رؤيا يوحنا | 17 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح سفر رؤيا يوحنا
للدكتور . وليم إدي
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ عَشَرَ
سبق الكلام على سقوط بابل بالاختصار (فيلبي ١٤: ٨ و١٦: ١٩). وفصّل الكلام في هذا الأصحاح وما بعده على عظمتها الأصلية وسقوطها. وفي هذا رمز فوق رمز فإن بابل الرمزية وُصفت بأنها امرأة زانية سكرى راكبة على وحش.
١ «ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلسَّبْعَةِ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلَّذِينَ مَعَهُمُ ٱلسَّبْعَةُ ٱلْجَامَاتُ، وَتَكَلَّمَ مَعِي قَائِلاً لِي: هَلُمَّ فَأُرِيَكَ دَيْنُونَةَ ٱلزَّانِيَةِ ٱلْعَظِيمَةِ ٱلْجَالِسَةِ عَلَى ٱلْمِيَاهِ ٱلْكَثِيرَةِ».
ص ٢١: ٩ ص ١: ١ و١٥: ١ و٧ و١٦: ١٩ ع ٥ و١٥ وص ١٩: ٢ وناحوم ٣: ٤ إشعياء ١: ٢١ وإرميا ٢: ٢ و٥١: ١٣
ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلسَّبْعَةِ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلَّذِينَ مَعَهُمُ ٱلسَّبْعَةُ ٱلْجَامَاتُ (ص ١٥: ٦). ولا يخفى ما هنا من المراجعة.
هَلُمَّ فَأُرِيَكَ دَيْنُونَةَ ٱلزَّانِيَةِ ٱلْعَظِيمَةِ يُراد «بالزانية» في النبوءات كنيسة الله إذا ارتدت عنه بعدما عاهدته بأن تكون له عروساً عفيفة فتترك عبادته الطاهرة وتخونه فتخلف عهدها وتلتصق بغيره. وجاء هذا المجاز إحدى وعشرين مرة في كلام الأنبياء وثماني عشرة مرة منها بالمعنى السابق (إشعياء ١: ٢١ وإرميا ٢: ٢٠ و٣: ١ و٦ و٨ وحزقيال ١٦: ١٥ و١٦ و ٢٨ و٣١ و٣٥ و٤١ و٢٣: ٥ و١٤ و٤٤ و هوشع ٢: ٥ وص ٣ و٤: ١٥ وميخا ١: ٧). ونُسبت إلى المدينة الوثنية ثلاث مرات أي مرتين إلى صور (إشعياء ٢٣: ١٥ – ١٧) ومرة إلى نينوى (ناحوم ٣: ٤). فغلب معنى «الزنى» هنا على إخلاف شعب الله لعهدهم له فإنهم رجعوا عن عبادته الروحية إلى العبادة الباطلة ومحبة العالم والإثم. ووصف هذه الزانية لا يصدق على رومية الوثنية لأن هذه لم تخرب كالخراب المذكور في قوله «سَقَطَتْ بَابِلُ ٱلْعَظِيمَةُ، وَصَارَتْ مَسْكَناً لِشَيَاطِينَ، وَمَحْرَساً لِكُلِّ رُوحٍ نَجِسٍ، وَمَحْرَساً لِكُلِّ طَائِرٍ نَجِسٍ وَمَمْقُوتٍ» (ص ١٨: ٢). ولأنها لم تحتل مع ملوك الأرض لتعظيم سلطتها لأنه لم يكن في أيام المملكة الرومانية الوثنية ممالك مستقلة عنها إلا بإرثيا وفارس فإنها استولت على كل العالم المعروف يومئذ. وما سيأتي من وصف هذه الزانية يوافق قوة رومية البابوية أكثر من كل ما سواها من الممالك على أن بعض صفاتها لا يلائمها فإنها لم تزل إلى الآن غير عاضدة ضد المسيح وغير مجتهدة في عزل المسيح من عرشه ووضع الشيطان عليه.
ٱلْجَالِسَةِ عَلَى ٱلْمِيَاهِ ٱلْكَثِيرَةِ سيأتي تفسير هذا في قوله «ٱلْمِيَاهُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ حَيْثُ ٱلزَّانِيَةُ جَالِسَةٌ هِيَ شُعُوبٌ وَجُمُوعٌ وَأُمَمٌ وَأَلْسِنَةٌ» (ع ١٥).
٢ «ٱلَّتِي زَنَى مَعَهَا مُلُوكُ ٱلأَرْضِ، وَسَكِرَ سُكَّانُ ٱلأَرْضِ مِنْ خَمْرِ زِنَاهَا».
ص ١٨: ٣ و٩ ص ٢: ٢٢ ع ٧ ص ٣: ١٠ و١٤: ٨
ٱلَّتِي زَنَى مَعَهَا مُلُوكُ ٱلأَرْضِ المراد «بملوك الأرض» قوات العالم السياسية التي اتحدت الكنيسة بها بالمعاهدة لكي تجري مقاصدها وتثبت سلطتها على نفوس الناس وأجسادهم.
وَسَكِرَ سُكَّانُ ٱلأَرْضِ مِنْ خَمْرِ زِنَاهَا لم تخدع الكنيسة الفاسدة الملوك وحدهم ليعطوها السلطة بل جذبت سكان الأرض أيضاً عن العبادة الروحية المبنية على كلمة الله إلى ديانة خارجية مبنية على تعليم بشري. ويُراد «بسكر سكان الأرض» فقدهم عقولهم وعفافهم.
٣ «فَمَضَى بِي بِٱلرُّوحِ إِلَى بَرِّيَّةٍ، فَرَأَيْتُ ٱمْرَأَةً جَالِسَةً عَلَى وَحْشٍ قِرْمِزِيٍّ مَمْلُوءٍ أَسْمَاءَ تَجْدِيفٍ، لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ».
ص ٢١: ١٠ و١: ١٠ و١٢: ٦ و١٤ و٢١: ١٠ ص ١٨: ١٢ و١٦ ومتّى ٢٧: ٢٨ وص ١٣: ١ ع ٧ و٩ و١٢ و١٦ وص ١٢: ٣
فَمَضَى بِي بِٱلرُّوحِ إِلَى بَرِّيَّةٍ لكي يريه منها بابل بأجلى بيان. فنبوءة إشعياء التي اقتبس منها قوله «سقطت سقطت بابل» أولها «وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بَرِّيَّةِ ٱلْبَحْرِ: كَزَوَابِعَ فِي ٱلْجَنُوبِ عَاصِفَةٍ، يَأْتِي مِنَ ٱلْبَرِّيَّةِ» (إشعياء ٢١: ١ و٩).
فَرَأَيْتُ ٱمْرَأَةً جَالِسَةً عَلَى وَحْشٍ قِرْمِزِيٍّ هذا هو الوحش الذي ذُكر في (ص ١٣: ١ – ٧) كما يتبين من القرينة لأنه قيل «إنه يحارب الخروف» (ع ١٢ – ١٤). وقيل أيضاً إنه «قُبِضَ عَلَى ٱلْوَحْشِ وَٱلنَّبِيِّ ٱلْكَذَّابِ مَعَهُ، ٱلصَّانِعُ قُدَّامَهُ ٱلآيَاتِ… وَطُرِحَ ٱلاثْنَانِ حَيَّيْنِ إِلَى بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ» (ص ١٩: ٢٠). واللون «القرمزي» الذي نُسب إلى الوحش هو اللون الذي نُسب إلى التنين لأنه قيل أنه «أحمر» (ص ١٢: ٣) وهو لون الدم وهو لون المرأة أيضاً فيدل ذلك على قسوتها طبعاً وفعلاً وإلى سفكها دم عبيد الله.
وجلوسها «على الوحش» يشير إلى أنها تستخدم قوته وتستولي عليه كما إن الكنيسة الفاسدة تتحد بأهل القوات السياسية لتجري أحكامها أولاً ثم تستولي عليها.
مَمْلُوءٍ أَسْمَاءَ تَجْدِيفٍ كانت تلك الأسماء قبلاً على رؤوسه (ص ١٣: ١) وصارت هنا على جسمه كله. وهذا «التجديف» يقوم باتخاذه لنفسه الأسماء والألقاب والقوة والحقوق المختصة بالله.
لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ (ص ١٣: ١). ورث هذا من التنين (ص ١٢: ٣). وسيأتي تفسير هذه الرؤوس والقرون في (ع ٩ و١٦).
٤ «وَٱلْمَرْأَةُ كَانَتْ مُتَسَرْبِلَةً بِأُرْجُوانٍ وَقِرْمِزٍ، وَمُتَحَلِّيَةً بِذَهَبٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ وَلُؤْلُؤٍ، وَمَعَهَا كَأْسٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِهَا مَمْلُوَّةٌ رَجَاسَاتٍ وَنَجَاسَاتِ زِنَاهَا».
ص ١٨: ١٦ وص ١٢ وحزقيال ٢٨: ١٣ إرميا ٥١: ٧ ص ١٨: ٦
وَٱلْمَرْأَةُ كَانَتْ مُتَسَرْبِلَةً بِأُرْجُوانٍ كالثوب الذي ألبسه الجند الروماني يسوع استهزاء بتصريحه أنه ملك لكن المرأة لم تلبس ذلك ليُهزأ بها بل لتتعظم به كملكة.
وَقِرْمِزٍ لأن ثيابها مصبوغة بدم القديسين.
وَمُتَحَلِّيَةً بِذَهَبٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ وَلُؤْلُؤٍ إشارة إلى غناها وترفهها ممن تبعوها فكان لها سلطة «ملكة الأمم» وغناها.
وَمَعَهَا كَأْسٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِهَا مَمْلُوَّةٌ رَجَاسَاتٍ الخ وهذا على وفق قول النبي فيها «بَابِلُ كَأْسُ ذَهَبٍ بِيَدِ ٱلرَّبِّ تُسْكِرُ كُلَّ ٱلأَرْضِ. مِنْ خَمْرِهَا شَرِبَتِ ٱلشُّعُوبُ. مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ جُنَّتِ ٱلشُّعُوبُ» (إرميا ٥١: ٧). أشار بذلك إلى قدرتها على أن تأسر الناس بسننها ومغالطتها وقوتها وغناها التي بها يصير الناس كالسكارى لا يستعملون عقولهم ولا يصغون إلى ضمائرهم.
٥ «وَعَلَى جِبْهَتِهَا ٱسْمٌ مَكْتُوبٌ: سِرٌّ. بَابِلُ ٱلْعَظِيمَةُ أُمُّ ٱلزَّوَانِي وَرَجَاسَاتِ ٱلأَرْضِ».
ع ٧ و٢تسالونيكي ٢: ٧ ص ١: ٢٠ و١٤: ٨ و١٦: ١٩ ع ٢
وَعَلَى جِبْهَتِهَا ٱسْمٌ مَكْتُوبٌ كانت عادة الزواني الوثنيات قديماً أن تلبس عصائب على جباهها عليها أسماؤهن ومهنتهن.
سِرٌّ اشار بذلك إلى أنه اتخذ اسم بابل رمزاً فما أراد مدينة حقيقية.
أُمُّ ٱلزَّوَانِي أي أصل المرتدين ورمز إلى المقتدين بها جميعاً. كان الحبر الأعظم يلبس على جبهته عصابة مكتوباً عليها ما يدل على أنه موقوف لخدمة الله (خروج ٢٨: ٣٦). وكثيراً ما ذُكر في سفر الرؤيا استعمال الأمور الإلهية لغايات جهنمية. إن الله ينظر إلى القلوب والروح الذي ينشئ الأعمال فحيث يكون روح حب العالم وبغض القداسة والديانة الروحية والرغبة في اضطهاد أهل الحق هنالك «بابل» في كل عصر وكل بلاد. فروح بابل لا يزال في كل موضع فيه حب العالم ومضادة القداسة والله وكنيسته.
٦ «وَرَأَيْتُ ٱلْمَرْأَةَ سَكْرَى مِنْ دَمِ ٱلْقِدِّيسِينَ وَمِنْ دَمِ شُهَدَاءِ يَسُوعَ. فَتَعَجَّبْتُ لَمَّا رَأَيْتُهَا تَعَجُّباً عَظِيماً!».
ص ١٦: ٦
وَرَأَيْتُ ٱلْمَرْأَةَ سَكْرَى مِنْ دَمِ ٱلْقِدِّيسِينَ هذا يظهر قسوة الزانية وهو كما قيل فيها «وَفِيهَا وُجِدَ دَمُ أَنْبِيَاءَ وَقِدِّيسِينَ، وَجَمِيعُ مَنْ قُتِلَ عَلَى ٱلأَرْضِ» (ص ١٨: ٢٤). وهذا دليل على روح الاضطهاد لشعب الله الروحي. وهذا لا يصدق على مجرد رومية الوثنية ولا على رومية البابوية بل على المرموز إليه ببابل على وفق ما قال المسيح لليهود أنه «يُطلب من هذا الجيل دم جميع الأنبياء من هابيل إلى زكريا» (متّى ٢٣: ٣٥).
فَتَعَجَّبْتُ الخ من اتحاد الوحش والمرأة أي من اقتران القوة السياسية بالقوة الكنسية وأن تُرى امرأة تُسر بالقسوة حتى تسكر من دم الأتقياء.
٧ «ثُمَّ قَالَ لِي ٱلْمَلاَكُ: لِمَاذَا تَعَجَّبْتَ؟ أَنَا أَقُولُ لَكَ سِرَّ ٱلْمَرْأَةِ وَٱلْوَحْشِ ٱلْحَامِلِ لَهَا، ٱلَّذِي لَهُ ٱلسَّبْعَةُ ٱلرُّؤُوسُ وَٱلْعَشَرَةُ ٱلْقُرُونُ».
ع ٥ و٢تسالونيكي ٢: ٧ وص ١: ٢٠ ع ٣
ليس سؤال الملاك هنا إلا تمهيداً للتفسير. وأتى بتفسير الوحش من (ع ٨ إلى ١٤) ثم بتفسير المرأة من (ع ١٥ – ١٨).
٨ – ١٠ «٨ ٱلْوَحْشُ ٱلَّذِي رَأَيْتَ، كَانَ وَلَيْسَ ٱلآنَ، وَهُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَصْعَدَ مِنَ ٱلْهَاوِيَةِ وَيَمْضِيَ إِلَى ٱلْهَلاَكِ. وَسَيَتَعَجَّبُ ٱلسَّاكِنُونَ عَلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً فِي سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ، حِينَمَا يَرَوْنَ ٱلْوَحْشَ أَنَّهُ كَانَ وَلَيْسَ ٱلآنَ، مَعَ أَنَّهُ كَائِنٌ. ٩ هُنَا ٱلذِّهْنُ ٱلَّذِي لَهُ حِكْمَةٌ! اَلسَّبْعَةُ ٱلرُّؤُوسُ هِيَ سَبْعَةُ جِبَالٍ عَلَيْهَا ٱلْمَرْأَةُ جَالِسَةً. ١٠ وَسَبْعَةُ مُلُوكٍ: خَمْسَةٌ سَقَطُوا، وَوَاحِدٌ مَوْجُودٌ، وَٱلآخَرُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ. وَمَتَى أَتَى يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى قَلِيلاً».
ع ١١ ص ١٣: ٣ و١٢ و١٤ ص ١١: ٧ و١٣: ١ ص ٩: ١ ص ١٣: ١٠ وص ٣: ١٠ و٥ و٨ و١٨ متّى ٢: ٣٤ وص ١٠: ١١
كَانَ وَلَيْسَ ٱلآنَ، وَهُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَصْعَدَ (ع ٨) هذا هو الوحش المذكور في ( ١٣: ١ – ٣) فقيل هنا إن «واحداً من رؤوسه مجروح للموت» وقيل هنا أنه «كان وليس الآن» إشارة إلى أن السلطة العالمية جُرحت جرحاً مميتاً بموت المسيح وقيامته لأنه بذلك «طُرِحَ ٱلتِّنِّينُ ٱلْعَظِيمُ إِلَى ٱلأَرْضِ» (ص ١٢: ٩) ووُضع لقوته حدود (ص ٢٠: ٢) «وأُبِيدَ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانُ ٱلْمَوْتِ» (عبرانيين ٢: ١٤). فظهر الوحش كانه بموت المسيح وقيامته وانتصاره قد قُتل ومع أنه أشرف على الموت ظهرت عليه علامات الحياة وتسلط وقتياً لأنه قيل «أنه عتيد أن يصعد من الهاوية» ولكن ذلك الصعود ليس إلا وقتياً لأنه «يمضي إلى الهلاك».
وَسَيَتَعَجَّبُ ٱلسَّاكِنُونَ عَلَى ٱلأَرْضِ الذين لم يتعلموا من السماء وهم «يهتمون بالأرضيات» وقد عموا فلم يبصروا الروحيات.
ٱلَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً فِي سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ (انظر تفسير ص ١٣: ٨).
أَنَّهُ كَانَ وَلَيْسَ ٱلآنَ، مَعَ أَنَّهُ كَائِنٌ هذا يشبه التسبيح لله في (ص ١: ٨ و٤: ٢).
هُنَا ٱلذِّهْنُ ٱلَّذِي لَهُ حِكْمَةٌ (ع ٩) هذا بمعنى ما في (ص ١٣: ٩). وهو تنبيه للقارئ على أن يتلفت إلى الموضوع حق الالتفات وأن يطلب الإنارة من الحكمة الإلهية علاوة على معرفته الاختيارية لأعمال الله.
اَلسَّبْعَةُ ٱلرُّؤُوسُ هِيَ سَبْعَةُ جِبَالٍ عَلَيْهَا ٱلْمَرْأَةُ جَالِسَةً رأى بعضهم من هذه الآية إن المرأة هي مدينة رومية لأنها مبنية على سبعة جبال أو تلال وليس من المحقق إن معنى «السبعة» هنا معناها الحقيقي إذ ورد هذا العدد كناية عن الكنيسة الجامعة كلها إذ كنى عنها «بسبع الكنائس في أسيا» (انظر تفسير ص ١: ٤). فلعل «السبعة الجبال» هنا تشير إلى مملكة شريرة واسعة كالعالم. وهذه «الجبال» ليست جبالاً حقيقية بل ممالك عظيمة وطيدة كالجبال بدليل قول إشعياء «َيَكُونُ فِي آخِرِ ٱلأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ ٱلرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتاً فِي رَأْسِ ٱلْجِبَالِ وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ ٱلتِّلاَلِ» (إشعياء ٢: ٢) وقول دانيال «أَمَّا ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي ضَرَبَ ٱلتِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلاً كَبِيراً وَمَلأَ ٱلأَرْضَ كُلَّهَا» وفسر بذلك بقوله «فِي أَيَّامِ هٰؤُلاَءِ ٱلْمُلُوكِ يُقِيمُ إِلٰهُ ٱلسَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَداً… وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هٰذِهِ ٱلْمَمَالِكِ» (دانيال ٢: ٣٥ و٤٤) ويؤيد ذلك ما في الآية التالية.
وَسَبْعَةُ مُلُوكٍ (ع ١٠) أي ممالك وهي المذكورة في (ص ١٢: ٣) فظهرت بها قوة العالم السياسية المعادية لله وكنيسته. وكون معنى الملوك ممالك يتبين بمقابلة (ص ١٣: ٢ بما في دانيال ٧: ٢٣).
خَمْسَةٌ سَقَطُوا أي خمس ممالك زالت وهي مما اضطهدت شعب الله. أولها مملكة مصر التي هي بيت العبودية (خروج ٢٠: ٢). والثانية مملكة أشور التي «رَفَعْتَ إِلَى ٱلْعَلاَءِ عَيْنَيْها عَلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ» (إشعياء ٣٧: ٢٣). والثالثة مملكة بابل «مطرقة كل الأرض» (إرميا ٥٠: ٢٣). والرابعة مملكة الفرس (دانيال ١٠: ١٣ و١١: ٢). والخامسة مملكة اليونان (دانيال ١١: ٣ و٤).
وَوَاحِدٌ مَوْجُودٌ (في أيام كتابة هذا السفر) وهي المملكة الرومانية.
وَٱلآخَرُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ أي الرأس السابع الذي يشير إلى المملكة السابعة وهذه لم تكن قد نشأت يوم كتب يوحنا سفر الرؤيا وُصف بأن له عشرة قرون (ع ٧) وتلك القرون عشرة ملوك والأرجح أنها لا تشير إلى مملكة واحدة بل إلى مجموع ممالك حُسبت واحدة.
وَمَتَى أَتَى يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى قَلِيلاً أي يملك مع الوحش ساعة واحدة (ع ١٢).
١١ «وَٱلْوَحْشُ ٱلَّذِي كَانَ وَلَيْسَ ٱلآنَ فَهُوَ ثَامِنٌ، وَهُوَ مِنَ ٱلسَّبْعَةِ، وَيَمْضِي إِلَى ٱلْهَلاَكِ».
ص ١٣: ١
وَٱلْوَحْشُ ٱلَّذِي كَانَ وَلَيْسَ ٱلآنَ وهو الذي ذُكر في (ص ١٣: ٣ وع ٨) ولو وُجد لكان مملكة ثامنة لكن بعد السبع الممالك لا تكون ثامنة بل إن الوحش الذي روحه في الممالك السبعة وضُرب في سلطة يظهر قليلاً كأنه مملكة ثامنة ثم «يمضي إلى الهلاك» وهو القوة الأخيرة المحفوظة للهلاك عند مجيء الرب وهو الأثيم ضد المسيح الذي «يبيده الرب بنفخة فمه ويبطله بظهور مجيئه». وأنبأ الرسول أيضاً بهلاكه في (ص ٢٠: ٧ – ١٠). قيل فيه «كان وليس الآن» (فانظر تفسير ع ٨). وقيل إنه «من السبعة» أي إن المقت والبغض والشر الذي في السبعة الممالك مجموعة فيه فكأنه شر مظاهر الكل فكأنه جوهرهم. وهو الذي ذكره بولس في قوله في يوم المسيح «لاَ يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ ٱلارْتِدَادُ أَوَّلاً، وَيُسْتَعْلَنَ إِنْسَانُ ٱلْخَطِيَّةِ، ٱبْنُ ٱلْهَلاَكِ ٱلْمُقَاوِمُ وَٱلْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلٰهاً أَوْ مَعْبُوداً، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ ٱللهِ كَإِلٰهٍ مُظْهِراً نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلٰهٌ» (٢تسالونيكي ٢: ٣ و٤).
١٢ «وَٱلْعَشَرَةُ ٱلْقُرُونُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ لَمْ يَأْخُذُوا مُلْكاً بَعْدُ، لٰكِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ سُلْطَانَهُمْ كَمُلُوكٍ سَاعَةً وَاحِدَةً مَعَ ٱلْوَحْشِ».
ع ١٦ ص ١٢: ٣ و١٣: ١ و١٨: ١٠ و١٧ و١٩
وَٱلْعَشَرَةُ ٱلْقُرُونُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ أي عشر ممالك هؤلاء الملوك نوابها. وهي التي تقوم بعد سقوط المملكة الرومانية. وكنى «بالعشرة» هنا عدد غير محدود فلا يُعلم أمعاصر بعض هذه الممالك لبعض أم متوالية.
يَأْخُذُونَ سُلْطَانَهُمْ كَمُلُوكٍ سَاعَةً وَاحِدَةً مَعَ ٱلْوَحْشِ هذا يشير إلى اقتران القوة الكنسية السياسية وهو خلاف شريعة ملكوت المسيح الروحي. وطول المدة المعبر عنها «بالساعة» هنا غير معلوم.
١٣ «هٰؤُلاَءِ لَهُمْ رَأْيٌ وَاحِدٌ، وَيُعْطُونَ ٱلْوَحْشَ قُدْرَتَهُمْ وَسُلْطَانَهُمْ».
ع ٧
كما أعطى التنين الوحش سلطانه (ص ١٣: ٢) وكما أعطى الوحش المرأة الزانية قوته (ع ٣ و٧).
١٤ «هٰؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ ٱلْحَمَلَ، وَٱلْحَمَلُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ ٱلأَرْبَابِ وَمَلِكُ ٱلْمُلُوكِ، وَٱلَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ».
ص ١٦: ١٤ و١٩: ١٦ و٣: ٢١ و١تيموثاوس ٦: ١٥ ص ٢: ١٠ متّى ٢٢: ١٤
هٰؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ ٱلْحَمَلَ الذي صُلب وقام وتمجّد.
وَٱلْحَمَلُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ ٱلأَرْبَابِ وَمَلِكُ ٱلْمُلُوكِ فرئاسته الإلهية تؤكد له أنه ينتصر لأنه «كُلُّ آلَةٍ صُوِّرَتْ ضِدّهُ لاَ تَنْجَحُ» (إشعياء ٥٤: ١٧). وغلب الخروف قوة العالم السياسية والعلمية وقوة الكنيسة الفاسدة والعشر الممالك وأعلن هذا الانتصار في (ص ١٩: ١١ – ١٦).
وَٱلَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ كما يؤكد اسم رئيسهم انتصارهم كذلك تؤكده صفات جنوده. وقيل إنهم «مدعوون ومختارون» لأن ليس كل المدعوين مختارين (متّى ١٢: ١٤) لكن كل المختارين هنا هم مدعوون (٢بطرس ١: ١٠). وقيل إنهم «مؤمنون» لأن اختبارهم يثبت دعوتهم واختيارهم.
١٥ – ١٨ «١٥ ثُمَّ قَالَ لِيَ: ٱلْمِيَاهُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ حَيْثُ ٱلزَّانِيَةُ جَالِسَةٌ هِيَ شُعُوبٌ وَجُمُوعٌ وَأُمَمٌ وَأَلْسِنَةٌ. ١٦ وَأَمَّا ٱلْعَشَرَةُ ٱلْقُرُونُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ عَلَى ٱلْوَحْشِ فَهٰؤُلاَءِ سَيُبْغِضُونَ ٱلزَّانِيَةَ، وَسَيَجْعَلُونَهَا خَرِبَةً وَعُرْيَانَةً، وَيَأْكُلُونَ لَحْمَهَا وَيُحْرِقُونَهَا بِٱلنَّارِ. ١٧ لأَنَّ ٱللهَ وَضَعَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ يَصْنَعُوا رَأْيَهُ، وَأَنْ يَصْنَعُوا رَأْياً وَاحِداً، وَيُعْطُوا ٱلْوَحْشَ مُلْكَهُمْ حَتَّى تُكْمَلَ أَقْوَالُ ٱللهِ. ١٨ وَٱلْمَرْأَةُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ هِيَ ٱلْمَدِينَةُ ٱلْعَظِيمَةُ ٱلَّتِي لَهَا مُلْكٌ عَلَى مُلُوكِ ٱلأَرْضِ».
إشعياء ٨: ٧ وع ١ وإرميا ٤٧: ٢ ص ٥: ٩ وع ١٢ ص ١٨: ١٧ و١٩ حزقيال ١٦: ٣٧ و٣٩ وص ١٩: ١٨ و١٨: ٨ و٢كورنثوس ٨: ١٦ ع ٢٣ ص ١٠: ٧ و١٦: ١٩ و١١: ٨
هذه الآيات تفسير لما قيل في ما سبق من هذا الأصحاح على الزانية.
ٱلْمِيَاهُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ الخ (ع ١٥) هذا تفسير لما في (ص ١٣: ١). وجاء مثل هذا التشبيه في الكلام على جيش ملك أشور (إشعياء ٨: ٧) وهو مثال لما قيل في الله في (مزمور ٢٩: ١٠) ولكنه على سبيل الاستهزاء والذين ذُكروا هنا من «الشعوب» و «الجموع» و «الأمم» و «الألسنة» هم العالم كله وهذا يُظهر سعة تأثير الزانية. وأعظم مثال لاتحاد القوة السياسية بالقوة الكنسية في فعل الشر اتفاق الكنيسة اليهودية مع السلطة الرومانية على صلب المسيح واضطهاد الكنيسة الأولى وقتل تلاميذ الرب. ومثله اتفاق الكنيسة المسيحية بعد أن صارت غنية وفاسدة مع القوة السياسية يومئذ فقُتل ألوف وربوات من أجل المسيح وإنجيله.
وَأَمَّا ٱلْعَشَرَةُ ٱلْقُرُونُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ عَلَى ٱلْوَحْشِ ذُكرت «العشرة القرون» مع «الوحش» لأن رأيه ورأيها واحد وروح كل من العشرة في الوحش وفي بعض النسخ القديمة تركت كلمة (على) قبل الوحش.
سَيُبْغِضُونَ ٱلزَّانِيَةَ الخ هذا خلاف ما يتوقعه القارئ لأنه قيل سابقاً إنها كانت «جالسة على الوحش» وهو حامل إياها كأنه بعض خدمها (ع ٣ و٧). فهنا صار أصدقاؤها أعداءها ومساعدوها مقاوميها ورفقاؤها وخدمها مُهلكيها فهذه العاقبة مقترنة بأعظم نجاحها. وفي هذا نبوءة بأن الكنيسة المسيحية الفاسدة تخسر سلطتها على الممالك السياسية حتى لا يشرب الملوك من كأس تعاليمها الفاسدة فينزعون منها قوتها الزمنية بدليل قوله «سيجعلونها خربة وعريانة» ويسلبونها ثروتها وأملاكها بدليل قوله «يأكلون لحمها» (مزمور ٢٧: ٣ وميخا ٣: ٢ و٣). ومعنى قوله «يحرقونها بالنار» إنهم يعاقبونها عقاب الزانية (لاويين ٢٠: ١٤ و٢١: ٩ وحزقيال ١٦: ٤١). ومحاربة العشرة الملوك للخروف فُصل الكلام عليها في (ص ١٩: ١٩) ومثال ما قيل هنا من اتفاق الملوك على الزانية قيام المملكة الرومانية على القوة اليهودية الدينية ومحاصرتها مدينتها أورشليم وإحراقها إياها وقتلها ألوفاً وربوات من أهلها.
لأَنَّ ٱللهَ وَضَعَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ يَصْنَعُوا رَأْيَهُ الخ (ع ١٧) لم يأتوا ما أتوه من تلقاء أنفسهم ولا قصدوا به أن يتمموا مشيئة الله فعملهم ليس سوى إجراء أحكامه الأزلية التي قدّرها الله بالحكمة فإنهم أعطوا الوحش ملكهم حتى تكمل أقوال الله أي نبوءاته في شأن بابل فإن الله اعتاد أن يجعل «غضب الإنسان يحمده» (مزمور ٧٦: ١٠). فإنه هو استخدم الأشوريين واليونانيين والرومانيين ليُجروا حكمه على الأشرار.
وَٱلْمَرْأَةُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ (ع ١٨) (انظر ع ٣ و٤). هنا كشف سر المرأة فهي مدينة أو مملكة كانت في بعض الزمان رومية قصبتها ونائبتها. وكانت في عصر يوحنا رومية الوثنية وبقيت كذلك عدة عصور حتى ظهرت رومية البابوية. وهي تظهر حيث تظهر روح الكبرياء ومحبة العالم وبغض الديانة الروحية وتعليم المسيح كما هو في الإنجيل. وحيث تتحد القوة السياسية بالقوة الكنسية لمحاربة المسيح وكنيسته تكون «بابل العظيمة أم الزواني».
السابق |
التالي |