حياة يسوعشخصيات

صانع المعجزات

كانت حياة المسيح تعلن قوة وعظمة سلطانه الفريد؛ أعلن المسيح من خلال معجزاته أنه هو الله، فلقد تنوعت معجزاته، من شفاء مرضى، إلى إخراج شياطين، لإعلان سلطانه الفائق على الطبيعة وإخضاعها لأمره، إلى إقامة الموتى، وتجلت عظمة سلطانه في قدرته على غفران الخطايا، لكن المسيح لم يصنع هذه المعجزات ليتباهى بقوته، ويفتخر بقدرته، ويُبهِر الناس بمعجزاته، وإنما صنع معجزاته، ليؤكد ويعلن ويكشف عن هويته، ومكانته وشخصيته.

لم يكن مثل المسيح كمثل موسى، فحين أرسل الله موسى ليخرج شعبه من مصر، منحه الله القدرة على صنع المعجزات ليؤكد للشعب أنه مُرسل بقوة الله، وانه رسول الله الذي سيخرج الشعب بقوة واقتدار، لكن المسيح حين صنع معجزاته إنما ليؤكد انه الله الظاهر في الجسد.

أولًا: شفاء حماة بطرس (متى 8 : 14،15، لوقا 4: 38)

 بعد أن اختار المسيح تلاميذه الأوائل.. ذهب إلى بيت بطرس في كفر ناحوم، ورأى هناك حماة بطرس طريحة الفراش مريضة بالحُمَّى، كانت سيدة نشطة قوية، لكن الحُمَّى ألزمتها الفراش… وتقدم المسيح من فراش المرأة، ومد يده ولمسها، وفي الحال تركتها الحُمَّى، واستعادت قوتها وصحتها، وقامت لتخدم بطرس وزوجته وأولاده وضيوفه.

  كانت الحُمَّى في ذلك الوقت مرضًا قاتلًا لا علاج له، وكان من النادر أن يُشفى مريض أُصيب بالحُمَّى؛ وكان بطرس وأهل بيته يدركون ذلك. وكما يذكر مرقس البشير أنهم حينما أخبروا المسيح عنها، أدركوا محبته، وعرفوا قوته، وطلبوا معونته، والمسيح مُحِب قادر. فالمحبة بدون قدرة لا تحقق الشفاء؛ والقدرة بغير محبة لا تحقق شفاء أيضًا. حين نتألم أو نمرض أو نحتاج معونة، علينا أن نأتي لذاك الذي وعد قائلًا “ادْعُنيِ فيِ يَوْمِ الَّضِيْقِ أُنْقِذُكَ فَتُمُجِّدُنيِ” (مزمور 50 : 15).

ثانيًا: صيد السمك الكثير (مرقس1: 16-20، متى4: 18-22).

كان الناس يتزاحمون حول المسيح ليسمعوا كلامه، ويتمتعوا بتعاليمه، وكان واقفًا بجوار البحيرة، ورأى سفينتين راسيتين عند الشاطئ، وقد خرج منهما الصيادون وغسلوا الشباك، وتوقفوا عن الصيد.. ودخل المسيح سفينة بطرس، وجلس وعَلَّمَ الجموع من السفينة، ثم قال لسمعان بطرس : “اُبُعدْ إِلىَ اَلَّعُمْقِ وَأَلَقوُا شِبَاكُكُمْ لِلصَيْدِ”، فأجابه بطرس، أنهم قد تعبوا الليل كله ولم يصطادوا شيئًا، لكنه تنفيذًا لقول المسيح، ألقى الشبكة، وامتلأت الشباك بالسمك الكثير جدًا “فَأَشَارُوا إِلىَ شُرَكَائُهمْ اَلَّذِينَ فيِ اَلْسَفِيَنةَ الأَخُرَى أَنْ يَأَتوُا وَيُسَاعدُوهمْ فَأَتَوُا وَمَلأَوُا اَلَّسَفِيَنتينْ حَتى أَخَذَتَا فيِ اَلَّغَرقِ”… واندهش الجميع لهذا الصيد الكثير. وخاف بطرس جدًا، لكن المسيح شجعه قائلًا: “لاَ تخَفْ مِنْ الآَن تَكُونُ تَصَطَادُ الْنَاسِ”.

 كان خوف بطرس نابعًا من معرفة موقفه الخاطئ فركع أمام المسيح قائلًا: “اخْرج مِنْ سَفِيْنَتيِ يَا رَبًّ لأَنيِ رّجُلٌ خَاطِئٌ” ولم يخرج المسيح من سفينة بطرس، بل شرح له الخطة التي أعدها له، وكأنه يقول، لا تخف يا بطرس، هذه المعجزة أدت إلى صيد سمك كثير، ولكننـي أُعِدَّك لتحقق معجزات أعظم، هي أن تقوم باصطياد الكثير من الناس. بعد هذه المعجزة، ترك بطرس ويعقوب ويوحنا كل شئ وتبعوا المسيح.

ثالثًا: شفاء مريض بركة بيت حسدا (يوحنا 5: 1- 18)

كانت هناك قصة شهيرة تحكي بأن، ملاكًا يُقال إنه كان ينزل في ماء بركة بيت حسدا ويحركه، فمَن ينزل أولًا من المرضى بعد تحريك الماء، كان يبرأ من أي مرض. لذلك كان يتجمع المرضى حول بركة بيت حسدا أملًا في الشفاء، وكان ضمن هؤلاء المرضى الذين يضطجعون حول البركة، رجل مريض مضطجع منذ ثمانٍ وثلاثين سنة. وحين جاء يسوع ومشى بين المرضى، وعرف ما يعانيه هذا الرجل ” وعَلِمَ أَنَ لَهُ زَمَانًا كَثِيرًا فَقَالَ لَهُ أَتُرِيْدُ أَنْ تَبرأُ ؟” وتصور الرجل أن المسيح قد جاء ليُلقي به في البركة متى تحرك الماء، وكان رده “لَيْسَ ليِ إِنْسَانُ يُلِقِينيِ فيِ البِركةُ مَتىَ تحَرَكَ المَاءِ” إلا أن المسيح فاجأه بالقول : “قُم. احمْلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ” رفع الرجل نظره إلى المسيح، ورآه عظيمًا شامخًا.. يملأ السماء فوقه.. وينظر إليه بعطف وحب وقوة، فقام في الحال، وانتصب عوده ووقف، وحمل سريره ومشى.

كان المريض يرقد بجانب بركة بيت حسدا، والتي تعني بيت الرحمة، لكن أحدًا لم يكن رحيمًا به، حتى جاء المسيح ليعلن محبته ورحمته وليعلن أن الله لا يزال يصنع المعجزات حتى الآن.

 كان يوم صُنع هذه المعجزة سبتًا.. وهذا ما أغضب اليهود والكتبة والفريسيين، الذين إستاؤا لكسر يوم السبت، فلا يجب علاج أحدٍ يوم السبت إلا إذا كان مهددًا بالموت كما تنص الشريعة، لذلك عندما جاءوا للمريض لاموه، وانتقدوا المسيح وأرادوا أن يقتلوه لأنه لم ينفذ الوصية، فقال لهم: “أَبيِ يَعْمَلُ حَتى الآَنَ وَأَنَا أَعْمَلُ”. كان المسيح هو الشريعة ورب السبت. وإذ كان الله أنهى الخلق واستراح يوم السبت، إلا أن أعمال عنايته لم تنتهى، وهو ما زال يهتم ويشفي، أن الكتاب المقدس يُشجِعُنا بالقول “هَاَ أَنَ يَدُ الَّربِّ لمَ تَقْصُرْ عَنْ أَنْ تخُلِّصَ، وَلمَ تَثْقُلْ أُذُنُهُ عَنْ أَنْ تَسْمَعُ” (إشعياء 59: 1).

رابعًا: شفاء المفلوج (متى 9: 1-8، مرقس 2: 1-12، لوقا 5: 17-26)

 كان يسوع يُعَلِّم في بيت من بيوت مدينة كفر ناحوم… واجتمع كثيرون داخل البيت وخارجه يستمعون إلى تعاليمه وكانوا يأتون بمرضاهم ليشفيهم. وجاء أربعة رجال يحملون مفلوجًا ليشفيه، ولم يستطيعوا الدخول بسبب الزحام، فتسلقوا البيت، وصعدوا إلى السقف ونقبوه، وصنعوا فتحة فيه، ودلّوا السرير والمفلوج عليه إلى داخل البيت. وتساقطت الأحجار، ونزل التراب على رؤوس الناس المجتمعين حول المسيح، ووجد المسيح أمامه رجلًا مفلوجًا راقدًا على سرير مُدَلَّى من السقف، فنظر إليه وقال: “يَا ابْنيِ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ”

 تعجب الكتبة الجالسون، واستنكروا ذلك قائلين في قلوبهم : “مَنْ يَقدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلاَ الله وَحْدَهُ ؟” وشعر المسيح بما في أنفسهم وسألهم، أيهما أسهل، أن تُغفر خطايا المريض، أم يُشفى من مرضه، لكن لتعرفوا أن ابن الإنسان يستطيع أن يغفر الخطايا أيضًا، قال للمفلوج: ” لَكَ أَقُوُلَ قُمْ وَاْحمِلْ فَرِاشَكَ وَاذْهَبْ إِلىَ بَيِتكَ ” وفعل المريض ذلك. وبهت الناس وقالوا: “مَا رَأَيْنَا مِثَل هَذَا قَطُّ”

 لم يكن شفاء مفلوج أمرًا سهلًا في أعين الناس، ولـم يكن غفران الخطايا أمرًا مألوفًا أيضًا.. لهذا بُهت الناس وقالوا، إنهم لـم يروا مثل هذا الشفاء ولا مثل هذا الغفران من قبل… وهذا صحيح، فهذا عمل ابن الله فقط، الله الذي ظهر في الجسد.

خامسًا : إشـباع خمسـة آلاف (مرقس 6: 30-44، متى 14 : 13-21، لوقا9: 10-17)

 كان المسيح ذاهبًا إلى الجليل، وعبر بحر طبرية، وصعد إلى الجبل مع تلاميذه، وإذا بجموع كثيرة تُقبِل إليه وتصعد نحوه إلى الجبل ونظر المسيح للجموع فتحنن عليهم، إذ كانوا كخراف لا راعٍ لها، فسأل تلميذه فيلبس ليمتحنه “مِنْ أَيْنَ نَبْتَاعُ خُبْزًَا لِيَأُكُلَ هَؤلاءِ؟” ولم يكن المسيح يحتاج إلى رد فيلبس فهو ذا القائل ” لاَ تهَتمَوُا قَائِلِينَ مَاذَا نَأكُلَ أَو مَاذَا نَشّرَبُ أَو مَاذَا نَلبِسُ ” وإنما أراد المسيح أن يمتحن تلاميذه.

 وتقدم غلام صغير، معه خمسة أرغفة شعير وسمكتين سلمها للمسيح، فقال التلاميذ: ” مَا هَذَا لمِثل هَؤلاءِ” وأمر المسيح تلاميذه بأن يجعلوا الناس يتكئون استعدادًا لتناول الطعام، وكان عدد الرجال حوالي خمسة آلاف ماعدا النساء والأطفال… واتكأ الجميع، وأخذ المسيح الأرغفة والسمكتين وشكر ووزع على التلاميذ.. والتلاميذ أعطوا المتكئين… وخرجت الأرغفة من يدي المسيح، رغيف، وراء رغيف، والسمك أيضًا سمكة وراء سمكة… وأكل الجميع وشبعوا، وجمعوا الكِسَر الفاضلة، فملأت إثنتى عشرة قفة بقيت من خمسة أرغفة شعير وسمكتين. ورأى الناس ذلك وقالوا: “هَذَا هُوَ بِالحقَيِقَةُ اَلنبيِ الآَتيِ إِلىَ العَالَمُ”

جاء الناس يتبعون المسيح سائرين على أقدامهم عطشى جياعًا إلى كلماته… لم يطلبوا طعامًا… ولم يُظهروا احتياجًا لخبز يأكلونه… لكنه يعلم ما نحتاج إليه قبل أن نسأل (متى32:6) وأعطاهم المسيح خبز الجسد وخبز الحياة، أعطاهم ذاته، فهو خبز الحياة إذ قال : ” اَلحَقَّ اَلحَقَّ أَقُولَ لَكُمْ مَنْ يُؤِمنُ بيِ فَلَهُ حَيَاةُ أَبَديَّةٌ. أَنَا هُوَ خُبْزُ اَلحَيْاةُ… إِنْ أَكَلَ أَحَدُ مِن هَذَا اَلخَبُز يحَيَا إِلىَ الأَبَدِ. وَالخُبزُ اَلَّذيِ أَنَا أَعُطِي هُوَ جَسَدي اَلَّذيِ أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةَ اَلعَالمَِ” (يوحنا 6: 47-51)

سادسًا: إقامة ابن أرملة نايين (لوقا 7: 11-17)

 لم يكن مألوفًا إقامة ميت من الموت. حدث في القديم وقبل ميلاد المسيح بنحو تسعمائة سنة، أقام النبي إيليا من الموت ابن أرملة، أقـام النبي أليشع ابن المرأة الشونمية من الموت أيضًا، لكن الأنبياء كانوا في احتياج لقوة الله لكي تتم المعجزة، أما عندما صنع المسيح معجزة إقامة ابن الأرملة التي من نايين لم يكن محتاجًا إلا لكلمته هو، فهو رب الحياة ذاته. كان المسيح ذاهبًا إلى مدينة تدعى نايين، وكان التلاميذ يسيرون معه وحولهم جمع كثير. كان موكبًا كبيرًا يتوسطه رب الحياة، موكب يسير بقوة وفرح نحو المدينة، وفي ذات الوقت كان هناك موكب آخر حزين أسود، يتوسطه الموت في نعش محمول على الأكتاف يخرج من المدينة.

 التقى الموكبان، ورأى المسيح امرأة متشحة بالسواد تذوب لوعة وحزنًا في دموع غزيرة، وتحنن عليها، وأقترب منها، وأراد تعزيتها ومواساتها حتى لا تبكي، فتقدم لينهي سبب الحزن والبكاء والدموع. لمس النعش، ولـم يكن ذلك مألوفًا.. وأوقف موكب الموت، وتسمَّرت أقدام حاملي النعش أمام القوة التي بدت في وجهه وعينيه وهو يقول : “أَيُهَا الشَابُ لَكَ أَقوُلُ قُمْ ” وجلس الميت، وترك النعش، وأبتدأ يتكلم، وارتمى في حضن أمه.. واعترى الجميع خوف، ومجدوا الله وقالوا : “قَدْ قَام فِينَا نبيِ عَظِيْمٌ وَاَفْتَقَدَ الله شَعْبَهُ”

 المسيح هو رب الحياة ونحن به نحيا فهو القائل “إِنيِ أَنَا حَيُ فَأَنْتمُ سَتَحْيوُن” (يوحنا 14 : 19) رأى المسيح دموع المرأة فتحركت مشاعره لحزنها، وتحنن وتحرك ليرفع سبب حزنها. الله يرى ويدرك ما نعانيه من ألم وحزن، ويسرع برفع معاناتنا.. قد يسمح بأن نتألـم بعض الوقت.. وقد لا تفهم سبب ذلك، وإن كان لابد أن تفهم، لا تفهم الآن بل ستفهم فيما بعد “لَسَتُ تَعَلْمُ أَنْتَ الآَنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ.. لَكِنَكَ سَتفَهَمُ فِيمَا بَعْدُ ” (يوحنا 1: 4،5) لذلك قال للميت بكل السلطان الذي له في السماء وعلى الأرض : “لَكَ أَقوُلُ قُمْ ” وقام الشاب من الموت، وعادت إليه الحياة… وعادت الفرحة والبهجة لأمه أرملة نايين.

سابعًا : تلخيص

 المسيح صنع معجزات كثيرة. ومازال المسيح يصنع معجزات في حياتنا لأن المسيح حي.. وكما صنع في الماضي يصنع في الحاضر لأنه هو أمس واليوم وإلى الأبد. يحيا بيننا، يحبنا، يعرف أعوازنا، يقدر على صناعة المعجزات. هذا الدرس يحتوي على ست معجزات صنعها المسيح، أوردناها باختصار لتقرأها وتدرسها بتمعن وفهم. وفى الدرس القادم سنقدم له ست معجزات أخرى، وليست هذه كل المعجزات التي صنعها المسيح، فقد صنع الكثير من المعجزات أوردت الأناجيل الأربعة ثمانٍ وعشرين منها.

ثامنـًا : دعـاء

 ربي وسيدي، أشكرك من أجل قدرتك، ومن أجل محبتك. هذه القدرة وهذه المحبة… هي التي تصنع بها المعجزات. أومن بك، وأثق في صدق المعجزات التي صنعتها في الماضي… وأؤمن بك، وأثق أنك تصنع في حياتي كل يوم معجزة في الحاضر. إلمس حياتي بقدرتك وبمحبتك، فأحيا معجزاتك إلى الأبد… آمين.

د. القس نصرالله زكريا

* تخرج في كلية اللاهوت الإنجيلية في القاهرة 1989م.
* سِيمَ قسًا وراعيًا للكنيسة الإنجيلية المشيخية في أبو حنس المنيا
* المدير التنفيذي لمجلس الإعلام والنشر
* مدير تحرير مجلة الهدى منذ عام 2006
* مؤسس موقع الهدى، وموقع الإنجيليون المشيخيون.
* له من المؤلفات ما يزيد عن أربعين كتابًا.
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى