سفر العدد | 22 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر العدد
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ
١ «وَٱرْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَنَزَلُوا فِي عَرَبَاتِ مُوآبَ مِنْ عَبْرِ أُرْدُنِّ أَرِيحَا».
ص ٣٣: ٤٨
عَرَبَاتِ مُوآبَ أو سهول موآب وهي تمتد من بيت يشيموت (أي بيت القفار) إلى آبل شطيم (أي روضة الأقاسيا أو القرظ) (ص ٣٣: ٤٩). وفي أعلى عربات موآب ما يُعرف اليوم بالغور. وكانت هذه السهول لموآب واستولى عليها الإسرائيليون من يوم انتصارهم على الموآبيين.
عَبْرِ أُرْدُنِّ أَرِيحَا لفظة العبر لا تعين جانب الأردن المقصود (انظر ص ٣٢: ١٩) فإنه ذُكر فيها العبر مرتين فجاءت الأولى بمعنى «على ذلك الجانب» والثانية بمعنى «على هذا الجانب»). (أنظر تثنية ١: ١ والتفسير وإشعياء ٩: ١).
٢، ٣ «٢ وَلَمَّا رَأَى بَالاَقُ بْنُ صِفُّورَ جَمِيعَ مَا فَعَلَ إِسْرَائِيلُ بِٱلأَمُورِيِّينَ، ٣ فَزَعَ مُوآبُ مِنَ ٱلشَّعْبِ جِدّاً لأَنَّهُ كَثِيرٌ، وَضَجَرَ مُوآبُ مِنْ قِبَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
قضاة ١١: ٢٥ خروج ١٥: ١٥
فَزَعَ مُوآبُ مِنَ ٱلشَّعْبِ ما كان من داع لهذا الفزع لأن الله قال لموسى «لاَ تُعَادِ مُوآبَ وَلاَ تُثِرْ عَلَيْهِمْ حَرْباً» (تثنية ٢: ٩). ولم يظهر أن بالاق عرف ذلك النهي على أن انتصار الإسرائيليين ملأ قلوب الموآبيين رعباً ولا سيما حين أرسل إسرائيل إلى ملك موآب يسأله الإذن في أن يمرّ في أرضه فلم يأذن له (قضاة ١١: ١٧).
٤ «فَقَالَ مُوآبُ لِشُيُوخِ مِدْيَانَ: ٱلآنَ يَلْحَسُ ٱلْجُمْهُورُ كُلَّ مَا حَوْلَنَا كَمَا يَلْحَسُ ٱلثَّوْرُ خُضْرَةَ ٱلْحَقْلِ. وَكَانَ بَالاَقُ بْنُ صِفُّورَ مَلِكاً لِمُوآبَ فِي ذٰلِكَ ٱلزَّمَانِ».
ص ٣١: ٨ ويشوع ١٣: ٢١
فَقَالَ مُوآبُ لِشُيُوخِ مِدْيَانَ المظنون أن بالاق كان مديانياً صار ملك الموآبيين بانتصار الأموريين عليهم (قابل بهذا ص ٢١: ٢٦). ويُستنتج من كلمات الآية إن دولة الموآبيين كانت قد تغيرت يومئذ.
كَمَا يَلْحَسُ ٱلثَّوْرُ خُضْرَةَ ٱلْحَقْلِ هذا يدل على أن الموآبيين كانوا رعاة وأرباب ماشية.
٥ «فَأَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى بَلْعَامَ بْنِ بَعُورَ، إِلَى فَتُورَ ٱلَّتِي عَلَى ٱلنَّهْرِ فِي أَرْضِ بَنِي شَعْبِهِ لِيَدْعُوَهُ قَائِلاً: هُوَذَا شَعْبٌ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِصْرَ. هُوَذَا قَدْ غَشَّى وَجْهَ ٱلأَرْضِ، وَهُوَ مُقِيمٌ مُقَابِلِي».
تثنية ٢٣: ٤ ويشوع ١٣: ٢٢ و٢٤: ٩ ونحميا ١٣: ١ و٢ وميخا ٦: ٥ و٢بطرس ٢: ١٥ ويهوذا ١١ ورؤيا ٢: ١٤ ص ٢٣: ٧ وتثنية ٢٣: ٤
بَلْعَامَ بْنِ بَعُورَ المرجّح أن بلعام مشتق من بلع بزيادة أم وهو الشعب فيكون الاسم منقولاً عن جملة معناها بلع الشعب. وبعور من بَعَر أي أتلف وأهلك. وظُن أن معنى كل ما ذُكر يدل على أن بلعام كان من أسرة ساحرة يرث الخلف منها العرافة عن السلف. ووصف في سفر يشوع بالعراف وهو ترجمة «قوسم» العبرانية ويراد به الذي لا يسمح له بالإقامة بين بني إسرائيل ويقال فيه أنه مكروه عند الرب. وكان من أمره كذلك عندهم العراف والعائف والمتفائل والساحر (انظر تثنية ١٨: ١٠ – ١٢). وجاء في رسالة بطرس الرسول الثاني أنه «بالاق بن بصور» فرأى بعضهم أن العلة اختلاف الناس في لفظ العين (فإنها حلقية إذا بولغ في لفظها كره سمعها فكان كثيرون من اليهود يبدلونها بالصاد دفعاً لتلك الكراهة فجرى الرسول على سننهم. وقال بعض المفسرين أن بعور وبصور اسمان للمسمى الواحد (وهذا لا ينفي القول الاول وهو العدول إلى بصور دفعاً لما في بعور من كراهة السمع).
إِلَى فَتُورَ ٱلَّتِي عَلَى ٱلنَّهْرِ كانت فتور في ميسوباتاميا (ص ٢٣: ٧) حيث كان لوط (الذي تسلسل الموآبيين منه) يسكن (تكوين ١٢: ٥). فالنهر المذكور هنا هو نهر الفرات (انظر تكوين ١٥: ١٨ و٣١: ٢١ وخروج ٢٣: ٣١ و٢أيام ٩: ٢٦).
غَشَّى وَجْهَ ٱلأَرْضِ (قابل بهذا خروج ١٠: ١٥).
٦ «فَٱلآنَ تَعَالَ وَٱلْعَنْ لِي هٰذَا ٱلشَّعْبَ لأَنَّهُ أَعْظَمُ مِنِّي. لَعَلَّهُ يُمْكِنُنَا أَنْ نَكْسِرَهُ فَأَطْرُدَهُ مِنَ ٱلأَرْضِ. لأَنِّي عَرَفْتُ أَنَّ ٱلَّذِي تُبَارِكُهُ مُبَارَكٌ وَٱلَّذِي تَلْعَنُهُ مَلْعُونٌ».
ص ٢٣: ٧
وَٱلْعَنْ لِي هٰذَا ٱلشَّعْبَ لا شك في أن بالاق كان يعتقد أن لسحر بلعام تأثيراً عظيماً. ومما يستحق الملاحظة هنا إكرام الله لإسرائيل حتى أجبر بلعام على أن يبارك بدلاً من أن يلعن (تثنية ٢٣: ٥ ويشوع ٢٤: ١٠ ونحميا ١٣: ٢).
٧ «فَٱنْطَلَقَ شُيُوخُ مُوآبَ وَشُيُوخُ مِدْيَانَ، وَحُلْوَانُ ٱلْعِرَافَةِ فِي أَيْدِيهِمْ وَأَتَوْا إِلَى بَلْعَامَ وَكَلَّمُوهُ بِكَلاَمِ بَالاَقَ».
١صموئيل ٩: ٧ و٨
شُيُوخُ مُوآبَ وَشُيُوخُ مِدْيَانَ هذا يدل دلالة قاطعة على المحالفة والاتحاد بين الأمتين.
حُلْوَانُ ٱلْعِرَافَةِ أو أجرة السحر فإن السحرة كانوا يأخذون أجرة على سحرهم.
٨ «فَقَالَ لَهُمْ: بِيتُوا هُنَا ٱللَّيْلَةَ فَأَرُدَّ عَلَيْكُمْ جَوَاباً كَمَا يُكَلِّمُنِي ٱلرَّبُّ. فَمَكَثَ رُؤَسَاءُ مُوآبَ عِنْدَ بَلْعَامَ».
ع ١٩
بِيتُوا هُنَا ٱللَّيْلَةَ هذا الكلام يدل على سجيّة بلعام وعلى أنه يدعي النبوءة لا السحر. أما دلالته على سجيته فهو أنه لم يكن يريد أن يلعن الشعب الذي اختاره الله لنفسه. وأما دلالته على ادعاء النبوءة فهو ما يأتي.
كَمَا يُكَلِّمُنِي ٱلرَّبُّ وفي العبرانية كما يكلمني يهوه فكان بلعام يعرف هذا الاسم كالعبرانيين.
٩ «فَأَتَى ٱللّٰهُ إِلَى بَلْعَامَ وَقَالَ: مَنْ هُمْ هٰؤُلاَءِ ٱلرِّجَالُ ٱلَّذِينَ عِنْدَكَ؟».
تكوين ٢٠: ٣ وع ٢٠
مَنْ هُمْ هٰؤُلاَءِ ٱلرِّجَالُ ٱلَّذِينَ عِنْدَكَ قوله تعالى لبلعام هنا كقوله لإيليا «ما لك هنا» (١ملوك ١٩: ٩). وقول إشعياء لحزقيا «مَاذَا قَالَ هٰؤُلاَءِ ٱلرِّجَالُ، وَمِنْ أَيْنَ جَاءُوا إِلَيْكَ… ومَاذَا رَأَوْا فِي بَيْتِكَ» (إشعياء ٣٩: ٣ و٤) في كونه لتنبيه المخاطب لا لاستعلام المخاطب وهو هنا لتحذير بلعام من السقوط في الإثم والخطر.
١٠ – ١٢ «١٠ فَقَالَ بَلْعَامُ لِلّٰهِ: بَالاَقُ بْنُ صِفُّورَ مَلِكُ مُوآبَ قَدْ أَرْسَلَ إِلَيَّ يَقُولُ: ١١ هُوَذَا ٱلشَّعْبُ ٱلْخَارِجُ مِنْ مِصْرَ قَدْ غَشَّى وَجْهَ ٱلأَرْضِ. تَعَالَ ٱلآنَ ٱلْعَنْ لِي إِيَّاهُ لَعَلِّي أَقْدِرُ أَنْ أُحَارِبَهُ وَأَطْرُدَهُ. ١٢ فَقَالَ ٱللّٰهُ لِبَلْعَامَ: لاَ تَذْهَبْ مَعَهُمْ وَلاَ تَلْعَنِ ٱلشَّعْبَ، لأَنَّهُ مُبَارَكٌ».
ص ٢٣: ٢٠ ورومية ١١: ٢٩
ٱلشَّعْبُ ٱلْخَارِجُ مِنْ مِصْرَ الخ أي الذي خرج من مصر ولا يزال يسير إلى هذه الأرض وهو كثير جداً حتى كأنه يغطي الأرض (والآية تدل على أن أمر خروج بني إسرائيل من مصر كان قد شاع بين أمم أرض كنعان).
١٣، ١٤ «١٣ فَقَامَ بَلْعَامُ صَبَاحاً وَقَالَ لِرُؤَسَاءِ بَالاَقَ: ٱنْطَلِقُوا إِلَى أَرْضِكُمْ لأَنَّ ٱلرَّبَّ أَبَى أَنْ يَسْمَحَ لِي بِٱلذَّهَابِ مَعَكُمْ. ١٤ فَقَامَ رُؤَسَاءُ مُوآبَ وَأَتَوْا إِلَى بَالاَقَ وَقَالُوا: أَبَى بَلْعَامُ أَنْ يَأْتِيَ مَعَنَا».
أَبَى بَلْعَامُ أَنْ يَأْتِيَ مَعَنَا لم يظهر أن بلعام أنبأ رسل بالاق أن علة إبائته نهي الرب له وإعلان له أن علة نهيه إياه عن لعن إسرائيل كون إسرائيل مباركاً.
١٥ – ١٨ «١٥ فَعَادَ بَالاَقُ وَأَرْسَلَ أَيْضاً رُؤَسَاءَ أَكْثَرَ وَأَعْظَمَ مِنْ أُولَئِكَ. ١٦ فَأَتَوْا إِلَى بَلْعَامَ وَقَالُوا لَهُ: هٰكَذَا قَالَ بَالاَقُ بْنُ صِفُّورَ: لاَ تَمْتَنِعْ مِنَ ٱلْإِتْيَانِ إِلَيَّ، ١٧ لأَنِّي أُكْرِمُكَ إِكْرَاماً عَظِيماً، وَكُلَّ مَا تَقُولُ لِي أَفْعَلُهُ. فَتَعَالَ ٱلآنَ ٱلْعَنْ لِي هٰذَا ٱلشَّعْبَ. ١٨ فَأَجَابَ بَلْعَامُ عَبِيدَ بَالاَقَ: وَلَوْ أَعْطَانِي بَالاَقُ مِلْءَ بَيْتِهِ فِضَّةً وَذَهَباً لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَتَجَاوَزَ قَوْلَ ٱلرَّبِّ إِلٰهِي لأَعْمَلَ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً».
ع ٦ ص ٢٤: ١٣ و١ملوك ٢٢: ١٤ و٢أيام ١٨: ١٣
لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَتَجَاوَزَ قَوْلَ ٱلرَّبِّ هذا الكلام ليس سوى التفاخر انه منزّه عن الميل إلى الأمور العالمية وأنه يتكلم بلا هوىً أو غرضٍ نفساني. ومن المحتمل أن بلعام لم يكن حينئذ سوى آلة لإعلان مشيئة الرب.
١٩ «فَٱلآنَ ٱمْكُثُوا هُنَا أَنْتُمْ أَيْضاً هٰذِهِ ٱللَّيْلَةَ لأَعْلَمَ مَاذَا يَعُودُ ٱلرَّبُّ يُكَلِّمُنِي بِهِ».
ع ٨
ٱمْكُثُوا هُنَا أَنْتُمْ أَيْضاً هٰذِهِ ٱللَّيْلَةَ علم بلعام أن الله ليس بإنسان حتى يكذب وليس بابن إنسان حتى يندم (ص ٢٣: ١٩) ومع ذلك رجا المحال وهو أن الله يسمح له أن يلعن الشعب الذي أعلن الله أنه مبارك.
٢٠، ٢١ «٢٠ فَأَتَى ٱللّٰهُ إِلَى بَلْعَامَ لَيْلاً وَقَالَ لَهُ: إِنْ أَتَى ٱلرِّجَالُ لِيَدْعُوكَ فَقُمِ ٱذْهَبْ مَعَهُمْ. إِنَّمَا تَعْمَلُ ٱلأَمْرَ ٱلَّذِي أُكَلِّمُكَ بِهِ فَقَطْ. ٢١ فَقَامَ بَلْعَامُ صَبَاحاً وَشَدَّ عَلَى أَتَانِهِ وَٱنْطَلَقَ مَعَ رُؤَسَاءِ مُوآبَ».
ع ٩ ع ٣٥ وص ٢٣: ١٢ و٢٦ و٢٤: ١٣
إِنْ أَتَى ٱلرِّجَالُ يحتمل الأصل العبراني لأنه أتى الرجال أو إذ أتى الرجال.
ٱذْهَبْ مَعَهُمْ لا منافاة بين هذا وما في الآية الثانية عشرة فإنه مُنع في (ع ١٢) عن الذهاب للعنة وكان ذلك المنع مقروناً بالرحمة وأما الأذن هنا فمقرون بالنقمة فإنه تعالى كثيراً ما يعاقب على المعصية بإذنه أو تركه العاصي للتعدي ليأكل من ثمرة طريقه ويشبع من مؤامرته (أمثال ١: ٣١) فيعطيه سؤله ويرسل هزالاً في نفسه (مزمور ١٠٦: ٥ قابل بهذا مزمور ٨١: ١٢ وإشعياء ٦٦: ٤ وإرميا ٢: ١٩).
٢٢ «فَحَمِيَ غَضَبُ ٱللّٰهِ لأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ، وَوَقَفَ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ فِي ٱلطَّرِيقِ لِيُقَاوِمَهُ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى أَتَانِهِ وَغُلاَمَاهُ مَعَهُ».
خروج ٤: ٢٤
لأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ هذا دليل واضح على أن قوله «اذهب معهم» في صورة الأمر دون معناه كما فهمت لأن بلعام ذهب على أمل أن يلعن إسرائيل والله نهاه عن ذلك فتأمل.
٢٣ – ٢٩ «٢٣ فَأَبْصَرَتِ ٱلأَتَانُ مَلاَكَ ٱلرَّبِّ وَاقِفاً فِي ٱلطَّرِيقِ وَسَيْفُهُ مَسْلُولٌ فِي يَدِهِ، فَمَالَتِ ٱلأَتَانُ عَنِ ٱلطَّرِيقِ وَمَشَتْ فِي ٱلْحَقْلِ. فَضَرَبَ بَلْعَامُ ٱلأَتَانَ لِيَرُدَّهَا إِلَى ٱلطَّرِيقِ. ٢٤ ثُمَّ وَقَفَ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ فِي خَنْدَقٍ لِلْكُرُومِ، لَهُ حَائِطٌ مِنْ هُنَا وَحَائِطٌ مِنْ هُنَاكَ. ٢٥ فَلَمَّا أَبْصَرَتِ ٱلأَتَانُ مَلاَكَ ٱلرَّبِّ زَحَمَتِ ٱلْحَائِطَ، وَضَغَطَتْ رِجْلَ بَلْعَامَ بِٱلْحَائِطِ، فَضَرَبَهَا أَيْضاً. ٢٦ ثُمَّ ٱجْتَازَ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ أَيْضاً وَوَقَفَ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ حَيْثُ لَيْسَ سَبِيلٌ لِلنُّكُوبِ يَمِيناً أَوْ شِمَالاً. ٢٧ فَلَمَّا أَبْصَرَتِ ٱلأَتَانُ مَلاَكَ ٱلرَّبِّ رَبَضَتْ تَحْتَ بَلْعَامَ. فَحَمِيَ غَضَبُ بَلْعَامَ وَضَرَبَ ٱلأَتَانَ بِٱلْقَضِيبِ. ٢٨ فَفَتَحَ ٱلرَّبُّ فَمَ ٱلأَتَانِ، فَقَالَتْ لِبَلْعَامَ: مَاذَا صَنَعْتُ بِكَ حَتَّى ضَرَبْتَنِي ٱلآنَ ثَلاَثَ دَفَعَاتٍ؟ ٢٩ فَقَالَ بَلْعَامُ لِلأَتَانِ: لأَنَّكِ ٱزْدَرَيْتِ بِي. لَوْ كَانَ فِي يَدِي سَيْفٌ لَكُنْتُ ٱلآنَ قَدْ قَتَلْتُكِ».
٢ملوك ٦: ١٧ ودانيال ١٠: ٧ وأعمال ٢٢: ٩ و٢بطرس ٢: ١٦ ويهوذا ١١ و٢بطرس ٢: ١٦ أمثال ١٢: ١٠
فَفَتَحَ ٱلرَّبُّ فَمَ ٱلأَتَانِ (ع ٢٨) وقع مناقشات كثيرة في هذه الحادثة فزعم بعضهم أن الله أظهر لبلعام أن الآتان تتكلم وهو لم يسمع إلا صوتاً خيالياً. وذهب بعضهم أن الله بقوته العجيبة جعل الأتان تتكلم حقيقة ليبين لبلعام أن ما أتاه حماقة تتنزه عنها الحمير وهو الصحيح. ثم اعتُرض على هذه القضية بثلاث أمور:
- الأول: كيف رأت الأتان الملاك ولم يره بلعام في أول الأمر.
- الثاني: لماذا لم يظهر بلعام شيئاً من التعجب من هذه الحادثة الخارقة العادة.
- الثالث: لماذا لم ير الملاك من كانوا معه ويظهروا تعجبهم. وأجيب على الأول بأن الله منع بلعام من رؤية الملاك في أول الأمر كما منع رفقاء بولس وهو ذاهب إلى دمشق من أن يروا ما رأى. وعما بقي بأنه لا ريب من أن بلعام قد دُهش من ذلك واقتصر الكتاب على ما هو من المهم من النبإ وإن من معه ربما رأوا ما رأى وسمعوا ما سمع أو ربما لم يدركوا شيئاً من ذلك والكتاب سكت عن أمرهم إذ لم يكن من شأن له فيهم هنا.
٣٠ «فَقَالَتِ ٱلأَتَانُ لِبَلْعَامَ: أَلَسْتُ أَنَا أَتَانَكَ ٱلَّتِي رَكِبْتَ عَلَيْهَا مُنْذُ وُجُودِكَ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ؟ هَلْ تَعَوَّدْتُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ هٰكَذَا؟ فَقَالَ: لاَ».
٢بطرس ٢: ١٦
مُنْذُ وُجُودِكَ وفي بعض الترجمات منذ حداثتك. ولا ريب في أن المعنى منذ وجودك قادراً على الركوب والقرينة على ذلك عقلية. (ولا حاجة إلى القول أن أم بلعام ركبت على ذلك الأتان منذ أول حملها به فكان كأنه ركب عليها منذ وجوده). قال الدكتور جيل «إن بعض مؤلفي العرب ذكر أن أتاناً ركب عليها صاحبها مدة أربعين سنة»).
إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ لا يلزم من هذا أنه كان دائماً راكباً على تلك الأتان فالمعنى أنك كنت متى أردت الركوب تركب على أتانك منذ كنت قادراً على الركوب إلى هذا اليوم.
٣١، ٣٢ «٣١ ثُمَّ كَشَفَ ٱلرَّبُّ عَنْ عَيْنَيْ بَلْعَامَ، فَأَبْصَرَ مَلاَكَ ٱلرَّبِّ وَاقِفاً فِي ٱلطَّرِيقِ وَسَيْفُهُ مَسْلُولٌ فِي يَدِهِ، فَخَرَّ سَاجِداً عَلَى وَجْهِهِ. ٣٢ فَقَالَ لَهُ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ: لِمَاذَا ضَرَبْتَ أَتَانَكَ ٱلآنَ ثَلاَثَ دَفَعَاتٍ؟ هَئَنَذَا قَدْ خَرَجْتُ لِلْمُقَاوَمَةِ لأَنَّ ٱلطَّرِيقَ وَرْطَةٌ أَمَامِي».
تكوين ٢١: ١٩ و٢ملوك ٦: ١٧ ولوقا ٢٤: ١٦ و٣١ خروج ٣٤: ٨ و٢بطرس ٢: ١٤ و١٥
إِنَّ ٱلطَّرِيقَ وَرْطَةٌ أَمَامِي أي لأن طريقك تؤدي بك إلى الهلاك (ومعنى الورطة هنا الهلكة ومن معانيها الشدة وكل أمر شاق تعسر النجاة منه والأرض الكثيرة الوحل التي إذا وقفت فيها الغنم لا تتخلص منها والبئر).
أَمَامِي أي ما ذُكر ظاهر جداً أو على ما أرى حق الرؤية.
٣٣ «فَأَبْصَرَتْنِي ٱلأَتَانُ وَمَالَتْ مِنْ قُدَّامِي ٱلآنَ ثَلاَثَ دَفَعَاتٍ. وَلَوْ لَمْ تَمِلْ مِنْ قُدَّامِي لَكُنْتُ ٱلآنَ قَدْ قَتَلْتُكَ وَٱسْتَبْقَيْتُهَا».
وَلَوْ لَمْ تَمِلْ مِنْ قُدَّامِي الخ الأتان فعلت جميلاً مع بلعام أما هو فضربها لجهله فإنها لو لم تمل عن طريق الملاك لكان الملاك قد قتله.
٣٤، ٣٥ «٣٤ فَقَالَ بَلْعَامُ لِمَلاَكِ ٱلرَّبِّ: أَخْطَأْتُ. إِنِّي لَمْ أَعْلَمْ أَنَّكَ وَاقِفٌ تِلْقَائِي فِي ٱلطَّرِيقِ. وَٱلآنَ إِنْ قَبُحَ فِي عَيْنَيْكَ فَإِنِّي أَرْجِعُ. ٣٥ فَقَالَ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ لِبَلْعَامَ: ٱذْهَبْ مَعَ ٱلرِّجَالِ، وَإِنَّمَا تَتَكَلَّمُ بِٱلْكَلاَمِ ٱلَّذِي أُكَلِّمُكَ بِهِ فَقَطْ. فَٱنْطَلَقَ بَلْعَامُ مَعَ رُؤَسَاءِ بَالاَقَ».
١صموئيل ١٥: ٢٤ و٣٠ و٢٦: ٢١ و٢صموئيل ١٢: ١٣ وأيوب ٣٤: ٣١ و٣٢ ع ٢٠
ٱذْهَبْ مَعَ ٱلرِّجَالِ، وَإِنَّمَا تَتَكَلَّمُ بِٱلْكَلاَمِ ٱلَّذِي أُكَلِّمُكَ بِهِ أوصاه هنا بما أوصاه في (ع ٢٠) ليجني هذا الغبي الضال ثمرة ضلاله وهو العقاب عليه. والذي يستحق الملاحظة هنا أن الملاك الذي تكلم مع بلعام هنا هو الذي أرسله.
٣٦ – ٣٩ «٣٦ فَلَمَّا سَمِعَ بَالاَقُ أَنَّ بَلْعَامَ جَاءَ، خَرَجَ لٱسْتِقْبَالِهِ إِلَى مَدِينَةِ مُوآبَ ٱلَّتِي عَلَى تُخُمِ أَرْنُونَ ٱلَّذِي فِي أَقْصَى ٱلتُّخُومِ. ٣٧ فَقَالَ بَالاَقُ لِبَلْعَامَ: أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ لأَدْعُوَكَ؟ لِمَاذَا لَمْ تَأْتِ إِلَيَّ؟ أَحَقّاً لاَ أَقْدِرُ أَنْ أُكْرِمَكَ؟ ٣٨ فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالاَقَ: هَئَنَذَا قَدْ جِئْتُ إِلَيْكَ. أَلَعَلِّي ٱلآنَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ؟ اَلْكَلاَمُ ٱلَّذِي يَضَعُهُ ٱللّٰهُ فِي فَمِي بِهِ أَتَكَلَّمُ. ٣٩ فَٱنْطَلَقَ بَلْعَامُ مَعَ بَالاَقَ وَأَتَيَا إِلَى قَرْيَةِ حَصُوتَ».
تكوين ١٤: ١٧ ص ٢١: ١٣ ع ١٧ وص ٢٤: ١١ ص ٢٣: ٢٦ و١ملوك ٢٢: ١٤ و٢أيام ١٨: ١٣
مَدِينَةِ مُوآبَ (ص ٢١: ١٥).
ٱلَّتِي عَلَى تُخُمِ أَرْنُونَ أي التي حدها عند أرنون وهذه الأر ض كانت للموآبيين فحاربهم الأموريون واستولوا عليها.
٤٠ «فَذَبَحَ بَالاَقُ بَقَراً وَغَنَماً وَأَرْسَلَ إِلَى بَلْعَامَ وَإِلَى ٱلرُّؤَسَاءِ ٱلَّذِينَ مَعَهُ».
فَذَبَحَ بَالاَقُ أي أولم بالذبائح وأرسل جزءاً من اللحم إلى بلعام والأمراء الذين كانوا معه ويُظن أن الذبح حينئذ كان دينياً. وكان الملوك يومئذ كثيراً ما يكونون كهنة كملكي صادق.
٤١ «وَفِي ٱلصَّبَاحِ أَخَذَ بَالاَقُ بَلْعَامَ وَأَصْعَدَهُ إِلَى مُرْتَفَعَاتِ بَعْلٍ، فَرَأَى مِنْ هُنَاكَ أَقْصَى ٱلشَّعْبِ».
تثنية ١٢: ٢
إِلَى مُرْتَفَعَاتِ بَعْلٍ لعلها أول نجد عند الطريق المؤدية إلى صحاري موآب التي يرى منه محلة الإسرائيليين. قال بعضهم وذهب بالاق آملاً أو ظاناً أن بلعام إذا لعن آل إسرائيل وهو يراهم كانت لعنته أشد تأثيراً من اللعنة على غير رؤية.
فَرَأَى مِنْ هُنَاكَ أَقْصَى ٱلشَّعْبِ أي رأى الطرف الأبعد من الشعب وهذا يحتمل معنيين الأول أنه رأى كل الشعب من أوله إلى آخره. والثاني أنه لم ير سوى الطريق الأبعد منه والمعنى الثاني هو الذي اعتمدته الترجمات القديمة ومنها «ترجوم فلسطين» ففيه أن بلعام «رأى محلة دان التي هي في مقدمة الشعب» (انظر ص ٢٣: ١٣).
السابق |
التالي |