إنجيل لوقا

إنجيل لوقا | 22 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح إنجيل لوقا

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح الثاني والعشرون

الاستعداد للفصح ع ١ إلى ١٣

١، ٢ «١ وَقَرُبَ عِيدُ ٱلْفَطِيرِ، ٱلَّذِي يُقَالُ لَـهُ ٱلْفِصْحُ. ٢ وَكَانَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ يَطْلُبُونَ كَيْفَ يَقْتُلُونَهُ، لأَنَّهُمْ خَافُوا ٱلشَّعْب».

متّى ٢٦: ٢ ومزمور ١٤: ١، مرقس ٢: ٢ ويوحنا ١١: ٤٧ وأعمال ٤: ٢٧

انظر الشرح متّى ٢٦: ١ – ٥.

وَقَرُبَ أي كان بعد يومين. وكان ذلك الكلام مساء يوم الثلاثاء بعد غروب الشمس فيكون أول يوم الأربعاء.

ٱلْفَطِيرِ… ٱلْفِصْحُ فسر لوقا الفطير بالفصح إفادة للأمم الذين كتب إنجيله لنفعهم.

يَطْلُبُونَ كَيْفَ يَقْتُلُونَهُ أرادوا أن يقبضوا عليه وهو منفرد أو مع قليلين من تلاميذه لكنهم لم يأملوا النجاح في ذلك إلاّ بعد العيد (متّى ٢٦: ٥).

خَافُوا ٱلشَّعْبَ تدل هذه العبارة وأمثالها أن كثيرين من الشعب اعتبروا يسوع نبياً. فالجموع الذين صرخوا بعد ذلك قائلين اصلبه اصلبه هاجهم رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب (متّى ٢٧: ٢٠).

٣ – ٦ «٣ فَدَخَلَ ٱلشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا ٱلَّذِي يُدْعَى ٱلإِسْخَرْيُوطِيَّ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ. ٤ فَمَضَى وَتَكَلَّمَ مَعَ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَقُوَّادِ ٱلْجُنْدِ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ إِلَيْهِمْ. ٥ فَفَرِحُوا وَعَاهَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّةً. ٦ فَوَاعَدَهُمْ. وَكَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ خِلْواً مِنْ جَمْعٍ».

متّى ٢٦: ١٤ ومرقس ١٥: ١٠ ويوحنا ١٣: ٢ و٢٧، أعمال ٤: ١، زكريا ١١: ١٢

انظر الشرح متّى ٢٦: ١٤ – ١٦ ومرقس ١٤: ١٠ و١١.

دَخَلَ ٱلشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا أي جربه الشيطان وهو سلم نفسه له ليعمل كل ما يأمره به. فهذا لم يكن على رغمه ولم يأته دفعة واحدة. فأول دخوله إياه كان بواسطة حب المال كما يظهر من قوله «مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُونِي» (متّى ٢٦: ١٥) ثم بواسطة السرقة (يوحنا ١٢: ٦). ثم بمؤامرة رؤساء الكهنة المذكورة هنا. ثم بذهابه من مائدة الفصح لينبئ الرؤساء بالمكان الذي فيه يقبضون عليه (يوحنا ١٣: ٢٧). ثم بتسليمه إياه إلى أعدائه في البستان.

وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ هذا بيان لفظاعة خيانته لسيّده ومعلمه.

قُوَّادِ ٱلْجُنْدِ (ع ٤) أي رؤساء حرس الهيكل وهم من اليهود.

عَاهَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّةً (ع ٥) قادته محبته الفضة إلى تسليم نفسه إلى الشيطان وارتكاب أفظع الآثام.

٧ «وَجَاءَ يَوْمُ ٱلْفَطِيرِ ٱلَّذِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْبَحَ فِيهِ ٱلْفِصْحُ».

متّى ٢٦: ١٨ ومرقس ١٤: ١٢

وَجَاءَ يَوْمُ ٱلْفَطِيرِ يوم الخميس الرابع عشر من شهر نيسان وكان يوم استعداد للفصح يزيل اليهود فيه كل خمير من بيوتهم. وكانوا يحسبون ذلك اليوم أحياناً من أيام الفصح (انظر الشرح متّى ٢٦: ١٧). وكانوا يذبحون خروف الفصح في عصر ذلك النهار ويأكلونه بعد الغروب أي في أول يوم الجمعة.

ولم يذكر البشيرون كيف تقضّى يوم الأربعاء على المسيح. والأرجح أنه تقضى عليه وهو مع تلاميذه في بيت عنيا.

يَنْبَغِي أَنْ يُذْبَحَ الخ حسب شريعة موسى (خروج ١٢: ٣ – ٢٧ ولاويين ٢٣: ٤ – ٨ وتثنية ١٦: ١ – ٨).

٨ «فَأَرْسَلَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا قَائِلاً: ٱذْهَبَا وَأَعِدَّا لَنَا ٱلْفِصْحَ لِنَأْكُلَ».

بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا ذكر مرقس أن المسيح أرسل تلميذين وزاد لوقا على ذلك اسميهما (مرقس ١٤: ١٣).

٩ «فَقَالاَ لَـهُ: أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ؟».

أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ ذكر متّى ومرقس هذا السؤال ولم يذكر ما ذكره لوقا هو أن علّة هذا السؤال أمر المسيح لهم بالذهاب.

١٠ – ١٣ «١٠ فَقَالَ لَـهُمَا: إِذَا دَخَلْتُمَا ٱلْمَدِينَةَ يَسْتَقْبِلُكُمَا إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ. اِتْبَعَاهُ إِلَى ٱلْبَيْتِ حَيْثُ يَدْخُلُ، ١١ وَقُولاَ لِرَبِّ ٱلْبَيْتِ: يَقُولُ لَكَ ٱلْمُعَلِّمُ: أَيْنَ ٱلْمَنْزِلُ حَيْثُ آكُلُ ٱلْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي؟ ١٢ فَذَاكَ يُرِيكُمَا عُلِّيَّةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَةً. هُنَاكَ أَعِدَّا. ١٣ فَٱنْطَلَقَا وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَـهُمَا، فَأَعَدَّا ٱلْفِصْحَ».

انظر الشرح متّى ٢٦: ١٨ ومرقس ١٤: ١٢ – ١٦.

فَأَعَدَّا ٱلْفِصْحَ وبيان ما يتضمن ذلك في الشرح (متّى ٢٦: ١٩).

الفصح ع ١٤ إلى ١٨

١٤ «وَلَمَّا كَانَتِ ٱلسَّاعَةُ ٱتَّكَأَ وَٱلاثْنَا عَشَرَ رَسُولاً مَعَهُ».

متّى ٢٦: ٢٠ ومرقس ١٤: ١٧

انظر شرح بشارة متّى ٢٦: ٢٠ – ٢٥ ومرقس ١٤: ١٧.

ٱلسَّاعَةُ أي الوقت المعيّن لأكل الفصح وهو مساء يوم الخميس أي أول يوم الجمعة الخامس عشر من نيسان.

ٱتَّكَأَ حسب عوائد اليهود عند أكلهم الفصح في زمن المسيح. وذلك خلاف العوائد الأصلية وهي ان يأكلوه وهم وقوف (خروج ١٢: ١١).

١٥ «وَقَالَ لَـهُمْ: شَهْوَةً ٱشْتَهَيْتُ أَنْ آكُلَ هٰذَا ٱلْفِصْحَ مَعَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَأَلَّمَ».

ٱشْتَهَيْتُ أَنْ آكُلَ هٰذَا ٱلْفِصْحَ علّة ذلك الاشتهاء لم تُذكر هنا ويحتمل أنها أربعة أمور:

  • الأول: كون ذلك الفصح هو الفصح الأخير في تاريخ الكنيسة بعد أن بقي تذكاراً ورمزاً نحو ١٥٠٠ سنة.
  • والثاني: كونه على عزم أن يفارقهم فأراد وهو حزين لذلك أن يشاركهم في هذا الرسم الديني الموقّر تعزية لنفسه.
  • والثالث: جعل الفصح مقترناً برسم العشاء الرباني وهو وليمة محبة واتحاد بينه وبين تلاميذه تتداولها الكنيسة إلى نهاية العالم.
  • والرابع: اتخاذه فرصة لتعليم تلاميذه استعداداً لمفارقته إيّاهم وقد أتى ذلك فعلاً (يوحنا ص ١٤ وص ١٥ وص ١٦).

قَبْلَ أَنْ أَتَأَلَّمَ صرّح بهذا أنه قرب الوقت الذي فيه يموت على الصليب من أجلهم وأنه لا يمكنهم أن يأكل الفصح بعد ذلك معهم.

١٦ «لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ آكُلُ مِنْهُ بَعْدُ حَتَّى يُكْمَلَ فِي مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ».

ص ١٤: ١٥ وأعمال ١٠: ٤١ ورؤيا ١٩: ٩

(انظر الشرح متّى ٢٦: ٢٩). تتضمن هذه الآية أمرين الأول أن المسيح لا يأكل الفصح أيضاً مع تلاميذه على الأرض. والثاني ان موته يكمل كل مقاصد الفصح ويؤسس ملكوت الله الجديد الذي ليس فيه فصح رمزي. فالمسيح أكمل بموته على الصليب كل مقاصد الفصح. ومن هذه المقاصد أن يكون الخروف بلا عيب وأن يُذبح وأن يُرش دمه وأن يشوى على النار وأن يؤكل وأن لا يُكسر عظم منه. ويحتمل أنّ في هذه الآية إشارة إلى وضع العشاء الرباني. وأن فيها أيضاً إشارة إلى عشاء عرس الخروف المذكور في (سفر الرؤيا ١٩: ٩ وبشارة متّى ٢٦: ٢٩). فمتى بلغ جميع المؤمنين السماء يحتفلون بنجاتهم العظمى من جهنم التي كانت نجاة الإسرائيليين من عبودية مصر رمزاً إليها ويتنعمون بالوليمة الروحية السماوية التي كان عيد الصفح رمزاً إليها.

١٧ «ثُمَّ تَنَاوَلَ كَأْساً وَشَكَرَ وَقَالَ: خُذُوا هٰذِهِ وَٱقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُمْ».

تَنَاوَلَ كَأْساً (انظر الكلام على الفصح في شرح بشارة متّى ٢٦: ٢). هذه الكأس الأولى من الكاسات الخمس التي اعتاد اليهود شربها في الفصح.

وَشَكَرَ كانت العادة وقتئذ أن يقول صاحب البيت عند تناوله هذه الكأس «مبارك أنت يا ربنا وإلهنا ملك العالم الذي خلق نتاج الكرمة».

خُذُوا هٰذِهِ وَٱقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُمْ المرجّح أنه ذاقها قبل أن قال هذه الكلمة وفقاً لعادة صاحب البيت في الفصح ووفقاً لقوله في الآية الخامسة عشرة ولقوله «إِنِّي مِنَ ٱلآنَ لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ ٱلْكَرْمَةِ هٰذَا الخ» (متّى ٢٦: ٢٩).

١٨ «لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ ٱلْكَرْمَةِ حَتَّى يَأْتِيَ مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ».

متّى ٢٤: ٢٩ ومرقس ١٤: ٢٥

حَتَّى يَأْتِيَ مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ أي حتى يبلغ كمال الفوز والمجد في السماء ويشترك المسيح والمختارون في كل الأفراح الروحية والبركات السماوية التي كان عيد الفصح رمزاً إليها. والكلام هنا مجاز لا حقيقة وكرره المسيح بعد وضع العشاء الرباني (متّى ٢٦: ٢٩ ومرقس ١٤: ٢٥).

العشاء الرباني ع ١٩ و٢٠

١٩ «وَأَخَذَ خُبْزاً وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: هٰذَا هُوَ جَسَدِي ٱلَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هٰذَا لِذِكْرِي».

متّى ٢٦: ٢٦ ومرقس ١٤: ١٢، ١كورنثوس ١١: ٢٣ إلى ٢٥

سبق الكلام على هذا في شرح (بشارة متّى ٢٦: ٢٦ – ٢٩ وبشارة مرقس ١٤: ٢٢ – ٢٥). وما قاله لوقا في شأن وضع هذا السر يوافق لفظاً ومعنى ما قاله بولس في رسالته إلى الكورنثيين (١كورنثوس ١١: ٢٣ – ٢٦).

اِصْنَعُوا هٰذَا لِذِكْرِي أي اكسروا الخبز فكلوه ذكراً لي. ولم يذكر هذه العبارة إلا لوقا هنا وبولس في رسالته إلى أهل كورنثوس الأولى ١١: ٢٦. ومضمونها أن العشاء الرباني تذكار دائم (علاوة على كونه إشارة إلى جسد المسيح ودمه) لآلام المسيح لأجلنا ولمحبته المنقذة. وذكر موت المسيح كذلك يهيج حبنا له وشكرنا وثقتنا به ويقودنا إلى التواضع وانسحاق القلب. وبذكرنا المسيح كما تقدم نرضيه ونطيع أمره. ويلزم من وجوب ذكر موت المسيح على الدوام وجوب ممارسة الكنيسة لذلك السر دائماً.

٢٠ «وَكَذٰلِكَ ٱلْكَأْسَ أَيْضاً بَعْدَ ٱلْعَشَاءِ قَائِلاً: «هٰذِهِ ٱلْكَأْسُ هِيَ ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ بِدَمِي ٱلَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُم».

١كورنثوس ١٠: ١٦

ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ بِدَمِي أي عهد الحياة الأبدية الذي ختمه المسيح بدمه للمؤمنين.

ٱلَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ أي دم المسيح البار يسفك فداء عن الأثمة.

يهوذا الخائن ع ٢١ إلى ٢٣

٢١ – ٢٣ «٢١ وَلٰكِنْ هُوَذَا يَدُ ٱلَّذِي يُسَلِّمُنِي هِيَ مَعِي عَلَى ٱلْمَائِدَةِ. ٢٢ وَٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَحْتُومٌ، وَلٰكِنْ وَيْلٌ لِذٰلِكَ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يُسَلِّمُهُ. ٢٣ فَٱبْتَدَأُوا يَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: مَنْ تَرَى مِنْهُمْ هُوَ ٱلْمُزْمِعُ أَنْ يَفْعَلَ هٰذَا؟».

مزمور ٤١: ٩ ومتّى ٢٦: ٢١ ومرقس ١٤: ١٨ ويوحنا ١٣: ٢١ و٢٦، متّى ٢٦: ٢٤ وأعمال ٢: ٢٣ و٤: ٢٨، متّى ٢٦: ٢٢ ويوحنا ١٣: ٢٢ و٢٥

مرّ تفسير هذه الآيات في الشرح متّى ٢٦: ٢١ – ٢٥.

لو فرضنا أن لوقا تكلم عن الحوادث باعتبار ترتيب أزمنتها لحكمنا من سياق الحديث هنا أن يهوذا الاسخريوطي أكل العشاء الرباني مع سائر الرسل. لكن علمنا مما سبق من بشارته أنه لم يلتفت إلى قص الحوادث باعتبار زمن حدوثها فإذا لا شيء هنا يناقض ما يُستنتج من قول يوحنا أن يهوذا الاسخريوطي خرج من بين الرسل على أثر أكلهم الفصح قبل رسم العشاء الرباني.

مَعِي عَلَى ٱلْمَائِدَةِ الأرجح أن في هذه إشارة إلى قوله في بشارة متّى «ٱلَّذِي يَغْمِسُ يَدَهُ مَعِي فِي ٱلصَّحْفَةِ» (متّى ٢٦: ٢٣).

مشاجرة الرسل ع ٢٤ إلى ٣٠

٢٤ «وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ أَيْضاً مُشَاجَرَةٌ مَنْ مِنْهُمْ يُظَنُّ أَنَّهُ يَكُونُ أَكْبَرَ».

مرقس ٩: ٣٤ وص ٩: ٤٦

لم يذكر هذا من كاتبي البشائر سوى لوقا والأرجح أنه لم يُذكر في محله وأنه حدث قبل أكل الفصح والعشاء الرباني وأن علّة وقوع تلك المشاجرة تباين مواضعهم على مائدة الفصح وطلب كل منهم المكان الأسمى. وعند ذلك غسل المسيح أرجل تلاميذه ليعلّمهم التواضع (يوحنا ١٣: ٣ و٥) ثم تكلم بما ذُكر هنا وهذا يفسر ما قاله لوقا عن قول المسيح «أَنَا بَيْنَكُمْ كَٱلَّذِي يَخْدِمُ» (ع ٢٧). ويبعد عن الظن أن تحدث مشاجرة مثل هذه بعد ممارستهم السرّ الموقّر وبعد حزنهم بما علموه من أنباء المسيح إياهم بأن واحداً منهم يخونه ويسلمه إلى الأعداء ليقتلوه.

وكان الاتكاء على مائدة الولائم في تلك الأيام موضوع الخصام والتنازع (ص ١٤: ٧ – ١١ ومتّى ٢٣: ٦) وسبق وقوع مثل هذا بين التلاميذ لاختلافهم في أنه أيهم هو الأعظم (ص ٩: ٤٦ ومتّى ١٨: ١ و٢٠: ٢٠ – ٢٨ ومرقس ٩: ٣٤).

٢٥ «فَقَالَ لَـهُمْ: مُلُوكُ ٱلأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَٱلْمُتَسَلِّطُونَ عَلَيْهِمْ يُدْعَوْنَ مُحْسِنِينَ».

متّى ٢٠: ٢٥ ومرقس ١٠: ٤٢

انظر الشرح متّى ٢٠: ٢٥ – ٢٨ ومرقس ١٠: ٤٢.

ٱلأُمَمِ ذكر الأمم هنا لأنه كثيراً ما يقع مثل تلك المشاجرة بينهم وديانتهم لا تمنعهم عن عمل مثل ذلك ولكنه لا يحسن بتابعي المسيح.

يُدْعَوْنَ مُحْسِنِينَ رغب الملوك اليونانيون والملوك الرومانيون أن يُلقبوا «محسنين» وأنفقوا على شعبهم أموالاً وافرة ليحصلوا على ذلك بقطع النظر عن استحقاقهم إياه أو عدمه. فعلّم يسوع تلاميذه أنهم إنما يستحقون أن يدعوا محسنين بخدمتهم غيرهم ونفعهم إياهم وأنهم بذلك ينالون العظمة الحقيقية.

٢٦ «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَيْسَ هٰكَذَا، بَلِ ٱلْكَبِيرُ فِيكُمْ لِيَكُنْ كَٱلأَصْغَرِ، وَٱلْمُتَقَدِّمُ كَٱلْخَادِمِ».

متّى ٢٠: ٢٦ و١بطرس ٥: ٣ ص ٩: ٤٨

وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَيْسَ هٰكَذَا إن كان المسيح قد عيّن بطرس رئيساً للرسل وجعله خليفة له فهل ساغ له ان يقول هذا القول. ومعناه أنتم لستم رؤساء وليس لكم أن تطلبوا أسماء الامتياز الفارغ كالملوك الوثنيين الطغاة الظالمين ولا المناصب العالية.

كَٱلأَصْغَرِ… كَٱلْخَادِمِ العظمة الحقيقية بأمرين التواضع ونفع الغير.

٢٧ «لأَنْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ؟ أَلَّذِي يَتَّكِئُ أَمِ ٱلَّذِي يَخْدِمُ؟ أَلَيْسَ ٱلَّذِي يَتَّكِئُ؟ وَلٰكِنِّي أَنَا بَيْنَكُمْ كَٱلَّذِي يَخْدِم».

ص ١٢: ٣٧، متّى ٢٠: ٢٨ ويوحنا ١٣: ١٣ إلى ١٧ وفيلبي ٢: ٧

أَنَا بَيْنَكُمْ كَٱلَّذِي يَخْدِمُ جعل المسيح عمله مثالاً لما يجب على التلاميذ أن يفعلوه بعد أن سألهم سؤالاً جوابه من واضحات الأمور وخلاصته أنه مع ما له من الحق في الرئاسة أخذ لنفسه منزلة الخادم بما أتاه من غسل أرجل التلاميذ (يوحنا ١٣: ١ – ١٦) وكل أعمال المسيح على الأرض كانت وفق قوله على نفسه «أَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ» (متّى ٢٠: ٢٨).

٢٨، ٢٩ «٢٨ أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ ثَبَتُوا مَعِي فِي تَجَارِبِي، ٢٩ وَأَنَا أَجْعَلُ لَكُمْ كَمَا جَعَلَ لِي أَبِي مَلَكُوتاً».

عبرانيين ٤: ١٥، متّى ٢٤: ٤٧ وص ١٢: ٣٢ و١كورنثوس ١: ٧ و٢تيموثاوس ٢: ١٢

بعد ما أنذر يسوع تلاميذه وحذرهم من طلب الرئاسة والمجد العالمي عزاهم بوعده إياهم بمجد حقيقي أبدي في السماء إثابة على أمانتهم له.

ثَبَتُوا مَعِي أي شاركوني في الأتعاب والضيقات طوعاً وحباً بلا ملل.

فِي تَجَارِبِي لم يشر بذلك إلى تجاربه من الشيطان في البرية لأنه احتملها منفرداً عن الناس لكنه أشار إلى ضيقاته وتعيير الناس إياه مما أصابه في كل خدمته ولا سيما ما ذُكر في بشارة متّى ١٢: ١٤ وفي بشارة يوحنا ٦: ٦٠ و٦٨ (١كورنثوس ١٠: ١٣ ويعقوب ١: ٢ و١٢ و١بطرس ١: ٦).

وَأَنَا أَجْعَلُ لَكُمْ… مَلَكُوتاً لم يقصد ملكوتاً مخصوصاً لكل واحد من الرسل بل أن يكونوا جميعاً شركاءه في المجد والسعادة حين يملك في السماء.

كَمَا جَعَلَ لِي أَبِي هذا تحقيق لما وعدهم به وبيان لنوع ذلك الملكوت وهو أنه روحي لا جسدي وسماوي لا أرضي.

٣٠ «لِتَأْكُلُوا وَتَشْرَبُوا عَلَى مَائِدَتِي فِي مَلَكُوتِي، وَتَجْلِسُوا عَلَى كَرَاسِيَّ تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ ٱلاثْنَيْ عَشَر».

متّى ٨: ١١ وص ١٤: ١٥ ورؤيا ١٩: ٩، مزمور ٤٩: ١٤ ومتّى ١٩: ٢٨ و١كورنثوس ٦: ٢ ورؤيا ٣: ٢١

لِتَأْكُلُوا وَتَشْرَبُوا عَلَى مَائِدَتِي هذا مجاز مبني على عادة الملوك أن يدعوا من يحبهم ويريد أن يكرمهم ليتكئ معهم في الولائم إكراماً واعتباراً له.

وَتَجْلِسُوا عَلَى كَرَاسِيَّ الخ سبق تفسير هذا الكلام في شرح بشارة متّى ١٩: ٣٨. فوعد المسيح تلاميذه بأن يكونوا شركاءه في ملكوت أعظم من كلّ ممالك الأرض وهو عالم أنه بعد قليل يُقبض عليه كمذنب ويموت شر الميتات.

إنباء يسوع بإنكار بطرس إياه ع ٣١ إلى ٣٨

٣١ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ: سِمْعَانُ سِمْعَانُ، هُوَذَا ٱلشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَٱلْحِنْطَةِ!».

عاموس ٩: ٩ و١بطرس ٥: ٨

حذّر المسيح بطرس من السقوط مرتين. الأولى قبل العشاء (يوحنا ١٣: ٣٦ – ٣٨). والثانية بعد العشاء والمرجح أنهم كانوا حينئذ ذاهبين إلى جثسيماني (متّى ٢٦: ٣١ – ٣٥ ومرقس ١٤: ٢٧ – ٣١). والأرجح أن التحذير الذي ذكره لوقا هو التحذير الأول على أثر قوله «إِنِّي أَضَعُ نَفْسِي عَنْكَ» (يوحنا ١٣: ٣٧).

سِمْعَانُ هو اسم بطرس أولاً قبل أن لُقب ببطرس (يوحنا ١: ٤٢ ومتّى ١٦: ١٨). وتكرر الاسم دلالة على أهمية الكلام. ولعلّ سبب تخصيص يسوع بطرس بهذا الكلام أنه كان الأول في المشاجرة في أنه من يكون منهم هو الأكبر. وأخبره هنا أنه وهو يطلب الارتفاع لنفسه يكون في غاية الخطر من السقوط.

ٱلشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ يرغب الشيطان في سقوط كل رسل المسيح لأنه عدوهم وعدو الله ويريد أن يمنعهم من تمجيد الله ونفع الغير ويريد هلاك أنفسهم وهو عدو قوي خبير بالشرور ويأتي الشر خفية فلذلك كان خطره أعظم من كل خطر. وقد عرف المسيح بسابق علمه أن الشيطان يريد أن يجرب بطرس تجربة عظيمة وحذّره ليكون على استعداد. وقوله «يُغَرْبِلَكُمْ كَٱلْحِنْطَةِ» إشارة إلى ما قصده الشيطان من إقلاق أفكار بطرس وتحييره بالتجارب بغية أن يقوده إلى الشر كما قصد من أيوب (أيوب ١: ٩ – ١٢ و٢: ٤ – ٦) ويسمح الله بوقوع مثل هذه التجارب لتذكية الأتقياء.

٣٢ «وَلٰكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ. وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ».

يوحنا ١٧: ٩ و١١ و١٥، مزمور ٥١: ١٣ ويوحنا ٢١: ١٥ إلى ١٧

لٰكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ كأنه قال أنا عالم بضعفك وبقوة الشيطان وبفاعلية الصلاة لتقوى على مكائد هذا العدوّ ولهذا صلّيت من أجلك. ولا ريب أن المسيح صلّى من أجل كل التلاميذ لكنه خصص بطرس لأنه كان في شدة الخطر من فرط اتكاله على نفسه. نعم إن طلب الشيطان ضرر الناس قوي ولكن شفاعة المسيح أقوى منه لأنه لا يشفع باطلاً (يوحنا ١١: ٤٢) وهذا هو رجاء المسيحي الوحيد للنصر في محاربة إبليس.

لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ لم يطلب المسيح من أجل بطرس لكي لا يُجرب ولا لكي يتزعزع إيمانه أبداً (وذلك لكي يعرف ضعفه) لكن طلب أن لا يتلاشى إيمانه حتى لا يبقى منه شيء. ومعنى الإيمان هنا التصديق أن يسوع هو المسيح والأمانة له. فلولا صلاة المسيح من أجل بطرس لم يبق له شيء من الإيمان والله قاده للتوبة إجابة لصلاة المسيح وجعل إيمانه أقوى مما كان وقرنه بالتواضع.

وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ في هذا وعد بأن سقوطه لا يكون إلى الأبد.

ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ يبين من ذلك أن إخوته التلاميذ ضعفاء وفي خطر السقوط وفي حاجة إلى النصح والتنشيط وأن اختيار بطرس بعد سقوطه يُعده ليحذرهم من السقوط وينهضهم بإرشاده إياهم إلى مصدر كل القوة أي الله. والرسالتان اللتان كتبهما بطرس من الأدلة على أنه أطاع أمر المسيح المذكور.

٣٣، ٣٤ «٣٣ فَقَالَ لَـهُ: يَا رَبُّ، إِنِّي مُسْتَعِدٌّ أَنْ أَمْضِيَ مَعَكَ حَتَّى إِلَى ٱلسِّجْنِ وَإِلَى ٱلْمَوْتِ. ٣٤ فَقَالَ: أَقُولُ لَكَ يَا بُطْرُسُ، لاَ يَصِيحُ ٱلدِّيكُ ٱلْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ تُنْكِرَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَعْرِفُنِي».

متّى ٢٦: ٣٤ ومرقس ١٤: ٣٠ ويوحنا ١٣: ٣٨

(انظر الشرح متّى ٢٦: ٣٣ – ٣٥) في كلام بطرس هنا إظهار المحبة للمسيح وجهله قوة التجربة وضعف إيمانه وفيه تلميح إلى أنه غير محتاج إلى شفاعة المسيح فيه.

يَا بُطْرُسُ لم يناد المسيح هذا التلميذ بهذا الاسم الذي معناه صخر سوى هذه المرة ولعله أراد أن يبيّن له أنه وإن كان قوياً كالصخر التجربة أقوى منه.

تُنْكِرَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ (انظر الشرح متّى ٢٦: ٣٤).

٣٥ «ثُمَّ قَالَ لَـهُمْ: حِينَ أَرْسَلْتُكُمْ بِلاَ كِيسٍ وَلاَ مِزْوَدٍ وَلاَ أَحْذِيَةٍ، هَلْ أَعْوَزَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقَالُوا: لاَ».

متّى ١٠: ٩ وص ٩: ٣ و١٠: ٤

حِينَ أَرْسَلْتُكُمْ اشار بذلك إلى الوقت الذي أرسل فيه الاثني عشر للتبشير.

هَلْ أَعْوَزَكُمْ شَيْءٌ أمرهم هنا أن ينظروا في ما مضى ويذكروا ما اختبروه لكي يكون لهم ثقة بالله في المستقبل فإن العناية الإلهية حملت أصدقاءهم على الاعتناء بهم ومنعت أعداءهم من أذاهم. وقد جعل ذلك مقدمة لما يأتي.

٣٦ «فَقَالَ لَـهُمْ: لٰكِنِ ٱلآنَ، مَنْ لَـهُ كِيسٌ فَلْيَأْخُذْهُ وَمِزْوَدٌ كَذٰلِكَ. وَمَنْ لَيْسَ لَـهُ فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفاً».

لٰكِنِ ٱلآنَ قد تغيّرت الأحوال فلزم أن تتغيّر الأوامر التي ذُكرت في ص ٩: ٣ وكانت مقصورة على سفر الرسل زمناً قصيراً ومسافة قريبة في وطنهم بين المستعدين للترحيب بهم وهو على القرب منهم في الجسد لكي يرشدهم ويعتني بهم. فكان عليهم بعد ذلك أن يسافروا أسفاراً طويلة لنشر بشرى الخلاص بين الغرباء وبين الأعداء أحياناً ويكونوا عرضة لضيقات كثيرة وأخطار عظيمة.

مَنْ لَـهُ كِيسٌ فَلْيَأْخُذْهُ أشار بذلك إلى احتياجهم إلى النقود ليحصلوا على الطعام في أسفارهم.

وَمَنْ لَيْسَ لَـهُ (كيس) فيه نقود لكي يشتري به سيفاً.

فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفاً هذا يدل على شدة الخطر المحيط بالمؤمنين والحاجة إلى إعداد الوسائط لدفع الخطر حتى يضطر الإنسان إلى بيع بعض أثوابه التي لا بد له منها.

وليس مقصود المسيح هنا أمر رسله بأن يذهبوا تلك الليلة ويشتروا سيوفاً ليدفعوا من يريدون إمساكه في البستان بدليل قوله «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ ٱلَّذِينَ يَأْخُذُونَ ٱلسَّيْفَ بِٱلسَّيْفِ يَهْلِكُونَ» (متّى ٢٦: ٥٢). لكن كلامه موجه إلى المؤمنين عامة في الأزمنة المستقبلة وهو أنباء بإتيان أزمنة الضيق والخطر والاضطهاد والموت فيلزم أن يكون لهم من الأدوات اللازمة العادية من أسلحة وغيرها لدفع الخطر من الوحوش الضارية أو من اللصوص أو من الذين يضطهدونهم على إيمانهم وطوعاً به لهذا الأمر لجأ بولس إلى سيف الدولة الرومانية ليقي نفسه من مكايد اليهود (أعمال ٢٢: ٢٦ – ٢٨ و٢٥: ١١).

وليس للكيس والمزود والسيف هنا من معنى روحي ولا يلزم مما ذكر أن يتكل المسيحي على تلك الوسائط المادية دون الوسائط الروحية كالصلاة والاستغاثة بالله.

ولا يلزم من كلام المسيح هنا أنه يجوز للكنيسة أن تتخذ قوة السيف لتجبر الوثنيين على التنصر لأنه «أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً» (٢كورنثوس ١٠: ٤) بل إنّه يحل للأفراد المسيحيين أن يتخذوا الوسائط الشرعية لحماية حياتهم الجسدية.

وينتج من ذلك أنه لا يحسن بالمسيحي أن يترك وسائل المعاش والوقاية من الخطر ويعتمد مجرد الاتكال على الله. فعليه مع ذلك الاتكال أن لا يعدل عن اتخاذ تلك الوسائل على قدر طاقته.

٣٧ «لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيَّ أَيْضاً هٰذَا ٱلْمَكْتُوبُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. لأَنَّ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي لَـهُ ٱنْقِضَاءٌ».

إشعياء ٣: ١٢ ومرقس ١٥: ٢٨

ذكر هنا الدواعي إلى تلك الأوامر الجديدة (ع ٣٦) وهي ثلاث:

  • الأولى: كونه مزمعاً أن يتركهم وفقاً للنبوات المتعلقة بموته باعتبار كونه فادياً ووسيطاً.
  • والثانية: أنهم يُحصون مع أثمة كمعلمهم.
  • والثالثة: حصول كل ذلك في أقرب وقت.

هٰذَا ٱلْمَكْتُوبُ إشعياء ٥٣: ١٣.

أُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ أي عومل كالأثيم بدلاً من الأثمة حقيقة وأما هو «قُدُّوسٌ بِلاَ شَرٍّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ ٱنْفَصَلَ عَنِ ٱلْخُطَاةِ» (عبرانيين ٧: ٢٦).

مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي أي كل نبوة ورمز وإشارة. وما ذكر في هذه الآية واحدة من تلك النبوات.

٣٨ «فَقَالُوا: يَا رَبُّ، هُوَذَا هُنَا سَيْفَانِ. فَقَالَ لَـهُمْ: يَكْفِي!».

هُنَا سَيْفَانِ لا عجب من وجود ذينك السيفين معهم لأن أكثر الجليليين كانوا يتقلدون السيوف في ذلك الوقت لأن البلاد يومئذ كانت كثيرة الوحوش واللصوص (ص ١٠: ٣٠) فجرى التلاميذ على سنن غيرهم من أهل الوطن. وكان أحد ذينك السيفين لبطرس (يوحنا ١٨: ١٠) فأخطأ الرسل بقصرهم ما قصده المسيح على خطر وقتي يحيط بهم فقط في تلك الليلة يجب عليهم أن يدفعوه بالسيف.

يَكْفِي ليس معنى المسيح أنه يكفي سيفان بل أنه يكفي أن يتكلموا في ذلك الموضوع إذ رآهم غير قادرين على إدراك معناه وأن الذي قاله حينئذ كاف لأن يدركوا به المعنى بعد. وغنيٌ عن البيان أن المسيح لم يرد بذينك السيفين القوتين السياسية والروحية اللتين منحتا لبطرس أو لغيره من الرسل.

وبعد هذا الكلام لفظ المسيح المذكور في إنجيل يوحنا ص ١٤ – ص ١٦ وأنبأ ثانية بإنكار بطرس إياه وترك جميع الرسل له (متّى ٢٦: ٣١ – ٣٥).

آلام يسوع في البستان ع ٣٩ إلى ٤٦

٣٩ – ٤٢ «٣٩ وَخَرَجَ وَمَضَى كَٱلْعَادَةِ إِلَى جَبَلِ ٱلزَّيْتُونِ، وَتَبِعَهُ أَيْضاً تَلاَمِيذُهُ. ٤٠ وَلَمَّا صَارَ إِلَى ٱلْمَكَانِ قَالَ لَـهُمْ: صَلُّوا لِكَيْ لاَ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. ٤١ وَٱنْفَصَلَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى ٤٢ قَائِلاً: يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هٰذِهِ ٱلْكَأْسَ. وَلٰكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُك».

متّى ٢٦: ٣٦ ومرقس ١٤: ٣٢ وص ٢١: ٣٧ ويوحنا ١٨: ١، متّى ٦: ١٣ و٢٦: ٤١ ومرقس ١٤: ٣٨ وع ٤٦، متّى ٢٦: ٣٩ ومرقس ١٤: ٣٥، يوحنا ٥: ٣٠ و٦: ٣٨

سبق الكلام على آلام المسيح في البستان في شرح بشارة متّى ٢٦: ٣٠ – ٤٦ وشرح بشارة مرقس ١٤: ٢٦ – ٤٢ فارجع إليه.

وَخَرَجَ (ع ٣٩) من مدينة أورشليم.

كَٱلْعَادَةِ لذلك عرف يهوذا أين يجده ليقبض عليه (يوحنا ١٨: ٢).

جَبَلِ ٱلزَّيْتُونِ (ع ٣٩) أي بستان جثسيماني الذي كان على سفح ذلك الجبل (متّى ٢٦: ٣٦) وهو عبر وادي قدرون (يوحنا ١٨: ١).

ٱلْمَكَانِ (ع ٤٠) أي البستان.

ٱنْفَصَلَ عَنْهُمْ (ع ٤١) أي عن ثلاثة من الرسل وهم بطرس ويعقوب ويوحنا لأنه ترك بقية الرسل قرب مدخل البستان وكان البعد بينه وبين الثلاثة غير كاف لمنع سمعهم كلامه.

جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ أي ركع وكان أحياناً يخر أي ينكب على وجهه (متّى ٢٦: ٣٩).

يَا أَبَتَاهُ صلّى المسيح في البستان ثلاث صلوات ذكر متّى الثلاث وكلام اثنتين منها وجمعها مرقس ولوقا في واحدة.

لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ هذا كالطلبة الثالثة من الصلاة التي علّمها تلاميذه. قبل المسيح طوعاً واختياراً آلامه في البستان وعلى الصليب فداء عن الخطاة ولولا ذلك لكان ظلماً أن يعاقب البار عن الأثمة.

٤٣ – ٤٦ «٤٣ وَظَهَرَ لَـهُ مَلاَكٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ يُقَوِّيهِ. ٤٤ وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى ٱلأَرْضِ. ٤٥ ثُمَّ قَامَ مِنَ ٱلصَّلاَةِ وَجَاءَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ، فَوَجَدَهُمْ نِيَاماً مِنَ ٱلْحُزْنِ. ٤٦ فَقَالَ لَـهُمْ: لِمَاذَا أَنْتُمْ نِيَامٌ؟ قُومُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ».

متّى ٤: ١١، يوحنا ١٢: ٢٧ وعبرانيين ٥: ٧ ع ٤٠

وَظَهَرَ لَـهُ مَلاَكٌ لم يذكر هذا أحد من كاتبي البشائر سوى لوقا. أتى الملائكة المسيح مثل هذه الخدمة بعد احتماله التجربة (متّى ٤: ١١).

يُقَوِّيهِ نفساً وجسداً لأن المسيح كان إنساناً تاماً (كما أنه إله تام) احتاجت طبيعته البشرية إلى المساعدة في أشد ضيقاته. ومن مختصات لوقا رغبته في ذكر ما يتعلق بناسوت المسيح.

فِي جِهَادٍ (ع ٤٤) هذا الجهاد جزء من الآلام التي احتملها المسيح في سبيل الفداء ولولا ذلك لوجب أن يحتملها كل الناس وقوّاه الملاك لعجز طبيعته البشرية عن احتمالها. ولا يحسن أن نظن علّة اضطرابه خوفه من الموت فإنها ثقل غضب الله على الخطية الذي هو احتمله (إشعياء ٥٣: ١٠ و١٢ وعبرانيين ٥: ٧ و٩).

وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ (ع ٤٤) لم يذكر هذا سوى لوقا وكان ذلك ليلاً ولا بدّ أنه كان الهواء بارداً وكان يسوع منكباً على الأرض فلم يكن عرقه إلا من شدة انفعالات نفسه التي ظهر تأثيرها على جسده. وظن بعضهم أن عرقه دماً ممزوجاً بماء لكن لا يلزم من كلام الإنجيل إلا أن قطرات العرق كانت كبيرة كقطرات الدم وأنها خرجت من جسده بكثرة حتى وقعت على الأرض كدم من جرح.

نِيَاماً مِنَ ٱلْحُزْنِ لم يذكر علّة هذا النوم سوى لوقا. وذكر الأطباء أن الحزن المستمر من علل الخدر والسبات في بعض الناس. وكان لنومهم علّة أخرى وهي أنه كان نحو منتصف الليل. وهؤلاء التلاميذ الثلاثة ناموا أيضاً في أثناء تجلي المسيح ص ٩: ٣٢.

لِمَاذَا أَنْتُمْ نِيَامٌ (ع ٤٦) هذا السؤال لإظهار حزنه وتعجبه ولتوبيخه إياهم لأنهم لم يبالوا بآلام المسيح في أشد تجربة الشيطان لمعلمهم ولهم أيضاً. وكانت الأحوال تقتضي الصلاة والاستعانة بالله وهم نسوا كل شيء وناموا وعادوا إلى النوم بعد أن نبههم مرتين (مرقس ٥: ٤٠) وبقوا نائمين إلى أن أتى العسكر وحينئذ أيقظهم يسوع ولم يناموا (متّى ٢٦: ٤٤ و٤٥).

تسليم يسوع والقبص عليه ع ٤٧ إلى ٥٣

٤٧، ٤٨ «٤٧ وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا جَمْعٌ، وَٱلَّذِي يُدْعَى يَهُوذَا أَحَدُ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ يَتَقَدَّمُهُمْ، فَدَنَا مِنْ يَسُوعَ لِيُقَبِّلَـهُ. ٤٨ فَقَالَ لَـهُ يَسُوعُ: يَا يَهُوذَا، أَبِقُبْلَةٍ تُسَلِّمُ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ؟».

متّى ٢٦: ٤٧ ومرقس ١٤: ٤٣ ويوحنا ١٨: ٣

انظر الشرح متّى ٢٦: ٤٧ – ٥٦ ومرقس ١٤: ٤٣ – ٥٢.

يَتَقَدَّمُهُمْ دليلاً لهم (أعمال ١: ١٦).

أَبِقُبْلَةٍ تُسَلِّمُ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ لم يذكر هذا السؤال إلا لوقا والكلام في صورة الاستفهام والمقصود منه التأثير في قلب يهوذا لينقذه من الهلاك الأبدي ولولا قساوة قلبه لقاده إلى التوبة والاعتراف وترك خيانته. ولكل كلمة من هذه العبارة تأثير فالقبلة علامة الصداقة أفيليق أن تُستعمل في الخيانة فتزيد القاسي رياء. وأشار بقوله «تُسلّم» إلى أنه كان يجب عليه لكونه تلميذه أن يحامي عنه. وسمّى نفسه «ابن الإنسان» لينبه ذاكرته وليرقق قلبه عند سمعه الاسم الذي سمى المسيح نفسه به ليشير إلى تواضعه واشتراكه في طبيعة الإنسان وأحزانه وليحذّره من نتائج عمله الضارة لنفسه ولأن ابن الإنسان هو الموعود بأن يأتي ملكاً ودياناً للعالم (دانيال ٧: ١٣).

٤٩ «فَلَمَّا رَأَى ٱلَّذِينَ حَوْلَـهُ مَا يَكُونُ، قَالُوا: يَا رَبُّ، أَنَضْرِبُ بِٱلسَّيْفِ؟».

أَنَضْرِبُ بِٱلسَّيْفِ هذا دليل على استعداد جميع التلاميذ للدفع عن المسيح إذا أذن لهم.

٥٠ «وَضَرَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَبْدَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذُنَهُ ٱلْيُمْنَى».

متّى ٢٦: ٥١ ومرقس ١٤: ٤٣ ويوحنا ١٨: ١٠

وَضَرَبَ وَاحِدٌ ذكر هذه الحادثة البشيرون الأربعة ولكن لم يذكر اسمي الضارب والمضروب سوى يوحنا وذلك لأن يوحنا كتب إنجيله بعد ما أمن الخطر من معاقبة الحكومة لبطرس الضارب.

٥١ «فَقَالَ يَسُوعُ: دَعُوا إِلَى هٰذَا! وَلَمَسَ أُذُنَهُ وَأَبْرَأَهَا».

دَعُوا إِلَى هٰذَا لم يتحقق من وجّه المسيح هذا الكلام إليه فإن كان قد وجّهه إلى التلاميذ فمعناه لا تضربوا بعد واصبروا ولا تقاوموا الشر. وهذا يوافق ما نقله متّى من نبإ ذلك وهو قوله «كُلَّ ٱلَّذِينَ يَأْخُذُونَ ٱلسَّيْفَ بِٱلسَّيْفِ يَهْلِكُونَ» (متّى ٢٦: ٥٢) وإن كان قد وجهه إلى العكسر فمعناه لا تعاقبوا التلاميذ على فعل واحد منهم واعفوا عنه أو اتركوا لي الحرية أن أحرك يديّ اللتين أنتم مسكتموهما لكي ألمس أذن المضروب وأشفيه.

وَلَمَسَ أُذُنَهُ الخ لم يعتد المسيح أن يصنع معجزة إلا حيث الإيمان. ولكنه صنع هنا معجزة لإنسان هو عدوه فضلاً عن أنه لم يؤمن به قبل المعجزة ولم يشكره بعدها. وأظهر بذلك حلمه. وقوته الإلهية وغايته مما صنع حماية تلاميذه من انتقام العسكر منهم. ومن العجب أن تلك الآية لم تؤثر في الجند حتى يكفوا عن مسكهم إياه.

٥٢ «ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ لِرُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَقُوَّادِ جُنْدِ ٱلْهَيْكَلِ وَٱلشُّيُوخِ ٱلْمُقْبِلِينَ عَلَيْهِ: «كَأَنَّهُ عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ!».

ع ٤، متّى ٢٦: ٥٥ ومرقس ١٤: ٤٨

لِرُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ لم يذكر غير لوقا أن بعض رؤساء الكهنة رافق العسكر ليحثّهم على عملهم وليتحقق إنجاز مقصدهم الشرير.

وَقُوَّادِ جُنْدِ ٱلْهَيْكَلِ هم اللاويون والكهنة الذين كانوا يحرسون الهيكل ليلاً (ص ٢٢: ٤٠ وأعمال ٤: ١ و٥: ٢٤).

٥٣ «إِذْ كُنْتُ مَعَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ فِي ٱلْهَيْكَلِ لَمْ تَمُدُّوا عَلَيَّ ٱلأَيَادِيَ. وَلٰكِنَّ هٰذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ ٱلظُّلْمَةِ».

يوحنا ١٢: ٢٧

انظر الشرح متّى ٢٦: ٥٥

سَاعَتُكُمْ أي الوقت الذي عينه الله لكم لكي تتموا فيه مقاصدكم بقتلي (أعمال ٢: ٢٣) ولكن قبل إتيانه لم يكن لكم أدنى استطاعة على إضراري مهما بذلتم الجهد (يوحنا ٧: ٣٠ و٨: ٢٠). ووقتكم هذا قصير «كساعة» ويكون بعد ذلك وقتي وهو وقت النور والمجد والنصر والملك والنقمة وهو يدوم إلى الابد.

وَسُلْطَانُ ٱلظُّلْمَةِ لعلّ في ذلك إشارة إلى أن الليل يوافق أعمالهم الشريرة ويمكنهم من إجرائها خفية عن الناس. وأول هذه الآية يدل على هذا المعنى ولكن لا بد من أن المسيح قصد أيضاً أنهم شركاء الشيطان رئيس مملكة الظلمة في مضادتهم له وأنهم متممون آراءه الخبيثة. ولا بد من أن الشيطان اجتهد حينئذ بكل قوته في تجربة المسيح وتهييج رؤساء اليهود عليه كما يتضح من قول المسيح قبل ذلك بقليل «لأَنَّ رَئِيسَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ يَأْتِي» (يوحنا ١٤: ٣٠).

إنكار بطرس ليسوع ع ٥٤ إلى ٦٢

٥٤ – ٦٢ «٥٤ فَأَخَذُوهُ وَسَاقُوهُ وَأَدْخَلُوهُ إِلَى بَيْتِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ. وَأَمَّا بُطْرُسُ فَتَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ. ٥٥ وَلَمَّا أَضْرَمُوا نَاراً فِي وَسَطِ ٱلدَّارِ وَجَلَسُوا مَعاً، جَلَسَ بُطْرُسُ بَيْنَهُمْ. ٥٦ فَرَأَتْهُ جَارِيَةٌ جَالِساً عِنْدَ ٱلنَّارِ فَتَفَرَّسَتْ فِيهِ وَقَالَتْ: وَهٰذَا كَانَ مَعَهُ. ٥٧ فَأَنْكَرَهُ قَائِلاً: لَسْتُ أَعْرِفُهُ يَا ٱمْرَأَةُ! ٥٨ وَبَعْدَ قَلِيلٍ رَآهُ آخَرُ وَقَالَ: وَأَنْتَ مِنْهُمْ! فَقَالَ بُطْرُسُ: يَا إِنْسَانُ، لَسْتُ أَنَا! ٥٩ وَلَمَّا مَضَى نَحْوُ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ أَكَّدَ آخَرُ قَائِلاً: بِٱلْحَقِّ إِنَّ هٰذَا أَيْضاً كَانَ مَعَهُ، لأَنَّهُ جَلِيلِيٌّ أَيْضاً. ٦٠ فَقَالَ بُطْرُسُ: يَا إِنْسَانُ، لَسْتُ أَعْرِفُ مَا تَقُولُ وَفِي ٱلْحَالِ بَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ صَاحَ ٱلدِّيكُ. ٦١ فَٱلْتَفَتَ ٱلرَّبُّ وَنَظَرَ إِلَى بُطْرُسَ، فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ ٱلرَّبِّ، كَيْفَ قَالَ لَـهُ: إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ ٱلدِّيكُ تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. ٦٢ فَخَرَجَ بُطْرُسُ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرّاً».

متّى ٢٦: ٥٧ و٥٨ ويوحنا ١٨: ١٥، متّى ٢٦: ٦٩ ومرقس ١٤: ٦٦ و٦٨ ويوحنا ١٨: ١٧ و١٨، متّى ٢٦: ٧١ ومرقس ١٤: ٦٩ ويوحنا ١٨: ٢٥، متّى ٣٦: ٧٣ ومرقس ١٤: ٧٠ ويوحنا ١٨: ٢٦، متّى ٢٦: ٧٥ ومرقس ١٤: ٧٢، متّى ٢٦: ٣٤ و٧٥ ويوحنا ١٣: ٣٨

انظر الشرح متّى ٢٦: ٦٩ – ٧٥ ومرقس ١٤: ٦٦ – ٧٢.

لم يذكر لوقا امتحان المسيح الاول أمام حنان (يوحنا ١٨: ١٩ – ٢٤) ولا امتحانه الثاني أمام مجلس اليهود في بيت قيافا والحكم عليه ليلاً (متّى ٢٦: ٥٧ – ٦٦ ومرقس ١٤: ٥٣ – ٦٤). لكنه ذكر إنكار بطرس له الذي حدث في أثناء محاكمة الليل وذكر استهزاء العسكر به حينئذ.

الاستهزاء بيسوع ليلاً ع ٦٣ إلى ٦٥

٦٣ – ٦٥ «٦٣ وَٱلرِّجَالُ ٱلَّذِينَ كَانُوا ضَابِطِينَ يَسُوعَ كَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَهُمْ يَجْلِدُونَهُ، وَغَطَّوْهُ وَكَانُوا يَضْرِبُونَ وَجْهَهُ وَيَسْأَلُونَهُ: تَنَبَّأْ! مَنْ هُوَ ٱلَّذِي ضَرَبَكَ؟ وَأَشْيَاءَ أُخَرَ كَثِيرَةً كَانُوا يَقُولُونَ عَلَيْهِ مُجَدِّفِينَ».

متّى ٢٦: ٦٧ و٦٨ ومرقس ١٤: ٦٥

انظر الشرح متّى ٢٦: ٦٧ و٦٨ ومرقس ١٤: ٦٥

وقوف يسوع أمام المجلس صباحاً ع ٦٦ إلى ٧١

٦٦ «وَلَمَّا كَانَ ٱلنَّهَارُ ٱجْتَمَعَتْ مَشْيَخَةُ ٱلشَّعْبِ: رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ، وَأَصْعَدُوهُ إِلَى مَجْمَعِهِمْ».

متّى ٢٧: ١ وأعمال ٤: ٢٦

وَلَمَّا كَانَ ٱلنَّهَارُ اقتصر متّى ومرقس على الإشارة إلى ذلك إجمالاً ولم يصرّحا بالحوادث (متّى ٢٧: ١ ومرقس ١٥: ١). ولم تجز الشريعة الرومانية ولا عوائد اليهود كما هي في التلمود أن يوقف إنسان أمام المجلس ليلاً ويُمتحن ثم يُحكم عليه بالموت. لذلك اضطر مجلس السبعين أن يجتمع ثانية بعد طلوع النهار لكي يجدّدوا حكمهم على يسوع ويجعلوه شرعياً. ولعلهم التزموا أن يفعلوا ذلك لأن عدد الأعضاء الذين اجتمعوا في الليل كان قليلاً.

وكانت غاية هذا الاجتماع أيضاً التآمر في أن يشكوا يسوع إلى الحاكم الروماني لكي يفوزوا بقتله.

مَشْيَخَةُ ٱلشَّعْبِ: رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ هم مجلس السبعين اليهودي والأرجح أن مكان اجتماعهم وقتئذ كان أحد مخادع الهيكل (متّى ٢٧: ٣ و٥).

٦٧ «قَائِلِينَ: إِنْ كُنْتَ أَنْتَ ٱلْمَسِيحَ فَقُلْ لَنَا. فَقَالَ لَـهُمْ: إِنْ قُلْتُ لَكُمْ لاَ تُصَدِّقُونَ».

متّى ٢٦: ٦٣ ومرقس ١٤: ٦١

إِنْ كُنْتَ أَنْتَ ٱلْمَسِيحَ يظهر لنا أن هذا السؤال لا يحسن أن يكون افتتاح المحاكمة لأنه بغتي ولا نرى هنا داعياً له. ولكن رأينا في بشارة متّى أن هذا السؤال مبني على ما جرى من محاكمة الليل. وغاية المجلس منه حمل المسيح على تكرير ما قاله فيها مما حسبوه تجديفاً (متّى ٢٦: ٦٣ و٦٤).

إِنْ قُلْتُ لَكُمْ لاَ تُصَدِّقُونَ قال ذلك لأنه علم أنهم لم يسألوه عن ذلك إلا ليجدوا علّة شكاية عليه ولأنهم لم يصدقوا ما قاله قبلاً.

٦٨ «وَإِنْ سَأَلْتُ لاَ تُجِيبُونَنِي وَلاَ تُطْلِقُونَنِي».

وَإِنْ سَأَلْتُ لاَ تُجِيبُونَنِي الخ أي لا تتركون لي فرصة لكي أبرهن لكم أني أنا المسيح أو أني بريء مما اتهمتموني به كعادة المحاجّة بالسؤال والجواب. لأنكم حكمتم عليّ بالموت قبل الفحص فإذاً إقامة البراهين عبث وتكون المحاجة الآن بلا فائدة كما كانت في مسئلة يوحنا المعمدان (ص ٢٠: ٤).

٦٩ «مُنْذُ ٱلآنَ يَكُونُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ قُوَّةِ ٱللّٰهِ».

متّى ٢٦: ٦٤ ومرقس ١٤: ٦٢ وعبرانيين ١: ٣ و٨: ١

مُنْذُ ٱلآنَ الخ هذا تكرير ما شهد المسيح به في المحاكمة السابقة (متّى ٢٦: ٦٤) فانظر الشرح هنالك. وصرّح بذلك التكرير أن ما قاله دانيال النبي في شأن المسيح صادق عليه (دانيال ٧: ٩ – ١٤). وقرر ذلك اختياراً لكي تتم مقاصد الله في موته فداء عن العالم.

٧٠ «فَقَالَ ٱلْجَمِيعُ: أَفَأَنْتَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ؟ فَقَالَ لَـهُمْ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا هُو».

متّى ٢٦: ٦٤ ومرقس ١٤: ٦٢

أَفَأَنْتَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ ذلك مضمون كلامه في الآية التاسعة والستين ومع ذلك أراد المجلس أن يصرّح المسيح به لفظاً ومعنىً فكأنهم قالوا أفمعنى ابن الإنسان ابن الله أيضاً وقد مرّ الكلام على بيان معنى ابن الله في الشرح (مرقس ١٤: ٦١).

أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا هُوَ معنى هذا في اصطلاح اللغة يومئذ نعم أي ان ما قلتموه حق.

٧١ «فَقَالُوا: مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شَهَادَةٍ؟ لأَنَّنَا نَحْنُ سَمِعْنَا مِنْ فَمِهِ».

متّى ٢٦: ٦٥ ومرقس ١٤: ٦٣

كانت نتيجة المحاكمة الثانية كنتيجة المحاكمة الأولى (متّى ٢٦: ٦٦). واتفقوا بعد ذلك على كيفية الشكاية عليه إلى بيلاطس (متّى ٢٧: ١) ثم أتى يهوذا الاسخريوطي نادماً على خيانته ورد الفضة إلى رؤساء الكهنة (متّى ٢٧: ١ – ١٠).

زر الذهاب إلى الأعلى