنَّ عِنْدَكَ يَنْبُوعَ ٱلْحَيَاةِ» (مزمور ٣٦: ٨ و٤٦: ٤) وأشار بهذا إلى الفرح والمشاركة لله التي تمتع بها المؤمنون بالتعليم الإلهي وعطية الروح القدس المواهب للنعمة والسلام والحياة الروحية (إشعياء ٦٦: ١٢ ويوحنا ٤: ١٠ – ١٤ و٧: ٣٧ – ٣٩).
خَارِجاً مِنْ عَرْشِ ٱللهِ وَٱلْحَمَلِ أي إن ينبوعه الله ويلزم منه أن ينبوعه واحد وهو عرش الله والخروف أي النعمة غير المحدودة والذبيحة الكفارية.
٢ «فِي وَسَطِ سُوقِهَا وَعَلَى ٱلنَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ شَجَرَةُ حَيَاةٍ تَصْنَعُ ٱثْنَتَيْ عَشَرَةَ ثَمَرَةً، وَتُعْطِي كُلَّ شَهْرٍ ثَمَرَهَا، وَوَرَقُ ٱلشَّجَرَةِ لِشِفَاءِ ٱلأُمَمِ».
حزقيال ٤٧: ١٢ وص ٢١: ٢١ ع ٤ و١٩ وص ٢: ٧
فِي وَسَطِ سُوقِهَا وَعَلَى ٱلنَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ شَجَرَةُ حَيَاةٍ فيظهر من ذلك إن النهر جار في وسط شوارع المدينة وعلى جانبه أشجار الحياة وهذا مبني على ما في (تكوين ٢: ٩) إلا أنه ذُكر في سفر التكوين شجرة واحدة وكلام الرؤيا يستلزم أشجاراً كثيرة.
تَصْنَعُ ٱثْنَتَيْ عَشَرَةَ ثَمَرَةً، وَتُعْطِي كُلَّ شَهْرٍ ثَمَرَهَا فأثمارها تكفي الذين «يجوعون إلى البر» كما أن ماء نهو الحياة يكفي «العطاش» إليه (متّى ٥: ٦). فحملها «كل شهر» يشير إلى كثرة أثمارها ودوامها فيُراد «بالشهر» هنا حصة قليلة من الزمن.
وَوَرَقُ ٱلشَّجَرَةِ لِشِفَاءِ ٱلأُمَمِ قيل سابقاً إن «لا مرض هناك ولا وجع» (ص ٢١: ٤) وأبان هنا علة حفظ الصحة أبداً. و «الأمم» هنا هم المذكورون في (ص ٢١: ٢٤). كان كل من «نهر الحياة» و «شجرة الحياة» في جنة عدن الفردوس الأرضي وهما أيضاً في الجنة العليا الفردوس السماوي (تكوين ٢: ٩ و٣: ٢٢ وحزقيال ٤٧: ٧ – ١٢). وأنواع «الأثمار اثنا عشر» كعدد «أسس المدينة وعدد أبوابها» تشير إلى أنواع الفداء الروحي الكثيرة المتنوعة الوافية باحتياج السماويين. وكون نوع «الشجر واحداً» يدل على الاتحاد. وكون أثمارها «اثني عشر» نوعاً يشير إلى تنوع الحاجات فتوافق حاجات شعب الله المتنوعة (أمثال ٣: ١٨). ولا محل في الفردوس السماوي لشجرة معرفة الخير والشر فشجرة الحياة موافقة لتعليم الإنسان أن يجعل حياته نافعة أعظم نفع للجميع (١كورنثوس ١: ٢٢ – ٢٤ و٣٠ ويعقوب ٣: ١٧). ويسوع هو «خبز الحياة» في العالم الحاضر والعالم المستقبل لأن «شجرة الحياة» هي المسيح (ص ٢: ٧).
٣ «وَلاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ. وَعَرْشُ ٱللهِ وَٱلْحَمَلِ يَكُونُ فِيهَا، وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ».
ص ٢١: ٣ و٢٣ و٧: ١٥
وَلاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ كما كانت على الأرض بعد المعصية الأولى التي كانت علة أن «تنبت الأرض شوكاً وحسكاً» (تكوين ٣: ١٧). فإزالة اللعنة تلزم إزالة التعب والألم المقترن بها وإزالة لزوم أن «يؤكل الخبز بعرق الجبين» وفي هذا إشارة إلى إزالة كل نتائج اللعنة مما ذكر في (يشوع ٧: ١٢ وزكريا ١٤: ١١).
وَعَرْشُ ٱللهِ وَٱلْحَمَلِ يَكُونُ فِيهَا فلا يكون حضوره محجوباً عن الناس كما هو محجوب الآن. فللمفديين حق الاقتراب إليه دائماً والله يملك بمقتضى مبادئ العدل والطهارة والمحبة.
وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ أي كل سكان السماء يخدمونه عبيداً له ويخدمونه كالكهنة في الهيكل الأرضي القديم. فإنهم سرّوا وهم على الأرض بأن يدعوا أنفسهم «عبيده» (فيلبي ١: ١ و١بطرس ١: ١ ويهوذا ١). وخدموه على الأرض بمقاومات من خارج كثيرة وهم لا يشاهدونه ليتعزوا بحضوره ولكنهم يخدمونه في السماء بسرور وشبيبة خالدة.
٤ «وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ، وَٱسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ».
متّى ٥: ٨ مزمور ١٧: ١٥ و٤٢: ٢ ص ١٤: ١ و٧: ٣
وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ يرون وجهه متغيرين إلى شبهه (٢كورنثوس ٣: ١٨) بدليل قول المرنم «أَشْبَعُ إِذَا ٱسْتَيْقَظْتُ بِشَبَهِكَ» (مزمور ١٧: ١٥) فيرونه لأنهم مثله وهم مثله لأنه يرونه. قال الله لموسى «لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ ٱلإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ» (خروج ٣٣: ٢٠). فالبركة الممنوعة على الأرض ممنوحة للقديسين في السماء (متّى ٥: ٨ و١يوحنا ٣: ٢).
وَٱسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ كما كان على عصابة الحبر الأعظم (خروج ٢٨: ٣٦ – ٣٨).
٥ «وَلاَ يَكُونُ لَيْلٌ هُنَاكَ، وَلاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى سِرَاجٍ أَوْ نُورِ شَمْسٍ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ ٱلإِلٰهَ يُنِيرُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ سَيَمْلِكُونَ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ».
ص ٢١: ٢٣ و٢٥ وزكريا ١٤: ٧ دانيال ٧: ١٨ و٢٧ ص ٢٠: ٤ ومتّى ١٩: ٢٨ ورومية ٥: ١٧
لاَ يَكُونُ لَيْلٌ هُنَاكَ كما قيل في (ص ٢١: ٢٥) وهذا يستلزم أن ليس هنالك حزن لأن الظلمة رمز إلى الحزن ولا جهل ولا شك لأن الظلمة تستعار لهما.
وَلاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى سِرَاجٍ أَوْ نُورِ شَمْسٍ فالمفديون في السماء في غنى عن الأضواء الأرضية ومصادرها لأن نور الشمس والأرض هو نورهم وأبناء النور يسيرون في ضوء وجهه. إنهم كانوا سائحين إلى صهيون السماوية بمرارة نفس وعياء ولكنهم تقدموا من قوة إلى قوة حتى إنهم وصلوا إليها والرب نورهم ومحبتهم وهو قد أعطى النعمة وحينئذ يُعطي المجد «ٱلرَّبُّ يُعْطِي رَحْمَةً وَمَجْداً. لاَ يَمْنَعُ خَيْراً عَنِ ٱلسَّالِكِينَ بِٱلْكَمَالِ. يَا رَبَّ ٱلْجُنُودِ، طُوبَى لِلإِنْسَانِ ٱلْمُتَّكِلِ عَلَيْكَ» (مزمور ٨٤: ١١ و١٢).
٦ «ثُمَّ قَالَ لِي: هٰذِهِ ٱلأَقْوَالُ أَمِينَةٌ وَصَادِقَةٌ. وَٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلأَنْبِيَاءِ ٱلْقِدِّيسِينَ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَرِيعاً».
ص ١٩: ٩ و٢١: ٥ ص ١: ١ و١كورنثوس ١٤: ٤٢ ع ١٦ وعبرانيين ١٢: ١
في هذه الآية وما بعدها إلى نهاية الأصحاح كلام التعزية والإنذار.
ثُمَّ قَالَ لِي أي رفيق يوحنا في هذه الرؤيا.
هٰذِهِ ٱلأَقْوَالُ أَمِينَةٌ وَصَادِقَةٌ هذا مقول على كل ما في هذا السفر وكثير منه كلام المسيح (ص ١: ٥) هو «الشاهد الأمين» (ص ٣: ١٤).
وَٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلأَنْبِيَاءِ ٱلْقِدِّيسِينَ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ هذا برهان القول السابق (ص ١: ١). والمتكلم هنا هو الله الذي كلّم الناس بالأنبياء (٢بطرس ١: ٢١).
٧ «هَا أَنَا آتِي سَرِيعاً. طُوبَى لِمَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هٰذَا ٱلْكِتَابِ».
ع ١٢ و٢٠ وص ٣: ١١ و١: ٣ و٣: ٣ و١٦: ١٥ ع ١٠ و١٨ وص ١: ١١
هَا أَنَا تكلم المسيح ليثبت قول الملاك.
آتِي سَرِيعاً (انظر تفسير ص ١: ٤ و٣: ١١ و٢٢: ٢٠).
طُوبَى لِمَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هٰذَا ٱلْكِتَابِ هذا السفر لم يكمل لكن الله أمر يوحنا أن يكتبه وأعلن له ما في (ص ١: ١٩) ولذلك حسبه كأنه كمل فالغبطة ليست لم يقرأ ويسمع أقوالها فقط ويتعجب مما أُعلن فيها بل للذين يحفظون أقوالها ويطيعونها. فالذي يحب المسيح يحفظ وصاياه (يوحنا ١٤: ١٥) كما أن المسيح أحب أباه وحفظ وصاياه (يوحنا ١٥: ١٠). فالذين يسمعون أقوال المسيح يثبتون كالذي بنى بيته على الصخرة (متّى ٧: ٢٤ و٢٥). فثوابه أنه يغلب الموت بدليل قول المسيح «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْفَظُ كَلاَمِي فَلَنْ يَرَى ٱلْمَوْتَ إِلَى ٱلأَبَدِ» (يوحنا ٨: ٥١).
٨ «وَأَنَا يُوحَنَّا ٱلَّذِي كَانَ يَنْظُرُ وَيَسْمَعُ هٰذَا. وَحِينَ سَمِعْتُ وَنَظَرْتُ، خَرَرْتُ لأَسْجُدَ أَمَامَ رِجْلَيِ ٱلْمَلاَكِ ٱلَّذِي كَانَ يُرِينِي هٰذَا».
ص ١٩: ١٠ و١: ١
أَنَا يُوحَنَّا أضاف المسيح في (ع ٧) شهادته إلى شهادة الملاك وأضاف يوحنا هنا شهادته إلى شهادة المسيح وصرّح بأن هذا السفر ليس من أحلامه بل هو إعلان إلهي. والقول هنا موافق لقوله في رسالته الأولى (١يوحنا ١: ١ – ٣).
خَرَرْتُ لأَسْجُدَ غلب العجب يوحنا ثانية مما شاهده من المعلنات وكان على وشك أن يسجد للملاك الذي تكلم معه فمُنع ثانية (انظر ص ١٩: ١٠).
٩ «فَقَالَ لِيَ: ٱنْظُرْ لاَ تَفْعَلْ! لأَنِّي عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إِخْوَتِكَ ٱلأَنْبِيَاءِ، وَٱلَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَقْوَالَ هٰذَا ٱلْكِتَابِ. ٱسْجُدْ لِلّٰهِ».
ص ١٩: ١٠ وص ١: ١
خلاصة التوبيخ في هذه الآية مثل التوبيخ السابق (ص ١٩: ١٠) وهي إن كل الخلائق العقلية من ملائكة وأنبياء ورسل وكل المؤمنين فكلهم متحدون في خدمة واحدة لرب واحد.
١٠ «وَقَالَ لِي: لاَ تَخْتِمْ عَلَى أَقْوَالِ نُبُوَّةِ هٰذَا ٱلْكِتَابِ، لأَنَّ ٱلْوَقْتَ قَرِيبٌ».
دانيال ٨: ٢٦ وص ١٠: ٤ ص ١: ٣
لاَ تَخْتِمْ عَلَى أَقْوَالِ نُبُوَّةِ هٰذَا ٱلْكِتَابِ أي أعلنها لأنه لا يجوز النطق بها.
لأَنَّ ٱلْوَقْتَ قَرِيبٌ أي وقت إنجازها فهي تعزية للمؤمنين وإنذار للأشرار. وهذا الأمر خلاف أمر الله لدانيال إذ قيل له «فَٱكْتُمِ ٱلرُّؤْيَا لأَنَّهَا إِلَى أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ» (دانيال ٨: ٢٦). كانت نبوءة دانيال استعدادية وبعيدة زمن الإنجاز ولكن نبوءات هذا السفر مختصة بزمان قريب بمقتضى قول يوحنا «هِيَ ٱلسَّاعَةُ ٱلأَخِيرَةُ» (١يوحنا ٢: ١٨). وعلى أثره الوقت الذي قال فيه المسيح «يُكْرَزُ بِبِشَارَةِ ٱلْمَلَكُوتِ هٰذِهِ فِي كُلِّ ٱلْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ ٱلأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي ٱلْمُنْتَهَى» (متّى ٢٤: ١٤).
١١ «مَنْ يَظْلِمْ فَلْيَظْلِمْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ نَجِسٌ فَلْيَتَنَجَّسْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ بَارٌّ فَلْيَتَبَرَّرْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ مُقَدَّسٌ فَلْيَتَقَدَّسْ بَعْدُ».
حزقيال ٣: ٢٧ ودانيال ١٢: ١٠
خلاصة هذه الآية إن وقت الامتحان مضى وإن عمل الفداء انتهى وفات زمان التوبة والانتقال من الموت إلى الحياة وقد خلص المخلصون ودين الأشرار. وفيها أيضاً بيان إن كل أعمال الإنسان تميل إلى حال دائمة لا تغير فيها فالذي يزرعه الإنسان في العاجل يحصده في الآجل. فمن يزرع عملاً حصد عادة ومن زرع سجية حصد نصيباً أبدياً. فقسم الناس هنا إلى قسمين «الأشرار» و «الأتقياء» فقسم الأشرار إلى «ظالمين» و «نجسين» والأتقياء إلى «أبرار» و «مقدسين» وأبان إن الأشرار يميلون أبداً إلى زيادة الشر حتى يهبطوا في هاوية الإثم. وإن الأبرار يميلون كذلك إلى الارتقاء في أعلى مراقي القداسة. والمراد «بالظالم» هنا هو الذي يدوس حقوق الله والناس «وبالنجس» الذي يسيء إلى جسده ونفسه. و «البار» هو الذي يرعى حقوق غيره حقوق الخالق والمخلوق. و «المقدس» الذي يحفظ نفسه طاهرة. ولعل مراده إن وقت مجيء المسيح قريب وقربه يجعل الفرصة قصيرة لإصلاح السيرة والتوبة. فإذاً وجب على الناس أن يغتنموا الفرصة الحاضرة ليتوبوا ويخلصوا وإلا اعتادوا الإثم وتعسر عليهم الرجوع عنه. وهذا تصريح بقرب يوم الدين (قابل هذا بما في حزقيال ٣: ٢٨ ومتّى ٢٦: ٤٥).
١٢ «وَهَا أَنَا آتِي سَرِيعاً وَأُجْرَتِي مَعِي لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ».
ع ٧ إشعياء ٤٠: ١٠ و٦٢: ١١ ص ٢: ٢٣ وإرميا ١٧: ١٠ متّى ١٦: ٢٧
هَا أَنَا آتِي سَرِيعاً المتكلم في هذه الآية الرب يسوع المسيح وهو قد أتى ليبطل نظام العالم الحاضر ويختم على زمان النعمة.
وَأُجْرَتِي مَعِي كما قيل في (ص ١١: ١٨ وإشعياء ٤٠: ١٠ و٦٢: ١١ وغلاطية ٦: ٧ و٨).
لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ كما قيل في (أيوب ٣٤: ١١ ومزمور ٦٢: ١٢). ونسب هذا «الجزاء» إلى الله الآب في (رومية ٢: ٦) وإلى المسيح بدليل قوله هو في (متّى ١٦: ٢٧).
١٣ «أَنَا ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ، ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ».
ص ١: ٨ و١١ و١٧ و٢١: ٦
أَنَا ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ الخ كما قيل في (ص ٢١: ٦) فانظر التفسير هناك. ونُسب هذا القول إلى الآب في (ص ١: ٨ و٢١: ٥). ونُسب هنا إلى الآب والمسيح المتكلم باسمه. قابل بهذا ما في (يوحنا ١: ١ وإشعياء ٤٤: ٦). وقد أبان في ما سبق قانون العقاب على الخطيئة وأبان هنا إن الإنذار ليس تهديداً فارغاً بل حادثة هائلة يظهر بها التعلق بين الخطيئة وقصاصها. ونشكر الله على أن هذا الحكم لم يجر بعد فإن الله نفسه لم يزل مستعداً أن يكون ملجأ لنا من نتائج خطايانا فإن تبنا عن الخطيئة وتركناها أظهر الله رحمته لنا. فإن نواميس الله هي قادرة على أن تجلب العقاب على الأثمة. نعم وأقدر من هذه «الذراع الأبدية» الراحمة (تثنية ٣٣: ٢٧).
١٤ «طُوبَى لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ لِكَيْ يَكُونَ سُلْطَانُهُمْ عَلَى شَجَرَةِ ٱلْحَيَاةِ وَيَدْخُلُوا مِنَ ٱلأَبْوَابِ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ».
ص ٧: ١٤ وع ٢ ص ٢١: ١٢ و٢٧
طُوبَى لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ في هذه الآيات بيان للبركات التي وُعد بها المؤمنون الطائعون في (ع ٧ و٩) وفي بعض النسخ «يغسلون ثيابهم».
يَكُونَ سُلْطَانُهُمْ عَلَى شَجَرَةِ ٱلْحَيَاةِ الخ إن النسل البشري فقد الحق في تلك الشجرة بمعصية الوالدين الأولين آدم وحواء لكنه حصّله ثانية الطائعون من النسل المذكور بواسطة موت المسيح على الصليب فإنه كسب الحق للناس وأدخلهم الأبواب اللؤلؤية إلى المدينة السماوية. وهذا طريق آخر لقوله إن المؤمنين يقتنون المسيح الذي هو «باب» السماء وبه ولهم سلطان على شجرة الحياة لأنه «صَارَ لَنَا حِكْمَةً مِنَ ٱللهِ وَبِرّاً وَقَدَاسَةً وَفِدَاءً» (١كورنثوس ١: ٣٩).
١٥ «لأَنَّ خَارِجاً ٱلْكِلاَبَ وَٱلسَّحَرَةَ وَٱلزُّنَاةَ وَٱلْقَتَلَةَ وَعَبَدَةَ ٱلأَوْثَانِ، وَكُلَّ مَنْ يُحِبُّ وَيَصْنَعُ كَذِباً».
١كورنثوس ٦: ٩ و١٠ وغلاطية ٥: ١٩ وص ٢١: ٨ فيلبي ٣: ٢ متّى ٨: ١٢ تثنية ٢٣: ١٨ متّى ٧: ٦
لأَنَّ خَارِجاً ٱلْكِلاَبَ تشبه المدينة السماوية المدن الأرضية من جهة ما هو في خارجها. فإن في خارج أبواب المدن الأرضية كلاباً بلا أصحاب جائعة جداً مخاصمة تأكل جثث البهائم وكل الأقذار (١ملوك ١٤: ١١ و١٦: ٤ و٢١: ١٩ و٢٢: ٣٨ و٢ملوك ٩: ١٠ و٣٦ ومزمور ٥٩: ٦ وإرميا ١٥: ٣). حتى صارت الكلاب رمزاً إلى أشرار الناس القساة النجسين (مزمور ٢٢: ١٦ و٢٠) وكونهم نجسين يوجب منعهم من دخول المدينة السماوية.
وَٱلسَّحَرَةَ وَٱلزُّنَاةَ الخ أنواع الخطأة المذكورة هنا مثل التي ذُكرت في (ص ٢١: ٨). والمقصود بهذا بيان وجوب الانفصال التام عن كل تلك الخطايا وإلى صنع البر من الذين يرغبون في دخول المدينة السماوية.
١٦ «أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ عَنِ ٱلْكَنَائِسِ. أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ ٱلصُّبْحِ ٱلْمُنِيرُ».
ص ١: ١ و٤ و١١ وع ٦ وص ٣: ٢٢ و٥: ٥ متّى ١: ١ و٢: ٢ ص ٢: ٢٨
أَنَا يَسُوعُ هذا متعلق بفاتحة السفر وهي «إعلان يسوع المسيح» (ص ١: ١). وهو الاسم الذي أعلن ابن الله نفسه به لشاول الطرسوسي (أعمال ٩: ٥).
أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ شهد المسيح هنا بصدق كل أقوال هذا السفر وأبان الاتصال بين تاريخه وهو على الأرض بتاريخه وهو في السماء. فأعلن نفسه أصل كل مواعيد السفر وعربونها وهو قادر على إنجازها لأنه به اتصلت الأرض بالسماء فيصعد وينزل على ابن الإنسان ملائكة الله (يوحنا ١: ٥١).
بِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ عَنِ ٱلْكَنَائِسِ ما شهد المسيح به لكنائس أسيا السبع شهد به لكل الكنائس.
أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ لأنه رب داود وابنه وهو «عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا» وهو جالس على كرسي داود (متّى ٢٢: ٤٢ – ٤٥ ولوقا ١: ٣١ – ٣٣).
كَوْكَبُ ٱلصُّبْحِ ٱلْمُنِيرُ الذي يبشر بطلوع النهار الكامل (ملاخي ٤: ٢ و٢بطرس ١: ١٩). ويحتمل أنه في هذا إشارة إلى ما في (عدد ٢٤: ١٧ ولوقا ١: ٧٨ وزكريا ٣: ٨ و٦: ١٢). فالمسيح محبوب عند متنصري اليهود لأنه «ابن داود» وعند مؤمني الأمم لأنه موضوع ابتهاجهم باعتبار كونه «كوكب الصبح المنير».
١٧ «وَٱلرُّوحُ وَٱلْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: تَعَالَ. وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: تَعَالَ. وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّاناً»
ص ٢: ٧ و١٤: ١٣ و٢١: ٩ و٦ ع ٢ وص ٧: ١٧
وَٱلرُّوحُ وَٱلْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: تَعَالَ بفم واحد فهو صوت واحد فإن الروح يحث العروس التي هي الكنيسة لتطلب مجيء المسيح إليها والعروس تطلبه بمقتضى تعليم الروح. وطلب الروح هذا على وفق كل المواعيد في كتاب الله الذي أوحى به. وهو ينشئ الطلب في قلوب المؤمنين. فصوت الكنيسة صدى صوت المسيح فإنه هو قال «أنا آتي» وهي تجيبه بقولها «تعال». فهذا السفر سفر إعلان الآتي. فانفتح بقوله «هوذا يأتي» (ص ١: ٧) وخُتم بطلب هذا الإتيان (ع ٢٠).
وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: تَعَالَ هذا قول يوحنا فهو كان يسمع بالإيمان صوت الروح والعروس ويطلب مجيء المسيح على أثر طلبهما إياه. فأمر كل من يسمعون أن يطلبوا ذلك المجيء.
وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ هذا قول المسيح لا للعالم بل للكنيسة التي قد شربت من ماء نهر الحياة وتشتهي أن تشرب أيضاً. فأعضاء الكنيسة هم العطاش إلى مجيئه فيقتربون إليه حسب قوله «اقتربوا إلى الله فهو يقترب منكم». وكلما اقتربوا إلى المسيح أحبوا ظهوره واشتهوا حضوره ولم يخافوا وقالوا «تعال».
وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّاناً هذا قول المسيح تفسيراً لما سبق وهو موافق لقوله في بشارة يوحنا (لوقا ٧: ٣٧).
١٨، ١٩ «١٨ لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هٰذَا ٱلْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هٰذَا يَزِيدُ ٱللهُ عَلَيْهِ ٱلضَّرَبَاتِ ٱلْمَكْتُوبَةَ فِي هٰذَا ٱلْكِتَابِ. ١٩ وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هٰذِهِ ٱلنُّبُوَّةِ يَحْذِفُ ٱللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ، وَمِنَ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ ٱلْمَكْتُوبِ فِي هٰذَا ٱلْكِتَابِ».
تثنية ٤: ٢ و١٢: ٣٢ وأمثال ٣٠: ٦ ص ١٥: ٦ – ١٦: ٢١ ع ٢ ص ٢١: ١٠ – ٢٢: ٥
لأَنِّي أَشْهَدُ هذا قول الرسول وشهادته الأخيرة. فإن هذا السفر مؤلف شاهد أمين ألفه طوعاً لأمر المسيح وبإرشاد الروح القدس فتكلم بسلطان لأنه علم إن الروح علمه فهو لم يضف إليه شيئاً مما أعلنه الله فيه مما يُضعف قوة تهديداته أو مما يقلل قيمة مواعيده العظيمة.
إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هٰذَا أي على ما كُتب في هذا السفر.
يَزِيدُ ٱللهُ عَلَيْهِ ٱلضَّرَبَاتِ الخ هذا مبني على قوله تعالى لبني إسرائيل بأنه يجلب عليهم ضربات مصر إذا عصوا أوامره (تثنية ٤: ٢ و٧: ١٥).
يَحْذِفُ ٱللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ لعل الأصح «من شجرة الحياة» كما في بعض النسخ (ع ١٤ وتثنية ١٢: ٣٢).
وَمِنَ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْمُقَدَّسَةِ أي من أمجادها ولذاتها.
وَمِنَ ٱلْمَكْتُوبِ فِي هٰذَا ٱلْكِتَابِ من المواعيد والبركات فيه.
٢٠ «يَقُولُ ٱلشَّاهِدُ بِهٰذَا: نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعاً. آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ يَسُوعُ».
ص ١: ٢ ع ٧ و١كورنثوس ١٦: ٢٢
يَقُولُ ٱلشَّاهِدُ بِهٰذَا هذا جواب المسيح الشاهد الأمين الصادق لطلب الروح والكنيسة مجيئه بقرينة قوله «أنا آتي» وهو مكرر قوله في (ع ٧). وهو تعزية للذين ينتظرونه وإنذار للذين يغفلون عن إتيانه.
آمِينَ هذا قول الرسول في كل ما يتعلق بمجيء الرب من المواعيد وبنفي الخطيئة والحزن وبمسح الدموع ونفي الموت والهاوية وزوال الظلمة وطلوع النهار الأبدي. فالرسول هنا نائب كل الكنيسة التي تشتهي مجيئه.
تَعَالَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ يَسُوعُ كما طلب الروح والكنيسة كما وعدت.
٢١ «نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ».
رومية ١٦: ٢٠
نِعْمَةُ رَبِّنَا الخ وفي بعض النسخ «مع القديسين» الكلمة الأخيرة التي نسمعها من هذا السفر التي هي الوعد بالغفران التام من الرب يسوع. وهي تؤكد للمؤمنين أنه مهما أصابهم من الأخطار والمصائب والاضطهادات المعلنة في هذا السفر ففي المسيح قوة ونعمة ليقدرهم على احتمال كل الحكمة والقوة لأنه لولاه لم يكتب هذا السفر ولا فهم معناه أحد ولولاه لم يقدر أحد أن يطيع أوامره فيه.
السابق |