سفر الرؤيا

رؤيا يوحنا | 07 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح سفر رؤيا يوحنا

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ

إن الأمور المذكورة في هذا الأصحاح معترضة بين فتح الختم السادس والختم السابع لأن فتح الختم السادس لا يأتي بنا إلى النهاية ففيه أمور عظيمة ومخيفة وهي آيات غضب الله التي تمت بعض التمام بخراب أورشليم وتمت بعده بزوال المملكة الرومانية وستتم أعظم تمام في نهاية العالم. ولكن ليس فيه أنباء بما يصيب عبيد الله الأتقياء الثابتين. فهذا الأصحاح تعزية لهم فيريهم كيف يعرف الله أن ينجّي الأبرار من التجارب في أثناء تزعزع الأمور وعند ذلك يرثون ملكوتاً لا يتزعزع (عبرانيين ١٢: ٢٧).

١ «وَبَعْدَ هٰذَا رَأَيْتُ أَرْبَعَةَ مَلاَئِكَةٍ وَاقِفِينَ عَلَى أَرْبَعِ زَوَايَا ٱلأَرْضِ، مُمْسِكِينَ أَرْبَعَ رِيَاحِ ٱلأَرْضِ لِكَيْ لاَ تَهُبَّ رِيحٌ عَلَى ٱلأَرْضِ وَلاَ عَلَى ٱلْبَحْرِ وَلاَ عَلَى شَجَرَةٍ مَا».

ص ٩: ١٤ و٢٠: ٨ وإشعياء ١١: ١٢ حزقيال ٧: ٢ إرميا ٤٩: ٣٦ وزكريا ٦: ٥ متّى ٢٤: ٣١ ع ٣ وص ٨: ٧ و٩: ٤

وَبَعْدَ هٰذَا أشار الرسول بهذا إلى بداءة رؤيا أُخرى لا إلى قسم من الزمان. والذي ذكره ليس جزءاً مما يختص بالختم السادس ولا جزءاً من الختم السابع بل هو كلام معترض ذكر فيه حادثتين ختم شعب الله على الأرض وجمع مختاريه في السماء. ولم يذكر دينونة اليوم الأخير بل ذكر ما يختص بالقديسين من حوادث ذلك اليوم وهو نتائج امتحانهم يومئذ. والكلمات الأخيرة التي سمعها يوحنا من العالم المضطرب الخائف هي قوله «قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف». وفي هذا الأصحاح بيان من هم الذين يقفون آمنين مطمئنين في ذلك اليوم.

أَرْبَعَةَ مَلاَئِكَةٍ… مُمْسِكِينَ أَرْبَعَ رِيَاحِ ٱلأَرْضِ أشار بهذا إلى أن حراسة العناصر الطبيعية موكولة إلى الملائكة. فالرياح كالزلازل خاضعة لإرادة الله فهو الذي «جمع الريح في حفنتيه» (أمثال ٣٠: ٤). وهو «ٱلْجَاعِلُ ٱلسَّحَابَ مَرْكَبَتَهُ. ٱلْمَاشِي عَلَى أَجْنِحَةِ ٱلرِّيحِ» (مزمور ١٠٤: ٣) وفيما كان يوحنا يرى انقلاب الجبال وتزحزح الجزائر وخوف سكانها رأى ملائكة الله واقفين للحراسة لضبط الرياح لكي لا تهيج البحر ولا تضر بشيء حتى يأذن الله بإطلاقها. ووقوف الملائكة على أربع زوايا الأرض يشير إلى تمام حفظ الذين يقصد الله حمايتهم وأن لا أحد من الأشرار يقدر أن يهرب من قضاء الله حين يطلق الرياح والزوابع.

٢، ٣ «٢ وَرَأَيْتُ مَلاَكاً آخَرَ طَالِعاً مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ مَعَهُ خَتْمُ ٱللهِ ٱلْحَيِّ، فَنَادَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ إِلَى ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلأَرْبَعَةِ ٱلَّذِينَ أُعْطُوا أَنْ يَضُرُّوا ٱلأَرْضَ وَٱلْبَحْرَ ٣ قَائِلاً: لاَ تَضُرُّوا ٱلأَرْضَ وَلاَ ٱلْبَحْرَ وَلاَ ٱلأَشْجَارَ، حَتَّى نَخْتِمَ عَبِيدَ إِلٰهِنَا عَلَى جِبَاهِهِمْ».

ص ١٦: ١٢ وإشعياء ٤١: ٢ ص ٩: ٤ ع ٣ ومتّى ١٦: ٦ وص ٦: ٦ ع ٣ – ٨ يوحنا ٣: ٣٣ ص ١٤: ١ و٢٢: ٤ وحزقيال ٩: ٤ و٦ ص ١٣: ١٦ و١٤: ٩ و٢٠: ٤

وَرَأَيْتُ مَلاَكاً آخَرَ طَالِعاً مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ هذا الملاك إما المسيح الذي قال «أنا نور العالم» أو مشبّه له في عمله فله سلطان على الأربعة الملائكة.

مَعَهُ خَتْمُ ٱللهِ ٱلْحَيِّ وجود ختم الملك في يده يستلزم أن له سلطان الملك كما كان من أمر يوسف في مصر يوم أخذ خاتم فرعون (تكوين ٤١: ٤٢) ومردخاي يوم أخذ ختم أحشويرش (أستير ٨: ١٠) ونُعت الله «بالحي» لزيادة عظمة الختم.

فَنَادَى بِصَوْتٍ… قَائِلاً لاَ تَضُرُّوا ٱلأَرْضَ بإطلاق الرياح عليها.

حَتَّى نَخْتِمَ أي الله والمتكلم. وهذا يؤيد كونه المسيح.

عَلَى جِبَاهِهِمْ حيث يظهر الختم واضحاً وحيث كانت توضع عمامة الحبر الأعظم المكتوب عليها «قدس للرب». وهذا يوافق قول المسيح «فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ ٱلصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ ٱلأَرْبَعِ ٱلرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ ٱلسَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا» (متّى ٢٤: ٣١). ويشبه ما في سفر نبوءة حزقيال من وضع سمة على جباه رجال أورشليم الذين يثنون ويتنهدون على الرجاسات المصنوعة فيها (حزقيال ٩: ٤) وكانت غاية سمة حزقيال وقاية الأتقياء من الأضرار والختم هنا كذلك. فلم يكن الختم مجرد علامة للتمييز بين الأخيار والأشرار بل آية محبة الله لهم أيضاً كما في قول العروس في نشيد الأنشاد «اِجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ، كَخَاتِمٍ عَلَى سَاعِدِكَ» (نشيد الأنشاد ٨: ٦). وقول الرسول «وَلٰكِنَّ أَسَاسَ ٱللهِ ٱلرَّاسِخَ قَدْ ثَبَتَ، إِذْ لَهُ هٰذَا ٱلْخَتْمُ. يَعْلَمُ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِينَ هُمْ لَهُ» (٢تيموثاوس ٢: ١٩). وكان ذلك الختم علامة إن الذين خُتموا به اعترف بهم الرب قدام أبيه وملائكته الأبرار (لوقا ١٢: ٨). فليس الختم علامة الوقاية من الأضرار الجسدية فإنه من المحتمل أن المختومين يقعوا في ضيقات واضطهادت وسجون وضربات ويموتون شهداء بل الختم هو علامة اختصاصهم بالرب فهم له فلا شيء يفصلهم عن محبة الله ولا أحد يخطفهم من يده.

٤ «وَسَمِعْتُ عَدَدَ ٱلْمَخْتُومِينَ مِئَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفاً، مَخْتُومِينَ مِنْ كُلِّ سِبْطٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ».

ص ٩: ١٦ ص ١٤: ١ و٣

وَسَمِعْتُ عَدَدَ ٱلْمَخْتُومِينَ مِئَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفاً هذا حاصل من ضرب عدد أسباط إسرائيل في عدد رسل المسيح في ألف وهذا الألف للفرق بين الحساب السماوي والحساب الأرضي. واختلف المفسرون في أنه أَمن متنصري اليهود هم أم من عبيد الله الأمناء من كل طوائف الأرض عبّر عنهم بأسماء أسباط اليهود. والذي اعتمده الأكثرون إن المختونين هم أعضاء كنيسة المسيح كلهم وذلك لأسباب:

  • الأول: إن في سفر الرؤيا ليس من تمييز بين المؤمن من اليهود والمؤمن من الأمم فعلى تعليم هذا السفر كل المؤمنين كنيسة واحدة للمسيح لا يميز فيها بين «يُونَانِيٌّ وَيَهُودِيٌّ، خِتَانٌ وَغُرْلَةٌ، بَرْبَرِيٌّ سِكِّيثِيٌّ، عَبْدٌ حُرٌّ، بَلِ ٱلْمَسِيحُ ٱلْكُلُّ وَفِي ٱلْكُلِّ» (كولوسي ٣: ١١).
  • الثاني: إن من اصطلاح هذا السفر أن يستعير الكلمات المألوفة في العهد القديم للأمور الروحية السماوية ومن ذلك الهيكل وخيمة الاجتماع والمذبح وجبل صهيون فإنها استُعملت في غير المعاني التي وُضعت لها. واستعملت لفظة إسرائيل بمعنى روحي في (رومية ٩: ٦ وغلاطية ٦: ١٦). فلا عجب إن استُعيرت أسباط إسرائيل لأقسام ممالك الأرض وللمؤمنين فيها واستُعير هؤلاء الأسباط لكل المؤمنين (ص ٢١: ١٢).
  • الثالث: إن إمساك الملائكة للرياح لا يوافق كون المختومين من اليهود فقط لأنه إذا كانت الغاية حفظ المؤمنين من اليهود دون غيرهم فلماذا أُمسكت الرياح عن كل الأرض. وقوله «نختم عبيد إلهنا» يعم كل المؤمنين ويمنع من التخصيص. وإذا حسبنا أن المختومين اليهود فقط لزم من ذلك أن مؤمني الأمم لم يُختموا إذ لا دليل آخر على أنهم خُتموا. فالنتيجة أن المختومين هم أعضاء كنيسة الله الجامعة لا مؤمني اليهود فقط. ومتى وقعت أحكام الله على أشرار العالم كان كل المؤمنين مختومين للوقاية محفوظين من الضربات التي تقع على الأشرار. وإن العدد المذكور أي مئة وأربعة وأربعين ألفاً عدد كامل يشير إلى المؤمنين كلهم يُحفظون ولا يُفقد أحد منهم (يوحنا ١٧: ١٢). وإن الرب يعرف خاصته وإن الجزء الأصغر من الكنيسة بين المختومين كالأكبر وإن المختومين هم خاصة الله لأنهم مختومون باسمه (ص ٣: ١٢ و١٤: ١) وإنهم مجموعون من العالم إلى مدينة الله.

وهذا غاية ختم المذكورين في الأصحاح التاسع من سفر نبوءة حزقيال وغاية رش الدم على عتبات بيوت الإسرائيليين في مصر وإغلاق فلك نوح وغاية هرب المسيحيين إلى الجبال أيام خراب أورشليم (متّى ٢٤: ١٦).

٥ – ٨ «٥ مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ رَأُوبَيْنَ ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ جَادَ ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. ٦ مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ نَفْتَالِي ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ مَنَسَّى ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. ٧ مِنْ سِبْطِ شَمْعُونَ ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ لاَوِي ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ يَسَّاكَرَ ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. ٨ مِنْ سِبْطِ زَبُولُونَ ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ يُوسُفَ ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ ٱثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ».

ص ٩: ١٦ ص ١٤: ١ و٣

جدول الأسباط الاثني عشر هنا يفرق عن كل ما سواه من الجداول في الكتاب المقدس فإنه تُرك منه سبط دان وذُكر فيه سبط لاوي على غير العادة وذُكر يوسف بدلاً من أفرايم. وهذا التغيير لم يكن بلا سبب ويعسر الحتم أنه بسبب. غير أن المقصود «بالمختومين» كل المؤمنين على اختلاف صنوفهم وقبائلهم. وعلّة ترك سبط لاوي من غير هذا الجدول إن الله أفرز هذا السبط له ولم يعدّه موسى يوم عدّ سائر الأسباط. ولكن المسيح لم يختر له سبطاً واحداً بل اختار كل المؤمنين كهنة. والمرجح أن ترك سبط دان من هذا الجدول كونه أخذ الحيّة شعاراً له (تكوين ٤٩: ١٧) ولا يليق أن تكون شعاراً مسيحياً وكونه أول من سقط من الأسباط في عبادة الأوثان قضاة (ص ١٨). وعلّة وضع يوسف بدل أفرايم العداوة الدائمة بين أفرايم ويهوذا الذي وُلد المسيح منه. وتلك الولادة علّة وضع يهوذا أولاً في هذا الجدول مع أنه الرابع من أبناء يعقوب.

جمع المختارين في السماء ع ٩ إلى ١٢

كان الاستعداد الأول لفتح الختم السابع والأخير ختم المختارين والثاني جمعهم لكي يشتركوا في فرح سيدهم فإنه عند ذلك يكون قد فتح كل الختوم ويُعلن سرّ أعمال الله «ويعرف المؤمنون كما عُرفوا».

٩ «بَعْدَ هٰذَا نَظَرْتُ وَإِذَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ ٱلأُمَمِ وَٱلْقَبَائِلِ وَٱلشُّعُوبِ وَٱلأَلْسِنَةِ، وَاقِفُونَ أَمَامَ ٱلْعَرْشِ وَأَمَامَ ٱلْحَمَلِ، مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ ٱلنَّخْلِ».

ص ٥: ٩ وع ١٥ ص ٢٢: ٣ و٦: ١١ ع ١٤: لاويين ٢٣: ٤٠

بَعْدَ هٰذَا أشار بهذا إلى بداءة رؤيا أخرى (انظر تفسير ع ١).

جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ هذا لا يستلزم أن أحداً يحاول عدّه وما استطاع فالمراد إن العدد وافر جداً يعلمه الذي «يُحْصِي عَدَدَ ٱلْكَوَاكِبِ. يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ» (مزمور ١٤٧: ٤).

مِنْ كُلِّ ٱلأُمَمِ وَٱلْقَبَائِلِ وَٱلشُّعُوبِ وَٱلأَلْسِنَةِ (انظر تفسير ص ٥: ٩).

وَاقِفُونَ أَمَامَ ٱلْعَرْشِ وَأَمَامَ ٱلْحَمَلِ كان محل الرؤيا السابق قرب المذبح فصار ما كان في (ص ٤) وهو محل المجد السماوي والأفراس الأربعة.

مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ هي ثياب السماء الدالة على الطهارة والشرف (انظر تفسير ص ٦: ١١).

وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ ٱلنَّخْلِ هذا آية احتفال الابتهاج اعتقاد اليهود أن يحملوا سعف النخل في عيد المظال الذي حفظوه تذكاراً لسفرهم في البريّة إلى الأرض المقدسة (لاويين ٢٣: ٤٠). وكانوا يحتفون بهذا العيد في تشرين الأول إذ كانوا يجمعون غلال الزيت والخمر التي تُجمع في آخر السنة. فكانوا يأخذون أغصان الأشجار وسعف النخل ويخرجون من بيوتهم ويقيمون بالمظال ثمانية أيام في كل سنة. فالمراد بما في هذه الآية الاحتفاء بعيد المظال السماوي.

١٠ «وَهُمْ يَصْرُخُونَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: ٱلْخَلاَصُ لإِلٰهِنَا ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ».

ص ١٢: ١٠ و١٩: ١ مزمور ٣: ٨ وص ٢٢: ٣

وَهُمْ يَصْرُخُونَ أي لا ينفكون يصرخون.

ٱلْخَلاَصُ لإِلٰهِنَا ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ أي الخلاص الذي نلناه يوجب علينا أن نحمد الله عليه ونشكره لأنه هو مصدر الخلاص ولأنه بذل ابنه للموت لكي نحصل عليه. وأن نحمد الخروف ونشكره لأنه اشترى لنا الخلاص بدمه الكريم.

١١ «وَجَمِيعُ ٱلْمَلاَئِكَةِ كَانُوا وَاقِفِينَ حَوْلَ ٱلْعَرْشِ وَٱلشُّيُوخِ وَٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلأَرْبَعَةِ، وَخَرُّوا أَمَامَ ٱلْعَرْشِ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَسَجَدُوا لِلّٰهِ».

ص ٤: ٤ و٦ و١٠

وَجَمِيعُ ٱلْمَلاَئِكَةِ شارك الملائكة المفديين في الترنم بأن انتظموا تجاههم وتداولوه كما في (ص ٥: ١١) وأحاطوا بالعرش دائرة عظيمة في وسطها الشيوخ نواب المفديين والحيوانات نواب الخليقة. فكان هذا المشهد كالمشهد الذي مرّ في فتح الأربعة الختوم.

وَخَرُّوا أَمَامَ ٱلْعَرْشِ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَسَجَدُوا لِلّٰهِ دلالة على العبادة والهيبة والوقار. ودل خرورهم على كونهم في صورة البشر.

١٢ «قَائِلِينَ: آمِينَ! ٱلْبَرَكَةُ وَٱلْمَجْدُ وَٱلْحِكْمَةُ وَٱلشُّكْرُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْقُدْرَةُ وَٱلْقُوَّةُ لإِلٰهِنَا إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. آمِينَ».

ص ٥: ٣ و١٤ و١٢

نُسب هنا إلى الله سبع صفات العظمة دليلاً على كمال تسبيحه وكمال صفاته.

تفسير أحد الشيوخ لهذه الرؤيا ع ١٣ إلى ١٧

١٣ «وَسَأَلَنِي وَاحِدٌ مِنَ ٱلشُّيُوخِ: هٰؤُلاَءِ ٱلْمُتَسَرْبِلُونَ بِٱلثِّيَابِ ٱلْبِيضِ، مَنْ هُمْ وَمِنْ أَيْنَ أَتَوْا؟».

أعمال ٣: ١٢ ص ٦: ١١

وَسَأَلَنِي وَاحِدٌ مِنَ ٱلشُّيُوخِ لاق أن أحد نواب الكنيسة يفسر الرؤيا المختصة بالكنيسة الممجدة.

هٰؤُلاَءِ ٱلْمُتَسَرْبِلُونَ بِٱلثِّيَابِ ٱلْبِيضِ، مَنْ هُمْ وَمِنْ أَيْنَ أَتَوْا يسأل مثل هذا السؤال الغرباء ليعرفوا الحقيقة. والغاية منه هنا فتح الحديث وتمهيد الطريق للتفسير.

١٤ « فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدُ أَنْتَ تَعْلَمُ. فَقَالَ لِي: هٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلَّذِينَ أَتَوْا مِنَ ٱلضِّيقَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوهَا فِي دَمِ ٱلْحَمَلِ».

متّى ٢٤: ٢١ ص ٢٢: ١٤ زكريا ٣: ٣ – ٥ عبرانيين ٩: ١٤ و١يوحنا ١: ٧

يَا سَيِّدُ خاطب الرسول الشيخ بالاحترام الذي يستحقه بالنظر إلى كونه أحد الجنود السماوية. وحدود هذا الاحترام ذُكرت في (ص ١٩: ١٠ و٢٢: ٨ و٩).

أَنْتَ تَعْلَمُ لا أنا.

هُمُ ٱلَّذِينَ أَتَوْا على توالي الزمان لا دفعة واحدة.

مِنَ ٱلضِّيقَةِ ٱلْعَظِيمَةِ التي كان كل بني الله عرضة لها واختبروها في جهادهم ومحاربتهم للخطيئة والشيطان والشهوات في كل عصر وأمة إلى نهاية الزمان. فاعتبر الشيخ كل ضيقاتهم ضيقة واحدة عظيمة لكونها قد كملت وانتهت في وقت الخطاب.

وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوهَا فِي دَمِ ٱلْحَمَلِ حين كانوا على الأرض. أشار «بغسلهم ثيابهم بدم الخروف» إلى إيمانهم بأن موت المسيح كان كفارة على وفق قول بطرس في الأمم إن الروح القدس «لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِشَيْءٍ، إِذْ طَهَّرَ بِٱلإِيمَانِ قُلُوبَهُمْ» (أعمال ١٥: ٩). وقول يوحنا «دَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (١يوحنا ١: ٧ انظر أيضاً أفسس ٥: ٢٥ – ٢٧). وليس المراد «بالغسل» و «التبييض» عملين بل عملاً واحداً فالبياض نتيجة الغسل وكلاهما يشير إلى عمل التقديس الذي هو شغل كل حياة المؤمن وهو تطهير النفس بالمداومة على طلب الرش بذلك الدم الكريم. وأشار يوحنا المعمدان إلى عمل المسيح التطهيري بقوله «هُوَذَا حَمَلُ ٱللهِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ» (يوحنا ١: ٢٩).

١٥ «مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ هُمْ أَمَامَ عَرْشِ ٱللهِ وَيَخْدِمُونَهُ نَهَاراً وَلَيْلاً فِي هَيْكَلِهِ، وَٱلْجَالِسُ عَلَى ٱلْعَرْشِ يَحِلُّ فَوْقَهُمْ».

ص ٢٢: ٣ و٤: ٨ و١١: ١٩ و٢١: ٢٢ و٣ ولاويين ٢٦: ١١ وحزقيال ٣٧: ٢٧ ويوحنا ١: ١٤

مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ أي من أجل أنهم تطهّروا حتى لم يبق فيهم «دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذٰلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ» (أفسس ٥: ٢٧).

هُمْ أَمَامَ عَرْشِ ٱللهِ لا غيرهم (متّى ٥: ٨) وإنهم يَرون كما يُرون (١يوحنا ٣: ٢).

يَخْدِمُونَهُ نَهَاراً وَلَيْلاً فِي هَيْكَلِهِ إن حياتهم ليست مجرد حياة الفرح والأمن لكنها حياة الخدمة أيضاً كحياة الكهنة في الهيكل فإنهم كانوا أيّمة الترنم في الهيكل السماوي كما كان الكهنة في الهيكل الأرضي (ص ٢٢: ٣). لكن يجب أن نذكر إن كلام الرؤيا هنا مجاز إذ لا هيكل ولا ليل في السماء.

وَٱلْجَالِسُ عَلَى ٱلْعَرْشِ يَحِلُّ فَوْقَهُمْ وفي الأصل اليوناني «يظللهم كخيمة الشهادة» كما وعد الله شعبه (لاويين ٢٦: ١١ وإشعياء ٤: ٥ و٦). والمراد بذلك إن المجد الذي ظهر لبني إسرائيل في قدس الأقداس في خيمة الشهادة وارتفع من الهيكل سيرجع أيضاً إلى شعب الله في السماء ويظهر لهم بدليل قوله «هُوَذَا مَسْكَنُ ٱللهِ مَعَ ٱلنَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ الخ» (ص ٢١: ٣ انظر أيضاً حزقيال ٣٧: ٢٨ ويوحنا ١: ١٤). فسكنى الله معهم يحقق لهم اعتناءه بهم وحفظه إياهم من الأضرار الآتي ذكرها.

١٦ «لَنْ يَجُوعُوا بَعْدُ وَلَنْ يَعْطَشُوا بَعْدُ وَلاَ تَقَعُ عَلَيْهِمِ ٱلشَّمْسُ وَلاَ شَيْءٌ مِنَ ٱلْحَرِّ».

إشعياء ٤٩: ١٠ مزمور ١٢١: ٥

لَنْ يَجُوعُوا بَعْدُ وَلَنْ يَعْطَشُوا بَعْدُ الخ هذا موافق لقول إشعياء «لاَ يَجُوعُونَ وَلاَ يَعْطَشُونَ، وَلاَ يَضْرِبُهُمْ حَرٌّ وَلاَ شَمْسٌ، لأَنَّ ٱلَّذِي يَرْحَمُهُمْ يَهْدِيهِمْ وَإِلَى يَنَابِيعِ ٱلْمِيَاهِ يُورِدُهُمْ» (إشعياء ٤٩: ١٠). أي أن الضيقات التي أصابتهم في سبيل الحق وخدمة المسيح لا تصيبهم بعد ولا يتعبون ولا يعيون «لأَنَّ ٱلأُمُورَ ٱلأُولَى قَدْ مَضَتْ» (ص ٢١: ٤). ويلزم من ذلك إن الذين كانوا يجوعون ويعطشون للبر يشبعون فينالون الغبطة الموعود بها في (متّى ٥: ٦) والقوة الروحية الباطنة والوقاية من النوازل الخارجية. إن جمال الناس وحذاقتهم ومقاصدهم الصالحة تذبل وتنفى بنار التجارب بدليل قول المسيح في المزورع في الأرض المحجرة «لَمَّا أَشْرَقَتِ ٱلشَّمْسُ ٱحْتَرَقَ، وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ جَفَّ» (متّى ١٣: ٦). والذين في هذه الرؤيا قد مضى زمان امتحانهم وابتدأ زمان فرحهم وإثابتهم.

١٧ «لأَنَّ ٱلْحَمَلَ ٱلَّذِي فِي وَسَطِ ٱلْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ، وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ، وَيَمْسَحُ ٱللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ».

مزمور ٢٣: ١ و٢ ومتّى ١: ٦ ويوحنا ١٠: ١٠ ص ٢١: ٦ و٢٢: ١ يوحنا ٤: ١٤ ص ٢١: ٤ وإشعياء ٢٥: ٨ متّى ٥: ٤

لأَنَّ ٱلْحَمَلَ ٱلَّذِي فِي وَسَطِ ٱلْعَرْشِ لعله كان واقفاً أمام العرش ورآه يوحنا كأنه في وسطه (ص ٥: ٦).

يَرْعَاهُمْ، وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ كما جاء في (مزمور ٢٣: ٢) وفي الكلام على الراعي الصالح الذي فتش عن الخروف الضال ونشده (لوقا ١٥: ٤ ويوحنا ١٠: ١١). فهو لا ينس خرافه في السماء بل يسقيهم من ماء الحياة الذي يروي عطشهم إلى الأبد (يوحنا ٤: ١٣ و١٤ و٧: ٣٧ – ٣٩).

وفي العبارة إشارة إلى أمور عيد المظال لأن من سننه أن يذهب الكاهن إلى بركة سلوام ويأتي بمائها في إناء من ذهب إلى دار الهيكل ويسكبه حول مذبح المحرقة ويترنم الشعب كله بقولهم «تَسْتَقُونَ مِيَاهاً بِفَرَحٍ مِنْ يَنَابِيعِ ٱلْخَلاَصِ» (إشعياء ١٢: ٣).

وَيَمْسَحُ ٱللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ هذا كقول إشعياء في نبوءته «يَبْلَعُ ٱلْمَوْتَ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَيَمْسَحُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ ٱلدُّمُوعَ عَنْ كُلِّ ٱلْوُجُوهِ» (إشعياء ٢٥: ٨).

إن الأشخاص المذكورين في الرؤيين في هذا الأصحاح جماعة واحدة. ففي الرؤيا الأولى هم «مختومون» وفي الثانية «آمنون» لأنهم مختومون. وليس هم آمنين فقط بل هم تحت ظل الله أيضاً لينالوا السلام والانتصار والابتهاج. والموت ابتُلع إلى الغلبة ومُسح كل دمعة. وفي الرؤيا الأولى هم ١٤٤٠٠٠ وفي الثانية عدد لا يحصى. والفرق قائم بأنهم في الأولى كما يراهم الله الذي يحصي الكواكب ويعدهم وفي الثانية كما يراهم الناس على نحو ما وعد الله إبراهيم بأن يكون نسله بقوله «ٱنْظُرْ إِلَى ٱلسَّمَاءِ وَعُدَّ ٱلنُّجُومَ إِنِ ٱسْتَطَعْتَ أَنْ تَعُدَّهَا… هٰكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ» (تكوين ١٥: ٥). وفي الأولى نرى الكنيسة مضطربة من كل جهة لكنها محفوظة وموسومة لله. وفي الثانية خالصة من كل ضيقاتها إلى الأبد ونائلة السعادة الأبدية الكاملة.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى