رؤيا يوحنا | 01 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح سفر رؤيا يوحنا
للدكتور . وليم إدي
اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ
المقدمة وفيها ذكر مضمون السفر واسم كاتبه وغبطة الذين يقرأونه ع ١ إلى ٣
١ «إِعْلاَنُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ٱللهُ، لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ، وَبَيَّنَهُ مُرْسِلاً بِيَدِ مَلاَكِهِ لِعَبْدِهِ يُوحَنَّا».
ص ٥: ٨ ويوحنا ١٧: ٨ ص ٢٢: ٦ ع ١٩ دانيال ٢: ٢٨ ص ١٧: ١ و١٩: ٩ و٢١: ٩ و٢٢: ٨ و١٦ ع ٤ و٦
إِعْلاَنُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أي رفع الحجاب الذي يحجب عن البشر مقاصد الله وفيه بيان الأمور في الحاضر والمستقبل التي المسيح مصدرها. فإن المسيح أمر يوحنا بمخاطبة السبع الكنائس وفتح الختوم السبعة (ص ٦: ١). وأعلن ضيقات القديسين (ص ٦: ٩). وقدم صلوات القديسين (ص ٨: ٣). فالمُعلن هو نور العالم وشهادته روح هذه النبوءة.
ٱلَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ٱللهُ الآب الذي لا يتغير و «يتكلم فيكون» أصل كل البركات كما قيل في (يوحنا ٧: ١٦ و١٤: ١٠ و١٧: ٧ و٨). والمعطى هو الإنسان يسوع المسيح فإنه مع تمجده قَبل من الآب هذا الإعلان الذي يهبه للكنيسة بروحه القدوس. وهو ليس كما كان على الأرض لأنه جاز الآلام الأرضية ودخل الأمجاد السماوية فمات وهو على الأرض والآن هو البكر من الأموات. وأتى بهذا الإعلان إلى عبده يوحنا فظهر رأساً للكنيسة وابناً أزلياً لله وكلمة الله متجسداً.
لِيُرِيَ عَبِيدَهُ أعضاء الكنيسة المسيحية جسد المسيح وكان يوحنا أحد أولئك العبيد (ص ١: ١) ومنهم الأنبياء (ص ١٠: ٧ و١١: ١٨). وسائر المؤمنين (ص ٢: ٢٠ و٧: ٣ و٩).
مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ هذه ليست آراء مخلوق قابل الخطإ بل مقاصد الإله الأزلي وقضاءه الذي لا بد من أن يتم. وقوله «ما لا بد أن يكون عن قريب» ليس معناه على ما ظن بعضهم أن كل ما في الكتاب يتم عن قريب أي في عصر الرسول بل المعنى إن ما في هذا السفر يتم على الدوام فبعضه تم وبعضه آخذ في التمام وبعضه سيتم وأنه يأخذ يتم حالاً ويتوالى تمامه على توالي الأزمنة الأرضية. وهذا اصطلاح نبوي «لمن في عينيه ألف سنة كيوم واحد» وهو يعلّمنا قصر أيامنا على الأرض وقصر زمان عالمنا.
وَبَيَّنَهُ بواسطة المناظر المذكورة في هذا الكتاب كما بين للنبيين حزقيال وزكريا وكما أشار المسيح «إلى أي ميتة يموت» بالحية النحاسية.
مُرْسِلاً بِيَدِ مَلاَكِهِ استخدم الله الملاك وسيلة لإعلان الرؤيا ليوحنا وبعد ذكر هذا الملاك هنا عدل عن ذكره إلى الأصحاح السابع عشر (ص ٧: ١ و٧ و١٥ و١٩: ٩ و٢٢: ١ و٦). وذُكرت خدمة الملاك في رؤيا دانيال ورؤيا زكريا (دانيال ٨: ١٦ و٩: ٢١ و١٠: ١٠ وزكريا ١: ٩ و١٩).
لِعَبْدِهِ يُوحَنَّا الرسول كاتب هذا السفر التلميذ «الذي أحبه الرب» ونسبته إلى المسيح أهّلته لقبول هذا الإعلان فمن هو أقرب إلى الله أقرب إلى معرفة مشيئته لأن العبد لا يعلم ماذا يصنع سيده لكن الحبيب يعرف كما عرف إبراهيم خليله عهده وعرف دانيال «الإنسان المحبوب جدا» ما سيقع. لم يذكر يوحنا اسمه في بشارته لكنه ذكره هنا لأن النبوءة تحتاج إلى الإثبات بسلطان الملهم لكي يعلنها.
٢ «ٱلَّذِي شَهِدَ بِكَلِمَةِ ٱللهِ وَبِشَهَادَةِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ بِكُلِّ مَا رَآهُ».
ع ٩ وص ٦: ٩ و٢٠: ٤ و١٢: ١٧ و١كورنثوس ١: ٦ ص ١٢: ١٧
ٱلَّذِي شَهِدَ بِكَلِمَةِ ٱللهِ وَبِشَهَادَةِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أي شهد بما رآه في رؤياه وما سمعه من أقوال الله المذكورة في هذا السفر. وفي هذا بيان نسبة يوحنا إلى هذا الكتاب وهي أنه ليس سوى شاهد بما تكلم الله به وما شهد به المسيح للملاك وما شهد به الملاك ليوحنا. وذُكرت لفظة «الشهادة» في الرؤيا تسعاً وخمسين مرة.
بِكُلِّ مَا رَآهُ أي مجموع ما في هذا السفر فإن يوحنا ذكر كل ذلك بعد ما رآه وأعلنه لنفع القراء. قال هذا الرسول في آخر بشارته وما معناه أنه ذكر فيها قليلاً مما قاله يسوع ومما صنعه ولكنه قال هنا أنه ذكر كل ما رآه.
٣ «طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ أَقْوَالَ ٱلنُّبُوَّةِ، وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا، لأَنَّ ٱلْوَقْتَ قَرِيبٌ».
لوقا ١١: ٢٨ وص ٢٢: ٧ و١٠ و١٢ رومية ١٣: ١١ ويعقوب ٥: ٨ و١بطرس ٤: ٧ وص ٣: ٧
طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ أراد بمن يقرأ الذي يتلوها بصوت مسموع في الكنيسة.
وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ أي الذين يصغون إلى القارئ. كانت الكتب في عصر يوحنا تُكتب بالقلم فكانت قليلة وثمينة فاضطر الناس إلى أن يطلعوا على ما فيها بسمعهم لقارئها.
وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا هذا هو الأمر الجوهري الذي القراءة والإصغاء وسيلة إليه. والمراد «بما هو مكتوب فيها» ما فيها من الدعوة إلى التوبة والإيمان والصبر والطاعة والصلاة والسهر والثبات.
لأَنَّ ٱلْوَقْتَ قَرِيبٌ قرب الوقت يزيد أهمية مطالعة ما في هذا السفر وسيعلم المؤمنون جميعاً في يوم الله العظيم إن ذلك اليوم كان قريباً إليهم على توالي الأيام. فيوجب الإنجيل على المسيحيين أن يكونوا مستعدين دائماً ومنتظرين مجيء الرب إما للرحمة وإما للدينونة ومجيئه الأخير (رومية ١٣: ١٢ ويعقوب ٥: ٩ و٢بطرس ٣: ٨ و٩).
مقدمة الإعلان على نسق رسائل إلى كنائس أسيا السبع ع ٤ إلى ٢٠ وص ٢ وص ٣
٤ «يُوحَنَّا، إِلَى ٱلسَّبْعِ ٱلْكَنَائِسِ ٱلَّتِي فِي أَسِيَّا: نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ ٱلْكَائِنِ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي، وَمِنَ ٱلسَّبْعَةِ ٱلأَرْوَاحِ ٱلَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ».
ع ٢٠ و١١ أعمال ٢: ٩ رومية ١: ٧ ع ٨ وص ٤: ٨ خروج ٣: ٤ وص ١١: ١٧ و١٦: ٥ وع ١٧ وعبرانيين ١٣: ٨ وإشعياء ٤١: ٤ ص ٣: ١ و٤: ٥ و٥: ٦ إشعياء ١١: ٢ وص ٨: ٢
يُوحَنَّا ذكر الرسول اسمه في أول نبوءته اقتداء بالأنبياء القدماء على خلاف ما أتى في البشارة التي أظهر فيها مجد الكلمة المتجسد على طريق الاستقلال عن الشهادة البشرية. ولأن هذا السفر نبوءة وجب أن يكون شاهداً به لأنه مشهور بأنه رسول وبشير وتلميذ محبوب وراعي الكنائس التي خاطبها. ولم يُعلن مقامه في الكنيسة كما فعل بولس في رسالته إلى الرومانيين لأن يوحنا كان معروفاً ومشهوراً لمن كتب إليهم.
ٱلسَّبْعِ ٱلْكَنَائِسِ ٱلَّتِي فِي أَسِيَّا لم يشر بذلك إلى قارة أسيا ولا إلى القسم الغربي منها المعروف بأسيا الصغرى بل إلى القسم الجنوبي الغربي من أسيا الصغرى وهو الذي قصبته أفسس حيث تقضت على الرسول السنون الأخيرة من حياته. وهذه البلاد وهبها الملك أتالوس للدولة الرومانية وعُرفت ببروكنسلار أسيا (انظر تفسير أعمال ٢: ٩). وكانت الكنائس المسيحية في هذه البلاد أكثر من سبع ومنها كنيسة كولوسي وهيرابوليس. وكتب يوحنا كل سفر الرؤيا إلى تلك الكنائس لا الأصحاحين الأولين فقط إذ أمره المسيح أن يكتب إليها «الذي يراه» (ع ١١). والمرجح أن تلك الكنائس السبع نابت عن كل كنائس الله في كل زمان ومكان لأن السبعة عدد كامل يشار به إلى كمال الكنيسة الجامعة فقال المسيح لكل كنيسة منها «من له أذن للسمع فليسمع» وبهذا أظهر أنه قصد كل المسيحيين (انظر مقدمة هذا السفر).
نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ استعمل هذا الدعاء كل من الرسل الثلاثة بولس وبطرس ويوحنا وبذلك ظهر اشتراكهم المسيحي وهو طلب الرجاء والاطمئنان بناء على نعمة الله مصدر الحياة والمحبة وهي تشتمل على كل بركة روحية (انظر تفسير رومية ١: ١ وتفسير ١كورنثوس ١: ١).
مِنَ ٱلْكَائِنِ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي هذا وصف للأقنوم الأول من الثالوث باعتبار كونه واجب الوجود ومنزهاً عن التغيّر على وفق قوله تعالى لموسى «أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ» (خروج ٣: ١٤) وقوله «أَنَا ٱلرَّبُّ لاَ أَتَغَيَّرُ» (ملاخي ٣: ٦). وكقول بولس في المسيح «هُوَ هُوَ أَمْساً وَٱلْيَوْمَ وَإِلَى ٱلأَبَدِ» (عبرانيين ١٣: ٨).
وَمِنَ ٱلسَّبْعَةِ ٱلأَرْوَاحِ ٱلَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ هذا وصف للروح القدس بالنظر إلى صفاته الكاملة المتنوعة مع وحدة أقنومه. ويبين إن هذا هو معناه قوله «ٱلَّذِي لَهُ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ ٱللهِ وَٱلسَّبْعَةُ ٱلْكَوَاكِبُ» وقوله «وَأَمَامَ ٱلْعَرْشِ سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ ٱللهِ» (ص ٣: ١ و٤: ٥). ومثل هذا في العهد القديم قوله «هُوَذَا ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي وَضَعْتُهُ قُدَّامَ يَهُوشَعَ عَلَى حَجَرٍ وَاحِدٍ (هو المسيح) سَبْعُ أَعْيُنٍ» وقوله «مَنِ ٱزْدَرَى بِيَوْمِ ٱلأُمُورِ ٱلصَّغِيرَةِ. فَتَفْرَحُ أُولَئِكَ ٱلسَّبْعُ… إِنَّمَا هِيَ أَعْيُنُ ٱلرَّبِّ ٱلْجَائِلَةُ فِي ٱلأَرْضِ كُلِّهَا» (زكريا ٣: ٩ و٤: ١٠). وهذه الأعين تشير إلى الروح القدس فإنها رموز إلى كون الله نوراً أزلياً يعلم كل شيء وتُعلن للناس الله والأمور التي شاء أن يعلموها. وهو مثل قول إشعياء في المسيح «يَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ ٱلرَّبِّ، رُوحُ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْفَهْمِ، رُوحُ ٱلْمَشُورَةِ وَٱلْقُوَّةِ، رُوحُ ٱلْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ ٱلرَّبِّ» (إشعياء ١١: ٢) وكون «السبعة الأرواح» أمام العرش كناية عن أن الروح القدس مستعداً للعمل وليس في ذلك شيء يهين مقامه لأنه مثل قول المسيح فيه «أَمَّا ٱلْمُعَزِّي، ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ، ٱلَّذِي سَيُرْسِلُهُ ٱلآبُ بِٱسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ» وقوله «خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ ٱلْمُعَزِّي، وَلٰكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ… ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ» (يوحنا ١٤: ٢٦ و١٦: ٧ و١٤). ولعل هذا مبني على المنارة الذهبية التي لها «ساق وست شُعب» وهي رمز إلى الروح القدس وكانت موضوعة أمام تابوت العهد في الخيمة والهيكل (خروج ٢٥: ٣١ – ٣٧ وزكريا ٤: ٢ – ٦).
٥ «وَمِنْ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلشَّاهِدِ ٱلأَمِينِ، ٱلْبِكْرِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ ٱلأَرْضِ. ٱلَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ».
ص ٣: ١٤ ويوحنا ٨: ١٤ و١٨: ٣٧ و١تيموثاوس ٦: ١٣ وص ١٩: ١١ و١كورنثوس ١٥: ٢٠ وكولوسي ١: ١٨ ص ١٧: ١٤ و١٩: ١٦ و١تيموثاوس ٦: ١٥ مزمور ٨٩: ٢٧ ودانيال ٢: ٤٧ ورومية ٨: ٣٧
وَمِنْ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلشَّاهِدِ ٱلأَمِينِ فهو والآب والروح القدس الثالوث الموقر. ولقب «بالشاهد الأمين» لأنه شهد أمام بيلاطس البنطي بالاعتراف الحسن (١تيموثاوس ٦: ١٣). فإنه قال لبيلاطس «لِهٰذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ» (يوحنا ١٨: ٣٧). وكان يشهد لله وللحق كل مدة حياته وختم شهادته بدمه.
ٱلْبِكْرِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ لأنه هو الأول الذي قام من الأموات ولن يموت (رومية ٦: ٩ و١كورنثوس ١٥: ٢٠ و٢٣). وهو «رئيس الحياة» (أعمال ٣: ١٥ انظر تفسير كولوسي ١: ١٨). قام ابن أرملة نايين والعازر من الأموات ولكنهما عاشا قليلاً وماتا أيضاً.
رَئِيسِ مُلُوكِ ٱلأَرْضِ كما أُنبئ في المزمور الثاني الذي أبان إن ملوك الأرض قاموا على مسيح الرب وإن المسيح أظهر قدرته على من بقي منهم معانداً بسحقه إياهم وبقبول خضوع الذين تعقلوا وقبلوه (مزمور ٢: ١٠ – ١٢) فإنهم يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليه (ص ٢١: ٢٤). ونال هذا الإكرام بموته على الصليب بدليل قوله تعالى بلسان المرنم «أجْعَلُهُ بِكْراً أَعْلَى مِنْ مُلُوكِ ٱلأَرْضِ» (مزمور ٨٩: ٢٧). وقوله بلسان إشعياء «هُوَذَا قَدْ جَعَلْتُهُ شَارِعاً لِلشُّعُوبِ، رَئِيساً وَمُوصِياً لِلشُّعُوبِ» (إشعياء ٥٥: ٤). فما وعده به إبليس بشرط أن يسجد له اقتناه بموته (يوحنا ١٦: ٣٣ انظر أيضاً متّى ٢٨: ١٨). وهذه الصفات الثلاث توافق كونه نبياً وكاهناً وملكاً.
ٱلَّذِي أَحَبَّنَا محبة المسيح للمفديين دائمة (يوحنا ١٣: ١) وآية تلك المحبة ما فعله من أجلنا كما يأتي.
وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ أي بموته كفارة. قال المسيح لبطرس «إِنْ كُنْتُ لاَ أَغْسِلُكَ فَلَيْسَ لَكَ مَعِي نَصِيبٌ» (يوحنا ١٣: ٨). فبموته البار بدل الأثمة بررنا أمام ابنه وهو الذي نجانا من دنس الخطيئة وتسلطها فقدسنا. والإيمان هو واسطة التطهير والتقديس لأنه به اتحدنا بذاك الذي هو روح القداسة. وهذا على وفق قوله «وَدَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (١يوحنا ١: ٧). ووفق جواب سؤال يوحنا «هٰؤُلاَءِ ٱلْمُتَسَرْبِلُونَ بِٱلثِّيَابِ ٱلْبِيضِ، مَنْ هُمْ وَمِنْ أَيْنَ أَتَوْا؟» وهو قول الملاك «هٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلَّذِينَ أَتَوْا مِنَ ٱلضِّيقَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوهَا فِي دَمِ ٱلْحَمَلِ» (ص ٧: ١٣ و١٤). فلو قصد التطهير فقط لم يكن الدم رمزاً إليه بل قصد علاوة على ذلك كونه ذبيحة كفارة عن الخطية (عبرانيين ٩: ٢١).
٦ «وَجَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً لِلّٰهِ أَبِيهِ، لَهُ ٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. آمِينَ».
ص ٥: ١٠ و٢٠: ٦ و١بطرس ٢: ٥ و٩ خروج ١٩: ٦ وإشعياء ٦١: ٦ رومية ١٥: ٦ و١١: ٣٦
وَجَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً لِلّٰهِ أَبِيهِ أي أعضاء المملكة السماوية التي تكلم المسيح فيها كثيراً وهي التي يسكن معه فيها المؤمنون. وهذا مثل قوله «ٱشْتَرَيْتَنَا لِلّٰهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَنَا لإِلٰهِنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى ٱلأَرْضِ» (ص ٥: ٩ و١٠). وهذا كوعد الله لشعبه القديم إسرائيل في قوله «وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً» (خروج ١٩: ٦ أنظر أيضاً دانيال ٧: ٢٧). وبناء على كون المؤمنين كلهم كهنة صار يحق لهم أن يدخلوا إلى ما وراء الحجاب ويطلبوا البركات لأنفسهم ولغيرهم لأنهم قد تقدسوا بالدم (عبرانيين ٩: ٢١).
لَهُ ٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ الخ ذكره صفات المسيح وأعماله حمله على التسبيح له وإظهار وجوب التسبيح له في كل عبادة مسيحية. ومثل هذا التسبيح الذي في (١بطرس ٤: ١١) وأعظم منه ما في (ص ٤: ٩ و١١) وأعظم من هذا أيضاً ما في (ص ٧: ١١).
٧ «هُوَذَا يَأْتِي مَعَ ٱلسَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ، وَٱلَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ. نَعَمْ آمِينَ».
متّى ١٦: ٢٧ و٢٤: ٣٠ دانيال ٧: ١٣ زكريا ١٢: ١٠ يوحنا ١٩: ٣٧ لوقا ٢٣: ٢٨
هُوَذَا يَأْتِي مَعَ ٱلسَّحَابِ قال المسيح أمام الحبر الأعظم على مسامع مجمع السبعين «أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ ٱلآنَ تُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ ٱلْقُوَّةِ، وَآتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ» (متّى ٢٦: ٦٤). وهذا على وفق الإنباء به في سفر دانيال (٧: ١٣) وما أنبأ المسيح به تلاميذه على جبل الزيتون وهو قوله «حِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ فِي ٱلسَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ» (متّى ٢٤: ٣٠ أنظر أيضاً مرقس ١٤: ٦٢). وإتيانه في السحاب لا يدل على بهاء مجيئه ومجده بل على خوف المشاهدين لأن هذا السحاب ليس بحجاب مجده كالذي كان في التجلي بل هو آية الغضب كما في قول المرنم في مجيء الرب «ٱلسَّحَابُ وَٱلضَّبَابُ حَوْلَهُ… قُدَّامَهُ تَذْهَبُ نَارٌ وَتُحْرِقُ أَعْدَاءَهُ حَوْلَهُ. أَضَاءَتْ بُرُوقُهُ ٱلْمَسْكُونَةَ. رَأَتِ ٱلأَرْضُ وَٱرْتَعَدَتْ. ذَابَتِ ٱلْجِبَالُ مِثْلَ ٱلشَّمْعِ قُدَّامَ ٱلرَّبِّ، قُدَّامَ سَيِّدِ ٱلأَرْضِ كُلِّهَا» (مزمور ٩٧: ٢ – ٥ أنظر أيضاً ناحوم ١: ٣ وإشعياء ١٩: ١).
وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ هذا مبني على ما في (زكريا ١٢: ١٠) فنبوءة زكريا كانت أولاً للتعزية وإعلان النعمة إذ وصف بها توبة أهل أورشليم حين يرفع عن قلوبهم الحجاب فيقبلون يسوع الناصري «الذي صلبوه» باعتبار كونه ابن الله ملك إسرائيل فاتخذ يوحنا ذلك إشارة إلى يأس العالم الشرير حين يأتي الرب لينتقم من أعدائه.
وَٱلَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ هذا مبني على ما شاهده يوحنا والمسيح على الصليب من طعن جنبه وخروج ماء ودم منه (يوحنا ١٩: ٣٤ – ٣٧). والذين طعنوه هم قاتلوه وهم اليهود الذين طلبوا صلبه والرومانيون هم الذين أماتوه. فكان عليهم أن ينوحوا حين وُضع المسيح في القبر ولكنهم ينوحون يومئذ لأنه قام بعد ما مات وهو على وشك أن يدينهم فنوحهم نوح اليأس والندم اللذين لا أثر للتوبة فيهما.
نَعَمْ آمِينَ أظهر يوحنا رضاه التام بإجراء عدل الله على مقتضى حكمه وانتقامه.
٨ « أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي، ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ».
ص ٢١: ٦ و٢٢: ١٣ إشعياء ٤١: ٤ ص ٤: ٨ و١١: ١٧ و١٥: ٣ و١٦: ٧ و٢١: ٢٢ و١٩: ٦
أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ المتكلم هنا هو الله الآب و «الألف والياء» هما الحرف الأول والحرف الأخير من حروف الهجاء وهما في الأصل اليوناني «ألفا وأوميغا» وهما عبارة عن أزلية الله وأبديته الإله الذي ليس قبله شيء ولا يمكن أن يبقى شيء بعده.
ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ هذا ليس في أكثر النسخ وهو منقول عن (ص ٢١: ٦ و٢٢: ١٣) والمقصود به تفسير «الألف والياء».
ٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي هذا تصريح بسرمدية الله وقوته غير المحدودة قصد به تعزية قلوب أصدقائه وتثبيتهم وبيان جهالة أعدائه بمقاومتهم إياه. والذي قيل في وصف الآب هنا قيل في وصف الابن لنفسه في (ع ١٧ وص ٢٢: ١٣).
٩ «أَنَا يُوحَنَّا أَخُوكُمْ وَشَرِيكُكُمْ فِي ٱلضِّيقَةِ وَفِي مَلَكُوتِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَصَبْرِهِ. كُنْتُ فِي ٱلْجَزِيرَةِ ٱلَّتِي تُدْعَى بَطْمُسَ مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ ٱللهِ وَمِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».
ع ١ أعمال ١: ١٥ و٢كورنثوس ١: ٧ وفيلبي ٤: ١٤ ومتّى ٢٠: ٢٣ وأعمال ١٤: ٢٢ ع ٦ و٢تيموثاوس ٢: ١٢ ص ٣: ١٠ و٢تسالونيكي ٣: ٥ ع ٢
أَنَا يُوحَنَّا أَخُوكُمْ وصف الكاتب نفسه بهذا وأبان حاله به حين أخذ يكتب هذا السفر.
وَشَرِيكُكُمْ فِي ٱلضِّيقَةِ أي أصابت كل تلك الكنائس لتمسكها بالمسيح وتعلقها بملكوته. فكرر هنا القول التي سمعته تلك الكنائس من بولس «أَنَّهُ بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللهِ» (أعمال ١٤: ٢٢).
وَفِي مَلَكُوتِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ قال المسيح ليوحنا ولأخيه يعقوب «كَأْسِي فَتَشْرَبَانِهَا، وَبِالصِّبْغَةِ ٱلَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ» (متّى ٢٠: ٢٣). فهذه النبوة تمت ليعقوب حين قتله هيرودس أغريباس (أعمال ١٢: ٢) وتمت ليوحنا جزئياً في كل أيام حياته التي كانت حياة الضيقة ولا سيما ما أشار إليه بهذه الآية وسيأتي بيانه. وهذه الضيقة سبقت الدخول في ملكوت المسيح وكانت تمهيداً له كما قيل في (رومية ٨: ١٧ و٢تيموثاوس ٢: ١٢ و١بطرس ٤: ١٣).
وَصَبْرِهِ هذا يدل على أن الملكوت لم يكن لهم حقيقة بل كان لهم بمقتضى الرجاء ولذلك احتاجوا إلى الصبر ليحصلوا عليه على وفق قول بولس المذكور آنفاً (أعمال ١٤: ٢٢) وفيه ذكر الثلاثة «الضيقة والصبر والرجاء» وقول المسيح لتلاميذه «بِصَبْرِكُمُ ٱقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ» (لوقا ٢١: ١٩).
كُنْتُ فِي ٱلْجَزِيرَةِ ٱلَّتِي تُدْعَى بَطْمُسَ وهي جزيرة صغيرة صخرية في بحر إيجين في الجنوب الغربي من أفسس نُفي إليها الرسول أيام الأمبراطور دومتيانوس (انظر الفصل الثالث من المقدمة) وكان ذلك نحو السنة ٩٥ ب. م.
مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ ٱللهِ وَمِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أي الكلمة التي تكلم الله بها والشهادة التي شهدها المسيح. والخلاصة أن علة نفيه كونه مسيحياً. نادى يوحنا بتلك «الكلمة» وشهد تلك «الشهادة» وكانت نتيجة ذلك أنه نُفي إلى تلك الجزيرة التي يُرجح أن سكانها كانوا يومئذ أقل منهم اليوم.
١٠ «كُنْتُ فِي ٱلرُّوحِ فِي يَوْمِ ٱلرَّبِّ، وَسَمِعْتُ وَرَائِي صَوْتاً عَظِيماً كَصَوْتِ بُوقٍ».
ص ٤: ٢ و١٧: ٣ و٢١: ١٠ ومتّى ٣٢: ٤٣ وأعمال ٢٠: ٧ ص ٤: ١
كُنْتُ فِي ٱلرُّوحِ قال يوحنا هذا أربع مرات في هذا السفر – في هذه الآية وفي (ص ٤: ٢ و١٧: ٣ و٢١: ١٠). وهو يبين حاله وهو مستعد لقبول الوحي فلم يكن ذلك طبيعياً ولا دائماً. وكان بالنظر إلى أفكاره منفصلاً عما حوله من الأمور المادية فكأنها كانت محجوبة عن سمعه وبصره فكانت نفسه مرتفعة بين المناظر والأصوات المختصة بعالم الأرواح فكان في مثل حال بولس حين قال على نفسه «أَفِي ٱلْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ، أَمْ خَارِجَ ٱلْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ» (٢كورنثوس ١٢: ٢). وحال بطرس حين وقعت عليه غيبة (أعمال ١٠: ١٠). وفي هذه الحال سمع أصواتاً لم يسمعها غيره ونظر أشياء لم يرها سواه لكن بقي في ذاكرته تأثيرها حتى يستطيع أن يذكرها ويكتب الأقوال التي أُمر بكتابتها.
فِي يَوْمِ ٱلرَّبِّ أي اليوم الذي تقدّس بقيامة الرب فيه وهو يوم الأحد. فإن المسيح بقيامته وتمجده أسس الكنيسة التي «أبواب الجحيم لا تقوى عليها». فاعتاد الرسل والتلاميذ الأولون أن يجتمعوا فيه للعبادة وكسر الخبز (أعمال ٢٠: ٧).
وَسَمِعْتُ وَرَائِي صَوْتاً عَظِيماً لم يقدر يوحنا يوم الرب أن يخاطب كنيسة أفسس أو إحدى الكنائس السبع كعادته لأنه كان منفياً إلى تلك الجزيرة لكن الرب قدر أن يكلمه فقدر بكتابته ذلك أن ينفع كل الكنائس إلى نهاية الزمان كما كان بولس خادماً للمسيح بكتابته بعض رسائله من سجن رومية. وكما أن لوثيروس وهو أسير في قلعة ورتمبرغ ترجم الكتاب المقدس إلى اللغة الجرمانية. وكما أن يوحنا بنيان كتب وهو في سجن بدفرد «سياحة المسيحي» الكتاب الذي نفع كنائس المسيح في العالم نفعاً ثانياً لنفع الإنجيل.
كَصَوْتِ بُوقٍ (ص ٨: ٢ و٦). كان اليهود يُدعون إلى الاحتفالات ذات الشأن بصوت البوق (عدد ١٠: ١٠). وكان ذلك الصوت مقترناً بالمناظر الإلهية (خروج ١٩: ١٩ ويوئيل ٢: ١ ومتّى ٢٤: ٣١ و١تسالونيكي ٤: ١٦). ويوحنا لم يعرف المسيح من صوته (ع ١٢). ولعل المراد «بصوت البوق» هنا إن الصوت كان عالياً صريحاً كصوت البوق.
١١ «قَائِلاً: أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ. ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ. وَٱلَّذِي تَرَاهُ ٱكْتُبْ فِي كِتَابٍ وَأَرْسِلْ إِلَى ٱلسَّبْعِ ٱلْكَنَائِسِ ٱلَّتِي فِي أَسِيَّا: إِلَى أَفَسُسَ، وَإِلَى سِمِيرْنَا، وَإِلَى بَرْغَامُسَ، وَإِلَى ثِيَاتِيرَا، وَإِلَى سَارْدِسَ، وَإِلَى فِيلاَدَلْفِيَا، وَإِلَى لاَوُدِكِيَّةَ».
ع ١٩ ص ٢: ١ أعمال ١٨: ١٩ ص ٢: ٨ و١٢ و١٨ و٢٤ أعمال ١٦: ١٤ وص ٣: ١ و٤ و٧ و١٤ كولوسي ٢: ١
أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ. ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ (انظر تفسير ع ٨). هذه العبارة ليست في بعض النسخ «كما يتبين من الإنجيل ذي الشواهد».
ٱلَّذِي تَرَاهُ وهو ما سيراه.
ٱكْتُبْ فِي كِتَابٍ وَأَرْسِلْ إِلَى ٱلسَّبْعِ ٱلْكَنَائِسِ الخ فبناء على هذا كتب الرسول في مقدمة كل رسالة إلى تلك الكنائس بعض ما رآه في هذه الرؤيا من جهة المسيح (وكون هذه الكنائس السبع نائبة عن كل الكنائس المسيحية ذُكر في المقدمة). وما قيل هنا في شأن رؤيا المسيح مقدمة لكل هذا السفر لا للرسائل إلى الكنائس السبع فقط (ع ١٩).
١٢ «فَٱلْتَفَتُّ لأَنْظُرَ ٱلصَّوْتَ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ مَعِي. وَلَمَّا ٱلْتَفَتُّ رَأَيْتُ سَبْعَ مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ».
ع ٢٠ وص ٢: ١ خروج ٢٥: ٢٧ و٣٧: ٢٣ وزكريا ٤: ٢
فَٱلْتَفَتُّ لأَنْظُرَ ٱلصَّوْتَ أي صاحب الصوت.
سَبْعَ مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ وهي باتصالها بعضها ببعض منارة واحدة وكان بعض أثاث خيمة الاجتماع (خروج ٢٥: ٣١ – ٤٠). وذُكر هذا في (زكريا ٤: ٢). ورؤيا كل منارة على حدتها لتشير إلى كنيسة منفردة يمكن أن تثبت بنفسها ويمكن أن تُزاح بحسب أمانتها أو خيانتها.
١٣ «وَفِي وَسَطِ ٱلسَّبْعِ ٱلْمَنَايِرِ شِبْهُ ٱبْنِ إِنْسَانٍ، مُتَسَرْبِلاً بِثَوْبٍ إِلَى ٱلرِّجْلَيْنِ، وَمُتَمَنْطِقاً عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ».
ص ٢: ١ و١٤: ١٤ وحزقيال ١: ٢٦ ودانيال ٧: ١٣ و١٠: ٥ و١٦ ص ١٥: ٦
ٱبْنِ إِنْسَانٍ هذا من أسماء المسيح والمسيح سمى نفسه به دلالة على ناسوته التام وبهذا ظهر للناس وهو على الأرض قبل الموت وبعد القيامة وحين ظهر لاستفانوس قبل موته.
مُتَسَرْبِلاً بِثَوْبٍ إِلَى ٱلرِّجْلَيْنِ هذا ثوب ذي مقام رفيع كالحبر الأعظم والملك. وذُكر مثل هذا في (حزقيال ٩: ٢ و٣ و١١ ودانيال ١٠: ٥).
مُتَمَنْطِقاً عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ كان يلبس مثل هذا الحبر الأعظم عند تقديم الذبيحة لكن الذي أمر الله موسى بصنعه كان منطقة من ذهب واسمانجوني وقرمز وبوص مبروم. والمنطقة التي رآها يوحنا كانت كلها من ذهب إشارة إلى سمة مقام لابسها وقيمة البركات التي يمنحها. ومن عدم ذكره بقية لبس الكاهن الأعظم من الأفود والعمامة نستنتج أن لبس المسيح لم يكن يختص بالكهنة بل مما يوافق كونه كاهناً وملكاً كما كان ملكي صادق (دانيال ١٠: ٥ وعبرانيين ٥: ٩ و١٠ و٦: ٢٠ و٧: ١ – ١٧).
١٤ «وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَٱلصُّوفِ ٱلأَبْيَضِ كَٱلثَّلْجِ، وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ».
دانيال ٧: ٩ و١٠: ٦ وص ٢: ١٨ و١٩: ١٢
رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَٱلصُّوفِ ٱلأَبْيَضِ كَٱلثَّلْجِ أشار بهذا إلى قداسته وطهارة شعبه بعد تطهيره إياه من خطاياه (مزمور ٥١: ٧ وإشعياء ١: ١٨). وهذا كقول دانيال «لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَٱلثَّلْجِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَٱلصُّوفِ ٱلنَّقِيِّ» (دانيال ٧: ٩).
عَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ (ص ١٩: ١٢ ودانيال ١٠: ٦). فهو قادر أن يرى أعماق الظلمة ويكشف خفايا الإثم. وهذا إشارة إلى كونه «ناراً آكلة» ينقي من الخطايا الذين يتركونها ويحرق ويلاشي كل من يتمسك بها (ص ٢٠: ٩ ودانيال ٧: ٩ و١٠ ويهوذا ٧).
١٥ «وَرِجْلاَهُ شِبْهُ ٱلنُّحَاسِ ٱلنَّقِيِّ، كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ. وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ».
ص ٢: ١٨ وحزقيال ١: ٧ ودانيال ١٠: ٦ ص ١٤: ٢ و١٩: ٦ وحزقيال ٤٣: ٢
رِجْلاَهُ شِبْهُ ٱلنُّحَاسِ ٱلنَّقِيِّ، كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ أي رجلاه مكشوفتان كرجلي الكاهن وهو يخدم وكانتا كأنهما محميتان في أتون إظهاراً أن لا أحد من الأشرار يحتمل دوسه إياه يوم يدوسهم بغضبه (إشعياء ٦٣: ٣).
صَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ قال دانيال إنه سمع في الرؤيا «صَوْتُ كَلاَمِهِ كَصَوْتِ جُمْهُورٍ» (دانيال ١٠: ٦) فكان شديداً رهيباً. وهذا الوصف يدل على هيبة المسيح ويحمل الذين يأتي ليدينهم على الخوف والرعدة (مزمور ٦٥: ٧ و٩٣: ٤).
١٦ «وَمَعَهُ فِي يَدِهِ ٱلْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ، وَسَيْفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ، وَوَجْهُهُ كَٱلشَّمْسِ وَهِيَ تُضِيءُ فِي قُوَّتِهَا».
ع ٢٠ وص ٢: ١ و٣: ١ ص ٢: ١٢ و١٦ و١٩: ١٥ وإشعياء ٤٩: ٢ عبرانيين ٤: ١٢ متّى ١٧: ٢ ص ١٠: ١ قضاة ٥: ٣١
وَمَعَهُ فِي يَدِهِ ٱلْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ قيل بعد هذا إنها «ملائكة السبع الكنائس» (ع ٢٠). وكونها «في يده اليمنى» تدل على أنه مالكها وسائسها وحاميها ومرشدها وإنها ثمينة في عينيه وموضوع عنايته كقول المسيح في خرافه إنه «لاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي» (يوحنا ١٠: ٢٨).
سَيْفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ ذُكر السيف ست مرات في الرؤيا هنا وفي (ص ٢: ١٢ و١٦ و٦: ٨ و١٩: ١٥ – ٢١) وكثيراً ما ذُكر في نبوءة حزقيال وهذا السيف بموجب تعليم الإنجيل هو «سَيْفَ ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي هُوَ كَلِمَةُ ٱللهِ التي هي أَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ ٱلنَّفْسِ وَٱلرُّوحِ وَٱلْمَفَاصِلِ وَٱلْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ ٱلْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ» (أفسس ٦: ١٧ وعبرانيين ٤: ١٢ انظر أيضاً إشعياء ٤٩: ٢ ويوحنا ١٢: ٤٨) وبهذا السيف يغلب أعداءه (ص ٢: ١٢ و١٦ وص ١٩: ١٥ و٢٠ و٢كورنثوس ١٠: ٤). وحدّا هذا السيف هما العهد القديم والعهد الجديد وبهما يبكت على الخطيئة والبر الذاتي وعلى الأمور الحاملة عليها. وبه يفصل بين الإنسان والخطيئة أو يقطعه به.
وَوَجْهُهُ كَٱلشَّمْسِ وَهِيَ تُضِيءُ فِي قُوَّتِهَا أي كالشمس بلا غيم في وقت ارتفاعها الكامل. ووُصف المسيح بهذا لأنه بهاء مجد الآب (عبرانيين ١: ٣). وهو كالأب «سَاكِناً فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ» (١تيموثاوس ٦: ١٦). وهذا النور بهاء الحق والقداسة ولذلك قيل إن منظر الملائكة الذين يخدمون كالبرق (متّى ٢٨: ٣). وقيل في القديسين إنهم «يُضِيئون كَٱلشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ» (متّى ١٣: ٤٣). وقيل في موسى إن وجهه كان يضيء وهو يتكلم مع الله (خروج ٣٤: ٢٩). وهذا وصف ابن الإنسان باعتبار مجده السماوي وقدرته على الخلاص وملاشاة أعدائه وهكذا يظهر حين يأتي ليدين العالم على وفق قوله في (٢تسالونيكي ٦: ٦ – ١٠). وأعلن نفسه على هذه الكيفية لكي يقوي كنيسته ويعزيها لأنها كانت عرضة للاضطهاد وتحتاج إلى من يستطيع أن ينتقم من أعدائها. والإعلان هنا من جهة المسيح كالإعلان في المزمور الثاني وهو قوله تعالى «اِسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ ٱلأُمَمَ مِيرَاثاً لَكَ وَأَقَاصِيَ ٱلأَرْضِ مُلْكاً لَكَ. تُحَطِّمُهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ. مِثْلَ إِنَاءِ خَزَّافٍ تُكَسِّرُهُمْ الخ» (مزمور ٢: ٨ – ١٢).
١٧ «فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ ٱلْيُمْنَى عَلَيَّ قَائِلاً لِي: لاَ تَخَفْ، أَنَا هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ».
حزقيال ١: ٢٨ دانيال ٨: ١٧ و١٨ و١٠: ٩ و١٠ و١٢ و١٥ متّى ١٤: ٢٧ و١٧: ٧ إشعياء ٤١: ٤ و٤٤: ٦ و٤٨: ١٢
في هذه الآية بيان تأثير ذلك المنظر في يوحنا.
سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ قال الله لموسى لما طلب أن يريه مجده «لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ ٱلإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ» (خروج ٣٣: ٢٠). قال إشعياء وقد رأى المسيح في رؤيا «وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ… لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا ٱلْمَلِكَ رَبَّ ٱلْجُنُودِ» (إشعياء ٦: ٥). وقال في مثل ذلك حزقيال النبي «وَلَمَّا رَأَيْتُهُ خَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي» (حزقيال ١: ٢٨). ولما ظهر الملاك لدانيال قال «إِذْ كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي كُنْتُ مُسَبَّخاً عَلَى وَجْهِي إِلَى ٱلأَرْضِ» (دانيال ٨: ١٨). والمنظر الذي رآه يوحنا كان أمجد من ذلك فكان خوفه أعظم.
فَوَضَعَ يَدَهُ ٱلْيُمْنَى عَلَيَّ لكي يطمئن كما كان في (متّى ١٧: ٧ ومرقس ١٦: ٦ ولوقا ٢: ١٠).
أَنَا هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ هذا بيان أزليته وأبديته باعتبار كونه إلهاً علاوة على كونه إنساناً.
١٨ «وَٱلْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتاً وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ ٱلْهَاوِيَةِ وَٱلْمَوْتِ».
لوقا ٢٤: ٥ ص ٤: ٩ و٢: ٨ رومية ٦: ٩ ص ١٠: ٦ و١٥: ٧ ص ٩: ١ و٢٠: ١ وأيوب ٣٨: ١٧ متّى ١٦: ١٩ و١١: ٢٣
ٱلْحَيُّ الذي له الحياة في نفسه وهذا لقب الجلال.
وَكُنْتُ مَيْتاً أي جزت أبواب الموت.
وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ (أعمال ٢: ٣٤ ورومية ٦: ٩) فقوله (حي) وصف للمسيح باعتبار أزليته. وقوله «كنت ميتاً وها أنا حي» وصف له باعتبار تنازله لأجل خلاص البشر وهو مرفوع على الصليب وقائم من الأموات وصاعد إلى السماء.
وَلِي مَفَاتِيحُ ٱلْهَاوِيَةِ وَٱلْمَوْتِ هذا وصف ثالث للمسيح باعتبار كونه منتصراً على كل أعدائه وأعداء شعبه وهذا يدل على أنه رأس كل شيء للكنيسة. فالعمل الذي أكمله على الأرض يجريه الآن في السماء باعتبار كونه كاهناً وملكاً.
ٱلْهَاوِيَةِ مكان الأموات ولا سيما الأشرار والمفاتيح علامة السلطة فلا يخاف المؤمنون من الموت ولا من مكان العذاب لأنهما تحت سلطان المسيح الذي أحبهم وبذل نفسه لأجلهم وقال المسيح هذا القول بعد قيامته أي لم يعطِ هذا السلطان لبطرس ولا للبابا ولا لغيره بل المفاتيح لا تزال ولن تزال بيده.
١٩ «فَٱكْتُبْ مَا رَأَيْتَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ هٰذَا».
ع ١٢ الخ ص ٤: ١ الخ
الذي أوجب على يوحنا أن يكتبه هو الأمور الحاضرة والأمور المستقبلة المتعلقة بالكنيسة الجسد الذي المسيح رأسه في جهادها وانتصارها ومحاربتها الخطيئة والشيطان وانتصارها عليهما ومحاربة العالم والشر الذي فيه. إن حياة الكنيسة تشبه حياة المسيح في اتضاعه وارتفاعه ومجده وقيامته ونجاته من قوة الجحيم والموت وهذا يكون بمقتضى مقاصد الله والغاية نيل كمالها وسعادتها.
٢٠ «سِرُّ ٱلسَّبْعَةِ ٱلْكَوَاكِبِ ٱلَّتِي رَأَيْتَ عَلَى يَمِينِي، وَٱلسَّبْعِ ٱلْمَنَايِرِ ٱلذَّهَبِيَّةِ: ٱلسَّبْعَةُ ٱلْكَوَاكِبُ هِيَ مَلاَئِكَةُ ٱلسَّبْعِ ٱلْكَنَائِسِ، وَٱلْمَنَايِرُ ٱلسَّبْعُ ٱلَّتِي رَأَيْتَهَا هِيَ ٱلسَّبْعُ ٱلْكَنَائِسِ».
رومية ١١: ١٥ ع ١٦ وص ٢: ١ و٣: ١ ع ١٢ خروج ٢٥: ٣٧ و٣٧: ٢٣ وزكريا ٤: ٢ ع ٤ و١١ متّى ١٤ و١٥
سِرُّ ٱلسَّبْعَةِ ٱلْكَوَاكِبِ… وَٱلسَّبْعِ ٱلْمَنَايِرِ ٱلذَّهَبِيَّةِ المراد «بالسر» هنا ما لا يستطيع أن يعلمه الإنسان بقواه إنما يدركه بإعلان الله. وليس السر إن معنى «الكواكب السبعة» هم «ملائكة الكنائس السبع» بل إن المسيح مزمع أن يُعلن تاريخ هذه الكنائس في المستقبل وهذا لا يمكن العالم أن يعلمه لكن أُعلن لعبيد الله. وإن يوحنا رأى تلك الكواكب في يد الرب إشارة إلى حفظه الكنائس وعنايته بها.
ٱلسَّبْعَةُ ٱلْكَوَاكِبُ هِيَ مَلاَئِكَةُ ٱلسَّبْعِ ٱلْكَنَائِسِ ظن بعضهم إن هؤلاء الملائكة هم رعاة الكنائس وشيوخها أي رؤساءها ورأى بعضهم أنهم الملائكة الذين يحرسونها وهم مثل الذين ذكرهم المسيح بقوله «اُنْظُرُوا، لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هٰؤُلاَءِ ٱلصِّغَارِ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي» (متّى ١٨: ١٠). ومثل الملائكة الذين يحرسون الأمم وهم الذين ذكرهم دانيال (دانيال ١٠: ٢١ و١٢: ١). والذي يمنع من أن يكون هذا هو المراد أن المسيح وبخهم على الخطايا التي ارتكبتها الكنائس وأمرهم بالتوبة وأنذرهم بالعقاب إن لم يتوبوا. فالأحسن أن نفهم أنهم نوّاب الكنائس أو أشباهها التي رآها يوحنا في السماء بدلاً من الكنائس أنفسها. واعتبرها المسيح كأنها الكنائس أنفسها فخاطبها كما يخاطب الكنائس فنصح لها وأنذرها. فرآها يوحنا في السماء نواباً عن الكنائس التي على الأرض. ونُسبت أعمال الكنائس إلى الملائكة.
وَٱلْمَنَايِرُ ٱلسَّبْعُ ٱلَّتِي رَأَيْتَهَا هِيَ ٱلسَّبْعُ ٱلْكَنَائِسِ ظهرت الكنائس ليوحنا بصور المناير وفي وسطها ابن الإنسان ليعطيها وسائط الحياة الإلهية لكي تضيء أمام العالم فتنيره (إشعياء ٦٠: ١ ومتّى ٥: ١٤ و١٦ ولوقا ١٢: ٣٥ وفيلبي ٢: ١٥). والمناير والكواكب هي الكنائس لكنها مثلت بالمناير باعتبار أنها متأثرة قابلة لنعمة الرب فهي تشبه المنارة الذهبية التي تضيء داخل خيمة الاجتماع. ومُثلت بالكواكب لأنها مؤثرة تضيء في القبة السماوية.
إنه ذُكر في هذا السفر لكل شيء ملاك ومن ذلك إن الله أعلن مقاصده بالملائكة (ص ٨: ٢ و١٤: ٦ و٨ و٩ و١٥: ١ و٦) وخاطب ابنه بواسطة ملاك (ص ١٤: ١٥) وأظهر الابن مشيئته بواسطة ملاك (ص ١: ١ و٢٠: ١ و٢٢: ٦). وذُكر للمياه ملاك (ص ١٦: ٥) وللنار ملاك (ص ١٤: ١٨). وللأرياح ملائكة (ص ٧: ١). وللهاوية ملاك (ص ٩: ١١).
السابق |
التالي |