إنجيل مرقس

إنجيل مرقس | 16 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح إنجيل مرقس

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح السادس عشر

القيامة ع ١ إلى ٨

١ – ٨ «١ وَبَعْدَمَا مَضَى ٱلسَّبْتُ، ٱشْتَرَتْ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ، حَنُوطاً لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّهُ.٢ وَبَاكِراً جِدّاً فِي أَّوَلِ ٱلأُسْبُوعِ أَتَيْنَ إِلَى ٱلْقَبْرِ إِذْ طَلَعَتِ ٱلشَّمْسُ. ٣ وَكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ: مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا ٱلْحَجَرَ عَنْ بَابِ ٱلْقَبْرِ؟ ٤ فَتَطَلَّعْنَ وَرَأَيْنَ أَنَّ ٱلْحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ! لأَنَّهُ كَانَ عَظِيماً جِدّاً. ٥ وَلَمَّا دَخَلْنَ ٱلْقَبْرَ رَأَيْنَ شَابّاً جَالِساً عَنِ ٱلْيَمِينِ لاَبِساً حُلَّةً بَيْضَاءَ، فَٱنْدَهَشْنَ. ٦ فَقَالَ لَهُنَّ: لاَ تَنْدَهِشْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ ٱلْمَصْلُوبَ. قَدْ قَامَ! لَيْسَ هُوَ هٰهُنَا. هُوَذَا ٱلْمَوْضِعُ ٱلَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ. ٧ لٰكِنِ ٱذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ إِنَّهُ يَسْبِقُكُمْ إِلَى ٱلْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ كَمَا قَالَ لَكُمْ. ٨ فَخَرَجْنَ سَرِيعاً وَهَرَبْنَ مِنَ ٱلْقَبْرِ، لأَنَّ ٱلرِّعْدَةَ وَٱلْحَيْرَةَ أَخَذَتَاهُنَّ. وَلَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئاً لأَنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ».

متّى ٢٨: ١ ولوقا ٢٤: ١ ويوحنا ٢٠: ١، لوقا ٢٣: ٥٦، لوقا ٢٤: ٤ ويوحنا ٢٠: ١١ و١٢، متّى ٢٦: ٣٢ وص ١٤: ٢٨، متّى ٢٨: ٨ الخ ولوقا ٢٤: ٩ الخ

انظر الشرح متّى ٢٨: ١ – ٨.

ظهر من نبإ مرقس بالقيامة أن قصده ذكر الوسائط التي زالت بها شكوك التلاميذ من جهة قيامة المسيح وأعدت قلوبهم لقبول المسيح مخلصاً وملكاً وأن يأخذوا منه المرسلية للتبشير بإنجيله. وتلك الوسائط أربع:

  • الأولى: الخبر الذي بلغهم بأفواه النساء (ع ١ – ٨).
  • والثانية: الخبر الذي وصلهم بفم مريم المجدلية (ع ٩ – ١١).
  • والثالثة: النبأ الذي سمعوه من التلميذين اللذين ذهبا إلى عمواس ورجعا (ع ١٢ و١٣).
  • والرابعة: ظهور يسوع لهم عياناً (ع ١٤).

ثم ختم كلامه بأمر المسيح إياهم بالتبشير الذي هو غرض المرسليّة وبصعوده.

وَبَعْدَمَا مَضَى ٱلسَّبْتُ مرّ على يسوع وهو في القبر قسم صغير من يوم الجمعة وليلة السبت ونهار السبت وليلة الأحد وشيء من صباحه وذلك ثلاثة أيام حسب اصطلاح اليهود (١صموئيل ٣٠: ١٢ و١٣ و٢أيام ١٠: ٥ و١٢ ومتّى ١٢: ٤٠ و٢٧: ٦٣ و٦٤ ويوحنا ٢: ١٩).

ٱشْتَرَتْ يحتمل أن الشراء كان بعد غروب شمس السبت. وذكر مرقس أن المشتريات والآتيات إلى القبر ثلاث. وذكر متّى اثنتين منهما والتي لم يذكرها هي سالومة. وذكر مرقس أنهنّ قصدن القبر بالحنوط لدهن جسد يسوع ومتّى لم يذكر ذلك. وهذا علامة محبتهن للمسيح ودليل على أنهن لم يتوقعن قيامته. وذكر لوقا جماعة أخرى من النساء أتت بعد الأولى بحنوط اشترتها يوم الجمعة قبل المغرب وأتت أولئك النساء بالحنوط والأطياب زيادة على ما وضعه يوسف ونيقوديموس على جسد يسوع (لوقا ٢٣: ٥٦ و٢٤: ١).

بَاكِراً جِدّاً (ع ٢) قال يوحنا «بَاكِراً وَٱلظَّلاَمُ بَاقٍ» (يوحنا ٢٠: ١). والأرجح أنهن خرجن من بيوتهن في المدينة والظلام باق ووصلن القبر عند طلوع الشمس.

مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا ٱلْحَجَرَ (ع ٣) لم يذكر ذلك أحد سوى مرقس وهو يدل على أنهن كن مهتمات بدحرجة ذلك الحجر ومضطربات منه. والظاهر أنهنّ لم يعرفن أن رؤساء الكهنة ذهبوا إلى بيلاطس وأنه أعطاهم عسكراً ليحرسوا القبر ولم يبلغهن أنهم ختموا الحجر فلم يكن اهتمامهن بسوى دحرجة ذلك الحجر.

فَتَطَلَّعْنَ وَرَأَيْنَ (ع ٤) لعلهن مشين إلى القبر مطرقات لما عراهن من الحزن حتى قربن من القبر فرفعن رؤسهن ونظرن إلى القبر. ويوافق أنباء الإنجيليين بالقيامة أن مريم المجدلية حالما رأت القبر مفتوحاً رجعت وحدها مسرعة وأخبرت بطرس ويوحنا ثم رجعت وراءهما وبقيت عند القبر بعدما ذهبا وحينئذ رأت المسيح في البستان (يوحنا ٢٠: ١٤ و١٥).

لأَنَّهُ كَانَ عَظِيماً جِدّاً هذا متعلق بالسؤال وهو قول النساء «من يدحرج الخ» وهو علة سؤالهن.

شَابّا (ع ٥) هو ملاك ظهر لهنّ بهيئة شاب (متّى ٢٨: ١ و٥).

جَالِساً عَنِ ٱلْيَمِين هذا لا ينافي قول متّى أن الملاك «دَحْرَجَ ٱلْحَجَرَ عَنِ ٱلْبَابِ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ» (متّى ٢٨: ٢) لأن جلوسه على الحجر في أول الأمر لا يمنع من انتقاله إلى موضع آخر. ولا يلزم من قول مرقس «لَمَّا دَخَلْنَ ٱلْقَبْرَ رَأَيْنَ شَابّاً جَالِساً عَنِ ٱلْيَمِينِ» أنه كان داخل القبر لاحتماله مشاهدة النساء إياه بعد دخولهن القبر جالساً عن يمين المدخل. فلا دليل قطعي من ذلك على أنه كان داخل القبر أو خارجه.

لاَبِساً حُلَّةً بَيْضَاءَ هي مثل ملبوس السماويين الذين رآهم يوحنا (رؤيا ٧: ٩ و١٣).

لاَ تَنْدَهِشْنَ سكن خوفهن أولاً ثم أجابهن على سؤال قلوبهن قبل أن أظهرنه بأفواههن بقوله أن يسوع «قد قام».

ٱلنَّاصِرِيَّ ٱلْمَصْلُوبَ قرن الملاك الكلمتين اللتين أشار بهما إلى عظمة ارتفاع يسوع وهو قوله «قد قام» بكلمتين دل بهما على فرط اتضاعه وهو قوله «الناصري المصلوب».

ٱلرِّعْدَةَ وَٱلْحَيْرَةَ أَخَذَتَاهُنَّ (ع ٨) أخذتهن الرعدة أي الخوف من مشاهدتهن الملاك. والحيرة مما أخبرهن به من قيامة المسيح.

وَلَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئاً لا يلزم من هذا ان النساء لم بخبرن الأحد عشر كما أمرهما الملاك (ع ٧). إنما لم يقلن لأحد من الطريق ولكنهن أسرعن إلى الرسل وأخبرنهم بدون عاقة أو وقوف في الطريق (لوقا ٢٤: ٩ و١٠). ويظهر من خبر متّى أن يسوع لاقاهنّ وهنّ راجعات (متّى ٢٨: ٩).

ظهور يسوع لمريم المجدلية ع ٩ إلى ١١

٩ – ١١ «٩ وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِراً فِي أَوَّلِ ٱلأُسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ ٱلْمَجْدَلِيَّةِ، ٱلَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ. ١٠ فَذَهَبَتْ هٰذِهِ وَأَخْبَرَتِ ٱلَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَهُمْ يَنُوحُونَ وَيَبْكُونَ. ١١ فَلَمَّا سَمِعَ أُولٰئِكَ أَنَّهُ حَيٌّ، وَقَدْ نَظَرَتْهُ، لَمْ يُصَدِّقُوا».

لوقا ٨: ٢ ويوحنا ٢٠: ١٤ و١٨

بَعْدَمَا قَامَ ذكر مرقس في أول هذا الأصحاح ظهور الملاك مبشراً بقيامة المسيح وذلك مقدمة لما قاله بعد عند ظهور المسيح نفسه.

ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ ٱلْمَجْدَلِيَّةِ ذكر متّى ومرقس ولوقا أنها أتت مع سائر النساء لتدهن المسيح بالطيب. ونستنتج من الخبرين أنها تركت سائر النساء لما رأت القبر مفتوحاً وذهبت لتخبر بطرس ويوحنا ثم رجعت. وبعد رجوعها ظهر لها يسوع وحدها كما ذُكر هنا وكما ذكره يوحنا بالتفصيل (يوحنا ٢٠: ١١ – ١٨).

ويصعب علينا أن نقطع بأن مرقس قصد بقوله «ظهر أولاً لمريم» أوّل كل ظهور أو أوّل ما ذكره هنا من مرّات ظهوره الثلاث. وإن كان المراد الثاني فهو مثل قوله «أخيراً ظهر للأحد عشر» ع ١٤ لأنا نعلم أنه لم يقصد هنالك آخر كل ظهور للمسيح لأنه ظهر بعد ذلك لأكثر من خمس مئة أخ في الجليل (١كورنثوس ١٥: ٥ – ٨).

أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ جاء هذا الخبر في إنجيل لوقا ٨: ٢ وهو في كلا الموضعين بلا تفصيل. ومن الخطإ أن لا نميز بينها وبين المرأة الخاطئة التي دهنت قدمي يسوع في بيت سمعان الفريسي. وأن لا نفرق بينها وبين مريم أخت لعازر التي دهنته لتكفينه. ولعلّ ذكر صنيع المسيح لها في نبإ القيامة هي بيان علة أنها كانت أكثر اعترافاً ليسوع بمنّهِ وأوفر غيرة في خدمته وأشد حزناً على موته وفرحاً بقيامته.

ٱلَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ أي تلاميذ المسيح. وفي هذا تلميح إلى أنهم كانوا قد يئسوا منه. وأنهم لم يبقوا له لأنه مات ومات رجاءهم معه.

وَهُمْ يَنُوحُونَ وَيَبْكُونَ يبيّن من هذا كيف تقضي الوقت بعد موت المسيح على تلاميذه وأصدقائه فإنهم كانوا يندبونه ويأسفون على خيبة آمالهم المبنية عليه. ولو عرفوا حقيقة الواقع لكانوا فرحوا بدلاً من ان يحزنوا.

لَمْ يُصَدِّقُوا لأنهم لم يتوقعوا أخباراً سارة كهذه (لوقا ٢٤: ١١).

وشكهم في أول الأمر بقيامة المسيح يقوي ثقتنا بشهادتهم بها بعد تيقنهم. شكوا وقتاً قصيراً لكي لا نشك أبداً. وهذا يدلنا على أن الرسل لم يكونوا من أهل الأوهام وفق أغراضهم ولا التخيلات الموافقة لآمالهم. وأن شكوكهم لم تَزٌل إلا شيئاً فشيئاً على توالي البراهين القاطعة.

ظهور المسيح للتلميذين ثم للأحد عشر رسولاً ع ١٢ إلى ١٨

١٢ «وَبَعْدَ ذٰلِكَ ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى لاثْنَيْنِ مِنْهُمْ، وَهُمَا يَمْشِيَانِ مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ».

لوقا ٢٤: ١٣ الخ

وَبَعْدَ ذٰلِكَ أي بعد ظهور المسيح لمريم المجدلية (ع ٩).

ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى هذا الظهور الثاني على ما ذكره مرقس وبينه لوقا بالتفصيل (لوقا ٢٤: ١٣ – ٣٥). وقد مرّ الكلام على كل مرات ظهور المسيح بعد قيامته في الشرح (متّى ٢٨: ١٧).

والذي عبّر عنه مرقس هنا بقوله «بهيئة أخرى» عبّر عنه لوقا بقوله «أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ» (لوقا ٢٤: ١٦). والذي نفهمه من ذلك أن هيئة المسيح تغيرت قليلاً عما كانت قبل صلبه حتى يتوقف الناظر عن معرفته في أول الأمر.

مِنْهُمْ أي من الذين تبعوه وأحدهما كلوبا والآخر مجهول (لوقا ٢٤: ١٨).

وَهُمَا يَمْشِيَانِ ظهر لهما يسوع وهما سائران من أورشليم إلى عمواس ولم يعرفاه في أول سيره معهما لكنهما عرفاه في آخره عند كسره الخبز معهما (لوقا ٢٤: ٣٥).

١٣ «وَذَهَبَ هٰذَانِ وَأَخْبَرَا ٱلْبَاقِينَ، فَلَمْ يُصَدِّقُوا وَلاَ هٰذَيْنِ».

وَذَهَبَ هٰذَانِ أي التلميذان المذكوران في ع ١٢ وكانا راجعين من عمواس إلى أورشليم.

ٱلْبَاقِين هم الرسل وغيرهم من تلاميذ المسيح في أورشليم.

فَلَمْ يُصَدِّقُوا هذا كالقول في ع ١١. والذي حمل مرقس على ذكر ما ذكره من مرات ظهور المسيح بيان أن التلاميذ لم يصدقوا قيامة المسيح في أول الأمر وأن شكوكهم ما زالت إلا بالصعوبة وتوالي البراهين الكثيرة. ويتبين مما قيل هنا أن ليس توما وحده كان مستحق اللوم لعدم قبوله الشهادة الصريحة بقيامة المسيح بل أن كلهم وقعوا في أول الأمر في تلك الدينونة عينها. ولعلّ الذي زادهم ريباً هو ظهور المسيح بغتة لأناس مختلفين في محال مختلفة ثم اختفاؤه كذلك. فتحيروا بين أن يكون ذلك الظهور في عالم الرؤيا أو في عالم الحقيقة.

١٤ «أَخِيراً ظَهَرَ لِلأَحَدَ عَشَرَ وَهُمْ مُتَّكِئُونَ، وَوَبَّخَ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ وَقَسَاوَةَ قُلُوبِهِمْ، لأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا ٱلَّذِينَ نَظَرُوهُ قَدْ قَامَ».

لوقا ٢٤: ٣٦ الخ ويوحنا ٢٠: ١٩ و١كورنثوس ١٥: ٥

هذا ظهور المسيح المرة الأخيرة من الثلاث التي ذكرها مرقس والاثنان السابقتان إعداد الرسل لقبوله بلا ريب. واقتصار مرقس على ذكر هذه الثلاث لا ينفي أن المسيح ظهر غيرها إذ الأرجح أنه ظهرا مراراً كثيرة قبل صعوده في الأربعين يوماً التي بقي فيها على الأرض بعد قيامته.

وَهُمْ مُتَّكِئُونَ أي وهم يأكلون وهذا يدل على أنهم لم يتفرقوا بل بقوا عصابة واحدة تأكل من مائدة واحدة مع ذهاب رئيسها عنها ويأسها من رجوعه. وربما كان الظهور الذي ذكره مرقس هنا عين الظهور الذي ذكره لوقا في ص ٢٤: ٣٦ – ٤٣.

وَبَّخَ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ أي وبخهم على أنهم لم يؤمنوا بقيامته. وحق عليهم ذلك التوبيخ لأنه كان لهم أنباء كثيرة بها وهي ما سمعوا من لسانه. وشهادة الملائكة الذين أرسلوا إليهم (ع ٥ و٦). وشهادة النساء (ع ٨). وشهادة مريم المجدلية بأنها رأته حياً بعد موته (ع ١١). وشهادة التلميذين اللذين كانا ذاهبين إلى عمواس (ع ١٣). ومع كل ذلك لم يقتنعوا بأنه قام. فأخطأوا جميعاً في ذلك لا توما فقط. والأرجح أن توبيخ المسيح لهم لم يقترن بالغضب بل بالحزن.

قَسَاوَةَ قُلُوبِهِمْ تُنسب القساوة إلى قلب الإنسان إذا لم يقتنع بالبراهين الكافية. لأن ذلك يكون غالباً مما اعتاده الإنسان من المبادئ والآراء السابقة (ص ٨: ١٧). ولما سمعوه يخاطبهم بلهجته لم يمكنهم أن يبقوا في ريبهم وقساوتهم.

لأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا وبخهم المسيح على عدم تصديقهم مع وفرة الشهادات بقيامته وصحة البراهين على حقيقة وقوعها.

١٥ «وَقَالَ لَهُمُ: ٱذْهَبُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ أَجْمَعَ وَٱكْرِزُوا بِٱلإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا».

متّى ٢٨: ١٩ ويوحنا ١٥: ١٦، كولوسي ١: ٢٣

وَقَالَ لَهُمُ ربما قال لهم ذلك في اجتماع غير الاجتماع المذكور في العدد السابق. وهذه هي المرسلية العظيمة التي أوصى بها المسيح تلاميذه بعد قيامته. وذكرها متّى في آخر بشارته (متّى ٢٨: ١٦ – ٢٠).

ولم يتحقق أن وقت الوصية التي ذكرها مرقس هو وقت الوصية التي ذكرها متّى. والمعلوم من قول متّى أن ما ذكره قيل في الجليل ومرقس لم يعين الموضع. ولا عجب من أن المسيح قال ذلك في أورشليم لبعض التلاميذ ثم قاله لكل التلاميذ في الجليل بعد ذلك. ومرقس اختصر الأنباء بتلك المرسلية العظمى بقطع النظر عن زمانها ومكانها. وظن البعض أن مرقس جمع هنا مضمون ما قاله المسيح في ثلاثة اجتماعات وهي الاجتماع بالأحد عشر (متّى ٢٤: ٣٦ – ٣٩). والاجتماع على الجبل في الجليل (متّى ٢٨: ١٦ – ٢٠). والاجتماع وقت صعوده إلى السماء وهو الذي ذُكر في هذا الأصحاح ع ١٩ وفي آخر بشارة لوقا في الأصحاح الأول من سفر الأعمال.

ٱذْهَبُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ أَجْمَعَ انظر الشرح متّى ١٣: ٣٨ و٢٨: ١٩.

وجّه المسيح أولاً قوله «اذهبوا إلى الرسل» فكان عليهم أن يذهبوا إلى أبعد ما يستطيعون الوصول إليه من الأماكن للتبشير بالإنجيل. ولكن بما أنه لم يكن في طاقتهم إلا أن يبلغوا جزءاً صغيراً من الأرض في مدتهم القصيرة وبما أن العالم كله محتاج إلى الإنجيل في كل عصر كان ذلك الأمر بالضرورة موجهاً ثانية إلى كل الكنيسة في كل عصر. وقد ظهر من ذلك أن إرادة رب الكنيسة كنيسته أن تكون كنيسة مرسلية قائمة ببشرى الخلاص وحاسبة إياها من أول واجباتها.

ونستنتج من قوله «اذهبوا… واكرزوا» أنه لا يكفي أن نبشر الذين يأتون إلينا طالبين الإرشاد بل يجب علينا أن نفتش عن الضالين والجاهلين طريق الخلاص ونعلمهم ونرشدهم.

ٱكْرِزُوا بِٱلإِنْجِيلِ أي نادوا بالبشارة السارة وهي أن يسوع الذي صُلب قد قام من الموت وهو حي ومستعد أن يخلص كل من يأتي إليه. وقوله «اكرزوا بالإنجيل» كقوله «تلمذوا» لأن الإنجيل هو الواسطة الوحيدة للتلمذة. ويلزم من أمر المسيح تلاميذه بتلك الكرازة أنه لم يبق أدنى شك في قيامته. ومناداتهم لم تكن إلا عن يقين تام.

لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا أي لجميع الناس من كل الصنوف بقطع النظر عن رتبهم وألوانهم وبلادهم وتمدنهم وعصورهم. وقول مرقس «للخليقة كلها» أعم من قول متّى «جميع الأمم» وهو أعم من أمر المسيح لتلاميذه في أول إرسالهم للتبشير. لانه لم يرسلهم يومئذ إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة (متّى ١٠: ٦) وأما هنا يأمرهم بتبشير الجنس البشري الضال.

ولم يعلن قبل ذلك دين عام يوافق كل صنوف البشر. ولا دليل على أن أحداً من الناس ظن ذلك ممكناً.

١٦ «مَنْ آمَنَ وَٱعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ».

يوحنا ٣: ١٨ و٣٦ وأعمال ٢: ٣٨ و١٦: ٣٠ – ٣٢ ورومية ١٠: ٩ و١بطرس ٣: ٢١، يوحنا ١٢: ٤٨

هذا إعلان المسيح بالتعليم الجوهري وهو أن الخلاص بالإيمان. وقرن المسيح الأمر بالتبشير بالإنجيل بالوعد بأفضل البركات وهو الخلاص. والوعيد بشر النازلات وهو الهلاك وكل ذلك شرط على كل بشر. فلا يستطيع أحد أن يسمع الإنجيل إلا بأن يكون له إما رائحة حياة للحياة وإما رائحة موت للموت.

مَنْ آمَنَ أي من صدّق أن يسوع الناصري هو ابن الله وأن هذا المصلوب قام وصار قادراً على تخليص كل من يؤمن به ويقبله مخلصاً. فالإيمان بالإنجيل كالإيمان بالمسيح فالذي يؤمن بأن الإنجيل حق وأنه من الله ويقبل الخلاص المنادى به فيه يقبل المسيح لأن خلاصة الإنجيل الشهادة ليسوع (رومية ٤: ٢٤ و١يوحنا ٥: ٩ – ١٣). وأبان متّى بما نقله عن المسيح الأعمال التي تقترن بالإيمان وهو قوله «وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ» (متّى ٢٨: ٢٠).

وَٱعْتَمَدَ انظر الشرح متّى ٢٨: ١٩.

وذكر هنا وجوب العماد لأنه إقرار علني بإيمان القلب. فكأنه قال الذي يؤمن بي ويقر بإيمانه قدام الناس يخلص. ولأن المسيح أمر بالمعمودية وجب أن ينظر إليها كأمر ذي شأن. ومن استحى أن يقر بالمسيح على هذا الأسلوب فليذكر قوله تعالى «لأَنَّ مَنِ ٱسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي، فَبِهٰذَا يَسْتَحِي ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِهِ وَمَجْدِ ٱلآبِ وَٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ» (لوقا ٩: ٢٦). فالذي يؤمن بالمسيح يرغب في أن يطيع هذا الأمر وسائر أوامرّ الرب. وإهمال هذا الأمر حين استطاعة القيام به يدل على عدم الإيمان الحقيقي لأن هذا الإيمان يقود إلى الطاعة أبداً. وحين لا يستطيع العماد مع وجود الإيمان يقبل الإيمان وحده فإن اللص آمن بالمسيح على الصليب ولم يعتمد ومع ذلك ذهب إلى الفردوس وكثيرون من الشهداء قتلوا قبل أن يتعمدوا. فمعمودية الماء إشارة إلى معمودية الروح أي تجديد القلب الذي بدونه لا يرى أحد ملكوت الله (يوحنا ٣: ٣). وهي أيضاً ختم عهد الله مع المؤمنين فحلّت محل الختان الذي هو ختم ذلك العهد مع إبراهيم ونسله (تكوين ١٧: ٩ و١١).

خَلَصَ أي نجا من الإثم وسلطة الدينونة وعقابها.

وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ رفض الإنجيل للاعتقاد بأنه كاذب علة الهلاك الأبدي لأنه رفض المسيح الذي ليس بغيره الخلاص. وهذا وفق ما قيل في يوحنا ٣: ١٨ و١٩ و١٥: ٢٢ وعبرانيين ٢: ٣. ولم يقل هنا على عدم العماد ما قيل على عدم الإيمان. فعدم الإيمان يهلك أبداً ولكن عدم العماد لمانعٍ ليس كذلك ولا يمنع من الخلاص إن وُجد الإيمان.

يُدَنْ سبق تفسير ذلك في الشرح متّى ٢٤: ٥١ و٢٥: ٣٠ و٤٦ ومرقس ٩: ٤٣ – ٤٩. والمعنى أن الخاطئ الذي لا يؤمن يُترك للدينونة التي تحق عليه لأجل خطاياه ولا يشترك في الخلاص الذي اشتراه المسيح بدمه.

١٧ «وَهٰذِهِ ٱلآيَاتُ تَتْبَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ ٱلشَّيَاطِينَ بِٱسْمِي، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ».

لوقا ١٠: ١٧ وأعمال ٥: ١٦ و٨: ٧ و١٦: ١٨ و١٩: ١٢، أعمال ٢: ٤ و١٠: ٤٦ و١٩: ٦ و١كورنثوس ١٢: ١٠ و٢٨

ما قاله سائر البشيرين إجمالاً قاله مرقس هنا تفصيلاً.

وَهٰذِهِ ٱلآيَاتُ تَتْبَعُ كل الأدلة تبين أن ما وعد المسيح به هنا كان مقصوراً على وقت تأسيس كنيسته وأنه لم يفعل أحد من المؤمنين شيئاً من المعجزات بعدما أُسست الكنيسة. لكن نهاية وقت المعجزات لم تُعلم تمام العلم. ولا برهان على أن السلطان على صنع العجائب بقي في الكنيسة بعد القرن الأول. وجاء الكلام على بيان تلك الآيات في إنجيل يوحنا ١٤: ١٢ وأعمال الرسل ٤: ٢٩ و٣٠ وفي الرسالة إلى العبرانيين ٢: ٤. والكنيسة اليوم لا تحتاج إلى المعجزات لأن نجاح دين المسيح في العالم أعظم برهاناً على صحته من كل المعجزات.

ٱلْمُؤْمِنِينَ يتبين من هذا أن عمل المعجزات لم يقصر على الرسل بل كان لغيرهم من المؤمنين أيضاً لأجل إثبات دين المسيح وتأسيس كنيسته. ويظهر منه أيضاً أن كل المؤمنين يكونون شهوداً للحق لأنه وُهبت لهم قوة صنع العجائب إثباتاً لشهادتهم. ولا يلزم من القول هنا أن كل المؤمنين يستطيعون أن يصنعوا كل المعجزات التي ذُكرت في هذا الأصحاح. ولكن المعنى أن الواحد يفعل بعضها والآخر غيره حسب الحاجة إلى إثبات الشهادة.

بِٱسْمِي أي بقوتي وسلطاني وبكونكم مسميّن باسمي وسائلين معونتي ومدعين أنكم تفعلون ما تفعلونه بأمري وهذا موافق لما قيل في لوقا ١٠: ١٧ وأعمال ٣: ٦ و١٦ و٥: ١٢ و٨: ٥ – ١٣ و٩: ٣٢ – ٣٥ و٤٠ و١٤: ٣ – ١٠.

يُخْرِجُونَ ٱلشَّيَاطِينَ اتخذ مرقس في كل بشارته إخراج المسيح للشياطين أعظم البراهين على أن يسوع هو ابن الله لأن ذلك دليل على أن سلطانه ممتد إلى نوع من الخلائق ليسوا من أهل الأرض ولا من الجنس البشري (متّى ١٢: ٢٨). وأنجز المسيح وعده للتلاميذ وذلك جلي في سفر الأعمال (أعمال ٥: ١٦ و٨: ٧ و١٦: ١٦ – ١٨ و١٩: ١١ و١٢).

وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ أي بلغات لم يعرفوها قبل التكلم بها. وذلك واسطة لتوزيع البشارة فوق كونه آية على صحة مرسليتهم. وقد تم ذلك في يوم الخمسين وغيره (أعمال ٢: ٤ و١٠: ٤٦ و١كورنثوس ١٢: ١٠ و٢٨ و٣٠ و١٤: ٥ و٦ و٢٢ و٢٦).

١٨ «يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ، وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئاً مُمِيتاً لاَ يَضُرُّهُمْ، وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى ٱلْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ».

لوقا ١٠: ١٩ وأعمال ٢٨: ٥، أعمال ٥: ١٥ و١٦ و٩: ١٧ و٢٨: ٨ ويعقوب ٥: ١٤ و١٥

يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ نجز هذا الوعد في ما جاء من نبإ بولس الرسول أعمال ٢٨: ٣ – ٥ (قابل ذلك بما جاء في لوقا ١٠: ١٩).

وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئاً مُمِيتاً لاَ يَضُرُّهُمْ ليس في الإنجيل من أمثلة لإنجاز هذا الوعد (لكن في العهد القديم مثالاً واحداً لذلك ٢ ملوك ٤: ٤١) وليس من الغريب أنه حدث فعلاً ولم نُخبر به لأن أخبار الكنيسة في القرن الأول مختصرة جداً. ولا ريب في أن الرسل كانوا في جولاتهم بين الأعداء عرضة لأنواع مختلفة من الخطر. ونعلم من التواريخ الدنيوية أن الناس في ذلك العصر اعتادوا أن يسمّوا أعداءهم إخفاء لشرهم.

وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ الخ أمثلة ذلك كثيرة في العهد الجديد من ذلك ما في هذه المواضع (أعمال ٣: ٧ و٢٨: ٨ و١كورنثوس ١٢: ٩). وفي رسالة يعقوب إشارة إلى استعمال هذا السلطان (يعقوب ٥: ١٤ و١٥). ووهب المسيح للرسل هذه القوة في بدء إرساله إياهم ص ٩: ١٣.

صعود المسيح إلى السماء ع ١٩ و٢٠

١٩ «ثُمَّ إِنَّ ٱلرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ٱرْتَفَعَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ ٱللّٰهِ».

أعمال ١: ٢ و٣، لوقا ٢٤: ٥١، مزمور ١١٠: ١ وأعمال ٧: ٥٥

ثُمَّ «ثم» هنا حرف ابتداء واقع في ابتداء خاتمة هذه البشارة.

ٱلرَّبَّ هو يسوع المسيح ولم يسمه في مرقس به قبل ذلك إلا في أمر يسوع لتلاميذه (ص ١١: ١٣). واستعملها هنا لزيادة التعظيم والإكرام لأن قيامة المسيح أثبتت استحقاقه الربوبية.

بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ بالكلام المتعلق بمرسليتهم ووعده لهم بالمعونة الإلهية كما ذُكر آنفاً وبكلام آخر لم يذكره مرقس وذكرها غيره من البشيرين (لوقا ٢٤: ٤٥ و٤٦ – ٥٠ وأعمال ١: ٤ – ٨). وترك مرقس ذكر المدة بين قيامة المسيح وصعوده إلى السماء. ولم يذكر الموضع الذي صعد منه. ومتّى لم يذكر الصعود البتة ولا وعد المسيح للرسل ثانية بالآيات والمعجزات. وكان صعود المسيح بعد أربعين يوماً من قيامته (أعمال ١: ٣) وهو آخر معجزات المسيح المتعلقة بحضوره المنظور على الأرض. والموضع الذي صعد منه هو جبل الزيتون في بيت عنيا أو في القرب منها (لوقا ٢٤: ٥).

ٱرْتَفَعَ لوقا ٢٤: ٥١ وأعمال ١: ٩ و١١.

ٱلسَّمَاءِ أي المحل الأسنى حيث يُظهر الله حضوره وجلاله للقديسين والملائكة. وفيه الآن جسد المسيح المجيد ويبقى هناك إلى مجيئه الثاني (أعمال ٣: ٢١).

وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ ٱللّٰهِ أي موضع العظمة والسلطان (أعمال ٢: ٣٣) ولم يذكر هذا سوى مرقس لأنه كتب إنجيله ليظهر وقار يسوع وسلطانه ومجده الملكي وكونه موضوع تسبيح الناس والملائكة وسجودهم.

وصعود المسيح إلى السماء تتمة قيامته. وبعد أن أكمل المسيح كل ما هو ضروري لفداء الخطاة وغلب ملكوت الظلمة والموت رجع إلى المجد الذي كان له قبل تجسده وأخلى نفسه لأجل عمل الفداء (يوحنا ١: ١٨ و٣: ١٣ وفيلبي ٢: ٧ و٨). واثيب في العلاء بإكرام جديد على اتضاعه الاختياري وطاعته (ص ١٢: ٣٦ ومزمور ١١٠: ١ وكولوسي ٣: ١ وعبرانيين ١: ٣ و١٣ و٤: ١٤ و٦: ٢٠ و٨: ١ و٩: ٢٤ و١٠: ١٢ و١٢: ٢ و١بطرس ٣: ٢٢ ورؤيا ٣: ٢١).

وقد ذُكر في بعض أسفار العهد الجديد ما يفعله وهو على يمين الله (يوحنا ١٩: ٣ وأعمال ٢: ٣٣ و٦: ٥٦ وأفسس ١: ٢٠ وكولوسي ٣: ١).

وقيامة المسيح وصعوده عربون قيامة كل المسيحيين وارتفاعهم إلى السماء لأنه حيث الرأس هناك الأعضاء وفقاً لقول المسيح «حَيْثُ أَكُونُ أَنَا هُنَاكَ أَيْضاً يَكُونُ خَادِمِي» (يوحنا ١٢: ٢٦).

٢٠ «وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَٱلرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ ٱلْكَلاَمَ بِٱلآيَاتِ ٱلتَّابِعَةِ آمِينَ».

أعمال ٥: ١٢ و١٤: ٣ و١كورنثوس ٢: ٤ و٥ وعبرانيين ٢: ٤

فَخَرَجُوا أي الرسل وكان خروجهم من أورشليم أولاً وذهبوا إلى العالم أجمع. ولم يقصد مرقس بذلك خروجاً مخصوصاً في وقت واحد. لكنه عني نبأ عاماً بأعمال الرسل من ذلك الوقت بعد حلول الروح القدس عليهم وتفرُق أعضاء كنيسة أورشليم إلى نهاية حياتهم. وذلك الخروج وفق أمر المسيح (لوقا ٢٤: ٤٩ وأعمال ١: ٤).

كان الرسل حينئذ قد زالت كل شكوكهم في قيامة المسيح وتحققوا صحة دعواه الإلهية وقبلوا المرسلية ذات الشأن منه وقوة جديدة على صنع المعجزات إثباتاً لرسوليتهم. ومن ذلك الوقت أخذوا ينجزون ما أمرهم المسيح به أخيراً.

فِي كُلِّ مَكَانٍ يدل هذا على سرعة توزيع الإنجيل في أول عهده. وتفصيل أنباء ذلك التوزيع في أعمال الرسل وبعضه في الرسائل. وامتدت بشرى الخلاص حين كتب مرقس إنجيله من رومية غرباً إلى بابل شرقاً على الأقل. وبلغت بعد ثلاثين سنة من صعود المسيح أقاصي المملكة الرومانية وذلك نحو كل المسكونة يومئذ.

ٱلرَّبُّ سماه هنا ذلك كما سماه به في ع ١٩ إشارة إلى أنه قام وصعد وتمجد.

يَعْمَلُ مَعَهُمْ حسب وعده في ع ١٧ و١٨ وموافقة لقوله «هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ» (متّى ٢٨: ٢٠). فصعود المسيح عن الرسل لم يخسرهم إلا حضوره معهم بالجسد لأنه بقي معهم بالروح وأظهر حضوره الروحي بإجراء المعجزات. والعمل ابتدأه المسيح بإتيانه إلى العالم طفلاً منذ ما ينيف على ثلاث وثلاثين سنة قبل ذلك ومارسته جهاراً نحو ثلاثين سنة ونصف سنة منها بقي يمارسه على أيدي الرسل أولاً ولم يزل يمارسه إلى اليوم بواسطة خدمه الأمناء.

يُثَبِّتُ الذي ثبته أي بيّن صدقه وصحته هو الإنجيل الذي نادوا به.

بِٱلآيَاتِ ٱلتَّابِعَةِ أي المعجزات المذكورة في ع ١٧ و١٨.

آمِينَ أي ليكن ذلك. وهذه الجملة يحسن أن تكون جواب الكنيسة لربها عند أمره بتوزيع بشرى الخلاص ووعده بحضوره معها.

السابق
زر الذهاب إلى الأعلى