إنجيل مرقس | 12 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح إنجيل مرقس
للدكتور . وليم إدي
الكرامون الأردياء ع ١ إلى ١٢
١ – ١٢ «١ وَٱبْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ بِأَمْثَالٍ: إِنْسَانٌ غَرَسَ كَرْماً وَأَحَاطَهُ بِسِيَاجٍ، وَحَفَرَ حَوْضَ مَعْصَرَةٍ، وَبَنَى بُرْجاً، وَسَلَّمَهُ إِلَى كَرَّامِينَ وَسَافَرَ. ٢ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى ٱلْكَرَّامِينَ فِي ٱلْوَقْتِ عَبْداً لِيَأْخُذَ مِنَ ٱلْكَرَّامِينَ مِنْ ثَمَرِ ٱلْكَرْمِ، ٣ فَأَخَذُوهُ وَجَلَدُوهُ وَأَرْسَلُوهُ فَارِغاً. ٤ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضاً عَبْداً آخَرَ، فَرَجَمُوهُ وَشَجُّوهُ وَأَرْسَلُوهُ مُهَاناً. ٥ ثُمَّ أَرْسَلَ أَيْضاً آخَرَ، فَقَتَلُوهُ. ثُمَّ آخَرِينَ كَثِيرِينَ، فَجَلَدُوا مِنْهُمْ بَعْضاً وَقَتَلُوا بَعْضاً. ٦ فَإِذْ كَانَ لَهُ أَيْضاً ٱبْنٌ وَاحِدٌ حَبِيبٌ إِلَيْهِ ،أَرْسَلَهُ أَيْضاً إِلَيْهِمْ أَخِيراً، قَائِلاً: إِنَّهُمْ يَهَابُونَ ٱبْنِي. ٧ وَلٰكِنَّ أُولَئِكَ ٱلْكَرَّامِينَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: هٰذَا هُوَ ٱلْوَارِثُ! هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ فَيَكُونَ لَنَا ٱلْمِيرَاثُ! ٨ فَأَخَذُوهُ وَقَتَلُوهُ وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ ٱلْكَرْمِ. ٩ فَمَاذَا يَفْعَلُ صَاحِبُ ٱلْكَرْمِ؟ يَأْتِي وَيُهْلِكُ ٱلْكَرَّامِينَ، وَيُعْطِي ٱلْكَرْمَ إِلَى آخَرِينَ. ١٠ أَمَا قَرَأْتُمْ هٰذَا ٱلْمَكْتُوبَ: ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي رَفَضَهُ ٱلْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ ٱلّزَاوِيَةِ، ١١ مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ كَانَ هٰذَا، وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا! ١٢ فَطَلَبُوا أَنْ يُمْسِكُوهُ، وَلٰكِنَّهُمْ خَافُوا مِنَ ٱلْجَمْعِ، لأَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّهُ قَالَ ٱلْمَثَلَ عَلَيْهِمْ. فَتَرَكُوهُ وَمَضَوْا».
متّى ٢١: ٣٣ ولوقا ٢٠: ٩، مزمور ١١٨: ٢٢ و٢٣، متّى ٢١: ٤٥ و٤٦ وص ١١: ١٨ ويوحنا ٧: ٢٥ و٣٠ و٤٤
راجع بشارة متّى ٢١: ٣٣ – ٣٦
أنباء مرقس بهذا يفرق قليلاً عن أنباء متّى به لأن مرقس لم يزد على متّى سوى بعض التفصيل كعادته وذلك كما في ع ٤ و٥. ومما زاده مرقس بيان أن الابن الذي أرسله الكرام أخيراً كان وحيداً له (ع ٦). ومن الفرق بينهما قول متّى أن الفريسيين صرّحوا بالعقاب الذي حق على أولئك الكرامين وقول مرقس أن المسيح صرح بذلك العقاب فيكون كل من الفريقين قد صرح به وأن يسوع كرر ما صرحوا به.
مكر الفريسيين بسؤالهم عن إعطاء الجزية لقيصر وجواب يسوع لهم ع ١٣ إلى ١٧
١٣ – ١٧ «١٣ ثُمَّ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ قَوْماً مِنَ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ وَٱلْهِيرُودُسِيِّينَ لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ. ١٤ فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا لَهُ: يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَلاَ تُبَالِي بِأَحَدٍ، لأَنَّكَ لاَ تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ ٱلنَّاسِ، بَلْ بِٱلْحَقِّ تُعَلِّمُ طَرِيقَ ٱللّٰهِ. أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟ نُعْطِي أَمْ لاَ نُعْطِي؟ ١٥ فَعَلِمَ رِيَاءَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي؟ اِيتُونِي بِدِينَارٍ لأَنْظُرَهُ. ١٦ فَأَتَوْا بِهِ. فَقَالَ لَهُمْ: لِمَنْ هٰذِهِ ٱلصُّورَةُ وَٱلْكِتَابَةُ؟ فَقَالُوا لَهُ: لِقَيْصَرَ. فَأَجَابَ يَسُوعُ ١٧: أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّٰهِ لِلّٰهِ. فَتَعَجَّبُوا مِنْه».
متّى ٢٢: ١٥ ولوقا ٢٠: ٢٠
(راجع الشرح متّى ٢٢: ١٥ – ٢٢). لا فرق بين قول مرقس وقول متّى في هذا إلا أن مرقس كرر السؤال فقال بعد قوله «أيجوز الخ» «نعطي أم لا نعطي».
سؤال الصدوقيين في القيامة وجواب المسيح لهم ع ١٨ إلى ٢٧
١٨ – ٢٧ «١٨ وَجَاءَ إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنَ ٱلصَّدُّوقِيِّينَ، ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لَيْسَ قِيَامَةٌ، وَسَأَلُوهُ: ١٩ يَا مُعَلِّمُ، كَتَبَ لَنَا مُوسَى: إِنْ مَاتَ لأَحَدٍ أَخٌ، وَتَرَكَ ٱمْرَأَةً وَلَمْ يُخَلِّفْ أَوْلاَداً، أَنْ يَأْخُذَ أَخُوهُ ٱمْرَأَتَهُ، وَيُقِيمَ نَسْلاً لأَخِيهِ. ٢٠ فَكَانَ سَبْعَةُ إِخْوَةٍ. أَخَذَ ٱلأَوَّلُ ٱمْرَأَةً وَمَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ نَسْلاً. ٢١ فَأَخَذَهَا ٱلثَّانِي وَمَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ هُوَ أَيْضاً نَسْلاً. وَهٰكَذَا ٱلثَّالِثُ. ٢٢ فَأَخَذَهَا ٱلسَّبْعَةُ، وَلَمْ يَتْرُكُوا نَسْلاً. وَآخِرَ ٱلْكُلِّ مَاتَتِ ٱلْمَرْأَةُ أَيْضاً. ٢٣ فَفِي ٱلْقِيَامَةِ، مَتَى قَامُوا، لِمَنْ مِنْهُمْ تَكُونُ زَوْجَةً؟ لأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةً لِلسَّبْعَةِ. ٢٤ فَأَجَابَ يَسُوعُ: أَلَيْسَ لِهٰذَا تَضِلُّونَ، إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ ٱلْكُتُبَ وَلاَ قُّوَةَ ٱللّٰهِ؟ ٢٥ لأَنَّهُمْ مَتَى قَامُوا مِنَ ٱلأَمْوَاتِ لاَ يُزَّوِجُونَ وَلاَ يُزَّوَجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. ٢٦ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ ٱلأَمْوَاتِ إِنَّهُمْ يَقُومُونَ: أَفَمَا قَرَأْتُمْ فِي كِتَابِ مُوسَى، فِي أَمْرِ ٱلْعُلَّيْقَةِ، كَيْفَ كَلَّمَهُ ٱللّٰهُ قَائِلاً: أَنَا إِلٰهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلٰهُ إِسْحَاقَ وَإِلٰهُ يَعْقُوبَ؟ ٢٧ لَيْسَ هُوَ إِلٰهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلٰهُ أَحْيَاءٍ. فَأَنْتُمْ إِذاً تَضِلُّونَ كَثِيراً».
