إنجيل مرقس

إنجيل مرقس | 06 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح إنجيل مرقس

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح السادس

تهاون أهل الناصرة بالمسيح ع ١ إلى ٦

١ «وَخَرَجَ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى وَطَنِهِ وَتَبِعَهُ تَلاَمِيذُهُ».

متّى ١٣: ٥٤ ولوقا ٤: ١٦

مِنْ هُنَاكَ أي من كفرناحوم.

إِلَى وَطَنِهِ أي إلى الناصرة وكانت وطنه من يوم رجوعه من مصر إلى أن ابتدأ ينادي بالإنجيل. وهذه زيارته الثانية إليها بعد تلك المدة. وقد مرّ الكلام على إتيانه إليها ورفض أهلها إياه في الشرح (متّى ١٣: ٥٤ – ٥٨). وأما زيارته الأولى إياها فذكرها لوقا ٤: ١٤ – ٣٠ وطردوه بالقسوة إذ أرادوا وقتئذ أن يطرحوه من قمّة جبل يجاور المدينة فذهب منها إلى كفرناحوم (لوقا ٤: ٣١).

٢، ٣ «٢ وَلَمَّا كَانَ ٱلسَّبْتُ ٱبْتَدَأَ يُعَلِّمُ فِي ٱلْمَجْمَعِ. وَكَثِيرُونَ إِذْ سَمِعُوا بُهِتُوا قَائِلِينَ: مِنْ أَيْنَ لِهٰذَا هٰذِهِ؟ وَمَا هٰذِهِ ٱلْحِكْمَةُ ٱلَّتِي أُعْطِيَتْ لَهُ حَتَّى تَجْرِيَ عَلَى يَدَيْهِ قُّوَاتٌ مِثْلُ هٰذِهِ؟ ٣ أَلَيْسَ هٰذَا هُوَ ٱلنَّجَّارَ ٱبْنَ مَرْيَمَ، وَأَخَا يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَيَهُوذَا وَسِمْعَانَ؟ أَوَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ هٰهُنَا عِنْدَنَا؟ فَكَانُوا يَعْثُرُونَ بِهِ».

يوحنا ٦: ٤٢، متّى ١٢: ٤٦ وغلاطية ١: ١٩، متّى ١١: ٦

لم يزد مرقس على ما قاله متّى سوى أن يسوع كان نجاراً. وقال متّى أنه ابن نجار وليس من الغرابة أن يكون اشتغل بصناعة يوسف الذي حُسب أباً له.

تَلاَمِيذُه أي رسله وهذا مما لم يذكره متّى.

قُّوَاتٌ مِثْلُ هٰذِهِ أشار بذلك إلى المعجزات التي أخبرهم بها الغير لأنهم لم يشاهدوا معجزة منه (ع ٥). سمى الإنجيليون ما أتاه المسيح من الخوارق بأربعة أسماء:

  1. عجائب وسموها كذلك إشارة إلى تأثيرها في المشاهدين.
  2. آيات وسموها كذلك إشارة إلى غايتها وذلك أنها أدلة على أن الذي يفعلها مرسل من الله.
  3. قوات وسموها كذلك إشارة إلى عظمتها بالنسبة إلى أعمال البشر.
  4. أعمال أي أعمال الله واختار يوحنا الاسم الرابع (يوحنا ٦: ٢٨ و٧: ٢١ و١٠: ٢٥ و٣٢ و٣٨).

٤، ٥ «٤ فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إِلاَّ فِي وَطَنِهِ وَبَيْنَ أَقْرِبَائِهِ وَفِي بَيْتِهِ. ٥ وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصْنَعَ هُنَاكَ وَلاَ قُّوَةً وَاحِدَةً، غَيْرَ أَنَّهُ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى مَرْضَى قَلِيلِينَ فَشَفَاهُمْ».

متّى ١٣: ٥٧ ويوحنا ٤: ٤٤، تكوين ١٩: ٢٢ و٣٢: ٢٥ ومتّى ١٣: ٥٨ و٩: ٢٣

وَلَمْ يَقْدِرْ لم يعنِ بذلك أنه عجز هناك عما استطاعه في موضع آخر بل معناه أنه لم يستطع ذلك مع حفظ القانون الذي وضعه لعمل الغرائب وهو أن لا يصنع المعجزة إلا حيث الإيمان. هذا السبب الأعظم. ومن أسباب ذلك أن أهل الناصرة لم يتركوا له فرصة لذلك لأنهم لعدم إيمانهم بقوته لم يأتوا إليه بمريض يبتغون شفاءه.

وَضَعَ يَدَيْهِ الخ أوضح مرقس بهذا ما ذكره متّى بقوله «وَلَمْ يَصْنَعْ هُنَاكَ قُوَّاتٍ كَثِيرَةً» (متّى ١٣: ٥٨).

٦ «وَتَعَجَّبَ مِنْ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ. وَصَارَ يَطُوفُ ٱلْقُرَى ٱلْمُحِيطَةَ يُعَلِّمُ».

إشعياء ٥٩: ١٦، متّى ٩: ٣٥ ولوقا ١٣: ٢٢

وَتَعَجَّبَ تعجَب المسيح سابقاً من إيمان قائد المئة في كفرناحوم وهنا تعجب من عدم إيمان أهل الناصرة. وتعجُب المسيح لا ينافي لاهوته لأنه كان إنساناً حقيقياً كما أنه إله حق. فلا غرابة من أن يتعجب أعظم من أن يجوع ويعطش ويبكي ويعتب إلى غير ذلك من أمثاله. نعم أن لاهوته منزّه عن كل ذلك.

إرساله الاثني عشر للتبشير ع ٧ إلى ١٣

٧ – ١١ «٧ وَدَعَا ٱلاثْنَيْ عَشَرَ وَٱبْتَدَأَ يُرْسِلُهُمُ ٱثْنَيْنِ ٱثْنَيْنِ، وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً عَلَى ٱلأَرْوَاحِ ٱلنَّجِسَةِ، ٨ وَأَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يَحْمِلُوا شَيْئاً لِلطَّرِيقِ غَيْرَ عَصاً فَقَطْ، لاَ مِزْوَداً وَلاَ خُبْزاً وَلاَ نُحَاساً فِي ٱلْمِنْطَقَةِ. ٩ بَلْ يَكُونُوا مَشْدُودِينَ بِنِعَالٍ، وَلاَ يَلْبَسُوا ثَوْبَيْنِ. ١٠ وَقَالَ لَهُمْ: حَيْثُمَا دَخَلْتُمْ بَيْتاً فَأَقِيمُوا فِيهِ حَتَّى تَخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ. ١١ وَكُلُّ مَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ وَلاَ يَسْمَعُ لَكُمْ، فَٱخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ وَٱنْفُضُوا ٱلتُّرَابَ ٱلَّذِي تَحْتَ أَرْجُلِكُمْ شَهَادَةً عَلَيْهِمْ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: سَتَكُونُ لأَرْضِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ يَوْمَ ٱلدِّينِ حَالَةٌ أَكْثَرُ ٱحْتِمَالاً مِمَّا لِتِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ».

متّى ١٠: ١ الخ وص ٣: ١٣ و١٤ ولوقا ٩: ١ الخ، أعمال ١٢: ٨، متّى ١٠: ١١ ولوقا ٩: ٤ و١٠: ٧ و٨، متّى ١٠: ١٤ ولوقا ١٠: ١، أعمال ١٣: ٥١ و١٨: ٦

ذكر متّى دعوة المسيح لرسله وتعيينُه إياهم رسلاً (متّى ١٠: ١ – ١٥). ولكنه ذكر أوامر المسيح لهم زيادة على ما قاله مرقس لأن غاية مرقس تبيين أعمال المسيح لا كلامه. ولربما جمع متّى في محل واحد تعاليم ونصائح أتى بها المسيح لرسله في أماكن مختلفة ومرقس لم يذكر إلا الخطاب الذي تكلم به المسيح حينئذ لهم. ومما تركه مرقس من الأقوال التي ذكرها متّى نهي المسيح رسله عن الذهاب إلى الأمم وإلى السامريين لأن مرقس كتب إنجيله للأمم فلو ذكر ذلك لأعثرهم لجهلهم أن ذلك كان موقوتاً وأن المسيح أمر بخلافه بعده وقبل كتابته الإنجيل.

يُرْسِلُهُمُ غاية إرسال المسيح إياهم توسيع دائرة التبشير بمجيئه وابتداء ملكوته. لأنه بإرساله إياهم فرقاً وانفراده للعمل صاروا سبع فرق بدلاً من أن يكونوا جماعة واحدة تبشر في مكان واحد.

ٱثْنَيْنِ ٱثْنَيْنِ ليعين أحدهما الآخر في الرأي والعمل وفقاً لقول الحكيم في الجامعة ٤: ٩. ومما قصده المسيح من ذلك نفعهما الغير ومسرتهما.

وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً إثباتاً لشهادتهم كما كانت معجزاته إثباتاً لشهادته.

عَلَى ٱلأَرْوَاحِ ٱلنَّجِسَةِ اقتصر مرقس على هذا لأنه اعتبره أعظم المعجزات فمن استطاعه استطاع سائر المعجزات (ع ١٣).

غَيْرَ عَصاً فَقَطْ قال متّى «لا تقتنوا… ولا عصاً» ومعنى القولين الإسراع إلى التبشير فالذي له عصاً فليأخذها والذي ليس له لا يشغل الوقت باقتنائها.

١٢ «فَخَرَجُوا وَصَارُوا يَكْرِزُونَ أَنْ يَتُوبُوا».

أتوا ذلك إطاعة لأمر المسيح وجالوا في كل قرى الجليل (لوقا ٩: ٦).

أَنْ يَتُوبُوا افتتحوا كلام تبشيرهم بما افتتح به يوحنا المعمدان كلام تبشيره (ص ١: ٤) وكما فعل المسيح أيضاً (ص ١: ١٥).

١٣ «وَأَخْرَجُوا شَيَاطِينَ كَثِيرَةً، وَدَهَنُوا بِزَيْتٍ مَرْضَى كَثِيرِينَ فَشَفَوْهُمْ».

يعقوب ٥: ١٤

كان ذلك كله إثباتاً لصحة تعاليمهم.

وَأَخْرَجُوا شَيَاطِينَ كَثِيرَةً قدّم مرقس هذه المعجزة على كل ما ذكره من المعجزات كأنها أعظم من الكل.

وَدَهَنُوا بِزَيْتٍ مَرْضَى لم يذكر هذا أحد من البشيرين إلا مرقس. ولم يتخذ الرسل الدهن بالزيت علاجاً كما اعتاد اليهود (إشعياء ١: ٦ ولوقا ١٠: ٣٤) بل أتوا ذلك علامة خارجية لشفاء وإشارة إلى العلاقة بين المريض والشافي كوضع الأيادي أو وضع يسوع الطين على عيني الأعمى. ولا ريب في أن ذلك كان رمزاً إلى دهن الابتهاج الذي يمسح الله به شعبه (إشعياء ٦١: ٣) وإلى نعمة الروح القدس كما أشار إليه مسح الكهنة والملوك (لاويين ٨: ١٢). وليس من ذلك ما يدل على وجوب دهن المرضى به عند الموت لأن الرسل دهنوا به عند إرادتهم دفع الموت عن أجساد المرضى وأما الذين يدهنون به اليوم يتخذونه وسيلة استعداد النفس للموت. ولم يعيّن البشير هنا المدة التي شغلها الرسل بجولانهم للتبشير والمرجح أنها بضعة أسابيع.

قتل يوحنا المعمدان ع ١٤ إلى ٢٩ (سنة ٢٩ ب. م أي السنة الثانية لممارسة المسيح وظيفته)

١٤ – ٢٠ «١٤ فَسَمِعَ هِيرُودُسُ ٱلْمَلِكُ، لأَنَّ ٱسْمَهُ صَارَ مَشْهُوراً. وَقَالَ: إِنَّ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانَ قَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ وَلِذٰلِكَ تُعْمَلُ بِهِ ٱلْقُّوَاتُ.قَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُ إِيلِيَّا. ١٥ وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُ نَبِيٌّ أَوْ كَأَحَدِ ٱلأَنْبِيَاءِ. ١٦ وَلٰكِنْ لَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ قَالَ: هٰذَا هُوَ يُوحَنَّا ٱلَّذِي قَطَعْتُ أَنَا رَأْسَهُ. إِنَّهُ قَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ! ١٧ لأَنَّ هِيرُودُسَ نَفْسَهُ كَانَ قَدْ أَرْسَلَ وَأَمْسَكَ يُوحَنَّا وَأَوْثَقَهُ فِي ٱلسِّجْنِ مِنْ أَجْلِ هِيرُودِيَّا ٱمْرَأَةِ فِيلُبُّسَ أَخِيهِ، إِذْ كَانَ قَدْ تَزَّوَجَ بِهَا. ١٨ لأَنَّ يُوحَنَّا كَانَ يَقُولُ لِهِيرُودُسَ: لاَ يَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ ٱمْرَأَةُ أَخِيكَ! ١٩ فَحَنِقَتْ هِيرُودِيَّا عَلَيْهِ، وَأَرَادَتْ أَنْ تَقْتُلَهُ وَلَمْ تَقْدِرْ، ٢٠ لأَنَّ هِيرُودُسَ كَانَ يَهَابُ يُوحَنَّا عَالِماً أَنَّهُ رَجُلٌ بَارٌّ وَقِدِّيسٌ، وَكَانَ يَحْفَظُهُ. وَإِذْ سَمِعَهُ، فَعَلَ كَثِيراً، وَسَمِعَهُ بِسُرُورٍ».

متّى ١٤: ١ ولوقا ٩: ٧، متّى ١٦: ١٤ وص ٨: ٢٨، متّى ١٤: ٢ ولوقا ٣: ١٩ الخ، لاويين ١٨: ١٦ و٢٠: ٢١، متّى ١٤: ٥، حزقيال ٣٣: ٣٢

مرّ الكلام على قتل يوحنا المعمدان في الشرح (متّى ١٤: ١ – ١٢) وزاد مرقس على ما أنبأ به متّى أن هيروديا هي علّة سجنه وأن هيرودس أبى أن يقتل يوحنا في أول الأمر لسبب آخر غير الذي ذكره متّى وهو احترامه له فإذن لم يقتله أولاً لسببين احترامه إياه وخوفه من الشعب كما قال متّى.

هِيرُودُسُ هو هيرودس أنتيباس واحد من أولاد هيرودس الكبير الذي كان رئيس الربع على أيطورية وبيرية (متّى ١٤: ١).

ٱلْمَلِكُ لم يكن ملكاً حقيقياً إنما دعي بذلك إكراماً.

ٱسْمَهُ صَارَ مَشْهُوراً وعلّة شهرته ما أتى به هو ورسله. وعلامة نجاح أمره بلوغ خبره هيرودس وبلاطه.

قَالَ آخَرُونَ هذه يدل على شيوع الأقوال واختلافها في المسيح. واكتفى متّى بذكر قول هيرودس فيه.

إِيلِيَّا توقع اليهود إتيان إيليا قبل مجيء المسيح.

نَبِيٌّ أي بشر ملهم من الله وليس هو المسيح.

كَأَحَدِ ٱلأَنْبِيَاءِ كصموئيل وإيليا وغيرهما ممن صنعوا المعجزات.

هِيرُودُسُ قَالَ خالف هيرودس غيره في الرأي بناء على ما ذكره من ظلمه وعلى توبيخ ضميره إياه لقتله يوحنا البار.

أَرَادَتْ أَنْ تَقْتُلَهُ حنقاً عليه لأنه حرّم فعلها ولأنها خافت أن يقنع هيرودس ويردها إلى زوجها الأول.

وَلَمْ تَقْدِرْ علّة ذلك في العدد الآتي.

يَهَابُ يُوحَنَّا لاعتقاده قداسته ونبوته ومرسليته من الله ولجراءته على توبيخه على الإثم. ولم تكن تلك الهيبة راسخة في قلبه ولا دائمة التأثير وكان علاوة على ذلك يعتزل قتله لسبب سياسي وهو خوفه من الشعب كما ذكر متّى.

وَكَانَ يَحْفَظُهُ أي يقيه من هيروديا التي أرادت قتله (ع ١٩).

فَعَلَ كَثِيراً مما حثه يوحنا عليه لكن ذلك لم يكن سوى صلاح خارجي لا قلبي.

سَمِعَهُ بِسُرُورٍ ذلك دليل على أنه أصلح أعماله لا لمجرد الخوف بل رغبة في تعليم يوحنا ولأن ضميره صدّق له ما قاله ذلك البار. فكان هيرودس بذلك ممن أشار إليهم المسيح في مثل الزارع بالزرع في الأرض المحجرة «وهم الذين يسمعون الكلمة وحالاً يقبلونها بفرح ولكن ليس لهم أصل في ذواتهم» (متّى ١٣: ٢٠). ودليل ذلك أنه لم يتب عن إثمه ولم يطلق هيروديا وقتل يوحنا إرضاء لسالومي.

٢١ – ٢٩ «٢١ وَإِذْ كَانَ يَوْمٌ مُوافِقٌ، لَمَّا صَنَعَ هِيرُودُسُ فِي مَوْلِدِهِ عَشَاءً لِعُظَمَائِهِ وَقُوَّادِ ٱلأُلُوفِ وَوُجُوهِ ٱلْجَلِيلِ، ٢٢ دَخَلَتِ ٱبْنَةُ هِيرُودِيَّا وَرَقَصَتْ، فَسَرَّتْ هِيرُودُسَ وَٱلْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ. فَقَالَ ٱلْمَلِكُ لِلصَّبِيَّةِ: مَهْمَا أَرَدْتِ ٱطْلُبِي مِنِّي فَأُعْطِيَكِ. ٢٣ وَأَقْسَمَ لَهَا أَنْ مَهْمَا طَلَبْتِ مِنِّي لأُعْطِيَنَّكِ حَتَّى نِصْفَ مَمْلَكَتِي. ٢٤ فَخَرَجَتْ وَقَالَتْ لأُمِّهَا: مَاذَا أَطْلُبُ؟ فَقَالَتْ: رَأْسَ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانِ. ٢٥ فَدَخَلَتْ لِلْوَقْتِ بِسُرْعَةٍ إِلَى ٱلْمَلِكِ وَطَلَبَتْ قَائِلَةً: أُرِيدُ أَنْ تُعْطِيَنِي حَالاً رَأْسَ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانِ عَلَى طَبَقٍ. ٢٦ فَحَزِنَ ٱلْمَلِكُ جِدّاً. وَلأَجْلِ ٱلأَقْسَامِ وَٱلْمُتَّكِئِينَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَرُدَّهَا. ٢٧ فَلِلْوَقْتِ أَرْسَلَ ٱلْمَلِكُ سَيَّافاً وَأَمَرَ أَنْ يُؤْتَى بِرَأْسِهِ. ٢٨ فَمَضَى وَقَطَعَ رَأْسَهُ فِي ٱلسِّجْنِ. وَأَتَى بِرَأْسِهِ عَلَى طَبَقٍ وَأَعْطَاهُ لِلصَّبِيَّةِ، وَٱلصَّبِيَّةُ أَعْطَتْهُ لأُمِّهَا. ٢٩ وَلَمَّا سَمِعَ تَلاَمِيذُهُ جَاءُوا وَرَفَعُوا جُثَّتَهُ وَوَضَعُوهَا فِي قَبْرٍ».

تكوين ٤٠: ٢٠ ومتّى ١٤: ٦، أستير ٥: ٣ و٦ و٧: ٢، متّى ١٤: ٩ و١٢

يَوْمٌ مُوافِقٌ لإنجاز مراد هيروديا لا للوليمة لأنها كانت تتوقع فرصة لقتل يوحنا فرأت تلك الوليمة الميلادية وفق مطلوبها. ونستنتج من القرينة أنها أرسلت ابنتها سالومي لترقص أمام هيرودس متوقعة ما كان من ذلك لمعرفتها أخلاق هيرودس وعهدها أفعاله عند سكره.

لِعُظَمَائِهِ أي وزراء بلاطه.

قُوَّادِ ٱلأُلُوفِ أي رؤساء جيشه. ولم يذكر غير مرقس أقسام المدعوين.

وُجُوهِ ٱلْجَلِيلِ أي أعيان بلاده وأغنيائها.

ٱبْنَةُ هِيرُودِيَّا واسمها سالومي على قول يوسيفوس المؤرخ.

حتَى نِصْفَ مَمْلَكَتِي قال ذلك لا لتعيين قدر الموعود به بل لتعظيم الوعد. لأنه لا يتوقع أن يطلب أحد نصف مملكة المسؤول. ولعله قال ذلك مماثلة للملك أحشويروش في وعده للملكة أستير مع أن مملكة هيرودس كانت صغيرة بالنسبة إلى مملكة ذاك (أستير ٥: ٣ و٧: ١٢). والذي وهبه هيرودس لسالومي كان أعظم من نصف مملكته لأنه أهلك نفسه بذلك.

سَيَّافاً هو أحد حرسه الذين ينفذون أوامره.

وَأَمَرَ أَنْ يُؤْتَى بِرَأْسِهِ كان هيرودس مثل بيلاطس في أن له بعض المقاصد الجيدة وأنه كان ضعيف العزم متقلباً فسلّم يوحنا المعمدان إلى الموت على خلاف ميله إكراماً لهيروديا كما سلّم بيلاطس المسيح على خلاف إرادته إرضاء لرؤساء اليهود.

ولنا من خبر يوحنا المعمدان ان الصالحين لا يستوفون أجرهم في هذه الدنيا فلم يكن لذلك البار مسكن سوى البرية ولا لباس ولا طعام إلا ما كان من أدنى الملبوس والمأكول وسجن بغير حق ومات قتيلاً في ريعان شبيبته. وإن كان ذلك نصيب من شهد المسيح بأنه أعظم الأنبياء فيجب أن نقتنع نحن بما قسم الله لنا ولا نتوقع ثواب خدمتنا في هذه الأرض.

رجوع الاثني عشر وإشباع خمسة آلاف ع ٣٠ إلى ٤٤

٣٠ «وَٱجْتَمَعَ ٱلرُّسُلُ إِلَى يَسُوعَ وَأَخْبَرُوهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، كُلِّ مَا فَعَلُوا وَكُلِّ مَا عَلَّمُوا».

لوقا ٩: ١٠

وَٱجْتَمَعَ ٱلرُّسُلُ بعد أن رجعوا من الجليل حيث أرسلهم يسوع للتبشير. ولم يصرّح مرقس بأن قتل يوحنا كان علة رجوعهم ولكن لا عجب من أنهم حزنوا لتلك الحادثة ورجعوا ليحدثوا يسوع بها وينظروا فيها.

٣١ «فَقَالَ لَهُمْ: تَعَالَوْا أَنْتُمْ مُنْفَرِدِينَ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ وَٱسْتَرِيحُوا قَلِيلاً. لأَنَّ ٱلْقَادِمِينَ وَٱلذَّاهِبِينَ كَانُوا كَثِيرِينَ، وَلَمْ تَتَيَسَّرْ لَهُمْ فُرْصَةٌ لِلأَكْلِ».

متّى ١٤: ١٣

تَعَالَوْا أَنْتُمْ مُنْفَرِدِينَ خبر سجن يوحنا جعل المسيح يترك اليهودية ويذهب إلى الجليل (ص ١: ١٤). ونبأ مقتل يوحنا حمله على ترك الجليل والذهاب إلى البرية (متّى ١٤: ١٣)

وَٱسْتَرِيحُوا كان التلاميذ محتاجين إلى الراحة بعد جولانهم للتشبير. ولعلّ المسيح استغنم هذه الفرصة للراحة اعتزالاً لهيجان الشعب بقتل يوحنا لأنهم كانوا يعتبرونه نبياً ويكرمونه كثيراً ولا ريب في أنهم تأثروا كثيراً بذلك. وسأل الراحة لهم لا لنفسه.

ٱلْقَادِمِينَ وَٱلذَّاهِبِينَ الخ هذا بيان لما وجد الرسل من أحوال المسيح عند رجوعهم إليه. إنه لم يكن منفرداً عن الناس مستريحاً بل كان محاطاً بجموع كثيرة من المشاهدين آياته والمحتاجين إليه والمراقبين إياه للشر وذكر متّى أنه جال يبشر كما جالوا هم (متّى ١١: ١). ولعلّ من أسباب ذلك الازدحام اقتراب عيد الفصح فكان الناس يأتون إليه وهم ذاهبون إلى أورشليم (يوحنا ٦: ١)

فُرْصَةٌ لِلأَكْلِ كالعادة. فكانوا ينتهزون أقل فرصة ليأخذوا لقمة تسكيناً لجوعهم.

٣٢ «فَمَضَوْا فِي ٱلسَّفِينَةِ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ مُنْفَرِدِينَ».

مَوْضِعٍ خَلاَءٍ يظهر لنا من لوقا أن ذلك الموضع كان من أرض بيت صيدا شرقي بحيرة طبرية (لوقا ٩: ١٠) وسميت تلك الأرض في الكتب القديمة سهل البطيحة.

مُنْفَرِدِينَ وفق قصده لا حسب الاتفاق.

٣٣ «فَرَآهُمُ ٱلْجُمُوعُ مُنْطَلِقِينَ، وَعَرَفَهُ كَثِيرُونَ. فَتَرَاكَضُوا إِلَى هُنَاكَ مِنْ جَمِيعِ ٱلْمُدُنِ مُشَاةً، وَسَبَقُوهُمْ وَٱجْتَمَعُوا إِلَيْهِ».

انظر الشرح متّى ١٤: ١٣.

تَرَاكَضُوا إِلَى هُنَاكَ لم تكن المسافة طويلة ولعلها لم تزد على ثلاث ساعات.

وَٱجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وجدوا عندما وصلوا إلى هناك نفس الأمر الذي هربوا منه.

٣٤ «فَلَمَّا خَرَجَ يَسُوعُ رَأَى جَمْعاً كَثِيراً، فَتَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ إِذْ كَانُوا كَخِرَافٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا، فَٱبْتَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ كَثِيراً».

متّى ٩: ٣٦ و١٤: ١٤، لوقا ٩: ١١

لَمَّا خَرَجَ هذا يحتمل معنيين وهو أن هذا الخروج كان من السفينة أو من محل الانفراد في البرية. والثاني هو الصحيح لقول يوحنا «فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى جَبَلٍ… فَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ أَنَّ جَمْعاً كَثِيراً مُقْبِلٌ إِلَيْهِ» (يوحنا ٦: ٣ و٥). وزاد على ذلك أن وقت العيد كان قريباً وأن الناس كانوا يصعدون إلى أورشليم لأجل ذلك.

انظر الشرح متّى ١٤: ١٤.

فَتَحَنَّنَ شعر المسيح بمثل هذا الحنوّ سابقاً (متّى ٩: ٣٦).

ٱبْتَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ قال متّى أن المسيح شفى المرضى في الجمع. وقال مرقس «ابتدأ يعلمهم» وآثر ذكر التعليم على ذكر الشفاء لأنه الأهم. ولنا من القولين أنه شفى وعلّم.

٣٥ – ٤٤ «٣٥ وَبَعْدَ سَاعَاتٍ كَثِيرَةٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: ٱلْمَوْضِعُ خَلاَءٌ وَٱلْوَقْتُ مَضَى. ٣٦ اِصْرِفْهُمْ لِكَيْ يَمْضُوا إِلَى ٱلضِّيَاعِ وَٱلْقُرَى حَوَالَيْنَا وَيَبْتَاعُوا لَهُمْ خُبْزاً، لأَنْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ. ٣٧ فَأَجَابَ: أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا. فَقَالُوا لَهُ: أَنَمْضِي وَنَبْتَاعُ خُبْزاً بِمِئَتَيْ دِينَارٍ وَنُعْطِيهُمْ لِيَأْكُلُوا؟ ٣٨ فَقَالَ لَهُمْ: كَمْ رَغِيفاً عِنْدَكُمْ؟ ٱذْهَبُوا وَٱنْظُرُوا. وَلَمَّا عَلِمُوا قَالُوا: خَمْسَةٌ وَسَمَكَتَانِ. ٣٩ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا ٱلْجَمِيعَ يَتَّكِئُونَ رِفَاقاً رِفَاقاً عَلَى ٱلْعُشْبِ ٱلأَخْضَرِ. ٤٠ فَاتَّكَأُوا صُفُوفاً صُفُوفاً: مِئَةً مِئَةً وَخَمْسِينَ خَمْسِينَ. ٤١ فَأَخَذَ ٱلأَرْغِفَةَ ٱلْخَمْسَةَ وَٱلسَّمَكَتَيْنِ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ، وَبَارَكَ ثُمَّ كَسَّرَ ٱلأَرْغِفَةَ، وَأَعْطَى تَلاَمِيذَهُ لِيُقَدِّمُوا إِلَيْهِمْ، وَقَسَّمَ ٱلسَّمَكَتَيْنِ لِلْجَمِيعِ، ٤٢ فَأَكَلَ ٱلْجَمِيعُ وَشَبِعُوا، ٤٣ ثُمَّ رَفَعُوا مِنَ ٱلْكِسَرِ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مَمْلُّوَةً، وَمِنَ ٱلسَّمَكِ. ٤٤ وَكَانَ ٱلَّذِينَ أَكَلُوا مِنَ ٱلأَرْغِفَةِ نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفِ رَجُل».

متّى ١٤: ١٥ ولوقا ٩: ١٢، عدد ١١: ١٣ و٢٢ و٢ملوك ٤: ٤٣ ويوحنا ٦: ٣ الخ متّى ١٤: ١٧ ولوقا ٩: ١٣ ويوحنا ٦: ٩، ١صموئيل ٩: ١٣ ومتّى ٢٦: ٢٦

انظر الشرح متّى ١٤: ١٥ – ٢١.

هذه المعجزة الوحيدة التي ذكرها كل من البشيرين وأطال يوحنا الكلام عليها أكثر من غيره. ويظهر من ذلك أنهم رأوها ذات شأن عظيم وكان لها تأثير شديد في الشعب.

بِمِئَتَيْ دِينَارٍ أي نحو ٩٠٠ غرش أو ما ينوف عن ست ليرات انكليزية. وهذا كان أجرة الفاعل في مئتي يوم (متّى ٢٠: ٢ و٩ و١٣). قال فيلبس «لاَ يَكْفِيهِمْ خُبْزٌ (بذلك المبلغ) بِمِئَتَيْ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئاً يَسِيراً» (يوحنا ٦: ٧). ولم يُذكر هذا القدر من الدنانير لوجوده في خزانه المسيح وتلاميذه بل لبيان ضرورية قولهم اصرف الجموع لكي يبتاعوا في القرى ما يحتاجون إليه. وكان المتكلم فيلبس بين المسيح والرسل في ذلك الأمر وأراد المسيح امتحان إيمانه بما قاله له (يوحنا ٦: ٦).

ٱذْهَبُوا وَٱنْظُرُوا أرسلهم ليروا كم رغيفاً عندهم لا لأنه لم يعلم ذلك بل ليفيد التلاميذ ما يمنعهم وغيرهم من أن يقولوا بعد إشباع الجمع أن ذلك لم يكن معجزة لإمكان توهمهم أنه كان عندهم مؤونة وافرة من الخبز.

خَمْسَةٌ وَسَمَكَتَينِ كانت الأرغفة من دقيق الشعير أتى ولد بها وبالسمكتين (يوحنا ٦: ٩).

رِفَاقاً رِفَاقاً أتى ذاك تسهيلاً لتوزيع الخبز.

عَلَى ٱلْعُشْبِ ٱلأَخْضَرِ لأنه كان الربيع بدليل أن عيد الفصح (الذي كان يومئذ قريباً) في نيسان (يوحنا ٦: ٤).

قَسَّمَ ٱلسَّمَكَتَيْنِ أحب مرقس التفصيل فذكر توزيع السمكتين دون غيره.

خَمْسَةِ آلاَفِ رَجُلٍ زاد متّى على ذلك أنه كان غير هؤلاء نساء وأولاد.

مشي يسوع على الماء ع ٤٥ إلى ٥٢

سبق تفسير ذلك كله تفصيلاً في الشرح متّى ١٤: ٢٢ – ٣٣.

٤٥ «وَلِلْوَقْتِ أَلْزَمَ تَلاَمِيذَهُ أَنْ يَدْخُلُوا ٱلسَّفِينَةَ وَيَسْبِقُوا إِلَى ٱلْعَبْرِ إِلَى بَيْتِ صَيْدَا، حَتَّى يَكُونَ قَدْ صَرَفَ ٱلْجَمْعَ».

متّى ١٤: ٢٢ ويوحنا ٦: ١٧

أَلْزَمَ تَلاَمِيذَهُ أَنْ يَدْخُلُوا ٱلسَّفِينَةَ الذي حمله على ذلك اقتناع الناس الذين شاهدوا المعجزة بصحة دعواه الإلهية ورغبتهم في أن يجعلوه ملكاً على رغمه (يوحنا ٦: ١٥). ولعلّ الرسل وافقوهم في ذلك.

إِلَى بَيْتِ صَيْدَا أي أمرهم أن يسيروا بحراً في جهة تلك البلدة وكانوا وقتئذ شرقيها في أرض تابعة لها (لوقا ٩: ١٠) ولعلهم توقعوا أن يلاقوا يسوع في بيت صيدا ويأخذوه معهم إلى كفرناحوم على شاطئ بحر طبرية الغربي (يوحنا ٦: ١٧) لكنهم لم يبلغوا مقصدهم إذ ساقتهم الريح إلى ما وراء بيت صيدا.

٤٦ – ٥٢ «٤٦ وَبَعْدَمَا وَدَّعَهُمْ مَضَى إِلَى ٱلْجَبَلِ لِيُصَلِّيَ. ٤٧ وَلَمَّا صَارَ ٱلْمَسَاءُ كَانَتِ ٱلسَّفِينَةُ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ، وَهُوَ عَلَى ٱلْبَرِّ وَحْدَهُ. ٤٨ وَرَآهُمْ مُعَذَّبِينَ فِي ٱلْجَذْفِ، لأَنَّ ٱلرِّيحَ كَانَتْ ضِدَّهُمْ. وَنَحْوَ ٱلْهَزِيعِ ٱلرَّابِعِ مِنَ ٱللَّيْلِ أَتَاهُمْ مَاشِياً عَلَى ٱلْبَحْرِ، وَأَرَادَ أَنْ يَتَجَاوَزَهُمْ. ٤٩ فَلَمَّا رَأَوْهُ مَاشِياً عَلَى ٱلْبَحْرِ ظَنُّوهُ خَيَالاً، فَصَرَخُوا، ٥٠ لأَنَّ ٱلْجَمِيعَ رَأَوْهُ وَٱضْطَرَبُوا. فَلِلْوَقْتِ قَالَ لَهُمْ: ثِقُوا. أَنَا هُوَ. لاَ تَخَافُوا. ٥١ فَصَعِدَ إِلَيْهِمْ إِلَى ٱلسَّفِينَةِ فَسَكَنَتِ ٱلرِّيحُ، فَبُهِتُوا وَتَعَجَّبُوا فِي أَنْفُسِهِمْ جِدّاً إِلَى ٱلْغَايَةِ، ٥٢ لأَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا بِٱلأَرْغِفَةِ إِذْ كَانَتْ قُلُوبُهُمْ غَلِيظَةً».

متّى ١٤: ٢٣ ويوحنا ٦: ١٦ و١٧، لوقا ٢٤: ٢٨ ص ٨: ١٧ و١٨ ص ٣: ٥ و١٦: ١٤

وَلَمَّا صَارَ ٱلْمَسَاءُ (ع ٤٧) وهو المساء الثاني بعد المغرب.

كَانَتِ ٱلسَّفِينَةُ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ بدلاً من أن تكون في مرفأ بيت صيدا وكانت حينئذ لشدة الريح وهياج البحر على أمد «نَحْوَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلاَثِينَ غَلْوَةً» (يوحنا ٦: ١٨ و١٩).

وَأَرَادَ أَنْ يَتَجَاوَزَهُمْ (ع ٤٨) أي أن يتركهم وراءه وهذا ظنّ منهم لما رأوه مقترباً منهم وهو يمشي على الماء. وترك مرقس هنا ما ذكره متّى من أمر بطرس حينئذ إذ نزل إلى البحر لملاقاة يسوع ولعلّ سبب ذلك كتابة مرقس إنجيله بإرشاد بطرس وأن بطرس لم يسمح له أن يكتب ذلك لعدم أهمية أعماله بالنسبة إلى أعمال المسيح.

لأَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا بِٱلأَرْغِفَةِ (ع ٥٢) ذكر ذلك بياناً لسبب غرابة تعجبهم. وكان يجب عليهم أن يستنتجوا من معجزة الأرغفة أن المسيح قادر على كل معجزة كالمشي على الماء وغيره من المعجزات وعلى إنقاذهم من خطر اضطراب البحر وعلى تسكين الريح.

كَانَتْ قُلُوبُهُمْ غَلِيظَةً أي لم تتأثر بسهولة مما شاهدوه من معجزات المسيح وسمعوه من تعليمه. ولكن هذه الحال تبدلت بعد حلول الروح القدس عليهم.

إظهار المسيح قدرته على شفاء أمراض مختلفة في سهل جنيسارت ع ٥٣ إلى ٥٦

٥٣ «فَلَمَّا عَبَرُوا جَاءُوا إِلَى أَرْضِ جَنِّيسَارَتَ وَأَرْسَوْا».

متّى ١٤: ٣٤

أَرْضِ جَنِّيسَارَتَ انظر الشرح متّى ١٤: ٣٤. كانت مدينة كفرناحوم في جوار تلك الأرض ولذلك ذكر يوحنا أنهم أتوا إليها (يوحنا ٦: ٢٤ و٢٥).

٥٤ – ٥٦ «٥٤ وَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ ٱلسَّفِينَةِ لِلْوَقْتِ عَرَفُوهُ، ٥٥ فَطَافُوا جَمِيعَ تِلْكَ ٱلْكُورَةِ ٱلْمُحِيطَةِ، وَٱبْتَدَأُوا يَحْمِلُونَ ٱلْمَرْضَى عَلَى أَسِرَّةٍ إِلَى حَيْثُ سَمِعُوا أَنَّهُ هُنَاكَ. ٥٦ وَحَيْثُمَا دَخَلَ إِلَى قُرىً أَوْ مُدُنٍ أَوْ ضِيَاعٍ، وَضَعُوا ٱلْمَرْضَى فِي ٱلأَسْوَاقِ، وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسُوا وَلَوْ هُدْبَ ثَوْبِهِ. وَكُلُّ مَنْ لَمَسَهُ شُفِيَ!».

متّى ٩: ٢٠ وص ٥: ٢٧ و٢٨ وأعمال ١٩: ١٢

انظر الشرح متّى ١٤: ٣٥ و٣٦.

الأمور المذكورة هنا شغلت زمناً ليس بقصير كان المسيح يجول فيه ذاهباً آيباً يشفي مرضى كثيرين. وزاد مرقس على ما ذكره متّى أن المرضى حُملوا على أسرة وأُتي بهم إلى المسيح وأنهم وُضعوا في الأسواق التي كان يمرّ بها لكي يراهم ويعتني بهم. ولنا من ذلك أدلة قاطعة على قوة المسيح العجيبة وحنوه الغريب وإيمان الجموع الكثيرة به. ولم يكن هذا الإيمان خالياً من الأوهام إذ ظنوا أن لمس المسيح ضروري لنوال الشفاء منه ولكن تلك الأوهام لم تحرمهم من إدراك النفع من المسيح.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى