سفر المزامير

سفر المزامير | 35 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلْخَامِسُ وَٱلثَّلاَثُونَ

لِدَاوُدَ

«١ خَاصِمْ يَا رَبُّ مُخَاصِمِيَّ. قَاتِلْ مُقَاتِلِيَّ. ٢ أَمْسِكْ مِجَنّاً وَتُرْساً وَٱنْهَضْ إِلَى مَعُونَتِي، ٣ وَأَشْرِعْ رُمْحاً وَصُدَّ تِلْقَاءَ مُطَارِدِيَّ. قُلْ لِنَفْسِي: خَلاَصُكِ أَنَا. ٤ لِيَخْزَ وَلْيَخْجَلِ ٱلَّذِينَ يَطْلُبُونَ نَفْسِي. لِيَرْتَدَّ إِلَى ٱلْوَرَاءِ وَيَخْجَلِ ٱلْمُتَفَكِّرُونَ بِإِسَاءَتِي. ٥ لِيَكُونُوا مِثْلَ ٱلْعُصَافَةِ قُدَّامَ ٱلرِّيحِ، وَمَلاَكُ ٱلرَّبِّ دَاحِرُهُمْ».

هذا المزمور أيضاً مما قاله داود وقت اضطهاد شاول له وهو المزمور سابقه يؤلفان وحدة وكلاهما يذكران ملاك الرب بصورة خاصة. وهو إيضاح شعري مطول لما ورد في (١صموئيل ٢٦: ١٥). لقد ذهب هتزق أن كاتب هذا المزمور هو إرميا ولكن الأعداد الثلاثة الأولى تنطبق على كلام ملك مضطهد أكثر مما على نبي مضطهد. وهو يشبه المزمور ٤٠ والمزمور ٥٩ شبهاً كثيراً. يسود هذا المزمور روح الكدر والعاطفة المهتاجة لا سيما حينما يصف كنود أعدائه والقائمين عليه. وفيه حزن شامل ممزوج باللوم والتحقير. ويقسم المزمور إلى ثلاثة أقسام هي من الأعداد (١ – ١٠) و(١١ – ١٨) و(١٩ – ٢٨). والشيء الجميل فيه هو أن نار غضبه المنتقم أو الداعي للانتقام تمتزج بنار محبته المضطرمة لله.

(١) إن الرب في نظر المرنم هو رجل الحرب والقتال كما هو وارد في (خروج ١٥: ٣ وتثنية ٣٢: ٤١ وما يليه). وهنا يكسبه هذا الوصف الشعري الجامع جلالاً ويلونه بألوان ساحرة جميلة فالمرنم يطلب أن يقوم الرب لنصرته ولا يتخلى عنه لئلا يدوسه العدو القوي.

(٢) ويطلب من الرب هنا أن يحميه حماية تامة من كل جانب فالمجن والترس لكي يدفعا عنه كل الضربات والصدمات. وكأنه يقرّ بأنه لا يستطيع أن يحمي نفسه لذلك يطلب حماية من الرب.

(٣) وإذا حماه الرب فقد نال التعزية الكافية وفي هذا العدد يطلب من الرب أن يهاجم أعداءه ويهاجم بالرمح ولا يكتفي أن يكون الترس الذي يحميه. وقوله خلاصك أنا يفسر لماذا يطلب العون من الرب. يريد أن يتحقق صراخه للنجدة بإلهه فينال الخلاص الكامل.

(٤ و٥) يطلب لهؤلاء الأعداء الفشل والخذلان بكلام لاذع قوي فيكونون مع العصافة تحملها الريح لأن ملاك الرب هو الذي يطردهم أمامه فلا يحسبون شيئاً. وهنا إشارة لما ورد في (خروج ١٤: ٢٥) حينما ملاك الرب عرقل سير المصريين كما أنه ساعد الإسرائيليين. وهنا يظهر أن عون الرب يأتي في حينه ولا يتركنا بلا عون في الشدائد.

«٦ لِيَكُنْ طَرِيقُهُمْ ظَلاَماً وَزَلَقاً، وَمَلاَكُ ٱلرَّبِّ طَارِدُهُمْ. ٧ لأَنَّهُمْ بِلاَ سَبَبٍ أَخْفَوْا لِي هُوَّةَ شَبَكَتِهِمْ. بِلاَ سَبَبٍ حَفَرُوا لِنَفْسِي. ٨ لِتَأْتِهِ ٱلتَّهْلُكَةُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، وَلْتَنْشَبْ بِهِ ٱلشَّبَكَةُ ٱلَّتِي أَخْفَاهَا، وَفِي ٱلتَّهْلُكَةِ نَفْسِهَا لِيَقَعْ. ٩ أَمَّا نَفْسِي فَتَفْرَحُ بِٱلرَّبِّ وَتَبْتَهِجُ بِخَلاَصِهِ. ١٠ جَمِيعُ عِظَامِي تَقُولُ: يَا رَبُّ، مَنْ مِثْلُكَ ٱلْمُنْقِذُ ٱلْمِسْكِينَ مِمَّنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَٱلْفَقِيرَ وَٱلْبَائِسَ مِنْ سَالِبِهِ؟».

(٦) كذلك في هذا العدد يتابع الصورة السابقة المشار إليها في (سفر الخروج ١٤). إن هذا الملاك يظهر في كل المواقف الحرجة حينما يعترض سبيل الفداء أي معترض كما جرى في مختلف أطوار الفداء الذي أعده الله لخلاص العالم فكيف بهذا الملاك وهوذا الملك الممسوح من الله في حالة الخطر الشديد والموت. هنا يظهر الإيمان والثقة وإذا به يرى نوراً من العلاء كما يتصور الظلام والزلق في طريق الأعداء.

(٧) والسبب هو أن هؤلاء الأعداء قد تظاهروا بغير عداوة فكأنهم أخفوا هوة ونصبوا شبكة وانتظروا ليصطادوا وإن عملهم هذا لا يكشف عن أية إساءة سببها هو بل عن نواياهم الباطنة الرديئة. وإن خطر العداوة هو بما كمن فيها أكثر مما ظهر.

(٨) إن التهلكة التي لا يستعد لها الإنسان يكون السقوط فيها أعظم جداً من التي يستعد لها ويأخذ حذره منها. والمرنم يطلب لهم جزاء ما جنته أيديهم فهم البادئون بالشر والباديء أظلم وليس عجيباً أن ينال الجزاء العادل لما جناه من قبل. بل يطلب من الله أن يسقطه هو فيها ولأنه قصد الهلاك لعدوه فليهلك هو أولاً لأن على الباغي تدور الدوائر.

(٩) ثم يعود لنفسه ويسكن آمناً مطمئناً. بل يجد مجالاً واسعاً للغبطة والفرح. وفرحه هذا غير مسبب عن ظروف خاصة يصادقها بل عن حماية الله وحفظه. إن الله قد أعدّ له خلاصاً فلا يهمه ما يرتبه له العدو لأن إلهه أقوى منه وهو الذي يستطيع أن يدبر كل شيء للخير. ولذلك فإن نفسه تفرح وتبتهج بدلاً من أن تهتم وتكتئب.

(١٠) وهذا الفرح يتخلل إلى كل عظم من عظامه كما وإلى كل مفصل من مفاصله. وكإنما تصبح جميع الأعداء جوقاً يترنم بشكر الله وحمده. فهو يقول من مثلك يا رب. هو المجري العدل والإنصاف للجميع فهو لا يسمح للقوي أن يستبد بالضعيف كما لا يسمح أن الفقير والبائس يسلبان ولا إله يستنجدان به فينجدهما في حينه. وقوله «من مثلك» (راجع خروج ١٥: ١١) ونلاحظ المبالغة في الكلام بقوله سالب الفقير والبائس فهذا منتهى السلب والخساسة لأنه لو سلب الغني صاحب النعمة لكان أهون جداً.

«١١ شُهُودُ زُورٍ يَقُومُونَ، وَعَمَّا لَمْ أَعْلَمْ يَسْأَلُونَنِي. ١٢ يُجَازُونَنِي عَنِ ٱلْخَيْرِ شَرّاً، ثَكَلاً لِنَفْسِي. ١٣ أَمَّا أَنَا فَفِي مَرَضِهِمْ كَانَ لِبَاسِي مِسْحاً. أَذْلَلْتُ بِٱلصَّوْمِ نَفْسِي. وَصَلاَتِي إِلَى حِضْنِي تَرْجِعُ. ١٤ كَأَنَّهُ قَرِيبٌ، كَأَنَّهُ أَخِي كُنْتُ أَتَمَشَّى. كَمَنْ يَنُوحُ عَلَى أُمِّهِ ٱنْحَنَيْتُ حَزِيناً. ١٥ وَلٰكِنَّهُمْ فِي ظَلْعِي فَرِحُوا وَٱجْتَمَعُوا. ٱجْتَمَعُوا عَلَيَّ شَاتِمِينَ وَلَمْ أَعْلَمْ. مَزَّقُوا وَلَمْ يَكُفُّوا. ١٦ بَيْنَ ٱلْفُجَّارِ ٱلْمُجَّانِ لأَجْلِ كَعْكَةٍ حَرَّقُوا عَلَيَّ أَسْنَانَهُمْ».

(١١) هنا يبدأ القسم الثاني من المزمور وهكذا يحاول وصف هؤلاء الأعداء الأشرار. فهم يشهدون عليه بالزور والبهتان عن أمور يجهلها ومع ذلك يسألونه عنها ليعترف بها ولا يخافون الله. يتهمونه تهماً شنعاء ويحسبونه ضاراً واشياً وسالباً لحقوق الآخرين.

(١٢) وأعظم حزنه هو لأن هؤلاء الأعداء يقابلون الحسنة منه بالإساءة ونجد شاول يعترف بذلك (راجع ١صموئيل ٢٤: ١٨). لذلك فإن عدم الاعتراف بالجميل كان يزعجه ويسبب له غماً كثيراً. وقوله «ثكلاً لنفسي» أي إنه يجد من الذين ادعوا صداقته والخلوص له وإذا بهم بعيدون لا يذكرونه ولا يتعرفون به. وهذه الحالة صحيحة مع أصدقاء المصلحة الذين تنتهي صداقتهم بانتهاء مصلحتهم منك ولا يعودون يذكرون شيئاً من الصداقة القديمة كأنهم ماتوا عنها.

(١٣) ولكنه يقابل نفسه بهم ويذكر إن صداقته كانت عميقة وغير شكل عن صداقتهم هذه إذ هو يلبس مسحاً لدى مرضهم ويبقى حزيناً وهو يصلي من أجلهم بل يصوم متضرعاً لله أن ينقذهم ويعينهم. وصلاته ترجع إلى حضنه أي من كثرة ذله وانكساره فهو لا يرفع رأسه ولا يجرؤ أن ينظر للعلاء (رجع ١ملوك ١٨: ٤٢).

(١٤) ثم يتمشى المرنم باحثاً كأنما عن صديق أو أخ ولكنه كان يبحث عبثاً. وقد انحنى من ثقل الهموم والتعاسة حتى لا يجد كلاماً يعبر به عن نفسه لذلك يطلق لنفسه العنان بالنوح. وقد يمكن أن تكون الترجمة «كنوح أمٍ انحنيت حزيناً» فهو يلبس لباساً خاصا ويرخي لحيته والدمع يترقرق في عينيه ولا يغسل وجهه.

(١٥) ولكنهم يفرحون بعرجه وهو يتمايل إلى هنا وهناك. وهذا منتهى القساوة إذ ليس في قلوبهم أي شعور بالمؤاساة والعطف. هم أصحاب السوء الذين يهزأون بنكبات الآخرين وضيقاتهم. بل فعلوا أكثر من ذلك إذ تطاولوا بالشتم مجتمعين هازئين بل قرنوا كلامهم المهين بالأذية وتمادوا في غيهم ولم يرعووا عن ضلالهم.

(١٦) إن هؤلاء قد أظهروا العداوة لغير سبب. وهنا يشبههم بالكلاب التي تتهارش من أجل لقمة أو كعكة وهنا منتهى التحقير ويحرقون أسنانهم ويظهرون الانتقام لضيق صدروهم وعدم اتساعها لأي عطف أو رحمة أو محبة.