متّى ٢٢: ٢٣ ولوقا ٢٠: ٢٧ وأعمال ٢٣: ٨، تثنية ٢٥: ٥، ١كورنثوس ١٥: ٤٢ و٤٤ و٤٩ و٥٢، خروج ٣: ٦
راجع شرح إنجيل متّى ٢٢: ٢٣ – ٣٣.
سؤال الناموسي عن الوصية العظمى ع ٢٨ إلى ٣٤
٢٨ – ٣٤ «٢٨ فَجَاءَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلْكَتَبَةِ وَسَمِعَهُمْ يَتَحَاوَرُونَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ أَجَابَهُمْ حَسَناً، سَأَلَهُ: أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ أَّوَلُ ٱلْكُلِّ؟ ٢٩ فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: إِنَّ أَّوَلَ كُلِّ ٱلْوَصَايَا هِيَ: ٱسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. ٣٠ وَتُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هٰذِهِ هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلأُولَى. ٣١ وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ. ٣٢ فَقَالَ لَهُ ٱلْكَاتِبُ: جَيِّداً يَا مُعَلِّمُ. بِٱلْحَقِّ قُلْتَ، لأَنَّهُ ٱللّٰهُ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ. ٣٣ وَمَحَبَّتُهُ مِنْ كُلِّ ٱلْقَلْبِ، وَمِنْ كُلِّ ٱلْفَهْمِ، وَمِنْ كُلِّ ٱلنَّفْسِ، وَمِنْ كُلِّ ٱلْقُدْرَةِ، وَمَحَبَّةُ ٱلْقَرِيبِ كَٱلنَّفْسِ، هِيَ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ ٱلْمُحْرَقَاتِ وَٱلذَّبَائِحِ. ٣٤ فَلَمَّا رَآهُ يَسُوعُ أَنَّهُ أَجَابَ بِعَقْلٍ قَالَ لَهُ: لَسْتَ بَعِيداً عَنْ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ. وَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ بَعْدَ ذٰلِكَ أَنْ يَسْأَلَهُ!».
متّى ٢٢: ٣٥ الخ، تثنية ٦: ٤ ولوقا ١٠: ٢٧، لاويين ١٩: ١٨ ومتّى ٢٢: ٣٩ وورمية ١٣: ٩ وغلاطية ٥: ١٤ ويعقوب ٢: ٨ وتثنية ٤: ٣٩ وإشعياء ٤٥: ٦ و١٤ و٤٦: ٩ و١صموئيل ١٥: ٢٢ وهوشع ٦: ٦ وميخا ٦: ٦ و٧ و٨، متّى ٢٢: ٤٦
راجع بشارة متّى ٢٢: ٣٤ – ٤٠.
وَاحِدٌ مِنَ ٱلْكَتَبَةِ ذكر متّى في هذا ما لم يذكره مرقس وهو أن الفريسيين أرسلوا ذلك الرجل ليجربه (متّى ٢٢: ٣٥). فيظهر أنه لم يكن سوى آلة لهم وأنه لم يشاركهم في بغضهم ليسوع ولتعاليمه. وإن كان قد شاركهم في أول الأمر فلا ريب في أن أفكاره تغيرت عندما سمع جواب يسوع.
ٱسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ هذا مقتبس من سفر التثنية (تثنية ٦: ٤). لم يقتبس متّى قوله «اسمع يا إسرائيل». وسمى اليهود كل الكلام المقتبس هنا وهو ع ٢٩ و٣٠ بأول كلمة منه وهي «اسمع». وكان على كل يهودي أن يتلوه مرتين في اليوم وسيلة الدخول إلى الفردوس. ولم يذكر متّى جواب الكاتب الذي ذكره مرقس ع ٣٢ ولا مدح المسيح إياه ع ٢٤. ويظهر من ذلك الجواب أن ذلك الكاتب فاق سائر الفريسيين في إدراك معنى الشريعة الروحي وهو أن محبة القلب أفضل من طاعة الناموس الخارجية وأن عبادتنا لله يجب أن تكون خالصة ومفضلة على كل شيء وأن محبتنا للناس جزء من تلك العبادة. وأن المحبة لله وللقريب أسمى من كل ذبائح الشريعة الموسوية. وهذا مناف لتعاليم رؤساء اليهود تمام المنافاة. وإقرار الكاتب به دليل على قوة شجاعته.
لَسْتَ بَعِيداً عَنْ مَلَكُوتِ ٱللّٰه (ع ٣٤) أي أنت مستعد لقبول الإنجيل بإدراكك حقيقة معنى الناس. ولم يقل المسيح أن ذلك الاستعداد يغني عن ذلك القبول ولم يقل هو ولا مرقس أن ذلك الكاتب آمن وخلص. ولنا من قصته أربع فوائد:
- الأولى: إن الإنسان قد يقترب من ملكوت السماوات ولا يدخله ويكون هو بباب الملكوت عرضة للهلاك كالبعيدين عن ذلك الباب.
- الثانية: إن معرفة الحق واستحسانه يجعلان الإنسان قريباً من الملكوت السماوي وينفعانه إذا اتخذهما وسيلة إلى دخول ذلك الملكوت وإلا فلا.
- الثالثة: إن الفرق بين القريب من ملكوت الله والذي داخله هو أن الثاني تاب وآمن بالمسيح وتبعه والأول سلم بالحق واكتفى بمجرد التسليم.
- الرابعة: إن قرب الإنسان من السماء مع عدم دخوله يزيده إثماً وأسفاً إلى الأبد (عبرانيين ٤: ١).
وَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ بَعْدَ ذٰلِكَ أَنْ يَسْأَلَهُ لكي يصطاده بكلمة خوفاً من أن يقع في الفخ الذي أخفاه له لسمو حكمة المسيح في دفع اعتراضات المقاومين (متّى ٢٢: ٤٦).
سؤال يسوع أعداءه عن كون المسيح ابن داود وربه ع ٣٥ إلى ٣٧
٣٥ – ٣٧ «٣٥ ثُمَّ سَأَلَ يَسُوعُ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي ٱلْهَيْكَلِ: كَيْفَ يَقُولُ ٱلْكَتَبَةُ إِنَّ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنُ دَاوُدَ؟ ٣٦ لأَنَّ دَاوُدَ نَفْسَهُ قَالَ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ: قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي: ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي، حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ. ٣٧ فَدَاوُدُ نَفْسُهُ يَدْعُوهُ رَبّاً. فَمِنْ أَيْنَ هُوَ ٱبْنُهُ؟ وَكَانَ ٱلْجَمْعُ ٱلْكَثِيرُ يَسْمَعُهُ بِسُرُورٍ».
متّى ٢٢: ٤١ الخ ولوقا ٢٠: ٤١، ٢صموئيل ٢٣: ٢، مزمور ١١٠: ١
راجع شرح إنجيل متّى ٢٢: ٤١ – ٤٦.
بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ (ع ٣٦) هذا شهادة من المسيح بأن العهد القديم وحي الله.
وَكَانَ ٱلْجَمْعُ ٱلْكَثِيرُ يَسْمَعُهُ بِسُرُورٍ (ع ٣٧) كان تأثير تعليم المسيح في قلوب عامة الناس خلاف تأثيره في قلوب الفريسيين ولعلّ عامة الشعب سروا بأقوال المسيح لأنها أخجلت الفريسيين المتكبرين وأبكمتهم.
إنذار يسوع الكتبة وتحذير الشعب منهم ع ٣٨ إلى ٤٠
٣٨ – ٤٠ «٣٨ وَقَالَ لَهُمْ فِي تَعْلِيمِهِ: تَحَرَّزُوا مِنَ ٱلْكَتَبَةِ، ٱلَّذِينَ يَرْغَبُونَ ٱلْمَشْيَ بِٱلطَّيَالِسَةِ، وَٱلتَّحِيَّاتِ فِي ٱلأَسْوَاقِ، ٣٩ وَٱلْمَجَالِسَ ٱلأُولَى فِي ٱلْمَجَامِعِ، وَٱلْمُتَّكَآتِ ٱلأُولَى فِي ٱلْوَلاَئِمِ. ٤٠ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ بُيُوتَ ٱلأَرَامِلِ، وَلِعِلَّةٍ يُطِيلُونَ ٱلصَّلَوَاتِ. هٰؤُلاَءِ يَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ».
ص ٤: ٢ وع ٣٥، متّى ٢٣: ١ الخ ولوقا ١١: ٤٣ و٢٠: ٤٦، متّى ٢٣: ١٤
راجع الشرح متّى ٢٣: ٥ و٦ و١٤.
وَقَالَ لَهُمْ فِي تَعْلِيمِهِ هذا دليل أنّ ما كُتب هنا جزء من خطاب طويل وهذا الواقع لأن بعض ما بقي من ذلك الخطاب شغل كل الأصحاح الثالث والعشرون من بشارة متّى.
بِٱلطَّيَالِسَةِ جمع طيلسان وهو رداء طويل إلى القدمين لبسه الملوك والكهنة والكتبة إشارة إلى رئاستهم وقداستهم وللامتياز على سواهم ولتحصيل الإكرام من الشعب وكان مثل ذلك رداء هارون الكهنوتي (خروج ٢٨: ٢).
وخطايا الكتبة التي حذّر المسيح تلاميذه منها هي:
- اعتبار صورة التقوى ولباسها دون جوهرها وحقيقتها (ع ٣٨).
- طلب الإكرام من الناس مع عدم الالتفات إلى رضى الله (ع ٣٨).
- تكبرهم على غيرهم من الناس (ع ٣٩).
- إخفاء الطمع تحت رداء القداسة (ع ٤٠).
الأرملة والفلسان ع ٤١ إلى ٤٤
٤١ «وَجَلَسَ يَسُوعُ تُجَاهَ ٱلْخِزَانَةِ، وَنَظَرَ كَيْفَ يُلْقِي ٱلْجَمْعُ نُحَاساً فِي ٱلْخِزَانَةِ. وَكَانَ أَغْنِيَاءُ كَثِيرُونَ يُلْقُونَ كَثِيراً».
متّى ١٠: ٩، ٢ملوك ١٢: ٩ ولوقا ٢١: ١
لم يذكر متّى نبأ هذه المرأة.
ٱلْخِزَانَةِ لم يتحقق ما المراد بالخزانة هنا لأنه يحتمل أن تكون إشارة إلى أحد الصناديق النحاسية الثلاثة عشر التي وُضعت في دار النساء ليوضع فيها قرابين الشعب وكانت تلك الصناديق تسمى بالأبواق لأن أفواهها كانت كهيئات الأبواق. ويحتمل أنها إشارة إلى مخدع مختص بخزن ما يجمع من القرابين مع آنية الهيكل المقدسة بعد الفراغ من استعمالها. والأرجح أن المعنى الأول هو المقصود هنا والمعنى الثاني هو المقصود في يوحنا ٨: ٢٠.
وَنَظَرَ وفي الأصل اليوناني أدام النظر. ولا يزال المسيح الآن ينظر إلى تقدمات شعبه في الكنيسة ليتحقق محبتهم له (رؤيا ١: ١٣). ويظهر مما قيل هنا أن موضع إلقاء التقدمات معلن للكل حتى يعلم المراقبون من يأتي بالتقدمات وقدر كل منها.
ٱلْجَمْعُ أي الأغنياء والفقراء وكانوا يأتون إلى عيد الفصح بالقرابين المفروضة والتقدمات التبرعية. والأرجح أنه لم يأت أخد فارغاً وفق أمر الله (خروج ٢٣: ١٥ و٣٤: ٢٠ وتثنية ١٦: ١٦).
نُحَاساً استعمال هذا المعدن نقوداً سبق استعمال غيره من المعادن فكنى به الناس يومئذ عن كل نوع من النقود بقطع النظر عن المعدن.
أَغْنِيَاءُ… يُلْقُونَ كَثِيراً أي من التقدمات النفيسة. وأتى أولئك الأغنياء من القرب والبعد ليحضروا العيد ويقدموا قرابينهم.
٤٢ «فَجَاءَتْ أَرْمَلَةٌ فَقِيرَةٌ وَأَلْقَتْ فَلْسَيْنِ، قِيمَتُهُمَا رُبْعٌ».
متّى ٥: ٢٦
أَرْمَلَةٌ فَقِيرَة أبان البشير سوء حال هذه المرأة بكلمتين «أرملة» و «فقيرة» وهي من اللواتي ذكر المسيح أن الكتبة كانوا يأكلون بيوتهنّ (ع ٤٠).
فَلْسَيْنِ وأصل الفلس في اليوناني لبتا λεπτα وهو أقل النقود اليونانية قيمة. وقيمته بارتان فتكون تقدمة الأرملة أربع بارات.
رُبْعٌ فسر مرقس اللبتوين بكلمة رومانية هي كودرنس quadrans أي ربع وهي ربع الآس as الروماني وهو عشر دينار denar ذُكر في ع ١٥.
٤٣ «فَدَعَا تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ لَهُمُ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هٰذِهِ ٱلأَرْمَلَةَ ٱلْفَقِيرَةَ قَدْ أَلْقَتْ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ ٱلَّذِينَ أَلْقَوْا فِي ٱلْخِزَانَةِ».
٢كورنثوس ٨: ١٢
فَدَعَا تَلاَمِيذَهُ لم يكتف المسيح بنظره فعل الأرملة بل أراد أن يلاحظه تلاميذه ويتعلموا منها والظاهر أنه لم يلتفت أحد غير المسيح إليها.
ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ اصطلح المسيح على هذا الكلام مقدمة على الأمر العجيب المهم.
أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ ٱلَّذِينَ أَلْقَوْا كانت تقدمة الأرملة أكثر من تقدمات الجميع بنسبة مالها إلى مالهم ولأن محبة قلبها حركتها عليها وجعلتها ذات قيمة. نعم إن قربانها زهيد في عيون الناس لكنه عظيم في عين الله الذي لا ينظر إلى التقدمة وحدها بل إلى إنكار الذات المقترن بها أيضاً «لأَنَّهُ إِنْ كَانَ ٱلنَّشَاطُ مَوْجُوداً فَهُوَ مَقْبُولٌ عَلَى حَسَبِ مَا لِلإِنْسَانِ، لاَ عَلَى حَسَبِ مَا لَيْسَ لَهُ» (٢كورنثوس ٨: ١٢) والمحبة التي جعلت فلسي الأرملة ذات قيمة عظيمة هي التي جعلت في عيني المسيح قيمة عظيمة لقارورة الناردين التي قدمتها له مريم مع أن قيمتها تنيف على ثلاث مئة دينار. فالمحبة جعلت قيمة كل من التقدمتين متساويتين مع أن تقدمة مريم كانت اثني عشر الفاً من مثل تقدمة الأرملة. وعلى ذلك تكون قيمة كأس ماء بارد تُسقى أحد تلاميذ المسيح باسمه تعالى كقيمة الأطياب التي أُنفقت على تحنيط المسيح.
نظر المسيح في الهيكل كثيراً مما ساءه من التدنيس والكبرياء والرياء والعداوة له من الفريسيين ولم يمنعه ذلك عن النظر إلى ما هو صالح في تلك المرأة التي كانت بالنسبة إليهم كحبة واحدة من الحنطة في عصافة البيدر كله.
٤٤ «لأَنَّ ٱلْجَمِيعَ مِنْ فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوْا. وَأَمَّا هٰذِهِ فَمِنْ إِعْوَازِهَا أَلْقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا، كُلَّ مَعِيشَتِهَا».
تثنية ٢٤: ٦ و١يوحنا ٣: ١٧
ٱلْجَمِيعَ قصد بالجميع الأغنياء الذين ذُكروا في ع ٤١. ولم يذكرهم المسيح قصد لومه إياهم أو استخفافاً بقرابينهم بل أراد أن يقابل أعمالهم بعمل الأرملة إظهاراً لما استحقته من زيادة المدح.
مِنْ فَضْلَتِهِمْ هم أعطوا كثيراً ولكن بقي لهم كثير. وليس في عملهم شيء من إنكار الذات ولهذا كانت قرابينهم أقل قيمة في عيني الله.
فَمِنْ إِعْوَازِهَا وبذلك زادت احتياجاً. إنّ قيمة العطية في عيني الله تُعرف بالنظر إلى ما بقي بعدها لمعطيها وبهذا الباقي يتبيّن ما حمله من الكلفة.
كُلَّ مَعِيشَتِهَا أي كل ما يمكنها أن تنفقه على معاشها لو قصدت إنفاقه على ذلك. وذلك لم يُعرف من مجرد عملها لكن المسيح علمه باعتبار كونه الله وهو بكل شيء عليم (يوحنا ٤: ١٨).
وفي هذه القصة تعزية لكل من لا يستطيع إلا أن يعطي الله قليلاً وفيها عدة فوائد لنا:
- الأولى: أنه يجب على كل منا أن يكرم الله من ماله لأننا لسنا مُلاّكاً بل وكلاء وكل ما لنا لله. وذلك فرض على الأغنياء والفقراء والكبار والصغار.
- الثانية: إن عيني الرب على المسيحيين في وقت تقديمهم عطاياهم كما هما عليهم وقت صلواتهم وتسابيحهم. ويقيس محبتهم إياه بتلك العطايا وينظرهم ليمدح ويجزي المستحقين منهم.
- الثالثة: إن العطايا في العهد الجديد ليست بأقل قيمة منها في العهد القديم.
- الرابعة: إن الله ينظر في كل عطية إلى غاية معطيها. فإن كانت غايته إظهار محبته لله تعالى فتقدمته مقبولة وإلا فلا.
- الخامسة: إن الله يعرف قدرة كل إنسان على العطاء ويقيس محبته أياه بها لا بكثرة العطاء أو قلته.
- السادسة: إن من أنكر ذاته في تقدمته لله هو الذي يرضيه كل الرضى. وعلى ذلك يجب أن ننكر أنفسنا لنستطيع أن نرضي الله بعطايانا.
- السابعة: إن الثقة بعناية الله كالتي ظهرت من الأرملة بتقديمها كل معيشتها هي مما يسر الله أيضاً.
- الثامنة: إن الله لا يحتقر التقدمة مهما كانت زهيدة.
- التاسعة: إنه لا يحق لأحد أن يسمي تقدمته لله «بفلسي الأرملة» ويدعي مثل فضيلتها ويتوقع مثل ثوابها ما لم تكن تقدمته كل معيشته.
السابق |
التالي |