سفر المزامير

سفر المزامير | 144 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلرَّابِعُ وَٱلأَرْبَعُونَ

لِدَاوُدَ

«١ مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ صَخْرَتِي ٱلَّذِي يُعَلِّمُ يَدَيَّ ٱلْقِتَالَ وَأَصَابِعِي ٱلْحَرْبَ. ٢ رَحْمَتِي وَمَلْجَإِي، صَرْحِي وَمُنْقِذِي، مِجَنِّي وَٱلَّذِي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، ٱلْمُخْضِعُ شَعْبِي تَحْتِي. ٣ يَا رَبُّ، أَيُّ شَيْءٍ هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَعْرِفَهُ، أَوِ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ حَتَّى تَفْتَكِرَ بِهِ؟ ٤ ٱلإِنْسَانُ أَشْبَهَ نَفْخَةً. أَيَّامُهُ مِثْلُ ظِلٍّ عَابِرٍ».

في هذا المزمور طلب الشجاعة والعون من السماء قبل الشروع في معركة حربية فاصلة. وهو يصور لنا بركة الرب على شعبه الذين يسمعون صوته ويتممون إرادته. وقد ذهب بعض المفسرين أن هذا المزمور ينتهي بالعدد الحادي عشر وأما بقية الأعداد حتى النهاية فهي مأخوذة من محل آخر. ولكننا لا نستطيع نسبتها إلى أحد المزامير السابقة أو اللاحقة. وأما هتزج فيظن أنه يمكن وضعها ما بين العدد الثالث عشر والرابع عشر من (المزمور ١٤٧). والذي يشجع على هذا الزعم هو عدم وجود أية علاقة بين هذه الأعداد الأخيرة وهذا المزمور ١٤٤ الذي بين أيدينا.

(١ – ٢) إن هذين العددين يتمثلان بمزمور الحمد الثامن عشر العظيم المنسوب إلى داود فيدعو الرب صخرته كما في (مزمور ١٨: ٣ و٤٧). ثم نلاحظ عدداً من الكلمات المألوفة كما ورد في (٢صموئيل ٢٢: ٢) وقوله يعلم يدي القتال فمذكور في (مزمور ١٨: ٣٥). وكذلك في بقية العدد الثاني نجد ما يماثله في (إشعياء ٤٥: ١ و٤١: ٢) وكذلك نجد أمثال ذلك في (٢صموئيل ٢٢: ٤٨). وقد ذهب البعض أن ما ورد في هذا العدد موجود بصورة خاصة في ثلاثة مواضع هي في هذا المزمور وفي (٢صموئيل ٢٢: ٤٤ وأيضاً في المراثي ٣: ١٤).

(٣ – ٤) أيضاً نجد أن العدد الثالث هو ما ورد في (مزمور ٨: ٥) مع بعض تحريف قليل. وكذلك نجد العدد الرابع هو ما ورد في (مزمور ٣٩: ٦ وما يتبعه والعدد ١١ ثم قابله مع مزمور ٦٢: ١٠) وقوله الظل العابر هو أيضاً كما ورد في (مزمور ١٠٢: ١٢ ويقابله ١٠٩: ٢٣) ولا نجد علاقة كبيرة بين العدد الثاني والثالث بل نجد الأعداد متقطعة إلى حد كبير.

«٥ يَا رَبُّ، طَأْطِئْ سَمَاوَاتِكَ وَٱنْزِلِ. ٱلْمِسِ ٱلْجِبَالَ فَتُدَخِّنَ. ٦ أَبْرِقْ بُرُوقاً وَبَدِّدْهُمْ. أَرْسِلْ سِهَامَكَ وَأَزْعِجْهُمْ. ٧ أَرْسِلْ يَدَكَ مِنَ ٱلْعَلاَءِ. أَنْقِذْنِي وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْمِيَاهِ ٱلْكَثِيرَةِ، مِنْ أَيْدِي ٱلْغُرَبَاءِ ٨ ٱلَّذِينَ تَكَلَّمَتْ أَفْوَاهُهُمْ بِٱلْبَاطِلِ، وَيَمِينُهُمْ يَمِينُ كَذِبٍ. ٩ يَا اَللّٰهُ، أُرَنِّمُ لَكَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً. بِرَبَابٍ ذَاتِ عَشَرَةِ أَوْتَارٍ أُرَنِّمُ لَكَ. ١٠ ٱلْمُعْطِي خَلاَصاً لِلْمُلُوكِ. ٱلْمُنْقِذُ دَاوُدَ عَبْدَهُ مِنَ ٱلسَّيْفِ ٱلسُّوءِ».

(٥ – ٨) لا شك أن الناظم هنا يضع المزمور ١٨ في باله تماماً. وما يجده فيه من حوادث جسام وعجائب أجراها الله مع شعبه في القديم إذا بها في هذا المزمور مواضيع للصلاة والابتهال مما يدل على أن الكتابة قد جرت بعد المزمور ١٨ بزمان طويل. وهو يشير في العدد الخامس إلى وقت إنزال الشريعة. بينما نجد العدد السادس يشير إلى حوادث عبور البحر الأحمر حينما نجّى الله شعبه وأطبق بلججه العظيمة على الأعداء. وقوله في العدد السابع «نجني من المياه الكثيرة» فمأخوذة حرفاً بحرف من (مزمور ١٨: ١٧). هؤلاء الأعداء الذين يطلب من الله أن ينقذه منهم. فقد رفعوا أيديهم إلى العلاء وهم يقسمون يميناً كاذبة. يتكلمون بأفواههم بالباطل ويضمرون أموراً أخرى في قلوبهم.

(٩ – ١١) ينادي الله في بدء هذا العدد وهنا يذكرنا (مزمور ٣٣: ٢) وفي العدد العاشر نجد المرنم يذكر اسم داود وهذا تقليد لما ورد في (مزمور ١٨: ٥١). ونجد أن هذا المزمور بعد أن يكون مزمور حمد وشكران إذا به يتحول ليكون مزمور التماس بركات من الله. وهو يرنم ترنيمة جديدة دليلاً على هذا الشكر العميم وهو يستعين بذات عشرة الأوتار لكي يزيد جمال الترنيم جمالاً. هذا الإله الذي يعطي الخلاص لعبده وينجي الملوك. وأعظم نجاة لهم هو أن يخلصوا من السيوف التي تستعمل للشر والنقمة. لأن أغلب الملوك يموتون اغتيالاً وعدوناً وهكذا ينجي الله عبده داود من كل شر ويوليه نصراً (راجع ٢ملوك ٥: ١ و١صموئيل ١٧: ٤٧).

«١١ أَنْقِذْنِي وَنَجِّنِي مِنْ أَيْدِي ٱلْغُرَبَاءِ ٱلَّذِينَ تَكَلَّمَتْ أَفْوَاهُهُمْ بِٱلْبَاطِلِ، وَيَمِينُهُمْ يَمِينُ كَذِبٍ. ١٢ لِكَيْ يَكُونَ بَنُونَا مِثْلَ ٱلْغُرُوسِ ٱلنَّامِيَةِ فِي شَبِيبَتِهَا. بَنَاتُنَا كَأَعْمِدَةِ ٱلزَّوَايَا مَنْحُوتَاتٍ حَسَبَ بِنَاءِ هَيْكَلٍ. ١٣ أَهْرَاؤُنَا مَلآنَةً تَفِيضُ مِنْ صِنْفٍ فَصِنْفٍ. أَغْنَامُنَا تُنْتِجُ أُلُوفاً وَرَبَوَاتٍ فِي شَوَارِعِنَا. ١٤ بَقَرُنَا مُحَمَّلَةً. لاَ ٱقْتِحَامَ وَلاَ هُجُومَ وَلاَ شَكْوَى فِي شَوَارِعِنَا. ١٥ طُوبَى لِلشَّعْبِ ٱلَّذِي لَهُ كَهٰذَا. طُوبَى لِلشَّعْبِ ٱلَّذِي ٱلرَّبُّ إِلٰهُهُ».

(١٣) في هذا العدد والأعداد التي تليه نرى ملحقاً لهذا المزمور. وإذا حسبنا الأعداد الأولى مأخوذة من مزامير أخرى فلا عجب أن تكون هذه الأعداد قد ألحقت هنا كما نلاحظ مثل ذلك في مواضع كثيرة في العهد القديم (راجع قضاة ٩: ١٧ وإرميا ١٦: ١٣) وغيرها كثير لا محل لذكره الآن.

يذكر أولاً البنين الذين ينمون كالأغراس فهم عنوان القوة والنشاط بهم يعتز البيت ويحمي من مخاطر الأعداء. وأما البنات فهن عنوان الجمال والترتيب هن حجارة الزوايا التي تربط بين حائط وآخر. وهكذا تفعل الأبنة الحكيمة حينما ترتبط بالزواج المقدس مع شريك حياتها فتجعل من العائلتين عائلة واحدة، وهي تبني كذلك ليس بشكل بسيط معتاد بل كما تبني أعظم المباهي وأجملها وهي الهياكل ذاتها. ويصف الخير الموجود فإذا المخازن القروية مملوءة بأنواع الحبوب على أصنافها لحياة الإنسان والحيوان. كما أن الأغنام هي كثيرة حتى تعج الشوارع بسيرها فيها. وكذلك فالبقر هي منتجة أيضاً بكثرة دون أن يصيبها ضرر من أمراض وأوبئة كما تصيب الأنعام والماشية في مختلف أنحاء بلدان الشرق حتى اليوم أيضاً. كما أنها محمية من الله فلا تهجم عليها الوحوش الضارية وتفتك بها لأن الله قد باركها وهكذا يكون الخير في الشوارع بدلاً من التذمر والشكوى.

وأخيراً في العدد ١٥ يطوب هذا الشعب الذي ينال مثل هذا الخير العميم إن من جهة البنين والبنات أو الغلال والمواسم أو الغنم والماشية وهذا منتهى الكرامة والغنى حسب العادات الشرقية منذ القديم إلى الآن – هو شعب مخصص لله لذلك ينال حظا سعيداً موفوراً وتكون له النعمة كاملة عميقة (راجع مزمور ٣٢: ١٢).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى