رؤيا يوحنا | 06 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح سفر رؤيا يوحنا
للدكتور . وليم إدي
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ
فك الختوم
فك الختوم يشير إلى بسط تاريخ العالم بعد صعود المسيح إلى السماء وإعلان ما يحدث للممالك من الحرب والجوع والوباء والموت. وفي فك هذه الختوم إيضاح صوري لما أنبأ به المسيح تلاميذه لفظاً على جبل الزيتون وهو قوله «وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ… لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ» (متّى ٢٤: ٦ و٧). وفك الختوم يدل على أن تلك النوازل تظل جارية إلى نهاية كل شيء وإن الكنيسة تتدرب بها في مدرسة التأديب وتكمل بالألم كما كُمّل معلمها (عبرانيين ٢: ١٠) فتعرف أنها «بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللهِ» (أعمال ١٤: ٢٢). وحيث يكون المعلم في السماء يكون عبيده معه ولكن يجب أن يدخلوها في الطريق الذي هو دخلها فيه وهو طريق الحزن والألم.
وما يحدث لأمة يمكن أن يحدث لأمة أخرى فقد سبق ورافق خراب أورشليم الحرب والجوع والشقاء والقلق. وكذا كانت الحال في انقلاب المملكة الرومانية. ونتعلم من هذا الأصحاح أن نتوقع مثل هذه الحوادث في المستقبل.
يجب أن نلاحظ إن الختوم المذكورة هنا لا تشير ضرورة إلى حوادث متوالية فيمكن أن تكون متوازية فيمكن مثلاً إن فرس الجوع يسبق فرس الوباء أو أن يجريا معاً لأنه كثيراً ما ينشأ عن الحرب الجوع وعن الجوع الوباء. ويجب أن نلاحظ أيضاً إن هذا السفر يتكلم في مبادئ عامة لا حوادث خاصة تاريخية فإنا نرى الكنيسة في جهاد للعالم ونرى ابن الإنسان باعتبار كونه كاهن الكنيسة وملكها ينتصر على أعدائها ويثبت مملكة الحق والبر ويحمي الكنيسة في كل ضيقاتها ويطهّرها ويقودها أخيراً إلى السعادة التامة في أورشليم الجديدة.
إن الأربعة الختوم الأولى تمتاز عن الثلاثة التابعة لها في أن كلا من الأربعة يظهر عند فكه فارساً وإنه يأتي إجابة لقول واحد من الحيوانات «هلم» ولكن لا يُذكر عند فك كل من الثلاثة التالية فرس ولا راكب ولا طالب لهما. ثم نرى عند فك الختم السادس تغير محل الرؤيا من العالم المنظور إلى العالم غير المنظور (ع ٩). وهذه الرؤيا تشبه رؤيا زكريا (زكريا ١: ٧ – ١١ و٦: ١ – ٨).
١ «وَنَظَرْتُ لَمَّا فَتَحَ ٱلْحَمَلُ وَاحِداً مِنَ ٱلْخُتُومِ ٱلسَّبْعَةِ، وَسَمِعْتُ وَاحِداً مِنَ ٱلأَرْبَعَةِ ٱلْحَيَوَانَاتِ قَائِلاً كَصَوْتِ رَعْدٍ: «هَلُمَّ وَٱنْظُرْ!».
ص ٥: ١ و١٤: ٢ و١٩: ٦
سَمِعْتُ وَاحِداً مِنَ ٱلأَرْبَعَةِ ٱلْحَيَوَانَاتِ هم نواب الخليقة الذين قال فيهم بولس الرسول «نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ ٱلْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعاً… مُتَوَقِّعِينَ ٱلتَّبَنِّيَ» (رومية ٨: ٢٢ و٢٣). فهم اتفقوا في ما مرّ مع نواب الكنيسة المفدية على تقديم ترنيمة الشكر للخروف فلاق بهم إن يظهروا شدة شوقهم إلى مجيء الفادي في هذا الصوت.
قَائِلاً كَصَوْتِ رَعْدٍ كونه كصوت رعد لا يعيّن صاحبه فإن طبيعة كل من الحيوانات الأربعة السرّية السامية علة كافية لعظمة الصوت (ص ١: ١٠ و١٠: ٣).
هَلُمَّ وَٱنْظُرْ! خلا أحسن النسخ وأصحها من قوله «وانظر» فرأى أكثر المفسرين إن بعض النساخ زاد ذلك لتوهمه إن الأمر ليوحنا ولكن لا داعي إلى أن يأمره أحد بالمجيء لأنه كان قريباً ورأى الخروف يفك. وبينه وبين العرش بحر من زجاج لا يستطيع أن يعبره ولا داعي لأن يقترب أكثر من ذلك. وغاية السفر هي مجيء المسيح بدليل قوله في أول السفر «هوذا يأتي» (ص ١: ٧). فلذلك نرى إن الصوت موجه إلى المسيح نفسه وهذا يوافق ما قيل في موضع آخر «ٱلرُّوحُ وَٱلْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: تَعَالَ وقوله نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعاً» (ص ٢٢: ١٧ و٢٠). فيجب أن نحسب صوت القائل «هلم» عند فك كل من الختوم الأربعة صلاة من الخليقة لأجل مجيء المسيح إذ لا تنتهي آلامها وأحزانها التي هي مستعبدة لها إلا بمجيئه. ولذلك تنادي هلم! هلم! هلم! هلم! وما يأتي بعد الصوت جواب له واستعداد لمجيء المسيح إلى الأرض. فبعدما أبانت الحيوانات الأربعة شدة شوقها إلى مجيء المسيح أبانته أيضاً نفوس الشهداء تحت المذبح بصراخهم قائلين «حَتَّى مَتَى أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ ٱلْقُدُّوسُ» (ص ٦: ١٠). وفك كل ختم استعداد لمجيئه العظيم وكان فك الختم السادس أعظم ما يكون من الاستعداد.
والرؤى الأربع هنا تشير إلى أوقات القلق أكر مما تشير إلى أوقات الراحة فإنها إنباء «بالأربعة الأحكام الرديئة التي أُنبئ بها حزقيال وهي السيف والجوع والوحش الرديء والوباء ليقطع من أورشليم الإنسان والحيوان» (حزقيال ١٤: ٢١). فإتيان هذه الآيات – آيات النقمة – استعداد لإتيان رئيس السلام.
٢ «فَنَظَرْتُ، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ، وَٱلْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ قَوْسٌ، وَقَدْ أُعْطِيَ إِكْلِيلاً، وَخَرَجَ غَالِباً وَلِكَيْ يَغْلِبَ».
ص ١٩: ١١ زكريا ١: ٨ و٦: ٣ و٤ وص ١٤: ١٤ و٩: ٧ و١٩: ١٢ وزكريا ٦: ١١ ص ٣: ٢١
فَنَظَرْتُ، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ هذا رمز إلى النصر لأن خيل القواد الرومانيين في مواكب النصر كانت بيضاً فلون الفرس آية انتصار فارسه.
وَٱلْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ قَوْسٌ، وَقَدْ أُعْطِيَ إِكْلِيلاً هذه صورة المسيح باعتبار كونه جندياً وملكاً فظهر بصورة قائد ورئيس لشعبه على وفق النبوءة القائلة «هُوَذَا قَدْ جَعَلْتُهُ… رَئِيساً وَمُوصِياً لِلشُّعُوبِ» (إشعياء ٥٥: ٤ انظر أيضاً مزمور ٤٥: ٣ – ٥ وإشعياء ٤١: ٢). وقول هذا السفر في (ص ١٩: ١١ – ١٦ انظر أيضاً عبرانيين ٢: ٩). وهذا يشبه ما رآه زكريا النبي (زكريا ١: ٤ و٩: ١٠).
غَالِباً وَلِكَيْ يَغْلِبَ ليس كغالبي بابل ونينوى ومكدونية ورومية الذين غلبوا ثم غُلبوا فإن انتصار المسيح أبدي «لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ لاَ نِهَايَةَ» (إشعياء ٩: ٧). «كُلُّ آلَةٍ صُوِّرَتْ ضِدَّكِ لاَ تَنْجَحُ» (إشعياء ٥٤: ١٧). ومع أنه دُعي «رئيس السلام» لأن غايته العظمى السلام وعاقبة ملكه كذلك قال في المضادين لملكه «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَماً عَلَى ٱلأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَماً بَلْ سَيْفاً» (متّى ١٠: ٣٤). وانتصار المسيح يستلزم انتصار ملكوته «وأبواب الجحيم لن تقوى عليه» ففك الختم الأول بيان انتصار كنيسة المسيح وشعبه بانتصار رأسها وملكها.
٣، ٤ «٣ وَلَمَّا فَتَحَ ٱلْخَتْمَ ٱلثَّانِيَ، سَمِعْتُ ٱلْحَيَوَانَ ٱلثَّانِيَ قَائِلاً: هَلُمَّ وَٱنْظُرْ! ٤ فَخَرَجَ فَرَسٌ آخَرُ أَحْمَرُ، وَأُعْطِيَ لِلْجَالِسِ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَ ٱلسَّلاَمَ مِنَ ٱلأَرْضِ، وَأَنْ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، وَأُعْطِيَ سَيْفاً عَظِيماً».
ص ٤: ٧ زكريا ٦: ٢
فَرَسٌ آخَرُ أَحْمَرُ أي لونه كلون الدم (٢ملوك ٣: ٢٢). وهنا لون الفرس يشير إلى صفة الراكب كما في فك الختم الأول.
أَنْ يَنْزِعَ ٱلسَّلاَمَ مِنَ ٱلأَرْضِ لا من اليهودية فقط ولا من المملكة الرومانية أو من مكان آخر خاص بل من كل موضع.
وَأُعْطِيَ سَيْفاً عَظِيماً معنى هذا ما سبق من نزع السلام وقتل بعض الناس لبعض واستيلاء السيف من معدات مجيء المسيح ثانية (متّى ١٠: ٣٤) فهذا لا يشير إلى اضطهاد المسيحيين الخاص بل إلى الحرب باعتبار كونه آلة ضرورية لملك رئيس السلام. وهذه الرؤيا على وفق قول المسيح «تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ» (متّى ٢٤: ٧). ولم يتضح جلياً الفرق المقصود بين الراكب الأول والراكب الثاني إلا إذا فرضنا إن الأول يشير إلى الذين يخضعون لسلطان المسيح اختياراً على نحو قول المرنم «شَعْبُكَ مُنْتَدَبٌ فِي يَوْمِ قُوَّتِكَ» (مزمور ١١٠: ٣). وفرضنا إن الثاني يشير إلى المقاومين لملك المسيح ويقولون «لا نريد أن هذا الإنسان يملك علينا». والمتقاتلون هم أشرار الناس لأنهم يقتل بعضهم بعضاً. ووقعت هذه الحرب عقاباً لهم لأنهم رفضوا رئاسة ملك السلام. إنهم لم يريدوا أن يخلصوا بدم الخروف المذبوح فسمح الله بأن يبغض بعضهم بعضاً ويذبح بعضهم بعضاً.
إن تاريخ الأرض منذ هذه النبوءة مصدق لأنباء الرؤيا فحدثت حروب في المملكة الرومانية وحروب بين الأمم وحروب على الكنيسة من أعدائها الخارجية وأعدائها الداخلية وهم الذين ادعوا إنهم إخوة وأتباع المسيح وأعمالهم دلت على أنهم لم يكونوا كذلك.
٥ «وَلَمَّا فَتَحَ ٱلْخَتْمَ ٱلثَّالِثَ، سَمِعْتُ ٱلْحَيَوَانَ ٱلثَّالِثَ قَائِلاً: هَلُمَّ وَٱنْظُرْ! فَنَظَرْتُ وَإِذَا فَرَسٌ أَسْوَدُ، وَٱلْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ مِيزَانٌ فِي يَدِهِ».
ص ٤: ٧ زكريا ٦: ٢ حزقيال ٤: ١٦
فَرَسٌ أَسْوَدُ لون هذا الفرس إشارة إلى عمل راكبه المحزن.
مِيزَانٌ فِي يَدِهِ الميزان آية الجوع لأنه يشير إلى قسمة الطعام بالوزن على وفق قول النبي «تَخْبِزُ عَشَرُ نِسَاءٍ خُبْزَكُمْ فِي تَنُّورٍ وَاحِدٍ، وَيَرْدُدْنَ خُبْزَكُمْ بِٱلْوَزْنِ، فَتَأْكُلُونَ وَلاَ تَشْبَعُونَ» (لاويين ٢٦: ٢٦). وقوله تعالى «هَئَنَذَا أُكَسِّرُ قِوَامَ ٱلْخُبْزِ فِي أُورُشَلِيمَ، فَيَأْكُلُونَ ٱلْخُبْزَ بِٱلْوَزْنِ» (حزقيال ٤: ١٦).
٦ «وَسَمِعْتُ صَوْتاً فِي وَسَطِ ٱلأَرْبَعَةِ ٱلْحَيَوَانَاتِ قَائِلاً: ثُمْنِيَّةُ قَمْحٍ بِدِينَارٍ، وَثَلاَثُ ثَمَانِيِّ شَعِيرٍ بِدِينَارٍ. وَأَمَّا ٱلزَّيْتُ وَٱلْخَمْرُ فَلاَ تَضُرَّهُمَا».
ص ٤: ٦ و٧ وص ٧: ٣ و٩: ٤
وَسَمِعْتُ صَوْتاً… ثُمْنِيَّةُ قَمْحٍ بِدِينَارٍ كانت الثمنيّة يومئذ وزن ما يأكله الإنسان من الخبز في يوم وكان الدينار أجرة الفاعل في اليوم وأجرة الجندي الروماني. وكانت قيمة الدينار يومئذ تقرب من أربعة غروش (متّى ٢٠: ٢). فيظهر من ذلك أجرة الإنسان اليومية يومئذ لا تفي إلا بما يأكله من خبز الحنطة.
وَثَلاَثُ ثَمَانِيِّ شَعِيرٍ بِدِينَارٍ أي إن أجرة اليوم لا تزيد على ثمَن طعام بيت ذي ثلاثة أنفس من خبز الشعير. فكان ذلك الصوت أنباء بالضيق وطلب شفقة الراكب لكي يقف عن الجري لئلا يشتد الضيق ويهلك كل البشر.
ٱلزَّيْتُ وَٱلْخَمْرُ فَلاَ تَضُرَّهُمَا (أي شجر الزيتون والكرم) ليس الجوع المشار إليه هو الجوع إلى الموت بل إلى الضيق العظيم فلا ينقطع القمح والشعير تماماً والزيت والخمر يبقيان أي يبقى القوت الضروري ومعه شيء مما ينشئ الفرح والسرور. ومن تفاسير أخرى إن الخبز هو القوت الضروري والزيت والخمر من وسائل الترفه فالمعنى في ذلك إن الضيق يقع على الفقراء فيكون الأغنياء مسرفين.
ويقول غيرهم إن الضربة وقعت على القمح والشعير ولم تقع على الخمر والزيت لأن استغلالهما يكون بعد حصاد القمح والشعير (خروج ٩: ٣١ و٣٢). والخلاصة إن هذا الصوت يطلب رحمة الله لكي لا يشدد العقاب فيقطع أسباب المعاش عن الناس. فالفرس الثالث لا يشير إلى الموت جوعاً بل إلى الضيق العظيم وما ينشئ للشعب الجوع من القلق والفتنة.
٧، ٨ «٧ وَلَمَّا فَتَحَ ٱلْخَتْمَ ٱلرَّابِعَ، سَمِعْتُ صَوْتَ ٱلْحَيَوَانِ ٱلرَّابِعِ قَائِلاً: هَلُمَّ وَٱنْظُرْ! ٨ فَنَظَرْتُ وَإِذَا فَرَسٌ أَخْضَرُ، وَٱلْجَالِسُ عَلَيْهِ ٱسْمُهُ ٱلْمَوْتُ، وَٱلْهَاوِيَةُ تَتْبَعُهُ، وَأُعْطِيَا سُلْطَاناً عَلَى رُبْعِ ٱلأَرْضِ أَنْ يَقْتُلاَ بِٱلسَّيْفِ وَٱلْجُوعِ وَٱلْمَوْتِ وَبِوُحُوشِ ٱلأَرْضِ.
ص ٤: ٧ زكريا ٦: ٣ ص ١: ١٨ و٢٠: ١٣ أمثال ٥: ٥ وهوشع ١٣: ١٤ متّى ١١: ٢٣ إرميا ١٥: ٢ و٢٤: ١٠ و٢٩: ١٧ وحزقيال ٥: ١٢ و١٧ و١٤: ٢١
فَرَسٌ أَخْضَرُ هذا لون الإنسان المشرف على الموت أو المصاب بالوباء.
وَٱلْجَالِسُ عَلَيْهِ ٱسْمُهُ ٱلْمَوْتُ مثّل الموت فأثبت له صورة. هذا هو الفرس الوحيد الذي فُسر معناه.
وَٱلْهَاوِيَةُ تَتْبَعُهُ كأنها شريكته. «والهاوية» هنا مسكن أرواح الموتى.
رُبْعِ ٱلأَرْضِ الأرجح أنه أراد بذلك عدداً وافراً من الناس لا المعنى الحقيقي.
بِٱلسَّيْفِ وَٱلْجُوعِ وَٱلْمَوْتِ (أي الوباء) وَبِوُحُوشِ ٱلأَرْضِ هذه أحكام الله الانتقامية المذكورة في (خروج ٣٢: ٢٤ و٢٥) هنا نهاية فك الأربعة الختوم الأولى التي فيها صور متميزة ويشترك في إحضارها الأربعة الحيوانات أي نواب الخليقة فإنها طلبت حضور ابن الإنسان بقولها «هلم». وما ذُكر تمهيد لمجيئه العظيم فأتى أولاً في هيئة المنتصر وانتصاراته مختصر تاريخ العالم. ففك الختم الثاني والثالث والرابع يبين أن انتشار الإنجيل يرافقه الحرب والجوع والوبأ كما أنبأ المسيح بقوله «تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ» (متّى ٢٤: ٧). وهذا كُرر في الرؤيا. اتفق المفسرون على أن هذه الختوم الأربعة متعاصرة وأنها تصدق على تاريخ الكنيسة في كل مستقبلها. فإتيان المسيح بملكوته «غالباً ولكي يغلب» لا يكون إلا بها وإنها تشتد على نسبة قرب مجيئه وتنتهي عنده.
٩ – ١١ «٩ وَلَمَّا فَتَحَ ٱلْخَتْمَ ٱلْخَامِسَ، رَأَيْتُ تَحْتَ ٱلْمَذْبَحِ نُفُوسَ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ ٱللهِ وَمِنْ أَجْلِ ٱلشَّهَادَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ، ١٠ وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: حَتَّى مَتَى أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ ٱلْقُدُّوسُ وَٱلْحَقُّ، لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا مِنَ ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ؟ ١١ فَأُعْطُوا كُلُّ وَاحِدٍ ثِيَاباً بِيضاً، وَقِيلَ لَـهُمْ أَنْ يَسْتَرِيحُوا زَمَاناً يَسِيراً أَيْضاً حَتَّى يَكْمَلَ ٱلْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُمْ، وَإِخْوَتُهُمْ أَيْضاً، ٱلْعَتِيدُونَ أَنْ يُقْتَلُوا مِثْلَهُمْ».
خروج ٢٩: ١٢ ولاويين ٤: ٧ ويوحنا ١٦: ٢ ص ١٤: ١٨ و١٦: ٧ ص ٢٠: ٤ و١: ٢ و٩ ص ١٢: ١٧ زكريا ١: ١٢ و٢بطرس ٢: ١ لوقا ٢: ٢٩ ص ٣: ٧ ص ١٩: ٢ تثنية ٣٢: ٤٣ ومزمور ٧٩: ١٠ ولوقا ١٨: ٧ ص ٣: ١٠ و٥ و٧: ٩ ص ١٤: ١٣ و٢تسالونيكي ١: ٧ وعبرانيين ٤: ١٠ و١١: ٤٠ أعمال ٢٠: ٢٤ و٢تيموثاوس ٤: ٧
عند فتح الختم الخامس تغيّرت صورة الرؤيا فلا تظهر بعد الحيوانات فإنها نادت وسكتت ولا تظهر الأفراس وراكبوها. وتغيّر محل الرؤيا أيضاً فصار المكان المجاور للمذبح السماوي فأتى صوت منه وهو ليس بصوت أنين الخليقة بل صوت الكنيسة المضطهدة المضطربة.
تَحْتَ ٱلْمَذْبَحِ نُفُوسَ أي مذبح الذبائح كما تدل على ذلك القرينة. كان الرسول حينئذ في الروح أي في حال حلول روح الله عليه فعلى هذا لا حاجة إلى أن نسأل كيف استطاع أن يرى النفوس لأنه كان وقتئذ كسائر الأرواح ولا نعلم كيف يخاطب بعض الأرواح بعضاً. والمراد «بالنفوس» هنا حياة الجماعة التي هي في الدم ولعل المعنى أنه لم ينظر إلا الدم.
ٱلَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ ٱللهِ وَمِنْ أَجْلِ ٱلشَّهَادَةِ التي سُلمت إليهم ليشهدوا للمسيح فختموها بدمائهم (ص ١٢: ١٧) ولهذه الشهادة نُفي يوحنا إلى جزيرة بطمس (ص ١: ٩) وما قيل هنا لا ينفي سعادة الشهداء في السماء وكونهم في راحة مع ربهم لأن ما ذُكر هنا هو من أمر توقعهم مجيء المسيح الذي لا يكملون إلا به (عبرانيين ١١: ٣٩ و٤٠). وكونهم منتظرين برغبة مقدسة نقمة الله بالعدل من عالم الأشرار لا ينفي أنهم سعداء فالكلام عليهم هنا مجاز. وفيه مقابلة الشهداء الذين قُتلوا من أجل المسيح بالذبائح التي ذُبحت قديماً في هيكل الله. وليس القصد من ذلك بيان حال أرواح الموتى بين الموت والقيامة بل بيان إن تألم شعب الله جزء ضروري لتقدم ملكوته. إن دم الذبائح سُكب تحت المذبح فكانت حياتها في دمهم كذلك صوت نفوس الشهداء كأنها سُكبت تحت مذبح السماء وهي تطلب الانتقام كما نُسب إلى الدم صوت وطلب الانتقام (تكوين ٤: ١٠). والمعنى إن اختبار الكنيسة كاختبار ربها فإنه بعد مرور رؤيا الملائكة المجيدة في بيت لحم وانتهاء ترنمهم الاحتفالي وهو قولهم «على الأرض السلام» أتى على المسيح ألم جثسيماني والجلجثة والصراخ على الصليب بقوله «إلهي إلهي لماذا تركتني» فعلى هذا وُعدت الكنيسة بالانتصار عند فتح الختم الأول ثم أتى ألم الاضطهاد واضطرت أن تصرخ في ضيقها إلى الله قائلة «حتى متى أيها السيد القدوس والحق الخ».
قال المسيح للكنيسة «حيث أكون أنا هناك يكون خادمي» فوجب أنها تجتاز في نيران الضيق كما اجتاز هو لكي تشاركه في الانتصار. فالأربعة الختوم الأولى من الانتصار مع الحرب والجوع والوباء أظهرت انتصار الكنيسة يكون بواسطة انكسارها وقتياً وموتها حقيقة. والختم الخامس يبيّن إن العالم رفض شهادة الكنيسة للمسيح وللحق وأن الشهداء ختموا شهادتهم بدمهم. وبذلك تم قول الرب لها «فِي ٱلْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ» (يوحنا ١٦: ٣٣). وإنه يجب على المؤمنين أن «يكَمِّلوا نَقَائِصَ شَدَائِدِ ٱلْمَسِيحِ فِي أجسامهم» (كولوسي ١: ٢٤).
وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ (ع ١٠) كأن الشهداء أنفسهم صرخوا وهذا ليس صوت المسيحيين حين قُتلوا بل صوت دمهم فهو كصوت دم هابيل يوم قتله قايين (تكوين ٤: ١٠) ولعل هؤلاء قُتلوا منذ زمن قديم ولكن دماءهم لكونهم إبرياء طلبت الانتقام من الله لأنها سُفكت لأجل الحق وشهادة المسيح.
حَتَّى مَتَى أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ ٱلْقُدُّوسُ وَٱلْحَقُّ، لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ الخطاب لله نفسه فهو يعيّن وقت الانتقام لمختاريه بدليل قوله «أَفَلاَ يُنْصِفُ ٱللهُ مُخْتَارِيهِ، ٱلصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَاراً وَلَيْلاً، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعاً» (لوقا ١٨: ٧ و٨ انظر أيضاً متّى ٢٣: ٣٥ و٣٦) انظر تفسير «القدوس والحق» في تفسير (ص ٣: ٧).
مِنَ ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ أي من الأشرار فلا يدخل في ذلك أهل الكنيسة المؤمنون. وترتيب الرؤيا هنا كترتيب الحوادث المذكورة في نبوءة المسيح على جبل الزيتون فإنه ذكر أولاً إن علامات مجيئه ونهاية العالم الحروب والمجاعات والأوبئة ثم قال «لٰكِنَّ هٰذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ ٱلأَوْجَاعِ» (متّى ٢٤: ٨) وأنبأ باضطهاد شعبه واستشهاده.
تمت هذه الرؤيا بعض التمام قبل خراب أورشليم بقليل وفي وقته وتمت مراراً كثيرة منذ ذلك الوقت إلى الآن ولا ريب في أنها تتم أيضاً بأوضح من ذلك وأشد هولاً على قدر اقتراب مجيء الرب. وصعد صراخ دم الشهادة عند قتل استفانوس ويعقوب وفي وقت كل اضطهاد ولا يبرح هذا الصوت يشتد إلى أن يتم قول الرب في (لوقا ١٨: ٧ و٨). والذي كان موضوع الصلاة هنا يصير موضوع التسبيح عند تمامه وهو قولهم «هَلِّلُويَا! ٱلْخَلاَصُ وَٱلْمَجْدُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْقُدْرَةُ لِلرَّبِّ إِلٰهِنَا، لأَنَّ أَحْكَامَهُ حَقٌّ وَعَادِلَةٌ، إِذْ قَدْ دَانَ ٱلزَّانِيَةَ ٱلْعَظِيمَةَ ٱلَّتِي أَفْسَدَتِ ٱلأَرْضَ بِزِنَاهَا، وَٱنْتَقَمَ لِدَمِ عَبِيدِهِ مِنْ يَدِهَا» (ص ١٩: ١ و٢).
فَأُعْطُوا كُلُّ وَاحِدٍ ثِيَاباً بِيضاً (ع ١١) إن الله لم يستحسن أن يجيب طلبهم الانتقام في الحال. وما قيل هنا إجابة وقتية «فالثياب البيض» هي علامة تقديس وتمجيد على وفق ما في (إشعياء ٦١: ١٠ وزكريا ٣: ٤). فتلك الثياب «ثياب البر» (ص ١٩: ٨) و «ثياب الإكرام» (ص ٤: ٤) لأن لابسيها يشبهون الله في القداسة وهو اعترف بأنهم له فهم مع كونهم مضطهدين مهانين على الأرض مكرمون في السماء. ولهم مع كونهم مطرودين من الناس ثياب السماء والراحة السماوية.
اختلف المفسرون في كونهم شهداء العهد القديم أو شهداء العهد الجديد ولكن الذي يصدق على أحد الفريقين يصدق على الآخر. قيل في الرسالة إلى العبرانيين «فَهٰؤُلاَءِ كُلُّهُمْ، مَشْهُوداً لَـهُمْ بِٱلإِيمَانِ، لَمْ يَنَالُوا ٱلْمَوْعِدَ، إِذْ سَبَقَ ٱللهُ فَنَظَرَ لَنَا شَيْئاً أَفْضَلَ، لِكَيْ لاَ يُكْمَلُوا بِدُونِنَا» (عبرانيين ١١: ٣٩ و٤٠). فأمر الله أن يكتفوا بالمجد السماوي حتى يأتي وقت الانتقام لهم جهاراً. وهم لم يطلبوا الانتقام إلا لتمجيد اسم الله وكنيسته على الأرض.
وَقِيلَ لَـهُمْ أَنْ يَسْتَرِيحُوا زَمَاناً يَسِيراً أَيْضاً أي أن يبقوا متمتعين براحتهم كما كانوا سابقاً على وفق قوله «طُوبَى لِلأَمْوَاتِ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي ٱلرَّبِّ مُنْذُ ٱلآنَ نَعَمْ يَقُولُ ٱلرُّوحُ، لِكَيْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ أَتْعَابِهِمْ» (ص ١٤: ١٣). وكانت راحتهم الراحة من الأتعاب الدنيوية والسياحة في هذا العالم فكان الموت ربحاً لهم (فيلبي ١: ٢١).
حَتَّى يَكْمَلَ ٱلْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُمْ، وَإِخْوَتُهُمْ الخ إن العبيد والإخوة هنا واحد ودُعوا «عبيداً» بالنسبة إلى سيدهم يسوع المسيح «وإخوة» بالنسبة إلى سائر المسيحيين باعتبار كونهم بيتاً واحداً. ومعنى قوله «حتى يكمل» حتى تتم خدمتهم وشهادتهم. وهذا كقول بولس «إِنَّ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ يَشْهَدُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ قَائِلاً: إِنَّ وُثُقاً وَشَدَائِدَ تَنْتَظِرُنِي. وَلٰكِنَّنِي لَسْتُ أَحْتَسِبُ لِشَيْءٍ، وَلاَ نَفْسِي ثَمِينَةٌ عِنْدِي، حَتَّى أُتَمِّمَ بِفَرَحٍ سَعْيِي وَٱلْخِدْمَةَ ٱلَّتِي أَخَذْتُهَا مِنَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، لأَشْهَدَ بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ ٱللهِ» (أعمال ٢٠: ٢٣ و٢٤ انظر أيضاً ٢تيموثاوس ٤: ٦ – ٨ وعبرانيين ١١: ٣٩ و٤٠). ومعنى هذا أنهم يجب أن ينتظروا حتى تكون اضطهادات أخرى وتكون فرصة لرفقائهم على الأرض الذين «لم يحبوا حياتهم حتى الموت» أن يختموا شهادتهم بدمهم فبعض المؤمنين لا ينالون كمال السعادة حتى يشتركوا فيه جميعاً بعد شريهم آخر قطرة في كأس الألم على الأرض.
لم يكن قصد الرسول من هذه الرؤيا أن يبين حال العالم وهو يضطهد الكنيسة لكن في أماكن أُخر في الإنجيل نرى أنه يكون قبل فتح الختم السادس وقت اشتداد الشرور واستيلاء الكفر والترفه واللذة بالدنيويات المشار إليه بمثل الخمس العذارى الجاهلات ومثل العبد الذي قال «سَيِّدِي يُبْطِئُ قُدُومَهُ. فَيَبْتَدِئُ يَضْرِبُ ٱلْعَبِيدَ رُفَقَاءَهُ وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ ٱلسُّكَارَى» (متّى ٢٤: ٤٨ و٤٩)، فتشبه حال العالم حينئذ حاله قبل الطوفان وحال سدوم وعمورة قبل انقلابهما ويوم الرب يأتي كلص في الليل.
١٢ «وَنَظَرْتُ لَمَّا فَتَحَ ٱلْخَتْمَ ٱلسَّادِسَ، وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ، وَٱلشَّمْسُ صَارَتْ سَوْدَاءَ كَمِسْحٍ مِنْ شَعْرٍ، وَٱلْقَمَرُ صَارَ كَٱلدَّمِ».
ص ٨: ٥ و١١: ١٣ و١٦: ١٨ متّى ٢٤: ٧ و٢٩ إشعياء ٥٠: ٣ متّى ١١: ٢١
هنا فتح الختم السادس والرؤيا المقترنة به وهو يشغل (ع ١٢ – ١٧) وفيه بيان أحوال العالم الأخيرة التي على أثرها يجيء الرب.
نَظَرْتُ لَمَّا فَتَحَ ٱلْخَتْمَ ٱلسَّادِسَ، وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ ذكر مثل هذا في (مزمور ٦٠: ٢ وإشعياء ١٣: ١٣ وحجّي ٢: ٦ و٧ و٢٢ و٢٣ وزكريا ١٤: ٤ و٥).
وَٱلشَّمْسُ صَارَتْ سَوْدَاءَ كَمِسْحٍ مِنْ شَعْرٍ هذا مثل القول في (متّى ٢٤: ١٩ وإشعياء ١٣: ١٠ وإرميا ٤: ٢٣ وحزقيال ٣٢: ٧ و٨ ومتّى ٢٤: ٢٩) والمعنى أن الشمس ظهرت دائرة سوداء مظلمة في السماء.
وَٱلْقَمَرُ صَارَ كَٱلدَّمِ هذا مثل ما في (يوئيل ٢: ٣١ و٣: ١٥ وعاموس ٨: ٩ و١٠).
١٣ «وَنُجُومُ ٱلسَّمَاءِ سَقَطَتْ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمَا تَطْرَحُ شَجَرَةُ ٱلتِّينِ سُقَاطَهَا إِذَا هَزَّتْهَا رِيحٌ عَظِيمَةٌ».
ص ٨: ١٠ و٩: ١ متّى ٢٤: ٢٩ إشعياء ٣٤: ٤
وَنُجُومُ ٱلسَّمَاءِ سَقَطَتْ إِلَى ٱلأَرْضِ هذا يدل على تغيرات لم يسبق لها نظير في تاريخ العالم فإن النجوم تُعتبر أنها أبقى من غيرها.
كَمَا تَطْرَحُ شَجَرَةُ ٱلتِّينِ سُقَاطَهَا السُّقاط ما يسقط من الشيء. ويحدث مثل هذا متى حملت الشجرة متأخرة فيذبل ثمرها قبل أن ينضج فإذا حرّكتها الريح سقط.
١٤ «وَٱلسَّمَاءُ ٱنْفَلَقَتْ كَدَرْجٍ مُلْتَفٍّ، وَكُلُّ جَبَلٍ وَجَزِيرَةٍ تَزَحْزَحَا مِنْ مَوْضِعِهِمَا».
إشعياء ٣٤: ٤ وص ٢٠: ١١ و٢١: ١ و٢بطرس ٣: ١٠ ص ١٦: ٢٠ إشعياء ٥٤: ١٠ وإرميا ٤: ٢٤ وحزقيال ٣٨: ٢٠ وناحوم ١: ٥
وَٱلسَّمَاءُ ٱنْفَلَقَتْ كَدَرْجٍ مُلْتَفٍّ رأى الجلد (بعد ما سقطت النجوم منه) انفتح ثم التف كدرج الورق على نحو قول إشعياء «وَيَفْنَى كُلُّ جُنْدِ ٱلسَّمَاوَاتِ، وَتَلْتَفُّ ٱلسَّمَاوَاتُ كَدَرْجٍ، وَكُلُّ جُنْدِهَا يَنْتَثِرُ كَٱنْتِثَارِ ٱلْوَرَقِ مِنَ ٱلْكَرْمَةِ وَٱلسُّقَاطِ مِنَ ٱلتِّينَةِ» (إشعياء ٣٤: ٤).
وَكُلُّ جَبَلٍ وَجَزِيرَةٍ تَزَحْزَحَا مِنْ مَوْضِعِهِمَا المعتاد أنه بعد الزلزلة تبقى الجبال والجزائر في مواضعها فذكر هنا أنها تتزحزح دلالة على أن ذلك لم يكن مثله. فبعد أن ذكر تأثير فتح الختم السادس في الأجرام السماوية ذكر تأثيره في أجزاء الأرض وسكانها وذكر سبعة أقسام من الأرض وكلهم أشرار ولم يذكر بينهم أحداً من الأتقياء الأبرار.
١٥ «وَمُلُوكُ ٱلأَرْضِ وَٱلْعُظَمَاءُ وَٱلأَغْنِيَاءُ وَٱلأُمَرَاءُ وَٱلأَقْوِيَاءُ وَكُلُّ عَبْدٍ وَكُلُّ حُرٍّ، أَخْفَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي ٱلْمَغَايِرِ وَفِي صُخُورِ ٱلْجِبَالِ».
إشعياء ٢: ١٠ و١٩ و٢١ و٢٤: ٢١ وص ١٩: ١٨
مُلُوكُ ٱلأَرْضِ وَٱلْعُظَمَاءُ وَٱلأَغْنِيَاءُ وَٱلأُمَرَاءُ وَٱلأَقْوِيَاءُ الذين توقع الناس أن يكونوا ثابتين فيستند عليهم سائر الناس. و «الأقوياء» هنا أقوياء القلب والجسد فإذاً لا تنفع الرئاسة ولا الرتبة ولا قوة العقل ولا قوة الجسد شيئاً لتقي صاحبها من الخطر. فالذي اتكل عليه الناس في الرزايا لا ينفعهم شيئاً حينئذ. فأدوات محاربة الله ليست جسدية حتى يقدر الناس على اتقائها فإنهم يجدون أنفسهم عزلاً (أي بلا أسلحة) وفي يوم حرب الرب.
وَكُلُّ عَبْدٍ وَكُلُّ حُرٍّ فدناءة العبد والفقير لا تقيهما من الخطر أكثر مما يقي الغني الأغنياء.
أَخْفَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي ٱلْمَغَايِرِ وَفِي صُخُورِ ٱلْجِبَالِ كما ذُكر في (إشعياء ٢: ١٠ و١٩ وهوشع ١٠: ٨ وناحوم ١: ٦ وملاخي ٣: ٢).
١٦ «وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَٱلصُّخُورِ: ٱسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ ٱلْحَمَلِ».
لوقا ٢٣: ٣٠ وص ٩: ٦ و٤: ٩ و٥: ١ مرقس ٣: ٥
وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَٱلصُّخُورِ: ٱسْقُطِي عَلَيْنَا الخ هذا مثل ما في (هوشع ١٠: ٨) وقول المسيح وهو ذاهب إلى الجلجثة «هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي… حِينَئِذٍ يَبْتَدِئُونَ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ: ٱسْقُطِي عَلَيْنَا وَلِلآكَامِ: غَطِّينَا» (لوقا ٢٣: ٢٩ و٣٠). ومن الغريب إن الأشرار استعملوا هنا الألفاظ التي استعملها المؤمنون في شأن الله والمسيح. إن الناس يرون الحقائق التي كانوا قد أنكروها بنور يوم الانتقام العظيم ويعترفون بها فالذين لم يقبلوا يسوع الناصري مخلصاً لهم يضطرونه أخيراً أن يعرفوه ديّاناً ومنتقماً منهم. ومن الغريب أن المسيح لا يظهر ملك مجد يومئذ بل خروفاً كما كان يوم أهانه الناس ورفضوه.
١٧ «لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ يَوْمُ غَضَبِهِ ٱلْعَظِيمُ. وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ٱلْوُقُوفَ؟».
إشعياء ٦٣: ٤ وإرميا ٣٠: ٧ ويوئيل ١: ١٥ و٢: ١ و١١ و٣١ وصفنيا ١: ١٤ وص ١٦: ١٤ مزمور ٧٦: ٧ وناحوم ١: ٦ وملاخي ٣: ٢ ولوقا ٢١: ٣٦
لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ يَوْمُ غَضَبِهِ ٱلْعَظِيمُ إن يوم مجيء الرب يوم مجيء شخص لا مجرد يوم مجيء ملكوت بل يوم مجيء ملك ابن الله من السماء أيضاً. وهذا يدل على أن وقت فتح الختم السادس هو وقت وقوف المسيح على الباب وهو ما في قوله «مَتَى رَأَيْتُمْ هٰذَا كُلَّهُ فَٱعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى ٱلأَبْوَابِ» (متّى ٢٤: ٣٣) فكل علامات مجيئه المعيّنة قد ظهرت إلا أنه هو لم يظهر بعد. فالذي بقي أمر واحد وهو جمع المختارين من أربع زوايا الأرض الموعود به في (متّى ٢٥: ٣١). وتمهيداً لذلك ختم شعب الله على جباههم على ما ذُكر في (ص ٧).
السابق |
التالي |