إنجيل لوقا

إنجيل لوقا | 04 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح إنجيل لوقا

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح الرابع

تجربة يسوع ع ١ إلى ١٣

١، ٢ «١ أَمَّا يَسُوعُ فَرَجَعَ مِنَ ٱلأُرْدُنِّ مُمْتَلِئاً مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، وَكَانَ يُقْتَادُ بِٱلرُّوحِ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ ٢ أَرْبَعِينَ يَوْماً يُجَرَّبُ مِنْ إِبْلِيسَ. وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئاً فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ. وَلَمَّا تَمَّتْ جَاعَ أَخِيراً».

متّى ٤: ١ الخ ومرقس ١: ١٢، ص ٢: ٢٧ وع ١٤، خروج ٣٤: ٢٨ و١ملوك ١٩: ٨

مرّ الكلام على هذه التجربة في شرح بشارة متّى (متّى ٤: ١ – ١١) ونبأ لوقا هنا أكمل من نبأ متّى ومرقس.

رَجَعَ مِنَ ٱلأُرْدُنِّ الظاهر من هنا أن التجربة وقعت على أثر المعمودية. وهذا وفق ما جاء في كل من بشارتي متّى ومرقس. وهذان العددان في التجربة إجمالاً. وما بعدهما إلى العدد الرابع عشر بيان ثلاث تجارب خاصة وقعت في نهاية الامتحان.

والأرجح أن يسوع كان في الصبوة والشبيبة عرضة للتجارب كسائر الناس فقاومها وغلبها دائماً ولكن لما عزم على الدخول علانية في فداء البشر من الخطيئة التي وقعوا فيها بسقوط آدم الأول نائب البشر اقتضى أن يجرّب المسيح نائب البشر الثاني بتجربة عظيمة لتظهر غلبته عليها.

مُمْتَلِئاً مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ حلّ عليه هذا الروح وقت المعمودية (ص ٣: ٢٢).

يُقْتَادُ بِٱلرُّوحِ أي لم يذهب من تلقاء نفسه بل بفعل الروح القدس. واقتاده الروح الصالح ليحارب الروح الشرير.

فِي ٱلْبَرِّيَّةِ (انظر الشرح متّى ٤: ١ ومرقس ١: ١٣). وزاد مرقس على ما هنا أن يسوع كان مع الوحوش.

أَرْبَعِينَ يَوْماً يتضح من قول كل من مرقس ولوقا أن التجارب كانت تتوالى على المسيح كل تلك المدة.

وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئاً هذا واضح من قول متّى أنه صام ومرقس لم يتعرض لذكر شيء من هذا. ولا ريب في أن جسد يسوع حُفظ من الموت جوعاً بقوة إلهية.

٣، ٤ «٣ وَقَالَ لَـهُ إِبْلِيسُ: إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ، فَقُلْ لِهٰذَا ٱلْحَجَرِ أَنْ يَصِيرَ خُبْزاً. ٤ فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: مَكْتُوبٌ أَنْ لَيْسَ بِٱلْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا ٱلإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ ٱللّٰهِ».

تثنية ٨: ٣

هذه هي التجربة الأولى كما ذكر متّى (متّى ٤: ٣ و٤) لكن متّى قال «هذه الحجارة» بالجمع ولوقا قال «هذا الحجر» باسم الجنس.

قبل المسيح على نفسه لإجراء عمل الفداء أن يكون إنساناً مفتقراً إلى الله كسائر أولاد آدم فجربه إبليس هنا لكي يرفض الاتكال على الله والخضوع له كالإنسان ويستقل بلاهوته.

٥ – ٨ «٥ ثُمَّ أَصْعَدَهُ إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ ٱلْمَسْكُونَةِ فِي لَحْظَةٍ مِنَ ٱلزَّمَانِ. ٦ وَقَالَ لَـهُ إِبْلِيسُ: لَكَ أُعْطِي هٰذَا ٱلسُّلْطَانَ كُلَّهُ وَمَجْدَهُنَّ، لأَنَّهُ إِلَيَّ قَدْ دُفِعَ، وَأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أُرِيدُ. ٧ فَإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي يَكُونُ لَكَ ٱلْجَمِيعُ. ٨ فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: ٱذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! إِنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ».

يوحنا ١٢: ٣١ و١٤: ٣٠ ورؤيا ١٣: ٢ و٧، تثنية ٦: ١٣ و١٠: ٢٠

ما ذُكر من التجارب هنا ثانياً ذُكر في بشارة متّى ثالثاً (متّى ٤: ٨ – ١٠). فانظر الكلام على هذه التجربة في الشرح هنالك. ولا أهمية للتقديم والتأخير في هذا الأمر. وقصد الشيطان في هذه التجربة أن يثني يسوع عن الملكوت الروحي إلى الملك العالمي كما ابتغت اليهود ليكون بمنزلة داود قديماً وبمنزلة قيصر وقتئذ وذلك خلاف ما قصد الله.

مَمَالِكِ ٱلْمَسْكُونَةِ (ع ٥) الشيطان لا يستطيع أن يُري المسيح حقيقة سوى جزء من مملكة اليهودية ولكنه أراه سائر الممالك تصوراً أو تخيلاً بمجرد وصفه إياها وكان كل ذلك في مثل طرفة عين بدليل قوله «في لحظة من الزمان» وهذا مما لم يذكره متّى.

لأَنَّهُ إِلَيَّ قَدْ دُفِعَ الخ لم يذكر قول الشيطان هذا إلا لوقا وهو دعوى ذُكرت أيضاً في غير هذا الموضع (يوحنا ١٢: ٣١ و٢كورنثوس ٤: ٤ وأفسس ٢: ٢). وهذه دعوى كاذبة لأن الله لم يدفع إلى الشيطان مثل ذلك السلطان وهي مما ينتظر ممن هو «أبو الكذاب» (يوحنا ٨: ٤٤). وكذبه على آدم الثاني ككذبه على آدم الأول وزوجته بقوله «لن تموتا» (تكوين ٣: ٤).

٩ – ١٢ «٩ ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَأَقَامَهُ عَلَى جَنَاحِ ٱلْهَيْكَلِ وَقَالَ لَـهُ: إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ فَٱطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى أَسْفَلَ، ١٠ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ، ١١ وَأَنَّهُمْ عَلَى أَيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ. ١٢ فَأَجَابَ يَسُوعُ: إِنَّهُ قِيلَ: لاَ تُجَرِّبِ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ».

متّى ٤: ٥، مزمور ٩١: ١١، تثنية ٦: ١٦

(انظر الشرح متّى ٤: ٥ – ٧) ما جاء ثالثاً في لوقا جاء ثانياً في متّى. وخلاصة هذه التجربة حمل الشيطان ليسوع على الطمع في عناية الله ومحبته لأنه ابنه. وذلك بأن يعرض نفسه للخطر بلا داع. فلو فعل يسوع كما ابتغى الشيطان لأجبر الله على أنه إما أن ينكر ابنه ويسمح بقتله وإما يخالف قضاءه بأنه لا يفعل معجزة لغير موجب من نعمة أو نقمة فيخرج المسيح بتجربته لأبيه من دائرة الخضوع البنوي.

وفحوى الكلام على التجارب الثلاث ما يأتي:

  1. حمل المسيح على أن يعدل عن عمل الفداء باعتبار كونه إنساناً كما عيّن الله.
  2. حمله على العدول عن أن يكون ملكاً روحياً على مملكة روحية.
  3. حمله على العدول عن الثقة بمحبة الآب له كابنه وعلى أن يلزمه ليصرّح بأنه ابنه بمعجزة.

    فالتجربة الأولى وقعت عليه باعتبار كونه ابن الإنسان. والثانية باعتبار أنه المسيح أي الممسوح ملكاً روحياً. والثالثة باعتبار كونه ابن الله.

وكانت سيرة المسيح في كل حياته الأرضية وفق مقاومته لتلك التجارب الثلاث فرضي أن تُقضى حاجاته الجسدية بصدقات الناس (ص ٨: ٣) وأبى أن يكون ملكاً أرضياً (يوحنا ٦: ١٥). ولم يفعل معجزة لنفع نفسه فكانت كل معجزاته لمجد الله ولإفادة الناس (ص ١١: ٢٩).

١٣ «وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ».

يوحنا ١٤: ٣٠ وعبرانيين ٤: ١٥

كُلَّ تَجْرِبَةٍ أي جميع ما وقع عليه مدة أيام التجريب الأربعين.

فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ في هذا دليل على أن الشيطان رجع إلى تجربة يسوع بعد ذلك. والأرجح أنه جربه وهو في بستان جثسيماني المعروف عند العامة اليوم بالجسمانية (متّى ٢٦: ٣٨). وعلى الصليب. ويشير إلى ذلك قول المسيح قُبيل اكتئابه في البستان وآلامه على الصليب.

«رَئِيسَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ يَأْتِي» (يوحنا ١٤: ٣٠). وهو مثل قوله لليهود «هٰذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ ٱلظُّلْمَةِ» (ص ٢٢: ٥٣).

ولم يذكر لوقا هنا ما ذكره متّى من خدمة الملائكة للمسيح بعد التجربة.

ذهاب يسوع إلى الجليل ع ١٤ و١٥

١٤ «وَرَجَعَ يَسُوعُ بِقُوَّةِ ٱلرُّوحِ إِلَى ٱلْجَلِيلِ، وَخَرَجَ خَبَرٌ عَنْهُ فِي جَمِيعِ ٱلْكُورَةِ ٱلْمُحِيطَةِ».

متّى ٤: ١٢ وع ١ ويوحنا ٤: ٤٣ وأعمال ١٠: ٣٧

وَرَجَعَ يَسُوعُ بِقُوَّةِ ٱلرُّوحِ هذا يظهر أن يسوع لم يعمل شيئاً ليرضي نفسه كإنسان بل عمل كل ما عمله إطاعة للروح القدس.

إِلَى ٱلْجَلِيلِ ذكر لوقا رجوع يسوع إلى الجليل على أثر تجربته وذكره متّى ومرقس على أثر سجن يوحنا المعمدان (متّى ٤: ١٢ ومرقس ١: ١٤). وما ذكره يوحنا في بشارته بيّن علّة ظاهر الاختلاف المذكور وهو أن يسوع ذهب إلى الجليل مرتين الأولى على أثر معموديته وتجربته (يوحنا ١: ٤٤). والثانية بعد ذلك بوقت (يوحنا ٤: ١). فذكر لوقا الأولى وذكر متّى ومرقس الثانية. والأرجح أن المدة بين المرتين نحو سنة تقضّى أكثرها على يسوع وهو يبشر في اليهودية. وهذه الخدمة لم يفصّل حوادثها إلا يوحنا.

وَخَرَجَ خَبَرٌ عَنْهُ المرجح أن الجليليين الذين حضروا تبشير يوحنا المعمدان سمعوا نبأ يسوع في البرية وشاهد بعضهم ما كان عند اعتماد يسوع وسمعوا شهادة يوحنا فأنبأوا بذلك بعد رجوعهم.

وصنع المسيح بعض معجزاته في قانا الجليل (يوحنا ٢: ١ – ١١).

١٥ «وَكَانَ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ مُمَجَّداً مِنَ ٱلْجَمِيعِ».

وَكَانَ يُعَلِّمُ ذاع خبر يسوع بما أظهره من الحكمة بتعليمه في المجامع لا بمجرد شهادة الناس له بما سمعوا وشاهدوا. وقد سبق الكلام على مجامع اليهود والتعليم فيها في شرح بشارة متّى (متّى ٤: ٢٣).

مُمَجَّداً أي ممدوحاً ومعظماً لجودة تعليمه لأن نجاحه إلى ذلك الوقت لم يكن قد هيج حسد رؤساء الكهنة وتعليمه لم يكن قد أوقد بغضهم كما كان بعد ذلك.

رفض أهل الناصرة يسوع ع ١٦ إلى ٣٠

١٦ «وَجَاءَ إِلَى ٱلنَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى. وَدَخَلَ ٱلْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ».

متّى ٢: ٢٣ و١٣: ٥٤ ومرقس ٦: ١، أعمال ١٣: ١٤ و١٧: ٢

وَجَاءَ إِلَى ٱلنَّاصِرَةِ هذا المجيء غير الذي ذُكر في متّى ١٣: ٥٤ – ٥٨ ومرقس ٦: ١ – ٦. فهذا قام به وحده وذاك مع تلاميذه. وفي هذا لم يصنع معجزة وفي ذاك صنع بعض المعجزات (مرقس ٦: ٥). وفي هذا جار اليهود عليه وأرادوا قتله وفي ذاك لم يكن منهم شيء من ذلك.

حَسَبَ عَادَتِهِ أي اعتياده من صغره أن يحضر المجمع للعبادة وأن يحضر المجمع في كل مكان دخله للعبادة والتعليم. وفي هذا مثال لكل مسيحي في المواظبة على المجيء إلى أماكن العبادة الصحيحة. ولا ريب أنه كان بين معموديته ومجيئه إلى الناصرة وقت كاف لأن يبلغ خبر شهرته أهل وطنه الناصرة بدليل قولهم «كَمْ سَمِعْنَا أَنَّهُ جَرَى فِي كَفْرَنَاحُومَ» (ع ٢٣).

وَقَامَ لِيَقْرَأَ كانت تلك القراءة اختيارية ولعلّ المسيح أظهر بوقوفه استعداده للقراءة.

١٧ «فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ ٱلنَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ ٱلسِّفْرَ وَجَدَ ٱلْمَوْضِعَ ٱلَّذِي كَانَ مَكْتُوباً فِيهِ».

إشعياء ٦١: ١ و٢

فَدُفِعَ إِلَيْهِ الذي دفع إما رئيس المجمع وإما صائن الكتب المقدسة.

سِفْرُ أي كتاب. وكانت الكتب يومئذ رقوقاً أي جلوداً رقيقة في كل من طرفي الرق اسطوانة صغيرة من الخشب. ففي وقت القراءة ينشر من إحدى الاسطوانتين ويلف على الأخرى. واعتاد اليهود أن يقرأوا في المجمع على التوالي أيام السنة كل أسفار موسى وبعض نبوءات الأنبياء (أعمال ١٣: ١٥).

وَجَدَ ٱلْمَوْضِعَ الأرجح أن ذلك لم يكن اتفاقاً بل قصداً ليكون موضوع خطابه.

١٨ «رُوحُ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ ٱلْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ ٱلْمُنْكَسِرِي ٱلْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِٱلإِطْلاَقِ وَلِلْعُمْيِ بِٱلْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ ٱلْمُنْسَحِقِينَ فِي ٱلْحُرِّيَّةِ».

إشعياء ٥٨: ٦

هذا الكلام مقتبس من نبوءة إشعياء (إشعياء ٦١: ١ و٢) على ما في ترجمة السبعين مع جملة من إشعياء ٥٨: ٦. فاعتبر اليهود هذه النبوءة بياناً لعمل المسيح واختارها يسوع لأنها توضح روحانية الخدمة التي أتى للقيام بها.

رُوحُ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ نسب يسوع هذا القول إلى نفسه بياناً أنه لم يصنع شيئاً من تلقاء نفسه بل أن كل ما صنعه هو بأمر الله. والحق أن روح الله كان عليه دائماً لكنه أشار خاصة إلى حلول الروح القدس عليه علانية عند معموديته مقدمة لخدمته وإعلاناً لتكريسه (ص ٣: ٢٢ و٤: ١ و١٤). وتأهيلاً له في إنجاز المواعيد التي ذُكرت في تلك النبوءة.

مَسَحَنِي كما مُسح الملوك والأنبياء والكهنة قديماً (١صموئيل ١٦: ٦ ومزمور ٨٤: ٩ وإشعياء ٤٥: ١). ولذلك سُمي يسوع بالمسيح أي الممسوح ليس لأنه مُسح بالزيت كالملوك والأنبياء والكهنة فعلاً بل لأنه مُسح بروح الله.

لأُبَشِّرَ ٱلْمَسَاكِينَ أي لأخبر الخبر المبهج بالخلاص الذي هم في حاجة إليه وقد شعروا بتلك الحاجة وهم المساكين بالروح (متّى ٥: ٣). والبركات الموعود بها هنا كالتي ذكرها المسيح في أول وعظه على الجبل (متّى ٥: ١ – ١٢).

لأَشْفِيَ ٱلْمُنْكَسِرِي ٱلْقُلُوبِ في إنجيل يسوع تعزية للحزانى على كل أحزانهم ولا سيما الذين يحزنون على خطاياهم وبشارة للمؤمن التائب بالغفران والمصالحة (إشعياء ٦٦: ٢).

لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِٱلإِطْلاَقِ كان ذلك في أول الأمر نبوءة برجوع اليهود الأسرى من بابل إلى وطنهم اليهودية ورمزاً إلى إطلاق النفوس من عبودية الشيطان والخطيئة (يوحنا ٨: ٣٤ – ٣٦).

وَلِلْعُمْيِ بِٱلْبَصَرِ وهب المسيح البصر للعمي حقيقة (متّى ١١: ٥ ويوحنا ٩: ١١ و٣٩ – ٤١). ولكن عمله لم ينحصر في ذلك فإنه وهب البصر لعمي البصيرة «الذين إله هذا الدهر قد أعمى أذهانهم» (٢كورنثوس ٤: ٤ ويوحنا ١٢: ٤٠ و١يوحنا ٢: ١١).

وَأُرْسِلَ ٱلْمُنْسَحِقِينَ فِي ٱلْحُرِّيَّةِ أي ينقذ من شر تأثير الخطية الذين هم من شدتها صاروا كأنهم تحت حمل ثقيل وقع عليهم. وقوله «في الحرية» متعلق بقوله «أرسل» واقتبس يسوع هذه الجملة من إشعياء ٥٨: ٦. ولعله أتى بها في قراءته إشعياء ٦١: ١ و٢ بياناً لمعنى قوله «للمأسورين بالإطلاق» (انظر غلاطية ٥: ١).

١٩ «وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ ٱلرَّبِّ ٱلْمَقْبُولَةِ».

لاويين ٢٥: ٨ إلى ١٧

شبه المسيح هنا بركات ملكوته بالبركات التي تمتع اليهود بها في سنة يوبيل وهي كل سنة تكمل الخمسين ينفخ فيها بالأبواق في كل البلاد اليهودية وينادي بأن كل يهودي استُعبد لدين أو غيره يحرر وكل قطعة أرض انتقلت من مُلك صاحبها الأصلي ترجع إلى ربها ليملك كل بيت من إسرائيل ما قسم الله له بيد موسى ويشوع (لاويين ٢٥: ٨ – ١٦ و٢٣ – ٥٥). وهذا يحسن أن يكون رمزاً إلى عمل المسيح الذي يهب للناس الحرية الروحية لينقذهم من جرم الخطية وعقابها ويرجع لهم ما فقدوا من ميراث البرّ ورضى الله والفردوس السماوي.

٢٠ «ثُمَّ طَوَى ٱلسِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى ٱلْخَادِمِ وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ».

ٱلْخَادِمِ هو الذي عمله في المجمع اليهودي كالقندلفت في الكنيسة المسيحية وهو أن يعطي القارئ الكتاب ثم يأخذه منه بعد القراءة ويصونه.

وَجَلَسَ اعتاد المعلمون أن يقرأوا وقوفاً ويعلّموا جلوساً.

عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ يستنتج من ذلك أنه لم تسبق عادة أن يعلّم في مجمع الناصرة فتعجبوا ممن كان سابقاً تلميذاً جالساً مجلس المعلم. وتوقعوا أن يسمعوه يدعي أنه نبي كما بلغهم أنه أتى ذلك في أماكن أُخر. ويحتمل أنهم تعجبوا لتأثرهم من هيئته غير العادية ووقع كلامه في النفوس ووقاره.

٢١ «فَٱبْتَدَأَ يَقُولُ لَـهُمْ: إِنَّهُ ٱلْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هٰذَا ٱلْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ».

الكلام هنا بداءة خطاب لم يُذكر كله وعلمنا منه أن خلاصة ذلك الخطاب هي إظهار يسوع أن غاية مجيئه تكميل تلك النبوءة. ولا نستطيع أن نتصور مقدمة لتعليم المسيح أفضل من هذه المقدمة أنه أتى لكي يكمل مقاصد الله الخيرية المذكورة في هذه النبوءة. ويسوع صرّح هنا بكل وضوح أنه هو المسيح المنتظر وأن النبوءات عن المسيح تكمل به وحده.

٢٢ «وَكَانَ ٱلْجَمِيعُ يَشْهَدُونَ لَـهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ ٱلنِّعْمَةِ ٱلْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ، وَيَقُولُونَ: أَلَيْسَ هٰذَا ٱبْنَ يُوسُفَ؟».

مزمور ٤٥: ٢ ومتّى ١٣: ٥٤ ومرقس ٦: ٢ وص ٢: ٤٧، يوحنا ٦: ٤٢

يَشْهَدُونَ لَـهُ اضطروا أن يسلموا بأن المسيح تكلم بقوة لم يتكلم بها أحد سواه وحكمت ضمائرهم بصحة ما قاله. وكانت طريق شهادتهم له إصغاءهم إليه وإيماء بعضهم إلى بعض وكلامهم كذلك. ومثل هذا كانت شهادة خدام الهيكل له بقولهم «لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِنْسَانٌ هٰكَذَا مِثْلَ هٰذَا ٱلإِنْسَانِ» (يوحنا ٧: ٤٦).

وَيَتَعَجَّبُونَ كان موضوع تعجبهم ما ظهر منه مع معرفتهم أنه ابن النجار.

كَلِمَاتِ ٱلنِّعْمَةِ أُضيفت كلمات المسيح إلى النعمة لأن مواضيعها محبة الله للناس ورحمته ومقاصده الخيرية. واتضح مما كان من أهل الناصرة بعد ذلك أن التعجب من فصاحة كلام المسيح والشهادة بجودته شيء وقبول دعواه شيء آخر. وكثيرون اليوم مثل أهل الناصرة القدماء يمدحون الواعظ ويغفلون عن المقصود بوعظه.

أَلَيْسَ هٰذَا ٱبْنَ يُوسُفَ يدل هذا السؤال على شيء من الحسد للمسيح والاستخفاف به وعدم الإيمان لأنهم اعتقدوا أنه ابن يوسف منذ خمس وعشرين سنة على الأقل وهي مدة سكنه بينهم وأنه فقير ابن نجار ورأوا ذلك سبباً كافياً لإنكارهم دعواه.

٢٣ «فَقَالَ لَـهُمْ: عَلَى كُلِّ حَالٍ تَقُولُونَ لِي هٰذَا ٱلْمَثَلَ: أَيُّهَا ٱلطَّبِيبُ ٱشْفِ نَفْسَكَ. كَمْ سَمِعْنَا أَنَّهُ جَرَى فِي كَفْرَنَاحُومَ، فَٱفْعَلْ ذٰلِكَ هُنَا أَيْضاً فِي وَطَنِكَ».

متّى ٤: ١٣ و١١: ٢٣، متّى ١٣: ٥٤ ومرقس ٦: ١

عَلَى كُلِّ حَالٍ تَقُولُونَ أبان يسوع أنه عارف أفكار الحاضرين وذلك بإجابته عنها قبل أن أظهروها بالكلام.

أَيُّهَا ٱلطَّبِيبُ ٱشْفِ نَفْسَكَ أي عالج مرضك قبل أن تدعي شفاء غيرك. لأنه لا أحد يدعو طبيباً مريضاً لشفائه. لأن مثل هذا الطبيب يحمل إعلان بطلان دعواه على وجهه. فأنا مدع أني نبي وأنتم تشكون فيّ لاعتقادكم أني كسائر الناس بما سبق لكم من معرفتي. وشككم يمنعكم من قبولكم أياي نبياً كما أن مرض الطبيب يمنع الناس من قبولهم إياه طبيباً فلذلك تقولون يا نبي اصنع معجزات أي أزل بذلك شكوكنا في دعواك وأظهر بأعمالك أنك أعظم من أن تكون ابن يوسف النجار الفقير.

جَرَى فِي كَفْرَنَاحُومَ يبين من ذلك أن يسوع كان قد ذهب إلى كفرناحوم وفعل عجائب هنالك وهذا الذهاب لم يذكره لوقا.

٢٤ «وَقَالَ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ مَقْبُولاً فِي وَطَنِهِ».

متّى ١٣: ٥٧ ومرقس ٦: ٤ ويوحنا ٤: ٤٤

جاوب المسيح على مَثل بمثَل وتكلم بهذا المثل ثلاث مرات. وما جاء هنا هو المرة الأولى. والثانية في زيارته الثانية للناصرة (متّى ١٣: ٥٧ فانظر شرح المثل هنالك) والثالثة في الجليل على ما ذكر يوحنا (يوحنا ٤: ٤٤). ومعنى المسيح بإيراد هذا المثل هنا أنه قبل على نفسه ما وقع على سائر الأنبياء وهو أن لا إكرام له في وطنه وأنه لا يجتهد أن يقنعهم بالمعجزات لأنه لو صنعها وقتئذ لا يقتنعون كما كان الأمر في سائر الأنبياء.

٢٥، ٢٦ «٢٥ وَبِالْحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ أَرَامِلَ كَثِيرَةً كُنَّ فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِ إِيلِيَّا حِينَ أُغْلِقَتِ ٱلسَّمَاءُ مُدَّةَ ثَلاَثِ سِنِينَ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ، لَمَّا كَانَ جُوعٌ عَظِيمٌ فِي ٱلأَرْضِ كُلِّهَا، ٢٦ وَلَمْ يُرْسَلْ إِيلِيَّا إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا، إِلاَّ إِلَى أَرْمَلَةٍ، إِلَى صِرْفَةِ صَيْدَاءَ».

١ملوك ١٧: ٩ و١٨: ١ ويعقوب ٥: ١٧، دانيال ٧: ٢٥ و١٢: ٧ ورؤيا ١١: ٢ و٣ و١٢: ٦ و١٤

أشار هنا إلى الحادثة في ١ملوك ١٧: ٨ – ٢٤

ثَلاَثِ سِنِينَ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ جاء مثل ذلك في رسالة يعقوب ٥: ١٧. ولكن الذي في ١ملوك ١٨: ١ أن الله ظهر لإيليا في السنة الثالثة وقال فأعطي مطراً على وجه الأرض. ولعلّ سبب ما يظهر من الاختلاف في المدة أن المراد في سفر الملوك كون المطر أمسك ثلاث سنين بعد وقته أي ثلاثة أشتاء فيكون القحط دام مدة الربيع والصيف أيضاً وجملة ذلك ثلاث سنين ونصف سنة أو لعلّ المعنى في ذلك السفر أن بداءة السنين الثلاث من وقت هرب إيليا فتكون بداءة القحط قبل ذلك.

صِرْفَةِ صَيْدَاءَ (ع ٢٦) وهي اليوم قرية اسمها صرفند وكانت مدينة كنعانية واقعة بين صور وصيدا ونُسبت إلى صيدا دون صور إما لأنها أقرب إلى صيدا وإما لأنها كانت تابعة لحكومتها. بُنيت أولاً على شاطئ البحر لكن منذ القرن الحادي عشر نقلها أهلها إلى أكمة على أمد نحو نصف ساعة من البحر خيفة من لصوص البحر. ولم تزل آثار المدينة القديمة على الشاطئ.

٢٧ «وَبُرْصٌ كَثِيرُونَ كَانُوا فِي إِسْرَائِيلَ فِي زَمَانِ أَلِيشَعَ ٱلنَّبِيِّ، وَلَمْ يُطَهَّرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلاَّ نُعْمَانُ ٱلسُّرْيَانِيُّ».

٢ملوك ٥: ١٤

الحادثة هنا هي المذكورة في ٢ملوك ٥: ١ – ١٤

نُعْمَانُ هو قائد عسكر وثني في دمشق. ومراد المسيح مما قيل في العدد الرابع والعشرين إلى هنا أنه يفعل مثل ما فعل كل من إيليا وأليشع في أنهما أهملا اليهود وصنعا معجزاتهما بين الأمم لأنهما وجدا الأمم أحق فيها من اليهود فهكذا فعل هو بإهماله أهل وطنه وعمل المعجزات بين الغرباء.

٢٨ «فَٱمْتَلأَ غَضَباً جَمِيعُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْمَجْمَعِ حِينَ سَمِعُوا هٰذَا».

علّة غضبهم مقابلته إياهم بالإسرائيليين غير المؤمنين الذين عبدوا البعل في أيام إيليا وإظهاره عدم إرادته صنع معجزة عندهم لأنهم لا يستحقون ذلك وأنه فضل إعلان نعمته للأمم على إعلانه إياها لهم.

٢٩ «فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ ٱلْمَدِينَةِ، وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةَ ٱلْجَبَلِ ٱلَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلُ».

الناصرة مبنية على سفح أكمة أقرب إلى حضيضها من قنتها يحيط بتلك الأكمة آكام أرفع منها. والذي يقصد الناصرة اليوم ويشاهد الأكمة التي بُنيت عليها يحكم بأن أهلها صعدوا بيسوع إلى قنة تلك الأكمة وهنالك شُفُر علو كل شفير منها نحو ثلاثين أو أربعين قدماً فقصدوا أن يطرحوه من أحدها إلى الحضيض فيميتوه. وكان مثل هذا من عوائد الرومانيين في إهلاك الناس. وكان اليهود يفعلون كذلك أحياناً فإن أمصيا قتل عشرة آلاف من الآدوميين في تلك الطريق (٢أيام ٢٥: ١٢). فمعاملة أهل الناصرة ليسوع مصداق لقول البشير «إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ» (يوحنا ١: ١١).

٣٠ «أَمَّا هُوَ فَجَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى».

يوحنا ٨: ٥٩ و١٠: ٣٩

لا يلزم من هذا الكلام أن المسيح صنع معجزة لنجاته منهم. فلعلهم هابوه لما شاهدوا من إمارات وجهه أو هدوءه وسكوته أو لعلهم اختلفوا في طريق طرحه فاجتاز بينهم ولم يعترضه أحد لأن ساعة موته لم تكن قد أتت. ومثل هذه الهيبة وقعت على الذين قبضوا عليه ليأتوا به إلى الصلب (يوحنا ١٨: ٦) وذكر مثل هذه النجاة في يوحنا ١٠: ١٨.

معجزات يسوع في كفرناحوم ع ٣١ إلى ٤١

٣١ «وَٱنْحَدَرَ إِلَى كَفْرَنَاحُومَ، مَدِينَةٍ مِنَ ٱلْجَلِيلِ، وَكَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي ٱلسُّبُوتِ».

متّى ٤: ١٣ ومرقس ١: ٢١

كَفْرَنَاحُومَ (انظر الشرح متّى ٤: ١٣). وهي أوطأ من الناصرة ولذلك يصح القول أنه انحدر إليها. اقتصر متّى ومرقس على ذكر ذهاب المسيح إليها لكن لوقا زاد على ذلك ذكر سبب انتقاله من الناصرة إليها.

يُعَلِّمُهُمْ فِي ٱلسُّبُوتِ كان المسيح في أول تبشيره يعلّم الناس في المجامع أيام اجتماعهم فيها للعبادة (وهي السبوت) لأن الناس كانوا يجتمعون فيها جماعات كثيرة وكانت أذهانهم فارغة من الافتكار في الأعمال الدنيوية فكان له فيها أحسن الفرص للتعليم. ولكنه بعد أن ذاع صيته كانت الجموع تتبعه حيث ذهب فكانت له فرصة أن يخاطبهم كل يوم.

٣٢ «فَبُهِتُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ، لأَنَّ كَلاَمَهُ كَانَ بِسُلْطَانٍ».

متّى ٧: ٢٨ و٢٩ وتيطس ٢: ١٥

فَبُهِتُوا أي حاروا وتعجبوا. وعلّة ذلك جودة تعليمه وأسلوب بيانه (انظر الشرح متّى ٧: ٢٨ و٢٩).

بِسُلْطَانٍ كملك أو نبي وكمن لكلامه تأثير في الضمير والقلب وذلك من غيرته ويقينه صحة ما يتكلم به والشعور بأهميته ولأن قوة الروح القدس رافقت كلامه.

٣٣ – ٣٦ «٣٣ وَكَانَ فِي ٱلْمَجْمَعِ رَجُلٌ بِهِ رُوحُ شَيْطَانٍ نَجِسٍ، فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: ٣٤ آهِ مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ! أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ: قُدُّوسُ ٱللّٰهِ. ٣٥ فَٱنْتَهَرَهُ يَسُوعُ قَائِلاً: ٱخْرَسْ وَٱخْرُجْ مِنْهُ. فَصَرَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فِي ٱلْوَسَطِ وَخَرَجَ مِنْهُ وَلَمْ يَضُرَّهُ شَيْئاً. ٣٦ فَوَقَعَتْ دَهْشَةٌ عَلَى ٱلْجَمِيعِ، وَكَانُوا يُخَاطِبُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً قَائِلِينَ: مَا هٰذِهِ ٱلْكَلِمَةُ! لأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ يَأْمُرُ ٱلأَرْوَاحَ ٱلنَّجِسَةَ فَتَخْرُجُ».

مرقس ١: ٢٣، ع ٤١، مزمور ١٦: ١٠ ودانيال ٩: ٢٤ وص ١: ٣٥

انظر الشرح مرقس ١: ٢٣ – ٢٦ فإن الخبر واحد في البشارتين.

وَكَانَ فِي ٱلْمَجْمَعِ أي كان حاضراً فيه في أحد الأيام التي كان يتكلم فيها يسوع هنالك.

فَصَرَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ (ع ٣٥) زاد لوقا هذه الجملة على ما قاله مرقس. كان للشيطان قوة على جسد ذلك الرجل حتى أنه طرحه في وسط المجمع يتشنج كالمصاب بالصرع.

وَلَمْ يَضُرَّهُ شَيْئاً لأن قوة يسوع منعت الشيطان من أذاه.

فأول المعجزات التي ذكرها مرقس ولوقا من معجزات المسيح تسلط يسوع على الأرواح النجسة. وأول ما ذكره متّى سلطانه على أمراض الناس. وأول ما ذكره يوحنا قوته على عالم المادة بتحويل بعض العناصر إلى بعض.

٣٧ «وَخَرَجَ صِيتٌ عَنْهُ إِلَى كُلِّ مَوْضِعٍ فِي ٱلْكُورَةِ ٱلْمُحِيطَةِ».

انظر الشرح مرقس ١: ٢٨. انتشر صيته في أحكام التعليم وفي صنع المعجزات فكان موضوع حديث الجموع اينما ذهبوا هذين الأمرين.

٣٨، ٣٩ «٣٨ وَلَمَّا قَامَ مِنَ ٱلْمَجْمَعِ دَخَلَ بَيْتَ سِمْعَانَ. وَكَانَتْ حَمَاةُ سِمْعَانَ قَدْ أَخَذَتْهَا حُمَّى شَدِيدَةٌ. فَسَأَلُوهُ مِنْ أَجْلِهَا. ٣٩ فَوَقَفَ فَوْقَهَا وَٱنْتَهَرَ ٱلْحُمَّى فَتَرَكَتْهَا! وَفِي ٱلْحَالِ قَامَتْ وَصَارَتْ تَخْدِمُهُمْ».

متّى ٨: ١٤ ومرقس ١: ٢٦

انظر الشرح متّى ٨: ١٤ – ١٥ ومرقس ١: ٢٩ – ٣١.

قَامَ لأنه كان يعلّم الشعب جالساً.

بَيْتَ سِمْعَانَ أي بيت بطرس. وقال مرقس أنه بيت سمعان وأندراوس وهما أخوان شريكان في الصيد (متّى ٤: ١٨).

حُمَّى شَدِيدَةٌ أي عظيمة الالتهاب كثيرة الخطر. وذكر لوقا بعد وصفه حماها بالشدة أن يسوع انتهر تلك الحمى كأنها ذات إدراك. ومعنى ذلك أنه أزالها وأن المحمومة قامت حالاً وخدمت الحاضرين خلافاً للناقهين من الحمى فإنهم يكونون حينئذ ضعفاء.

٤٠، ٤١ «٤٠ وَعِنْدَ غُرُوبِ ٱلشَّمْسِ، جَمِيعُ ٱلَّذِينَ كَانَ عِنْدَهُمْ سُقَمَاءُ بِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ قَدَّمُوهُمْ إِلَيْهِ، فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَشَفَاهُمْ. ٤١ وَكَانَتْ شَيَاطِينُ أَيْضاً تَخْرُجُ مِنْ كَثِيرِينَ وَهِيَ تَصْرُخُ وَتَقُولُ: أَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ! فَٱنْتَهَرَهُمْ وَلَمْ يَدَعْهُمْ يَتَكَلَّمُونَ، لأَنَّهُمْ عَرَفُوهُ أَنَّهُ ٱلْمَسِيحُ».

متّى ٨: ١٦ ومرقس ١: ٣٢، مرقس ١: ٣٤ و٣: ١١، مرقس ١: ٢٥ و٣٤ وع ٣٤ و٣٥

انظر الشرح متّى ٨: ١٦ و١٧ ومرقس ١: ٣٢ – ٣٤. زاد لوقا على كلام متّى ومرقس قول الشياطين «أنت المسيح ابن الله الحي» «وأنهم عرفوه أنه المسيح».

انفراد يسوع وتبشيره بعد ذلك ع ٤٢ إلى ٤٤

٤٢ – ٤٤ «٤٢ وَلَمَّا صَارَ ٱلنَّهَارُ خَرَجَ وَذَهَبَ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ، وَكَانَ ٱلْجُمُوعُ يُفَتِّشُونَ عَلَيْهِ. فَجَاءُوا إِلَيْهِ وَأَمْسَكُوهُ لِئَلاَّ يَذْهَبَ عَنْهُمْ. ٤٣ فَقَالَ لَـهُمْ: إِنَّهُ يَنْبَغِي لِي أَنْ أُبَشِّرَ ٱلْمُدُنَ ٱلأُخَرَ أَيْضاً بِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ، لأَنِّي لِهٰذَا قَدْ أُرْسِلْتُ. ٤٤ فَكَانَ يَكْرِزُ فِي مَجَامِعِ ٱلْجَلِيل».

الخبر هنا كالخبر في إنجيل متّى ٤: ٢٣. وإنجيل مرقس ١: ٣٥ – ٣٩. فانظر الشرح في الموضعين. ومعنى قوله أمسكوه أنهم أرادوا أن يبقوه عندهم في كفرناحوم للتعليم والشفاء.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى