إنجيل لوقا | 09 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح إنجيل لوقا
للدكتور . وليم إدي
الأصحاح التاسع
إرسال يسوع الاثني عشر للتبشير ع ١ إلى ٦
١ «وَدَعَا تَلاَمِيذَهُ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ، وَأَعْطَاهُمْ قُوَّةً وَسُلْطَاناً عَلَى جَمِيعِ ٱلشَّيَاطِينِ وَشِفَاءِ أَمْرَاض».
متّى ١٠: ١ ومرقس ٣: ١٣ الخ و٦: ٧
انظر الشرح متّى ٩: ٣٥ – ٣٨ و١٠: ٥ – ٤٢ و١١: ١ ومرقس ٦: ٦ – ١٣. وهذا جولان المسيح الثالث في الجليل وإنباء لوقا به أخصر من إنباء غيره به. ونعلم مما قيل في بشارة متّى (١١: ١) أنه حين جال الرسل في القرى يبشرون كان المسيح يبشر أيضاً في المدن.
أَعْطَاهُمْ قُوَّةً وَسُلْطَاناً الخ أظهر يسوع قوته الإلهية غير المحدودة بإعطائه غيره قدرة على عمل المعجزات فضلاً على ما أظهر بعملها.
عَلَى جَمِيعِ ٱلشَّيَاطِينِ مهما كانت كثرتهم وقوتهم وشراستهم.
٢ «وَأَرْسَلَـهُمْ لِيَكْرِزُوا بِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ وَيَشْفُوا ٱلْمَرْضَى».
متّى ١٠: ٧ و٨ ومرقس ٦: ١٣ وص ١٠: ١ و٩
لِيَكْرِزُوا بِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ كان ذلك عملهم الأهم وإنما كان شفاء المرضى دليلاً على صدق كرازتهم وسلطانها. وأرسل يسوع التلاميذ اثنين اثنين (مرقس ٦: ٧).
٣ «وَقَالَ لَـهُمْ: لاَ تَحْمِلُوا شَيْئاً لِلطَّرِيقِ، لاَ عَصاً وَلاَ مِزْوَداً وَلاَ خُبْزاً وَلاَ فِضَّةً، وَلاَ يَكُونُ لِلْوَاحِدِ ثَوْبَانِ».
متّى ١٠: ٩ ومرقس ٦: ٨ وص ١٠: ٤ و٢٢: ٣٥
لاَ تَحْمِلُوا شَيْئاً الخ قصد المسيح بهذا كله تعليم تلاميذه الاقتناع بضرورياتهم وتجنبهم الجاه الدنيوي والترفّه.
لاَ عَصاً نستنتج من مقابلة هذا بقوله «غير عصا فقط» (مرقس ٦: ٨) أن المسيح قصد أن يذهب تلاميذه بما لهم حينئذ فمن له عصى فليأخذه ومن ليس له فلا يضع الوقت في التفتيش عن عصا ومن له عصا فلا يأخذ اثنين احتياطاً من الحاجة إلى ذلك.
٤ «وَأَيَّ بَيْتٍ دَخَلْتُمُوهُ فَهُنَاكَ أَقِيمُوا، وَمِنْ هُنَاكَ ٱخْرُجُوا».
متّى ١٠: ١١ ومرقس ٦: ١٠
هُنَاكَ أَقِيمُوا لم ينه المسيح تلاميذه عن التطويف من بيت إلى آخر بغية التبشير وشفاء المرضى بل نهاهم عن الجولان لأجل الطعام. وذلك منعٌ لهم من إضاعة الوقت بالزيارات الدنيوية واللذات الجسدية.
٥ «وَكُلُّ مَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ فَٱخْرُجُوا مِنْ تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ، وَٱنْفُضُوا ٱلْغُبَارَ أَيْضاً عَنْ أَرْجُلِكُمْ شَهَادَةً عَلَيْهِمْ».
متّى ١٠: ١٤ وأعمال ١٣: ٥١
مَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ علّم يسوع بذلك تلاميذه أن يتوقعوا من الناس تكذيب كلامهم ومقاومتهم،
وَٱنْفُضُوا ٱلْغُبَارَ ذلك مجاز قصد به أن الذين يرفضون كلامهم يُحسبون كالوثنيين ويتركون في قساوة قلوبهم. وأنه لا يبقى على الرسل شيء من المسؤولية من أمرهم إذا هلكوا.
٦ «فَلَمَّا خَرَجُوا كَانُوا يَجْتَازُونَ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ يُبَشِّرُونَ وَيَشْفُونَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ».
مرقس ٥: ١٣
يُبَشِّرُونَ قال مرقس إنهم كرزوا بالتوبة (مرقس ٦: ١٢) وذلك جزء من التبشير بالإنجيل لأن التوبة شرط ضروري لنوال البركات الإنجيلية.
فِي كُلِّ قَرْيَةٍ… فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أي في كل مكان دخلوه وزاد مرقس على ذلك أنهم كانوا يدهنون المرضى بالزيت عندما قصدوا شفاءهم.
ارتياب هيرودس ع ٧ إلى ٩
٧ – ٩ «٧ فَسَمِعَ هِيرُودُسُ رَئِيسُ ٱلرُّبْعِ بِجَمِيعِ مَا كَانَ مِنْهُ، وَٱرْتَابَ لأَنَّ قَوْماً كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ يُوحَنَّا قَدْ قَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ. ٨ وَقَوْماً: إِنَّ إِيلِيَّا ظَهَرَ. وَآخَرِينَ: إِنَّ نَبِيّاً مِنَ ٱلْقُدَمَاءِ قَامَ. ٩ فَقَالَ هِيرُودُسُ: يُوحَنَّا أَنَا قَطَعْتُ رَأْسَهُ. فَمَنْ هُوَ هٰذَا ٱلَّذِي أَسْمَعُ عَنْهُ مِثْلَ هٰذَا! وَكَانَ يَطْلُبُ أَنْ يَرَاهُ».
متّى ١٤: ١ ومرقس ٦: ١٤، ص ٢٣: ٨
انظر الشرح متّى ٤: ١ – ١٢ ومرقس ٦: ١٤ – .٢٩
هِيرُودُسُ رَئِيسُ ٱلرُّبْعِ هو كان كذلك حقيقة ولكن مرقس سماه ملكاً إكراماً جرياً على عادة الناس في مثل ذلك على أنه كان ابن هيرودس الكبير وله سلطان يقرب من سلطان الملك.
لأَنَّ قَوْماً كَانُوا يَقُولُونَ الخ كان أصل هذا القول من هيرودس على ما قال متّى ولوقا ثم تناقلته الألسنة بلا إسناد إليه كعادة الناس في نقل أقوال العظماء وارتياب هيرودس بيان لقوة الضمير على إقلاق قلوب المذنبين وتهييج مخاوفهم.
إِنَّ إِيلِيَّا ظَهَرَ (ع ٨) ميّز الناس بين إيليا الذي لم يمت إنما نقل حياً إلى السماء (٢ملوك ٢: ١١). ويوحنا المعمدان والأنيباء الذين ماتوا بقولهم أن الأول ظهر وأن الآخرين قاموا من الأموات.
يُوحَنَّا أَنَا قَطَعْتُ رَأْسَهُ (ع ٩) هذا النبأ الوحيد الذي جاء به لوقا من أنباء موت يوحنا المعمدان. وكنا نتوقع أن يستوفي الكلام على موت يوحنا أكثر من سائر البشيرين لأنه استوفى الكلام على ولادته أكثر منهم. فدل اختصاره في ذلك أنه اعتبر أهمية تاريخ يوحنا من جهة كونه سابق المسيح وشاهده ولم يفه بعد هذا بغيره من أمر يوحنا لأن ما أبانه هو المتعلق بحياة المسيح على الأرض.
مَنْ هُوَ هٰذَا (ع ٩) لعلّ ما قاله القوم كما مرّ كان جواباً لسؤال هيرودس هذا.
مِثْلَ هٰذَا أي ما أتاه المسيح من المعجزات.
كَانَ يَطْلُبُ أَنْ يَرَاهُ ذلك لرغبته في رؤية شيء من معجزاته ولإزالة ارتيابه وخوفه بمشاهدته فلم يحصل على فرصة لذلك إلا في يوم صلب المسيح (ص ٢٣: ٦ – ١٢).
رجوع التلاميذ وذهاب المسيح معهم إلى البريّة وإشباعه الخمسة الآلاف ع ١٠ إلى ١٧
١٠ – ١٧ «١٠ وَلَمَّا رَجَعَ ٱلرُّسُلُ أَخْبَرُوهُ بِجَمِيعِ مَا فَعَلُوا، فَأَخَذَهُمْ وَٱنْصَرَفَ مُنْفَرِداً إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ لِمَدِينَةٍ تُسَمَّى بَيْتَ صَيْدَا. ١١ فَٱلْجُمُوعُ إِذْ عَلِمُوا تَبِعُوهُ، فَقَبِلَـهُمْ وَكَلَّمَهُمْ عَنْ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ، وَٱلْمُحْتَاجُونَ إِلَى ٱلشِّفَاءِ شَفَاهُمْ. ١٢ فَٱبْتَدَأَ ٱلنَّهَارُ يَمِيلُ. فَتَقَدَّمَ ٱلاثْنَا عَشَرَ وَقَالُوا لَـهُ: ٱصْرِفِ ٱلْجَمْعَ لِيَذْهَبُوا إِلَى ٱلْقُرَى وَٱلضِّيَاعِ حَوَالَيْنَا فَيَبِيتُوا وَيَجِدُوا طَعَاماً، لأَنَّنَا هٰهُنَا فِي مَوْضِعٍ خَلاَءٍ. ١٣ فَقَالَ لَـهُمْ: أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا. فَقَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةٍ وَسَمَكَتَيْنِ، إِلاَّ أَنْ نَذْهَبَ وَنَبْتَاعَ طَعَاماً لِهٰذَا ٱلشَّعْبِ كُلِّهِ. ١٤ لأَنَّهُمْ كَانُوا نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفِ رَجُلٍ. فَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: أَتْكِئُوهُمْ فِرَقاً خَمْسِينَ خَمْسِينَ. ١٥ فَفَعَلُوا هٰكَذَا وَأَتْكَأُوا ٱلْجَمِيعَ. ١٦ فَأَخَذَ ٱلأَرْغِفَةَ ٱلْخَمْسَةَ وَٱلسَّمَكَتَيْنِ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ وَبَارَكَهُنَّ، ثُمَّ كَسَّرَ وَأَعْطَى ٱلتَّلاَمِيذَ لِيُقَدِّمُوا لِلْجَمْعِ. ١٧ فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا جَمِيعاً. ثُمَّ رُفِعَ مَا فَضَلَ عَنْهُمْ مِنَ ٱلْكِسَرِ: ٱثْنَتَا عَشَرَةَ قُفَّةً».
مرقس ٦: ٣٠، متّى ١٤: ١٣، متّى ١٤: ١٥ ومرقس ٦: ٣٥ الخ ويوحنا ٦: ١ و٥
انظر الشرح متّى ١٤: ١٣ – ٢١ ومرقس ٦: ٣٠ – ٤٤.
فَأَخَذَهُمْ (ع ١٠) أي رفقاء.
وَٱنْصَرَفَ لم يبين لوقا أفي البحر كان ذلك أم في البرّ لكن نعرف من سائر البشائر أنه كان في البحر.
مَوْضِعٍ خَلاَءٍ لِمَدِينَةٍ أي تابع لتلك المدينة. ولا تضادّ بين قول لوقا هنا وقول مرقس أنهم بعدما تركوا الموضع ذهبوا إلى بيت صيدا (مرقس ٦: ٤٥). فالأرجح أن المعجزة المذكورة هنا كانت في سهل شرقي بيت صيدا تابع لها يسمى اليوم سهل البطيحة. وأن التلاميذ دخلوا السفينة بعد المعجزة لكي يعبروا خليجاً صغيراً في بحيرة طبرية قاصدين بيت صيدا.
بَيْتَ صَيْدَا كانت هذه المدينة قرب الشاطئ وعلى الشمال الشرقي من البحيرة وكانت في أول أمرها قرية صغيرة جعلها فيلبس رئيس الربع مدينة لكثرة ما بنى فيها وزينها وسماها جولياس إكراماً لجوليا ابنة الأمبراطور. وقد ذهب البعض ان تلك المدينة بُنيت على جانبي نهر الأردن عند مصبه وعلى هذا المذهب تكون المدينة قسمين أحدها عبر الآخر فالواحد شرقي قرب محل المعجزة والثاني غربي وهو الذي ذُكر في بشارة مرقس (مرقس ٦: ٤٥) وفي بشارة يوحنا (يوحنا ٦: ١٦).
فَقَبِلَـهُمْ (ع ١١) كان يسوع حينئذ قد تعب وطلب الانفراد لكن لما شاهد الجمع الذي سبقه جارياً على البرّ تحنن عليه وعلمه وشفى مرضاه.
ٱلنَّهَارُ يَمِيلُ (ع ١٢) أي تميل الشمس إلى الغروب.
مَوْضِعٍ خَلاَءٍ أي خال من السكان. وكان هناك عشب كثير (يوحنا ٦: ١٠).
أَرْغِفَةٍ (ع ١٣) قال يوحنا إن تلك الأرغفة كانت من الشعير وأن التلاميذ اشتروها من غلام هنالك.
إِلاَّ أَنْ نَذْهَبَ وَنَبْتَاعَ ذكر مرقس ذلك على سبيل الاستفهام والمعنى واحد وهو بيان عدم إمكانهم أن يشبعوا ذلك الجمع العظيم. وزاد مرقس ويوحنا على ذلك قول التلاميذ إنهم يحتاجون إلى مئتي دينار ليعطوا كل واحد شيئاً يسيراً من الطعام.
نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفِ رَجُلٍ (ع ١٤) «مَا عَدَا ٱلنِّسَاءَ وَٱلأَوْلاَدَ» (متّى ١٤: ٢١).
وَأَتْكَأُوا قال متّى ومرقس إن المسيح أمر الجمع بالاتكاء فالأمر ظاهر أن المسيح أمر الرسل بأن يأمروا الجميع بذلك ومثل هذا شائع في كل لغة.
اعتراف بطرس بالمسيح ع ١٨ إلى ٢١
١٨ – ٢١ «١٨ وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي عَلَى ٱنْفِرَادٍ كَانَ ٱلتَّلاَمِيذُ مَعَهُ. فَسَأَلَـهُمْ: مَنْ تَقُولُ ٱلْجُمُوعُ إِنِّي أَنَا؟ ١٩ فَأَجَابُوا: يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانُ. وَآخَرُونَ إِيلِيَّا. وَآخَرُونَ إِنَّ نَبِيّاً مِنَ ٱلْقُدَمَاءِ قَامَ. ٢٠ فَقَالَ لَـهُمْ: وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟ فَأَجَابَ بُطْرُسُ: مَسِيحُ ٱللّٰهِ. ٢١ فَٱنْتَهَرَهُمْ وَأَوْصَى أَنْ لاَ يَقُولُوا ذٰلِكَ لأَحَدٍ».
متّى ١٦: ١٣ ومرقس ٨: ٢٧، متّى ١٤: ٢ وع ٧ و٨، متّى ١٦: ١٦ ويوحنا ٦: ٦٩، متّى ١٦: ٢٠
ترك لوقا هنا ما ذكره متّى ومرقس من أمر مشي المسيح على الماء (متّى ١٤: ٢٣ – ٣٦ ومرقس ٦: ٤٥ و٤٦). وإتيان المرأة الكنعانية إليه تسأله شفاء ابنتها وإشباعه الأربعة الآلاف وشفاء الاصم الأخرس (متّى ١٥: ٢١ – ٣٨ ومرقس ٧: ٢٤ – ٣٧). وكلامه على خمير الصدوقيين والفريسيين (متّى ١٦: ٤ – ١٢ ومرقس ٨: ١٣ – ٢١) وإبرائه الأعمى في بيت صيدا (مرقس ٨: ٢٢ – ٢٦).
وقد مرّ الكلام على هذه الآيات في الشرح (متّى ١٦: ١٣ – ٢١ ومرقس ٨: ٢٧ – ٣١).
فِيمَا هُوَ يُصَلِّي (ع ١٨) لم يذكر أحد من الإنجيليين سوى لوقا أن المسيح شغل وقتاً بالصلاة قبل أن سأل تلاميذه عن إيمانهم به وقبل إنبائه إياهم بآلامه وموته وقيامته. ولا ريب في أن تلك الصلاة كانت لأجل التلاميذ لكي لا يتزعزع إيمانهم به إذا سمعوا أنه يأتي عليه خلاف ما كانوا يسمعون ويعتقدون من أمر المسيح.
عَلَى ٱنْفِرَادٍ أي بمعزل عن الجمع المزدحم. ونستنتج مما قاله مرقس أن يسوع كان حينئذ قد استراح قليلاً على الطريق وانتهز فرصة الصلاة والخطاب الروحي مع تلاميذه (مرقس ٨: ٢٧).
مَنْ تَقُولُ ٱلْجُمُوعُ إِنِّي أَنَا غاية المسيح من هذا السؤال حمل التلاميذ على أن يميزوا جلياً بين اعتقاد الشعب فيه والاعتقاد الذي بلغوه في ذلك وأن يستعدوا لتعليم جديد من جهة الطريق التي فيها يكمل عمل الخلاص.
وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ خاطب المسيح بذلك الرسل كلهم وأراد جواب الكل. فأجابه بطرس عن الجميع وقبله يسوع كذلك وكان ما في ذلك الجواب من المعرفة والاعتراف نتيجة إعلان الله (متّى ١٦: ١٦).
مَسِيحُ ٱللّٰهِ هذا مثل قول سمعان الشيخ «مسيح الرب» (ص ٢: ٢٦) أي الذي مسحه الله وأرسله. وعُبر عنه في بشارة متّى بالمسيح ابن الله الحي وفي بشارة مرقس بالمسيح. والمقصود في كل ذلك واحد وهو أن يسوع هو المسيح الموعود به.
أَنْ لاَ يَقُولُوا ذٰلِكَ (ع ٢١) أي أن يسوع هو مسيح الله. وقد مرّ الكلام على سبب تلك الوصية في الشرح (متّى ١٦: ٢٠).
إنباء يسوع بموته وقيامته ع ٢٢ إلى ٢٧
٢٢ – ٢٧ «٢٢ قَائِلاً: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيراً، وَيُرْفَضُ مِنَ ٱلشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ ٢٣ وَقَالَ لِلْجَمِيعِ: إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي. ٢٤ فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي فَهٰذَا يُخَلِّصُهَا. ٢٥ لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ ٱلإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ ٱلْعَالَمَ كُلَّهُ، وَأَهْلَكَ نَفْسَهُ أَوْ خَسِرَهَا؟ ٢٦ لأَنَّ مَنِ ٱسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي، فَبِهٰذَا يَسْتَحِي ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِهِ وَمَجْدِ ٱلآبِ وَٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ. ٢٧ حَقّاً أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ ٱلْقِيَامِ هٰهُنَا قَوْماً لاَ يَذُوقُونَ ٱلْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ».
متّى ١٦: ٢١ و١٧: ٢٢ و٢٣، متّى ١٠: ٣٨ و١٦: ٢٤ ومرقس ٨: ٣٤ وص ١٤: ٢٧، متّى ١٦: ٢٦ ومرقس ٨: ٣٦، متّى ١٠: ٣٣ ومرقس ٨: ٣٨ و٢تيموثاوس ٢: ١٢، متّى ١٦: ١٨ ومرقس ٩: ١
انظر الشرح متّى ١٦: ٢١ – ٢٨ ومرقس ٨: ٣١ – ٣٨.
أخذ المسيح من ذلك الوقت يكرر على التلاميذ أنه يتألم ويموت من أجل خطايا العالم ليعوّد أسماعهم ما يخالف كل آرائهم السابقة في شأن المسيح. ولم يذكر لوقا توبيخ المسيح لبطرس لاعتراضه على قوله هنا (متّى ١٦: ٢٢ و٢٣). كما لم يذكر وعده لبطرس على أثر اعترافه به (متّى ١٦: ١٧ – ١٩).
لِلْجَمِيعِ (ع ٢٣) نعلم من هذا ومن قول مرقس أنه دعا الجمع مع تلاميذه أنهم بلغوا في الطريق إحدى القرى حيث اجتمع الناس ليسمعوا تعليمه (مرقس ٨: ٣٤).
فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ (ع ٢٣) يميل قلب الإنسان طبعاً إلى الراحة الجسدية واللذات الدنيوية والمجد العالي فيجب على كل إنسان قبل أن يقيم المسيح ملكاً عليه أن ينزع من قلبه كل تلك الغايات الشخصية الدنيوية.
وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ أي يقاوم العالم والشيطان وهذه المقاومة علّة العار والبلية في هذه الدنيا. ويُفهم من قوله «صليبه» أن الله عين لكل إنسان ما يحتمله لأجل اسمه وليس عليه أن يحمل صليب غيره. فحمل الصليب فرض على كل مسيحي فيستحيل أن يكون الدين المسيحي بلا صليب كما يستحيل أن يكون بلا مسيح.
كُلَّ يَوْمٍ إنكار الذات وحمل الصليب فُرضا على كل مسيحي كل يوم من أيام حياته وكل ساعة من ساعات كل يوم وهذا يقرب من قول بولس الرسول عن نفسه «أَمُوتُ كُلَّ يَوْمٍ» (١كورنثوس ١٥: ٣١).
يُخَلِّصَ نَفْسَهُ (ع ٢٤) أي حياته الجسدية بإنكاره المسيح وقت الاضطهاد.
يُهْلِكُهَا أي يهلك حياته الروحية السامية الحقيقية. فللنفس هنا معنيان الحياة الطبيعية والحياة الروحية. وكذلك جاء للموت معنيان في قوله تعالى «دَعِ ٱلْمَوْتٰى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ» (متّى ٨: ٢٢) أي موتى الروح يدفنون موتى الجسد.
مَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي أي من يبذل حياته الجسدية لا يستحق الذكر بالنسبة إلى عظمة الخسارة بهلاك النفس.
مَاذَا يَنْتَفِعُ (ع ٢٥) أي لا ينتفع شيئاً لأن ربح العالم كله زهيد لا يستحق الذكر بالنسبة إلى عظمة الخسارة بهلاك النفس.
خَسِرَهَا أي خسر حياته السماوية وذلك لنفيه من حضرة الله وحبسه بين الهالكين في جهنم.
مَنِ ٱسْتَحَى بِي (ع ٢٦) أي من أظهر الحياء بأن أنكر المسيح لينقذ جسده من الموت.
بِهٰذَا يَسْتَحِي ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ يفعل به فعل من استحى بغيره. فلا يعترف بأنه من أتباعه ويرفضه وينفيه من حضرته في يوم الدين.
مَتَى جَاءَ (ع ٢٦) صرّح المسيح هنا بمجيئه ثانية وسيكون ذلك المجيء بمجد عظيم. ولذلك المجد ثلاث صفات:
- الأولى: أنه «مجده» أي المجد الذي لابن الله منذ الأزل.
- الثانية: أنه مجد الآب أي المجد الذي منحه الآب إياه جزاء على أتضاعه وآلامه لأجل عمل الفداء.
- الثالثة: أنه مقترن بمجد الملائكة الذين يرافقونه يومئذ خداماً له.
ٱلْقِيَامِ هٰهُنَا (ع ٢٧) أي الرسل وغيرهم ع ٢٣.
يَذُوقُونَ ٱلْمَوْتَ شبه الموت هنا كأس مرّة.
يَرَوْا مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ فسر هذا القول متّى بقوله «يَرَوُا ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ آتِياً فِي مَلَكُوتِهِ» (متّى ١٦: ٢٨) ومرقس بقوله «يَرَوْا مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ قَدْ أَتَى بِقُوَّةٍ» (مرقس ٩: ١) وقصد يسوع بكل ذلك أن بعض الذين كان يكلمهم ينظرون من قبل موتهم ما يحقق لهم أن المسيح أتى وأسس ملكوته على الأرض.
ولعلّ هذه النبوءة لم تتم دفعة بحادث واحد وقد تمت جزئياً في ثلاثة أوقات.
- الأول: وقت تجلّيه. وشاهد ذلك ثلاثة من أولئك القيام.
- الثاني: يوم الخمسين. ففيه أسس ملكوت المسيح علناً بانسكاب الروح القدس وموهبة الألسنة وإنشاء الكنيسة المسيحية وانتصارها على المقاومين وشاهد ذلك كل الرسل من أولئك القيام سوى يهوذا الاسخريوطي.
- الثالث: يوم خراب أورشليم الذي زالت به الهيئة الخارجية للنظام القديم. وشاهد ذلك الخراب يوحنا الرسول وهو أحد أولئك القيام.
التجلي ع ٢٨ إلى ٣٦
٢٨ – ٣٦ «٢٨ وَبَعْدَ هٰذَا ٱلْكَلاَمِ بِنَحْوِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، أَخَذَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ وَصَعِدَ إِلَى جَبَلٍ لِيُصَلِّيَ. ٢٩ وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي صَارَتْ هَيْئَةُ وَجْهِهِ مُتَغَيِّرَةً، وَلِبَاسُهُ مُبْيَضّاً لاَمِعاً. ٣٠ وَإِذَا رَجُلاَنِ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ، وَهُمَا مُوسَى وَإِيلِيَّا، ٣١ ٱَللَّذَانِ ظَهَرَا بِمَجْدٍ، وَتَكَلَّمَا عَنْ خُرُوجِهِ ٱلَّذِي كَانَ عَتِيداً أَنْ يُكَمِّلَـهُ فِي أُورُشَلِيمَ. ٣٢ وَأَمَّا بُطْرُسُ وَٱللَّذَانِ مَعَهُ فَكَانُوا قَدْ تَثَقَّلُوا بِٱلنَّوْمِ. فَلَمَّا ٱسْتَيْقَظُوا رَأَوْا مَجْدَهُ، وَٱلرَّجُلَيْنِ ٱلْوَاقِفَيْنِ مَعَهُ. ٣٣ وَفِيمَا هُمَا يُفَارِقَانِهِ قَالَ بُطْرُسُ لِيَسُوعَ: يَا مُعَلِّمُ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هٰهُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةً، وَلِمُوسَى وَاحِدَةً، وَلِإِيلِيَّا وَاحِدَةً. وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ. ٣٤ وَفِيمَا هُوَ يَقُولُ ذٰلِكَ كَانَتْ سَحَابَةٌ فَظَلَّلَتْهُمْ. فَخَافُوا عِنْدَمَا دَخَلُوا فِي ٱلسَّحَابَةِ. ٣٥ وَصَارَ صَوْتٌ مِنَ ٱلسَّحَابَةِ قَائِلاً: هٰذَا هُوَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ. لَـهُ ٱسْمَعُوا. ٣٦ وَلَمَّا كَانَ ٱلصَّوْتُ وُجِدَ يَسُوعُ وَحْدَهُ، وَأَمَّا هُمْ فَسَكَتُوا وَلَمْ يُخْبِرُوا أَحَداً فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَبْصَرُوهُ»
متّى ١٧: ١ ومرقس ٩: ٢، ٢ بطرس ١: ١٥، دانيال ٨: ١٨ و١٠: ٩، متّى ٣: ١٧، أعمال ٢: ٢٣، متّى ١٧: ٩
قد مرّ الكلام على ذلك في الشرح متّى ١٧: ١ – ٨ ومرقس ٩: ٢ – ٨.
بِنَحْوِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ (ع ٢٨) حسب لوقا اليوم الذي أنبأ المسيح فيه بذلك واليوم الذي جرى فيه. وأما متّى ومرقس فحسبا الأيام الستة التي بين ذينك اليومين.
بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ كان يسوع يعزّ هؤلاء الثلاثة كثيراً وأخذهم معه شهوداً بمجده. فإن شهادة الثلاثة في الشريعة اليهودية تثبت كل حادثة.
جَبَلٍ الأرجح أن هذا الجبل هو حرمون أي جبل الشيخ.
لِيُصَلِّيَ لم يذكر أن هذا علّة صعوده على الجبل إلا لوقا. وكان المسيح يبتدئ كل أعماله العظمى بالصلاة كما فعل يوم اعتماده ووقت انتخابه الرسل وحين تجليه وزمن صلبه.
مُتَغَيِّرَةً (ع ٢٩) أي ممجدة. لم يزل المسيح معروفاً بها كما كان من ذي قبل.
رَجُلاَنِ (ع ٣٠) ذكر متّى ومرقس ظهور موسى وإيليا ولم يذكرا في أي الصور ظهرا لكن لوقا عيّن أنهما ظهرا رجلين.
ظَهَرَا بِمَجْدٍ (ع ٣١) أي بنور وبهاء كالسماويين.
خُرُوجِهِ أي موته وذلك كتعبير بطرس عن موته هو (٢ بطرس ١: ١٥). ذكر متّى ومرقس ان موسى وإيليا تكلما معه ولم يذكرا موضوع الكلام. ولكن لوقا أبان ان ذلك الموضوع هو الموت الذي عزم يسوع أن يموته في أورشليم لأجل خطايا العالم. وإنما كان ذلك سبب إتيانه إلى العالم ليبذل نفسه فدية عن العالم الخاطئ. والذي هو موضوع تأمل القديسين الممجدين في السماء وكلامهم يليق أن يكون موضوع تأمل قديسي المسيح الأحياء على الأرض وكلامهم فإنما هو تعزيتهم في الحياة والوفاة وفرحهم في الأبدية.
يُكَمِّلَـهُ أي يجريه إتماماً للقضاء الإلهي وللنبؤات المتعلقة به ولعمل الفداء.
تَثَقَّلُوا بِٱلنَّوْمِ كان ليل وقد تعب الرسل بالصعود على الجبل. والأرجح أنهم ناموا أكثر مدة المخاطبة واستيقظوا وقد قربت من النهاية فلم يسمعوا سوى قليل منها. وهذا يتبين من قوله فلما «استيقظوا» الخ.
مَجْدَهُ، وَٱلرَّجُلَيْنِ أي مجد المسيح وكان ذلك المجد عظيماً حتى لم ينتبه الرسل الثلاثة لمجد موسى وإيليا. وقد سبق الكلام على غاية التجلي في الشرح (متّى ١٧: ٨).
فَسَكَتُوا (ع ٣٦) أتوا ذلك إطاعة لأمر المسيح (متّى ١٧: ٩) والأرجح أنهم ظلوا ساكتين إلى بعد القيامة. ولم يذكر لوقا في بشارته سؤال الرسل عن مجيء إيليا قبل مجيء المسيح المنتظر كما كان يتوقع اليهود فلم يكن من حاجة إلى أن يبين لهم أن النبؤة بسبق إيليا قد تمت بمجيء يوحنا المعمدان.
شفاء الولد المجنون ع ٣٧ إلى ٤٣
٣٧ – ٤٣ «٣٧ وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلتَّالِي إِذْ نَزَلُوا مِنَ ٱلْجَبَلِ، ٱسْتَقْبَلَـهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ. ٣٨ وَإِذَا رَجُلٌ مِنَ ٱلْجَمْعِ صَرَخَ: يَا مُعَلِّمُ، أَطْلُبُ إِلَيْكَ. اُنْظُرْ إِلَى ٱبْنِي، فَإِنَّهُ وَحِيدٌ لِي. ٣٩ وَهَا رُوحٌ يَأْخُذُهُ فَيَصْرُخُ بَغْتَةً، فَيَصْرَعُهُ مُزْبِداً، وَبِٱلْجَهْدِ يُفَارِقُهُ مُرَضِّضاً إِيَّاهُ. ٤٠ وَطَلَبْتُ مِنْ تَلاَمِيذِكَ أَنْ يُخْرِجُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا. ٤١ فَأَجَابَ يَسُوعُ: أَيُّهَا ٱلْجِيلُ غَيْرُ ٱلْمُؤْمِنِ وَٱلْمُلْتَوِي، إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ وَأَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمِ ٱبْنَكَ إِلَى هُنَا. ٤٢ وَبَيْنَمَا هُوَ آتٍ مَزَّقَهُ ٱلشَّيْطَانُ وَصَرَعَهُ، فَٱنْتَهَرَ يَسُوعُ ٱلرُّوحَ ٱلنَّجِسَ، وَشَفَى ٱلصَّبِيَّ وَسَلَّمَهُ إِلَى أَبِيهِ. ٤٣ فَبُهِتَ ٱلْجَمِيعُ مِنْ عَظَمَةِ ٱللّٰهِ. وَإِذْ كَانَ ٱلْجَمِيعُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلَ يَسُوعُ، قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ».
متّى ١٧: ١٤ ومرقس ٩: ١٤ و١٧
انظر الشرح متّى ١٧: ١٤ – ٢١ ومرقس ٩: ١٤ – ٢٩ ونبأ مرقس بهذا واف أكثر من غيره.
فِي ٱلْيَوْمِ ٱلتَّالِي (ع ٣٧) تقضّى عليهم الليل وهم على الجبل ورجعوا صباحاً إلى قيصرية فيلبي حيث بقي الرسل التسعة.
فَإِنَّهُ وَحِيدٌ لِي (ع ٣٨) لم يذكر هذا إلا لوقا وهذا مما زاد حزن أبيه بمصابه.
مِنْ عَظَمَةِ ٱللّٰهِ يريد ظهور تلك العظمة في شفاء المجنون فذلك كتعجب الناس اليوم بقولهم «سبحان الله» وأكثر الذين بهتوا من الجمع الكثير الذي كان هنالك (ع ٣٧).
إنباء يسوع بموته ثانية ع ٤٤ و٤٥
٤٤، ٤٥ «٤٤ ضَعُوا أَنْتُمْ هٰذَا ٱلْكَلاَمَ فِي آذَانِكُمْ: إِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي ٱلنَّاسِ». ٤٥ وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا هٰذَا ٱلْقَوْلَ، وَكَانَ مُخْفىً عَنْهُمْ لِكَيْ لاَ يَفْهَمُوهُ، وَخَافُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْ هٰذَا ٱلْقَوْلِ».
متّى ١٧: ٢٢، مرقس ٩: ٣٢ وص ٢: ٥٠ و١٨: ٣٤
كان يجب أن يكون أول هذا الفصل بعد العدد الثالث والأربعين لأن أول ذلك العدد يتعلق بحادث قيصرية فيلبس وباقيه بالخطاب بين المسيح وتلاميذه وهم على الطريق من تلك المدينة إلى كفرناحوم كما يظهر من بشارة مرقس (مرقس ٩: ٣٠ و٣١).
سبق الكلام على هذا في الشرح (متّى ١٧: ٢٢ و٢٣ ومرقس ٣٠ – ٣٢). ولعلّ تعجب الجمع من عمل المسيح وتمجيدهم إياه جعلا التلاميذ يتوقعون إتيان ملكوت المسيح بالقوة حالاً وينسون ما أنبأهم به سابقاً من آلامه وموته ولذلك أنبأهم به ثانية.
هٰذَا ٱلْكَلاَمَ (ع ٤٤) أي ما تفوه به على توالي الأوقات في شأن اتضاعه حتى الموت قبل أن يملك.
فَلَمْ يَفْهَمُوا (ع ٤٥) لعلهم ظنوا لكلامه معنى سرياً وأنه لم يرد ظاهره لأن الظاهر يخالف كل آراء الأمة اليهودية في شأن المسيح ملك اليهود.
وَكَانَ مُخْفىً عَنْهُمْ كان علّة إخفائه آراءهم السابقة في حقيقة ملك المسيح وإباءهم تصديق ما يخالف مشتهياتهم.
وَخَافُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ علّة ذلك أنهم لم يستطيعوا سؤاله ما لم يظهروا عدم رضاهم به وقد سمعوا توبيخ المسيح لبطرس عندما أظهر مثل ما في قلوبهم.
توبيخ المسيح تلاميذه على حب الرئاسة وتعليمه إياهم التواضع ع ٤٦ إلى ٤٨
٤٦ – ٤٨ «٤٦ وَدَاخَلَـهُمْ فِكْرٌ: مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ فِيهِمْ؟ ٤٧ فَعَلِمَ يَسُوعُ فِكْرَ قَلْبِهِمْ، وَأَخَذَ وَلَداً وَأَقَامَهُ عِنْدَهُ، ٤٨ وَقَالَ لَـهُمْ: مَنْ قَبِلَ هٰذَا ٱلْوَلَدَ بِٱسْمِي يَقْبَلُنِي، وَمَنْ قَبِلَنِي يَقْبَلُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي، لأَنَّ ٱلأَصْغَرَ فِيكُمْ جَمِيعاً هُوَ يَكُونُ عَظِيماً»
متّى ١٨: ١ ومرقس ٩: ٣٤، متّى ١٠: ٤٠ و١٨: ٥ ومرقس ٩: ٣٧ ويوحنا ١٢: ٤٤ و١٣: ٢٠، متّى ٢٣: ١١ و١٢
انظر الشرح متّى ١٨: ١ – ٥ ومرقس ٩: ٣٣ – ٣٧.
حدثت المشاجرة هنا بين التلاميذ وهم سائرون في الطريق ولم يلتفت يسوع إلى ذلك إلا بعد وصولهم إلى كفرناحوم (مرقس ٩: ٣٣ و٣٤).
عَلِمَ يَسُوعُ الظاهر أنهم كانوا بعيدين حين المشاجرة عن يسوع فسألهم في كفرناحوم عن موضوع مشاجرتهم فاستحوا أن يخبروه (مرقس ٩: ٣٣ و٣٤). فينتج أنه علم بقوته الإلهية أفكار قلوبهم أي محبتهم للذات والرئاسة والسلطان والشرف التي كانت علّة تلك المشاجرة. ولنا من كلام المسيح هنا ووضعه الولد مثلاً لتلاميذه دليل قاطع على مساواة الرسل ومساواة كل من يرسله المسيح للتبشير في المقام وإن كان أحدهم أعظم لذلك نتيجة تواضعه وإنكاره لذاته.
غيرة يوحنا ع ٤٩ و٥٠
٤٩، ٥٠ «٤٩ فَقَالَ يُوحَنَّا: يَا مُعَلِّمُ، رَأَيْنَا وَاحِداً يُخْرِجُ ٱلشَّيَاطِينَ بِٱسْمِكَ فَمَنَعْنَاهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ يَتْبَعُ مَعَنَا. ٥٠ فَقَالَ لَـهُ يَسُوعُ: لاَ تَمْنَعُوهُ، لأَنَّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْنَا فَهُوَ مَعَنَا».
عدد ١١: ٢٨ الخ ومرقس ٩: ٣٨، متّى ١٢: ٣٠ وص ١١: ٢٣
سبق الكلام على ذلك في الشرح مرقس ٩: ٣٨ و٣٩.
يظهر من كلام يوحنا هنا أنه ظن مراد المسيح أن الرسل الاثني عشر مستثنون مما قال في مساواة تلاميذه وأن لهم حقوقاً خاصة وسلطاناً سامياً وذكر للمسيح فعلاً أتاه هو يستدل منه دعواه أنه أدرك أنه يكون للاثني عشر تلك الحقوق. وعلى ذلك يكون قد ذكر ما فعله مدحاً لنفسه. أو لعله شعر من إقامة الولد الصغير في وسطهم مثلاً للتواضع بشيء من التوبيخ له على منعه الإنسان الذي كان يخرج الشياطين باسم المسيح فسأل المسيح ليعلم أأخطأ أم أصاب بذلك.
ذهاب المسيح الأخير من الجليل ع ٥١ إلى ٥٦ (سنة ٢٩ ب. م)
٥١ «وَحِينَ تَمَّتِ ٱلأَيَّامُ لارْتِفَاعِهِ ثَبَّتَ وَجْهَهُ لِيَنْطَلِقَ إِلَى أُورُشَلِيمَ».
مرقس ١٦: ١٩ وأعمال ١: ٣ و١١
في هذا العدد نهاية خدمة المسيح في الجليل وذكر حوادث آخر حياته على الأرض. وكان تركه الجليل وقتئذ بداءة صعوده إلى أورشليم لكي يموت ولكنه لم يذهب إلى هنالك على خط مستقيم بل دار في بيرية (Perea) شرقي الأردن وتقضت عليه عدة أشهر هنالك (ص ١٠: ١ و١٣: ٢٢ و٣١ و١٧: ١١ و١٨: ٣١).
امتازت بشارة لوقا عن بشارتي متّى ومرقس بأنها اشتملت على تفصيل أعمال المسيح في مدة جولاته في بيرية (Perea) وأما متّى ومرقس فاقتصروا على مجرد ذكر ذهابه إليها (متّى ١٩: ١ ومرقس ١٠: ١ – ٣١ ويوحنا ٧: ٢ و١٤).
وهذا العدد مقدمة عشرة أصحاحات من هذه البشارة وهي من ع ٥١ من هذا الأصحاح إلى ع ٢٨ من ص ١٩. وتشتمل على حوادث صعود المسيح الأخير إلى أورشليم.
حِينَ تَمَّتِ ٱلأَيَّامُ أي قربت من النهاية لأنها أيام السنة الأخيرة من حياة المسيح على الأرض.
لارْتِفَاعِهِ أشار بهذه الكلمة عن موته وقيامته وصعوده. فتكون بقية بشارة لوقا تاريخ سفر المسيح ليموت ويمجد.
ثَبَّتَ وَجْهَهُ الخ أي عزم عزماً ثابتاً أن يذهب إلى أورشليم مع أن فيها أشد أعدائه ولم يكن الذهاب إليها إلا ذهاباً إلى الآلام والموت. ولعله ظهرت على وجهه إمارات ذلك العزم.
٥٢ «وَأَرْسَلَ أَمَامَ وَجْهِهِ رُسُلاً، فَذَهَبُوا وَدَخَلُوا قَرْيَةً لِلسَّامِرِيِّينَ حَتَّى يُعِدُّوا لَـهُ».
وَأَرْسَلَ… رُسُلاً كان أول حادث من حوادث سفره من الجليل مروره بالسامرة وغاية إرساله الرسل إعداد الحاجات الجسدية من مأوى وطعام للمسيح وأصحابه. ولعله قصد أيضاً أن ينبئ الرسل بمجيئه إليهم مسيحاً لأنه لم يخفِ دعواه هنالك كما فعل في اليهودية (يوحنا ٤: ٢٦).
لِلسَّامِرِيِّينَ سبق الكلام على السامريين في الشرح متّى ١٠: ٥ و٦ وذُكرت أسباب الخلاف بينهم وبين اليهود في سفر الملوك الثاني (ص ١٧) وعزرا (ص ٤).
٥٣ «فَلَمْ يَقْبَلُوهُ لأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مُتَّجِهاً نَحْوَ أُورُشَلِيمَ».
يوحنا ٤: ٤ و٩
فَلَمْ يَقْبَلُوهُ أي لم يسمحوا له بمأوى وطعام. والأرجح أنها أبانوا عدم قبولهم إياه بواسطة الرسل.
لأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مُتَّجِهاً الخ كانت عداوة السامريين لليهود دائمة لكنها كانت تشتد كلما مرّ اليهود في السامرة وهم صاعدون إلى أورشليم ليحضروا الأعياد هنالك ويكرموا الهيكل والعبادة فيه مع أن السامريين اعتبروا جبل جرزيم فوق مدينة السامرة موضع العبادة الحقيقية. فإذاً لم يرفض السامريون المسيح كراهة لشخصه أو تعليمه بل لكونه أحد الأمة التي كانوا يكرهونها. وقد صعد للعيد في أورشليم لأنه كان حينئذ وقت عيد المظال (يوحنا ٧: ١٤).
وزار المسيح السامرة قبل ذلك بسنتين ورحب السامريون به لكنه لم يكن يومئذ متوجهاً إلى أورشليم كما هنا ولم يكن معه حيئنذ سوى قليلين من تلاميذه (يوحنا ٤: ٤٠) لكن هنا كان معه جماعة كثيرة متوجهة إلى الهيكل.
ولعلّ السامريين سمعوا دعوى يسوع أنه المسيح ولو حكم بأن جرزيم موضع العبادة الحقيقي لرحبوا به لكن لما رأوه حكم (بتوجهه إلى أورشليم للعبادة) عليهم ولليهود رفضوا أنه المسيح وأبوا قبوله ضيفاً.
وكان من غريب التنازل أن يرضى ملك السماء أن يكون ضيفاً في أفخر قصور الملوك فكم يكون تنازله واتضاعه برضاه أن يكون ضيفاً في بيت قرية سامرية حقيرة رفض أهلها أن يبيت ضيفاً عندهم ليلة واحدة.
٥٤ «فَلَمَّا رَأَى ذٰلِكَ تِلْمِيذَاهُ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا، قَالاَ: يَا رَبُّ، أَتُرِيدُ أَنْ نَقُولَ أَنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَتُفْنِيَهُمْ، كَمَا فَعَلَ إِيلِيَّا أَيْضاً؟».
٢ملوك ١: ١٠ و١٢
رَأَى ذٰلِكَ تِلْمِيذَاهُ أي علما ممن أرسلهم المسيح أو مما شاهداه من إمارات العداوة التي أظهرها أهل القرية حين قربا منها.
أَتُرِيدُ أَنْ نَقُولَ الخ رأيا أن معلمهما أُهين بتلك المعاملة فحملتهما محبتهما له إرادة قصاص أهل تلك القرية فاعتبروا أن عقاب إيليا لرسل الملك أخزيا كان عدلاً (٢ملوك ١: ١٢ – ١٤) فأرادا أن يقتديا به في الانتقام.
٥٥ «فَٱلْتَفَتَ وَٱنْتَهَرَهُمَا وَقَالَ: لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا!».
فَٱلْتَفَتَ وَٱنْتَهَرَهُمَا لم يسر المسيح بغيظ التلميذين وإن كانت علته جيدة وهي محبتهما له فإنه وإن لم يستحسن عبادة السامريين ولا رفضهم إياه لم يرض إضرار أجسادهم ولا الانتقام منهم. وقد أوضح بذلك الانتهار تحريم الاضطهاد الديني أبداً.
لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا ظن التلميذان ما أتياه هو من محبتهما للمسيح وغيرتهما لمجده لكن المسيح حكم أنه من باب القسوة والانتقام طلبهما خراب قرية لقلة أدب أهلها في شأن الضيافة. فنسيا أنه يجب على التلميذ أن يكون كمعلمه ويظهر ما أظهره من اللطف والحلم والعفو والمحبة ونسيا قوله «لا تقاوموا الشر الخ» (متّى ٥: ٣٩ – ٤٤).
ونتعلّم من قول المسيح هنا أن الميل إلى القسوة والانتقام مضاد لروح الدين المسيحي وأنه يمكن أن يشغل الإنسان وقتاً طويلاً في مدرسة المسيح ولا يتعلّم أن يعرف نفسه. فيظن رذائله فضائل فإذا غلط تلميذان من تلاميذ المسيح الاثني عشر هكذا فكم يكون سائر الناس عرضة لمثل ذلك الغلط. وأنه يجب على من يخدمون المسيح وإنجيله بين أعداء الحق أن يمتحنوا أنفسهم لئلا يدخل قلوبهم من جهة خصومهم ما لا يرضي المسيح ويحسبوا أن اجتهادهم في الظفر بمقاومتهم غيرة للرب كما فعل ياهو (٢ملوك ١٠: ١٦).
ومما يستحق الاعتبار هنا أن أحد ذينك التلميذين وهو يوحنا رجع إلى السامرة بعد مدة وأظهر روحاً خلاف ذلك الروح إذ قصد أن يمنح السامريين البركات الروحية (أعمال ٨: ٢٥).
٥٦ «لأَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ ٱلنَّاسِ، بَلْ لِيُخَلِّصَ. فَمَضَوْا إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى».
يوحنا ٣: ١٧ و١٢: ٤٧
لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ… بَلْ لِيُخَلِّصَ هذا وفق ما قيل في بشارة متّى (متّى ١٨: ١١) وبشارة يوحنا (يوحنا ٣: ٧ و٥: ٤٥). فلو أجاب المسيح ابني زبدي على طلبهما لناقض ما قاله في غاية مجيئه إلى العالم. فلا يجوز لتلاميذ المسيح أن يرغبوا في هلاك الذين أتى المسيح ليخلّصهم. فوظيفة المسيح غير وظيفة إيليا فإن الله أرسل إيليا ليجري قضاءه على عشرة أسباط إسرائيل عقاباً لهم على تركهم عبادته تعالى والتمسك بعبادة بعل. ولأن المسيح أتى للخلاص لا للانتقام وجب أن يظهر كل تلاميذه ما أظهره هو من الصبر والاحتمال والوداعة والمغفرة والشفقة والرغبة في خلاص الناس.
فَمَضَوْا إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى هذا وفق أمره لتلاميذه في مثل هذا الحال (متّى ١٠: ١٤ و٢٣). ولم يذكر لوقا أللسامريين كانت تلك القرية الأخرى أم لليهود. والأرجح أنها يهودية لأن علّة رفضهم من إحدى قرى السامرة تكون علّة رفضهم من سائر قراها. ولا نستطيع أن نتحقق إلى أين سافر المسيح وقتئذ فظن البعض أنه عدل عن المرور بالسامرة وعبر الأردن إلى بيرية. وذهب أكثر المفسرين أنه ذهب رأساً إلى أورشليم وحضر عيد المظال (يوحنا ٧: ١٠) وكان ذلك العيد في تشرين الأول وأنه رجع حالاً من هنالك إلى الجليل لا للتعليم بل ليسير إلى بيرية. وذهب آخرون أنه بقي في أورشليم ثلاثة أشهر وذلك من عيد المظال إلى عيد التجديد (يوحنا ١٠: ٢٢ و٤٠) وأنه ذهب بعد ذلك إلى بيرية أي عبر الأردن.
طلب ثلاثة أن يتبعوا المسيح وجوابه لكل منهم ع ٥٧ إلى ٦٢
٥٧، ٥٨ «وَفِيمَا هُمْ سَائِرُونَ فِي ٱلطَّرِيقِ قَالَ لَـهُ وَاحِدٌ: يَا سَيِّدُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي. ٥٨ فَقَالَ لَـهُ يَسُوعُ: لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ ٱلسَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَـهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ».
متّى ٨: ١٩
لم يتحقق أفي أزمنتها ذُكرت الحوادث من هذا العدد إلى العدد ٦٢ أم في غير أزمنتها والأرجح أنها في غيرها لأن لوقا لم يلتفت إلى أزمنة الحوادث كما التفت إليها متّى.
قَالَ لَـهُ وَاحِدٌ الخ هو كاتب (انظر الشرح متّى ٨: ١٨ – ٢٠).
قَالَ لَـهُ يَسُوعُ الخ أمره يسوع في هذا الجواب أن ينظر في الأسباب التي حملته على طلبه اتباعه فأبان له أنه إذا كانت غايته دنيوية لم يحصل عليها بذلك الاتباع.
٥٩ – ٦٠ «٥٩ وَقَالَ لآخَرَ: ٱتْبَعْنِي. فَقَالَ: يَا سَيِّدُ، ٱئْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي. ٦٠ فَقَالَ لَـهُ يَسُوعُ: دَعِ ٱلْمَوْتٰى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ فَٱذْهَبْ وَنَادِ بِمَلَكُوتِ ٱللّٰه».
متّى ٨: ٢١
لآخَرَ هو أحد التلاميذ أي المعترفين بأن يسوع نبي (انظر الشرح متّى ٨: ٢١ و٢٢). ويظهر من قول متّى أنه سأل المسيح من تلقاء نفسه. ولوقا هنا يقول أن المسيح دعاه ولكن هذا لا يمنع أنه سأل المسيح فأجابه بقوله اتبعني وأمره في هذا الجواب أن يختار أفضل الأمرين وهما الدعوة الطبيعية والدعوة الإلهية.
وَنَادِ لم يذكر هذا الأمر غير لوقا.
٦١، ٦٢ «٦١ وَقَالَ آخَرُ أَيْضاً: أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلٰكِنِ ٱئْذَنْ لِي أَوَّلاً أَنْ أُوَدِّعَ ٱلَّذِينَ فِي بَيْتِي. ٦٢ فَقَالَ لَـهُ يَسُوعُ: لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى ٱلْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى ٱلْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ».
١ملوك ١٩: ٢٠
وَقَالَ آخَرُ لم يذكر نبأ هذا الآخر أحد من البشيرين غير لوقا.
ٱئْذَنْ لِي أَوَّلاً الخ هذا الرجل قدّم نفسه تلميذاً ليسوع كالأول لكنه توقف كالثاني بين ما يجب عليه للمسيح وما يجب عليه لأهل بيته. والظاهر ان ما طلبه من المسيح وفق الطبع البشري وغير مخالف لشيء من الواجبات الدينية ولكن نستنتج من جواب المسيح إما أنه رأى ذلك ولم يعزم العزم على اتباعه فامتحنه كما امتحن الشاب الغني بأمره إياه بأن يبيع كل ما له ويوزعه على الفقراء (متّى ١٩: ٢١) وإما أنه علم أن أصحابه يبذلون ما في وسعهم في تغيير مقاصده ويدركون مرادهم فمنعه من الذهاب إلى بيته. وضرب له مثل الفلاح الذي لم ينجح لجريه على غير سنن الواجبات فإنه من واجبات الفلاح أن ينظر وهو يحرث إلى تلمه ليكون مستقيماً عميقاً كما يلزم ولكن ذلك الفلاح التفت إلى ما يشغل باله من الوراء فلم يحسن عمله لأن يديه كانتا في العمل وأفكاره في موضع آخر ومثل هذا لا يحسن أن يحرث حقلاً.
يَنْظُرُ إِلَى ٱلْوَرَاءِ هذا كناية عن عدم الانتباه للعمل وتفضيل شيء آخر عليه.
وغاية المسيح من هذا المثل حمل الإنسان الذي طلب أن يتبعه على أن يمتحن نفسه وينظر في قصده من ذلك وأن يحثه أن يعزم كل العزم على ترك كل شيء لأجل ملكوت الله. فكأنه قال له لا يقدر أحد أن يخدم سيدين (متّى ٦: ٢٤).
لَيْس…َ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ أي لا يصلح أن يكون شريكاً للمسيح ورسله والشهداء في بناء الملكوت الجديد الذي ابتدأ يسوع يؤسسه. فالذي يهتم بهموم هذه الدنيا أو يخاف من الاضطهاد أو خسران المال لا يستطيع أن يتبع المسيح كما يجب لأن المسيح لا يقبل من قلبه منقسم بين الله والعالم تلميذاً. فالنظر إلى الوراء في الروحيات ليس سوى استعداد للرجوع أي العود إلى العالميات. ومثل من لا يصلح للملكوت السماوي امرأة لوط (تكوين ١٩: ٢٦). ومثل من يصلح لذلك إبراهيم الذي ترك وطنه وبيت أبيه طوعاً لأمر الله (تكوين ١٢: ٤ قابل بذلك ٢بطرس ٢: ٢١ و٢٢).
وفي هذه الحوادث الثلاث من ع ٥٧ – ٦٢ ثلاثة موانع من اتباع المسيح. الأول حب الربح الدنيوي. والثاني الحزن. والثالث المحبة العائلية. لكن الثاني والثالث لم يكونا مانعين إلا لأنهما وُضعا في المقام الأول ووضع اتباع المسيح في المقام الثاني. وتبين لنا أن الشخص الأول من الطلبة الثالثة كان عجولاً يفعل حالاً غير ناظر إلى العاقبة وأن الثاني كان متباطئاً أي متوانياً عن الأخذ في ما عزم عليه وأن الثالث كان متردداً أي لم يعتمد أحد الأمرين فكان مضمون ما قاله المسيح للأول أن أحسب ما يكلفك اتباعي ثم اعتمد. ومضمون قوله للثاني أن لا عذر للمتواني. ومضمون قوله للثالث أن اختر ما شئت في الحال واعزم عليه كل العزم.
السابق |
التالي |