بنو الدينا بجهل عظموها فعزّت عندهم وهي الحقيرة
يهارش بعضهم بعضاً عليها مهارشة الكلاب على العقيرة


«١٧ يَا رَبُّ، إِلَى مَتَى تَنْظُرُ؟ ٱسْتَرِدَّ نَفْسِي مِنْ تَهْلُكَاتِهِمْ، وَحِيدَتِي مِنَ ٱلأَشْبَالِ. ١٨ أَحْمَدُكَ فِي ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْكَثِيرَةِ. فِي شَعْبٍ عَظِيمٍ أُسَبِّحُكَ. ١٩ لاَ يَشْمَتْ بِي ٱلَّذِينَ هُمْ أَعْدَائِي بَاطِلاً، وَلاَ يَتَغَامَزْ بِٱلْعَيْنِ ٱلَّذِينَ يُبْغِضُونَنِي بِلاَ سَبَبٍ. ٢٠ لأَنَّهُمْ لاَ يَتَكَلَّمُونَ بِٱلسَّلاَمِ، وَعَلَى ٱلْهَادِئِينَ فِي ٱلأَرْضِ يَتَفَكَّرُونَ بِكَلاَمِ مَكْرٍ. ٢١ فَغَرُوا عَلَيَّ أَفْوَاهَهُمْ. قَالُوا: هَهْ هَهْ! قَدْ رَأَتْ أَعْيُنُنَا. ٢٢ قَدْ رَأَيْتَ يَا رَبُّ. لاَ تَسْكُتْ يَا سَيِّدُ. لاَ تَبْتَعِدْ عَنِّي».

(١٧) لقد عيل صبره ولا يستطيع الانتظار لذلك يسأل إلى متى؟ ويطلب ان يسترد الرب نفسه من مكايدهم. والتهلكات بالأخص هي في الجمع لكي يعطيها توكيداً ومبالغة فإن هؤلاء الأعداء لم يكتفوا مرة واحدة بأن يسيئوا إليه ويؤذوه بل جربوها مرات عديدة. ووحيدته هي نفسه يطلب نجاته من هؤلاء الوحوش الفاتكة التي لا ترحم.

(١٨) هنا يفاخر بذكره لإلهه أمام الناس جميعاً فهو يحمده ويسبح له ويرى بذلك مدعاة لسلامه وطمأنينته. لقد كان بين أولئك الأعداء في هم مقيم وهو الآن يريد أن يشهد بخلاص الرب أمام كل الناس ولا يتهيب من أحد ولا يتراجع قط بل يزداد رسوخاً في الإيمان.

(١٩) الشماتة في الأعداء تسبب أعظم الغيظ والكدر. وإن شماتتهم لا حق لهم فيها بل هي لأمور وهمية باطلة. بل هم يتمادون في غيهم ويتغامزون في عيونهم ولا يتوروعون من شيء. وسبب حنقه منهم أنهم يضمرون له السوء بلا سبب معقول. لذلك فعداوتهم عن خساسة ودناءة.

(٢٠) إن بعض الأعداء يتكلمون مملقين على الأقل أما هؤلاء فحتى كلامهم لا يحوي شيئاً من السلام. فهم إذاً في القول والفعل للخصام فقط. وأذيتهم تلحق أولئك الوادعين الهادئين الذين لا يؤذون أحداً ومع ذلك يمكرون عليهم وهنا منتهى الشر والقحة.

(٢١) إن فاغري الأفواه هم المتشوقون بكلام التعظم والكبرياء وقد تمادوا في السخرية والتهكم ولم يقفوا عند أي حد. وهم يدعون أنهم رأوا أمراً فرياً عليه قد يمسكونه به ويتهمونه ببعض الأمور كذباً وبهتاناً. وقوله هه هه للتعبير عن ذلك الفرح الرديء حينما يكون العدو في ضيق أو مصيبة.

(٢٢) ولكنه يستنجد بالله ويسلمه أمره تماماً. لقد خاب ظنه بالناس جميعاً الذين تحولوا ضده للإساءة والهزء فكيف يستطيع أن يعتمد عليهم أو يركن إليهم. فهو يرجو الله أن لا يسكت عن دعواه لأنه يحامي عن المسكين والمظلوم ولا يهدأ حتى يرجع الحق إلى نصابه ويجازي الشرير عن كل شره الذي اقترفه.

«٢٣ ٱسْتَيْقِظْ وَٱنْتَبِهْ إِلَى حُكْمِي، يَا إِلٰهِي وَسَيِّدِي إِلَى دَعْوَايَ. ٢٤ ٱقْضِ لِي حَسَبَ عَدْلِكَ يَا رَبُّ إِلٰهِي فَلاَ يَشْمَتُوا بِي. ٢٥ لاَ يَقُولُوا فِي قُلُوبِهِمْ: هَهْ! شَهْوَتُنَا. لاَ يَقُولُوا: قَدِ ٱبْتَلَعْنَاهُ! ٢٦ لِيَخْزَ وَلْيَخْجَلْ مَعاً ٱلْفَرِحُونَ بِمُصِيبَتِي. لِيَلْبِسِ ٱلْخِزْيَ وَٱلْخَجَلَ ٱلْمُتَعَظِّمُونَ عَلَيَّ. ٢٧ لِيَهْتِفْ وَيَفْرَحِ ٱلْمُبْتَغُونَ حَقِّي، وَلْيَقُولُوا دَائِماً: لِيَتَعَظَّمِ ٱلرَّبُّ ٱلْمَسْرُورُ بِسَلاَمَةِ عَبْدِهِ. ٢٨ وَلِسَانِي يَلْهَجُ بِعَدْلِكَ. ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ بِحَمْدِكَ».

(٢٣) يطلب من الله أن يسرع لنجدته ويستيقظ للأخذ بناصره ولكي يثأر من أعدائه المحيطين به. يريد من الله أن يجلس عل منصة الحكم. ويلتمس من السيد أن يقضي له في دعواه.

(٢٤) وهذا القضاء ليكن حسب عدله تعالى لأن البشر لا عدل عندهم فقد اختبرهم المرنم اختباراً مراً ولذلك فهو يستغيث ويستنجد بعدل المولى الإلهي فقط. ويهمه أن لا يشمتوا به ولا يهزأوا بإلهه كإنما يصح قولهم أن الرب لا يسمع ولا يهتم بالبائس والمسكين نظيره.

(٢٥) وهكذا لا يستطيعون أن يحققوا رغبتهم فيه ولا أن ينالوا شهواتهم منه. حتى أنهم لا يقولون ولا في سرهم أيضاً أننا قد غلبناه وانتصرنا فهو ليس لقمة سائغة في أفواههم ليبتلع بسهولة بل ليكن شوكة وحسكة لأن الرب عاضده ولن يسقط أبداً. قصدهم أن يخفوه من الوجود بتاتاً وهذا ما يقصده بالابتلاع.

(٢٦) بل ليرد الله كيدهم في نحرهم وليجازهم عما جنته أيديهم. وهكذا يصبحون في خجل لأنهم تعظموا لذلك يسقطون إلى الأعماق ويضمحلون كسحابة صيف عابرة.

(٢٨) وفي الوقت ذاته يلتفت للذين يطلبون حق الله ويدافعون عنه ويلتمس منهم أن يهتفوا ويفرحوا. ثم ليكن فرحهم بالرب فقط لأنه هو الذي يهتم بسلامة عبده المتوكل عليه لا شك أن هؤلاء الذين يفرحون معه قليلون بالعكس عن أولئك الذين يفرحون بأذيته فهم كثيرون. ولكن ماذا يهمه وعليه كما عليهم أن يشتركوا معاً بحمد الرب وتسبيحه لأجل خلاصه.

(٢٩) ثم يعود لنفسه ويختلي بها مع إلهه بعد طوافه الطويل مع الناس حواليه من كل جانب ويرى عدل الله متجلياً أمامه فهو لم يفقد الشجاعة. ولم يعدم الصبر وطول الأناة. بل يرى أن يكرر الحمد والتسبيح وليكن ذلك ختام يومه. فإن قلبه مفعم بهذا السرور الغالب وماذا يستطيع الناس أن يقاوموه أو يطالوه بأي شيء (راجع مزمور ٧١: ٢٤).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى