إنجيل مرقس | 14 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح إنجيل مرقس
للدكتور . وليم إدي
اجتماع مجلس اليهود الكبير ع ١ و٢
١، ٢ «١ وَكَانَ ٱلْفِصْحُ وَأَيَّامُ ٱلْفَطِيرِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ. وَكَانَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ يَطْلُبُونَ كَيْفَ يُمْسِكُونَهُ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُونَهُ، ٢ وَلٰكِنَّهُمْ قَالُوا: لَيْسَ فِي ٱلْعِيدِ، لِئَلاَّ يَكُونَ شَغَبٌ فِي ٱلشَّعْبِ».
متّى ٢٦: ٢ الخ ولوقا ٢٢: ١ الخ ويوحنا ١١: ٥٥ و١٣: ١
انظر شرح إنجيل متّى ٢٦: ١ – ٥.
الأرجح أن ذلك الاجتماع كان مساء الثلاثاء أي في أول يوم الأربعاء وذلك موافق لقول متّى «بعد يومين يكون الفصح». وقصدوا حيئنذ أن لا يمسكوا المسيح إلا بعد العيد خيفة من السجن إذا مسكوه فيه. ولكن خيانة يهوذا ثنتهم عن ذلك العزم إلى مسكه في العيد.
الوليمة في بيت عنيا ودهن يسوع بالطيب ع ٣ إلى ٩
٣ – ٩ «٣ وَفِيمَا هُوَ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ ٱلأَبْرَصِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ، جَاءَتِ ٱمْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ ٱلثَّمَنِ. فَكَسَرَتِ ٱلْقَارُورَةَ وَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ. ٤ وَكَانَ قَوْمٌ مُغْتَاظِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالُوا: لِمَاذَا كَانَ تَلَفُ ٱلطِّيبِ هٰذَا؟ ٥ لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هٰذَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ. وَكَانُوا يُؤَنِّبُونَهَا. ٦ أَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ: ٱتْرُكُوهَا! لِمَاذَا تُزْعِجُونَهَا؟ قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَناً. ٧ لأَنَّ ٱلْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَمَتَى أَرَدْتُمْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِمْ خَيْراً. وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ. ٨ عَمِلَتْ مَا عِنْدَهَا. قَدْ سَبَقَتْ وَدَهَنَتْ بِٱلطِّيبِ جَسَدِي لِلتَّكْفِينِ. ٩ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهٰذَا ٱلإِنْجِيلِ فِي كُلِّ ٱلْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضاً بِمَا فَعَلَتْهُ هٰذِهِ، تَذْكَاراً لَهَا».
متّى ٢٦: ٦ ولوقا ٧: ٣٧ ويوحنا ١٢: ١ و٣، متّى ١٨: ٢٨، تثنية ١٥: ١١
راجع تفسير إنجيل متّى ٢٦: ٦ – ١٣.
مرقس كمتّى في أنه لم يذكر وقت العشاء فاقتصر على أن ذلك حدث «فيما هو في بيت عنيا». ولكن يوحنا صرّح أنه كان ذلك قبل الفصح بستة أيام أي ليلة الأحد بعد نهاية السبت (يوحنا ١٢: ٢). والذي حمل متّى ومرقس على ذكر ذلك العشاء بين حوادث مساء الثلاثاء أي ليلة الأربعاء تعلقه بخيانة يهوذا لأن بعض حوادث تلك الليلة كان من العلل التي جعلت يهوذا يسلمه. وقول متّى «أنه بعد يومين يكون الفصح» متعلق باجتماع المجلس والاستعداد للفصح.
فِي بَيْتِ سِمْعَانَ ٱلأَبْرَصِ لم تُعلم نسبة سمعان إلى لعازر ولم يتبيّن هل كان حياً أو ميتاً وبقي البيت منسوباً إليه. وعلى فرض أنه كان يومئذٍ حياً وحاضراً لزم بالضرورة أن المسيح أبرأه من برصه لأن السلماء لا يخالطون البرص.
وَهُوَ مُتَّكِئٌ قال يوحنا أن «كَانَتْ مَرْثَا تَخْدِمُ وَأَمَّا لِعَازَرُ فَكَانَ أَحَدَ ٱلْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ» (يوحنا ١٢: ٢).
ٱمْرَأَةٌ قال يوحنا أن تلك المرأة «مريم» أي أخت مرثا ولعازر وهي ليست المرأة المجهولة التي دهنت يسوع في كفرناحوم في بيت سمعان الفريسي كما ذكر لوقا (لوقا ٧: ٣٦ – ٥٠).
نَارِدِينٍ هذا زيادة على ما قاله متّى لأنه اقتصر على ذكر أنه «طيب». وزاد مرقس أيضاً أن مريم كسرت القارورة أي ختمها أو عنقها.
عَلَى رَأْسِهِ قال يوحنا أنها دهنت «قدميه» ولنا من قول الاثنين أنها دهنت الرأس والقدمين.
وَكَانَ قَوْمٌ مُغْتَاظِينَ… فَقَالُوا الذين سماهم مرقس قوماً دعاهم متّى تلاميذه. ونسب يوحنا الغيظ والقول إلى يهوذا الاسخريوطي. ونستنتج من ذلك أن كلا من البشيرين كتب مستقلاً عن غيره وأن الذي ابتدأ بالتذمرّ وإظهار الغيظ هو يهوذا المذكور وأن الباقين وافقوه على ذلك فكراً وقولاً. ويحقق اشتراك الكل في ذلك قول مرقس «كانوا يؤنبونها» وقول يسوع «اتركوها» (ع ٥ و٦).
ثَلاَثِمِئَةِ (ع ٥) هي بين تسع ليرات وعشر ليرات انكليزية وكان ذلك يعدل أجرة أيام عمل الفاعل في السنة.
يُؤَنِّبُونَهَا أي يلومونها وهذا زيادة على ما قاله متّى ولا ريب في أن مريم انزعجت من ذلك.
عَمِلَتْ مَا عِنْدَهَا (ع ٨) أي أنها عملت ما استطاعت لتظهر إكرامها للمسيح وشكرها له على إقامته أخيها من الموت.
دَهَنَتْ… لِلتَّكْفِينِ أي أتت ذلك قصداً لتيقنها أنه يموت أو أتت ذلك لقصد آخر والمسيح قبله كأنها قصدته. والقول الأخير هو الأرجح. ولنا من ذلك أن نتيجة عملها كانت أعظم مما ظنت.
خيانة يهوذا الاسخريوطي ع ١٠ و١١
١٠، ١١ «١٠ ثُمَّ إِنَّ يَهُوذَا ٱلإِسْخَرْيُوطِيَّ، وَاحِداً مِنَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ، مَضَى إِلَى رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ. ١١وَلَمَّا سَمِعُوا فَرِحُوا، وَوَعَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّةً. وَكَانَ يَطْلُبُ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ فِي فُرْصَةٍ مُوافِقَةٍ».
متّى ٢٦: ١٤ ولوقا ٢٢: ٣ و٤
انظر الشرح متّى ٢٦: ١٤ – ١٦.
نفهم مما قيل هنا وما قيل في إنجيل متّى وفي بشارة لوقا ٢٢: ٣ وإنجيل يوحنا ١٢: ١٠ أن التوبيخ الذي وبخ المسيح يهوذا الاسخريوطي به كان من الأمور التي حملت يهوذا المذكور على أن يذهب حينئذ إلى رؤساء الكهنة للمؤامرة في تسليم يسوع ووعده إياهم بأنه ينتهز أول فرصة لتسليمه إليهم.
فَرِحُوا لأنهم رأوا أنهم توصلوا بذلك إلى قتل المسيح بلا خوف من هيجان الشعب. ولا دليل على أن ضمائرهم كانت تبكتهم على اتخاذ مثل تلك الوسيلة. ولم يتوقفوا عن استخدام الخيانة والشكاية الكاذبة واستئجار شهود زور وسفك الدم البريء لشفاء غيظهم وبغضهم.
ولم يذكر مرقس قدر ما وعد الرؤساء الاسخريوطي به. ولكن متّى عيّنه بأنه كان ثلاثين من الفضة أي نحو ثلاث ليرات إنكليزية.
الاستعداد للفصح ع ١٢ إلى ١٦
١٢ – ١٦ «١٢ وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلأَّوَلِ مِنَ ٱلْفَطِيرِ. حِينَ كَانُوا يَذْبَحُونَ ٱلْفِصْحَ، قَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نَمْضِيَ وَنُعِدَّ لِتَأْكُلَ ٱلْفِصْحَ؟ ١٣ فَأَرْسَلَ ٱثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمَا: ٱذْهَبَا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ، فَيُلاَقِيَكُمَا إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ. اِتْبَعَاهُ. ١٤ وَحَيْثُمَا يَدْخُلْ فَقُولاَ لِرَبِّ ٱلْبَيْتِ: إِنَّ ٱلْمُعَلِّمَ يَقُولُ: أَيْنَ ٱلْمَنْزِلُ حَيْثُ آكُلُ ٱلْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي؟ ١٥ فَهُوَ يُرِيكُمَا عِلِّيَّةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَةً مُعَدَّةً. هُنَاكَ أَعِدَّا لَنَا. ١٦ فَخَرَجَ تِلْمِيذَاهُ وَأَتَيَا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ، وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا. فَأَعَدَّا ٱلْفِصْحَ».
متّى ٢٦: ١٧ ولوقا ٢٢: ٧
انظر شرح بشارة متّى ٢٦: ١٧ – ١٩.
تقضّى على يسوع وتلاميذه في بيت عنيا يوم الأربعاء كله وبعض يوم الخميس فبيان مرقس هنا أوضح من بيان متّى.
قال متّى أن المسيح أرسل التلاميذ ليعدوا الفصح ولم يعيّن العدد ولا الأسماء. وقال مرقس أنه أرسل اثنين منهم. وقال لوقا أنه أرسل بطرس ويوحنا (لوقا ٢٢: ٧).
وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلأَوَّلِ مِنَ ٱلْفَطِيرِ أي يوم الخميس وحُسب من أيام الفطير لأنه كان استعداداً له لأنهم نزعوا فيه كل خمير من البيوت. وكان استعداداً للفصح لأنهم ذبحوا فيه خروف الفصح. ولكن عيد الفصح الحقيقي ابتدأ عند مغرب ذلك النهار.
إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ اقتصر متّى على ذكر قول المسيح «اذهبوا إلى فلان» وذكر مرقس العلامة التي أبانها يسوع لمعرفته وهي أن يلاقيهما إنسان (الأرجح أنه خادم صاحب البيت) حامل جرة ماء. وأمرهما أن يتبعاه إلى حيث يدخل وهناك يجدان صاحب البيت فيبلغانه الرسالة.
وأظهر المسيح علمه الإلهي من إنبائه بالحوادث قبل وقوعها كما فعل في أمر الجحش في بيت فاجي (ص ١١: ١ – ٦). وكذا صموئيل بإلهام الله أخبر شاول بكل ما يحدث له في الطريق بعد ذهابه عنه إلى بيته (١صموئيل ١٠: ٢ – ٧).
عِلِّيَّةً كانت العادة في أورشليم أن يعدوا مثل تلك العلية للذين يأتون من الخارج بغية حفظ العيد هناك وكانوا يؤجرونها غالباً.
مَفْرُوشَةً مُعَدَّةً أي معد فيها كل مقتضيات الفصح سوى ما يُؤكل ويُشرب فيه وذلك من نحو موائد وأسرّة وآنية للطعام ومغسل ومناشف (متّى ٢٣: ٦).
وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا (ع ١٦) لا ريب في أن مشاهدتهما ما أنبأهما المسيح به قوّت إيمانهما به.
فَأَعَدَّا ٱلْفِصْحَ أي اشتريا الخروف وتوصلا إلى أن ذبحه الكهنة في الهيكل وطُبخ في البيت وابتاعا الأعشاب المرة وما يؤكل معها والخمرّ وخبز الفطير.
أكل الفصح والإنباء بالتسليم ورسم العشاء الرباني ع ١٧ إلى ٢٦
١٧ – ٢٦ «١٧ وَلَمَّا كَانَ ٱلْمَسَاءُ جَاءَ مَعَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ. ١٨ وَفِيمَا هُمْ مُتَّكِئُونَ يَأْكُلُونَ، قَالَ يَسُوعُ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِداً مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي. اَلآكِلُ مَعِي! ١٩ فَٱبْتَدَأُوا يَحْزَنُونَ، وَيَقُولُونَ لَهُ وَاحِداً فَوَاحِداً: هَلْ أَنَا؟ وَآخَرُ: هَلْ أَنَا؟ ٢٠ فَأَجَابَ: هُوَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ، ٱلَّذِي يَغْمِسُ مَعِي فِي ٱلصَّحْفَةِ. ٢١ إِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ، وَلٰكِنْ وَيْلٌ لِذٰلِكَ ٱلرَّجُلِ ٱلَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ. كَانَ خَيْراً لِذٰلِكَ ٱلرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ!. ٢٢ وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ، أَخَذَ يَسُوعُ خُبْزاً وَبَارَكَ وَكَسَّرَ، وَأَعْطَاهُمْ وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا، هٰذَا هُوَ جَسَدِي. ٢٣ ثُمَّ أَخَذَ ٱلْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ، فَشَرِبُوا مِنْهَا كُلُّهُمْ. ٢٤ وَقَالَ لَهُمْ: هٰذَا هُوَ دَمِي ٱلَّذِي لِلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدِ، ٱلَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ. ٢٥ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ بَعْدُ مِنْ نِتَاجِ ٱلْكَرْمَةِ إِلَى ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ جَدِيداً فِي مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ. ثُمَّ سَبَّحُوا ٢٦ وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ ٱلّزَيْتُونِ».
متّى ٢٦: ٢٠ الخ، مزمور ٤١: ٩ ويوحنا ١٣: ١٨، متّى ٢٦: ٢٤ ولوقا ٢٢: ٢٢، متّى ٢٦: ٢٦ ولوقا ٢٢: ١٩ و١كورنثوس ١١: ٢٣، متّى ٢٦: ٣٠
راجع الشرح متّى ٢٦: ٢٠ – ٣٠.
زاد لوقا على ما قيل هنا أنه حدثت مشاجرة بين الرسل عندما اتكأوا (لوقا ٢٢: ٢٤). وذكر متّى أن غسل أرجل الرسل (يوحنا ١٣: ١ – ٢٠). وذكر متّى أن يسوع قال «إِنَّ وَاحِداً مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي». وزاد مرقس على ذلك قوله «اَلآكِلُ مَعِي» (ع ١٨). وهذا زاد خيانة الاسخريوطي فظاعة لأن الأكل مع الآخر علامة الصداقة والأمانة. وكان في ذلك إتمام نبوءة (مزمور ٤١: ٩ ويوحنا ١٣: ١٨).
فَشَرِبُوا مِنْهَا كُلُّهُمْ (ع ٢٣) لا ينتج من ذلك بالضرورة أن يهوذا كان حاضراً معهم وشرب بل أن الذين كانوا حاضرين شربوا كلهم.
إنباء بإنكار بطرس ع ٢٧ إلى ٣١
٢٧ – ٣١ «٢٧ وَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: إِنَّ كُلَّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هٰذِهِ ٱللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ ٱلرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ ٱلْخِرَافُ. ٢٨ وَلٰكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى ٱلْجَلِيلِ. ٢٩ فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: وَإِنْ شَكَّ ٱلْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ! ٣٠ فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ، إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ فِي هٰذِهِ ٱللَّيْلَةِ، قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ ٱلدِّيكُ مَرَّتَيْنِ، تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. ٣١ فَقَالَ بِأَكْثَرِ تَشْدِيدٍ: وَلَوِ ٱضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ. وَهٰكَذَا قَالَ أَيْضاً ٱلْجَمِيعُ».
متّى ٢٦: ٣١، زكريا ١٣: ٧ ص ١٦: ٧، متّى ٢٦: ٣٣ و٣٤ ولوقا ٢٢: ٣٣ و٣٤ ويوحنا ١٣: ٣٧ و٣٨
راجع تفسير متّى ٢٦: ٣١ – ٣٥.
هذا تحذير ثان لبطرس من أن ينكر المسيح وحذّره المسيح وهم ذاهبون إلى جثسيماني. وسبق المسيح إلى مثل ذلك قبل أكل الفصح (لوقا ٢٢: ٣١ و٣٢ ويوحنا ١٢: ٣٦ – ٣٨).
اكتئاب المسيح في جثسيماني ع ٣٢ إلى ٤٢
٣٢ – ٤٢ «٣٢ وَجَاءُوا إِلَى ضَيْعَةٍ ٱسْمُهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: ٱجْلِسُوا هٰهُنَا حَتَّى أُصَلِّيَ. ٣٣ ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَٱبْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ. ٣٤ فَقَالَ لَهُمْ: نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى ٱلْمَوْتِ! اُمْكُثُوا هُنَا وَٱسْهَرُوا. ٣٥ ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى ٱلأَرْضِ، وَكَانَ يُصَلِّي لِكَيْ تَعْبُرَ عَنْهُ ٱلسَّاعَةُ إِنْ أَمْكَنَ. ٣٦ وَقَالَ: يَا أَبَا ٱلآبُ، كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ، فَأَجِزْ عَنِّي هٰذِهِ ٱلْكَأْسَ. وَلٰكِنْ لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ. ٣٧ ثُمَّ جَاءَ وَوَجَدَهُمْ نِيَاماً، فَقَالَ لِبُطْرُسَ: يَا سِمْعَانُ، أَنْتَ نَائِمٌ! أَمَا قَدَرْتَ أَنْ تَسْهَرَ سَاعَةً وَاحِدَةً؟ ٣٨ اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا ٱلرُّوحُ فَنَشِيطٌ، وَأَمَّا ٱلْجَسَدُ فَضَعِيفٌ. ٣٩ وَمَضَى أَيْضاً وَصَلَّى قَائِلاً ذٰلِكَ ٱلْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ. ٤٠ ثُمَّ رَجَعَ وَوَجَدَهُمْ أَيْضاً نِيَاماً، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً، فَلَمْ يَعْلَمُوا بِمَاذَا يُجِيبُونَهُ. ٤١ ثُمَّ جَاءَ ثَالِثَةً وَقَالَ لَهُمْ: نَامُوا ٱلآنَ وَٱسْتَرِيحُوا! يَكْفِي! قَدْ أَتَتِ ٱلسَّاعَةُ! هُوَذَا ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي ٱلْخُطَاةِ. ٤٢ قُومُوا لِنَذْهَبَ. هُوَذَا ٱلَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ ٱقْتَرَبَ».
متّى ٢٦: ٣٦ ولوقا ٢٢: ٣٩ ويوحنا ١٨: ١، يوحنا ١٢: ٢٧، رومية ٨: ١٥ وغلاطية ٤: ٦، عبرانيين ٥: ٧، يوحنا ٥: ٣٠ و٦: ٣٨ وورمية ١٥: ٣، رومية ٧: ٢٣ وغلاطية ٥: ١٧، يوحنا ١٣: ١، متّى ٢٦: ٤٦ ويوحنا ١٨: ١ و٢
انظر شرح بشارة متّى، (متّى ٢٦: ٣٦ – ٤٦).
الفرق بين أنباء متّى وأنباء مرقس بهذه الحادثة أن متّى قال أن المسيح ابتدأ يحزن ويكتئب ومرقس قال ابتدأ يدهش ويكتئب (ع ٣٢) وهذا يدلنا على أن المسيح مع أنه توقع حدوث ذلك الاكتئاب دهش وقت وقوعه باختباره إياه أو أن ذلك استنتجه التلاميذ مما شوهد على وجهه من إمارات الاضطراب. ومتّى ذكر قول المسيح «إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس» ومرقس قال أنه صلى لكي تعبر عنه الساعة إن أمكن (ع ٣٥). والمراد بكل من الكأس والساعة هنا واحد وهو آلام المسيح التي كان مزمعاً أن يحتملها تكفيراً عن آثام الناس وهي تتضمن علاوة على الموت ترك أصحابه وحجب وجه الآب عنه وحمله خطايا العالم وغضب الله الذي أوجبه الإثم على الناس. وتكلم المسيح بذلك باعتبار كونه إنساناً ولو رغب في تلك الآلام لم يكن إنساناً لأن الطبيعة البشرية تنفر من الألم. وسلم باعتبار كونه إنساناً بكل خضوع وطاعة أن يحتمل تلك الآلام لأنها الواسطة الوحيدة لخلاص البشر. وذكر متّى قول المسيح يا «أبتاه» ومرقس ذكر لفظ المسيح بعينه وترجمه لمن كتب لهم من الأمم وهو قوله «يا أبا» وهو لفظ المسيح و «الآب» وهو ترجمته. وزاد قوله «كل شيء مستطاع لك». وذكر مرقس أنه عندما رجع المسيح ووجد التلاميذ الثلاثة نياماً وبخ بطرس وناداه باسمه القديم أي سمعان (ع ٣٧) وذلك كما فعل مرات في وقت توبيخه إياه على ضعفه وتسلط طبيعته العتيقة عليه. وهذا من الأدلة على أن مرقس كتب بشارته بإرشاد بطرس. وزاد مرقس على متّى أيضاً أنه لما رجع المسيح ثانية ووجد أولئك التلاميذ نياماً لم يعلموا بماذا يجيبونه أي انه لم يجدوا عذراً يحتجون به على نومهم (ع ٤٠).
يَكْفِي (ع ٤١) أي لم يبق حاجة إلى أن تسهروا وتصلوا معي إذ لم يبق من فائدة لي من السهر والصلاة.
تسليم يسوع والقبض عليه ع ٤٣ إلى ٥٠
٤٣ – ٥٠ «٤٣ وَلِلْوَقْتِ فِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ أَقْبَلَ يَهُوذَا، وَاحِدٌ مِنَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ، وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ وَٱلشُّيُوخِ. ٤٤ وَكَانَ مُسَلِّمُهُ قَدْ أَعْطَاهُمْ عَلاَمَةً قَائِلاً: ٱلَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ، وَٱمْضُوا بِهِ بِحِرْصٍ. ٤٥ فَجَاءَ لِلْوَقْتِ وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ قَائِلاً: يَا سَيِّدِي، يَا سَيِّدِي! وَقَبَّلَهُ. ٤٦ فَأَلْقَوْا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ وَأَمْسَكُوهُ. ٤٧ فَٱسْتَلَّ وَاحِدٌ مِنَ ٱلْحَاضِرِينَ ٱلسَّيْفَ، وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذْنَهُ. ٤٨ فَقَالَ يَسُوعُ: كَأَنَّهُ عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ لِتَأْخُذُونِي! ٤٩ كُلَّ يَوْمٍ كُنْتُ مَعَكُمْ فِي ٱلْهَيْكَلِ أُعَلِّمُ وَلَمْ تُمْسِكُونِي! وَلٰكِنْ لِكَيْ تُكْمَلَ ٱلْكُتُبُ. ٥٠ فَتَرَكَهُ ٱلْجَمِيعُ وَهَرَبُوا».
متّى ٢٦: ٤٧ ولوقا ٢٢: ٤٧ ويوحنا ١٨: ٣، متّى ٢٦: ٥٥ ولوقا ٢٢: ٥٢، مزمور ٢٢: ٦ وإشعياء ٥٣: ٧ الخ ولوقا ٢٢: ٣٧ و٢٤: ٤٤، مزمور ٨٨: ٨ وع ٢٧
انظر الشرح متّى ٢٦: ٤٧ – ٥٦.
ذكر مرقس زيادة على ما ذكره متّى أن يهوذا لما أتى إليه قال «يا سيدي» مرتين ومتّى لم يذكر قوله ذلك سوى مرة واحدة. وكان تكرار ذلك من يهوذا لزيادة احترام المسيح رياء. وذكر مما لم يذكره متّى قول يهوذا «امضوا به بحرص». وهذا يدل على أن يهوذا توقع من المسيح المقاومة أو الهرب.
وَهَرَبُوا (ع ٥٠) سأل يسوع العكسر قبل ذلك أن يتركوا التلاميذ وشأنهم (يوحنا ١٨: ٨).
الشاب المئتزر ع ٥١ و٥٢
٥١، ٥٢ «٥١ وَتَبِعَهُ شَابٌّ لاَبِساً إِزَاراً عَلَى عُرْيِهِ، فَأَمْسَكَهُ ٱلشُّبَّانُ، ٥٢ فَتَرَكَ ٱلإِزَارَ وَهَرَبَ مِنْهُمْ عُرْيَاناً».
شَابٌّ لم يذكر هذا الشاب أحدٌ من البشيرين سوى مرقس وهو لم يذكر اسمه. ومن المعلوم أنه ليس من الرسل لأنهم هربوا كلهم. ولا علة ظاهرة لذكر خبره إلا أن يكن مرقس نفسه كاتب هذه البشارة هو ذلك الشاب على ما ظن بعضهم وأنه لم يذكر اسمه اتضاعاً وتأدباً. والذي يرجح هذا الظن أنه سكن مع أمه في أورشليم وهي ربة بيت هنالك (أعمال ١٢: ١٢) فلا عجب من أنه كان في البستان حيئنذ.
لاَبِساً إِزَاراً الإزار هنا اسم لنوع من المنسوج لا لصنف من الملبوس باعتبار شكله وهيئته. والأرجح أنه كان ملبوس الليل المعتاد. والظاهر أنه كان نائماً في بيت البستان أو على القرب منه وأنه استيقظ من أصوات العسكر وقام وذهب بثوب النوم ليرى ما حدث وتبع المسيح إما حباً له وإما رغبة في المشاهدة غير متوقع أن يعارضه أحد.
فَأَمْسَكَهُ ٱلشُّبَّانُ كان أولئك الشبان إما من العكسر الروماني وإما من حراس الهيكل أو خدامه. وظن بعضهم أن ذلك الشاب كان لعازر لأن الشبان تركوا التلاميذ وأمسكوه لأن الكهنة كانوا يحبون أن يقبضوا على لعازر ويقتلوه (يوحنا ١٢: ١٠). ولعلهم أرادوا إمساكه للمزاح لكونه كان بلباس النوم. أو لأنه أظهر الحنو على المسيح.
إحضار يسوع أمام قيافا ومجلس السبعين ع ٥٣ إلى ٦٥
٥٣ – ٦٥ «٥٣ فَمَضَوْا بِيَسُوعَ إِلَى رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ، فَٱجْتَمَعَ مَعَهُ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلشُّيُوخُ وَٱلْكَتَبَةُ. ٥٤ وَكَانَ بُطْرُسُ قَدْ تَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ إِلَى دَاخِلِ دَارِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ، وَكَانَ جَالِساً بَيْنَ ٱلْخُدَّامِ يَسْتَدْفِئُ عِنْدَ ٱلنَّارِ. ٥٥ وَكَانَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةً عَلَى يَسُوعَ لِيَقْتُلُوهُ فَلَمْ يَجِدُوا، ٥٦ لأَنَّ كَثِيرِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ زُوراً، وَلَمْ تَتَّفِقْ شَهَادَاتُهُمْ. ٥٧ ثُمَّ قَامَ قَوْمٌ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ زُوراً قَائِلِينَ: ٥٨ نَحْنُ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: إِنِّي أَنْقُضُ هٰذَا ٱلْهَيْكَلَ ٱلْمَصْنُوعَ بِٱلأَيَادِي، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِي آخَرَ غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِأَيَادٍ. ٥٩ وَلاَ بِهٰذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ تَتَّفِقُ. ٦٠ فَقَامَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ فِي ٱلْوَسَطِ وَسَأَلَ يَسُوعَ: أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هٰؤُلاَءِ عَلَيْكَ؟ ٦١ أَمَّا هُوَ فَكَانَ سَاكِتاً وَلَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. فَسَأَلَهُ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ أَيْضاً: أَأَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱلْمُبَارَكِ؟ ٦٢ فَقَالَ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ ٱلْقُّوَةِ، وَآتِياً فِي سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ. ٦٣ فَمَّزَقَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ ثِيَابَهُ وَقَالَ: مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ ٦٤ قَدْ سَمِعْتُمُ ٱلتَّجَادِيفَ! مَا رَأْيُكُمْ؟ فَٱلْجَمِيعُ حَكَمُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسْتَوْجِبُ ٱلْمَوْتِ. ٦٥ فَٱبْتَدَأَ قَوْمٌ يَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، وَيُغَطُّونَ وَجْهَهُ وَيَلْكُمُونَهُ وَيَقُولُونَ لَهُ: تَنَبَّأْ. وَكَانَ ٱلْخُدَّامُ يَلْطِمُونَهُ».
متّى ٢٦: ٥٧ ولوقا ٢٢: ٥٤ ويوحنا ١٨: ١٣، متّى ٢٦: ٥٩ ص ١٥: ٢٩ ويوحنا ٢: ١٩، متّى ٢٦: ٦٢، إشعياء ٥٣: ٧، متّى ٢٦: ٦٣، متّى ٢٤: ٣٠ و٢٦: ٦٤ ولوقا ٢٢: ٦٩
راجع الشرح متّى ٢٦: ٥٧ و٥٨.
رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ لم يذكر مرقس أن المسيح وقف أولاً أمام حنان (يوحنا ١٨: ٢٤) ولم يلتفت إلى التشويش يومئذ في وظيفة رئيس الكنهة لأنه بمقتضى الشريعة الموسوية لا يكون إلا رئيس كهنة واحد يبقى في وظيفته مدة حياته كلها. ولكنه بتعرض الرومانيين لعزل الرؤساء وإقامة غيرهم كان في أورشليم حيئنذ عدة رؤساء عُزلوا وبقوا على اسم الوظيفة. ومن هؤلاء حنان فإنه بعدما عُزل بقي في شرف الوظيفة وقوتها. ولكن الوظيفة عينها كانت لصهره قيافا. والفرق بين أنباء مرقس بتلك المحاكمة وأنباء متّى بها في ما يأتي. قال متّى «تقدم شاهدا زور». وقال مرقس «قام قوم وشهدوا عليه زوراً». وأبان مرقس زيادة على ذلك سبب عدم قبول شهادتهم وهو قوله «لم تتفق شهادتهم». وقال متّى أن الشاهدين قالا «هذا قال إنّي أقدر أن أنقض هيكل الله الخ» وقال مرقس «نحن سمعناه يقول أني أنقض هيكل الله الخ». وقال متّى نقلاً عن الشاهدين «هكيل الله وفي ثلاثة ايام أبنيه». وقال مرقس نقلاً عن القوم «الهيكل المصنوع بالأيادي وفي ثلاثة أيام أبني آخر غير مصنوع بأياد». وذكر مرقس مما لم يذكره متّى أن رئيس الكهنة قام في الوسط ليخاطب يسوع (ع ٦٢). وتقدمه من كرسيه إلى وسط الجمع دليل على حدته. وقال متّى أن يسوع أجاب استحلاف رئيس الكهنة إياه هل هو ابن الله بقوله «أنت قلت». وقال مرقس أنه أجابه بقوله «أنا هو». فالاختلاف لفظي لا معنوي.
وسؤال رئيس الكهنة في متّى قوله «هل أنت ابن الله» وفي مرقس قوله «أأنت المسيح ابن المبارك». فقوله ابن المبارك كقوله ابن الله لأنه عُرف عندهم بهذا المعنى كما يُشار إليوم إلى الباري بقولنا «سبحانه وتعالى». وقصد رئيس الكهنة بسؤاله أنه أأنت تدعي أنك إله. وعلى جواب يسوع بنى حكمه عليه بالتجديف. والبراهين على صحة دعوى يسوع أنه ابن الله ما يأتي:
- قوله صريحاً بأنه كذلك (يوحنا ٣: ١٧ و١٨ و٥: ٢٥ و٩: ٣٥ و١٠: ٣٦ و١١: ٤) وما قاله وهو يحاكم.
- شهادة المؤمنين به (متّى ١٦: ١٦ ويوحنا ١: ٣٤ و٥٠ و٦: ٩٦ و١١: ٢٧ و٢٠: ٣١).
- شهادة اليهود بقوله أنه هو ابن الله (متّى ٢٦: ٦٣ و٦٥ و٢٧: ٤٠ و٤٣ ويوحنا ١٩: ٧ ولوقا ٢٢: ٧٠).
- شهادة الشياطين (متّى ٤: ٣ و٦ و٨: ٢٩ ومرقس ٣: ١١ ولوقا ٤: ٤١).
- شهادة أناس مختلفين. منهم الملاحون (متّى ١٤: ٣٣)، ومنهم قائد المئة (متّى ٢٧: ٥٤ ومرقس ١٥: ٣٩).
إنكار بطرس للمسيح ع ٦٦ إلى ٧٢
٦٦ – ٧٢ «٦٦ وَبَيْنَمَا كَانَ بُطْرُسُ فِي ٱلدَّارِ أَسْفَلَ جَاءَتْ إِحْدَى جَوَارِي رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ. ٦٧ فَلَمَّا رَأَتْ بُطْرُسَ يَسْتَدْفِئُ، نَظَرَتْ إِلَيْهِ وَقَالَتْ: وَأَنْتَ كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيِّ! ٦٨ فَأَنْكَرَ قَائِلاً: لَسْتُ أَدْرِي وَلاَ أَفْهَمُ مَا تَقُولِينَ! وَخَرَجَ خَارِجاً إِلَى ٱلدِّهْلِيزِ، فَصَاحَ ٱلدِّيكُ. ٦٩ فَرَأَتْهُ ٱلْجَارِيَةُ أَيْضاً وَٱبْتَدَأَتْ تَقُولُ لِلْحَاضِرِينَ: إِنَّ هٰذَا مِنْهُمْ! ٧٠ فَأَنْكَرَ أَيْضاً. وَبَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً قَالَ ٱلْحَاضِرُونَ لِبُطْرُسَ: حَقّاً أَنْتَ مِنْهُمْ، لأَنَّكَ جَلِيلِيٌّ أَيْضاً وَلُغَتُكَ تُشْبِهُ لُغَتَهُمْ. ٧١ فَٱبْتَدَأَ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: إِنِّي لاَ أَعْرِفُ هٰذَا ٱلرَّجُلَ ٱلَّذِي تَقُولُونَ عَنْهُ! ٧٢ وَصَاحَ ٱلدِّيكُ ثَانِيَةً، فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ ٱلْقَوْلَ ٱلَّذِي قَالَهُ لَهُ يَسُوعُ: إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ ٱلدِّيكُ مَرَّتَيْنِ، تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. فَلَمَّا تَفَكَّرَ بِهِ بَكَى».
متّى ٢٦: ٥٨ و٦٩ ولوقا ٢٢: ٥٦ ويوحنا ١٨: ١٦، متّى ٢٦: ٧١ ولوقا ٢٢: ٥٨ ويوحنا ١٨: ٢٥، متّى ٢٦: ٧٣ ولوقا ٢٢: ٥٩ ويوحنا ١٨: ٢٦، أعمال ٢: ٧، متّى ٢٦: ٧٥
راجع الشرح متّى ٢٦: ٦٩ – ٧٥.
فِي ٱلدَّارِ أَسْفَلَ يبين من ذلك أن المحاكمة جرت في إيوان مرتفع أو في قاعة مرتفعة عن ساحة الدار.
فَلَمَّا رَأَتْ بُطْرُسَ يَسْتَدْفِئُ كان ذلك في الليل ولهذا شعر الخدم بالبرد فأوقدوا النار فدنا بطرس منها فوقع ضوء النار على وجهه حتى عرفت الجارية من النظر إليه أنه غريب. ونقل متّى أن الجارية قالت لبطرس «كنت مع يسوع الجليلي». ونقل مرقس قولها «كنت مع يسوع الناصري».
فَصَاحَ ٱلدِّيكُ (ع ٦٨) لم يذكر هذا إلا مرقس اعتماداً على ذاكرة بطرس لأن الأمر جرى عليه وكان الوقت حينئذ نحو نصف الليل.
فَرَأَتْهُ ٱلْجَارِيَةُ أَيْضاً (ع ٦٩) نستنتج من كلام مرقس أن هذه الجارية هي التي كلمت بطرس أولاً ولكن متّى قال أن التي كلمته جارية أخرى. وتُدقع هذه الشبهة بأن الأولى أخبرت الثانية بظنها في بطرس فأخذت الثانية تقول للحاضرين «هذا منهم». ولم يذكر مرقس الحلف الذي أتاه بطرس في إنكاره ثانية على ما أنبأ به متّى.
لأَنَّكَ جَلِيلِيٌّ أَيْضاً (ع ٧٠) عرف الحاضرون أن أكثر تلاميذ يسوع من الجليل وعرفوا بطرس أنه جليلي من لغته واستنتجوا من ذلك أنه أحد تلاميذ يسوع.
صَاحَ ٱلدِّيكُ ثَانِيَةً لم ينبّه ضمير بطرس صياح الديك أولاً. ولا ريب في أن الذي نبهه عند الصياح الثاني فعل الروح القدس. وكان وقت صياح الديك الثاني بعد صياحه الأول بنحو ثلاث ساعات. ولم يذكر سوى مرقس من البشيرين صياح الديك مرتين. ولعلّ الباقين أخذوا صياح الديك بمعنى الهزيع عموماً بخلاف مرقس فإنه حسبه صياح الديك فعلاً. فإذا اعترض معترض على ظاهر الخلاف بين أنباء الإنجيليين الثلاثة في إنكار بطرس فيكفي دفع ذلك الاعتراض أنهم كلهم اتفقوا على القول أن بطرس أنكر المسيح ثلاث دفعات على التعيين. ولم يبيّن من كلامهم أن الشكايات عليه لم تكن سوى ثلاث بل الظاهر أنها أكثر من ذلك وذكر بعضهم غير ما ذكره الآخر.
فَلَمَّا تَفَكَّرَ بِهِ بَكَى (ع ٧٢) أي حين تذكر تحذيرات يسوع إياه ووعده ليسوع بالثبوت وإنكاراته الكثيرة وهو على مرأى منه وتأمل في فظاعة إثمه بكى.
السابق |
التالي |