إنجيل لوقا

إنجيل لوقا | 24 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح إنجيل لوقا

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح الرابع والعشرون

إتيان النساء إلى القبر وإتيان بطرس كذلك ع ١ إلى ١٢

١ «ثُمَّ فِي أَوَّلِ ٱلأُسْبُوعِ، أَوَّلَ ٱلْفَجْرِ، أَتَيْنَ إِلَى ٱلْقَبْرِ حَامِلاَتٍ ٱلْحَنُوطَ ٱلَّذِي أَعْدَدْنَهُ، وَمَعَهُنَّ أُنَاسٌ».

متّى ٢٨: ١ ومرقس ١٦: ١ وص ٢٣: ٥٦ ويوحنا ٢٠: ١

ذكر لوقا في هذا الأصحاح بالاختصار إتيان النساء إلى القبر (ع ١ – ١١). وإتيان بطرس كذلك (ع ١٢) وظهور المسيح للتلميذين ذاهبين إلى عمواس (ع ١٣ – ٢٢). وظهوره لتلاميذه الأحد عشر يوم قيامته (ع ٣٣ – ٤٣). ووعده لهم بالروح القدس (ع ٣٦ – ٤٩). وصعوده إلى السماء (ع ٥٠).

أَتَيْنَ أي النساء المذكورات في ص ٢٣: ٥٥ و٥٦ ومعهن نساء أُخر أيضاً (ع ١٠) والأرجح أنهن أتين من المدينة فرقتين واجتمعن عند القبر.

٢ «فَوَجَدْنَ ٱلْحَجَرَ مُدَحْرَجاً عَنِ ٱلْقَبْر».

متّى ٢٨: ٢ ومرقس ١٦: ٤

انظر الشرح مرقس ١٦: ٣ و٤.

رجعت مريم المجدلية إلى المدينة حالاً لما شاهدت القبر مفتوحاً (يوحنا ٢٠: ١ و٢).

٣ «فَدَخَلْنَ وَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ».

مرقس ١٦: ٥ وع ٢٣

فَدَخَلْنَ مرقس ١٦: ٥.

٤ «وَفِيمَا هُنَّ مُحْتَارَاتٌ فِي ذٰلِكَ، إِذَا رَجُلاَنِ وَقَفَا بِهِنَّ بِثِيَابٍ بَرَّاقَةٍ».

يوحنا ٢٠: ١٢ وأعمال ١: ١٠

مُحْتَارَاتٌ لأنهن رأين الحجر قد دُحرج وجسد المسيح ليس هنالك. ولا ريب في أن ما قالته مريم المجدلية عن أفكارها موافقاً لأفكار الباقيات (يوحنا ٢٠: ٢ – ١٣).

رَجُلاَنِ هما ملاكان في هيئتي رجلين سماهما مرقس ولوقا رجلين باعتبار الهيئة وسماهما متّى ويوحنا الاسم الحقيقي. ولم يذكر متّى ومرقس سوى ملاك واحد وهذا لا ينافي أنه كان هنالك ملاكان أو أكثر. ولم يتحقق أن ظهور الملاك في كل من بشارتي متّى ومرقس هو عين الظهور الذي ذكره لوقا. والذي ذكره متّى كان لاثنتين من النساء فقط وما ذكره لوقا كان لجماعة من النساء. وما ذكره متّى من كلام الملاك يختلف عما ذكره لوقا.

٥ «وَإِذْ كُنَّ خَائِفَاتٍ وَمُنَكِّسَاتٍ وُجُوهَهُنَّ إِلَى ٱلأَرْضِ، قَالاَ لَـهُنَّ: لِمَاذَا تَطْلُبْنَ ٱلْحَيَّ بَيْنَ ٱلأَمْوَاتِ؟».

مُنَكِّسَاتٍ وُجُوهَهُنَّ إِلَى ٱلأَرْضِ ذلك لحزنهن وخيبة آمالهن وخوفهنّ من الملاكين.

لِمَاذَا تَطْلُبْنَ ٱلْحَيَّ بَيْنَ ٱلأَمْوَاتِ أي لماذا تطلبن المسيح في القبر. وفي هذا بشارة للنساء بقيامة المسيح وتعجب وتوبيخ لهم على عدم ذكرهنّ نبوءة يسوع بقيامته وعدم إيمانهن بكلامه وطلبهن الحي في مدفن الأموات.

ويصح أن يوبخ ذلك التوبيخ عينه كل الذين يندبون موتاهم المؤمنين كأن أرواحهم مع أجسادهم في القبر وهي تحيا عند الله.

٦ «لَيْسَ هُوَ هٰهُنَا لٰكِنَّهُ قَامَ! اُذْكُرْنَ كَيْفَ كَلَّمَكُنَّ وَهُوَ بَعْدُ فِي ٱلْجَلِيلِ».

لَيْسَ هُوَ هٰهُنَا السؤال السابق يتضمن معنى هذا القول فهو تأكيد له.

اُذْكُرْنَ ما حدث ليسوع من النوازل في تلك الأيام كان خلاف كل ما انتظرن في شأنه حتى أنساهن كل ما قاله سابقاً في أمر قيامته.

كَيْفَ كَلَّمَكُنَّ وَهُوَ بَعْدُ فِي ٱلْجَلِيلِ إن الجليل كان وطن أكثرهن أو كلهن فسمعن أقوال المسيح هنالك (ص ٢٣: ٥٥ ومتّى ١٦: ٢١ و١٧: ٢٢ و٢٣).

٧ «قَائِلاً: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي أَيْدِي أُنَاسٍ خُطَاةٍ، وَيُصْلَبَ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ».

متّى ١٦: ٢١ و١٧: ٢٣ ومرقس ٨: ٣١ و٩: ٣١ وص ٩: ٢٢

قَائِلاً ص ٩: ٢٢ و١٨: ٣٢. يظهر من قول المسيح هنا أن ما قاله للاثني عشر قاله أيضاً لسائر التلاميذ وذلك وفق قول مرقس في شأن موته وقيامته «قَالَ ٱلْقَوْلَ عَلاَنِيَةً» (مرقس ٨: ٣١ و٣٢).

ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ قال الملاك هذا على سبيل الحكاية أي نقله عن فم المسيح نفسه.

٨ «فَتَذَكَّرْنَ كَلاَمَهُ».

يوحنا ٢: ٢٢

علّة عدم تذكرهنّ ذلك قبلاً أنهن لم يفهمنَ معنى ما قال يوم قاله (ص ١٨: ٣٤ ومرقس ٩: ١٠) ولذلك لم يؤثر فيهن ولم ينتظرن إتمامه. ولكن بعد ما قام يسوع من الموت وضح كل ما قاله. وكذا كل نبوات الكتاب المقدس أنها تكون مبهمة قبل إتمامها وتتضح بعده.

٩، ١٠ «٩ وَرَجَعْنَ مِنَ ٱلْقَبْرِ، وَأَخْبَرْنَ ٱلأَحَدَ عَشَرَ وَجَمِيعَ ٱلْبَاقِينَ بِهٰذَا كُلِّهِ. ١٠ وَكَانَتْ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ وَيُوَنَّا وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَٱلْبَاقِيَاتُ مَعَهُنَّ، ٱللَّوَاتِي قُلْنَ هٰذَا لِلرُّسُلِ».

متّى ٢٨: ٨ ومرقس ١٦: ١٠، ص ٨: ٣

جمع لوقا في كلام واحد ما أعلن لمريم المجدلية (يوحنا ٢٠: ٢ ومتّى ٢٨: ٥ – ١٠) وما قيل لسائر النساء في هذا الحديث. وسمى ثلاثاً منهنّ فقط وهن المشهورات بينهن وعددهن كاف لإثبات الشهادة حسب شريعة موسى (تثنية ١٥: ١٩).

وَجَمِيعَ ٱلْبَاقِينَ يحتمل أن هؤلاء هم المئة والعشرون الذين ذكرهم لوقا في سفر الأعمال ١: ١٥.

١١ «َفَتَرَاءَى كَلاَمُهُنَّ لَـهُمْ كَٱلْهَذَيَانِ وَلَمْ يُصَدِّقُوهُنّ».

مرقس ١٦: ١١ وع ٢٥

لم يحسب أحد أنهن قصدن الكذب والخداع إنما حسبوا أخبارهن حديث خرافة لا يصدقه عاقل. ورأوا أن علّة تصديقهن ما أنبأن به فرط رغبتهن في صحته بدليل أنهم شكوا أيضاً في شهادة حواسهم (ص ٢٤: ٣٧).

١٢ «فَقَامَ بُطْرُسُ وَرَكَضَ إِلَى ٱلْقَبْرِ، فَٱنْحَنَى وَنَظَرَ ٱلأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً وَحْدَهَا، فَمَضَى مُتَعَجِّباً فِي نَفْسِهِ مِمَّا كَانَ».

يوحنا ٢٠: ٣ و٦

قَامَ بُطْرُسُ ذهب بطرس إلى القبر بسبب أنباء مريم المجدلية (يوحنا ٢٠: ٣) ورافقه يوحنا.

وَنَظَرَ ٱلأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً وَحْدَهَا ذكر لوقا هذا ما فيه من البرهان على أن جسد المسيح لم يُسرق من القبر.

ظهورالمسيح للتلميذان وهما ذاهبان إلى عمواس ع ١٣ إلى ٣٥

١٣ «وَإِذَا ٱثْنَانِ مِنْهُمْ كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ إِلَى قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ سِتِّينَ غَلْوَةً، ٱسْمُهَا «عِمْوَاسُ».

مرقس ١٦: ١٢

أشار مرقس إلى هذه الحادثة بالاختصار (مرقس ١٦: ١٢). ولم يذكرها متّى ويوحنا. واستنتج بعضهم من تفصيل لوقا لهذه الحادثة أنه كان أحد الاثنين أو أنه نقل الخبر عنهما.

ٱثْنَانِ مِنْهُمْ أي من المذكورين في ع ٩ واسم أحدهما كليوباس (ع ١٨) وهما ليسا من الاحد عشر (ع ٣٣).

فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أي مساء يوم الأحد (ع ٢٩).

سِتِّينَ غَلْوَةً نحو سبعة أميال أو مسافة نحو ساعتين.

عِمْوَاسُ لم يتحقق موقع هذه القرية والأرجح أنها هي ما تعرف الآن بالقبيبة أو هي قولونية أو قرية العنب وهي غربي أورشليم أو شمالها الغربي. والمرجح أن عمواس كانت موطن ذينك الاثنين رجعا إليه بعد حضورهما عيد الفصح في أورشليم.

١٤ «وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ بَعْضُهُمَا مَعَ بَعْضٍ عَنْ جَمِيعِ هٰذِهِ ٱلْحَوَادِثِ».

كَانَا يَتَكَلَّمَانِ موضوع كلاههما من ع ١٩ – ٢٤.

١٥ «وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ، ٱقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا».

متّى ١٨: ٢٠ وع ٣٦

وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ في أنه كيف يمكن أن يكون يسوع هو المسيح وقد مات وهل يمكن أن يوافق موته النبؤات الموضحة أن المسيح يكون ملكاً منتصراً ومخلصاً لشعبه.

ٱقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ تظاهر بأنه سائر على طريقهما ورافقهما.

١٦ «وَلٰكِنْ أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِه».

يوحنا ٢٠: ١٤ و٢١: ٤

يظهر علّة ذلك قول مرقس «وَبَعْدَ ذٰلِكَ ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى لاثْنَيْنِ مِنْهُمْ» (مرقس ١٦: ١٢) ولمثل هذا السبب لم تعرفه مريم المجدلية (يوحنا ٢٠: ١٤) ونستنتج من ذلك أن منظر المسيح تغيّر قليلاً عما كان قبل صلبه فكان ذلك مانعاً لمن لم ينتظروا وجوده من معرفتهم إياه. والأرجح أن هنالك علّة أخرى وهي أن المسيح بقوته الإلهية منعهم من معرفته في أول الأمر ليكون له أحسن الفرص لتفسير النبوات المختصة به. ولو عرفاه في الحال لملأ قلبيهما الخوف والفرح والشك ومنعهما ذلك عن إدراك البراهين التي أقامها لهما. ومما يثبت أن المسيح منعهما من معرفته ما جاء في الآية الحادية والثلاثين وهو قوله «فانفتحت أعينهما وعرفاه».

١٧ «فَقَالَ لَـهُمَا: مَا هٰذَا ٱلْكَلاَمُ ٱلَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟».

عرف المسيح موضوع كلامهما بلا سؤال ولكن سألهما تذرّعاً إلى محادثتهما.

عَابِسَيْنِ ظهر ذلك من إمارات وجهيهما وكلامهما.

١٨ «فَأَجَابَ أَحَدُهُمَا، ٱلَّذِي ٱسْمُهُ كِلْيُوبَاسُ: هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ ٱلأُمُورَ ٱلَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ؟».

يوحنا ١٩: ٢٥

كِلْيُوبَاسُ مختصر كليوباترس وليس هو كلوبا المذكور في يوحنا ١٩: ٢٥ واسمه لم يُذكر في سوى هذا من الإنجيل.

هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ ظناه أجنبياً حضر العيد في أورشليم وأخذ في الرجوع إلى وطنه وعجبا من أنه لم يعرف موضوع كلامهما في يسوع المصلوب مع أن حديث كل أهل أورشليم كان حينئذ في ذلك الشأن.

وَحْدَكَ أي منفرداً عن الناس فإنك لو عاشرت أحداً لعرفت الأمر الذي نخوض فيه.

ٱلأُمُورَ ٱلَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا أي صلب يسوع والظلمة والزلزلة.

١٩ «فَقَالَ لَـهُمَا: وَمَا هِيَ؟ فَقَالاَ: ٱلْمُخْتَصَّةُ بِيَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيِّ، ٱلَّذِي كَانَ إِنْسَاناً نَبِيّاً مُقْتَدِراً فِي ٱلْفِعْلِ وَٱلْقَوْلِ أَمَامَ ٱللّٰهِ وَجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ».

متّى ٢١: ١١ وص ٧: ١٦ ويوحنا ٣: ٢ و٤: ١٩ و٦: ١٤ وأعمال ٢: ٢٢ أعمال ٧: ٢٢

وَمَا هِيَ اتخذ المسيح هذا السؤال ذريعة إلى أن ينبئاه بعلّة مخاوفهما وآمالهما وشكوكهما وبمعرفتهما وجهلهما ومحبتهما له وحزنهما لموته. وأظهر بذلك يسوع حكمة المعلم النبيه إذ جعل سؤاله تمهيداً لتعليمهما.

يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيِّ هو أشهر أسمائه.

ٱلَّذِي كَانَ إِنْسَاناً نَبِيّاً تكلما فيه كأنه لم يكن وقد انتهى كل أمره وأنهما كانا يعتبرانه معلماً دينياً مرسلاً من الله ولكن موته أزال من أنفسهما ذلك الاعتبار. وووصفا يسوع بأنه نبي وذلك دون وصف المسيح.

مُقْتَدِراً فِي ٱلْفِعْلِ وَٱلْقَوْلِ لم ينسيا ولم ينكرا أعماله الغريبة وأقواله الحكيمة التي شاهداها وسمعاها.

أَمَامَ ٱللّٰه (أعمال ٢: ٢٢) لأن الله شهد له أنه نبي بما صنع على يديه من الآيات.

وَجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ أي سكان كل بلاد اليهود الذين نظروه وسمعوه (يوحنا ١٢: ١٧).

وشهادة هذين الرجلين ليسوع بما ذكراه تبين نقص معرفتهما ذلك الشخص العجيب الذي هو إله وإنسان فادي الخطاة والوسيط بين الله والناس.

٢٠ «كَيْفَ أَسْلَمَهُ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَحُكَّامُنَا لِقَضَاءِ ٱلْمَوْتِ وَصَلَبُوهُ».

ص ٢٣: ١ وأعمال ١٣: ٢٧ و٢٨

كَيْفَ أَسْلَمَهُ هذا متعلق بالسؤال الذي في الآية الثامنة عشرة وهو قول الرجلين «هل أنت متغرب… ولم تعلم… كيف الخ» أي كيف أمكنك أن لا تعلم ما فعل رؤساء الكهنة والحكام به.

وَصَلَبُوهُ أعمال ٢: ٢٥ و٤: ١٠ و٥: ٣٠. نسبا صلب المسيح إلى الرؤساء لأنهم شكوه إلى بيلاطس وأجبروه على الحكم بصلبه.

٢١ «وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ ٱلْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ. وَلٰكِنْ، مَعَ هٰذَا كُلِّهِ، ٱلْيَوْمَ لَـهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مُنْذُ حَدَثَ ذٰلِك».

ص ١: ٦٨ و٢: ٣٨ وأعمال ١: ٦

أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ معظم ما قصدوا بالفداء النجاة من نير الرومانيين مع شيء من رجاء النجاة من عبودية الخطيئة. وكلامهما هنا يدل على أنهما لم يوافقا الرؤساء والحكام في بغضهم ليسوع بل أبانا أنهما علقا رجاءهما عليه لكن ذلك الرجاء انقطع عند موته لأنهما لم يستطيعا أن يتصورا إنساناً صُلب ومات يكون المسيح ملك المجد.

ٱلْيَوْمَ لَـهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ ذكرا هذا علّة جديدة لحزنهما وبياناً أنه لم يحدث شيء في كل تلك المدة يحيي رجاءهما.

٢٢ – ٢٤ «٢٢ بَلْ بَعْضُ ٱلنِّسَاءِ مِنَّا حَيَّرْنَنَا إِذْ كُنَّ بَاكِراً عِنْدَ ٱلْقَبْرِ، ٢٣ وَلَمَّا لَمْ يَجِدْنَ جَسَدَهُ أَتَيْنَ قَائِلاَتٍ: إِنَّهُنَّ رَأَيْنَ مَنْظَرَ مَلاَئِكَةٍ قَالُوا إِنَّهُ حَيٌّ. ٢٤ وَمَضَى قَوْمٌ مِنَ ٱلَّذِينَ مَعَنَا إِلَى ٱلْقَبْرِ، فَوَجَدُوا هٰكَذَا كَمَا قَالَتْ أَيْضاً ٱلنِّسَاءُ، وَأَمَّا هُوَ فَلَمْ يَرَوْهُ».

متّى ٢٨: ٨ ومرقس ١٦: ١٠ وع ٩ و١٠ ويوحنا ٢٠: ١٨ ع ١٢

ذكرا تلك الحوادث كأنها لم تحدث إلا لتزيدهم حيرة فلم تكن بشارة ولا أساساً لشيء من الرجاء.

قَوْمٌ مِنَ ٱلَّذِينَ مَعَنَا (ع ٢٣) أشارا بذلك إلى بطرس ويوحنا (ع ١٢ ويوحنا ٢٠: ٢ – ١٠).

أَمَّا هُوَ فَلَمْ يَرَوْهُ أي أنهم لم يجدوا إلا قبراً فارغاً فحسبا ذلك كافياً لقطع كل رجاء.

ويظهر من هذا أنهما تركا أورشليم قبل أن رجعت النساء وأنبأت بأنهنّ شاهدن يسوع.

٢٥ «فَقَالَ لَـهُمَا: أَيُّهَا ٱلْغَبِيَّانِ وَٱلْبَطِيئَا ٱلْقُلُوبِ فِي ٱلإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلأَنْبِيَاءُ».

أخذ يسوع يوبّخهما في بدء الكلام لعدم استعمالهما عقليهما في تفسير نبوات الكتاب في شأن المسيح وتبعا رأي العامة بلا انتباه ووبخهما أيضاً على عدم إيمانهما بأنه لا بد من أن يتم كل ما تفوه به الأنبياء في شأن المسيح لأنهما صدقا بعضها وهو ما يشير إلى نصرته ومجده ولم يلتفتا إلى ما قيل في آلامه وهوانه استعداداً لذلك المجد.

٢٦ «أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهٰذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟».

ع ٤٦ وأعمال ١٧: ٣ و١بطرس ١: ١١

أَمَا كَانَ يَنْبَغِي بمقتضى نبوات الكتاب وتحصيل خلاص الناس.

أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ كان يجب عليهما أن يتيقنا من شهادة الأنبياء أن المسيح يدخل المجد بعد احتماله آلام الموت وفقاً لقول بطرس (١بطرس ١: ١١). وأن يتوقعا بموته الذي هو إتمام بعض تلك النبوات إتمام باقيها أي قيامته ومجده.

بِهٰذَا أي بما جعلكما تشكان في أن يسوع هو المسيح كرفض اليهود إياه وتسليم يهوذا إياه والحكم عليه بالموت وصلبه.

٢٧ «ثُمَّ ٱبْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ ٱلأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَـهُمَا ٱلأُمُورَ ٱلْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ ٱلْكُتُبِ».

تكوين ٣: ١٥ و٢٢: ١٨ و٢٦: ٤ و٤٩: ١٠ وعدد ٢١: ٩ وتثنية ١٨: ١٥ ومزمور ١٦: ٩ و١٠ ومزمور ٢٢ و١٣٢: ١١ وإشعياء ٧: ١٤ و٩: ٦ و٤٠: ١٠ و١١ و٥٠: ٦ وإشعياء ٥٣ وإرميا ٢٣: ٥ و٢٣: ١٤ و١٥ وحزقيال ٣٤: ٢٣ و٣٧: ٢٥ ودانيال ٩: ٢٤ وميخا ٧: ٢٠ وملاخي ٣: ١ و٤: ٢

ثُمَّ ٱبْتَدَأَ مِنْ مُوسَى أي بالنبوات التي في كتب موسى وأولها في تكوين ٣: ١٥ وفي ذلك إشارة إلى الرموز والذبائح التي عيّنها الله على يد موسى وكانت كلها تشير إلى المسيح. ويدخل في ذلك الحيّة النحاسية وعيد الفصح. وهذا وفق قول يسوع «فَتِّشُوا ٱلْكُتُبَ… وَهِيَ ٱلَّتِي تَشْهَدُ لِي» (يوحنا ٥: ٣٩).

جَمِيعِ ٱلأَنْبِيَاءِ أي أسفار الأنبياء من داود إلى ملاخي ولا سيما المزمور ١٦ والمزمور ٢٢ والأصحاح ٥٣ من نبوءة إشعياء.

ٱلأُمُورَ ٱلْمُخْتَصَّةَ بِهِ أي بالمسيح نفسه. فإن قيل ليت لنا ما سمعه ذانك التلميذان من تفسير المسيح قلنا إنّا وجدناه في سفر أعمال الرسل والرسائل.

٢٨ «ثُمَّ ٱقْتَرَبُوا إِلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ إِلَيْهَا، وَهُوَ تَظَاهَرَ كَأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ إِلَى مَكَانٍ أَبْعَدَ».

تكوين ٤٢: ٧ ومرقس ٦: ٤٨

تَظَاهَرَ كَأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ ليس في ذلك شيء مخالف للحق لأنه لولا لجاجتهما كان ظل سائراً ولو اكتفيا بما سمعا منه ما حصلا على معلنات أخرى أعظم من تلك.

٢٩ «فَأَلْزَمَاهُ قَائِلَيْنِ: ٱمْكُثْ مَعَنَا لأَنَّهُ نَحْوُ ٱلْمَسَاءِ وَقَدْ مَالَ ٱلنَّهَارُ. فَدَخَلَ لِيَمْكُثَ مَعَهُمَا».

تكوين ١٩: ٣

فَأَلْزَمَاهُ أي لم يسلم بالبقاء معهما إلا بعد ان امتحن رغبتهما في كلامه.

ٱمْكُثْ مَعَنَا قالا ذلك لأن قلبيهما مالا إليه ولذت لهما محادثته الروحية.

قَدْ مَالَ ٱلنَّهَارُ قال ذلك علّة لدعوتهما إياه والمعنى أنه لم يبقَ من ذلك النهار وقت كاف لبلوغه إلى مبيت آخر.

ويحسن أن يصلّي كل مسيحي ليسوع بقوله «امكث معي» في مساء كل يوم وفي مساء حياته وفي كل ساعة يعتريه فيها الحزن واليأس فيلتهب قلبه فيه ويكلمه المسيح بكلمات التعزية والرجاء.

٣٠ «فَلَمَّا ٱتَّكَأَ مَعَهُمَا، أَخَذَ خُبْزاً وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَنَاوَلَـهُمَا».

متّى ١٤: ١٩

هذا العشاء عادي لا العشاء الرباني ففعل ما كان عادته أن يفعله قبل الأكل مع تلاميذه. وأخذ الخبز وكسره وطلب بركة الله عليه مما يتعلق برب البيت لا بالضيف إلا إذا طلب رب البيت ذلك منه إكراماً له وكذا كان أمر المسيح يومئذ مع التلميذين لأنه كان ضيفهما.

٣١ «فَٱنْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ ثُمَّ ٱخْتَفَى عَنْهُمَا».

ص ٤: ٣٠ ويوحنا ٨: ٥٩

فَٱنْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا أي زال المانع لهما من معرفة يسوع (ع ١٦) وذلك كان إما بقوة المسيح رأساً وإما باستدلالهما بما شاهداه منه.

وَعَرَفَاهُ لأن المسيح أراد أنهما يعرفانه ولعلهما عرفاه علاوة على ذلك من كسره للخبز ومباركته إياه بأسلوب عهداه من المسيح ولعلهما نظرا آثار المسامير في يديه عندما رفعهما للبركة.

ثُمَّ ٱخْتَفَى عَنْهُمَا أي لم يروه بعد. ولا ريب في أنه أخذتهما الحيرة في أول إعلان نفسه لهما حتى لم يستطيعا أن يتكلما أو يعتمدا ما يفعلان ولما رجعا إلى أنفسهما وأرادا أن يسجدا له لم يجداه. ولا شك في أنه كان في طريق اختفائه شيء فوق الطبيعة ولو كان اختفاؤه عادياً لقال لوقا قام عن المائدة وانطلق.

٣٢ «فَقَالَ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِباً فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي ٱلطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا ٱلْكُتُبَ؟».

أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِباً هذا دليل على تأثير كلام المسيح فيهما لأنه أنشأ في قلبيهما الفرح والرجاء والشوق إلى سمع كلامه أيضاً كتأثير النار في الوقيد. وفي قولهما شيء من التوبيخ لهما وأنه ان يجب عليهما أن يعرفاه من جودة معرفته الكتب الإلهية وتأثير كلامه فيهما.

يُوضِحُ لَنَا ٱلْكُتُبَ هذا وصف لتبيينه لهما أنه تمت رموز الكتاب ونبواته بعمله وموته وقيامته.

٣٣ «فَقَامَا فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ وَرَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَوَجَدَا ٱلأَحَدَ عَشَرَ مُجْتَمِعِينَ، هُمْ وَٱلَّذِينَ مَعَهُم».

فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ حملهما فرحهما بمشاهدة الرب ورغبتهما في أن يشاركهما سائر التلاميذ في ذلك الفرح على الرجوع حالاً إلى أورشليم غير مكترثين بتعبهما وخطر سفرهما في الليل.

ٱلأَحَدَ عَشَرَ أُطلق هذا الاسم على جماعة الرسل بعد هلاك يهوذا الاسخريوطي بقطع النظر عن العدد لأننا نعرف من أنباء يوحنا أن توما لم يكن بينهم في تلك الليلة (يوحنا ٢٠: ٢٤) وعلى هذا الأسلوب عبّر بولس عن الأحد عشر بالاثني عشر (١كورنثوس ١٥: ٥).

مُجْتَمِعِينَ زاد يوحنا على هذا أن أبواب المكان الذي اجتمعوا فيه كانت مغلقة للخوف من اليهود (يوحنا ٢٠: ١٩).

وَٱلَّذِينَ مَعَهُمْ (أعمال ١: ١٤).

٣٤ «وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ ٱلرَّبَّ قَامَ بِٱلْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ!».

١كورنثوس ١٥: ٥

إِنَّ ٱلرَّبَّ قَامَ بِٱلْحَقِيقَةِ الكلمة الجوهرية في هذه العبارة قوله «بالحقيقة» ويظهر منها أن أمر قيامة المسيح صار مرجواً بعد أن كان موضوعاً للجدال والريب وذلك لشهادة بعض التلاميذ. وأتى الاثنان بالبشرى للباقين لكنهما بُشرا قبل أن يُبشِّرا. ومما ذُكر هنا منقول عن بعض التلاميذ لا عن الكل (مرقس ١٦: ١٤ و١٥).

وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ أي بطرس وهذا وفق قول بولس (١كورنثوس ١٥: ٥) ولم نعرف تفصيل ذلك الظهور والمرجح أنه ظهر لبطرس قبل ظهوره للتلميذين اللذين كانا منطلقين إلى عمواس.

٣٥ «وَأَمَّا هُمَا فَكَانَا يُخْبِرَانِ بِمَا حَدَثَ فِي ٱلطَّرِيقِ، وَكَيْفَ عَرَفَاهُ عِنْدَ كَسْرِ ٱلْخُبْز».

بعد أن سمعا كلام غيرهما بشرا بما عندهما.

عِنْدَ كَسْرِ ٱلْخُبْزِ في ذلك إشارة إلى عشائهما في عمواس حين كسر المسيح الخبز وبارك لا إلى العشاء الرباني.

ظهور المسيح لتلاميذه في أورشليم ع ٣٦ إلى ٤٣

٣٦ «وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهٰذَا وَقَفَ يَسُوعُ نَفْسُهُ فِي وَسَطِهِمْ، وَقَالَ لَـهُمْ: سَلاَمٌ لَكُمْ!».

مرقس ١٦: ١٤ ويوحنا ٢٠: ١٩ و١كورنثوس ١٥: ٥

ما ذُكر هنا هو ظهور المسيح الخامس في يوم قيامته فهو ظهر (١) لمريم المجدلية (يوحنا ٢٠: ١١ – ١٨) و(٢) لبقية النساء وهن راجعات من القبر (متّى ٢٨: ٩ و١٠) و(٣) لبطرس (ع ٣٤ و١كورنثوس ١٥: ٥) و(٤) للتلميذين (ع ١٣) و(٥) للتلاميذ وهو المذكور هنا وحُسب عندهم الأهم لأن البشيرين كلهم ذكروه. وقد مرّ الكلام على سائر مرات ظهوره في الشرح (متّى ٢٨: ١٧).

وَقَفَ يَسُوعُ نَفْسُهُ فِي وَسَطِهِمْ هذا يدل على أنه ظهر لهم بغتة. وقال يوحنا أن الأبواب كانت مغلقة (يوحنا ٢٠: ١٩) واستنتج البعض مما قيل هنا أن الابواب لم تفتح له وأنه دخل وهي لم تُفتح لكن لا يلزم ذلك من الكلام فلعله قرع الباب وفتحوا له ودخل أو لعله فتحها بقوته الإلهية. وكان مراده أن يقنعهم أنه قام بالحقيقة وأن جسده لحم ودم لا خيال فكيف يمكن أن يقنعهم بذلك وهم يرون الأبواب المغلقة لم تمنعه من الدخول. فمثل ذلك لا يصدق على جسده كما عرفوا ولا على جسد بشري مما اختبروه.

وعلينا أن نلاحظ هنا أن الكتاب المقدس لم يوضح لنا أحوال جسد المسيح في المدة التي بين قيامته وصعوده ولم يخبرنا هل احتاج إلى الطعام والنوم. نعم نعتقد أنه بقي إنساناً وهو يمشي على ماء بحر طبرية وحين صام أربعين يوماً في البرية وكذلك نعتقد أنه بقي إنساناً بعد قيامته وإن لم نعلم أين بات وأين صرف معظم الوقت وهل قيت بشيء أو لا. ومعلوم أنه لم يحصل حينئذ على المجد الذي حصل عليه بعد صعوده.

سَلاَمٌ هذا لفظ التحية التي اعتاد التلاميذ أن يسمعوها منه فعرفوه بها وتحققوا منها محبته لهم ومغفرته لهم على تركهم إياه وأنه لهم بواسطته سلام مع الله.

٣٧ «فَجَزِعُوا وَخَافُوا، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ نَظَرُوا رُوحا».

مرقس ٦: ٤٩

فَجَزِعُوا ولا عجب من أن خافوا من نظرهم إياه واقفاً حياً بينهم بعد علمهم أنه مات ودُفن لان ذلك مخالف لكل ما اختبروه في الماضي وما توقعوه في المستقبل.

رُوحاً أي خيالاً كما يزعم الناس من أن الموتى يظهرون أحياناً وظنوا نفس المسيح أخذت شبه الجسد وظهرت لهم. ومثل ذلك كان زعمهم يوم رأوه ماشياً على ماء البحر (متّى ١٤: ٢٦) وزعمهم في أمر بطرس ليلة عاد من السجن (أعمال ١٢: ١٥) وحسب الناس ظهور الأخيلة دليل على حدوث البلايا والنوازل.

٣٨ «فَقَالَ لَـهُمْ: مَا بَالُكُمْ مُضْطَرِبِينَ، وَلِمَاذَا تَخْطُرُ أَفْكَارٌ فِي قُلُوبِكُمْ؟».

غاية المسيح في هذين السؤالين تسكين خوف التلاميذ وبيان أن لا علّة لاضطراب قلوبهم وأن ذلك الاضطراب لم يمنعهم عن تحقيق صحة البراهين على قيامته.

٣٩، ٤٠ «٣٩ اُنْظُرُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ. جُسُّونِي وَٱنْظُرُوا، فَإِنَّ ٱلرُّوحَ لَيْسَ لَـهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي. ٤٠ وَحِينَ قَالَ هٰذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ».

يوحنا ٢٠: ٢٠ و٢٧

اُنْظُرُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ كانت مكشوفة فأمنكهم أن يروها ويلمسوها وكان فيها آثار المسامير التي سُمر بها على الصليب فاستطاعوا أن يتيقنوا أنه يسوع وأنّ جسده هو الجسد الذي صُلب به واستنتجوا يقيناً أنه قام وأنهم شاهدوه حقاً لا روحه.

فَإِنَّ ٱلرُّوحَ لَيْسَ لَـهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ ذكرهم بصفات الروح المعلومة المخالفة لصفات المادة ليبرهن لهم أن أفكارهم فيه أوهام وأن جسده جسد حقيقي. وأشار يوحنا إلى ما كان من يسوع هنا بقوله «ٱلَّذِي سَمِعْنَاهُ، ٱلَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، ٱلَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ ٱلْحَيَاةِ» (١يوحنا ١: ١).

ولا ريب في أن جسد المسيح تغيّر عند صعوده عما كان عليه قبله وفقاً لقول الرسول في ١كورنثوس ١٥: ٥.

٤١ «وَبَيْنَمَا هُمْ غَيْرُ مُصَدِّقِين مِنَ ٱلْفَرَحِ، وَمُتَعَجِّبُونَ، قَالَ لَـهُمْ: أَعِنْدَكُمْ هٰهُنَا طَعَامٌ؟».

تكوين ٤٥: ٢٦، يوحنا ٢١: ٥

غَيْرُ مُصَدِّقِين مِنَ ٱلْفَرَحِ عرفوا من اختبارهم أن الناس يميلون حالاً إلى تصديق ما يوافق إرادتهم دون براهين كافية فخافوا أن إرادتهم كون يسوع حياً تكون علّة تصديقهم قيامته كما أن سرور يعقوب بنبإ أن يوسف حي جعله يشك في صدق ذلك (تكوين ٤٥: ٢٦).

مُتَعَجِّبُونَ لأنهم انتقلوا حالاً من أعماق اليأس والحزن إلى أعالي الرجاء والمسرة لأنهم رأوا أنه قد حدث أعظم المعجزات وهو أن الميت قام وظهر والمصلوب والمدفون وقف أمامهم يخاطبهم وهم لا ينتظرون شيئاً من ذلك.

٤٢، ٤٣ «٤٢ فَنَاوَلُوهُ جُزْءاً مِنْ سَمَكٍ مَشْوِيٍّ، وَشَيْئاً مِنْ شَهْدِ عَسَلٍ. ٤٣ فَأَخَذَ وَأَكَلَ قُدَّامَهُمْ».

أعمال ١٠: ٤١

طلب المسيح طعاماً وأكل أمامهم ليرفع كل شك من قلوبهم وليقيم لهم أوضح برهان على أنه قام وأن جسده جسد حقيقي. وأسند بطرس كلامه لكرنيليوس على قيامة المسيح إلى فعل يسوع هنا (أعمال ١٠: ٤١).

سَمَكٍ مَشْوِيٍّ… وَعَسَلٍ أي طعامهم الذي كان عندهم في البيت.

خطاب المسيح بعد قيامته وصعوده ع ٤٤ إلى ٤٩

٤٤ «وَقَالَ لَـهُمْ: هٰذَا هُوَ ٱلْكَلاَمُ ٱلَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ، أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَٱلأَنْبِيَاءِ وَٱلْمَزَامِير».

متّى ١٦: ٢١ و١٧: ٢٢ و٢٠: ١٨ ومرقس ٨: ٣١ وص ٩: ٢٢ و١٨: ٣١

وَقَالَ لَـهُمْ المرجح أن ما ذُكر هنا هو من خطاب المسيح مساء يوم قيامته ولكن ذهب البعض ان لوقا جمع في كلامه هنا مضمون ما علّمه المسيح تلاميذه في الأربعين يوماً التي انقضت عليه قبل صعوده. وبنى رأيه على ما قال في أعمال الرسل ١: ٨ قبل صعوده بقليل وهو وفق ما قيل هنا في ع ٤٨ و٤٩ ولكن لا مانع من أن المسيح قاله مرتين مساء يوم قيامته وقرب صعوده لأهميته.

وَقَالَ لَـهُمْ هٰذَا هُوَ ٱلْكَلاَمُ ٱلَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ أي ما قاله قبل موته في شأن موته وقيامته وأشار بذلك إلى أقواله المكتوبة في (متّى ١٦: ٢١ و١٧: ٢٢ و٢٠: ١٨ ومرقس ٨: ٣١ ولوقا ٩: ٢٢ و١٨: ٣١ و٢٤: ٦ و٧).

نَامُوسِ مُوسَى وَٱلأَنْبِيَاءِ وَٱلْمَزَامِيرِ جمع اليهود كل أسفار العهد القديم في هذه الأقسام الثلاثة حاسبين الأسفار التاريخية مع «الأنبياء» ولا ريب في أن المسيح أوضح لتلاميذه علاوة على تفسيره النبوات معنى الطقوس والرموز وأنه علّم العشرة حينئذٍ ما علمه الاثنين وهما منطلقان إلى عمواس.

٤٥ «حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا ٱلْكُتُب».

أعمال ١٦: ١٤

فَتَحَ ذِهْنَهُمْ أي أنار عقولهم بفعل روحه لكي يدركوا المعنى الروحي لِما كُتب في العهد القديم في شأنه وشأن ملكوته وكان التلاميذ قبل أن فتح ذهنهم يعتقدون أن تلك الإشارت والنبوات كانت متعلقة بملك أرضي وملكوت منظور زمني عالمي. وما نالوه من التنوير يومئذ كان عربون التنوير الأعظم والأكمل الذي نالوه في اليوم الخمسين حين حل عليهم الروح القدس (أعمال ٢: ٢ – ٤).

ومما يثبت لنا جودة تعليم الكتاب المقدس ان المسيح لما أراد أن يبلغ تلاميذه أعظم تعاليم ملكوته قبل صعوده لم يأت بإعلان جديد مما عرفه من أسرار السماء بل اكتفى بفتح أذهانهم لإدراك الكتب المنزلة التي بين أيديهم.

٤٦ «وَقَالَ لَـهُمْ: هٰكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهٰكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ».

مزمور ٢٢ وإشعياء ٥٠: ٦ و٥٣: ٢ الخ وع ٢٦

هٰكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ أي أن الاتفاق تام بين حوادث حياة المسيح وموته والنبوات المكتوبة وذلك خلاف ما افتكروا قبلاً لأنهم ظنوا موت يسوع أبطل كل دعواه أنه المسيح الذي وعد الله به بألسنة الأنبياء.

هٰكَذَا كَانَ يَنْبَغِي لتتم مقاصد الله والنبوات. وفي ذلك بيان لضرورية موت المسيح لإيفاء عدل الله وحقه ولتحصيل خلاص العالم وذلك وفق قول الرسول «لِيَكُونَ بَارّاً وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ ٱلإِيمَانِ بِيَسُوعَ» (رومية ٣: ٢٦).

٤٧ «وَأَنْ يُكْرَزَ بِٱسْمِهِ بِٱلتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا لِجَمِيعِ ٱلأُمَمِ، مُبْتَدَأً مِنْ أُورُشَلِيم».

دانيال ٩: ٢٤ وأعمال ١٣: ٣٨ و٤٦ و١يوحنا ٢: ١٢، تكوين ١٢: ٣ ومزمور ٢٢: ٢٧ وإشعياء ٤٩: ٦ وإرميا ٣١: ٣٤ وميخا ٤: ٢ وملاخي ١: ١١

بِٱلتَّوْبَةِ بعد ما ذكر المسيح ما فعله لأجل خلاص البشر ذكر ما على الإنسان أن يفعله لكي يفوز بفوائد موته وقيامته. والتوبة مما أوجبه الأنبياء ومن قول يسوع «ينبغي أن يتم» ويظهر أنها شرط ضروري للمغفرة من كرازة يوحنا المعمدان وكرازة المسيح ورسله.

وَمَغْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا تتقضي مغفرة الخطايا ثلاثة أشياء على ما قيل هنا.

  • الأول: موت المسيح ليجعل المغفرة ممكنة.
  • والثاني: المناداة بموت المسيح.
  • والثالث: توبة الذين يسمعون. فموت المسيح وحده عن خطايا الإنسان لا يغنيه عن وجوب التوبة والإيمان لمغفرة خطاياه ومناداته ببشرى الخلاص لغيره.

بِٱسْمِهِ أي يجب على الدعاة أن يدعوا إلى التوبة والإيمان بسلطان المسيح وطوعاً لأمره (ص ٩: ٤٩ وأعمال ٤: ١٢).

لِجَمِيعِ ٱلأُمَمِ ذكر متّى ومرقس أن المسيح أمر بالكرازة لجميع الأمم وزاد لوقا على ذلك أنها إتمام للنبوات.

مُبْتَدَأً مِنْ أُورُشَلِيمَ قصد الله أن تعرض بشرى خلاص المسيح على اليهود (رومية ٩: ٤) ثم على سائر أهل الأرض (إشعياء ٢: ٣ ومرقس ١٦: ١٥ وأعمال ١: ٨ ورومية ١٥: ١٩) وأظهر يسوع عظمة حلمه وعفوه بطلبه ان يبشر بإنجيله في مدينة قاتليه. وكان من اللائق أن يُبتدأ التبشير في تلك المدينة لأنها مركز الديانة اليهودية التي هي مقدمة الديانة المسيحية وكان هنالك الهيكل والرموز التي كانت تشير إليه.

٤٨ «وَأَنْتُمْ شُهُودٌ لِذٰلِكَ».

يوحنا ١٥: ٢٧ وأعمال ١: ٨ و٢٢ و٢: ٣٢ و٣: ١٥

اختار المسيح الرسل لكي يكونوا شهود عين للناس بموته وصحة قيامته وبصعوده بعده وبذلك تثبت دعواه وتعليمه وهذا علّة ظهور المسيح لهم وعدم ظهوره لبيلاطس ورؤساء الكهنة وغيرهم من اليهود. ويجب أن يكون المسيحيون كلهم شهوداً للمسيح بسيرتهم وتعليمهم.

٤٩ «وَهَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَوْعِدَ أَبِي. فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ ٱلأَعَالِي».

إشعياء ٤٤: ٣ ويوئيل ٢: ٢٨ ويوحنا ١٤: ١٦ و٢٦ و١٥: ٢٦ و١٦: ٧ وأعمال ١: ٤ و٢: ١ الخ

هَا أَنَا أُرْسِلُ أعلن هنا يسوع مساواته للآب في إرسال الروح القدس.

مَوْعِدَ أَبِي أي الروح القدس (أعمال ١: ٤ و٥) فإنه وعد به في (إشعياء ٤٤: ٣ ويوئيل ٢: ٢٨) والمسيح أيضاً وعد بإرساله (يوحنا ١٤: ١٦ و٢٦ و١٥: ٢٦ و١٦: ٧).

أَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ ومعنى ذلك أن لا يخرجوا للمناداة بالإنجيل قبل أن يحل عليهم الروح القدس بنوع معجز. وكان ذلك في اليوم الخمسين (أعمال ١: ٨). وليس في ذلك مانع للرسل من الرجوع إلى أوطانهم في الجليل أو ليلاقوا المسيح هناك كما عين لهم.

قُوَّةً اي قوة روحية وهي نتيجة حلول الروح (أعمال ١: ٨) وهي تمكنهم من إدراك الحق وتأثير كلامهم في قلوب الناس وضمائرهم والتكلم بألسنة غريبة وصنع المعجزات إثباتاً لتعليمهم.

مِنَ ٱلأَعَالِي أي السماء مسكن الله ومصدر كل بركة روحية. وتم هذا الوعد بعد خمسين يوماً من قيامة المسيح أعمال ص ٢.

صعود المسيح ع ٥٠ إلى ٥٢

٥٠ «وَأَخْرَجَهُمْ خَارِجاً إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَبَارَكَهُم».

أعمال ١: ١٢

وَأَخْرَجَهُمْ خَارِجاً أي من مدينة أورشليم وهو منطلق أمامهم كما كان يفعل قبل موته. وحدث ما قيل هنا وفي العددين التاليين بعد القيامة بأربعين يوماً. ولكن حدث في الأيام الثمانية بعد قيامته أنه ظهر أيضاً للتلاميذ في أورشليم وكان توما معهم (يوحنا ٢٠: ٢٤ – ٢٩). ثم بعد ذلك ظهر لسبعة تلاميذ في الجليل (يوحنا ٢١: ١ – ٢٤) وظهر أيضاً في الجليل نحو ٥٠٠ أخ (متّى ٢٨: ١٦ – ٢٤ و١كورنثوس ١٥: ٦) وبعد ذلك لجميع الرسل (أعمال ١: ٣ – ٨) ولعلّ علّة عدم ذكر لوقا تلك الظهورات بالتفصيل قصد أن يكتبها مفصلة كما فعل في مقدمة أعمال الرسل.

إِلَى بَيْتِ عَنْيَا يظهر من متّى ٢١: ١ ومن أعمال ١: ١٢ أن صعود المسيح لم يحدث في بيت عنيا عينها بل في القرب منها على جبل الزيتون. وبيت عنيا على سفح ذلك الجبل الشرقي واختار الصعود قرب بيت عنيا لكي لا يراه أهل أورشليم.

وَرَفَعَ يَدَيْهِ علامة للبركة (لاويين ٩: ٢٢). ومضمون تلك البركة وهو منطلق من العالم كمضمون ترنيمة الملائكة وهو آت إلى العالم طفلاً وهو قولهم «على الأرض السلام وفي الناس المسرة».

٥١ «وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ ٱنْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ».

٢ملوك ٢: ١١ ومرقس ١٦: ١٩ ويوحنا ٢٠: ١٧ وأعمال ١: ٩ وأفسس ٤: ٨

انظر الشرح مرقس ١٦: ١٩.

وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ ما برح يباركهم وهو صاعد.

ٱنْفَرَدَ عَنْهُمْ بصعوده حتى حجبته السحابة (أعمال ١: ٩).

وَأُصْعِدَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ أي رُفع جسده إلى حيث يظهر الله مجده ويسكن الملائكة والقديسون وهو محل القداسة والسعادة وهناك يجلس هو على يمين العظمة (عبرانيين ١: ٣ و٨: ١) وعرفوا أنه رُفع إلى السماء بعد احتجابه عنهم من نبإ الملاكين فإنهما أنبأهما أنه سينزل كما صعد (أعمال ١: ٩ – ١١).

فلو غاب المسيح عن تلاميذه وهم لا يشاهدونه صاعداً لخسروا فوائد كثيرة لأن صعوده أثر كثيراً في ذاكرتهم وقوّى إيمانهم بأنه حي وملك ودفع دعوى كل المقاومين أنه مات كسائر الناس.

وانتهت بصعود المسيح أنباء حياته الجسدية على الأرض وكل أيام اتضاعه وهذا آخر معجزاته التي تثبت لاهوته. ولم يشاهده صاعداً سوى رسله الذين اختارهم شهوداً له. وحينئذ أجيبت صلاته التي هي قوله «وَٱلآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا ٱلآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِٱلْمَجْدِ ٱلَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ ٱلْعَالَمِ» (يوحنا ١٧: ٥) وتنبأ المسيح بهذا الصعود قبل موته (يوحنا ٦: ٦٢ و٢٠: ١٧) وشهد الرسل به (أعمال ٢: ٣٣ و٣٤ وأفسس ٢: ٦ و٤: ١٠ و١تيموثاوس ٣: ١٦ و١بطرس ٣: ٢٢).

ووجود المسيح في السماء بالجسد لا يمنع حضوره بالروح مع شعبه على الأرض حسب وعده وهو قوله «هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ» (يوحنا ٢٨: ٢٠) فليس صعوده انفصالاً عن شعبه لكنه بداءة ملكه رأساً للكنيسة التي هي جسده (أفسس ١: ٢٢) ودخل السماء «كسابق لأجلنا» (عبرانيين ٦: ٢٠) وليعد لنا مكاناً (متّى ١٤: ٢) ويشفع فينا عند الآب (عبرانيين ٩: ٢٤ و١يوحنا ٢: ١).

٥٢ «فَسَجَدُوا لَـهُ وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ».

متّى ٢٨: ٩ و١٧

فَسَجَدُوا لَـهُ باعتبار أنه هو الله وأتوا ذلك وهو صاعد وبعد ما غاب عن عيونهم. وهذا الكلام يدل على أنهم اعتبروه اعتباراً أعظم مما سبق وحسبوه مستحقاً أعظم العبادة المختصة بالله وحده.

بِفَرَحٍ عَظِيمٍ هذا وفق قول المسيح في بشارة يوحنا ١٦: ٢٠ و٢٢ ومواضيع فرحهم أنه ارتفع عنهم منتصراً وهو يباركهم. وفرحوا بارتفاعه ومجده وبوعده بإرسال روحه ودوام حضوره الروحي بينهم ولا سيما انتظارهم مجيئه ثانية بالمجد. ومن جملة ما أفرحهم زوال شكوكهم ورؤيتهم جلياً أن تنازل سيدهم وآلامه وموته جزء من عمله العظيم لفداء العالم.

حال الرسل بعد صعود المسيح وقبل عيد الخمسين ع ٥٣

٥٣ «وَكَانُوا كُلَّ حِينٍ فِي ٱلْهَيْكَلِ يُسَبِّحُونَ وَيُبَارِكُونَ ٱللّٰهَ. آمِينَ».

أعمال ٢: ٤٦ و٥: ٤٢

وَكَانُوا كُلَّ حِينٍ فِي ٱلْهَيْكَلِ أي في الساعات المعينة للعبادة صباحاً ومساء (أعمال ٢: ٤٦ و٣: ١ و٥: ٢١) وشغلوا أوقاتهم بالخدمة الدينية استعداداً لما توقعوه من حلول الروح القدس عليهم الذي حل عليهم بعد عشرة أيام للصعود.

وليس في ما قيل هنا منافاة لما قيل في سفر الأعمال (أعمال ١: ١٣) لأن ذلك كان في سوى الأوقات التي شغلوها بالصلاة في الهيكل.

يُسَبِّحُونَ وَيُبَارِكُونَ ٱللّٰهَ لأنه أرسل يسوع فادياً للعالم ولأجل كل ما صنع به لإتمام الفداء ولأجل الآمال المبنية عليه ومواعيده لهم ولعالم الخطأة.

السابق
زر الذهاب إلى الأعلى