سفر المزامير

سفر المزامير | 135 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلْخَامِسُ وَٱلثَّلاَثُونَ

«١ هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا ٱسْمَ ٱلرَّبِّ. سَبِّحُوا يَا عَبِيدَ ٱلرَّبِّ، ٢ ٱلْوَاقِفِينَ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ، فِي دِيَارِ بَيْتِ إِلٰهِنَا. ٣ سَبِّحُوا ٱلرَّبَّ لأَنَّ ٱلرَّبَّ صَالِحٌ. رَنِّمُوا لٱسْمِهِ لأَنَّ ذَاكَ حُلْوٌ. ٤ لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدِ ٱخْتَارَ يَعْقُوبَ لِذَاتِهِ، وَإِسْرَائِيلَ لِخَاصَّتِهِ».

مما لا شك فيه أن هذا المزمور ١٣٥ ينضم مع المزمور لاحقه ١٣٦ بصورة طبيعية وليس الأمر كذلك مع المزمورين ١١٥ و١١٦ فإن ما ذهب إليه بعضهم هو وهم مسبب لأن هذين المزمورين بلا عنوان ويوجد رابطة عظيمة تربط ما بين المزمور ١٣٥ ورفيقه ١٣٦ كما وأن ما ورد في المزمور ١١٥ نجده هنا بأكثر تفصيل وهو من مزامير هللويا لتسبيح اسم الرب وهو في بداءته كما في ختامه أيضاً يظهر رحمة الرب ويطلب من الشعب أن يباركوا اسم الرب. وهذا المزمور أشبه شيء بالفسيفساء التي تضم قطعاً كثيرة من أسفار الشريعة والأنبياء والمزامير ولكنها تجعلها بصورة جميلة تأخذ بمجموع القلوب.

(١ – ٤) يبدأ كالمزمور السابق العدد ١ كما وأن العدد الثاني يعيد إلى أذهاننا (مزمور ١١٦: ١٩ وقابله مزمور ٩٢: ١٤) كما وأن العدد ٤ هو صدى ما ورد في (تثنية ٦). وهو يدعو عبيد الرب ولا يعني بهم فقط الكهنة واللاويين الذين في الهيكل. يذكر اسم الرب ثلاث مرات في العددين الأول والثاني ثم يذكره مرة في العدد الثالث ومرة في العدد الرابع. ذلك لأن التسبيح صالح والترنيم حلو وهذان يدلان على عمق الاختبار الروحي لأن من فضلة القلب يتكلم اللسان. فالمؤمن يعبد الرب سعيداً مسروراً ويتحول كلامه إلى نغمات طيبة عذبة ترتفع إلى عرش الله.

والمرنم الإسرائيلي لا غش فيه فهو لا يستطيع أن يتغاضى عن تلك الحقيقة الماثلة أمام عينيه بأن الرب قد اختار شعبه وأعطاهم امتيازات وهذه تجبرهم أن يعبدوا الرب ويذيعوا اسمه إلى كل مكان.

«٥ لأَنِّي أَنَا قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ ٱلرَّبَّ عَظِيمٌ، وَرَبَّنَا فَوْقَ جَمِيعِ ٱلآلِهَةِ. ٦ كُلَّ مَا شَاءَ ٱلرَّبُّ صَنَعَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَفِي ٱلأَرْضِ، فِي ٱلْبِحَارِ وَفِي كُلِّ ٱللُّجَجِ. ٧ ٱلْمُصْعِدُ ٱلسَّحَابَ مِنْ أَقَاصِي ٱلأَرْضِ. ٱلصَّانِعُ بُرُوقاً لِلْمَطَرِ. ٱلْمُخْرِجُ ٱلرِّيحَ مِنْ خَزَائِنِهِ. ٨ ٱلَّذِي ضَرَبَ أَبْكَارَ مِصْرَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِلَى ٱلْبَهَائِمِ. ٩ أَرْسَلَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ فِي وَسَطِكِ يَا مِصْرُ عَلَى فِرْعَوْنَ وَعَلَى كُلِّ عَبِيدِهِ. ١٠ ٱلَّذِي ضَرَبَ أُمَماً كَثِيرَةً وَقَتَلَ مُلُوكاً أَعِزَّاءَ. ١١ سِيحُونَ مَلِكَ ٱلأَمُورِيِّينَ، وَعُوجَ مَلِكَ بَاشَانَ، وَكُلَّ مَمَالِكِ كَنْعَانَ».

(٥ – ٧) في هذه الأعداد الثلاثة يبدأ هذا التسبيح الذي نوّه عنه في ما سبق. فالمرنم يذكر على مسامعنا شيئاً من اختباراته الشخصية إذ يؤكد أن الرب هو فوق جميع الآلهة وكأنه ضمناً يعترف بالآلهة الغريبة ولكنها أقل شأناً من الرب. وإله إسرائيل وحده هو قبل هذه الآلهة جميعها. ذلك لأنه يصنع ما يشاء إن في السموات أو في الأرض أو في البحر أو وسط اللجج المائية العظيمة. فهو إله كل مكان ويملأها جميعاً بمجده وجلاله. ويستلفت نظرنا إلى مرأى الغيوم الصاعدة وكلمح البصر يصور لنا البروق التي تلمع في الآفاق ونكاد نسمع هبوب الرياح كأنها كانت في خزائن محفوظة وقد أفلتت الآن لكي تهب على وجه الأرض. وقد جمع في العدد السادس ثلاثة أشياء خطيرة السماء والأرض والبحر كما جمع في العدد السابع ثلاثة أشياء عجيبة وهي السحب والبروق والرياح وهي تعطي الأمطار أيضاً.

(٨ – ١١) وهو مستحق التسبيح ليس فقط بالنسبة لعظمته في مخلوقاته بل بالنسبة لما فعله مع شعبه. تلك الحادثة الخطيرة التي أوجدت التاريخ المقدس لشعب الله (راجع مزمور ١١٦: ١٩ وقابله مع مزمور ١٠: ٢٧) فإن خروج الشعب من أرض العبودية لا يجوز أن ينسى قط. ويذكرنا بصورة خاطفة بالآيات التي صنعها الرب هناك وتناولت هذه بدورها الناس والبهائم حتى اعتبر بها فرعون وكل عبيده.

وليس ذلك فقط بل هو الإله الذي رافق شعبه إلى أرض الموعد نفسها وقتل من أجل شعبه ملوكاً عظماء وأذل أقواماً كبراء. فيذكر سيحون ملك الأموريين وعوج ملك باشان (موران) بل يذكرنا ببقية الأمكنة الأخرى في أرض الكنعانيين (راجع تثنية ٣: ٢١ وأيضاً تثنية ٤: ٣٨ وأيضاً تثنية ٣: ٨).

«١٢ وَأَعْطَى أَرْضَهُمْ مِيرَاثاً، مِيرَاثاً لإِسْرَائِيلَ شَعْبِهِ. ١٣ يَا رَبُّ، ٱسْمُكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ. يَا رَبُّ، ذِكْرُكَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. ١٤ لأَنَّ ٱلرَّبَّ يَدِينُ شَعْبَهُ، وَعَلَى عَبِيدِهِ يُشْفِقُ. ١٥ أَصْنَامُ ٱلأُمَمِ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ، عَمَلُ أَيْدِي ٱلنَّاسِ. ١٦ لَهَا أَفْوَاهٌ وَلاَ تَتَكَلَّمُ. لَهَا أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُ. ١٧ لَهَا آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُ. كَذٰلِكَ لَيْسَ فِي أَفْوَاهِهَا نَفَسٌ! ١٨ مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا وَكُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا. ١٩ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، بَارِكُوا ٱلرَّبَّ. يَا بَيْتَ هَارُونَ، بَارِكُوا ٱلرَّبَّ».

(١٢ – ١٤) وقد فعل الرب هذه العظائم لأجل غاية جليلة في نظر المرنم ألا وهي أن تكون الأرض كلها ميراثاً لشعب الله. وهذه الفكرة قد تغلغلت عميقاً في قلوب بني إسرائيل حتى لا يستطيعوا أن ينسوها مدى الزمان ونجدهم الآن في العصر الحديث يوجد فكرة الصهيونية التي في أساسها مستمدة من أقوال كهذه تجعل الأرض المقدسة ملكاً لهم ولو كان في ذلك أن يطردوا بقية الأمم ويأخذوا مكانها وفي هذا الكلام تعصب لا مزيد عليه. وهو يجعل أن إسرائيل هو شعب الله فقط ولو رمينا بقية الشعوب جانباً وهوذا الأمم العربية اليوم سنة ١٩٤٨ تحتمل الأمرين من فكرة فظيعة كهذه.

إن هذا الإله ثابت في كل الزمان لأن اسمه يبقى وذكره يتردد على كل شفة ولسان. هو إله لشعبه ويشفق عليه إلى الأبد (راجع خروج ٣: ١٥ وأيضاً تثنية ٣٢: ٣٦ وقابله مع مزمور ٩٠: ١٣).

(١٥ – ١٩) يعطينا في هذه الأعداد التالية تفضيلاً بارعاً لدعم ما ذهب إليه من وجوب عبادة هذا الإله وتسبيح اسمه. بل يعطينا مقابلة مفصلة بين هذا الإله وبين أصنام الأمم. فإن الأصنام مصنوعة والله صانع خالق هي عمل البشر بينما الله قد خلق البشر. وما الأصنام سوى تشابيه للحقائق لأن أفواهها لا تتكلم وعيونها لا تبصر وآذانها لا تسمع ولا حياة فيها ولا نفس يخرج منها وكذلك هم عابدوها والذين صنعوها من جهة مجازية إذ كيف يستطيعون الاتكال عليها وهذا حالتها (راجع ١صموئيل ٢١: ٩).

ثم يلتفت التفاتة سريعة بعد أن دعم أقواله السابقة بالبراهين الحسية عن تلك الأصنام التي لا تجدي نفعاً ويقدم نصيحته إلى شعب الرب بأن يحمدوا اسم الرب فقط ويباركوه على الدوام لأنه وحده مستحق هذا التمجيد وهذه البركة إذا شاءوا الحياة لأنفسهم والحرية والكرامة لأولاده من بعدهم. ويستنجدوا بالكهنة إذ هم بيت هارون ويطلب منهم أن يكونوا القدوة في مثل هذه العبادة ولا يتراجعوا كما تراجع هارون ذاته حينما أقام لهم العجل الذهبي لكي يعبدوه في البرية ونسوا موسى على رأس الجبل وما يحمله لهم من شريعة الرب.

«٢٠ يَا بَيْتَ لاَوِي، بَارِكُوا ٱلرَّبَّ. يَا خَائِفِي ٱلرَّبِّ، بَارِكُوا ٱلرَّبَّ. ٢١ مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ مِنْ صِهْيَوْنَ، ٱلسَّاكِنُ فِي أُورُشَلِيمَ. هَلِّلُويَا».

(٢٠ – ٢١) وفي العدد العشرين يذكر أيضاً بيت لاوي إجمالاً ويطلب منهم ما طلبه من بيت هارون لأنهم مطالبون مثل أولئك بأن يذيعوا الحمد ويقدموا الشكر لأجل كل العظائم التي فعلها الرب مع شعبه. بل هو يذكر جميع خائفي الرب أكانوا كهنة أم لاويين أم من عامة الشعب بهذا الواجب المقدس أمامهم. وهذه الدعوة للبركة مثلثة كما رأينا (راجع مزمور ١١٥: ٩ – ١١ ومزمور ١١٨: ٢ – ٤) وأخيراً يصل إلى المركز وهو الهيكل القائم وعلى رمزه في صهيون وهكذا فينتشر تمجيد الرب من هذا المركز المرتفع فيتمجد اسمه ويسبح له لأنه الإله الحقيقي القدير وحده فيا أيها المؤمنون اهتفوا جميعاً هللويا.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى