سفر المزامير

سفر المزامير | 67 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّابِعُ وَٱلسِّتُّونَ

لإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ عَلَى ذَوَاتِ اَلأَوْتَارِ. مَزْمُورٌ. تَسْبِيحَةٌ

«١ لِيَتَحَنَّنِ ٱللّٰهُ عَلَيْنَا وَلْيُبَارِكْنَا. لِيُنِرْ بِوَجْهِهِ عَلَيْنَا. سِلاَهْ. ٢ لِكَيْ يُعْرَفَ فِي ٱلأَرْضِ طَرِيقُكَ وَفِي كُلِّ ٱلأُمَمِ خَلاَصُكَ. ٣ يَحْمَدُكَ ٱلشُّعُوبُ يَا اَللّٰهُ. يَحْمَدُكَ ٱلشُّعُوبُ كُلُّهُمْ».

يرجح أن هذا المزمور هو للشكر في وقت الحصاد. وهو كسابقه معنون باسم إمام المغنين. وهو مزمور تسبيحة. وكما أن المزمور ٦٥ هو للمزروعات التي لا تزال في حالة الاخضرار فإن هذا المزمور هو حينما تجمع الغلال ويقدم الفلاح الشكر لله على إحساناته العميمة. ويرى كل إسرائيلي مؤمن بالله أن كل حصاد هو بالحقيقة ميعاد متوجب على المؤمن أن يقدم الشكر لله (راجع لاويين ٢٦: ٤) بل أنه تعاهد وتعاقد مع الله حتى يستمر في جوده الذي لا حياة للإنسان بدونه. ويحوي هذا المزمور سبعة أعداد ليس إلاّ. فينقسم إلى قسمين كل منهما ثلاثة أعداد والعدد الرابع في الوسط مؤلف من ثلاثة مقاطع. وهكذا فإن بعض الشراح القدماء قد أطلقوا على هذا المزمور اسم «أبانا الذي» في العهد القديم. وكلمة يباركنا مكررة ثلاث مرات وهي تحمل طابع بركة الكاهن التي كان بقولها مخاطباً الشعب ثلاث مرات بالبركة.

(١) يطلب الحنان من الله أولاً ثم البركة. لأن الرحمة يجب أن تأتي أولاً حينما يظهر الله رحمته إذا به يبارك المؤمن الذي يدعوه بالصلاة والابتهال. وحينئذ حينما ينال الرحمة والبركة إذا به يصبح في نور يستطيع أن يسلك سبيله آمناً من السقوط والعثار. وينتهي بارتفاع الموسيقى (راجع عدد ٦: ٢٤ – ٢٦).

(٢) حينما يشرق الله بنوره على الناس إذا بهم يعرفون السبيل ولا يضلونه قط. إذاً فإن ضياء وجه الله هو الكفيل الوحيد للسير في سنن الحياة مطمئنين لا نخاف شراً ولا نعثر قط. وبالعكس فإن الإنسان الذي لا يضع الله أمامه فهو في ظلام وسقوطه محتم لأنه لا ينال الإرشاد الكافي. إن محبة الله وحدها كفيلة بأن تشع نوراً إلى كل الجهات. والمعرفة لا تكون بدون نور الله.

(٣) وحينما يعرف الشعوب طريق الرب أي يسلكون في فرائضه ويسمعون وصاياه. حينئذ يتحقق لهم معنى الخلاص الذي يهبه لجميع الداعين باسمه. وهكذا يكون على الشعوب أن يحمدوا هذا الإله العظيم الجواد. عليهم أن يحمدوه كلهم بدون استثناء. ذلك لأنهم قد اختبروا المحبة الإلهية وعليهم أن يميزوا الأشياء غثها وسمينها وهم يمارسون أعمالهم اليومية.

«٤ تَفْرَحُ وَتَبْتَهِجُ ٱلأُمَمُ لأَنَّكَ تَدِينُ ٱلشُّعُوبَ بِٱلٱسْتِقَامَةِ، وَأُمَمَ ٱلأَرْضِ تَهْدِيهِمْ. سِلاَهْ. ٥ يَحْمَدُكَ ٱلشُّعُوبُ يَا اَللّٰهُ. يَحْمَدُكَ ٱلشُّعُوبُ كُلُّهُمُ. ٦ ٱلأَرْضُ أَعْطَتْ غَلَّتَهَا. يُبَارِكُنَا ٱللّٰهُ إِلٰهُنَا. ٧ يُبَارِكُنَا ٱللّٰهُ، وَتَخْشَاهُ كُلُّ أَقَاصِي ٱلأَرْضِ».

(٤) على الأمم جميعها أن تفرح وتبتهج لأن ذلك يأتيهم عن تحقق ما جرى عليهم في الماضي. وقوله «تدين» ليس معناه الحكم والدينونة بل بالأحرى أن طريقة تسلط الله على الشعوب هي بالاستقامة والبر. لأن الله قدوس وبار في كل أعماله. ولأنه كذلك يصلح دائماً أن يهدي الشعوب وأمم الأرض إلى الواجبات المفروضة عليهم ولذلك يطالبهم بأن يتمموها حالاً ولا عذر لهم مقبول. فكما أن النور لا يمازجه شيء من الشوائب كذلك يستطيع أن يهدي ويسدد الخطى لأن طبيعته الاستقامة. وينهي هذا العدد الذي قلنا عنه إنه يقسم المزمور إلى قسمين بارتفاع الموسيقى.

(٥) هنا تكرار لما ورد سابقاً في العدد الثالث لأن المزمور يقصد به زيادة التوكيد والمبالغة في حمد الله وتعظيمه ودعوة الناس جميعاً شعوبها وأممها لكي تشاطر في هذا الأمر الجليل الذي هو مسلك النفوس الحكيمة المتطلعة نحو النور والحق والحياة التي في الله وحده.

(٦) وأما سبب هذا الفرح المباشر فيعطيه المرنم بقوله إن الأرض قد أعطت غلتها وجاء وقت الحصاد وقت الفرح والسرور حينما تجمع الحبوب إلى مخازنها الخاصة وينال الفلاحون جزاء ما تعبته أيديهم. فقد زرعوا من قبل وهم يحصدون الآن نراهم يحصدون وبركة الله عليهم أي بغلال جيدة كثيرة لأنه بعض الأحيان قد تكون الغلال ضئيلة ولا تسبب فرحاً لقلوب الفلاحين وأما الآن فهم فرحون سعداء بما نالته أيديهم من بركات وإحسانات هي دليل المحبة والرحمة لا ما يستحقون.

(٧) وهذه هي أعظم مظاهر البركات في أرض زراعية كفلسطين قديماً وحتى الآن (انظر إرميا ٣٣: ٩ وإشعياء ٦٠: ٣ وقابل ذلك مع يوئيل ٢: ١٧) إن بركة الله الظاهرة لشعبه والتي سببت هذا الفرح الشامل هي نفسها التي جعلت كل الأرض أن تخشى اسمه وتقدسه. لأن الذي يخاف الله ويؤمن به ويتمم وصاياه لا شك يصل أخيراً لملء النعمة والبركة. وبالعكس فمن لا يفعل ذلك يكون نصيبه الفشل والخذلان. وعلى العالم أجمع أن يأخذ هذه المثالة لنفسه مما يلقيه أمام شعبه من دروس هي لمنفعة البشرية كلها ولتقدمها وخلاصها.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى