سفر الرؤيا

رؤيا يوحنا | 10 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح سفر رؤيا يوحنا

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلْعَاشِرُ

بعد فك الختم السادس وقبل فك الختم السابع كان رؤييان معترضتان وهما ختم المختارين على جباههم وجمع الملائكة إيّاهم. وحوّل الرسول بين البوقين السادس والسابع نظره من الأمور المختصة بالعالم وقضاء الله عليه إلى الكنيسة. وغايته من ذلك أن يبين حالة الكنيسة بالنسبة إلى العالم الموضوع في الإثم الذي لم يتب عن خطاياه بما وقع عليه من الضربات. فذكر رؤيين معترضتين شغلتا الأصحاح العاشر كله وأربعة عشر عدداً من الأصحاح الحادي عشر. ثم رجع إلى الموضوع الذي تركه في آخر الأصحاح التاسع. وغاية هذا الأصحاح ما يتعلق بالسفر الصغير.

١ « ثُمَّ رَأَيْتُ مَلاَكاً آخَرَ قَوِيّاً نَازِلاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ، مُتَسَرْبِلاً بِسَحَابَةٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ قَوْسُ قُزَحَ، وَوَجْهُهُ كَٱلشَّمْسِ، وَرِجْلاَهُ كَعَمُودَيْ نَارٍ».

ص ٥: ٢ و١٨: ١ و٢٠: ١ ص ٤: ٣ ص ١: ١٥ و١٦ متّى ١٧: ٢

مَلاَكاً آخَرَ قَوِيّاً هذا الملاك ليس من الملائكة السبعة الذين بوّقوا ونعته بآخر تمييزاً له عن الملاك القوي المذكور في (ص ٥: ٢). والمرجّح أنه لم يقصد بهذا الملاك المسيح مع أن له الصفات والأعمال التي له والعلم بقضاء الله. وما قيل في (ع ٦) يبين أنه نائب عن المسيح لا المسيح نفسه.

نَازِلاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ بقي يوحنا في الرؤيا في السماء (ع ٨ و٩).

مُتَسَرْبِلاً بِسَحَابَةٍ هذه السحابة تدل على أنه ملاك النقمة (ص ١: ٧).

وَعَلَى رَأْسِهِ قَوْسُ قُزَحَ هذا قوس الله بمقتضى قوله «وضعت قوسي في السحاب» وهي علامة ميثاق الله بالرحمة بدليل قوله «فَتَكُونُ عَلاَمَةَ مِيثَاقٍ بَيْنِي وَبَيْنَ ٱلأَرْضِ… وَتَظْهَرِ ٱلْقَوْسُ فِي ٱلسَّحَابِ، أَنِّي أَذْكُرُ مِيثَاقِي ٱلَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ فِي كُلِّ جَسَدٍ» (تكوين ٩: ١٣ – ١٥).

وَوَجْهُهُ كَٱلشَّمْسِ كان له شيء من مجد الله لكونه مرسلاً منه (ص ١: ١١ و١٨: ١).

وَرِجْلاَهُ كَعَمُودَيْ نَارٍ أي ساقاه (انظر تفسير ص ١: ١٥).

٢ «وَمَعَهُ فِي يَدِهِ سِفْرٌ صَغِيرٌ مَفْتُوحٌ. فَوَضَعَ رِجْلَهُ ٱلْيُمْنَى عَلَى ٱلْبَحْرِ وَٱلْيُسْرَى عَلَى ٱلأَرْضِ».

ع ٥ و٨ – ١٠ ص ٥: ١

سِفْرٌ صَغِيرٌ بالنسبة إلى السفر الذي له سبعة ختوم (ص ٥: ١) والذي قد تضمن كل قضاء الله. ولكن هذا السفر الصغير لا يتضمن سوى ما يتعلق بالكنيسة وكُتب لغاية خاصة ليتنبأ به يوحنا بنبوآته المستقبلة. وهذه الرؤيا مبنية على ما قيل في نبوءة حزقيال وهي قوله «ٱفْتَحْ فَمَكَ وَكُلْ مَا أَنَا مُعْطِيكَهُ. فَنَظَرْتُ وَإِذَا بِيَدٍ مَمْدُودَةٍ إِلَيَّ، وَإِذَا بِدَرْجِ سِفْرٍ فِيهَا. فَنَشَرَهُ أَمَامِي وَهُوَ مَكْتُوبٌ مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ قَفَاهُ، وَكُتِبَ فِيهِ مَرَاثٍ وَنَحِيبٌ وَوَيْلٌ» (حزقيال ٢: ٨ – ١٠).

فَوَضَعَ رِجْلَهُ ٱلْيُمْنَى عَلَى ٱلْبَحْرِ الخ البحر والأرض هنا حقيقيان لا مجازيان.

٣ «وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ كَمَا يُزَمْجِرُ ٱلأَسَدُ. وَبَعْدَ مَا صَرَخَ تَكَلَّمَتِ ٱلرُّعُودُ ٱلسَّبْعَةُ بِأَصْوَاتِهَا».

إشعياء ٣١: ٤ وهوشع ١١: ١٠ ص ٤: ٥ ومزمور ٢٩: ٣ – ٩

وَصَرَخَ… كَمَا يُزَمْجِرُ ٱلأَسَدُ هذا يدل على أن مضمون السفر الصغير مخيف لأعداء المسيح وكنيسته بدليل قول يوئيل النبي «ٱلرَّبُّ مِنْ صِهْيَوْنَ يُزَمْجِرُ. وَمِنْ أُورُشَلِيمَ يُعْطِي صَوْتَهُ، فَتَرْجُفُ ٱلسَّمَاءُ وَٱلأَرْضُ» (يوئيل ٣: ١٦).

وَبَعْدَ مَا صَرَخَ تَكَلَّمَتِ ٱلرُّعُودُ ٱلسَّبْعَةُ بِأَصْوَاتِهَا هذه الأصوات أصوات الله أو هي بأمره (يوحنا ١٢: ٢٨ و٢٩). وكون إعطاء السفر مقترناً برعود يشير إلى أن موضوعه أحكام الله على كنيسته الغافلة عما وجب عليها لله مع بقية أمينة فيها تُحفظ وتثبت في الطهارة.

٤ «وَبَعْدَ مَا تَكَلَّمَتِ ٱلرُّعُودُ ٱلسَّبْعَةُ بِأَصْوَاتِهَا كُنْتُ مُزْمِعاً أَنْ أَكْتُبَ، فَسَمِعْتُ صَوْتاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ قَائِلاً لِيَ: ٱخْتِمْ عَلَى مَا تَكَلَّمَتْ بِهِ ٱلرُّعُودُ ٱلسَّبْعَةُ وَلاَ تَكْتُبْهُ».

ص ١: ١١ و١٩ ع ٨ دانيال ٨: ٢٦ و١٢: ٤ و٩ ص ٢٢: ١٠

وَبَعْدَ مَا تَكَلَّمَتِ ٱلرُّعُودُ ٱلسَّبْعَةُ بِأَصْوَاتِهَا أصوات الرؤيا المقترنة بالرعود تشير إلى أنها تتكلم بالأحكام الآتية (ص ٤: ٥ و٨: ٥ و١١: ١٩ و١٦: ١٨) قابل هذا بسبعة «أصوات الرب» في (مزمور ٢٩).

كُنْتُ مُزْمِعاً أَنْ أَكْتُبَ بمقتضى أمر الرب القائل «فاكتب ما رأيت الخ» (ص ١: ١٩).

فَسَمِعْتُ صَوْتاً… ٱخْتِمْ عَلَى مَا تَكَلَّمَتْ بِهِ ٱلرُّعُودُ ٱلسَّبْعَةُ هذا مثل ما في نبوءة دانيال وهو قوله تعالى «أَمَّا أَنْتَ فَٱكْتُمِ ٱلرُّؤْيَا لأَنَّهَا إِلَى أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ» (دانيال ٨: ٢٦). فالله لم يسمح ليوحنا أن يعلن لنا ما قالته تلك الأصوات فما من فائدة من السؤال عن كلماتها. والأرجح إن الله لم يقصد أن تُكتم إلى الأبد بل أن تتعلمها الكنيسة باختيارها لأنها لم تكن مستعدة لذلك. ونعلم من القرينة إنها تختص بالكنيسة وإن معظمها تهديدات فنهى يوحنا عن إعلانها شفقة على الكنيسة لئلا تزيد مخاوفها بأهوال ما يُعلن ولكن ذلك لا يخلو من الإنذار لأن تلك الأحكام مع أنها لم تُعلن قابلة أن تقع متى شاء الله على المذنبين.

٥ «وَٱلْمَلاَكُ ٱلَّذِي رَأَيْتُهُ وَاقِفاً عَلَى ٱلْبَحْرِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ، رَفَعَ يَدَهُ إِلَى ٱلسَّمَاءِ».

تكوين ١٤: ٢٢ وخروج ٦: ٨ وعدد ١٤: ٣٠ وتثنية ٣٢: ٤٠ وخروج ٢٠: ١٥ ودانيال ١٢: ٧

هذه الآية والآيتان اللتان بعدها إفهام الملاك إن وقت إتمام النبوآت قريب جداً وكلامه يذكرنا بقول دانيال «سَمِعْتُ ٱلرَّجُلَ ٱللاَّبِسَ ٱلْكَتَّانِ ٱلَّذِي مِنْ فَوْقِ مِيَاهِ ٱلنَّهْرِ، إِذْ رَفَعَ يُمْنَاهُ وَيُسْرَاهُ نَحْوَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَحَلَفَ بِٱلْحَيِّ إِلَى ٱلأَبَدِ: إِنَّهُ إِلَى زَمَانٍ وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفٍ» (دانيال ١٢: ٧).

وَاقِفاً عَلَى ٱلْبَحْرِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ هذا يدل على عظمته وعظمة الذي هو نائب عنه.

رَفَعَ يَدَهُ إِلَى ٱلسَّمَاءِ كعادة الحالفين (تكوين ١٤: ٢٢ وخروج ٦: ٨ وتثنية ٣٢: ٤٠). ورفع يده إلى السماء باعتبار كونها مسكن الله.

٦ «وَأَقْسَمَ بِٱلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ، ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاءَ وَمَا فِيهَا وَٱلأَرْضَ وَمَا فِيهَا وَٱلْبَحْرَ وَمَا فِيهِ، أَنْ لاَ يَكُونُ زَمَانٌ بَعْدُ».

ص ٤: ٩ و١١ ص ٦: ١١ و١٢: ١٢ و١٦: ١٧ و٢١: ٦

هذا تصريح بأن الله خالق كل شيء لأن موضوع قسمه سرّه في المخلوقات التي هي رهن أمره. فخلق الله العالم عربون اعتنائه بملكوت ابنه وتكميله وأسلوب هذا القسم يمنع من أن يكون الملاك هو المسيح.

أَنْ لاَ يَكُونُ زَمَانٌ بَعْدُ أي لا يكون بطوء بعد عن إجابة صلوات القديسين المذكورة (ص ٦: ١٠). فكانت الأبواق الستة جواباً لها. وصُرِّح هنا بأن الله مزمع أن يجري إلى النهاية النقمة التي أنذر بها. وزمان هذا الإتمام يكون عند صوت البوق السابع (ص ١١: ١٩). إنه قيل للقديسين «أَنْ يَسْتَرِيحُوا زَمَاناً يَسِيراً أَيْضاً حَتَّى يَكْمَلَ ٱلْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُمْ، وَإِخْوَتُهُمْ أَيْضاً، ٱلْعَتِيدُونَ أَنْ يُقْتَلُوا مِثْلَهُمْ» (ص ٦: ١١). وقيل لهم هنا إن سرّ الله المتعلق بالسماء الحاضرة والأرض الحاضرة على وشك الانتهاء وإنه يظهر على أثر ذلك «سماء جديدة وأرض جديدة يسكن فيها البرّ».

٧ «بَلْ فِي أَيَّامِ صَوْتِ ٱلْمَلاَكِ ٱلسَّابِعِ مَتَى أَزْمَعَ أَنْ يُبَوِّقَ يَتِمُّ أَيْضاً سِرُّ ٱللهِ، كَمَا بَشَّرَ عَبِيدَهُ ٱلأَنْبِيَاءَ».

ص ١١: ١٥ عاموس ٣: ٧ ورومية ١٦: ٢٥

بَلْ فِي أَيَّامِ صَوْتِ ٱلْمَلاَكِ ٱلسَّابِعِ (ص ١١: ١٥).

يَتِمُّ أَيْضاً سِرُّ ٱللهِ هذا هو سرّ ملكوت المسيح كما أعلن في إنجيله بدليل قول الرسول «حَسَبَ إِنْجِيلِي وَٱلْكِرَازَةِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، حَسَبَ إِعْلاَنِ ٱلسِّرِّ ٱلَّذِي كَانَ مَكْتُوماً فِي ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَزَلِيَّةِ، وَلٰكِنْ ظَهَرَ ٱلآنَ، وَأُعْلِمَ بِهِ جَمِيعُ ٱلأُمَمِ» (رومية ١٦: ٢٥ و٢٦). وقوله «إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ ٱلَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ، لِتَدْبِيرِ مِلْءِ ٱلأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي ٱلْمَسِيحِ، مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى ٱلأَرْضِ» (أفسس ١: ٩ و١٠). وقوله «وَأُنِيرَ ٱلْجَمِيعَ فِي مَا هُوَ شَرِكَةُ ٱلسِّرِّ ٱلْمَكْتُومِ مُنْذُ ٱلدُّهُورِ فِي ٱللهِ خَالِقِ ٱلْجَمِيعِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (أفسس ٣: ٩ انظر أيضاً أفسس ٦: ١٩) وبدليل ما في الترنيمة التي رُنم بها بعد البوق السابع (ص ١١: ١٧).

كَمَا بَشَّرَ عَبِيدَهُ ٱلأَنْبِيَاءَ فإذاً هذا السر مفرّح لأنه بشارة. وتسليمه إلى عبيد الله الأنبياء يبين أنهم بشروا به. ومضمون هذا السر ظاهر من (ص ١١: ١٥ – ١٨) وإنه يتعلق بامتداد ملكوت المسيح في العالم كله وعقاب الأشرار ونيل عبيد الله ميراثهم. فإن هذا السفر ليس بمختوم لأن معناه قد أُعلن في الإنجيل وإنه لم يخف إلا على الذين «أعمى إله هذا العالم أبصارهم». فظن بعضهم إن هذا السفر ليس سوى الإنجيل بمواعيده وإنذاراته وإن هذا السفر فُتح جديداً للناس في أوقات مختلفة كما فُتح في عصر الإصلاح وفي كل وقت تُرجم فيه الإنجيل إلى لغة لم يُترجم إليها قبلاً. وقد بلغت اللغات التي تُرجم إليها نحو سبع مئة وخمسين.

٨، ٩ «٨ وَٱلصَّوْتُ ٱلَّذِي كُنْتُ قَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ كَلَّمَنِي أَيْضاً وَقَالَ: ٱذْهَبْ خُذِ ٱلسِّفْرَ ٱلصَّغِيرَ ٱلْمَفْتُوحَ فِي يَدِ ٱلْمَلاَكِ ٱلْوَاقِفِ عَلَى ٱلْبَحْرِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ. ٩ فَذَهَبْتُ إِلَى ٱلْمَلاَكِ قَائِلاً لَهُ: أَعْطِنِي ٱلسِّفْرَ ٱلصَّغِيرَ. فَقَالَ لِي: خُذْهُ وَكُلْهُ، فَسَيَجْعَلُ جَوْفَكَ مُرّاً، وَلٰكِنَّهُ فِي فَمِكَ يَكُونُ حُلْواً كَٱلْعَسَلِ».

ع ٤ و٢ إرميا ١٥: ١٦ وحزقيال ٢: ٨ و٣: ١ إلى ٣

وَٱلصَّوْتُ ٱلَّذِي كُنْتُ قَدْ سَمِعْتُهُ (انظر ع ٣). هذا صوت الله أو صوت غيره بأمره.

ٱلْمَلاَكِ ٱلْوَاقِفِ الخ وقوفه على كل من البر والبحر يدل على عظمته وعظمة الله الذي هو نائب عنه.

خُذْهُ وَكُلْهُ هذا مثل قوله تعالى لحزقيال «يَا ٱبْنَ آدَمَ، كُلْ مَا تَجِدُهُ. كُلْ هٰذَا ٱلدَّرْجَ، وَٱذْهَبْ كَلِّمْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. فَفَتَحْتُ فَمِي فَأَطْعَمَنِي ذٰلِكَ ٱلدَّرْجَ. وَقَالَ لِي: يَا ٱبْنَ آدَمَ، أَطْعِمْ بَطْنَكَ وَٱمْلأْ جَوْفَكَ مِنْ هٰذَا ٱلدَّرْجِ ٱلَّذِي أَنَا مُعْطِيكَهُ» (حزقيال ٣: ١ – ٣) وقول إرميا «وُجِدَ كَلاَمُكَ فَأَكَلْتُهُ» (إرميا ١٥: ١٦). والمعنى تأمل فيه وافهم معناه حسناً وأعرف قيمته حتى تقدر أن تشهد به لغيرك عن اختبار بدليل تفسير الأكل في نبوءة حزقيال وهو قوله «فَنَشَرَهُ أَمَامِي وَهُوَ مَكْتُوبٌ مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ قَفَاهُ، وَكُتِبَ فِيهِ مَرَاثٍ وَنَحِيبٌ وَوَيْلٌ» (حزقيال ٢: ١٠). وهذا يذكرنا قول المرنم «خَبَّأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي» (مزمور ١١٩: ١١).

فَسَيَجْعَلُ جَوْفَكَ مُرّاً لأنه يُعرف منه مستقبل الكنيسة وإنها ستنسى ربها الذي اشتراها بدمه وتفتر في خدمته وتستحق العقاب الآتي عليها ولأن قليلين من الناس يسرون أن يقبلوا كلام الله فاضطر الرسول أن يقول قول إشعياء «مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا» (إشعياء ٥٣: ١). وتكون مرارة قلبه كمرارة قلب موسى يوم قال للرب «يَا سَيِّدُ، لِمَاذَا أَسَأْتَ إِلَى هٰذَا ٱلشَّعْبِ؟ لِمَاذَا أَرْسَلْتَنِي؟ فَإِنَّهُ مُنْذُ دَخَلْتُ إِلَى فِرْعَوْنَ لأَتَكَلَّمَ بِٱسْمِكَ أَسَاءَ إِلَى هٰذَا ٱلشَّعْبِ. وَأَنْتَ لَمْ تُخَلِّصْ شَعْبَكَ» (خروج ٥: ٢٢ و٢٣).

لٰكِنَّهُ فِي فَمِكَ يَكُونُ حُلْواً كَٱلْعَسَلِ لأن هذا السفر يحقق له أن الله اختار الكنيسة من بين كل شعوب الأرض لتكون خاصته. وإن المسيح أحبها وبذل نفسه لأجلها لكي تكون بلا دنس ولا عيب في السلام (٢بطرس ٣: ١٤). ولأنه يلذ لعبيد الله أن يسمعوا كلامه ويبشروا به بدليل قول المرنم «مَا أَحْلَى قَوْلَكَ لِحَنَكِي! أَحْلَى مِنَ ٱلْعَسَلِ لِفَمِي… أَحْكَامُ ٱلرَّبِّ حَقٌّ عَادِلَةٌ كُلُّهَا. أَشْهَى مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلإِبْرِيزِ ٱلْكَثِيرِ، وَأَحْلَى مِنَ ٱلْعَسَلِ وَقَطْرِ ٱلشِّهَادِ» (مزمور ١١٩: ١٠٣ و١٩: ٩ و١٠).

١٠ «فَأَخَذْتُ ٱلسِّفْرَ ٱلصَّغِيرَ مِنْ يَدِ ٱلْمَلاَكِ وَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ فِي فَمِي حُلْواً كَٱلْعَسَلِ. وَبَعْدَ مَا أَكَلْتُهُ صَارَ جَوْفِي مُرّاً».

ص ١١: ١ حزقيال ٣٧: ٤ و٩ ص ٥: ٩ و١٧ و١٠ و١٢

هذه الآية تفسير الآية التاسعة.

١١ «فَقَالَ لِي: يَجِبُ أَنَّكَ تَتَنَبَّأُ أَيْضاً عَلَى شُعُوبٍ وَأُمَمٍ وَأَلْسِنَةٍ وَمُلُوكٍ كَثِيرِينَ».

فَقَالَ لِي: يَجِبُ أَنَّكَ تَتَنَبَّأُ أَيْضاً عَلَى شُعُوبٍ الخ وفي بعض النسخ القديمة «فقالوا الخ» هذا يبين لماذا يصير السفر في جوفه مراً لأنه به يعلم إن الذين يشهد لهم لا يلتفتون إليه ولا يخضعون لملكهم الحقيقي ويبغضون رسله. وإنه لا بد من أن تنتصر الكنيسة أخيراً وتكون ممالك هذا العالم ملكاً للرب يسوع المسيح. ولكن ذلك لا يتم ما لم تمر في أتون الاضطهاد وأن يصير ارتداد بعض أعضائها وأحكام الله عليها. ولذلك كُتب في السفر «مراث ونحيب وويل» (حزقيال ٢: ١٠) وبعد أن تُضرب الكنيسة بالبدع وتضعف بمحبتها للعالم وتتقلقل بالتحزب ويضطهدها أعداؤها ويحاربها أهل بيتها لا تتلاشى بذلك لكنها تتقوى وتنتصر بذراع سيدها القادرة. وانتهت هذه الرؤيا بإنباء الرسول برؤى أُخر مجيدة لكنها محزنة.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى