إنجيل متىالكنز الجليل في تفسير الإنجيل

إنجيل متى | 01 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح إنجيل متى

الأصحاح الأول

١ «كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِ دَاوُدَ ٱبْنِ إِبْرَاهِيمَ».

لوقا ٣: ٢٣ ومزمور ١٣٢: ١١ وإشعياء ١١: ١ وإرميا ٢٣: ٥ و٢٢: ٤٢ ويوحنا ٧: ٤٢ وأعمال ٢: ٣٠ و١٣: ٢٣ ورومية ١: ٣ وتكوين ١٢: ٣ و٢٢: ١٨ وغلاطية ٣: ١٦

كِتَابُ مِيلاَدِ أي جدول نسب. واستعمال «كتاب ميلاد» بهذا المعنى اصطلاح عبري كما في تكوين ٥: ١. وتاريخ نسب المسيح من جهة ناسوته مجموع في عدد ١ – ١٧ من هذا الأصحاح. وكان اليهود يهتمون للغاية في حفظ كتب مواليدهم. ولا ريب في أن هذا الكتاب نُقِل عن الأنساب العائلية العامة. وبعد نقله بست وستين سنة هُدمت مدينة أورشليم والهيكل، وفُقدت كل كتب المواليد اليهودية. فلو وُلد المسيح بعد ذلك الوقت لكان إثبات تسلسله من داود حسب الوعد في العهد القديم من الأمور المستحيلة. راجع عزرا ٢: ٦٢ من اعتبار اليهود لهذه الجداول.

وفي الإنجيل جدولان لأسلاف المسيح من جهة ناسوته، كتب متّى أحدهما وكتب الآخر لوقا. والأول يبدأ من إبراهيم، لأن متّى كتب لليهود. ويبدأ لوقا من آدم أبي البشر كلهم لأن لوقا كتب للذين هم أمم أصلاً. فيسوع المسيح متسلسل من إبراهيم وداود ومريم بحسب الناسوت، وهو ابن الله الأزلي بحسب اللاهوت. واقتصر يوحنا على ذكر نسبه الإلهي. ومع أن جدولي متّى ولوقا ينتهيان في يوسف، إلا أنهما يختلفان، لأن الواحد يذكر أن يوسف ابن يعقوب، والآخر يذكر أنه ابن هالي.

فمن جهة هذا الخلاف الظاهر نقول إن متّى كتب لليهود الذين كانوا يعتبرون أن جدول الذكور هو الجدول الشرعي، فاضطُر متّى أن يثبت تسلسله الشرعي، وذكر جدول أسلاف يوسف. وبما أن لوقا كتب للأمم فقد ذكر النسب الحقيقي، أي التسلسل من هالي أبي مريم أم يسوع فصاعداً، وهذا هو الأرجح. فجدول متّى هو الشرعي، لأنه اعتمد فيه على الأغلب على الترجمة السبعينية، وجدول لوقا هو الجدول الحقيقي.

ويهمل متّى في جدوله أشخاصاً كانوا في السلسلة، ولا ندري سبب هذا. الأرجح أنه كان مفهوماً في وقته. فنقل متّى هذا الجدول كما وجده في الجداول الشرعية، ولم يعترض عليه أحدٌ من اليهود أو المؤلفين الأوَّلين الذين أنكروا دعوى المسيح بتسلسله من داود. فكانت نسبته إلى داود أمراً مسلَّماً به عند الجميع. ولم يقدر الذين رفضوا الإيمان بالمسيح أن ينكروا نسبته إلى داود بدعوى عدم كمال الجدول. ولو أن هذا كان الحال لما تأخروا عن الطعن فيه.

لقد أكمل متّى غايته تماماً، وقدَّم البينات المقنعة على أن يسوع شرعاً وحقيقة ابن إبراهيم وابن داود. ولم يكن من قصده أن يجاوب كل المسائل المتعلقة بهذا الجدول.

يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ في اجتماع هذين الاسمين فحوى الإنجيل كله، وهو الإعلان أن يسوع هو المسيح الموعود، وإثبات ذلك هو غاية هذه البشارة.

يَسُوعَ الاسم الإنساني للمسيح (انظر ع ٢١). وهي تشبه كلمة يشوع في العبراني، ومعناها مخلِّص.

ٱلْمَسِيحِ أي الممسوح، وهو لقب وظيفته. وكان الذين يُمسحون في النظام الموسوي ثلاثة أنواع: الأنبياء (١ملوك ١٩: ١٦) والكهنة (لاويين ٤: ٣) والملوك (١صموئيل ٢٤: ٧، ١١). وقد اجتمعت هذه الوظائف الثلاث في المسيح، فمُسح نبياً وكاهناً وملكاً لنا. وكانت المسحة رمزاً للتأثير الإلهي الذي جعله استعداداً لإتمام عمله، وعلامة سلطانه على ممارسة وظيفته.

ٱبْنِ دَاوُد أي داود الملك (ع ٦) حسب النبوات. ومن داود تسلسل المولود ملك اليهود (متّى ٢: ٢). وكان هذا الاسم أكثر استعمالاً للدلالة على المسيح المنتظر (متّى ٢٢: ٤٢ و٢١: ٩، ١٥ و٢٢ و٢٠: ٣٠) بناءً على مثل النبوة في إشعياء ٩: ٧ و١١: ١ ومزمور ١٣٣: ١١، ١٧ وإرميا ٢٣: ٥.

ٱبْنِ إِبْرَاهِيم قد اتضحت نسبته إلى إبراهيم لأن المواعيد به كانت لإبراهيم ولنسله تكوين ١٢: ٣ و٢٢: ١٨ وغلاطية ٣: ١٦. وقد تمت كلها جلياً في يسوع.

٢ «إِبْرَاهِيمُ وَلَدَ إِسْحَاقَ. وَإِسْحاقُ وَلَدَ يَعْقُوبَ. وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يَهُوذَا وَإِخْوَتَهُ».

تكوين ٢١: ٢، ٣ و٢٥: ٢٦ و٢٩: ٣٥

تُرك من هذا الجدول اسما إسماعيل وعيسو، لأنه لا دخل لهما في السلسلة المقصودة، وهما خارجان عن العهد مع إبراهيم بدليل قوله «بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ» (تكوين ٢١: ١٢). وذكر «إخوة يهوذا» لأن جميع الذين تسلسل منهم المسيح اشتركوا في انتظاره.

٣ «وَيَهُوذَا وَلَدَ فَارَصَ وَزَارَحَ مِنْ ثَامَارَ. وَفَارِصُ وَلَدَ حَصْرُونَ. وَحَصْرُونُ وَلَدَ أَرَامَ».

تكوين ٣٨: ٢٧ الخ، راعوث ٤: ١٨ الخ و١أخبار ٢: ٥، ٩ الخ

زَارَحَ هذا الاسم ليس في سلسلة المسيح وإنما ذُكر وفقاً للجدول الذي في ١أخبار ٢: ٤.

ثَامَار يندر ذكر أسماء النساء في جداول أنساب اليهود، فمثال ذكره في تكوين ٢٥: ١ و٣٦: ١٠، ٢٢ و١أخبار ٢: ١٨، ٤٩. وورود اسم ثامار في الجدول الذي في ١أخبار ٢: ٤، وفي مباركة العرس في راعوث ٤: ١٢. وغاية ذكرها كذكر راحاب وبثشبع المقصودة من قوله «التي لأوريا» هدم كبرياء اليهود، وإظهار استقلال الله في «وَاخْتَارَ اللهُ أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ وَالْمُزْدَرَى… لِكَيْ لاَ يَفْتَخِرَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَمَامَهُ» (١كورنثوس ١: ٢٨ و٢٩).

٤ «وَأَرَامُ وَلَدَ عَمِّينَادَابَ. وَعَمِّينَادَابُ وَلَدَ نَحْشُونَ. وَنَحْشُونُ وَلَدَ سَلْمُونَ».

نَحْشُونَ هو أخو أليشع امرأة هارون، وهو رئيس بيت يهوذا. عدد ١: ٧ و٢: ٣ و١أخبار ٢: ١٠

٥ «وَسَلْمُونُ وَلَدَ بُوعَزَ مِنْ رَاحَابَ. وَبُوعَزُ وَلَدَ عُوبِيدَ مِنْ رَاعُوثَ. وَعُوبِيدُ وَلَدَ يَسَّى».

رَاحَاب ذُكرَت في يشوع ٢: ١ ولم تذكر تواريخ العهد القديم خبر زواجها بسلمون. ويُحتمل أن سبب ذلك هو أنه حين كتابة هذه الجداول كان ذكر امرأة كنعانيَّة بين أسلاف الأمَّة المختارة يُعدُّ عاراً. وقد ظنَّ البعض أن سلمون هو أحد الجاسوسين اللذين خبأتهما على السطح. وفي يعقوب ٢: ٢٥ يُذكر اسمها مقروناً بالاحترام. وذُكرَت بين نسل إبراهيم لسبب إيمانها (عبرانيين ١١: ٣١).

بُوعَزَ السلسلة هنا كما وردت في راعوث ٤: ٢١ ويحتمل أن زواج سلمون من راحاب مهَّد السبيل إلى زواج ابني نعمة من امرأتين موآبيتين، وزواج بوعز من راعوث. ولنا مما ذُكر في أعمال ١٣: ٢٠ أنه مضت ٤٥٠ سنة بين راحاب وداود. ولكن رغم طول هذه المدة لم تُذكر إلا أربعة أجيال، فقال البعض إن بعض الأجيال تُركت لأسباب مجهولة عندنا. ولعلَّ هذا الظن في محلهِ.

٦، ٧ «٦ وَيَسَّى وَلَدَ دَاوُدَ ٱلْمَلِكَ. وَدَاوُدُ ٱلْمَلِكُ وَلَدَ سُلَيْمَانَ مِنَ ٱلَّتِي لأُورِيَّا. ٧ وَسُلَيْمَانُ وَلَدَ رَحُبْعَامَ. وَرَحُبْعَامُ وَلَدَ أَبِيَّا. وَأَبِيَّا وَلَدَ آسَا».

١صموئيل ١٦: ١ و١٧: ١٢، ٢صموئيل ١٢: ٢٤، ١أخبار ٣: ١٠

دَاوُدَ ٱلْمَلِكَ ذُكر لقبه لأنه أعظم ملوك اليهود ورمز للملك يسوع.

ٱلَّتِي لأُورِيَّا لم يكن من العادة أن تُذكر أسماء النساء، فذِكر هذه ومثيلاتها له معنى خاص. وذكر هنا: راحاب وراعوث وبثشبع. وما أعظم التفاوت بينهنَّ. والتي لأوريا تعني بثشبع (٢صموئيل ١١: ١) وهذه كانت شريكة داود في خطيته، ولا بدَّ أنها اشتركت معهُ في توبته. وقصد متّى من ذكر اسمها هنا أنه كما أنها لم تُرفض من سلسلة أسلاف المسيح، كذلك لا تكون مرفوضة من الاشتراك مع المسيح في ملكوته. وكذلك كل من أخطأ مثلها وتاب.

٨ «وَآسَا وَلَدَ يَهُوشَافَاطَ. وَيَهُوشَافَاطُ وَلَدَ يُورَامَ. وَيُورَامُ وَلَدَ عُزِّيَّا».

يورام ولد عزيا: استولى على العرش ثلاثة ملوك بين هذين الملكين، هم أخزيا ويوآش وأمصيا. وقد أُهملت أسماؤهم من الجدول، لا سهواً من متّى، ولا لزيادة شرهم، لأن يكنيا الذي ذكره لم يكن أقل شراً منهم. بل أُهملوا لأنهم تُركوا من الجدول الأصلي الذي نُقل عنه، أو لأن أسماءهم كانت معلومة لعامة الناس، وأراد أن يجعل القسم الأول أربعة عشر جيلاً مثل القسمين الأخيرين. فنرى من ذلك أن المقصود بكلمة «ولد» ليس المعنى الحرفي، بل الدلالة على التسلسل.

٩ – ١١ «٩ وَعُزِّيَّا وَلَدَ يُوثَامَ. وَيُوثَامُ وَلَدَ أَحَازَ. وَأَحَازُ وَلَدَ حَزَقِيَّا. ١٠ وَحَزَقِيَّا وَلَدَ مَنَسَّى. وَمَنَسَّى وَلَدَ آمُونَ. وَآمُونُ وَلَدَ يُوشِيَّا. ١١ وَيُوشِيَّا وَلَدَ يَكُنْيَا وَإِخْوَتَهُ عِنْدَ سَبْيِ بَابِلَ».

٢ملوك ٢٠: ٢١ و١أخبار ٣: ١٣، ١٥، ١٦ و٢ملوك ٢٤: ١٤ – ١٦ و٢٥: ١١ و٢أخبار ٣٦: ١٠، ٢٠ وإرميا ٢٧: ٢٠ و٣٩: ٩ و٥٢: ١١، ١٥، ٢٨ – ٣٠ ودانيال ١: ٢

وَيُوشِيَّا وَلَدَ يَكُنْيَا أهمل هنا اسم يهوياقيم ابن يوشيا (١أخبار ٣: ١٥) وهو ابن يهوياكين (٢ملوك ٢٣: ٣٤). ويُسمَّى أيضاً ألياقيم ولعل سبب الإهمال أن بسببه فقدت المملكة استقلالها (٢ملوك ٢٤: ٤، ١٠).

عِنْدَ سَبْيِ بَابِلَ أي قرب ذلك الزمان أي سنة ٥٨٨ ق.م ولا يمكن تعيين الوقت بالتدقيق لأن اليهود سُبوا مرات عديدة، والمدة بين السبي الأول والآخر ليست أقل من عشرين سنة.

١٢ «وَبَعْدَ سَبْيِ بَابِلَ يَكُنْيَا وَلَدَ شَأَلْتِئِيلَ. وَشَأَلْتِئِيلُ وَلَدَ زَرُبَّابِلَ».

١أخبار ٣: ١٧، ١٩ وعزرا ٣: ٢ و٥: ٢ ونحميا ١٢: ١ وحجّي ١: ١

يَكُنْيَا وَلَدَ شَأَلْتِئِيلَ ويُسمَّى أيضاً كونيا. وأما قول إرميا في ٢٢: ٣٠ «اكْتُبُوا هذَا الرَّجُلَ عَقِيمًا» فمعناه أنه لا يُترَك من نسله من يتولى المُلك، بدليل قوله بعد ذلك «لاَ يَنْجَحُ مِنْ نَسْلِهِ أَحَدٌ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ» ونتحقق ذلك مما جاء في أخبار أيام الأول من أنه «ابْنَا يَكُنْيَا: أَسِّيرُ وَشَأَلْتِئِيلُ ابْنُهُ» (١أيام ٣: ١٧ – ١٩).

وَشَأَلْتِئِيلُ وَلَدَ زَرُبَّابِلَ جاء في ١أخبار ٣: ١٩ أن زربَّابل هو ابن فدايا أخي شألتئيل، وشرح الأمر أن زربابل هذا هو غير ذاك، أو أن شألتئيل أقام نسلاً شرعياً لأخيه الذي مات بلا نسل.

١٣ – ١٦ «١٣ وَزَرُبَّابِلُ وَلَدَ أَبِيهُودَ. وَأَبِيهُودُ وَلَدَ أَلِيَاقِيمَ. وَأَلِيَاقِيمُ وَلَدَ عَازُورَ. ١٤ وَعَازُورُ وَلَدَ صَادُوقَ. وَصَادُوقُ وَلَدَ أَخِيمَ. وَأَخِيمُ وَلَدَ أَلِيُودَ. ١٥ وَأَلِيُودُ وَلَدَ أَلِيعَازَرَ. وَأَلِيعَازَرُ وَلَدَ مَتَّانَ. وَمَتَّانُ وَلَدَ يَعْقُوبَ. ١٦ وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ ٱلَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ ٱلَّذِي يُدْعَى ٱلْمَسِيحَ».

يوسف هو أبو يسوع الشرعي، وقد قال لوقا إنه ابن هالي (متّى ٣: ٢٣). والمحتمل أنه كان صهر هالي أو ابنهُ بالتبني أو كليهما، وهو الأرجح.

وظل متّى يقول فلان ولد فلان إلى أن وصل إلى يوسف. وحينئذ لم يقل «يوسف ولد يسوع» بل «يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ» (متّى ١: ١٦). وبذلك أثبت أن يسوع من نسل داود ليس بحسب الشريعة فقط (أي بأن يوسف حُسِب أباه في تلك السلسلة) بل بتسلسلهِ الحقيقي من داود بواسطة مريم أمه.

إن سرَّ ولادة فادينا من عذراء لم يُفهَم دفعة واحدة، بل بالتدريج. فكانت الحاجة ماسةً إلى ما يدرأ عنه العار مدة بقاء ذلك السر مكتوماً. فكان الاحتياج شديداً إلى ستر الزواج المكرَّم. ولهذا كان وجود جدول يوسف المحسوب أباه، وهو أبوه الشرعي رجل مريم، ضرورياً جداً. وقد ظنَّ الأكثرون أن مريم كان يتيمة، وكان يوسف وصياً عليها بناءً على عدم ذكر والديها.

١٧ «فَجَمِيعُ ٱلأَجْيَالِ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِلَى دَاوُدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً، وَمِنْ دَاوُدَ إِلَى سَبْيِ بَابِلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً، وَمِنْ سَبْيِ بَابِلَ إِلَى ٱلْمَسِيحِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً».

قسم متّى الأجيال التي بين إبراهيم ويسوع إلى ثلاثة أقسام، في كل قسم منها ١٤ جيلاً، تسهيلاً لتذكُّرها في زمنٍ ندر فيه وجود الكتب والجداول. وليجعل عدد أجيال القسم الثاني ١٤ جيلاً كرَّر اسم داود مرتين. فذكره في آخر القسم الأول وفي بدء القسم الثاني كما ترى في هذا الجدول:

١ يكنيا ١ داود ١ إبراهيم
٢ شألتئيل ٢ سليمان ٢ إسحاق
٣ زربابل ٣ رحبعام ٣ يعقوب
٤ أبيهود ٤ أبيّا ٤ يهوذا
٥ ألياقيم ٥ آسا ٥ فارض
٦ عازور ٦ يهوشافاط ٦ حضرون
٧ صادوق ٧ يوررام ٧ آرام
٨ أخيم ٨ عزيا ٨ عميناداب
٩ أليهود ٩ يوئام ٩ نحشون
١٠ أليعازر ١٠ آحاز ١٠ سلمون
١١ متّان ١١ حزقيا ١١ يوعز
١٢ يعقوب ١٢ منسى ١٢ عوبيد
١٣ يوسف ١٣ أمون ١٣ يسى
١٤ يسوع ١٤ يوشيا ١٤ داود

وظنَّ البعض أن متّى قسم الجدول إلى أقسام كل منها أربعة عشر لأن الأربعة عشر ضعفي السبعة، والسبعة عدد مقدَّس. وقد أهمل بعض الأسماء ليتمكن من هذا التقسيم. وليست الغاية من الجدول ذكر كل حلقات السلسلة، بل ذكر ما يكفي منها ليبرهن أن يسوع بحسب ناسوته ابن داود شرعاً وحقيقة. وانتظار اليهود أن المسيح يولد من بينهم كان السبب الوحيد لذلك الأمر الغريب، وهو حفظ الجداول تماماً نحو ألفي سنة.

والأقسام الثلاثة التي ذكرها متّى من الأسماء تقترن بالأقسام الثلاثة العظمى في تاريخ الأُمَّة اليهودية. ففي مدة الأربعة عشر جيلاً الأولى كانت الأمة تحت حكم القضاة والأنبياء، وفي الثانية كانت تحت حكم الملوك، وفي الثالثة تحت حكم الولاة المكابيين. وقد بلغت الأمة ذروة مجدها في نهاية المدة الأولى تحت رئاسة داود، وانحطت إلى درجة دنيئة بالسبي إلى بابل في نهاية المدة الثانية، ثم عادت فبلغت مجدها السابق في نهاية المدة الثالثة بمجيء المسيح. وابتدأت المدة الأولى من إبراهيم صاحب الوعد وانتهت بداود الذي كرر الوعد له بأشد وضوح. وابتدأت الثانية ببناء الهيكل وانتهت بهدمه. وابتدأت الثالثة بنجاة الأُمَّة من السبي الزمني وانتهت بظهور من ينجيها وينجي كل البشر من السبي الروحي.

ملاحظات على نسب المسيح

نرى مما تقدَّم صِدق الله في حفظ وعده، فقد وعد قبل ذلك بألفي سنة أَنَّه بنسل إبراهيم تتبارك كل قبائل الأرض. وهذا يتضمَّن قيام مخلِّص من بيت داود. وقد تبرهن مما سبق أن يسوع كان ابن داود وابن إبراهيم، فيكون قد تم وعد الله، ولم تعقه شيخوخة إبراهيم ولا عقم سارة، ولا عبودية نسله في مصر، ولا كفرهم في البريَّة، ولا خطية داود ولا خطايا الملوك الذين خلفوه، ولا سبي الشعب بعد انحطاط مملكتهم. فالله يتمم وعده ووعيده، وإن أبطأ. فقد قصد وامتحن إيمان شعبهِ اليوم كما امتحن إيمان شعبه اليهود في أمر مجيء المسيح.

تنازل ربنا ورحمتُه، فعندما نقرأ أسماء أسلاف المسيح نجد بينهم من ارتكب خطايا فظيعة، ولا تنازل مثل تنازل من رضي أن يولد وهو ابن الله من امرأة، متخذاً صورة جسد خاطئ (رومية ٨: ٣).

شفقة يسوع واستعدادهُ لقبول التائبين مهما كانت خطاياهم، لأنه إن كان لم يستحِ أن يُحسب من نسل خطاة كبعض هؤلاء، فلا يستحي أن يعترف أنه أخ ومخلِّص لمذنبين آخرين، إن رجعوا إليه تائبين.

وجود مثل راحاب وراعوث اللتين ليستا من نسل إسرائيل في نسب المسيح، يبين أنه مخلِّصٌ لليهود والأمم معاً.

عدم تعرُّض متّى ولوقا لبيان سبب الفرق بين جدوليهما، يبرهن أنه لم يقف أحدهما على كتابة الآخر، ولا على إنجيل آخر أقدم مما كتباه، ليكونا قد اقتبسا منه.

هذا الجدول الذي نُقل عن كتب اليهود بأمر الروح القدس يثبت لنا حقائق واجبة التصديق، فهو يثبت حقيقة جوهرية تقدمت في افتتاح الإنجيل، وهي تجسد المسيح، أي اتحاد طبيعته الإلهية والبشرية وسلطانه بالوراثة عن داود. فلا يظن أحد أن لا قيمة لهذا الجزء من الإنجيل.

١٨ «أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ فَكَانَتْ هٰكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ».

لوقا ١: ٢٧، ٣٥

كان يسوع آدم الثاني ومخلص العالم، فوجب ألاَّ يولد كما يولد بقيَّة الناس، فلذلك وُلد من عذراء بقوة الروح القدس (لوقا ١: ٣٥). ووُلد من عذراء ليولد بلا خطية، ومن مخطوبة ليكون اسمها محفوظاً من التهم إذ تجد الحماية من خطيبها، وليكون الزواج مكرَّماً.

مَخْطُوبَةً كانت المدَّة بين الخطبة والزواج وقتئذٍ سنةً على الأغلب، ولكن كان يمكن تطويلها أو تقصيرها كما تقتضي الأحوال. وكانت هذه المدة تمر على البنت وهي في بيت أبيها (تثنية ٢٠: ٧). وكان عدم أمانتها في خلال تلك المدة يُعد زناً يوجب القصاص. وإذا أبى خطيبها أن يُتمم وعدهُ كان عليه أن يسلمها كتاب طلاق حسب سنَّة الطلاق بعد الزواج.

وُجِدَتْ حُبْلَى يُرجح أن يكون ذلك بعد رجوعها من زيارتها لأليصابات بنحو ثلاثة أشهر (لوقا ١: ٣٩). ومعنى ذلك أن أمرها ظهر لها وليوسف، ويُحتمل أن آخرين عرفوا ذلك، أخبرتهم هي به.

مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ هذا هو الحق، ولكن يوسف وأصحابه لم يعرفوه وقتئذٍ.

١٩ «فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارّاً، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً».

تثنية ٢٤: ١

رَجُلُهَا أي خطيبها حسب اصطلاح اليهود زمن الخطبة، لأن الخطيب كان يُحسب عندهم كالزوج.

بَارّاً أي عادلاً يعمل ما هو مستقيم. لأنه لو حكم بظاهر الأمر لكان ظالماً. لكنه كان باراً فلم يحكم عليها بدون أن يعطيها فرصة لتبرر نفسها، دون أن يغض الطرف عن ظواهر الأمر.

وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا أي أنه لم يرد أن يشتكي عليها للحكام ويعرضها للاحتقار والرجم كزانية (تثنية ٢٢: ٢٣، ٢٤) مع احتمال براءتها.

تخليتها: كان له حق بذلك بإعطائه إياها كتاب طلاقٍ حسب ما قيل في تثنية ٢٤: ١.

٢٠ «وَلٰكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هٰذِهِ ٱلأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ ٱلرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: يَا يُوسُفُ ٱبْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ ٱمْرَأَتَكَ، لأَنَّ ٱلَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ».

لوقا ١: ٣٥

وفِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ لم يفعل شيئاً بالطيش والغضب بل فكر بتؤدة كيف يتصرَّف. والله ينير عقول جميع الذين يحبون معرفة واجباتهم.

مَلاَكُ ذُكر اسم الملاك الذي أُرسل إلى مريم وهو جبرائيل، ولم يُذكر اسم الذي ظهر ليوسف. وكان الملائكة الذين هم أرواح للخدمة يظهرون قبل المسيح للناس ليعلنوا إرادة الله.

فِي حُلْمٍ ظهر الملاك لمريم في اليقظة، لأن تسليم إرادتها وإظهار إيمانها كانا ضروريين في الأمر المُعلن لها. وظهر ليوسف في الحلم، لأنه كان محتاجاً لقبول الإعلان بالإيمان. وهذه هي الطريقة المعتادة التي عليها كان الله يُظهر إرادته للأنبياء الأقدمين ولشعبه. ولكن بعد ما أتى المسيح وحلَّ الروح القدس لم يبقَ احتياج إلى ظهور الملائكة. ولا نستطيع أن نعرف بأي طريقة كانوا يميزون بين الأحلام التي من الله والأحلام المعتادة. والقول بأن الله يُعلن إرادته الآن في الأحلام وهمٌ محض.

يُوسُفُ ٱبْنَ دَاوُدَ بتسميته «ابن داود» تذكيرٌ بمواعيد الله لداود من جهة المسيح، وتهيئة لقلبه لينتظر إتمامها بواسطة خطيبته، وتأكيد له أن ما يأمره به لا يخالف هذا الانتظار.

لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ أي لا تشكّ. وهذا يعلمنا أن الله لا يأتي بشعبه إلى الضيق والشك إلا بعد أن يجهز لهم باب الفرج. فمن تبرير مريم نتعلم أن ذوي الضمائر الصالحة يجب ألا يخافوا، بل يجب أن يتكلوا على الله، وهو يبررهم من كل تهمة باطلة.

مريم امرأتك: تسمية الملاك لها بذلك دلالة على استحقاقها له، وأنها لم تقترف ذنباً يحرمها تلك النسبة.

مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ولادته كانت بقوة الله، فقد صار ابنُ الله ابنَ الإنسان حقيقةً، إلا أنه لم يشترك في الطبيعة الفاسدة التي تعم كل من تسلسل من آدم تسلسلاً طبيعياً. وهكذا صار حَمل الله المُنزَّه عن العيب والدنس ذبيحة لائقة بأن تتقدم عن خطايا الناس.

٢١ «فَسَتَلِدُ ٱبْناً وَتَدْعُو ٱسْمَهُ يَسُوعَ، لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ».

لوقا ١: ٣١، أعمال ٤: ١٢ و٥: ٣١ و١٣: ٢٣، ٣٨

يَسُوع أي مخلِّص. لُقِّب المسيح في العهد القديم بألقاب كثيرة، ولكنه لم يلقَّب بيسوع إلا من الملاك جبرائيل عندما بَشَّر أمه به قبلما حبلت به (لوقا ١: ٣١). وهو اسم كان مألوفاً بين اليهود.

يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُم انتظر اليهود مسيحاً ينقذهم من نير استعمار الرومان. أما الملاك فأخبر يوسف بمخلص روحاني ينجيهم من عبودية الخطية وسلطتها ودنسها وقصاصها الهائل، وذلك ببذل حياته فداءً عنهم، وإعطاء روحه لتقديسهم (يوحنا ١٦: ٧، ٨). ولم يقل الملاك إنه «يخلص شعبه وهم في خطاياهم» بل «من خطاياهم». فما دام الإنسان تحت سلطة الخطية لا يمكن أن يكون من شعب المسيح.

يخلص: وحده، بسلطانه المطلق، دون معونة من أحد غيره.

شَعْبَهُ اليهود أولاً (١بطرس ٢: ٩) وبعد ذلك كل من يؤمنون به من كل أمةٍ (أعمال ١٣: ٤٧).

٢٢ «وَهٰذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ ٱلرَّبِّ بِٱلنَّبِيِّ».

إشعياء ٧: ١٤

هذه الآية ليست من قول الملاك، بل ملاحظة أضافها متَّى. وقد صار ميلاد المسيح بموجب قصد إلهي أُعلن في نبوَّة، تمَّ بعضها جزئياً في أيام إشعياء، وتمت كلها في أيام المسيح.

٢٣ «هُوَذَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْناً، وَيَدْعُونَ ٱسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ (ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ: ٱللّٰهُ مَعَنَا)».

وردت هذه النبوة في إشعياء ٧: ١٤ وأُوحي بها نحو سنة ٧٤٠ ق. م والعبارة منقولة عن الترجمة السبعينية (وهي ترجمة نقلها من العبرانية إلى اليونانية بعض علماء اليهود في الإسكندرية بين سنة ٢٠٠ و٣٠٠ ق.م، وهي النسخة التي غلب استعمال اليهود لها في أيام المسيح، وفي القرون الأولى للكنيسة المسيحية). وظن البعض أن هذه النبوة تمت أولاً في أيام آحاز الملك في ولادة ولد من فتاة كانت حينئذ عذراء لكنها تزوجت فيما بعد، ثم تمَّت ثانياً بأسمى معنى بولادة المسيح. وظنَّ آخرون أن إشعياء لم يُشر إلا إلى يسوع ابن مريم. والرأي الأول هو الأرجح، لأننا رأينا كثيراً أن النبوة الواحدة تمت مرات عديدة.

عِمَّانُوئِيلَ معنى هذا الاسم «الله معنا» وهو يناسب طبيعة المسيح، الذي في شخصه يقف الله مع شعبه، يحميهم ويهديهم ويسوسهم. والأسماء الثلاثة التي هي: «المسيح» أي الكاهن الممسوح، و «عمانوئيل» أي الله معنا، و «يسوع» أي المخلص. وهي تشتمل على التعاليم العظمى في الإنجيل المتعلقة بربنا. فإنه كفارة عن خطايانا في الماضي، ورفيقنا في الحاضر، ومنقذنا من سلطة الخطية وعقابها في المستقبل. ونحن محتاجون إلى مخلِّص يكون إلهاً تاماً وإنساناً تاماً. ولا نجد ذلك إلا في شخص يسوع المسيح، الذي هو الله معنا.

٢٤ «فَلَمَّا ٱسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ ٱلنَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ، وَأَخَذَ ٱمْرَأَتَهُ».

ثبَّت حلمُ يوسف بشارةَ الملاك لمريم، وجعله يتيقَّن عفتها، فذهب شكُّه وتردده في أن يأخذها إلى بيته ويقوم باحتفال العرس العادي، يقدم لها العناية والحماية الواجبة حفظاً لصيتها. ونحن، لننال الاطمئنان الحق في زمن التجربة يجب أن نسلم أنفسنا إلى الله، وهو يقودنا إلى ما به كل خير.

٢٥ «وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ٱبْنَهَا ٱلْبِكْرَ. وَدَعَا ٱسْمَهُ يَسُوعَ».

خروج ١٣: ٢ ولوقا ٢: ٧، ٢١

وَلَمْ يَعْرِفْهَا أي لم يعش معها كزوج. والأمر الجوهري الذي يجب ملاحظته في هذه الآية هو أن مريم بقيت عذراء حتى ولدت ابنها البكر.

وَدَعَا ٱسْمَهُ يَسُوع تعيَّن له هذا الاسم بأمر إلهي (ع ٢١) وسُمي به يوم الختان الذي هو اليوم الثامن من ميلاده.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى