سفر الرؤيا

رؤيا يوحنا | 03 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح سفر رؤيا يوحنا

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ

رسائل إلى كنيسة ساردس ع ١ إلى ٦ 

١ «وَٱكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ ٱلْكَنِيسَةِ ٱلَّتِي فِي سَارْدِسَ: هٰذَا يَقُولُهُ ٱلَّذِي لَهُ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ ٱللهِ وَٱلسَّبْعَةُ ٱلْكَوَاكِبُ. أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّ لَكَ ٱسْماً أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيِّتٌ».

ص ١: ٤ و١١ و١٦ ع ٨ و١٥ ص ٢: ٢ و١تيموثاوس ٥: ٦

سَارْدِسَ مدينة على حضيض جبل تمولس على نهر بكتولس وكانت قصبة ليدية التي كانت مملكة عظيمة غنية كان ملكها كريسس اشتهرت بمتجرها وعبادة الإلاهة سبيلي والفجور والقحة. وخلاصة هذه الرسالة إنذار.

ٱلَّذِي لَهُ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ ٱللهِ كما في (ص ١: ٤) والمراد «بسبعة أرواح الله» هو الروح القدس الذي هو واحد في الجوهر ومتعدد باعتبار أعماله. وعدد السبعة عبارة عن كل صفاته وكمال طبيعته. ويظهر أن للمسيح سبعة أرواح الله من قوله في موضع آخر «وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ ٱلْعَرْشِ وَٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ ٱلشُّيُوخِ حَمَلٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ ٱللهِ» (ص ٥: ٦). قابل بهذا ما في (زكريا ٣: ٩ و٤: ١٠). وللمسيح سبعة أرواح الله أي الروح القدس لأنه ابن الله كما أنها للآب. وله الروح ليمنحه لغيره ولاق أن يظهر المسيح نفسه لكنيسة ساردس ذا كمال المواهب الروحية ليُظهر أنه قادر على أن يقوّي الضعيف وينهض الساقط فيها ويرد عن أبواب الموت الذين قربوا من الهلاك لأن كنيسة سادرس كانت في حال السبات والخَدر الروحيين وكان سراج إيمانها على وشك أن ينطفئ.

وَٱلسَّبْعَةُ ٱلْكَوَاكِبُ كما في (ص ١: ٢٠). وهذه السبعة الكواكب هي ملائكة السبع الكنائس فيتبين من ذلك أن واهب الروح القدس هو أيضاً رأس خدم الكنيسة فبمحبتهم المواهب والفضائل التي تقدرهم على القيام بخدمتهم كما في (أفسس ٤: ٧ – ١٢ ويوحنا ٢٠: ٢٢ و٢٣ وأعمال ١: ٨ وأفسس ٤: ٧ – ١٢). فأكد المسيح لخدم الدين أنه لا يتركهم بلا الفضائل المتنوعة التي يحتاجون إليها لأن له الروح القدس الذي يهب تلك الفضائل كاملة.

أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ (انظر تفسير ص ٢: ٢).

أَنَّ لَكَ ٱسْماً أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيِّتٌ هذا يشبه قول بولس في المرأة المتنعمة «إنها قد ماتت وهي حية» (١تيموثاوس ٥: ٦ وما قيل في متّى ٨: ٢٢ ولوقا ١٥: ٢٤ ورومية ٦: ١٣ وأفسس ٢: ١ و٥ وعبرانيين ٦: ١ و٩: ١٤). و «الاسم» هنا بمعنى الصيت ونفهم من ذلك أن كنيسة ساردس كانت معروفة بين الكنائس كأنها حية نشيطة في مظاهر الحياة الروحية وكانت ممدوحة عندها ولعلها كانت معجبة بنفسها ومفتخرة بصيتها ولا علامة على أنها مضطهدة فكان الموت تحت مظهر الحياة. ولكن تلك الحال لم تخف على الذي «عيناه كلهيب نار» الذي يعتبر الحياة الروحية أكثر مما يعتبر النجاح الظاهر مهما كان عظيماً.

٢ «كُنْ سَاهِراً وَشَدِّدْ مَا بَقِيَ، ٱلَّذِي هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَمُوتَ، لأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً أَمَامَ ٱللهِ».

كُنْ سَاهِراً قابل هذا بما في (متّى ٢٤: ٤٢ و٤٣ و٢٥: ١٣ و٢٦: ٤١ ومرقس ١٣: ٣٧ وأعمال ٢٠: ٣١ و١كورنثوس ١٤: ١٣ و١تسالونيكي ٥: ٦ و١بطرس ٥: ٨). غفلت كنيسة ساردس ولم تسهر وهذا كان أصل خطيئتها التي عرضتها لها كبرياؤها. وهذا التنبيه يذكرنا تنبيه بولس لكنيسة أفسس بقوله «ٱسْتَيْقِظْ أَيُّهَا ٱلنَّائِمُ وَقُمْ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (أفسس ٥: ١٤) وكانت في خطر أن يكون نومها موتاً روحياً.

شَدِّدْ مَا بَقِيَ، ٱلَّذِي هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَمُوتَ المراد «بما بقي» من لم يموتوا روحياً بل كانوا على وشك الموت الروحي فنصح لإخوتهم أن يجتهدوا في تجديد حياتهم فيكونوا كالذين تعرّضوا للقرس أو الغرق ففركوا أعضاء رفقائهم الخدرة وأحيوهم فأحيوا بذلك أنفسهم. والمراد «بتشديدهم» تثبيتهم في نعمة الله. ويتضح من هذه الآية أن «الميت» الذي ذُكر في (ع ١) لم يمت كل الموت لأن الموتى لا يقدرون إلا أن «يدفنوا موتاهم» (متّى ٨: ٢٢). ويتضح من أمر المسيح لهم بأن يشددوا غيرهم أن لهب النعمة كان ضعيفاً جداً ولكنه لم يخمد وإلا لم يقدروا أن يحيوا اللهب في قلوب غيرهم.

لأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً أَمَامَ ٱللهِ إن الذين أتوا هذه الأعمال لم يعملوها بالإيمان الحي. فالإيمان هو الذي يجعل الأعمال مقبولة عند الله إذ المؤمنون بالإيمان يتحدون بالمسيح الذي يسر الله به أبداً. فإن تلك الأعمال كانت خارجية لا روحية ولذلك رأى المسيح أنها ناقصة قد يحدث أن يكون الإنسان ممدوحاً من الناس على قيامه ببعض الواجبات ويكون الله في ذلك الوقت عينه مغتاظاً عليه للبعض الذي تركه من الواجبات.

٣ «فَٱذْكُرْ كَيْفَ أَخَذْتَ وَسَمِعْتَ وَٱحْفَظْ وَتُبْ، فَإِنِّي إِنْ لَمْ تَسْهَرْ أُقْدِمْ عَلَيْكَ كَلِصٍّ، وَلاَ تَعْلَمُ أَيَّةَ سَاعَةٍ أُقْدِمُ عَلَيْكَ».

ص ٢: ٥ و١٦: ١٥ و١تسالونيكي ٥: ٢ و٢بطرس ٣: ١ متّى ٢٤: ٤٣

فَٱذْكُرْ كَيْفَ أَخَذْتَ وَسَمِعْتَ ذكر المسيح الكنيسة عظمة المحبة والغيرة والفرح التي قبلت بها الإنجيل في أول أمرها فأشبهت بذلك كنيسة غلاطية التي قال فيها بولس «كَمَلاَكٍ مِنَ ٱللهِ قَبِلْتُمُونِي، كَٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ. فَمَاذَا كَانَ إِذاً تَطْوِيبُكُمْ؟ لأَنِّي أَشْهَدُ لَكُمْ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ لَقَلَعْتُمْ عُيُونَكُمْ وَأَعْطَيْتُمُونِي» (غلاطية ٤: ١٤ و١٥). وقال المسيح ذلك لكي يريهم الفرق بين غيرتهم في الماضي وفتورهم في الحاضر. وكان عليهم أن يذكروا أيضاً كيف أتى الإنجيل إليهم أي بأي البراهين من الروح والقوة أتى من شفتي سفراء المسيح الذين أتوا ساردس وكيف سلكوا بينهم من طهارة السيرة وإخلاص المحبة.

وَٱحْفَظْ وَتُبْ أي احفظ الحق الذي أرسل الله ابنه من السماء ليعلنه لك والروح القدس ليثبته بالمعجزات وهو الحق الذي سمعته من المبشرين بالإنجيل وقبلته بالمسرة فتب عما أنت عليه من الفتور في الحاضر (٢بطرس ١: ٩) وأظهر حقيقة توبتك بصلاح سيرتك.

إِنْ لَمْ تَسْهَرْ أي تنتبه.

أُقْدِمْ عَلَيْكَ كَلِصٍّ الخ لأعاقبك عقاباً شديداً. فكلمات المسيح هنا تشبه الكلمات التي قالها لتلاميذه في شأن مجيئه الأخير (متّى ٢٤: ٤٢ و٤٣) والتي كررها بولس في (١تسالونيكي ٥: ٢) وبطرس في (٢بطرس ٣: ١٠) ويوحنا في (ص ١٦: ١٥). فلا بد من أن المسيح يدين كنيسة ساردس في اليوم الأخير ولكن العقاب الذي أنذرها به هنا هو مما يقع عليها بعد قليل ولم يذكر ما هو. والذي يجعل قدوم اللص مخيفاً هو كونه غير متوقع فوق ما يأتيه من التخسير والإتلاف. اعتقد اليونان أن آلهة النقمة تأتي بأحذية من صوف لكي لا يشعر المذنبون بقدومهم.

٤ «عِنْدَكَ أَسْمَاءٌ قَلِيلَةٌ فِي سَارْدِسَ لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ، فَسَيَمْشُونَ مَعِي فِي ثِيَابٍ بِيضٍ لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ».

ص ١١: ١٣ وأعمال ١: ١٥ يهوذا ٢٣ ع ٥ و١٨ وص ٤: ٤ و٦: ١١ و٧: ٩ و١٣ و١٩: ١٤

عِنْدَكَ أَسْمَاءٌ قَلِيلَةٌ فِي سَارْدِسَ المراد «بالأسماء» هنا أشخاص كما في (أعمال ٨: ١٥ وص ١١: ١٣). قيل في الآية الأولى أن لبعض أعضاء الكنيسة أسماء الأحياء وهم أموات أي أسماء من لهم صورة التقوى فقط. وأبان هنا أن الأمناء فيهم قليلون لكن الرب لم ينسهم ومدحهم. قال إبراهيم لله «حَاشَا لَكَ أَنْ تَفْعَلَ مِثْلَ هٰذَا ٱلأَمْرِ، أَنْ تُمِيتَ ٱلْبَارَّ مَعَ ٱلأَثِيمِ» (تكوين ١٨: ٢٥). فإنه «حَفِظَ نُوحاً ثَامِناً كَارِزاً لِلْبِرِّ إِذْ جَلَبَ طُوفَاناً عَلَى عَالَمِ ٱلْفُجَّارِ» (٢بطرس ٢: ٥). وأنقذ لوطاً البار مما حل بأهل سدوم وعمورة. وخطف من بيت يربعام الشرير أخيا لينقذه من الشر الآتي لأنه وُجد فيه أمر صالح نحو الرب (١ملوك ١٤: ١٣). وهكذا التفت إلى القليلين الأمناء في ساردس وحقق لهم أنه لم يغفل عنهم ولم يدنهم بذنوب غيرهم.

لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ أي لم يسقطوا في الخطايا التي دنست قلوب غيرهم. والحق أن لا أحد من البشر حفظ نفسه بلا دنس أمام الله إلا ابن الإنسان الذي هو ابن الله أيضاً. ولكن بعض المؤمنين بالقياس إلى غيرهم من الناس حفظوا أنفسهم بلا دنس من العالم (يعقوب ١: ٢٧). فهم إذا تدنسوا بالخطيئة أسرعوا إلى الينبوع المفتوح للخطية والنجاسة (زكريا ١٣: ١) وغسلوا ثيابهم وبيضوها بدم الخروف (ص ٧: ١٤).

فَسَيَمْشُونَ مَعِي فِي ثِيَابٍ بِيضٍ هذه العبارة تشتمل على بركات كثيرة ففيها وعد بالحياة لأنه لا يمشي إلا الأحياء إذ ليس للأموات من حركة. ووعد بالحرية لأن الذين يمشون هم الأحرار لا المقيدون. ووعد بالطهارة لأن ثيابهم بيض. ووعد بوفرة الإكرام لأنهم يمشون مع المسيح في المجد السماوي (يوحنا ١٧: ٢٤ و رومية ٨: ١٧).

لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ إن الله بتنازله ونعمته يحسب طاعة المؤمن الجزئية تستحق المدح والثواب. ليس أحد من المؤمنين مستحقاً بمقتضى العدل لكن الله برحمته يحسب الذين يجتهدون أن يحبوه ويطيعوه مستحقين ثواب السماء باستحقاق المسيح المنسوب إليهم بالإيمان.

٥ «مَنْ يَغْلِبُ فَذٰلِكَ سَيَلْبَسُ ثِيَاباً بِيضاً، وَلَنْ أَمْحُوَ ٱسْمَهُ مِنْ سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ، وَسَأَعْتَرِفُ بِٱسْمِهِ أَمَامَ أَبِي وَأَمَامَ مَلاَئِكَتِهِ».

ص ٢: ٧ و١٣: ٨ و١٧: ٨ و٢٠: ١٢ و١٥ و٢١: ٢٧ لوقا ١٠: ٢٠ متّى ١٠: ٣٢ ولوقا ١٢: ٨

مَنْ يَغْلِبُ العالم والشهوة والشيطان.

سَيَلْبَسُ ثِيَاباً بِيضاً هذا تكرار للوعد في (ع ٤). وفيه بيان أن الذين حفظوا أنفسهم من الدنس في ساردس سيمتازون عن غيرهم في السماء في بياض ثيابهم. وهذا يشبه وعد المسيح للأبرار بأنهم «يُضِيئون كَٱلشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ» (متّى ١٣: ٤٣). وهذا وصف حال المفديين في السماء وإنهم مطهرون من كل عيب ومتغيرون إلى شبه جسد المسيح (فيلبي ٣: ٢١) وممجدون مع المسيح ومحاطون بالنور كثوب.

وَلَنْ أَمْحُوَ ٱسْمَهُ مِنْ سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ أشار إلى هذا السفر في (خروج ٣٢: ٣٢ ومزمور ٦٩: ٢٨ ودانيال ١٢: ١ ولوقا ١٠: ٢٠ وفيلبي ٤: ٣ وعبرانيين ١٢: ٢٢ وص ١٣: ٨ و١٧: ٨ و٢٠: ١٥ و٢١: ٢٧). ومن هذا نتعلم أن الأسماء المكتوبة في هذا السفر إنما كُتبت فيه إكراماً للخروف الذي ذُبح فلم يُكتب فيه أحد باستحقاق نفسه. وعلّة كتابتها ذبيحة ذلك الخروف. وتلك الأسماء كُتبت في ذلك السفر منذ تأسيس العالم. إن الذين كُتبت أسماؤهم فيه يعترف المسيح بهم أمام عرش الله وأمام الملائكة وإنهم يدخلون المدينة السماوية وإن الله لا يمحو من ذلك السفر اسم من يغلب وإن كل من ليس اسمه في ذلك السفر يُطرح في بحيرة النار. والوعد الذي هو قوله «لن أمحو اسمه الخ» مبني على قوله «إن لك اسماً أنك حي وأنت ميت» (ع ١). ولأن ذلك السفر سفر الحياة كان بالطبع لا محل فيه إلا للأحياء فيمحى منه أسماء الموتى. وهذه العبارة تؤكد أن كل الغالبين لا تزال أسماؤهم مكتوبة في ذلك السفر فإذاً ذلك الوعد لكل المختارين المنتصرين. وهو موافق لسائر تعليم الكتاب أن الذين كتب الله أسماءهم في سفر الحياة لا يهلكون لأنهم متحدون بالمسيح بالإيمان وبالاعتراف وقد صاروا أعضاء جسده الحي فسيثبتون إلى النهاية في خدمته وفي القداسة.

وَسَأَعْتَرِفُ بِٱسْمِهِ أَمَامَ أَبِي وَأَمَامَ مَلاَئِكَتِهِ هذا مثل قول المسيح لتلاميذه «مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ ٱلنَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضاً بِهِ قُدَّامَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (متّى ١٠: ٣٢). وهذا وعد بأن الديّان يعترف في محفل الناس والملائكة بأن الذين أسماؤهم في سفر الحياة هم له. وهذا يستلزم أمنهم من كل دينونة وإن لهم كل حقوق المفديين المشترين بطاعة المسيح وآلامه وشفاعته.

٦ «مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ ٱلرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ».

ص ٢: ٧

مَنْ لَهُ أُذُنٌ (انظر تفسير ص ٢: ٧).

رسالة إلى كنيسة فيلادلفيا ع ٧ إلى ١٣ 

٧ «وَٱكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ ٱلْكَنِيسَةِ ٱلَّتِي فِي فِيلاَدَلْفِيَا: هٰذَا يَقُولُهُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلْحَقُّ، ٱلَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ، ٱلَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ».

ص ١: ١١ و٦: ١٠ ع ١٤ وص ١٩: ١١ و١يوحنا ٥: ٢٠ إشعياء ٢٢: ٢٢ ومتّى ١٦: ١٩ ص ١: ١٨ وأيوب ١٢: ١٤

فِيلاَدَلْفِيَا هذه المدينة التي فيها الكنيسة السادسة من الكنائس التي خاطبها. بناها على حضيض جبل تمولس أتلس فيلادلفس ملك برغامس الذي مات سنة ١٣٨ ق. م وسماها باسمه. وعلى النقود التي ضُربت فيها اسم باخوس إله الخمر. أصابتها زلازل كثيرة فكادت تخليها من السكان ولم يبق اليوم منها سوى أعمدة لم تزل منصوبة واسمها الله شهر.

هٰذَا يَقُولُهُ ٱلْقُدُّوسُ صرّح المسيح هنا بأن القداسة من صفاته كما جاء في (أعمال ٢: ٢٧ وعبرانيين ٧: ٢٦). ومعنى «القدوس» هنا بحسب الأصل اليوناني المنزه عن الخطيئة وهو ما يوصف به يهوه في العهد القديم ولا يوصف به غيره ومن وصف به أحداً من البشر كان مجدفاً.

ٱلْحَقُّ إن المسيح هو الصادق الذي يستحيل أن يكذب وهو يتكلم بالحق ويحب الحق وكل كلمة من كلامه نعم وآمين. ولكن ليس هذا المقصود هنا لكنه بيان أنه إله حق خلافاً لمعبودات الوثنيين. وهو المرموز إليه بكل رموز الكتاب القديم. «فالحق» هنا الحقيقي كما في قوله «النور الحقيقي» (يوحنا ١: ٩) و «الخبز الحقيقي» (يوحنا ٦: ٣٢) و «المسكن الحقيقي» (عبرانيين ٨: ٢).

ٱلَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ الخ هذا مفتاح السلطان لا مفتاح المعرفة الذي قال المسيح أنه أخذه الكتبة ومنعوا الشعب منه (لوقا ١١: ٥٢). ولا مفتاح سياسة الكنيسة على الأرض ولا مفتاح خزائن الملكوت السماوي وكون هذا المفتاح له يستلزم أن له سلطاناً أن يفتح بيت أبيه ليكون ملجأ من كل شر لمن شاء. وهذا موافق لقول إشعياء في الياقيم الذي هو رمز إلى المسيح «وَأَجْعَلُ مِفْتَاحَ بَيْتِ دَاوُدَ عَلَى كَتِفِهِ، فَيَفْتَحُ وَلَيْسَ مَنْ يُغْلِقُ وَيُغْلِقُ وَلَيْسَ مَنْ يَفْتَحُ» (إشعياء ٢٢: ٢١ و٢٢). والمراد «ببيت داود» البيت السماوي أي ملكوت السماء فإن داود كان رمزاً إلى المسيح وقد يُسمى المسيح باسمه (حزقيال ٣٤: ٢٣ و٢٤). والمعنى أن المسيح رب البيت السماوي وكل عبيده سكان ذلك البيت. فكأن المسيح قال في يدي مفتاح ملكوت الله. إن المسيح أعطى هذا المفتاح لبطرس وسائر الرسل لكي يفتحوا للمؤمنين من اليهود والأمم أبواب الكنيسة المسيحية ففعلوا ذلك كخدام المسيح وليس كمتسلطين بل كانوا كبوابين يفتحون ويغلقون تحت أمر رب البيت فالمفتاح للمسيح دون غيره وهو يُدخل من يريد ليرى وجه الملك ويطرد من يريد. فباطلاً يجتهد من يريد أن يُدخل إنساناً لا يريد المسيح أن يدخله. وسلطان الحل والربط الذي أعطاه كنيسته لا يصحّ لها ما لم يكن لها روحه. وسلطان المسيح فوق سلطانها لكي تصلح خطأها في الأحكام به. وهذا المفتاح للمنازل الكثيرة التي في بيت الآب ومن ذلك خزانة الحق ومخدع الراحة والقداسة والسلام وسائر البركات الروحية. وفي هذا المعنى قال المسيح «أنا الحق» و «لا أحد يأتي إلى الآب إلا بي».

٨ «أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ. هَئَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَاباً مَفْتُوحاً وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ، لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً، وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ ٱسْمِي».

ع ١ أعمال ١٤: ٢٧ ص ٢: ١٣

أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ (انظر تفسير ص ٢: ٢).

هَئَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَاباً مَفْتُوحاً تدخل فيه إلى المجد السماوي في سعيك وخدمتك وعلاوة على ذلك أعطيتك فرصة للمنادة بالإنجيل كما يتضح من (أعمال ١٤: ٢٧ و١كورنثوس ١٦: ١٩ و٢كورنثوس ٢: ١٢ وكولوسي ٤: ٣). وأُعطيت كنيسة فيلادلفيا نعمة فعل الخير ممن له مفتاح داود مع كونها قليلة الأعضاء ومع قلة قوتها وثروتها وفتح قلوب كثيرين من الناس ليقبلوا تعليمها. وصرّح بأنه لا أحد يقدر أن يعيق سعي الإنجيل وأنه دون بركته يذهب كل تعبها باطلاً.

لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً، وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ ٱسْمِي إن كنيسة فيلادلفيا كانت صغيرة فقيرة مضطهَدة لا اعتبار لها في عيون الناس (١كورنثوس ١: ٢٦ – ٢٨) وصغرها كان فرصة لأن يتمجد الله بغيرتها ونجاحها لكي يكون كل المجد مما تصنعه له فهي بمعونة الله ثبتت في أزمنة الضيق وأظهرت إخلاص إيمانها ومحبتها وطاعتها فلم تنكر اسمه قولاً ولا فعلاً مع أن اليهود دعوا المسيح «أناثيما» (١كورنثوس ١٢: ٣). واجتهدوا في أن يجبر المؤمنين على مثل ما أتوه. وكان ثواب قوتها اليسيرة من الرب هو الباب الذي فتحه لها.

٩ «هَئَنَذَا أَجْعَلُ ٱلَّذِينَ مِنْ مَجْمَعِ ٱلشَّيْطَانِ، مِنَ ٱلْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُوداً، بَلْ يَكْذِبُونَ: هَئَنَذَا أُصَيِّرُهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَ رِجْلَيْكَ، وَيَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا أَحْبَبْتُكَ».

ص ٢: ٩ إشعياء ٤٥: ١٤ و٤٩: ٢٣ و٦٠: ١٤ و٤٣: ٤ يوحنا ١٧: ٢٣

هَئَنَذَا أَجْعَلُ ٱلَّذِينَ مِنْ مَجْمَعِ ٱلشَّيْطَانِ، مِنَ ٱلْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُوداً في هذا أيضاً إثابة لها على أمانتها ونتيجة دخولها في الباب الذي فتحه المسيح أمامها. وهذا الوعد أعظم من وعده لكنيسة سميرنا وهو أن أعداءها لا يقدرون عليها وإنها تنتصر عليهم وتصيّرهم أصدقاءها لكي يفرح الغالبون والمغلوبون معاً. ومضمون هذا الوعد إن بعض المعلمين الكاذبين (لا كلهم) الذين ادّعوا أنهم «إسرائيليون حقيقيون لا غش فيهم» مع أنهم أعداء المسيح وإنجيله واستحقوا أن يُدعوا «مجمع الشيطان» يعترفون إن المسيح الله معهم بالحق وينظرون إلى المسيح الذي طعنوه ويتحققون بروحه أنه هو المسيح الموعود به ملك إسرائيل فيسبحون له في الكنيسة ويعترفون بأنه أحب الكنيسة. وهذا الوعد صدق على كنيسة المسيح في كل العالم مراراً كثيرة من اليهود المضطهدين كشاول فصاروا مبشرين بالإنجيل كبولس وصاروا مؤرخي الكنيسة ومعلمين في مدارسها اللاهوتية ومفسرين للأسفار المقدسة وشهداء للحق ختموا شهادتهم بدمائهم.

١٠ «لأَنَّكَ حَفِظْتَ كَلِمَةَ صَبْرِي، أَنَا أَيْضاً سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ ٱلتَّجْرِبَةِ ٱلْعَتِيدَةِ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى ٱلْعَالَمِ كُلِّهِ لِتُجَرِّبَ ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ».

ع ٨ ويوحنا ١٧: ٦ ص ١: ٩ و٢بطرس ٢: ٩ و٢تيموثاوس ٢: ١٢ ص ٢: ١٠ و١٦: ١٤ متّى ٢٤: ١٤ ص ٦: ١٠ و٨: ١٣ و ١١: ١٠ و١٣: ٨ و١٤ و١٧: ٨

لأَنَّكَ حَفِظْتَ كَلِمَةَ صَبْرِي أي حفظ أمره لتلاميذه بأن يحتملوا الصبر والرجاء الضيقات منتظرين مجيئه (يوحنا ١٦: ٢ و٢تيموثاوس ٣: ١٢).

سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ ٱلتَّجْرِبَةِ ٱلْعَتِيدَةِ الخ هذا إثابة على وفق الخدمة لأن هذه الكنيسة حفظت كلمته فحفظها هو. والمسيح لم يعدهم بأنه يعفيها من التجارب لكنه أنبأها باضطهاد شديد قاس يصيبها ويصيب كل الكنائس (وهي الاضطهادات التي أنبأ بها أيضاً بطرس ١بطرس ٤: ١٢). وإنه لا يكل بذلك إيمانها ولا تضعف قوتها بل تكون كالعليقة التي كانت تتوقد ولا تحترق (خروج ٣: ٢). فهو على وفق وعد الله في إشعياء (إشعياء ٤٣: ٢) وهو إن أمواج التجارب والضيقات تغطي جسدها لكن رأسها يعلو الماء. والمراد «بساعة التجربة» وقت الاضطهاد الشديد الذي يقع على المؤمنين في كل العالم ليمنحهم ويغربلهم ويبين خلوص إيمانهم ومحبتهم لربهم.

١١ «هَا أَنَا آتِي سَرِيعاً. تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إِكْلِيلَكَ».

فيلبي ٤: ٥ وص ١: ٣ و٢٢: ٧ و١٢ و٢٠ ص ٢: ٢٥ وع ٣ ص ٢: ١٠

هَا أَنَا آتِي سَرِيعاً كثيراً ما كُررت هذه العبارة في هذا السفر (ص ٢: ٥ و١٦ و٢٢: ٧ و١٢ و٢٠) وهي كلمة إنذار للمتوانين (متّى ٢٤: ٤٨ – ٥١ و١بطرس ٤: ٥) وكلمة تعزية للثابتين الأمناء (فيلبي ٤: ٥ ويعقوب ٥: ٧ – ٩).

تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ أي داوم كما داومت على إيمانك واجتهادك وصبرك وعملك الذي عملته بحسن السيرة. والمعنى كمّل السعي الذي شرعت فيه (١كورنثوس ٩: ٢٤).

لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إِكْلِيلَكَ هو «إكليل البر» (٢تيموثاوس ٤: ٨) و «إكليل الحياة» (ص ٢: ١٠). وهذا لا يفيد أنه يمكن أحداً من المؤمنين أن يأخذ الجعالة التي خسرها غيره كما أخذ يعقوب بركة عيسو (تكوين ٢٥: ٣٤) وكما أخذ يهوذا بركة رأوبين (تكوين ٤٩: ٤ و٨) وكما أخذ داود بركة شاول (١صموئيل ١٦: ١ و١٣) وكما أخذ الأمم بركة اليهود (رومية ١١: ١١) بل يفيد أن الكنيسة تخسر الثواب المعد لها في السماء. فمعنى هذا كمعنى قول بولس «لاَ يُخَسِّرْكُمْ أَحَدٌ ٱلْجِعَالَةَ» (كولوسي ٢: ١٨). و «الإكليل» هنا ليس الإكليل الذي قد نالته الكنيسة بل الإكليل الذي سوف تأخذه كما في (٢تيموثاوس ٤: ٨).

١٢ «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأَجْعَلُهُ عَمُوداً فِي هَيْكَلِ إِلٰهِي، وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إِلَى خَارِجٍ، وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ ٱسْمَ إِلٰهِي، وَٱسْمَ مَدِينَةِ إِلٰهِي أُورُشَلِيمَ ٱلْجَدِيدَةِ ٱلنَّازِلَةِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إِلٰهِي، وَٱسْمِي ٱلْجَدِيدَ».

١ملوك ٧: ٢١ وغلاطية ٢: ٩ ص ٢: ١٧ و١٤: ١ و٢٢: ٤ غلاطية ٤: ٢٦ وعبرانيين ١٢: ٢٢ وص ٢١: ٢ و١٠ ص ٢٢: ٤

فَسَأَجْعَلُهُ عَمُوداً فِي هَيْكَلِ إِلٰهِي هذا وعد بالسعادة في السماء للذي يغلب إثابة له لا للمجاهد وهو على الأرض. فليس المعنى أن يكون كيعقوب وصفا ويوحنا عمدة الكنيسة المنظورة (غلاطية ٢: ٩) بل المعنى أن يكون ثابتاً في السماء إلى الأبد كالملائكة المختارين الذين ثبتوا في الطاعة لله فهو ليس حجراً حياً فقط في ذلك الهيكل بل أجمل وأمكن منه. فالغالب يكون في بيت الله السماوي «كٱلابْنُ فَيَبْقَى إِلَى ٱلأَبَدِ» (يوحنا ٨: ٣٥ انظر ايضاً إشعياء ٢٢: ٢٣).

لاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إِلَى خَارِجٍ قال أوغسطينوس «من لا يشتاق إلى المدينة التي لا يخرج منها صديق ولا يدخلها عدو».

وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ ٱسْمَ إِلٰهِي هذا أول ثلاثة أشياء يكتبها على المنتصر لا على العمود لأن العمود مشبَّه به عدل عن المشبّه به إلى المشبّه. وهذا مثل ما قيل في المفديين في مواضع أُخر من هذا السفر وهو أن لهم اسم الله أو ختمه على جباههم (ص ٧: ٣ و٩: ٤ و١٤: ١ و٢٢: ٤). ولا ريب في أنه أشار بذلك إلى ما كُتب على عمامة الحبر الأعظم وهو «قدس للرب» (خروج ٢٨: ٣٦ – ٣٨). وهذا ليس لبعض المفديين دون بعض لأن الملكوت السماوي ملكوت كهنوتي فما يحق لأحد أعضائه يحق للكل.

وَٱسْمَ مَدِينَةِ إِلٰهِي أُورُشَلِيمَ ٱلْجَدِيدَةِ نعرف اسم هذه المدينة من قول النبي «يهوه شمه» أي الرب هناك (حزقيال ٤٨: ٣٥). ولا اسم يظهر مجد المدينة كهذا الاسم (ص ٢١: ١١ و٢٣). فالذي يُكتب عليه اسم مدينة يكون له حقوق سكان تلك المدينة. والمؤمن وهو على الأرض له حقوق أهل السماء (فيلبي ٣: ٢٠). لكن تلك الحقوق لا تظهر له هنا لأن حياته هنا «مستترة مع المسيح» (كولوسي ٣: ٣) والغالب المذكور هنا يعترف المسيح به علناً فيكون له حق أن يدخل من الباب إلى المدينة (ص ٢٢: ١٤) وهذه المدينة توقعها إبراهيم وهي «ٱلَّتِي لَهَا ٱلأَسَاسَاتُ، ٱلَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا ٱللهُ» (عبرانيين ١١: ١٠) وتسمى أيضاً «ٱلْمَدِينَةَ ٱلْعَظِيمَةَ أُورُشَلِيمَ ٱلْمُقَدَّسَةَ» (ص ٢١: ١٠). و «أُورُشَلِيمُ ٱلْعُلْيَا، ٱلَّتِي هِيَ أُمُّنَا جَمِيعاً» (غلاطية ٤: ٢٦). و «مدينة الله الحي» (عبرانيين ١٢: ٢٢). وذكر هنا اسم المدينة فقط لكنه سوف يصف مجدها وبهاءها (ص ٢١: ٢ – ٩ و٢٢: ٥). ونُعتت «بالجديدة» هنا تمييزاً لها عن أورشليم الأرضية الخاطئة لأن المدينة التي صانعها الله لم تتدنس بالخطيئة.

ٱلنَّازِلَةِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إِلٰهِي ذهب البعض أن هذا يدل على نزول مدينة مادية حقيقية من السماء إلى الأرض والحق أن هذا صورة المدينة التي رآها يوحنا في الرؤيا. وهذا الوصف يبين أن مصدرها إلهي وأنها جميلة وواسعة وثابتة وهي جماعة المفديين الذين رئيسهم المسيح المرموز إليها بأورشليم القديمة التي كان فيها بيت الله والاجتماعات المقدسة حيث صعدت الأسباط ليحمدوا اسم الرب (مزمور ١٢٢)،

وَٱسْمِي ٱلْجَدِيدَ هذا الشيء الثالث. وللمسيح اسم جديد بالنظر إلى كونه فادياً. ذهب بعضهم إلى أن هذا الاسم «كلمة الله» (ص ١٩: ١٣) وبعضهم إلى أنه «الخروف» وذكر هذا في هذا السفر ثماني وعشرين مرة وذهب غيره إلى أنه «ملك الملوك ورب الأرباب» (ص ١٩: ١٦). لكن يمنع ذلك أن لا شيء من هذه الأسماء جديد لأنها ذُكرت قبلاً في الكتاب. والمسيح لم يذكر ما هو هذا الاسم فلا يعرفه إلا هو (ص ١٩: ١٢). وهذا الاسم يدل على أنه يُعلن نفسه لسكان أورشليم الجديدة ولا أحد في الأرض مستعد لإدراكه لكن في ما بعد يعرفون كما عرفوا (١كورنثوس ١٣: ١٢).

١٣ «مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ ٱلرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ».

ص ٢: ٧ و١١ و١٧ و٢٩ وع ٦

مَنْ لَهُ أُذُنٌ الخ (انظر تفسير ص ٢: ٧).

رسالة إلى كنيسة لاودكية ع ١٤ إلى ٢٢

١٤ «وَٱكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ ٱللاَّوُدِكِيِّينَ: هٰذَا يَقُولُهُ ٱلآمِينُ، ٱلشَّاهِدُ ٱلأَمِينُ ٱلصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ ٱللهِ».

٢كورنثوس ١: ٢ ص ١: ٥ و١٩: ١١ و٢٢: ٦ وع ٧ كولوسي ١: ١٥

ٱللاَّوُدِكِيِّينَ كانت لآودكية مدينة مشهورة غنية بين فيلادلفيا وكولوسي واسمها القديم ديوسبوليس ثم سميت رُوّاس. جدّد أنتيوخوس الثاني بناءها وزيّنها وسمّاها باسم امرأته لاودكية على أنها سمّته فقتلته. وكانت هذه المدينة في أيام الرومانيين من أعظم مدن أسيا الصغرى هدمتها زلزلة في أيام الأمبراطور طيباريوس وجددها أهلها بدون مساعدة من خارج والتأم فيها مجمع مسيحي السنة ٣٦١ ب. م ولم يبقَ اليوم من هذه المدينة العظيمة سوى آثارها الكثيرة. وبين هذه الآثار قرية حقيرة اسمها أسكي حصار. فالذي زحزح منارة أفسس من مكانها تقيأ هذه الكنيسة من فمه.

هٰذَا يَقُولُهُ ٱلآمِينُ هذا الموضع الوحيد في العهد الجديد لقب فيه المسيح نفسه بهذا اللقب. ويشبه لقب «يهوه» وهو «الإله الحق» (إشعياء ٦٥: ١٦). وقول المسيح «أنا هو الحق» (يوحنا ١٤: ٦). وقول يوحنا فيه «الشاهد الأمين» (ص ١: ٥). وهو يذكرنا قول بولس إن كل «مَوَاعِيدُ ٱللهِ في المسيح فِيها ٱلنَّعَمْ وَفِيها ٱلآمِينُ، لِمَجْدِ ٱللهِ» (٢كورنثوس ١: ٢٠).

ٱلشَّاهِدُ ٱلأَمِينُ ٱلصَّادِقُ هذا إيضاح لقوله «الأمين» قبلاً وهو مثل قول موسى في الله وهو أنه «الإله الأمين» (تثنية ٧: ٩). وقول بولس «أَمِينٌ هُوَ ٱلَّذِي يَدْعُوكُمُ ٱلَّذِي سَيَفْعَلُ أَيْضاً» (١تسالونيكي ٥: ٢٤). وقول يوحنا «أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا» (١يوحنا ١: ٩). ويوافق أن يكون هذا عنوان هذه الرسالة لأن كلامها توبيخ وإنذار والمسيح هو شاهد أمين على الناس بخطاياهم وفتورهم واستخفافهم كما أنه أمين بالمناداة بمحبة الله للمؤمنين.

بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ ٱللهِ هذه العبارة تحتمل معنيين الأول أنه أول خليقة الله وأجملها بالمعنى الذي أراده يعقوب بقوله لرأوبين «رَأُوبَيْنُ، أَنْتَ بِكْرِي قُوَّتِي وَأَوَّلُ قُدْرَتِي، فَضْلُ ٱلرِّفْعَةِ وَفَضْلُ ٱلْعِزِّ» (تكوين ٤٩: ٣). والثاني وهو أن المسيح أصل الخليقة كلها ومبدعها وكل أسامي المسيح في هذه السفر تدل على لاهوته فلذلك وجب أن نفسره بالمعنى الثاني وهو أن المسيح ليس أول ما خلق الله بل هو علة العلل ورأس نبع كل الخليقة لأن «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا ١: ٣ أنظر أيضاً كولوسي ١: ١٥ و١٨ وص ٥: ١٣).

١٥ «أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّكَ لَسْتَ بَارِداً وَلاَ حَارّاً. لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِداً أَوْ حَارّاً».

ع ١

أَنَّكَ لَسْتَ بَارِداً وَلاَ حَارّاً كانت كنيسة لاودكية ناجحة في الأمور الدنيوية فغلبتها محبة المال والعالم ولم يقع عليها اضطهاد ولهذا كانت متراخية مائلة إلى اللذات والمسرة بمقتنياتها لا تميل إلى العمل وإلى إنكار الذات فكانت لا تبالي بالأمور الروحية ولم تَغَر للحق كما كان يوحنا وأخوه ابنا الرعد إذ حملتهما الغيرة على أن يسألا المسيح أن يُنزل ناراً من السماء فتحرق إحدى قرى السامريين التي أبت أن تقبله. فكانت حال هذه الكنيسة بين مثل غيرة يوحنا وبرودة الذين لم يعرفوا المسيح. فالبارد هنا من لم يعرف ولم يختبر قوة نعمته فيرجى أنه إذا عُرض عليه الحق وإنارة الروح القدس يكون حاراً وغيوراً. والفاتر هو الذي ذاق الموهبة السماوية وقوات العالم الآتي (عبرانيين ٦: ٤ و٥) ولم يُضرم فيه سوى شرارة من الحياة. إن العشارين والزناة في زمان المسيح كانوا «باردين» والرسل كانوا «حارين» وكان الفريسيون والكتبة بالنسبة إلى ذينك الفريقين «فاترين» ولكن خرج من أولئك الباردين متّى الإنجيلي وزكا والمرأة الزانية الذين دخلوا ملكوت الله والكتبة والفريسيون لم يزالوا خارجاً.

١٦ «هٰكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِداً وَلاَ حَارّاً، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي».

لأَنَّكَ فَاتِرٌ… أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي قيل في أرض كنعان أنها قذفت سكانها الأولين من أجل خطاياهم وحذّر الله بني إسرائيل من أن يماثلوا أولئك الأمم لئلا يصيبهم ما أصابها (لاويين ١٨: ٢٨) ولكن هذا أكثر رهبة من ذاك وكنى «بالتقيوء من الفم» عن فرط الكراهة وشدة البعد بعد شدة القرب. وهذا تحذير مما يمكن حدوثه لا أنباء بما لا بد أن يحدث.

١٧ «لأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ ٱسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ ٱلشَّقِيُّ وَٱلْبَائِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ».

هوشع ١٢: ٨ و١كورنثوس ٤: ٨

لأَنَّكَ تَقُولُ هذا متعلق بقوله «أشير عليك» في (ع ١٨).

إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ ٱسْتَغْنَيْتُ أي حصلت على المقتنيات الروحية. زعم اللاودكيون أنهم حصلوا على تلك المقتنيات ولكنهم خدعوا أنفسهم باكتفائهم ببرهم الذاتي وتقدمهم في المعرفة الروحية على وفق ما قيل في أمثالهم (هوشع ١٢: ٨ ولوقا ١٢: ٢١ و١كورنثوس ٤: ٨) ومن أمثالهم الفريسي والفريسيون المذكورون في بشارة لوقا (لوقا ١٨: ١١ و١٢ و١٦: ١٥). ولعل اللاودكيين حصلوا على الغنى المادي وهذا قلّل رغبتهم في الغنى الروحي. كثيرون من الناس يحسبون النجاح الدنيوي آية رضى الله عنهم والراحة الجسدية علامة السلام الباطن وأن وفرة تقدماتهم لخزانة الكنيسة تعفيهم من إظهار وفرة محبتهم للمسيح وإنكار الذات في سبيل خدمته.

وَلَسْتَ تَعْلَمُ بعد ما ذكر المسيح حسبان الكنيسة الباطل لحالها صرّح بحسبانه الحقيقي لها والفرق بين الحسبانين عظيم مخيف.

ٱلشَّقِيُّ ضد السعيد. ودعاه شقياً لأن سعادته الدنيوية يليها هم وحزن.

ٱلْبَائِسُ المراد هنا البائس ودعاه بائساً لأنه كان عرضة للهلاك الأبدي وهو في تلك الحال.

فَقِيرٌ أي لا كنز له في السماء لا يملك من رضى الله شيئاً.

أَعْمَى عمى روحياً فإن اللاودكيين حين افتخروا بوفرة معرفتهم أسرار الله غلظ ضميرهم حتى لم يستطيعوا أن يميزوا الأمور الروحية ويعتبروها كما يجب. وهذا العمى لم يكن تاماً وإلا فهم لا يستفيدون من الكحل الذي عرضه المسيح عليهم ليشتروه. فكانت حالهم كحال الفريسيين الذين قال لهم يسوع «لَوْ كُنْتُمْ عُمْيَاناً لَمَا كَانَتْ لَكُمْ خَطِيَّةٌ. وَلٰكِنِ ٱلآنَ تَقُولُونَ إِنَّنَا نُبْصِرُ، فَخَطِيَّتُكُمْ بَاقِيَةٌ» (يوحنا ٩: ٤١).

عُرْيَانٌ شأن كل خاطئ لم يكن قد اكتسى ببر المسيح فهو متدنس بالخطيئة ومدين من ضميره.

١٨ «أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَباً مُصَفّىً بِٱلنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَاباً بِيضاً لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْلٍ لِكَيْ تُبْصِرَ».

إشعياء ٥٥: ١ ومتّى ١٣: ٤٤ و٢٥: ٩ و٢كورنثوس ٥: ٣ وص ٧: ١٣ و١٦ و١٥ و١٩: ٨

أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي أشار على الكنيسة بثلاثة أشياء الذهب لفقرها والثياب البيض لعريها والكحل لعينيها. وقوله «أن تشتري» كقول الله بفم إشعياء «أَيُّهَا ٱلْعِطَاشُ جَمِيعاً هَلُمُّوا إِلَى ٱلْمِيَاهِ، وَٱلَّذِي لَيْسَ لَهُ فِضَّةٌ تَعَالَوْا ٱشْتَرُوا وَكُلُوا. هَلُمُّوا ٱشْتَرُوا بِلاَ فِضَّةٍ وَبِلاَ ثَمَنٍ خَمْراً وَلَبَناً» (إشعياء ٥٥: ١). والكنوز الروحية الرمزية في هذه الآية ثمينة جداً لا يستطيع الإنسان أن يؤدي ثمنها فالله برحمته عرضها عليه مجاناً ويحق أن يقال أن الإنسان يشتري من المسيح ما يشبه الخمر واللبن لأنه يترك كنزه على الأرض لكي يحصل على كنز في السماء (متّى ١٣: ٤٤ و٤٦). فالرسل اشتروا الحق بأن تركوا كل شيء وتبعوا المسيح (لوقا ١٨: ٢٨ و٢٩).

ذَهَباً مُصَفّىً بِٱلنَّارِ صرّح المسيح لأفقر الناس أن يشتري منه فيعطيه كنزاً في السماء وذلك بأن يعطي الله ذاته أي جسده وعقله وروحه لكي يتصرف بها كما يشاء. فالمسيح يشير على من حق أن يأمرهم فخاطب تجار لاودكية وصيارفها بلغة التجارة المعتادة فكأنه قال لهم أيها الذين حرفتهم التجارة والذين يسرون بالبيع والشراء انظروا أن لي بضاعة تحتاجون إليها من نفائس الفضة والذهب والثياب وأفضل المواد الطبية. وبنصحه لهم أن يشتروا الذهب نصح لهم أن يقتنوا الإيمان لأنه لا فضيلة من الفضائل أثمن من الإيمان. فغني الإيمان هو ذو الغنى الحقيقي (١كورنثوس ١: ٥ و١بطرس ١: ٧). ووجوب أن يكون «الذهب مصفى بالنار» يشير إلى إفادة التأديب والبلايا في تنقية القلب وامتحان الإيمان (يعقوب ١: ٣) استعداداً لاحتمال الامتحان بالنار في اليوم الأخير.

وَثِيَاباً بِيضاً لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ عند فحص يوم الدين. أشار بذلك إلى قداسة القلب الباطنة وبر المسيح المنسوب إلى الخاطئ والمخلوق فيه بالنعمة لتغسله بدم المسيح (مزمور ٣٢: ١).

وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْلٍ لِكَيْ تُبْصِرَ أشار «بالكحل» إلى عمل الروح القدس في تنوير الذهن وإلى عمله هو بالنظر إلى كونه الطبيب العظيم الذي يعطي الضمير بصراً روحياً. وهذا نظير تفتيح عيون العميان حقيقية وهذا كان رمزاً إلى فتح عيون البصائر (مرقس ٨: ٢٣ ويوحنا ٩: ٦). فالخاطئ يبصر أولاً خطيئته وشقاءه وخزيه ثم يرى وفرة النعمة والمغفرة بيسوع المسيح. والكلمة ذات الشأن في هذه الآية قوله «مني» من قوله «أن تشتري مني» لأنه هو «ٱلْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْعِلْمِ» (كولوسي ٢: ٣). فليس أحد سواه يقدر أن يبيعهم ما يحتاجون إليه لنفع نفوسهم.

١٩ «إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ. فَكُنْ غَيُوراً وَتُبْ».

عبرانيين ١٢: ٦ و١كورنثوس ١١: ٣٢ ص ٢: ٥

إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ أبان المسيح بذلك أن إنذاره وتوبيخه كلام الصديق لا كلام عدو. وإن تصرفه مع هذه الكنيسة كتصرفه مع كل شعبه على وفق قول الكتاب «ٱلَّذِي يُحِبُّهُ ٱلرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ٱبْنٍ يَقْبَلُهُ… وَلٰكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِلاَ تَأْدِيبٍ، قَدْ صَارَ ٱلْجَمِيعُ شُرَكَاءَ فِيهِ، فَأَنْتُمْ نُغُولٌ لاَ بَنُونَ» (عبرانيين ١٢: ٦ و٨ وما في ٢أيام ٣٣: ١١ – ١٣ وأيوب ٥: ١٧ ومزمور ٩٤: ١٢ وأمثال ٣: ١٢). وذكر «التوبيخ والتأديب» معاً في (مزمور ٦: ١ و٣٨: ١ وأمثال ٦: ٢٣ وعبرانيين ١٢: ٥). و «التوبيخ» هنا إقناع الخاطئ بخطيئته وهو يغلب أن يكون فعل الروح القدس (يوحنا ١٦: ٨). ومعنى «التأديب» هنا التعليم بواسطة البلايا. فوبخ ناثان داود وحمله على أن يقول «قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى ٱلرَّبِّ» (٢صموئيل ١٢: ١٣) وأدبه الله بإماتة الولد (٢صموئيل ١٢: ١٨).

فَكُنْ غَيُوراً وَتُبْ الغيرة ضد الفتور الذي كرهه الرب ومعناه الحرارة والاجتهاد (١كورنثوس ١٢: ٣١ و١٤: ١).

٢٠ «هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى ٱلْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ ٱلْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي».

متّى ٢٤: ٣٣ ويعقوب ٥: ٩ لوقا ١٢: ٣٦ يوحنا ١٠: ٣ و١٤: ٣٣

هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى ٱلْبَابِ هذه العبارة تدل على طول أناة الرب يسوع أنه يتأنى على الخطأة ليعطيهم فرصة للتوبة (١بطرس ٣: ٢٠) وعلى محبته التي حملته على تلك الأناة ليأتي بالخاطئ إلى التوبة. والمراد «بالباب» هنا قلب الإنسان. نعم إن المسيح هو الباب (يوحنا ١٠: ٧) وأنه يجب علينا أن نقف ونقرع طالبين رحمته بمقتضى أمره في (متّى ٧: ٧) لكنه بتنازله رضي أن يقف في المكان الذي يجب أن نقف نحن فيه فيقف قارعاً عند بيت المحبوبة (أي كنيسته) قائلاً «اِفْتَحِي لِي يَا أُخْتِي، يَا حَبِيبَتِي يَا حَمَامَتِي يَا كَامِلَتِي، لأَنَّ رَأْسِي ٱمْتَلأَ مِنَ ٱلطَّلِّ وَقُصَصِي مِنْ نَدَى ٱللَّيْلِ» (نشيد الأنشاد ٥: ٢). وقرع المسيح الباب يشير إلى قرب حضوره واستعداده لأن يباركنا ويقرع المسيح القلب بطرق مختلفة بكلمته ولفظاً وكتابة وبأعمال عنايته المفرحة والمحزنة وبتوبيخ الضمير وخدام الكنيسة وأسرارها وبفعل الروح القدس لكن غايته هنا لا تشير إلى ذلك بل إلى إتيانه بنفسه. وقرع المسيح الباب يوقظ الكسلان النائم من نومه وينبه الخاطئ على أن الديان قريب ليوبخ ويؤدب ويدعو المنتظر قدومه إلى الابتهاج بقرب خلاصه (لوقا ٢١: ٢٨). فإن قيل في أي حال يأتي المسيح إلى باب كنيسة لاودكية قلنا قال بعضهم أنه يأتي كخطيب ينتظر خطيبته أو عريس ينتظر عروسه كما في (ص ٢١: ٢ و٩). وقال آخر أنه يأتي كضيف في الليل ليسر ويرشد ويعظ. فيظهر في أول قرعة للباب بهيئة ابن الإنسان الذي «ليس له أين يضع رأسه» ومتى دخل اتكأ على مائدة العشاء كضيف ثم أخذ المحل الذي يحق له أي محل رب البيت وبارك الخبز والخمر والذي فتح الباب يتعشى مع ضيفه السماوي.

إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ ٱلْبَابَ هذا يشير إلى ما يحدث على الأرض وبقية الآية إلى ما يحدث في السماء من إثابة المؤمن فلا تمييز بين قرع المسيح وصوته إلا إذا اعتبرنا أن القرع يشير إلى الوسائل الخارجية من حزن وفرح ومرض وصحة لتعدّ نفس الإنسان لسمع صوت المسيح. قال «إن سمع أحد صوتي وفتح» إشارة إلى أن في طاقة الإنسان أن يلتفت إلى القرع والصوت ويفتح أو أن لا يلتفت إلى شيء من ذلك فعلى الإنسان نفسه أن يفتح. إن المسيح يدّعي بقرعه الباب أن له حق الدخول ويرفع صوته حتى لا يبقى شك في أن من في البيت يسمع ولكن المسيح لا يدخل على رغم رب البيت الذي إذا لم يفتح قلبه للمسيح فالمسيح لا يدخل فبعمايته وعناده يدفع عنه سعادته فيخسر خسراً أبدياً. نعم إن التوبة هبة الرب المرتفع (أعمال ٥: ٣١) وليس للخطأة إرادة أن يفتحوا قلوبهم له إلا وهو يقرع ومتى قرع بكلمته أو بالحزن أو الوجع رافق ذلك الدعوة الباطنة من الروح القدس فيفتح الإنسان الباب باختياره.

أَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي ليس المقصود بقوله أتعشى معه سعادة المؤمن على الأرض وبقوله وهو معي سعادته في السماء إنما العبارتان تشيران إلى سرور المؤمن ومجده في العالم الآتي وهو مع الرب إلى الأبد.

٢١ «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضاً وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ».

ص ٢: ٧ و٢٠: ٤ و٢: ٢٦ متّى ١٩: ٢٨ و٢تيموثاوس ٢: ١١ ص ٥: ٥ و٦: ٢ و١٧: ١٤ يوحنا ١٦: ٣٣

مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي هذا مكرر معنى المسيح في (يوحنا ١٧: ٢٢ و٢٤) وقول بولس في (٢تيموثاوس ٢: ١٢) وهو من أعظم مواعيد المسيح. إن المسيح عظّم وعده للرسل بقوله «مَتَى جَلَسَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً عَلَى ٱثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيّاً تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ» (متّى ١٩: ٢٨). ولكن الوعد هنا لكل مؤمن وهو أعظم من الوعد للإثني عشر المختارين وتتبين وفرة عظمته عندما نتأمل في من وعدهم. فإنه أعطى مكاناً في عرشه لمن أنذرهم قبلاً بأن يتقيأهم بكره من فمه. فمن نعمة الله الفائقة الوصف أنها تأخذ شرارة الإيمان الصغيرة وتجعلها لهباً عظيماً. فليس هذا الوعد بالجلوس عن يمين العرش ويساره كما يكرم ملوك الأرض من يحبون بل هو الجلوس مع المسيح على عرشه نفسه فيكون المسيح في الوسط كما يحق له ويكون الغالبون محيطين به على عرشه عينه.

كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضاً وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ شارك المسيح عبيده الأمناء في كل حقوقه. وكلامه هنا يذكرنا قوله «ثِقُوا أَنَا قَدْ غَلَبْتُ ٱلْعَالَمَ» (يوحنا ١٦: ٣٣). ويبين التعلّق بين انتصاره وجلوسه على العرش مع أبيه من قول بولس «وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى ٱلْمَوْتَ مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ. لِذٰلِكَ رَفَّعَهُ ٱللهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ ٱسْماً فَوْقَ كُلِّ ٱسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِٱسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي ٱلسَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى ٱلأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ ٱلأَرْضِ» (فيلبي ٢: ٨ – ١٠). وذكر هنا عرشين عرشه وعرش أبيه. فعرشه هو الذي يتمجد عليه القديسون معه. وعرش أبيه هو عرش السلطان الإلهي والجلال الأسمى لا يحق لأحد أن يجلس عليه إلا الله وابنه الذي هو الله في الجسد. فجلوس المسيح على عرش الله أو على يمينه يدل على أن له رئاسة كرئاسة الآب الذي لا يستطيع أن يدنو مخلوق منه.

٢٢ «مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ ٱلرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ».

ص ٢: ٧

مَنْ لَهُ أُذُنٌ الخ (انظر تفسير ص ٢: ٧).

ما قيل في هذه الرسائل من المواعيد للأمناء الغالبين بالثواب السماوي يعلو على التوالي. فوعد الغالب في كنيسة أفسس أن يأكل من شجرة الحياة التي في فردوس الله (ص ٢: ٧) فذكرنا ذلك بما في (تكوين ص ١ وص ٢). وأما الفردوس الأرضي فدخلته الخطية ثم الموت. فوُعد الأمناء في سميرنا والأمناء في كل مكان بتخفيف تلك الضربة وإزالتها إذ قيل «لاَ يُؤْذِيهِ ٱلْمَوْتُ ٱلثَّانِي» (ص ٢: ١١). ثم وعد كنيسة برغامس بما أُخذ مما حدث لبني إسرائيل في البرية في أيام موسى وهو قوله «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ ٱلْمَنِّ ٱلْمُخْفَى» (ص ٢: ١٧). فإذا اعتبرنا الحصاة البيضاء ما كان على صدرة الحبر الأعظم من الحجارة الكريمة كان ذلك مما اختص بتاريخ الكنيسة في البرية. ووعد الكنيسة الرابعة كنيسة ثياتيرا بما هو متعلق بآيام داود وسليمان وتعظم إسرائيل على الأمم وهو قوله «مَنْ يَغْلِبُ… فَسَأُعْطِيهِ سُلْطَاناً عَلَى ٱلأُمَمِ فَيَرْعَاهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ» (ص ٢: ٢٦ و٢٧ قابل هذا بما في ٢صموئيل ١٠: ١٩ و١٢: ٢٩ و٣٠) وبعد هذا لم يعد للإثابة بما يشبه شيئاً على الأرض بل بالأمور السماوية المختصة بابن داود فكان الثواب يعلو من مجد إلى مجد. فوعد الغالب في ساردس أن لا يمحو اسمه من سفر الحياة وإنه يعترف به قدام أبيه وملائكة السماء وأن يلبس النور والخلود. ووُعد الغالبون في كنيسة فيلادلفيا بأنهم يدخلون أبواب المدينة السماوية ويحق لهم التوطن فيها ولا يخرجون منها إلى الأبد. ووُعد الغالبون في كنيسة لآودكية أن يشتركوا في مجد الآب والمسيح وإنهم يجلسون مع المسيح في عرشه كما جلس هو مع أبيه في عرشه. وفوق ذلك وُعدوا بشرف وسعادة لا يمكن العقل أن يتصورهما واللسان أن يعبر عنهما فبهذا الوعد ختم الرسائل إلى الكنائس.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى