إنجيل لوقا | 05 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح إنجيل لوقا
للدكتور . وليم إدي
الأصحاح الخامس
معجزة صيد السمك ودعوة الصيادين ع ١ إلى ١١
١ «وَإِذْ كَانَ ٱلْجَمْعُ يَزْدَحِمُ عَلَيْهِ لِيَسْمَعَ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ، كَانَ وَاقِفاً عِنْدَ بُحَيْرَةِ جَنِّيسَارَتَ».
متّى ٤: ١٨ ومرقس ١: ١٦
ٱلْجَمْعُ يَزْدَحِمُ عَلَيْهِ هذا إحدى الحوادث التي وقعت بعدما طُرد المسيح من الناصرة وأتى إلى كفرناحوم وذاع صيته بما صنع من المعجزات.
٢ «فَرَأَى سَفِينَتَيْنِ وَاقِفَتَيْنِ عِنْدَ ٱلْبُحَيْرَةِ، وَٱلصَّيَّادُونَ قَدْ خَرَجُوا مِنْهُمَا وَغَسَلُوا ٱلشِّبَاكَ».
سبق الكلام على دعوة يسوع الرسل الأربعة في هذا الفصل في بشارة متّى ٤: ١٨ – ٢٢. وفي بشارة مرقس ١: ١٦ – ٢٠. ولا فرق بين الروايات إلا أن لوقا ذكر تلك الدعوة بعد شفاء يسوع المرضى في كفرناحوم وأما متّى ومرقس فذكراها قبل ذلك وخبر لوقا أطول من خبر كل منهما.
كَلِمَةَ ٱللّٰهِ أي بيان معنى ما أعلنه الله سابقاً وما أضافه المسيح من التعاليم الجديدة باعتبار أنه نبي الله.
عِنْدَ بُحَيْرَةِ جَنِّيسَارَتَ واسمها أيضاً بحر طبرية وبحر الجليل. وطلب المسيح الانفراد عن الجموع الذين زحموه في المدن بسيره على شاطئ البحيرة ولكنهم تبعوه بكثرة.
سَفِينَتَيْنِ كانت إحداهما لبطرس وأندراوس والأخرى لابني زبدي.
وَغَسَلُوا ٱلشِّبَاكَ أي نقوها مما تعلق بها من الأعشاب والطين والحصى وما شاكل ذلك من سحبها على قعر البحيرة في مدة الليلة البارحة. والظاهر مما قال متّى ومرقس أن بعض الشباك تمزق فأصلحوه.
٣ «فَدَخَلَ إِحْدَى ٱلسَّفِينَتَيْنِ ٱلَّتِي كَانَتْ لِسِمْعَانَ، وَسَأَلَـهُ أَنْ يُبْعِدَ قَلِيلاً عَنِ ٱلْبَرِّ. ثُمَّ جَلَسَ وَصَارَ يُعَلِّمُ ٱلْجُمُوعَ مِنَ ٱلسَّفِينَةِ».
دخل يسوع سفينة سمعان بطرس لأنه عرفه سابقاً على شاطئ الأردن (يوحنا ١: ٤٢). ويحتمل أنه كان يرافقه أحياناً ليستفيد منه معرفة لكنه إلى ذلك الوقت لم يكن قد ترك كل شيء وتبعه. فكان يسوع ضيف سمعان في كفرناحوم (ص ٤: ٣٨).
٤ «وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ ٱلْكَلاَمِ قَالَ لِسِمْعَانَ: ٱبْعُدْ إِلَى ٱلْعُمْقِ وَأَلْقَوْا شِبَاكَكُمْ لِلصَّيْدِ».
يوحنا ٢١: ٦
هذه المعجزة لم يذكرها متّى ومرقس واكتفيا بذكر دخول يسوع إلى سفينة خاطب الشعب منها.
إِلَى ٱلْعُمْقِ كانوا قرب الشاطئ حيث الماء رقيق فلا يجتمع السمك فيه بكثرة.
٥ «فَأَجَابَ سِمْعَانُ: يَا مُعَلِّمُ، قَدْ تَعِبْنَا ٱللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئاً. وَلٰكِنْ عَلَى كَلِمَتِكَ أُلْقِي ٱلشَّبَكَةَ».
تَعِبْنَا ٱللَّيْلَ كُلَّهُ أشار بذلك إلى أن أنسب أوقات الصيد المعتادة هو الليل (ونستنتج هذا أيضاً من بشارة يوحنا ٢١: ٣ و٤). وذكر بطرس أنهم تعبوا كثيراً وأن تعبهم كان عبثاً وأظهر أنه قلما يرجو نجاحاً من الصيد وقتئذ لما اختبروه من عوائد السمك لكنه مع ذلك مستعد لإطاعة أمر الرب وإن كان في ذلك تعب.
٦ «وَلَمَّا فَعَلُوا ذٰلِكَ أَمْسَكُوا سَمَكاً كَثِيراً جِدّاً، فَصَارَتْ شَبَكَتُهُمْ تَتَخَرَّقُ».
وَلَمَّا فَعَلُوا أي حالما أطاعوا كانت تلك النتيجة الغريبة.
سَمَكاً كَثِيراً جِدّاً المعجزة هنا كثرة السمك المصيد وإتيان الأسماك جماعات كثيرة إلى الشبكة وكان ذلك على أثر بذل كل جهدهم في الصيد عبثاً. وهذا برهان على أنّ سمك البحر كان خاضعاً ليسوع المسيح فتم بالمسيح آدم الثاني قوله تعالى بلسان داود النبي «تُسَلِّطُهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. وَطُيُورَ ٱلسَّمَاءِ، وَسَمَكَ ٱلْبَحْرِ ٱلسَّالِكَ فِي سُبُلِ ٱلْمِيَاهِ» (مزمور ٨: ٦ و٨).
تَتَخَرَّقُ أي كادت تتمزق أو تتقطع بعض عيونها الدقيقة الخيوط لكن لا إلى حد يمكن السمك عنده أن يفلت منها.
٧ «فَأَشَارُوا إِلَى شُرَكَائِهِمِ ٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّفِينَةِ ٱلأُخْرَى أَنْ يَأْتُوا وَيُسَاعِدُوهُمْ. فَأَتَوْا وَمَلأُوا ٱلسَّفِينَتَيْنِ حَتَّى أَخَذَتَا فِي ٱلْغَرَقِ».
إِلَى شُرَكَائِهِمِ أي ابني زبدي ومن معهما (ع ١٠). وهذان صارا بعد ذلك شريكي سمعان وأندراوس في عمل أعظم وهو صيد النفوس.
فِي ٱلسَّفِينَةِ ٱلأُخْرَى يظهر من هذا أنهم فرغوا من غسل الشباك وإصلاحها ودخلوا السفينة. والظاهر أن مسافة ما بين السفينتين كانت قصيرة أمكن من في الواحدة أن يروا إشارات من في الأخرى.
أَخَذَتَا فِي ٱلْغَرَقِ أي قربتا من الغرق حتى أنهم لو زادوا على كل منهما ثقلاً قليلاً لغرقت.
٨ «فَلَمَّا رَأَى سِمْعَانُ بُطْرُسُ ذٰلِكَ خَرَّ عِنْدَ رُكْبَتَيْ يَسُوعَ قَائِلاً: ٱخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَا رَبُّ، لأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ».
٢صموئيل ٦: ٩ و١ملوك ١٧: ١٨
كان أول تأثير المعجزة في بطرس أنه شعر بعدم استحقاقه أن يقترب ممن أظهر بفعله أنه ذو قوة إلهية. وكان مثل هذا شعور إشعياء النبي عندما رأى رؤيا في الهيكل فقال «وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ ٱلشَّفَتَيْنِ… لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا ٱلْمَلِكَ رَبَّ ٱلْجُنُودِ» (إشعياء ٦: ٥). ومثله شعور أيوب الذي أبانه بقوله «ٱلآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. لِذٰلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي ٱلتُّرَابِ وَٱلرَّمَادِ» (أيوب ٤٢: ٥ و٦) (انظر أيضاً خروج ٢٠: ١٨ و١٩ وقضاة ١٣: ٢٢ و١ملوك ١٧: ١٨ ودانيال ١٠: ١٧). فلا ريب أن بطرس كان قد تأثر قبلاً من شفاء حماته في كفرناحوم ومن وعظ المسيح في السفينة وتأكد من معجزة السمك أن المسيح ليس مجرد إنسان.
ٱخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي ظاهر هذا الكلام ليس مراد بطرس الحقيقي فإنه لم يرد أن يظهر به إلا عدم استحقاقه لاقتراب المسيح منه. فهو كمعنى قول قائد العسكر ليسوع «يا سيد لست مستحقاً إن تدخل تحت سقفي». وكل إنسان يشعر طبعاً بخطاياه وعدم استحقاقه عند قرب الرب منه وإظهار قدرته. وأتى المسيح إلينا في الأرض لكي يجعلنا أهلاً للاقتراب إليه ويأحذنا إليه في السماء.
٩ «إِذِ ٱعْتَرَتْهُ وَجمِيعَ ٱلَّذِينَ مَعَهُ دَهْشَةٌ عَلَى صَيْدِ ٱلسَّمَكِ ٱلَّذِي أَخَذُوهُ».
ذُكر هنا سجود بطرس ليسوع واعترافه بأنه خاطئ بدلاً من أن يفرح بكثرة ما صادروا وبالربح منه.
وَجمِيعَ ٱلَّذِينَ مَعَهُ الأرجح أنهم أخوه أندراوس والخدام في سفينته (متّى ٤: ٨ ومرقس ١: ١٦).
١٠ «وَكَذٰلِكَ أَيْضاً يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ٱبْنَا زَبْدِي ٱللَّذَانِ كَانَا شَرِيكَيْ سِمْعَانَ. فَقَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ: لاَ تَخَفْ! مِنَ ٱلآنَ تَكُونُ تَصْطَادُ ٱلنَّاسَ!».
متّى ٤: ١٩ ومرقس ١: ١٧
كان تأثير المعجزة في صيادي سفينة زبدي كما كان في صيادي سفينة سمعان.
لاَ تَخَفْ اعتقد اليهود أنه لا أحد يرى الله ويعيش (انظر الشرح لوقا ١: ١٢) فسكّن المسيح خوف بطرس أول كل شيء.
تَصْطَادُ ٱلنَّاسَ أي تنادي بالإنجيل لكي تجذب الناس إلى معرفة الحق وقبولهم إياه لخلاص نفوسهم. وهذه دعوة لبطرس ليكون مع المسيح دائماً وأن يكون رسولاً له. ولم يكن قبل ذلك سوى تلميذ (انظر الشرح متّى ٤: ٢٠). والأرجح أنه دعا حيئنذ يوحنا ويعقوب أيضاً (متّى ٤: ٢١).
وقد مرّ الكلام على وجه الشبه بين صياد السمك والمبشر بالإنجيل في شرح إنجيل متّى (متّى ٤: ١٨) وفي شرح بشارة مرقس (مرقس ١: ١٦).
١١ «وَلَمَّا جَاءُوا بِٱلسَّفِينَتَيْنِ إِلَى ٱلْبَرِّ تَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعُوهُ».
متّى ٤: ٢٠ و١٩: ٢٧ ومرقس ١: ١٨ و١٨: ٢٨
معنى ذلك أنهم لم يجعلوا صيد السمك مهنتهم بعد ذلك. وهذا لا يمنع أنهم كانوا يصيدون أحياناً (يوحنا ٢١: ١). وأظهر هؤلاء الصيادون محبتهم للمسيح وإنكار ذواتهم لأجله بترك شباكهم وسفنهم. وكان ذلك بمثابة ترك الأغنياء والملوك قصورهم وعروشهم وأملاكهم الواسعة. ويطلب المسيح من تلاميذه الآن الاستعداد لمثل ذلك أي لترك كل شيء لأجله وحسبان كل خسارة من أجله ربحاً ومحبته فوق كل الأهل والأصدقاء والمقتنيات.
وقد رأينا في ما مرّ أربع علامات على أن بطرس تلميذ حقيقي. الأولى إصغاؤه إلى تعليم المسيح. والثانية طاعته لأمره. والثالثة تصديقه ما قال. والرابعة اتباعه إياه عندما ناداه.
شفاء الأبرص ع ١٢ إلى ١٦
١٢، ١٣ «١٢ وَكَانَ فِي إِحْدَى ٱلْمُدُنِ. فَإِذَا رَجُلٌ مَمْلُوءٌ بَرَصاً. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ، إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي. ١٣ فَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ قَائِلاً: أُرِيدُ فَٱطْهُرْ. وَلِلْوَقْتِ ذَهَبَ عَنْهُ ٱلْبَرَصُ».
متّى ٨: ٢ ومرقس ١: ٤
سبق الكلام على هذه المعجزة في شرح إنجيل متّى (متّى ٨: ٢ – ٤). وذكر متّى هذه المعجزة على أثر الوعظ على الجبل ولم يذكر مرقس ولوقا وقت فعلها ولم يشيرا إليه.
فِي إِحْدَى ٱلْمُدُنِ أي مدن الجليل.
مَمْلُوءٌ بَرَصاً أي كان برصه شديداً عاماً كل جسده.
خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ أتى ذلك علامة لتواضعه واحترامه ليسوع والتضرع إليه.
١٤ «فَأَوْصَاهُ أَنْ لاَ يَقُولَ لأَحَدٍ. بَلِ ٱمْضِ وَأَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ، وَقَدِّمْ عَنْ تَطْهِيرِكَ كَمَا أَمَرَ مُوسَى شَهَادَةً لَـهُمْ».
متّى ٨: ٤، لاويين ١٤: ٤ و١٠ و٢١ و٢٢
في هذا العدد التفات من الغيبة إلى الخطاب. وهذا كثر في كل اللغات.
١٥ «فَذَاعَ ٱلْخَبَرُ عَنْهُ أَكْثَرَ. فَٱجْتَمَعَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ لِكَيْ يَسْمَعُوا وَيُشْفَوْا بِهِ مِنْ أَمْرَاضِهِمْ».
متّى ٤: ٢٥ ومرقس ٣: ٧ ويوحنا ٦: ٢
نتج انتشار خبر المسيح من عدم إطاعة الأبرص الذي شفي للمسيح (مرقس ١: ٤٥) حتى أنه لم يمكنه أن يدخل مدينة ما لئلا يمسكه أرباب الحكومة بدعوى أنه مهيج للشعب.
١٦ «وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَعْتَزِلُ فِي ٱلْبَرَارِي وَيُصَلِّي».
متّى ١٤: ٢٣ ومرقس ٦: ٤٦
انظر الشرح مرقس ١: ٣٥.
شفاء المفلوج ع ١٧ إلى ٢٦
١٧ «وَفِي أَحَدِ ٱلأَيَّامِ كَانَ يُعَلِّمُ، وَكَانَ فَرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمُونَ لِلنَّامُوسِ جَالِسِينَ وَهُمْ قَدْ أَتَوْا مِنْ كُلِّ قَرْيَةٍ مِنَ ٱلْجَلِيلِ وَٱلْيَهُودِيَّةِ وَأُورُشَلِيمَ. وَكَانَتْ قُوَّةُ ٱلرَّبِّ لِشِفَائِهِمْ».
وَفِي أَحَدِ ٱلأَيَّامِ أي حينما كان يجول في الجليل يبشر (ص ٤: ٤٤).
كَانَ يُعَلِّمُ أي في كفرناحوم (مرقس ٢: ١). وقد سبق الكلام على شفاء هذا المفلوج في شرح بشارة متّى (متّى ٩: ٢ – ٨) وشرح بشارة مرقس (مرقس ٢: ١ – ١٢).
مُعَلِّمُونَ لِلنَّامُوسِ أوضح لوقا أكثر من متّى ومرقس أن قد أتى كثيرون من رؤساء اليهود من الأماكن القريبة والأماكن البعيدة ليراقبوا يسوع ويجدوا علّة شكاية عليه للحكومة أو واسطة لحط مقامه عند الشعب. وأتوا ذلك حسداً له على نجاحه وخيفة من زيادة تأثير تعليمه في الناس.
مِنْ كُلِّ قَرْيَةٍ أي من أكثر الأماكن التي في بلاد اليهود.
قُوَّةُ ٱلرَّبِّ أي يسوع. والمعنى أنه ظهرت قوة إلهية عن يد الرب يسوع.
لِشِفَائِهِمْ أي شفاء المرضى منهم الذين أتى بهم الجموع الذين كان يعلّمهم. وأظهر يسوع قوته الإلهية ليثبت صحة دعواه أنه هو المسيح. فلولا بشارة لوقا ما عرفنا أنه شفى حينئذ أحداً غير المفلوج.
١٨ «وَإِذَا بِرِجَالٍ يَحْمِلُونَ عَلَى فِرَاشٍ إِنْسَاناً مَفْلُوجاً، وَكَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا بِهِ وَيَضَعُوهُ أَمَامَهُ».
متّى ٩: ٢ ومرقس ٢: ٣
ذكر متّى أن الذين حملوه أربعة وأنهم لم يستطيعوا الدخول إلى يسوع من باب البيت الذي كان فيه لكثرة المجتمعين.
١٩ «وَلَمَّا لَمْ يَجِدُوا مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُونَ بِهِ لِسَبَبِ ٱلْجَمْعِ، صَعِدُوا عَلَى ٱلسَّطْحِ وَدَلَّوْهُ مَعَ ٱلْفِرَاشِ مِنْ بَيْنِ ٱلأَجُرِّ إِلَى ٱلْوَسَطِ قُدَّامَ يَسُوعَ».
ٱلأَجُرِّ هو ترجمة لفظة كَرَامُن في اليونانية أي قرميد والمعنى هنا أوضح مما هو في كلام مرقس فإنه ذكر السقف ولم يذكر مادته. وظن البعض أن ذلك الأجر وضع على سقف ساحة الدار وكان ذلك السقف وقتياً فعلى ذلك يكون فتح المدخل فيه برفع الآجر وهو أمر سهل. واستدل بعضهم بكثرة كِسر الخزف والأجر في ردم كل المدن الجليلية القديمة على أن كل سقوف البيوت الوقتية والدائمة في تلك المدن كانت وقتئذ من الأجر وكلها يمكن أن يُرفع بسهولة عند الحاجة بخلاف ما كان الأمر لو وُضعت من التراب. وظن بعضهم أن لوقا كتب بشارته في بلدة كان كل سقوفها من الأجر فاصطلح أهلها أن يشيروا إلى السقف بلفظة آجر فاستعمل لوقا ذلك لمطلق السقف بقطع النظر عن مادته.
٢٠ «فَلَمَّا رَأَى إِيمَانَهُمْ قَالَ لَـهُ: أَيُّهَا ٱلإِنْسَانُ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ».
إِيمَانَهُمْ أي إيمان المفلوج وحامليه.
أَيُّهَا ٱلإِنْسَانُ ذكر لوقا بعض ما في نداء المسيح من كلامه للمفلوج. ونقل مرقس آخر وهو قول يسوع للمفلوج «يا بني». وذكر متّى آخر وهو قوله «ثق».
٢١ «فَٱبْتَدَأَ ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ يُفَكِّرُونَ قَائِلِينَ: مَنْ هٰذَا ٱلَّذِي يَتَكَلَّمُ بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلاَّ ٱللّٰهُ وَحْدَهُ؟».
متّى ٩: ٣ ومرقس ٢: ٦ و٧، مزمور ٣٢: ٥ وإشعياء ٤٣: ٢٥
وجد الكتبة والفريسيون في كلام المسيح هنا علّة للشكاية عليه كما كانوا يطلبون. ولا ريب في أنهم فرحوا بذلك كما فرح قيافا عند محاكمة يسوع بإصابته علّة للحكم من فم المسيح (متّى ٢٦: ٦٣ و٦٥).
يَتَكَلَّمُ بِتَجَادِيفَ لو لم يكن المسيح إلهاً لكان ما قاله تجديفاً لا محالة لأنه ادعى قوة على مغفرة الخطايا لكنه أثبت للمشاهدين دعواه أنه إله بالمعجزة التي صنعها أمامهم فأخطأوا بعدم تسليمهم بصحة دعواه بعد البينة الجلية.
٢٢ – ٢٤ «٢٢ فَشَعَرَ يَسُوعُ بِأَفْكَارِهِمْ، وَقَالَ لَـهُمْ: مَاذَا تُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِكُمْ؟ ٢٣ أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ قُمْ وَٱمْشِ. ٢٤ وَلٰكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ ٱلإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى ٱلأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ ٱلْخَطَايَا قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: لَكَ أَقُولُ قُمْ وَٱحْمِلْ فِرَاشَكَ وَٱذْهَبْ إِلَى بَيْتِك».
مرّ تفسير ذلك في شرح إنجيل متّى (متّى ٩: ٤ – ٦).
لِكَيْ تَعْلَمُوا الخ (ع ٢٤) كأن المسيح بذلك يقول أنتم تظنون قولي «مغفورة لك خطاياك» باطلاً. وأنا أبرهن لكم بمعجزة سماوية أن لقولي سلطاناً على الأمراض الجسدية وذلك يثبّت لكم سلطانه على الأمراض الروحية. وهذا مثل البرهان الذي أتاه إيليا على جبل الكرمل على أنه نبي الله (١ملوك ١٨: ٢١ – ٣٩). فصنع المسيح ثلاث معجزات في ذلك الوقت.
- الأولى: معرفة أفكار قلوب أعدائه.
- الثانية: شفاء جسد المفلوج.
- الثالثة: مغفرة خطاياه وهي أعظم الكل.
٢٥ «فَفِي ٱلْحَالِ قَامَ أَمَامَهُمْ، وَحَمَلَ مَا كَانَ مُضْطَجِعاً عَلَيْهِ، وَمَضَى إِلَى بَيْتِهِ وَهُوَ يُمَجِّدُ ٱللّٰهَ».
قَامَ أَمَامَهُمْ هذا لم يدع لهم سبيلاً إلى إنكار المعجزة. وكان يجب على الفريسيين أن يعترفوا لما شاهدوا ذلك بأن يسوع هو المسيح كما فعل الناس في زمان إيليا فلما نزلت النار من السماء على المحرقة بصلاته سقط جميع الشعب على وجوههم قائلين بفم واحد «الرب هو الله الرب هو الله». ولكن الفريسيين لم يعترفوا بيسوع إنما تأثر بعض الشعب كثيراً.
وَهُوَ يُمَجِّدُ ٱللّٰهَ هذا لم يذكره متّى ولا مرقس. ومعناه أن المفلوج شكر الله وحمده عندما خرج حاملاً الفراش الذي كان محمولاً عليه.
٢٦ «فَأَخَذَتِ ٱلْجَمِيعَ حَيْرَةٌ وَمَجَّدُوا ٱللّٰهَ، وَٱمْتَلأُوا خَوْفاً قَائِلِينَ: إِنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا ٱلْيَوْمَ عَجَائِبَ!».
كان الجمع كثيراً فلا بد من أن كانت الأقوال متنوعة في إظهار التعجب فنقل متّى شيئاً منها ونقل مرقس شيئاً آخر ونقل لوقا غيره ممن أخذ عنهم. ولم تكن علّة حيرتهم المعجزة وحدها بل صنع المسيح إياها إثباتاً لادعائه سلطاناً أعظم من سلطان شفاء الأمراض وهو القدرة على مغفرة الخطايا.
دعوة لاوي والمخاطبة في بيته ع ٢٧ إلى ٣٩
٢٧، ٢٨ «٢٧ وَبَعْدَ هٰذَا خَرَجَ فَنَظَرَ عَشَّاراً ٱسْمُهُ لاَوِي جَالِساً عِنْدَ مَكَانِ ٱلْجِبَايَةِ، فَقَالَ لَـهُ: ٱتْبَعْنِي. ٢٨ فَتَرَكَ كُلَّ شَيْءٍ وَقَامَ وَتَبِعَهُ».
متّى ٩: ٩ ومرقس ٢: ١٣ و١٤
سبق الكلام على ذلك في الشرح متّى ٩: ٩ ومرقس ٢: ١٣ و١٤.
عَشَّاراً تقدم بيان ماهية العشار ومقامه عند اليهود في شرح بشارة متّى (متّى ٥: ٤٦).
لاَوِي هو متّى الرسول الإنجيلي (متّى ٩: ٩ و١٠: ٣). وكان جليلياً وطناً ويهودياً ديناً وعشاراً عملاً ورسولاً وكاتب بشارة بدعوة إلهية. ويحتمل أن يسوع سماه متّى عندما دعاه ليكون رسولاً كما سمى سمعان بطرس. ومتّى كلمة عبرانية مختصر متّاثيا ومعناه هبة الله.
ٍفَتَرَكَ كُلَّ شَيْء هذا علاوة على ما قال متّى ومرقس ومعناه أنه اعتزل باطناً كل رجائه المكاسب المالية والمقاصد الدنيوية واعتزل ظاهراً جميع الأعشار لكي يكون تلميذاً للمسيح.
٢٩ – ٣٢ «٢٩ وَصَنَعَ لَـهُ لاَوِي ضِيَافَةً كَبِيرَةً فِي بَيْتِهِ. وَٱلَّذِينَ كَانُوا مُتَّكِئِينَ مَعَهُمْ كَانُوا جَمْعاً كَثِيراً مِنْ عَشَّارِينَ وَآخَرِينَ. ٣٠ فَتَذَمَّرَ كَتَبَتُهُمْ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ عَلَى تَلاَمِيذِهِ قَائِلِينَ: لِمَاذَا تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ مَعَ عَشَّارِينَ وَخُطَاةٍ؟ ٣١ فَأَجَابَ يَسُوعُ: لاَ يَحْتَاجُ ٱلأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ ٱلْمَرْضَى. ٣٢ لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى ٱلتَّوْبَةِ».
متّى ٩: ١٠ ومرقس ٢: ١٥، ص ١٥: ١، متّى ٩: ١٣ و١تيموثاوس ١: ١٥
ضِيَافَةً كَبِيرَةً (انظر الشرح متّى ٩: ١٠ – ١٧ ومرقس ٢: ١٥ – ٢٢).
ذكر لوقا أن هذه الضيافة كانت في بيت متّى ولكن متّى لم يذكر ذلك تواضعاً. ونص على أنها كانت كبيرة أي المعدات كثيرة الصنوف. والأرجح أن متّى أولم تلك الوليمة إكراماً للمسيح وليجعل لأقاربه وأصحابه فرصة أن يسمعوا كلام يسوع.
جَمْعاً كَثِيراً (ع ٢٩) كان من شأن حرفة متّى أن يتعرف بكثيرين من الناس فكان المدعوين من أصحابه ومعارفه ورصفائه.
خُطَاةٍ (ع ٣٠) لا يلزم من تسمية الفريسيين إياهم بذلك أنهم كانوا أشراراً مشهورين بسوء السيرة. ولكن أولئك المدعين البرّ الذاتي اعتبروا الذين لا يحفطون شريعة موسى مثلهم خطاة. أو لعلهم أضافوا قولهم خطاة إلى قولهم عشارين بياناً لاعتبارهم الأمرين واحداً. ووجهوا اللوم إلى التلاميذ وقصدهم ملامة يسوع معلمهم.
٣٣ – ٣٨ «٣٣ وَقَالُوا لَـهُ: لِمَاذَا يَصُومُ تَلاَمِيذُ يُوحَنَّا كَثِيراً وَيُقَدِّمُونَ طِلْبَاتٍ، وَكَذٰلِكَ تَلاَمِيذُ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ أَيْضاً، وَأَمَّا تَلاَمِيذُكَ فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ؟ ٣٤ فَقَالَ لَـهُمْ: ٣٥ أَتَقْدِرُونَ أَنْ تَجْعَلُوا بَنِي ٱلْعُرْسِ يَصُومُونَ مَا دَامَ ٱلْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ وَلٰكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ ٱلْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ. ٣٦ وَقَالَ لَـهُمْ أَيْضاً مَثَلاً: لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ رُقْعَةً مِنْ ثَوْبٍ جَدِيدٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيقٍ، وَإِلاَّ فَٱلْجَدِيدُ يَشُقُّهُ، وَٱلْعَتِيقُ لاَ تُوافِقُهُ ٱلرُّقْعَةُ ٱلَّتِي مِنَ ٱلْجَدِيدِ. ٣٧ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ خَمْراً جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ عَتِيقَةٍ لِئَلاَّ تَشُقَّ ٱلْخَمْرُ ٱلْجَدِيدَةُ ٱلزِّقَاقَ، فَهِيَ تُهْرَقُ وَٱلزِّقَاقُ تَتْلَفُ. ٣٨ بَلْ يَجْعَلُونَ خَمْراً جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ جَدِيدَةٍ، فَتُحْفَظُ جَمِيعا».
متّى ٩: ١٤ ومرقس ٢: ١٨، متّى ٩: ١٦ و١٧ ومرقس ٢: ٢١ و٢٢
سبق الكلام على تعليم المسيح في حقيقة الصوم في الشرح (متّى ٩: ١٤ – ١٧ ومرقس ٢: ١٨ – ٢٢). ونقل الإنجيليون الثلاثة الأمثال الثلاثة التي أوردها المسيح بياناً لمراده. أخذ أولها من عوائد الأعراس. والثاني من عوائد رقع خروق الثياب. والثالث من عوائد حفظ الخمر الجديدة.
وَقَالُوا لَـهُ (ع ٣٣) نفهم من القرينة هنا أن القائلين هم الفريسيون ومن الذي في بشارة متّى أن القائلين هم تلاميذ يوحنا المعمدان ومن الذي في بشارة مرقس أن القائلين هم تلاميذ يوحنا والفريسيون (مرقس ٢: ١٨). وهو يدفع شبهة الخلاف بين متّى ولوقا.
طِلْبَاتٍ ليس المراد بهذه الطلبات الصلوات المرتجلة التي يصلّيها الأتقياء بغية ما يحتاجون إليه من البركات بل تلاوة صلوات مكتوبة فُرضت عليهم كسائر الطقوس.
زِقَاقٍ عَتِيقَةٍ (ع ٣٧) أشار بهذه الزقاق إلى النظام الموسوي الطقسي.
زِقَاقٍ جَدِيدَةٍ أي نظام المسيحي الروحي. وأشار بالخمر العتيقة إلى الديانة اليهودية وبالخمر الجديدة إلى الديانة المسيحية. وكل ما ذُكر من كلام المسيح في هذا بيان تعذر الاتفاق بين الطقوس اليهودية والحرية المسيحية. وهذا الفصل مختصر الحقائق التي أوضحها بولس في رسالته إلى أهل غلاطية.
٣٩ «وَلَيْسَ أَحَدٌ إِذَا شَرِبَ ٱلْعَتِيقَ يُرِيدُ لِلْوَقْتِ ٱلْجَدِيدَ، لأَنَّهُ يَقُولُ: ٱلْعَتِيقُ أَطْيَبُ».
ليس معنى المسيح في هذا العدد أن يقابل النظام اليهودي بالنظام المسيحي للحكم بأطيبية أحدهما بل إظهار الواقع وهو أنه صعب على الناس أن يتركوا حالاً ما اعتادوه ويتمسكوا بغيره. والكلام هنا متعلق بالآية الثانية والثلاثين وفيه شيء من العذر عن تلاميذ يوحنا المعمدان وأمثالهم الذين لا يسرعون إلى قبول تعليم المسيح الروحي بترك الطقوس القديمة.
لِلْوَقْتِ أي في أول عرض الديانة الروحية عليه قبل أن يقابلها بالطقسية وقبل أن ينير روح الله قلبه ليتحقق فضل النظام الجديد. ومثال ذلك شاول الطرسوسي الذي رُبي في الديانة اليهودية واضطهد تابعي الإيمان الجديد بغية أن يميتهم لكنه بعد هذا صار رسولاً لذلك الإيمان وحامى عنه بكل قوته.
السابق |
التالي |