سفر الرؤيا

رؤيا يوحنا | 20 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح سفر رؤيا يوحنا

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلْعِشْرُونَ

في هذا الأصحاح كلام في دينونة الشيطان واستمرار سعادة القديسين.

١ «وَرَأَيْتُ مَلاَكاً نَازِلاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَعَهُ مِفْتَاحُ ٱلْهَاوِيَةِ، وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى يَدِهِ».

ص ١٠: ١ وص ١: ١٨ و٩: ١

رَأَيْتُ مَلاَكاً هذا هو الملاك الثاني الذي ظهر بعد ظهور الرب في (ص ١٩: ١١).

نَازِلاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ أي أتى من حضرة الله بسلطان من الله.

مَعَهُ مِفْتَاحُ ٱلْهَاوِيَةِ ذُكرت «الهاوبة» في (ص ٩: ١ و٢ و١١: ٧ و١٧: ٨) وهي مسكن الشيطان ورفقائه ومصدر كل الشرور. وهذا «المفتاح» في سلطان المسيح بدليل قوله «ولي مفتاح الهاوية والموت» (ص ١: ١٨) سلمه إلى الملاك لكي يجري ما قصده وذُكر إن الملاك «فتح الهاوية» (ص ٩: ٢). وأتى هذا هنا لكي يغلقه.

وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى يَدِهِ أو موضوعة على ذراعه مدلاة الطرفين. و «السلسلة» و «المفتاح» معه يدلان على أن له سلطاناً أن يقيد ويسجن «الذي له سلطان الموت» (عبرانيين ٢: ١٤) وكانت «السلسلة العظيمة» لأنه يجب أن تكون قوية لتصلح أن تكون قيداً «للقوي» (متّى ١٢: ٢٩).

٢ «فَقَبَضَ عَلَى ٱلتِّنِّينِ، ٱلْحَيَّةِ ٱلْقَدِيمَةِ، ٱلَّذِي هُوَ إِبْلِيسُ وَٱلشَّيْطَانُ، وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ».

إشعياء ٢٤: ٢٢ ص ١٢: ٩

فَقَبَضَ عَلَى ٱلتِّنِّينِ، ٱلْحَيَّةِ ٱلْقَدِيمَةِ، ٱلَّذِي هُوَ إِبْلِيسُ وَٱلشَّيْطَانُ هذا واحد من أعداء الكنيسة الثلاثة العظام وذكر قبلاً أنه «طُرح من السماء إلى الأرض» (ص ١٢: ٩). وهو قد ملك العالم رئيساً له (يوحنا ١٢: ٢١). وذُكر هنا بأربعة أسماء لأنه قاسٍ «كالتنين» ومحتال «كالحية» و «مشتك» على الله وعلى شعبه و «عدو كل بر وصلاح».

وَقَيَّدَهُ حسب وعد المسيح في (متّى ١٢: ٢٩ انظر أيضاً كولوسي ٢: ١٥).

أَلْفَ سَنَةٍ المرجّح إن هذا العدد غير حقيقي بل رمزي كسائر أعداد هذا السفر والمراد به مدة طويلة. ولم يتضح لنا بداءة هذه المدة أي مدة تقييد الشيطان وسجنه. ولم نعلم كم من الزمان تقضى على تقييده وسجنه ولا نعلم أقيّد دفعة أم قيّد تدريحياً. وليس لنا من الآية ما يدل على أنه أتامٌ تأثير قيده حتى يمنعه من كل شر أم باق له مع ذلك قوة محدودة أقل مما كانت له قبلاً. والمرجّح أنه يشير إلى إضعاف قوته على التجربة في الوقت المعين.

٣ «وَطَرَحَهُ فِي ٱلْهَاوِيَةِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ لِكَيْ لاَ يُضِلَّ ٱلأُمَمَ فِي مَا بَعْدُ حَتَّى تَتِمَّ ٱلأَلْفُ ٱلسَّنَةِ. وَبَعْدَ ذٰلِكَ لاَ بُدَّ أَنْ يُحَلَّ زَمَاناً يَسِيراً».

متّى ٢٧: ٦٦ ع ٨ و١٠ ص ١٢: ٩

وَطَرَحَهُ فِي ٱلْهَاوِيَةِ هذا هو المكان الذي يستحقه طبعاً.

وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بالمفتاح منعاً له من إيذاء الناس كالعادة بأن يحملهم على ارتكاب الإثم.

وَخَتَمَ عَلَيْهِ لئلا يفتح أحد باب الهاوية (دانيال ٦: ١٧). وما ذُكر هنا من «القبض والتقييد والختم» شبه بما كان للمسيح في آخر خدمته على الأرض (يوحنا ١٨: ١٢ ومتّى ٢٧: ٦٠ و٦٦).

لِكَيْ لاَ يُضِلَّ ٱلأُمَمَ فِي مَا بَعْدُ حَتَّى تَتِمَّ ٱلأَلْفُ ٱلسَّنَةِ «الأمم» هنا هم المذكورون إنهم في أربع زوايا الأرض «جوج وماجوج» (ع ٨). ظن بعضهم إنهم الوثنيون الذين لا يزالون يعبدون الأوثان في الألف السنة التي يملك فيها القديسون. وظن آخرون إن هؤلاء هم الذين قبلوا ملك المسيح قبولاً عقلياً فهم ليسوا ممن تجددت قلوبهم وتقدست بالروح القدس ولذلك سقطوا في تجربة الشيطان بسهولة على أثر حله. وذهب جماعة إلى أنهم البرابرة وغير المتمدنين من أهل العالم ولكن معنى «الأمم» بمقتضى اصطلاح هذا السفر أشرار الناس الذين لم يقبلوا الله إلهاً لهم. ومعنى إن الشيطان «لا يضلهم» أنه تضعف قوته على تجربتهم. ورأى قوم إن الشيطان يقيّد عن المؤمنين لا عن الكافرين.

وَبَعْدَ ذٰلِكَ لاَ بُدَّ أَنْ يُحَلَّ زَمَاناً يَسِيراً ليرجع إلى عمله الخاص في خداع الناس وحملهم على الإثم. ومعنى قوله «لا بد أن يحل» إن حله حينئذ ضروري لإتمام مقاصد الله. ومهما يكن المراد من «أمم الأرض» فلا ريب في أن «تقييد الشيطان الف سنة» يشير إلى مدة طويلة تستريح فيها الكنيسة وتشارك المسيح في انتصاره المجيد. وليس قليلين من يعتبرون إن مدة ملك المسيح ألف سنة على الأرض قد مضت وإنه حان الوقت الذي «يُحَلُّ ٱلشَّيْطَانُ مِنْ سِجْنِهِ، وَيَخْرُجُ لِيُضِلَّ ٱلأُمَمَ ٱلَّذِينَ فِي أَرْبَعِ زَوَايَا ٱلأَرْضِ: جُوجَ وَمَاجُوجَ، لِيَجْمَعَهُمْ لِلْحَرْبِ» (ع ٧ و٨). ونظراً لكثرة الآراء في هذا الأمر نرى الأحسن أن لا نعتمد رأياً منها ونتكل على عناية الله حتى يفسر لنا المعنى الذي قصده الروح القدس.

٤ «وَرَأَيْتُ عُرُوشاً فَجَلَسُوا عَلَيْهَا، وَأُعْطُوا حُكْماً. وَرَأَيْتُ نُفُوسَ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ وَمِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ ٱللهِ. وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا لِلْوَحْشِ وَلاَ لِصُورَتِهِ، وَلَمْ يَقْبَلُوا ٱلسِّمَةَ عَلَى جِبَاهِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ، فَعَاشُوا وَمَلَكُوا مَعَ ٱلْمَسِيحِ أَلْفَ سَنَةٍ».

دانيال ٧: ٩ و٢٢ ص ٣: ٢١ ومتّى ١٩: ٢٨ و١كورنثوس ٦: ٢ ص ٦: ٩ و١: ٩ يوحنا ١٤: ١٩ وإشعياء ٢٦: ١٤ ع ٦ وص ٢٢: ٥ و٣: ٢١ و٥: ١٠

وَرَأَيْتُ عُرُوشاً فَجَلَسُوا عَلَيْهَا نُسب «الجلوس على العروش» إلى الرسل (متّى ١٩: ٢٨) وإلى جميع القديسين (١كورنثوس ٦: ٢ و٣) وإلى كل عبيد الله الحقيقيين كما تفيد القرينة.

وَأُعْطُوا حُكْماً أي سلطاناً على أن يحكموا،

نُفُوسَ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا… وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا هذا بيان تلك النفوس وهم قسمان الأول نفوس القتلى من أجل المسيح وكلمة الله وهم تتمة الذين صرخوا من تحت المذبح وأُمروا أن يصبروا حتى يأتي رفقاؤهم فهم أولئك الرفقاء (ص ٦: ١١) الثاني الذين ثبتوا وهم أحياء على الأرض في إيمانهم ودليل ذلك إنهم لم يسجدوا للوحش ولا لصورته ولم يقبلوا سمته.

فَعَاشُوا وَمَلَكُوا مَعَ ٱلْمَسِيحِ أي اشتركوا في راحته وانتصاره (متّى ١٩: ٢٨ و١كورنثوس ٦: ٢ و٣). وهذا القول مقصور على نفوسهم دون أجسادهم.

٥ «وَأَمَّا بَقِيَّةُ ٱلأَمْوَاتِ فَلَمْ تَعِشْ حَتَّى تَتِمَّ ٱلأَلْفُ ٱلسَّنَةِ. هٰذِهِ هِيَ ٱلْقِيَامَةُ ٱلأُولَى».

لوقا ١٤: ١٤ وفيلبي ٣: ١١ و١تسالونيكي ٤: ١٦

وَأَمَّا بَقِيَّةُ ٱلأَمْوَاتِ أي الذين بقوا بلا إيمان ووُصفوا في (ع ٨ وفي ص ٢١: ٨).

هٰذِهِ هِيَ ٱلْقِيَامَةُ ٱلأُولَى وهي قيامة روحية (إشعياء ٢٦: ١٤ و١٩ وحزقيال ٣٧: ١ – ١٤ و هوشع ١٣: ١٤ وأفسس ٢: ١ و٥: ١٤ ويوحنا ٢: ٢٤ و٢٥ ورومية ٦: ٥ و٢كورنثوس ٥: ١٥ وكولوسي ٢: ١٢). وهذا السفر سفر رموز لا حقائق واقعة. وفي هذا الأصحاح رموز وهي «السلسلة» و «الحية» و «الختم» و «العروش» ويوافق هذه الرموز أن تكون «القيامة الأولى» روحية لا حقيقية ومعناه إن الشهداء يقومون بالروح لا بالجسد أي إن روحهم يظهر في كل المؤمنين فيكون كلهم أهل غيرة وقداسة كالشهداء. ووجود مثل ذلك الروح في الكنيسة يستحق أن يُسمى «بالقيامة الأولى» وهو وصف لحال الكنيسة لا لعملها. ولا مقابلة «للقيامة الأولى» «بقيامة ثانية» بل «بالموت الثاني».

٦ «مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي ٱلْقِيَامَةِ ٱلأُولَى. هٰؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ ٱلثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً لِلّٰهِ وَٱلْمَسِيحِ، وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ».

ص ١٤: ١٣ ع ١٤ وص ٢: ١١ و١: ٦

مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي ٱلْقِيَامَةِ ٱلأُولَى (ص ١٤: ١٣ و١٩: ٩). إن غبطة ذلك «النصيب» تقوم بملك المسيح مع شعبه ملكاً روحياً. وهذا يكون وقت نيل زيادة المعرفة والقداسة «ٱلأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَجْدِ ٱلرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي ٱلْمِيَاهُ ٱلْبَحْرَ» (حبقوق ٢: ١٤). وهو الوقت الذي فيه «لاَ يُعَلِّمُونَ بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ قَائِلِينَ: ٱعْرِفُوا ٱلرَّبَّ لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ» (إرميا ٣١: ٣٤ انظر أيضاً يوحنا ١٠: ٢٧ و٢٨ و١١: ٢٦). ويكون كل المؤمنين يومئذ مقدسين (ص ١٨: ٢٠ و١٩: ٨) ويصيرون كهنة لله فإذاً ذلك غير مقصور على الشهداء.

هٰؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ ٱلثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ وهؤلاء القديسون أجيال متوالية يملكون في عصور متوالية ويحيون حياة مقدسة ويشبهون الشهداء في الروح ويملكون مع المسيح ملكاً روحياً ألف سنة. والمراد «الموت الثاني» هلاك النفس والجسد معاً (متّى ٢٥: ٤٦) وسيأتي تفسير ذلك في (ع ١٤).

سَيَكُونُونَ كَهَنَةً لِلّٰهِ وَٱلْمَسِيحِ (ص ١: ٦). وهذا الوعد لكل المؤمنين لا للشهداء فقط وهو إلى الأبد لا إلى نهاية ألف سنة (ص ١٣: ٢).

٧ «ثُمَّ مَتَى تَمَّتِ ٱلأَلْفُ ٱلسَّنَةِ يُحَلُّ ٱلشَّيْطَانُ مِنْ سِجْنِهِ».

ع ٢

في هذه الآية وما يليها إلى نهاية الآية العاشرة أنباء يحلّ الشيطان من الهاوية ومحاربته الأخيرة وانكساره الأبدي. وحل الشيطان وما ينتج عنه لم يُذكر في غير هذا السفر ولكن لم يُذكر ما ينافيه فإن الله لم يُعلن كل الحقائق الأزلية لكل نبي فلنا أن نتيقن إن هذا النبأ لو لم يكن حقاً لم يُعلن. وغاية الله منه أن يُظهر فظاعة شر الشيطان وشدة الخطيئة لأنه يتضح بذلك أنه بعد ملك المسيح الروحي المبارك مع شعبه قروناً كثيرة حتى يكاد الناس ينسون اسم الشيطان وشره يظهر خبث الشيطان وانتقامه وقوته ويبقى كما كان فتُعلن المضادة كل الإعلان بين ملكوت المسيح ومُلك الشيطان فيتبين إن الشيطان مستحق الهلاك الذي يصير إليه.

٨ «وَيَخْرُجُ لِيُضِلَّ ٱلأُمَمَ ٱلَّذِينَ فِي أَرْبَعِ زَوَايَا ٱلأَرْضِ: جُوجَ وَمَاجُوجَ، لِيَجْمَعَهُمْ لِلْحَرْبِ، ٱلَّذِينَ عَدَدُهُمْ مِثْلُ رَمْلِ ٱلْبَحْرِ».

ص ٧: ١ حزقيال ٣٨: ٢ و٣٩: ١ و٦ ص ٦: ١٤ عبرانيين ١١: ١٢

يَخْرُجُ لِيُضِلَّ ٱلأُمَمَ ٱلَّذِينَ فِي أَرْبَعِ زَوَايَا ٱلأَرْضِ أي الذين على وجه كل المسكونة وهم كل من عليها من أشرار ومتمدنين وبرابرة وقاصين ودانين فيرجع الشيطان إلى عمله القديم وهو خدع الأمم وإغراؤهم بمقاومة الله.

جُوجَ وَمَاجُوجَ هؤلاء أعداء اليهود وهم سكان البلاد الشمالية رمز بهم حزقيال النبي أولاً إلى القوة الشديدة القاسية المجتمعة على شعب الله وانكسارهم بعد اجتماعهم انكساراً هائلاً حتى شُغلت سبعة أشهر بدفن الموتى (حزقيال ٣٨: ٧ – ١٣ و٣٨: ١٤ – ٢٣ و٣٩: ١١ – ١٦). فأخذ يوحنا رمز حزقيال ليشير به إلى المحاربة الأخيرة بين المسيح وأعدائه.

لِيَجْمَعَهُمْ لِلْحَرْبِ فإنه أضلهم بأن وعدهم بالأمن والانتصار ليشجعهم على الحرب.

ٱلَّذِينَ عَدَدُهُمْ مِثْلُ رَمْلِ ٱلْبَحْرِ أي لا يحصون.

٩ «فَصَعِدُوا عَلَى عَرْضِ ٱلأَرْضِ، وَأَحَاطُوا بِمُعَسْكَرِ ٱلْقِدِّيسِينَ وَبِٱلْمَدِينَةِ ٱلْمَحْبُوبَةِ، فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ ٱللهِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُمْ».

حزقيال ٣٨: ٩ و١٦ و٢٢ وعبرانيين ١: ٦ تثنية ٢٣: ١٤ مزمور ٨٧: ٢ حزقيال ٣٩: ٦ ص ١٣: ١٣

بِمُعَسْكَرِ ٱلْقِدِّيسِينَ أي المؤمنين الذين يحرسون المدينة المحبوبة (مزمور ٣٤: ٧).

بِٱلْمَدِينَةِ ٱلْمَحْبُوبَةِ ليست هذه المدينة أورشليم السماوية بل أورشليم الرمزية باعتبار أنها مركز الكنيسة المسيحية على الأرض وهم المئة والأربعة والأربعون ألفاً الواقفون على جبل صهيون مع الخروف (ص ١٤: ١).

فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ ٱللهِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُمْ بلا محاربة لأنه لم يذكر هنا واقعة أو حرباً بين الجيشين فيشبه هلاكهم هلاك جيش فرعون في البحر الأحمر حين قال موسى لبني إسرائيل «قِفُوا وَٱنْظُرُوا خَلاَصَ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي يَصْنَعُهُ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ… ٱلرَّبُّ يُقَاتِلُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ تَصْمُتُونَ» (خروج ١٤: ١٣ وص ١: ١٤ و٧: ١٥ وعبرانيين ١٢: ٢٩ و٢تسالونيكي ١: ٦ – ١٠). والمجاز هنا مبني على ما في (حزقيال ٣٨: ٢٢ و٣٩: ٦). وفي هذا إشارة إلى ما في (٢ملوك ١: ١٠ و١٢ و١٤). وحوادث سدوم وعمورة (تكوين ١٩: ٢٤ وعدد ١٦: ١٦ و١٧ و٣٥ ولاويين ١٠: ١ و٢ ومتّى ٣: ١٢).

١٠ «وَإِبْلِيسُ ٱلَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ وَٱلْكِبْرِيتِ، حَيْثُ ٱلْوَحْشُ وَٱلنَّبِيُّ ٱلْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَاراً وَلَيْلاً إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ».

ع ٢ و١٤ و١٥ ص ١٩: ٢٠ و١٦: ١٣ و١٤: ١٠

وَإِبْلِيسُ ٱلَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ هذا وصف لطبيعته التي امتاز بها.

طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ وَٱلْكِبْرِيتِ هذه عاقبة العدو الثالث الأشد من أعداء الكنيسة العظيمة (ص ١٣: ١ و٢ و١١). فعوقب بما عُوقب به قبلاً الوحش والنبي الكذاب مضطهدا الكنيسة الشديدان فطُرح أولاً من السماء (ص ١٢: ٩) وسُجن في الهاوية (ع ٣) ثم أُلقي في بحيرة النار. والظاهر إن هذا موضع أشد العقاب في الهاوية وأدومه لأن الهاوية سجن وقتي وهو أبدي.

سَيُعَذَّبُونَ نَهَاراً وَلَيْلاً إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ أبدية عقابهم مبنية على أبدية إثمهم ومقاومتهم لله (متّى ٨: ٢٩ و٢٥: ٤١).

١١ «ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشاً عَظِيماً أَبْيَضَ، وَٱلْجَالِسَ عَلَيْهِ ٱلَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلسَّمَاءُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ!».

ص ٤: ٢ وص ٦: ١٤ و٢١: ١ دانيال ٢: ٣٥ وص ١٢: ٨

في هذه الآية وما يليها إلى نهاية الآية الخامسة عشرة وصف الدينونة العامة وما يليها من عقاب الأشرار.

رَأَيْتُ عَرْشاً عَظِيماً نعته «بالعظمة» تمييزاً له عن العروش المذكورة في (ع ٤) وتعظيماً للجالس عليه.

أَبْيَضَ هذا رمز إلى طهارة الديّان وعدله فهو لم يصف وجهه بل أظهر نتيجة كشفه. والكلام هنا مبني على ما في نبوءة دانيال (دانيال ٧: ٩ و١٠) لم يقصر يوحنا في هذه الآية الدينونة على الابن كما في (يوحنا ٥: ٢٢ و٢٧) لأن العرش عرش الله والخروف (ص ٢٢: ١ انظر ص ٣: ٢١).

مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلسَّمَاءُ الخ وهذا يصدق على «السماء الأولى والأرض الأولى» فقط لأنه قال بعد ذلك «رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً» (ص ٢١: ١) وقال هنا «هربت» الخ. وقيل في موضع آخر «احترقت» والمراد بالقولين إنها زالت (إشعياء ٥١: ٦ ودانيال ٢: ٣٥ ومتّى ٢٤: ٣٥ و٢تسالونيكي ١: ٧ و٨ و٢بطرس ٣: ١٠ و١٢ انظر أيضاً ص ٦: ١٤ و١٢: ٨ و١٦: ٢٠) وحوادث يوم الدين ذُكرت أيضاً في (متّى ٢٥: ٣١ – ٤٦ ويوحنا ٥: ٢٨ و٢٩).

١٢ «وَرَأَيْتُ ٱلأَمْوَاتَ صِغَاراً وَكِبَاراً وَاقِفِينَ أَمَامَ ٱللهِ، وَٱنْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ. وَٱنْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ ٱلْحَيَاةِ، وَدِينَ ٱلأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي ٱلأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ».

ص ١١: ١٨ دانيال ٧: ١٠ إرميا ١٧: ١ و١٠ ع ١٥ ص ٣: ٥ ع ١٣ وص ٢: ٢٣ متّى ١٦: ٢٧

رَأَيْتُ ٱلأَمْوَاتَ صِغَاراً وَكِبَاراً وَاقِفِينَ أَمَامَ ٱلله أي كل البشر من الأبرار والأشرار. فوجودهم للدينونة يستلزم القيامة العامة على أثر مجيء المسيح ثانية.

وَٱنْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ (ص ٧: ١٣). وهذا مأخوذ مما اعتيد في المحاكم الأرضية وهو بيان إن الدينونة تكون بكل تدقيق لا يُغفل فيها عن شيء.

وَٱنْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ ٱلْحَيَاةِ (دانيال ١٢: ١ وص ٣: ٥ و١٣: ٨ و٢١: ٢٧ انظر مزمور ٦٩: ٢٨ وخروج ٣٢: ٣٢ و٣٣ وفيلبي ٤: ٣). وهذا الكتاب ممتاز عن سائر الكتب بدليل قوله «سفر آخر».

وَدِينَ ٱلأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي ٱلأَسْفَارِ لا بحسب مقامهم أو نجاحهم (جامعة ١٢: ١٤ ومتّى ١٠: ٢٦ و١كورنثوس ٤: ٥ و٢كورنثوس ٥: ١٠).

بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ ذكر هذا مرتين مرة هنا ومرة في الآية التالية لبيان إن الأعمال تشهد بأسلوب الحياة (غلاطية ٣: ٢٠ و١كورنثوس ١٥: ١٠ ويعقوب ٢: ١٤ – ٢٦). «فسفر الحياة» و «سفر الأعمال» يثبت كل منهما الآخر. وعبد المسيح الحقيقي ذُكر اسمه في السفرين سفر الحياة وسفر الأعمال الذي يشهد بما فعله بالإيمان والمحبة والطاعة فيحقق بذلك أنه ليس له اسم «إنه حي وهو ميت» والذين لم يخلصوا ذُكرت خطاياهم فشهدت بأنهم دينوا بالعدل.

١٣ «وَسَلَّمَ ٱلْبَحْرُ ٱلأَمْوَاتَ ٱلَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ ٱلْمَوْتُ وَٱلْهَاوِيَةُ ٱلأَمْوَاتَ ٱلَّذِينَ فِيهِمَا. وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ».

إشعياء ٢٦: ١٩ ص ٦: ٨ و١: ١٨ و٢١: ٤ و١كورنثوس ١٥: ٢٦

سَلَّمَ ٱلْبَحْرُ ٱلأَمْوَاتَ ٱلَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ ٱلْمَوْتُ وَٱلْهَاوِيَةُ ٱلأَمْوَاتَ ٱلَّذِينَ فِيهِمَا (ص ١: ١٨ و٦: ٨) لأن مفتاح الموت والهاوية في يد المسيح. والمقصود بهذا إن الموتى كلهم في كل الجهات من مدفون وغير مدفون قاموا. ولم يذكر الرسول الذين يكونون أحياء يوم مجيء المسيح لكن ذلك ذُكر في (١تسالونيكي ٤: ١٤ – ١٧).

١٤ «وَطُرِحَ ٱلْمَوْتُ وَٱلْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ. هٰذَا هُوَ ٱلْمَوْتُ ٱلثَّانِي».

ص ٦: ٨ و١: ١٨ و٢١: ٤ و١كورنثوس ١٥: ٢٦ ع ٦

وَطُرِحَ ٱلْمَوْتُ وَٱلْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ اعتُبرا عدوين لله وكل رفيق للآخر (ص ٦: ٨) بدليل قول بولس الرسول «آخِرُ عَدُوٍّ يُبْطَلُ هُوَ ٱلْمَوْتُ» (١كورنثوس ١٥: ٢٦ انظر إشعياء ٢٥: ٨ ومتّى ١١: ٢٣ و١٦: ١٨ و١كورنثوس ١٥: ٥٤). و «الموت» و «الهاوية» مقترنان بالخطيئة ونتيجتها ولذلك يدانان معها ومتى بطلت الخطية بطل الموت (ص ٢١: ٤).

هٰذَا هُوَ ٱلْمَوْتُ ٱلثَّانِي وفي بعض النسخ الموت الثاني يلي بحيرة النار (ص ٢: ١١ وع ٦). وهذا هو الموت الروحي موت الذي لا يعرف الله ولا يحبه بل «يحب الظلمة أكثر من النور» ويؤثر الخطية على القداسة. فكما يمكن الإنسان أن يحيا حياتين حياة جسدية وحياة روحية يكون عرضة لموتين. وبعد أن ينال المؤمن الحياة السماوية لا يموت بعد إذ لا موت هناك (ص ٢١: ٤). وكذلك من مات الموت الثاني لا يحيا أيضاً (ع ١٠ ومتّى ٢٥: ٤١) و «الموت الثاني» نصيب الذين رفضوا الحياة التي اشتراها المسيح لكل الخطأة وعرضها عليهم في إنجيله واختاروا الموت الذي هو نتيجة خطاياهم.

١٥ «وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوباً فِي سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ».

ص ١٩: ٢

حكمت محكمة السماء الحكم النهائي فلا استئناف بعده ولا تمييز. لم يذكر الرسول هنا سعادة الأبرار وكانت بداءتها قبل عقاب الأشرار (متّى ٢٥: ٣٤ و٤١ و٤٦).

يتضح من التفسير السابق كثرة الآراء في الألف السنة واختلاف المفسرين في زمان مجيء المسيح الثاني فإن البعض يقولون إنه في أول مدة الألف السنة بناء على ما جاء في (ص ١٩) ويقول غيرهم إنه يكون في آخر المدة المذكورة بناء على أقوال كثيرة في البشائر والرسائل. ولعل الروح القدس لم يقصد أن يوضح لنا تفاصيل هذه الرؤيا بل إننا نفهم جوهرها فقط فيكفينا أن نعرف إن المسيح يأتي ثانية وتكون مدة طويلة يستريح فيها العالم من إبليس بعض الراحة. غير إنه يبقى غير مؤمنين يقومون للمقاومة في آخر المدة وأخيراً ينتصر المسيح على كل أعدائه ويكون يوم لدينونة العالم الأبرار والأشرار فيجب أن لا نصدق الذين يدّعون بأنهم يقدرون أن يفسروا كل شيء بالتفصيل ويعينوا الأوقات تماماً.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى