إنجيل متى | المقدمة | الكنز الجليل
كتب هذه البشارة رجل يهودي من الجليل اسمه متى، وهو لاوي بن حلفي (مر ٢: ١٤) استوطن كفرناحوم وكان عشاراً، أي جامع الضرائب للرومان. دعاه المسيح وهو يمارس وظيفته (مت ٩: ٩). وتستحق هذه البشارة أن تُسجَّل قبل غيرها في العهد الجديد، لأنها توضح العلاقة بين العهدين القديم والجديد، أي بين الشريعة والإنجيل.
مقدمة
تفتقر خزانة الأدب المسيحي إلى مجموعة كاملة من التفاسير لكتب العهدين القديم والجديد. ومن المؤسف حقاً أنه لا توجد في أية مكتبة مسيحية في شرقنا العربي مجموعة تفسير كاملة لأجزاء الكتاب المقدس. وبالرغم من أن دور النشر المسيحية المختلفة قد أضافت لخزانة الأدب المسيحي عدداً لا بأس به من المؤلفات الدينية التي تمتاز بعمق البحث والاستقصاء والدراسة، إلا أن أياً من هذه الدور لم تقدم مجموعة كاملة من التفاسير، الأمر الذي دفع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بالإسراع لإعادة طبع كتب المجموعة المعروفة باسم: «كتاب السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم» للقس وليم مارش، والمجموعة المعروفة باسم «الكنز الجليل في تفسير الإنجيل» وهي مجموعة تفاسير كتب العهد الجديد للعلامة الدكتور وليم إدي.
ورغم اقتناعنا بأن هاتين المجموعتين كتبتا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلا أن جودة المادة ودقة البحث واتساع الفكر والآراء السديدة المتضمنة فيهما كانت من أكبر الدوافع المقنعة لإعادة طبعهما.
هذا وقد تكرم سينودس سوريا ولبنان الإنجيلي مشكوراً – وهو صاحب حقوق الطبع – بالسماح لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى بإعادة طبع هاتين المجموعتين حتى يكون تفسير الكتاب في متناول يد كل باحث ودارس.
ورب الكنيسة نسأل أن يجعل من هاتين المجموعتين نوراً ونبراساً يهدي الطريق إلى معرفة ذاك الذي قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة».
القس ألبرت استيرو
الأمين العام
لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى
مقدمة لبشارة متّى
الكاتب
كتب هذه البشارة رجل يهودي من الجليل اسمه متّى، وهو لاوي بن حلفي (مرقس ٢: ١٤) استوطن كفرناحوم وكان عشاراً، أي جامع الضرائب للرومان. دعاه المسيح وهو يمارس وظيفته (متّى ٩: ٩) وقصته بعد يوم الخمسين غير أكيدة، تعتمد على التقليد التاريخي فقط.
زمن الكتابة
زمن كتابة بشارة متّى غير معروف بالتحقيق، ويُرجح أنه بين سنة ٦٠ و٦٦م. وبما أنها لا تذكر خراب أورشليم سنة ٦٦ (وهي سنة ٧٠ على الحساب المشهور) فقد استنتج المفسرون أنها كُتبت قبل وقوع تلك الحادثة. وفي قوله «إلى هذا اليوم» (ص ٢٧: ٨ و٣٨: ١٥) إشارة إلى أن التاريخ كُتب بعد حدوث الأمور المذكورة بمدة طويلة.
لغتها الأصلية
بشارة متّى التي عندنا اليوم كُتبت أصلاً باليونانية، ومنها جاءت الترجمة العربية وسائر الترجمات المعروفة. لكن لنا أدلة كثيرة على وجود نسخة عبرانية قديمة فُقدت منذ عهد طويل. ولا مانع من الظن أن هذا البشير كتب بشارته في لغتين. فثبوت النسخة العبرانية لا يناقض قانونية النسخة اليونانية التي عندنا. ولا دليل على أن تلك النسخة اليونانية تُرجمت من نسخة أخرى.
خواصها
كُتبت هذه البشارة في اليهودية لليهود. وهي تُعلن أن يسوع هو أعظم الأنبياء والمشترعين، ومتممٌ بذاته كل نبوات العهد القديم من أنه هو المسيح ملك إسرائيل. وترتيب حوادثها ليس بحسب زمان حدوثها ولكن باعتبار مواضيعها. فإن الكاتب يجمع أعمال المسيح وأقواله المتشابهة، ويروي نبأ المسيح كجزء من تاريخ الأمة اليهودية، إتماماً للبركة التي وعد الله إبراهيم بها.
وتستحق هذه البشارة أن تُسجَّل قبل غيرها في العهد الجديد، لأنها توضح العلاقة بين العهدين القديم والجديد، أي بين الشريعة والإنجيل. وقد كُتبت لليهود لتبرهن لهم أن يسوع هو المسيح، بدليل:
أنها اقتبست من العهد القديم نحو خمس وسبعين آية.
أنها لا تتعرض لذكر عادات اليهود، بل تحسبها معروفة للقارئ.
أنها تعلن إرسالية يسوع الخاصة لليهود.
ومتّى هو الإنجيلي الوحيد الذي يذكر سلسلة نسب يوسف، ومجيء المجوس، وهروب يسوع مع عائلته إلى مصر، وقتل الأطفال في بيت لحم، ومَثل العشر العذارى، وحلم زوجة بيلاطس، وقيامة بعض القديسين، وارتشاء الحراس الرومان، وإرسال المسيح تلاميذه ليذهبوا ويُعمدوا كل من يؤمن بشهادتهم له.
كلمة تمهيدية
الإنجيل أو البشارة تتناول عادة إما عملاً أو حادثة جرت، وهي مفرحة لمن يقولها ولمن يسمعها على السواء. وأي خبر مفرح أكثر من هذه البشارة، لأن الله القدير يريد أن يفتدي شعبه من خطاياهم «لأَنَّهُ هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيد» (يوحنا ٣: ١٦). وهذه «بشارة متّى» أي أنه المسؤول عن تنسيق روايتها. وإن كُتبت بالروح القدس فالعامل البشري موجود أيضاً.
لا بد لمن يدخل على الإنجيل المقدس أن يشعر أنه داخل إلى حرمٍ مقدس، فيتساءَل: تُرى هل يحتاج الإنجيل إلى تفسير، وهو البشارة المفرِّحة المعلنة لكل البشر بأبسط عبارة وأوضح أسلوب؟! وهل بعد قصص المسيح وأمثاله الإلهية العجيبة زيادة لمستزيد، فيقف البيان البشري صامتاً أمام الحكمة الإلهية، ويتورع اللسان مهما بلغت فصاحته إلا أن يصت أمام «ابن الله ابن الإنسان» ليقول له: تكلم يا رب لأن عبيدك سامعون.
ولكن القصد من هذا التفسير هو جلاء بعض النقاط بالنسبة للترجمة أولاً، وبالنسبة لِما قد يطرأ على بعض العبارات من إيضاحات تتطلبها عوامل الزمان والمكان واختلاف البيئة والأشخاص عما كان في زمن المسيح. فيقتضي، والحالة هذه، أن نفسر بعض الأشياء، زيادة في روعة الرسالة المسيحية وقدسيتها.
التالي |