سفر اللاويين

سفر اللاويين | 25 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر اللاويين

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلْعِشْرُونَ

١ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى فِي جَبَلِ سِينَاءَ».

وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى يناسب هذا الأصحاح أن يكون على أثر الأصحاح الثالث والعشرين لأن سُنن السنة السبتية واليوبيل هنا مناسبة لسنن الأعياد المذكورة في ذلك الأصحاح. ولا نعرف لماذا فُصلت السنن هنا عن تلك إلا لأنها وُضعت للإسرائيليين ليعملوا بها متى دخلوا أرض الموعد أي إن العلة تغير المكان وهذا الذي ذهب إليه علماء الناموس مدة الهيكل الثاني فكانت كأنها مستقلة عن الشرائع التي أوجبها عليهم وهم في البرية.

فِي جَبَلِ سِينَاءَ أي في أرض سيناء الجبلية. وقد اعتاد الكتاب أن يريد بالجبل الأرض المقدسة (عدد ١٢: ٩ وتثنية ١: ٢ ويشوع ١٤: ١٢ الخ). والمعنى إن الوصايا الآتية أعلنها الرب لموسى حين كان الإسرائيليون نازلين في جوار سيناء إذ بقوا في تلك البرية نحو اثني عشر شهراً بعد خروجهم من مصر (عدد ١٠: ١١ و١٢).

٢ «قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: مَتَى أَتَيْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أَنَا أُعْطِيكُمْ تَسْبِتُ ٱلأَرْضُ سَبْتاً لِلرَّبِّ».

خروج ٢٣: ١٠ وص ٢٦: ٣٤ و٣٥ و٢ أيام ٣٦: ٢١

مَتَى أَتَيْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ هذا مثال رابع في سفر اللاويين لإعطاء الشرائع قبل وقتها (انظر ص ١٤: ٣٤ و١٩: ٢٣ و٢٣: ١٠). وعمل الإسرائيليين بمقتضى هذه الشريعة على ما قال علماء الناموس مدة الهيكل الثاني بعد إحدى وعشرين سنة لدخولهم أرض كنعان لأن الاستيلاء عليها شغل سبع سنين (يشوع ١٤: ١٠) وقسمة الأرض على الأسباط شغل سبع سنين (يشوع ١٨: ١ الخ) وحراثة الأرض وزرعها كما يجب لم يتم إلا بعد سبع سنين من نهاية القسمة.

تَسْبِتُ ٱلأَرْضُ (انظر تفسير ص ٢٣: ٣٢ و١٦: ٣١) السبت السنوي للأرض مقابل للسبت الأسبوعي للناس. وكان السبت الأسبوعي يشير إلى خلقه العالم في ستة أيام واستراحته في اليوم السابع. وكان السبت السنوي يشير إلى أن الله رب الأرض وكان تقديسه اعترافاً بذلك كالسبت الأسبوعي (خروج ٢٠: ١٠ و٢٣: ٣ وتثنية ٥: ١٤). والسبت السنوي «للرب» (انظر ع ٤).

٣ «سِتَّ سِنِينَ تَزْرَعُ حَقْلَكَ، وَسِتَّ سِنِينَ تَقْضِبُ كَرْمَكَ وَتَجْمَعُ غَلَّتَهُمَا».

سِتَّ سِنِينَ تَزْرَعُ (انظر خروج ٢٣: ١٠).

غَلَّتَهُمَا أي غلة قسمي الأرض المذكورة في الآية السابقة حقولها وكرومها فتلك الغلة هي الحنطة والشعير وسائر الحبوب والعنب والزيتون الخ (انظر خروج ٢٣: ١١).

٤ «وَأَمَّا ٱلسَّنَةُ ٱلسَّابِعَةُ فَفِيهَا يَكُونُ لِلأَرْضِ سَبْتُ عُطْلَةٍ، سَبْتاً لِلرَّبِّ. لاَ تَزْرَعْ حَقْلَكَ وَلاَ تَقْضِبْ كَرْمَكَ».

وَأَمَّا ٱلسَّنَةُ ٱلسَّابِعَةُ هي سبت السبوت.

فَفِيهَا يَكُونُ لِلأَرْضِ سَبْتُ عُطْلَةٍ أي عطلة للراحة فيجب أن تستريح الأرض في السبت السنوي كما يستريح الإنسان في السبت الأسبوعي (انظر تفسير ص ١٦: ٣١).

لاَ تَزْرَعْ حَقْلَكَ لم يذكر الكتاب تفصيل ذلك لكن الذي عُلم من قانون علماء الناموس مدة الهيكل الثاني أنه لا يجوز لأحد من أرباب الأرض في السنة السابعة أن يزرع شجراً ولا أن يقطع الأغصان اليابسة ولا أن يقطع الأوراق الزاوية ولا أن ينشئ دخاناً تحت النبت ليقتل الحشرات ولا أن يطيّن الثمر غير الناضج بشيء من التراب ليقيه من الحشرات. وإن كل من تعدّى ذلك وجب عليه أن يُجلد. على أنه كان جائزاً أن يُزرع من الأرض ما هو كافٍ لأن يغلّ مقدار العشور والتقدمات الطعامية كعُمر الشعير وحزمة ترديد الفصح وحنطة رغيفي الترديد في عيد الفصح.

٥ «زِرِّيعَ حَصِيدِكَ لاَ تَحْصُدْ وَعِنَبَ كَرْمِكَ ٱلْمُحْوِلِ لاَ تَقْطِفْ. سَنَةَ عُطْلَةٍ تَكُونُ لِلأَرْضِ».

٢ملوك ١٩: ٢٩

زِرِّيعَ حَصِيدِكَ الزريع ما ينبت في الحول القادم مما تناثر من حصيد الحول الماضي في وقت الحصاد. فلم يقصر النهي لرب الأرض عن الزرع بل نهاه أيضاً عن حصد ما لم يزرعه في أرضه من منثور الحصيد الماضي.

وَعِنَبَ كَرْمِكَ ٱلْمُحْوِلِ لاَ تَقْطِفْ أراد المترجم بالمحول الذي تُرك حولاً لم يُقضب أي لم تُقطع أغصانه وهو اسم مفعول من حول الأرض أي زرعها حولاً وتركها حولاً فاستعمالها لعدم قضب الكرم مجاز فكأنه قال «عنب كرمك غير المقضوب لا تقطف». والذي في الأصل العبراني «عنب كرمك النذير (أي المنذور) لا تقطف» والمعنى الموقوف للرب في السنة السابعة.

٦ «وَيَكُونُ سَبْتُ ٱلأَرْضِ لَكُمْ طَعَاماً. لَكَ وَلِعَبْدِكَ وَلأَمَتِكَ وَلأَجِيرِكَ وَلِمُسْتَوْطِنِكَ ٱلنَّازِلِينَ عِنْدَكَ».

يَكُونُ سَبْتُ ٱلأَرْضِ أي حاصلات مدة سبت الأرض وقد تقدّم حذف المضاف لقرينه (انظر ص ٢٣: ٣٨).

لَكُمْ طَعَاماً أي لكم أن تأكلوه ولكن ليس لكم أن تتجروا به أو تذخروه. وهذا ما عُرف أيضاً مدة الهيكل الثاني فإنهم كانوا يأكلون غلال السنة السابعة وما كان يُسمح لهم أن يحولوه إلى صنف آخر من الطعام كأن يجعلوا العنب زبيباً أو دبساً ونحوهما فكان يجوز لهم أن يستعملوا الحطب وقوداً ولكن لم يكن لهم أن يصنعوه فحماً ثم يوقدوه ولا أن يتخذوا من البقول أدوية ولا أن يطعموا البهائم الأطعمة الإنسانية في البيت.

لَكَ وَلِعَبْدِكَ كانت تُترك الحاصلات في الحقل والكرم للعبيد والمساكين الخ (انظر أيضاً خروج ٢٣: ١١). وعلى هذا قال علماء الناموس مدة الهيكل الثاني «من منع كرمه أو حقله أو جمع كل غلتهما إلى بيته في السنة السابعة يتعدى هذه الشريعة». كل شيء من غلتهما يترك مشتركاً ولكل إنسان أن يأكل منها لكن يجب على كل إنسان أن لا يأتي إلى بيته إلا بالضروري منها لا أن يجمع ما يستطيعه ويذخره.

٧ «وَلِبَهَائِمِكَ وَلِلْحَيَوَانِ ٱلَّذِي فِي أَرْضِكَ تَكُونُ كُلُّ غَلَّتِهَا طَعَاماً».

وَلِبَهَائِمِكَ استنتج علماء الناموس من هذا مدة الهيكل الثاني وجوب الإحسان إلى البهائم وقالوا إن أثمار السنة السابعة لا يأكلها إلا الإنسان في البيت ما دامت توجد في الحقل. فما دامت البهائم تأكل من نوع في الحقل فللإنسان أن يأكل منه في البيت. فإن أكلت البهائم كل ما في الحقل. وبقي من أمور السنة السابعة إبراء الدين وهذا ذُكر في سفر التثنية فانظره إن أردت (تثنية ١٥: ١ – ٣). وكان أول السنة السبتية مدة الهيكل الثاني اليوم الأول من تشري الذي هو أول السنة المدنية. وكانوا يتركون حرث بعض الحقول والبساتين وزرعها في السنة السادسة. فيتركون حرث حقول الحبوب من عيد الفصح والبساتين من عيد العنصرة في السنة السادسة وكان الملك يقرأ مدة الهيكل الثاني أجزاء الشريعة التي مضمونها في (تثنية ٣١: ١ – ١٣) وكان في نهاية السنة السابعة التي تتصل باليوم الأول من عيد المظال في السنة الثامنة يُنصب منبر من خشب في دار الهيكل الخارجية ويجلس الملك عليه. فيأخذ رئيس المجمع كتاب الشريعة ويعطيه رأس المجمع وهذا يعطيه رأس الكهنة ورأس الكهنة يعطيه الحبر الأعظم والحبر الأعظم يعطيه الملك فيقف ويأخذه منه ثم يجلس ويقرأ الفصول السبعة الآتية: (١) تثنية ١: ١ – ٦: ٣. و(٢) ٦: ٤ – ٨. و(٣) ١١: ١٣ – ٢٢. و(٤) ١٤: ٢٢ – ١٥: ٢٣. و(٥) ١٦: ١٢ – ١٩ و(٦) ١٧: ١٤ – ٢٠. و(٧) ١٧: ١ – ١٨: ٢٩. ويختم ما يقرأه الملك ببركة يفوه بها الحبر الأعظم (انظر ص ١٦: ٢٧ والتفسير).

٨ «وَتَعُدُّ لَكَ سَبْعَةَ سُبُوتِ سِنِينَ. سَبْعَ سِنِينَ سَبْعَ مَرَّاتٍ. فَتَكُونُ لَكَ أَيَّامُ ٱلسَّبْعَةِ ٱلسُّبُوتِ ٱلسَّنَوِيَّةِ تِسْعاً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً».

وَتَعُدُّ… سَبْعَةَ سُبُوتِ سِنِينَ أي سبعة أسابيع سنة (انظر ص ٢٣: ١٥) فحسب هنا الأسبوع سبع سنين فالسبعة الأسابيع ٤٩ سنة ولهذا فسرّها بقوله على الأثر «سبع سنين سبع مرات». وإذ كان هذا اليوبيل مما سن عليهم في أرض الميعاد (انظر ع ٢) وكان أول السنة الأسبوعية على ما قيل مدة الهيكل الثاني في نهاية السنة الحادية والعشرين بعد دخولهم أرض كنعان (انظر ع ٢ والتفسير) كان اليوبيل الأول في السنة الرابعة والستين لدخولهم أرض كنعان أو أرض الميعاد.

٩ «ثُمَّ تُعَبِّرُ بُوقَ ٱلْهُتَافِ فِي ٱلشَّهْرِ ٱلسَّابِعِ فِي عَاشِرِ ٱلشَّهْرِ. فِي يَوْمِ ٱلْكَفَّارَةِ تُعَبِّرُونَ ٱلْبُوقَ فِي جَمِيعِ أَرْضِكُمْ».

ص ٢٣: ٢٤ و٢٧

تُعَبِّرُ بُوقَ ٱلْهُتَافِ أي تجيز البوق وهو يُهتف به. كان هذا البوق على ما عُرف من علماء الناموس مدة الهيكل الثاني قرناً مستقيماً من قرون الكباش وكان منفخه محاطاً بالذهب.

فِي يَوْمِ ٱلْكَفَّارَةِ تُعَبِّرُونَ ٱلْبُوقَ أي تهتفون بالبوق في أجزاء الأرض في ذلك اليوم. قال علماء الناموس مدة الهيكل الثاني كان اليهود في ختام يوم الكفارة يتحققون سلامة أذهانهم وإن أباهم السماوي غفر لهم خطاياهم وإنهم اتحدوا به أيضاً برحمته التي منحهم إياها فكان يُدعى كل إسرائيلي إلى أن ينادي في الأرض بالنفخ تسع مرات بالبوق ويفيد أنه آن راحة الأرض وعتق العبيد وإبراء الدين لأن الله أبرأهم من ديونهم فوجب عليهم أن يبرأوا مديونيهم مما لهم عليهم من الدَّين.

١٠ «وَتُقَدِّسُونَ ٱلسَّنَةَ ٱلْخَمْسِينَ، وَتُنَادُونَ بِٱلْعِتْقِ فِي ٱلأَرْضِ لِجَمِيعِ سُكَّانِهَا. تَكُونُ لَكُمْ يُوبِيلاً وَتَرْجِعُونَ كُلٌّ إِلَى مُلْكِهِ، وَتَعُودُونَ كُلٌّ إِلَى عَشِيرَتِهِ».

إشعياء ٦١: ٢ و٦٣: ٤ وإرميا ٣٤: ٨ و١٥ و١٧ ولوقا ٤: ١٩ ع ١٣ وعدد ٣٦: ٤

وَتُقَدِّسُونَ ٱلسَّنَةَ ٱلْخَمْسِينَ استنتج علماء الناموس مدة الهيكل الثاني من قوله «تقدسون السنة الخمسين» إن ابتداء عمل اليوبيل الصالح أول يوم من تشري الذي هو بدء السنة الذي يجب أن يُقدس. ولهذا كان أول السنة الجديدة أو أول تشري عند العبرانيين استعداداً ليوم الكفارة ولأول أعمال الرحمة التي بداءتها ذلك اليوم العظيم يوم الكفارة. ومن ثم ابتدأوا يحسبون دور اليوبيل من أول تشري الذي هو أول السنة الجديدة. مع أن المناداة بالأبواق كانت في اليوم العاشر أو في نهاية يوم الكفارة. وعلى ما في أقوال علماء دين اليهود مدة الهيكل الثاني من عيد الأبواق (أي أول تشري) إلى يوم الكفارة (أي ١٠ تشري) لا يُعتق العبيد لكي يرجعوا إلى بيوتهم ولا يمسكون لكي يخدموا أسيادهم بل يأكلون ويشربون ويفرحون ويلبسون الأكاليل. ومتى دخل يوم الكفارة نفخ القضاة في الأبواق وعُتق العبيد ورجعوا إلى بيوتهم وأُطلقت الكروم والحقول لمن يريد دخولها وأكل أثمارها.

وَتُنَادُونَ بِٱلْعِتْقِ فِي ٱلأَرْضِ لِجَمِيعِ سُكَّانِهَا أي لكل الإسرائيليين الذين يكونون هم أرباب الأرض حقيقة. ولهذا ذهب رؤساء دين اليهود القدماء أن شريعة اليوبيل لم تكن حقيقية إلا في مدة بقاء اليهود ساكنين الأرض باعتبار كونهم أمة لا بعد أن سبى فول وتغلث فلناسر سبطي رأوبين وجاد ونصف سبط منسى (١أيام ٥: ٢٦) لأن كل سكان الأرض لم يسكنوا فيها بعد. ومن الهتاف والمناداة بالحرية سُميت سنة اليوبيل «سنة الحرية» (حزقيال ٤٦: ١٧).

تَكُونُ لَكُمْ يُوبِيلاً أي سنة يوبيل (انظر ع ١٣ و٢٨ و٤٠ و٥٠ و٥٢ و٥٤). (ومعناها «سنة مناداة أو هتاف بالبوق» فإن معنى اليوبيل قرن الكبش والصوت الخارج منه بالنفخ أيضاً. والمعنى الأول حقيقي والمعنى الثاني مجازي).

وَتَرْجِعُونَ كُلٌّ إِلَى مُلْكِهِ الخ (انظر ع ٣٩ و٤٠).

١١ «يُوبِيلاً تَكُونُ لَكُمُ ٱلسَّنَةُ ٱلْخَمْسُونَ. لاَ تَزْرَعُوا وَلاَ تَحْصُدُوا زِرِّيعَهَا وَلاَ تَقْطِفُوا كَرْمَهَا ٱلْمُحْوِلَ».

ع ٥

يُوبِيلاً تَكُونُ لَكُمُ ٱلسَّنَةُ ٱلْخَمْسُونَ لما كانت السنة التاسعة والأربعون السنة السبتية والسنة المكملة الخمسين سنة اليوبيل كانت السنتان متواليتين بالضرورة.

لاَ تَزْرَعُوا كانت سنة اليوبيل كالسنة السبتية لا يجوز فيها الزرع ولا الحصاد.

وَلاَ تَحْصُدُوا زِرِّيعَهَا أي ما ينبت دون أن تزرعوه وذلك مما انتثر من حصاد العام الأول (انظر ع ٥ والتفسير).

ٱلْمُحْوِلَ أي الذي لم يُقضب (انظر ع ٥ والتفسير).

١٢ «إِنَّهَا يُوبِيلٌ. مُقَدَّسَةً تَكُونُ لَكُمْ. مِنَ ٱلْحَقْلِ تَأْكُلُونَ غَلَّتَهَا».

ع ٦ و٧

مِنَ ٱلْحَقْلِ تَأْكُلُونَ غَلَّتَهَا لأنها سنة اليوبيل الذي يجب أن يُعتبر فريضة مقدسة. وكان يحظر عليهم أن يذخروا غلتها بل كان لكل واحد أن يدخل الحقل أو الكرم ويجني ما يحتاج إليه في يومه.

١٣ «فِي سَنَةِ ٱلْيُوبِيلِ هٰذِهِ تَرْجِعُونَ كُلٌّ إِلَى مُلْكِهِ».

ع ١٠ وص ٢٧: ٢٤ وعدد ٣٦: ٤

تَرْجِعُونَ كُلٌّ إِلَى مُلْكِهِ كان كل يرجع في سنة اليوبيل إلى ملكه الذي كان قد خرج من يده ببيع أو بهبة.

١٤ «فَمَتَى بِعْتَ صَاحِبَكَ مَبِيعاً، أَوِ ٱشْتَرَيْتَ مِنْ يَدِ صَاحِبِكَ، فَلاَ يَغْبِنْ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ».

ص ١٩: ١٣ وع ١٧ و١صموئيل ١٢: ٣ و٤ وميخا ٢: ٢ و١كورنثوس ٦: ٨

فَلاَ يَغْبِنْ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ (الغبن الخداع والغلب في البيع والشراء فالمعنى لا يخدع أحدكم الآخر ويغلبه في البيع والشراء). لم تكتف الشريعة بالإنتصاف للمسكين برد ما باعه لعوزه إليه في اليوبيل فزادت على ذلك أن يرد الغابن للمغبون ما أخذه منه فيرد البائع ما أخذه زيادة على الثمن الذي يستحقه المبيع ويعطي الشاري ما نقصه المبيع عن الثمن الذي يستحقه. ولذلك قال علماء الدين إذا اشترى أحد أو باع شيئاً بزيادة سدس ما يستحقه وجب أن يُرد الزائد وإن كان الزيادة فوق السدس بطل البيع. ومعنى الأخ في العبارة أحد الناس أو الجماعة أو أهل الإيمان أو الجنس (انظر خروج ٣٢: ٢٧ وإرميا ٣١: ٣٤).

١٥ «حَسَبَ عَدَدِ ٱلسِّنِينَ بَعْدَ ٱلْيُوبِيلِ تَشْتَرِي مِنْ صَاحِبِكَ، وَحَسَبَ سِنِي ٱلْغَلَّةِ يَبِيعُكَ».

ص ٢٧: ١٨ و٢٣

حَسَبَ عَدَدِ ٱلسِّنِينَ… تَشْتَرِي كانت أرض الميعاد يتوقع أن تقسم بالقرعة أجزاء متساوية على الإسرائيليين وكان النصيب ميراثاً أبدياً يرثه الخلَف عن السلَف ولذلك إذا اضطر أحد منهم إلى بيع شيء من أرضه ما كان يجوز للشاري أن يشتريه إلا لمدة بين اليوبيلين وكان عليه أن يرده إلى صاحبه في اليوبيل الثاني أو إلى أهل صاحبه إذا كان قد مات.

مِنْ صَاحِبِكَ أي أحد الإسرائيليين فإنه لو اشتراه أحد من الأمم ما رده إليه فيخرج من أملاك السبط ما هو من الميراث الأبدي.

حَسَبَ سِنِي ٱلْغَلَّةِ يَبِيعُكَ أي السنين الباقية لليوبيل الثاني وطرح السنة السبتية أيضاً لأنها ليست من سني الغلة.

١٦ «عَلَى قَدْرِ كَثْرَةِ ٱلسِّنِينَ تُكَثِّرُ ثَمَنَهُ، وَعَلَى قَدْرِ قِلَّةِ ٱلسِّنِينَ تُقَلِّلُ ثَمَنَهُ لأَنَّهُ عَدَدَ ٱلْغَلاَّتِ يَبِيعُكَ».

عَلَى قَدْرِ كَثْرَةِ ٱلسِّنِينَ… وَعَلَى قَدْرِ قِلَّةِ فإن كانت سنو الغلة كثيرة كان الثمن كثيراً وإن كانت قليلة كان الثمن قليلاً لأن الشاري لا بد من أن يرد ما اشتراه في سنة اليوبيل.

لأَنَّهُ عَدَدَ ٱلْغَلاَّتِ يَبِيعُكَ أي أنه يبيعك غلال الأرض في السنين الباقية لليوبيل لا الأرض نفسها.

١٧ «فَلاَ يَغْبِنْ أَحَدُكُمْ صَاحِبَهُ بَلِ ٱخْشَ إِلٰهَكَ. إِنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ».

ع ١٤ ص ١٩: ١٤ و٣٢ وع ٤٣

فَلاَ يَغْبِنْ أَحَدُكُمْ صَاحِبَهُ (انظر ع ١٤ والتفسير).

بَلِ ٱخْشَ إِلٰهَكَ لأنه ينتقم من المظلوم للظالم (انظر ص ١٩: ١٤).

١٨ «فَتَعْمَلُونَ فَرَائِضِي وَتَحْفَظُونَ أَحْكَامِي وَتَعْمَلُونَهَا لِتَسْكُنُوا عَلَى ٱلأَرْضِ آمِنِينَ».

ص ١٩: ٣٧ ص ٢٦: ٥ وتثنية ١٢: ١٩ ومزمور ٤: ٨ وأمثال ١: ٢٣ وإرميا ٢٣: ٦

فَتَعْمَلُونَ فَرَائِضِي أي الفرائض المذكورة من السنة السبتية واليوبيل وما يتعلق بهما من سنن الذبائح والتقدمات.

لِتَسْكُنُوا عَلَى ٱلأَرْضِ آمِنِينَ لأن إله إسرائيل حصن حصين وسور متين أي له كل القدرة على وقايتكم. ويُحصل على حفظه وحمايته بحفظ وصاياه.

١٩ «وَتُعْطِي ٱلأَرْضُ ثَمَرَهَا فَتَأْكُلُونَ لِلشَّبَعِ وَتَسْكُنُونَ عَلَيْهَا آمِنِينَ».

ص ٢٦: ٥ وحزقيال ٣٤: ٢٥ و٢٧ و٢٨

وَتُعْطِي ٱلأَرْضُ ثَمَرَهَا إن الذي فرض على إسرائيل تلك الفرائض يكلف الطبيعة بإعطائها الغلال فإذا كفوا عن زرعها كما أوصاهم جعلها تأتي بكل ما يحتاجون إليه من الغلال وجعلهم يسكنون الأرض آمنين فلا يضطرون أن يغزوا جيرانهم بغية الحصول على الطعام أو أن يخضعوا لهم لنيل ما يحتاجون إليه (١مكا ٦: ٤٩ و٥٣ ويوسيفوس التاريخ القديم ١٤: ١٦و ١٥: ١).

٢٠ «وَإِذَا قُلْتُمْ: مَاذَا نَأْكُلُ فِي ٱلسَّنَةِ ٱلسَّابِعَةِ إِنْ لَمْ نَزْرَعْ وَلَمْ نَجْمَعْ غَلَّتَنَا؟».

متّى ٦: ٢٥ و٣١ ع ٤ و٥

وَإِذَا قُلْتُمْ: مَاذَا نَأْكُلُ فِي ٱلسَّنَةِ ٱلسَّابِعَةِ ذكر الشارع هنا الاعتراض المترتب على ذلك قبل أن يذكروه لأن هذا الاعتراض يخطر على بالهم طبعاً لحاجتهم إلى قوام المعاش في السنة السبتية.

إِنْ لَمْ نَزْرَعْ لأننا نُهينا عن الزرع في تلك السنة (انظر ع ٤).

وَلَمْ نَجْمَعْ غَلَّتَنَا لأننا نُهينا أيضاً عن جمع الغلة التي تأتي بلا زرع (انظر ع ٧).

٢١ «فَإِنِّي آمُرُ بِبَرَكَتِي لَكُمْ فِي ٱلسَّنَةِ ٱلسَّادِسَةِ فَتَعْمَلُ غَلَّةً لِثَلاَثِ سِنِينَ».

خروج ١٦: ٢٩ وتثنية ٢٨: ٨

فَإِنِّي آمُرُ بِبَرَكَتِي أي أنه يقضي بأمره الإلهي أن تأتي الأرض في السنة السادسة بغلة وافرة ولا بد أن يكون ما يقضي به (انظر تثنية ٢٨: ٨ ومزمور ٤٢: ٨ و٤٤: ٤ و٦٨: ٢٩).

فَتَعْمَلُ غَلَّةً لِثَلاَثِ سِنِينَ أي أجعل غلة السنة السادسة ثلاثة أضعاف غيرها من سني الغلال. وقد عوّدهم الله مثل ذلك فإنه كان يرسل لهم في اليوم السادس من الأسبوع اليومي ضعفي ما كان يرسله في غيره من أيامه (خروج ١٦: ٢٢ – ٢٧) وهو يفعل كذلك في السنة السادسة من الأسبوع السنوي بأن يبارك التربة فتأتي بثلاثة أضعاف الغلة المعتادة. ولما كان أول السنة السادسة من الأسبوع أول السنة المدنية أي أول شهر تشري وكان يقع في الخريف أو في شهر أيلول كانت الثلاث السنين المذكورة هنا (١) بقية السنة السادسة بعد الحصاد. و(٢) كل السنة السابعة. و(٣) مدة السنة الثامنة إلى الحصاد وهو حصاد الغلال مما يُزرع في السنة الثامنة. ونستدل من هذا على أن قوله «ماذا نأكل في السنة السابعة» المناسب أن يكون «ماذا نأكل في السنة الثامنة» لأن مؤونة السنة السابعة من غلال السنة السادسة كما لا يخفى. ويدفع هذا الإشكال بتعليق السنة السابعة «بقلتم» فيكون المعنى «وإذا قلتم في السنة السابعة ماذا نأكل» أي في الثامنة لأن مؤونتها من السابعة. وكذا ترجم العبارة بعض العلماء من اليهود في القرون المتوسطة وهي الترجمة الواضحة. فالالتباس وقع من تأخير السنة السابعة عن قوله «نأكل» فسبق إلى الدهن أنها ظرف «لنأكل» وهي ظرف «لقلتم» (وهذا على ما سبق إلى ذهنهم وأوشكوا أن يقولوه وإلا فبعد إنجاز الوعد بغلة السنة السادسة لا يبقى محل للاعتراض).

٢٢ «فَتَزْرَعُونَ ٱلسَّنَةَ ٱلثَّامِنَةَ وَتَأْكُلُونَ مِنَ ٱلْغَلَّةِ ٱلْعَتِيقَةِ إِلَى ٱلسَّنَةِ ٱلتَّاسِعَةِ. إِلَى أَنْ تَأْتِيَ غَلَّتُهَا تَأْكُلُونَ عَتِيقاً».

٢ملوك ١٩: ٢٩ يشوع ٥: ١١ و١٢

فَتَزْرَعُونَ ٱلسَّنَةَ ٱلثَّامِنَةَ وَتَأْكُلُونَ مِنَ ٱلْغَلَّةِ ٱلْعَتِيقَةِ أي متى جمعتم غلة السنة الثامنة تروا أنه قد بقي لكم ما تأكلون من غلة السنة السادسة وهي السنة التي قبل الأسبوعية. والظاهر أن غلة السنة السادسة كانت تبقى إلى عيد المظال أي إلى أول تشري من السنة التاسعة.

إِلَى أَنْ تَأْتِيَ غَلَّتُهَا أي غلة السنة الثامنة التي تجمعونها في السنة التاسعة. والاعتراض في (ع ٢٠) والجواب عليه أو دفعه في (ع ٢١ و٢٢) متعلقان بالآية السابعة أو السنة السبتية أو الأسبوعية. ووضع الشارع (ع ٢٠ – ٢٢) هنا لأن الصعوبة وسنة اليوبيل أيضاً فإنه تُعطل الأرض حينئذ سنتين متواليتين فكان الاعتراض هنا ودفعه أولى مما لو ذُكر ودُفع في الآية السابعة.

٢٣ «وَٱلأَرْضُ لاَ تُبَاعُ بَتَّةً، لأَنَّ لِيَ ٱلأَرْضَ وَأَنْتُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عِنْدِي».

تثنية ٣٢: ٤٣ و٢أيام ٧: ٢٠ ومزمور ٨٥: ١ ويوئيل ٢: ١٨ و٣: ٢ ١وأيام ٢٩: ١٥ ومزمور ٣٩: ١٢ و١٩: ١٩ و١بطرس ٢: ١١

وَٱلأَرْضُ لاَ تُبَاعُ بَتَّةً أي لا يجوز أن يخرج نصيب أحد من الإسرائيليين أو نسله من الأرض دائماً إذا ألجأه الفقر إلى بيعها. وطريق ذلك البيع وطريق الشراء في (ع ١٤ – ١٧). فإن الأرض المبيعة كانت تُرد إلى بائعها في أوقات معيّنة كما ذُكر آنفاً (انظر ع ١٢) وقد ذُكر ذلك في ما مرّ بالإجمال وذكره هنا بالتفصيل.

لأَنَّ لِيَ ٱلأَرْضَ وإذا كانت الأرض لي فلا يجوز لأحد أن يبيعها بيعاً باتاً لأن ليس للإنسان أن يبيع ما ليس له (خروج ١٥: ١٧ وإشعياء ١٤: ٢ و٢٥ وإرميا ٢: ٥ ومزمور ١٠: ١٦). وبما أن الله رب الأرض حق له أن يقسمها على أسباط إسرائيل لينتفعوا بها لا لكي يبيعوها أو يأخذ أحدهم ما للآخر إلى الأبد.

وَأَنْتُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عِنْدِي لم يقتصر الله على مساعدة بني إسرائيل ليملكوا أرض كنعان فقط بل ليختاروها مسكناً له ويقيموا مقدسه فيها (خروج ١٥: ١٣ وعدد ٣٣٥: ٣٤) فإذاً هو ملك الأرض ورب عرشها وإنه هو أقطعهم الأرض باختياره (ص ١٤: ٣٤ و٢٠: ٢٤ و٢٣: ١٠ وعدد ١٣: ٢ و١٥: ٢). وإنه يطردهم منها إذا خالفوا وصاياه (ص ١٨: ٢٨ و٢٠: ٢٢ و٢٦: ٣٣ وتثنية ٢٨: ٦٣). ولهذا حسبوا غرباء ونزلاء وترتب على ذلك أن لا حق لهم أن يبيعوا الأرض بيعاً مطلقاً. وكيف يحق لهم وهي لله لا لهم.

٢٤ «بَلْ فِي كُلِّ أَرْضِ مُلْكِكُمْ تَجْعَلُونَ فِكَاكاً لِلأَرْضِ».

تَجْعَلُونَ فِكَاكاً لِلأَرْضِ لما تبيّن أن الأرض لله وإنه لمجرد إحسانه سمح لهم أن يسكنوا فيها ووزعها عليهم بالسواء وجب أن لا تبقى الأرض في تصرف المشتري دائماً بل تبقى إلى سنة اليوبيل ما لم يكن للبائع أن يفكها. فإنه كان للبائع أن يفك أرضه في أي وقت شاء قبل سنة اليوبيل.

٢٥ «إِذَا ٱفْتَقَرَ أَخُوكَ فَبَاعَ مِنْ مُلْكِهِ، يَأْتِي وَلِيُّهُ ٱلأَقْرَبُ إِلَيْهِ وَيَفُكُّ مَبِيعَ أَخِيهِ».

راعوث ٢: ٢٠ و٤: ٤ و٦ راعوث ٣: ٢ و٩ و١٢ وإرميا ٣٢: ٧ و٨

إِذَا ٱفْتَقَرَ أَخُوكَ فَبَاعَ لأن الافتقار هو السبب الوحيد للبيع وإلا لم يجز البيع وهذا ما كان عليه علماء الشريعة في عصر الهيكل الثاني. وهذا ما دل عليه قول نابوت لآخاب «حَاشَا لِي مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ أَنْ أُعْطِيَكَ مِيرَاثَ آبَائِي» (١ملوك ٢١: ٣).

يَأْتِي وَلِيُّهُ ٱلأَقْرَبُ إِلَيْهِ وَيَفُكُّ مَبِيعَ أَخِيهِ أي أقرب الناس إلى البائع اضطراراً للفقر يفك مبيع قريبه. وهذا كان من الواجب على ما يظهر كما كان الواجب على الإنسان أن يتزوج أرملة أخيه إذا لم يكن لها أولاد (راعوث ٣: ١٣). وأن ينتقم لدم قريبه (عدد ٣٥: ١٩ – ٢٨ وتثنية ١٩: ٦ – ١٢).

٢٦ «وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ، فَإِنْ نَالَتْ يَدُهُ وَوَجَدَ مِقْدَارَ فِكَاكِهِ».

وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ لكي يفك أرضه (وقال بعض المفسرين) إذا يحتمل أن ليس له ولي أو أن له ولياً ولكن لا يستطيع أن يفك الأرض لفقره أيضاً.

فَإِنْ نَالَتْ يَدُهُ إن نجح بعد فقره وكان له ما يفك به أرضه وجب أن يفكها. قال علماء الناموس ولا يجوز له أن يفكها بأن يستدين الفكاك.

٢٧ «يَحْسِبُ سِنِي بَيْعِهِ وَيَرُدُّ ٱلْفَاضِلَ لِلإِنْسَانِ ٱلَّذِي بَاعَ لَهُ فَيَرْجِعُ إِلَى مُلْكِهِ».

ع ٥٠ و٥١ و٥٢

يَحْسِبُ سِنِي بَيْعِهِ أي يقطع من الثمن الذي أخذه ثمن الغلال التي جناها المشتري في ما مضى من السنين قبل اليوبيل. فإذا كان مثلاً قد مرّ على البيع ثلاثون سنة كان على البائع أن يرد له ثمن الانتفاع في ما بقي إلى سنة اليوبيل فإن كان الباقي عشر سنين رد إليه ربع الثمن وقس على ذلك (هذا مقتضى ظاهر الآية). وقال علماء الناموس ليس للبائع أن يفك أرضه إلا بعد أن يجمع الشاري غلة سنتين منها على الأقل (انظر ع ١٥). قالوا وإن للشاري أن يطلب التعويض عما أتاه من التحسين.

فَيَرْجِعُ إِلَى مُلْكِهِ بعد ردّ الفاضل.

٢٨ «وَإِنْ لَمْ تَنَلْ يَدُهُ كِفَايَةً لِيَرُدَّ لَهُ، يَكُونُ مَبِيعُهُ فِي يَدِ شَارِيهِ إِلَى سَنَةِ ٱلْيُوبِيلِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فِي ٱلْيُوبِيلِ فَيَرْجِعُ إِلَى مُلْكِهِ».

ع ١٣

وَإِنْ لَمْ تَنَلْ يَدُهُ أي إن لم يستطع البائع أن يفك أرضه بأن يرد للشاري الفاضل له إلى سنة اليوبيل.

يَكُونُ مَبِيعُهُ الخ أي الأرض التي باعها تبقى للمشتري إلى حلول سنة اليوبيل وحينئذ تُرد إلى البائع بلا عوض. وغاية هذه الشريعة أن يبقى لكل بيت نصيبه من الأرض. وأن لا يستولي على الأرض كلها جماعة قليلة فيؤدي ذلك بكثيرين إلى الفقر المدقع. ولدفع مثل هذا وُضعت شريعة الميراث (عدد ٢٧: ٦ – ١١ و٣٦: ٥ – ١٣). وكان مثل هذه الشريعة عند غير الإسرائيليين من الأمم القديمة. فكانت الأرض لا تُباع بيعاً مطلقاً ولا تُشرى بمقتضى الشريعة إذا كانت مما قُسم على السكان بالقرعة. وكان من سنن سولون أن ليس للإنسان أن يشتري ما شاء من الأرض. ومن سنن أفلاطون أن ليس لأحد أن يستولي على ما يزيد على أربعة أضعاف ما للملاّك الأدنى من الأرض.

٢٩ «وَإِذَا بَاعَ إِنْسَانٌ بَيْتَ سَكَنٍ فِي مَدِينَةٍ ذَاتِ سُورٍ فَيَكُونُ فِكَاكُهُ إِلَى تَمَامِ سَنَةِ بَيْعِهِ. سَنَةً يَكُونُ فِكَاكُهُ».

بَيْتَ سَكَنٍ فِي مَدِينَةٍ ذَاتِ سُورٍ اختلفت شريعة البيع في المساكن التي في المدن ذوات الأسوار عن شريعة الأرض لأنها ليست من خلق الله (وإن تكن موادها من خلقه). انظر (ع ٢٣) ولم تُقسم بأمر الله على أسباط إسرائيل بالقرعة لأنها صنع الناس فإنهم هم بنوها وإنهم يقدرون أن يهدموها متى شاءوا أو كما يتصورون. ولذلك شريعة اليوبيل لم تتعلق بتلك المساكن البشرية الوقتية. وكان للإسرائيلي أن يبيع بيته من دون أن يلجئه الفقر إلى بيعه على أن الله لم يتركه أن يبقى بلا مسكن هو وعياله ما دام قادراً على أن يفكه. وقيل مدة الهيكل الثاني في بيوت المدينة ذات السور «إنها بيوت قائمة في أرض قصد أن تسور في أول الأمر ليُبنى فيها مساكن للناس ثم يُنبت فيها المساكن ولكن إن كان البيت بُني قبل أن تسور الأرض خرج من حكم هذه الشريعة».

فَيَكُونُ فِكَاكُهُ إِلَى تَمَامِ سَنَةِ بَيْعِهِ لبائع البيت أن يفك بيته بعد مرور سنة كاملة على بيعه إياه وإن مات قبل نهاية السنة أو عند نهايتها فلولده أن يغلّه إذا شاء بالثمن الذي بيع به. وبعد أكثر من سنة من بيعه لا يبقى له حق أن يغله. وكان القول في مدة الهيكل الثاني أن ليس للبائع أن يفك البيت بمالٍ يستدينه.

٣٠ «وَإِنْ لَمْ يُفَكَّ قَبْلَ أَنْ تَكْمُلَ لَهُ سَنَةٌ تَامَّةٌ وَجَبَ ٱلْبَيْتُ ٱلَّذِي فِي ٱلْمَدِينَةِ ذَاتِ ٱلسُّورِ بَتَّةً لِشَارِيهِ فِي أَجْيَالِهِ. لاَ يَخْرُجُ فِي ٱلْيُوبِيلِ».

وَإِنْ لَمْ يُفَكَّ أي إن لم يفكه البائع أو ابنه. قيل في عصر الهيكل الثاني إن قوله «سنة تامة» عبارة نافعة للبائع لكي يتمكن من فكاكه إذ يبقى له أن يفكه في آخر ساعة من السنة. إن بعض الشارين كان يغيب في آخر السنة لكي لا يبقى للبائع سبيلاً إلى الفكاك ولهذا كان للبائع أن يأتي بالفكاك لأُلي الأمر إن لم يجد الشاري. فكان للبائع حينئذ أن يكسر الباب ويستولي على كل ما في البيت. وكان البائع إذا مات الشاري قبل نهاية السنة يفك البيت من الوارث.

لاَ يَخْرُجُ فِي ٱلْيُوبِيلِ إذا لم يستطع البائع أن يفك البيت عند نهاية السنة من بيعه لا يخرج البيت من ملك الشاري كالأرض في سنة اليوبيل بل يبقى للشاري دائماً.

٣١ «لٰكِنَّ بُيُوتَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي لَيْسَ لَهَا سُورٌ حَوْلَهَا فَمَعَ حُقُولِ ٱلأَرْضِ تُحْسَبُ. يَكُونُ لَهَا فِكَاكٌ، وَفِي ٱلْيُوبِيلِ تَخْرُجُ».

لٰكِنَّ بُيُوتَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي لَيْسَ لَهَا سُورٌ كانت بيوت القرى جزءاً من الأرض فكان حكم بيعها حكم بيع الأرض تُرد إلى البائع في سنة اليوبيل بلا عوض.

٣٢ «وَأَمَّا مُدُنُ ٱللاَّوِيِّينَ، بُيُوتُ مُدُنِ مُلْكِهِمْ، فَيَكُونُ لَهَا فِكَاكٌ مُؤَبَّدٌ لِلاَّوِيِّينَ».

عدد ٣٥: ٢ ويشوع ٢١: ٢ الخ

وَأَمَّا مُدُنُ ٱللاَّوِيِّينَ أي إن بيوت اللاويين في المدن الثماني والأربعين مستثناة من حكم بيوت المدن المسوّرة (عدد ٣٥: ١ – ٨ ويشوع ٢١: ١ – ٣).

فَيَكُونُ لَهَا فِكَاكٌ أي وقت شاء البائع وتُرد في سنة اليوبيل.

٣٣ «وَٱلَّذِي يَفُكُّهُ مِنَ ٱللاَّوِيِّينَ ٱلْمَبِيعَ مِنْ بَيْتٍ أَوْ مِنْ مَدِينَةِ مُلْكِهِ يَخْرُجُ فِي ٱلْيُوبِيلِ، لأَنَّ بُيُوتَ مُدُنِ ٱللاَّوِيِّينَ هِيَ مُلْكُهُمْ فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ».

ع ٢٨

ٱلَّذِي يَفُكُّهُ مِنَ ٱللاَّوِيِّينَ أي الذي يفكه اللاوي من مبيع لاوي آخر باعه لفقره. والمعنى أن شريعة الفكاك واليوبيل تجري على اللاويين كما تجري على غيرهم.

مِنْ بَيْتٍ أَوْ مِنْ مَدِينَةِ مُلْكِهِ يَخْرُجُ فِي ٱلْيُوبِيلِ أي يرجع إليه في سنة اليوبيل ويخرج من ملك الشاري.

لأَنَّ بُيُوتَ مُدُنِ ٱللاَّوِيِّينَ هِيَ مُلْكُهُمْ كالأرض لغيرهم فحكم هذه البيوت كحكم الأرض التي قُمست على سائر الأسباط.

٣٤ «وَأَمَّا حُقُولُ ٱلْمَسَارِحِ لِمُدُنِهِمْ فَلاَ تُبَاعُ، لأَنَّهَا مُلْكٌ دَهْرِيٌّ لَهُمْ».

أعمال ٤: ٣٦ و٣٧

وَأَمَّا حُقُولُ ٱلْمَسَارِحِ لِمُدُنِهِمْ فَلاَ تُبَاعُ كان لمدن اللاويين ضواحي أو مسارح لبهائمهم وحقول للزراعة (عدد ٣٥: ٤ و٥) فتلك الحقول الزراعية التي في الضواحي مُنع بيعها وكذلك المسارح. وعلى ما عُرف من علماء الدين اليهودي مدة الهيكل الثاني إن معنى لفظة «تُباع» أوسع من المعنى المتعارف وهو أنه لا يجوز لهم أن يحولوا الحقول إلى المسارح أيضاً كما لا يجوز أن يبيعوها ولا أن يبيعوا المسارح.

لأَنَّهَا مُلْكٌ دَهْرِيٌّ لَهُمْ يرثها الخَلف عن السلَف ولا يجوز أن تخرج إلى غيرهم.

٣٥ «وَإِذَا ٱفْتَقَرَ أَخُوكَ وَقَصُرَتْ يَدُهُ عِنْدَكَ، فَٱعْضُدْهُ غَرِيباً أَوْ مُسْتَوْطِناً فَيَعِيشَ مَعَكَ».

تثنية ١٥: ٧ و٨ ومزمور ٣٧: ٢٦ و٤١: ١ و١١٥: ٥ و٩ وأمثال ١٤: ٣١ ولوقا ٦: ٣٥ وأعمال ١١: ٢٩ ورومية ١٢: ١٠ و١يوحنا ٣: ١٧

وَإِذَا ٱفْتَقَرَ أَخُوكَ هذا الجزء من شريعة اليوبيل يتعلق بعتق الإسرائيليين الذين ألجأهم الفقر إلى أن يبيعوا أنفسهم عبيداً (ع ٣٩ – ٥٥) ابتُدئ بكلام يحرك عاطفة الحنو والشفقة للإحسان إلى الأخ الفقير ومساعدته (ع ٣٥ – ٣٨).

وَقَصُرَتْ يَدُهُ عِنْدَكَ أي ضعفت فلم يستطع تحصيل أسباب المعاش مثلك. سبق القول في هذه الشريعة على رد المبيع من الأرض إلى من باعه من الفقر وتكلم هنا على من باع أرضه ولم يكفه ثمنها إلى اليوبيل فافتقر قبل أن يأتي يوم اليوبيل.

فَٱعْضُدْهُ متى ضعفت يده وقصرت عن تحصيل أسباب الحياة. كان على كل إسرائيلي أن يساعد قصير اليد عن وسائل المعاش.

غَرِيباً أَوْ مُسْتَوْطِناً (انظر تفسير ص ١٩: ٣٣ و٣٤).

٣٦ «لاَ تَأْخُذْ مِنْهُ رِباً وَلاَ مُرَابَحَةً بَلِ ٱخْشَ إِلٰهَكَ، فَيَعِيشَ أَخُوكَ مَعَك».

خروج ٢٢: ٢٥ وتثنية ٢٣: ١٩ ونحميا ٥: ٧ ومزمور ١٥: ٥ وأمثال ٢٨: ٨ وحزقيال ١٨: ٨ و١٣ و١٧ و٢٢: ١٢ ع ١٧ ونحميا ٥: ٩

لاَ تَأْخُذْ مِنْهُ رِباً وَلاَ مُرَابَحَةً أي أقرضه ما يصلح به شأنه ولا تستوف أكثر مما أقرضته. وقال علماء الدين اليهودي مدة الهيكل الثاني في بيان الفرق بين الربا والمرابحة ما مترجمه إذا دان إنسان إنساناً آخر شاقلاً وهو أربعة دنانير واستوفاه خمسة دنانير أو إذا دانه كيلين من القمح واستوفى ثمن ثلاثة أكيال فذلك رباً. وإذا اشترى إنسان من آخر قمحاً بخمسة وعشرين ديناراً عن كل كيل مثلاً ثم ارتفع سعر الكيل إلى ثلاثين ديناراً فقال الشاري للبائع اعطني القمح فإني أريد أن أبيعه وأشتري خمراً. فقال البائع إني اشتري منك القمح الكيل بثلاثين ديناراً وأعطيك بدلاً منه خمراً ولم يكن عند البائع خمر فذلك مرابحة مع أنه ربما ارتفع سعر الخمر فخسر البائع بهذا البدل.

٣٧ «فِضَّتَكَ لاَ تُعْطِهِ بِٱلرِّبَا، وَطَعَامَكَ لاَ تُعْطِ بِٱلْمُرَابَحَةِ».

هذه الآية تكرار التي قبلها للتأكيد والتقرير. وفيها تمييز بين الربا والمرابحة في أن الربا يكون في الدراهم والمرابحة تكون في الغلال أو الأطعمة.

٣٨ «أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمُ ٱلَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لِيُعْطِيَكُمْ أَرْضَ كَنْعَانَ فَيَكُونَ لَكُمْ إِلٰهاً».

خروج ٢١: ٢ وتثنية ١٥: ١٢ و١ملوك ٩: ٢٢ و٢ملوك ٤: ١ ونحميا ٥: ٥ وإرميا ٣٤: ١٤ خروج ١: ١٤ وع ٤٦ وإرميا ٢٥: ١٤ و٢٧: ٧ و٣٠: ٨

ٱلَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ كأنه قال لهم افدوا إخوتكم من ضيق الفقر والعوز كما فديتكم من عبودية مصر (انظر ص ١٢: ٤٥).

٣٩ «وَإِذَا ٱفْتَقَرَ أَخُوكَ عِنْدَكَ وَبِيعَ لَكَ، فَلاَ تَسْتَعْبِدْهُ ٱسْتِعْبَادَ عَبْدٍ».

خروج ٢١: ٢ وتثنية ١٥: ١٢ و١ملوك ٩: ٢٢ و٢ملوك ٤: ١ ونحميا ٥: ٥ وإرميا ٣٤: ١٤ خروج ١: ١٤ وع ٤٦ وإرميا ٢٥: ١٤ و٢٧: ٧ و٣٠: ٨

إِذَا ٱفْتَقَرَ أَخُوكَ عِنْدَكَ أي إذا افتقر أخوك الغريب منك بعد أن ساعدته واحتاج إلى أسباب المعاش.

وَبِيعَ لَكَ أي باعك نفسه عبداً ليحصل على ما به قوام الحياة.

فَلاَ تَسْتَعْبِدْهُ ٱسْتِعْبَادَ عَبْدٍ أي لا تعامله معاملة عبد من الأمم تشتريه أو تأسره وتكلفه بالأعمال التي يكلف بها ذلك العبد. قال رؤساء الدين اليهودي في عصر الهيكل الثاني «إن من الأعمال التي لا يجوز أن يكلف بها بائع نفسه من الإسرائيليين ويكلف بها غيره من العبيد المشي وراء سيده في الطريق وحل سيور حذائه وما أشبه ذلك».

٤٠ «كَأَجِيرٍ كَنَزِيلٍ يَكُونُ عِنْدَكَ. إِلَى سَنَةِ ٱلْيُوبِيلِ يَخْدِمُ عِنْدَكَ».

كَأَجِيرٍ كَنَزِيلٍ يَكُونُ عِنْدَكَ أي يكون بمنزلة من يعمل عندك بالأجرة وكالضيف عندك لأنه يعمل إلى أجَل معيّن ثم يكون سيّد نفسه.

إِلَى سَنَةِ ٱلْيُوبِيلِ يَخْدِمُ عِنْدَكَ ولا سلطة لك عليه بعد سنة اليوبيل فشريعة بيع النفس كشريعة بيع الأرض.

٤١ «ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِكَ هُوَ وَبَنُوهُ مَعَهُ وَيَعُودُ إِلَى عَشِيرَتِهِ، وَإِلَى مُلْكِ آبَائِهِ يَرْجِعُ».

خروج ٢١: ٣ ع ٢٨

ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِكَ ويستولي على حريته السابقة ويأخذ معه أهل بيته وتُرد إليه أيضاً أرضه التي باعها.

٤٢ «لأَنَّهُمْ عَبِيدِي ٱلَّذِينَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لاَ يُبَاعُونَ بَيْعَ ٱلْعَبِيدِ».

ع ٥٥ ورومية ٦: ٢٢ و١كورنثوس ٧: ٢٣

لأَنَّهُمْ عَبِيدِي هذا رباط شريعة الاستعباد الإسرائيلي وهو أن الإسرائيليين الذين ألجأهم الفقر إلى أن يبيعوا أنفسهم لإخوتهم الإسرائيليين هم عبيد الله لا عبيد إخوتهم فإن الله هو ربهم كما أنه رب سادتهم الذين اشتروهم فإنه يفديهم ليخدموه كما فدى كل الإسرائيليين من عبودية مصر لذلك فلا فرق في ذلك بين العبد والحرّ.

لاَ يُبَاعُونَ بَيْعَ ٱلْعَبِيدِ كالأملاك الشخصية والبهائم. وفسّر رؤساء الدين اليهودي ذلك في عصر الهيكل الثاني بأن الإسرائيلي لا يباع بالمزايدة أو في الأسواق والأماكن العامة بل في السرّ أو الانفراد وبأسلوب كرامة ومراعاة شعوره وانفعالاته أحسن مراعاة.

٤٣ «لاَ تَتَسَلَّطْ عَلَيْهِ بِعُنْفٍ. بَلِ ٱخْشَ إِلٰهَكَ».

خروج ١: ١٣ وع ٤٦ وأفسس ٦: ٩ وكولوسي ٤: ١ خروج ١: ١٧ و٢١ وع ١٧ وتثنية ٢٥: ١٨ وملاخي ٣: ٥

لاَ تَتَسَلَّطْ عَلَيْهِ بِعُنْفٍ ما كان لمن يشتري أخاه الإسرائيلي أن يثقل عليه الخدمة كالعبد غير الإسرائيلي.

٤٤ «وَأَمَّا عَبِيدُكَ وَإِمَاؤُكَ ٱلَّذِينَ يَكُونُونَ لَكَ فَمِنَ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّذِينَ حَوْلَكُمْ. مِنْهُمْ تَقْتَنُونَ عَبِيداً وَإِمَاءً».

وَأَمَّا عَبِيدُكَ وَإِمَاؤُكَ إذ لم يكن للإسرائيلي أن يستعبد من يشتريه من الإسرائيليين كما يستعبد غيره من الأمم فينزهه عن الأعمال الدنيئة كحل سيور الحذاء والسير خلفه في الطريق ينشأ عن ذلك هذا الاعتراض وهو «إن كان لا يجوز لي أن أكلف من أشتريه من إخوتي بما أحتاج إليه من الأعمال مطلقاً فمن أكلف» فكانت هذه الآية دفعاً لذلك الاعتراض.

فَمِنَ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّذِينَ حَوْلَكُمْ أي من الأمم تقتنون عبيداً للقيام بالأعمال التي لا يجوز لكم أن تكلفوا بها من تشترون من إخوتكم الإسرائيليين فخذوا لذلك عبيداً من العمونيين والموآبيين والأدوميين والسريان الذين هم جيران لكم. إنه لم يكن مع ذلك للإسرائيليين أن يشتروا أو يستعبدوا أحداً من الأمم السبع التي بينهم وهي الأمم التي أُمروا أن يهلكوها (تثنية ٢٠: ١٦ – ١٨).

٤٥ «وَأَيْضاً مِنْ أَبْنَاءِ ٱلْمُسْتَوْطِنِينَ ٱلنَّازِلِينَ عِنْدَكُمْ، مِنْهُمْ تَقْتَنُونَ وَمِنْ عَشَائِرِهِمِ ٱلَّذِينَ عِنْدَكُمُ ٱلَّذِينَ يَلِدُونَهُمْ فِي أَرْضِكُمْ، فَيَكُونُونَ مُلْكاً لَكُمْ».

إشعياء ٥٦: ٣ و٦

أَيْضاً مِنْ أَبْنَاءِ ٱلْمُسْتَوْطِنِينَ أي الغرباء المقيمين بأرضكم. قال علماء الدين اليهودي هؤلاء من الغرباء الذين سُمح لهم أن يقيموا بالأرض المقدسة على شرط أن يخضعوا للوصايا السبع التي أوصي بها نوح ولم يتهودوا وعلى ذلك جاء في الترجمة الكلدانية «أولاد الغرباء الغلف».

فَيَكُونُونَ مُلْكاً لَكُمْ هؤلاء دون العبرانيين كانوا ملكاً لسادتهم كسائر أملاكهم من عقارات وبهائم.

٤٦ «وَتَسْتَمْلِكُونَهُمْ لأَبْنَائِكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ مِيرَاثَ مُلْكٍ. تَسْتَعْبِدُونَهُمْ إِلَى ٱلدَّهْرِ. وَأَمَّا إِخْوَتُكُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَلاَ يَتَسَلَّطْ إِنْسَانٌ عَلَى أَخِيهِ بِعُنْفٍ».

إشعياء ١٤: ٢ ع ٣٩ و٤٣

وَتَسْتَمْلِكُونَهُمْ لأَبْنَائِكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ مِيرَاثَ مُلْكٍ أي يكونون ملكاً لكم كسائر الأملاك فتنتقل إلى أبنائكم بالوراثة كالأرض.

تَسْتَعْبِدُونَهُمْ إِلَى ٱلدَّهْرِ فلا يُعتقون في سنة اليوبيل فيبقون عبيداً أبداً ما لم يفتدوا أنفسهم هم أو يفتدهم أصدقاؤهم أو يعطّل سادتهم شيئاً من أعضائهم (انظر خروج ٢١: ٢٦ و٢٧). قال رؤساء الدين اليهودي إن سلطان السادة على هذا النوع من العبيد مقصور على أعمالهم فليس لهم أن يسيئوا إليهم ولا أن يحملوهم على العار.

وَأَمَّا إِخْوَتُكُمْ الخ سمى الذين يشتريهم الإسرائيليون من الإسرائيليين إخوة لا عبيداً لأنهم كانوا بمنزلة المستأجرين إلى حين وهم إخوتهم في الجنس والدين والميراث لأرض الميعاد. وكان علماء الدين اليهودي في عصر الهيكل الثاني يعلّمون أنه لا فرق بين السيد العبراني وعبده العبراني في الطعام اليومي واللباس والمسكن وإنهما يجب أن يكونا سيّين في ذلك.

٤٧ «وَإِذَا طَالَتْ يَدُ غَرِيبٍ أَوْ نَزِيلٍ عِنْدَكَ، وَٱفْتَقَرَ أَخُوكَ عِنْدَهُ وَبِيعَ لِلْغَرِيبِ ٱلْمُسْتَوْطِنِ عِنْدَكَ أَوْ لِنَسْلِ عَشِيرَةِ ٱلْغَرِيبِ».

ع ٢٥ و٣٥

إِذَا طَالَتْ يَدُ غَرِيبٍ أَوْ نَزِيلٍ عِنْدَكَ أي إذا أثرى الغريب أو المستوطن عندك من الغرباء بالتجارة فليس عليه إلا أن يطيع الوصايا السبع التي أعطيها نوح فهو غير مجبر على أن يدين باليهودية ولهذا جاء في الترجمة الكلدانية «إذا طالت يد الأغلف النزيل عندك».

وَٱفْتَقَرَ أَخُوكَ عِنْدَهُ أي خسر أخوك بالتجارة معه فافتقر.

وَبِيعَ لِلْغَرِيبِ أي وباع الغريب نفسه. وجاء في الترجمة الكلدانية «وباع الغريب الأغلف المستوطن عندك نفسه».

أَوْ لِنَسْلِ عَشِيرَةِ ٱلْغَرِيبِ أي المولود من عشيرة غريبة.

٤٨ «فَبَعْدَ بَيْعِهِ يَكُونُ لَهُ فِكَاكٌ. يَفُكُّهُ وَاحِدٌ مِنْ إِخْوَتِهِ».

نحميا ٥: ٥

فَبَعْدَ بَيْعِهِ يَكُونُ لَهُ فِكَاكٌ هذه الشريعة عكس الشريعة التي يبيع بها الغريب نفسه والشاري عبراني إذ الغريب المبيع لعبراني ليس له أن يفك نفسه فيبقى عبداً إلى الأبد لكن العبراني المبيع للغريب يُفك. بل يجب على ما عُلم من قولهم في عصر الهيكل الثاني. قالوا «ويجب على أقرباء المبيع أو جماعته أن يفكوه بما يمكن من السرعة». وعلى هذا جاء في الترجمة الكلدانية القديمة «يجب أن يُفك سريعاً». بقي هنا أن يُقال وماذا يفعل الإسرائيليون إذا أبى الغريب أن يقبل ما يفك به الإسرائيلي وعاملهم كما يعاملون الغريب فالكتاب لم يذكر شيئاً من ذلك. قلنا ما لنا إلا أن نظن أن الإسرائيلي ما كان له أن يبيع نفسه إلا على شرط الفكاك أو إن الفاك كان يؤدي بدلاً كبيراً.

٤٩ «أَوْ يَفُكُّهُ عَمُّهُ أَوِ ٱبْنُ عَمِّهِ، أَوْ يَفُكُّهُ وَاحِدٌ مِنْ أَقْرِبَاءِ جَسَدِهِ مِنْ عَشِيرَتِهِ، أَوْ إِذَا نَالَتْ يَدُهُ يَفُكُّ نَفْسَهُ».

ع ٢٦

أَوْ يَفُكُّهُ عَمُّهُ أَوِ ٱبْنُ عَمِّهِ الخ أي يجب أن يفكه الأقرب إليه نسباً ولهذا جاء في القوانين اليهودية «إذا باع عبراني نفسه لغريب ولم يقدر أن يفك نفسه وجب على قريبه أن يفكه. نعم إن السنهدريم يجبر القريب على أن يفكه لئلا يضيع بين الأمم. وإن لم يفكه قريبه ولم يستطع هو أن يفك نفسه فكل رجل من إسرائيل مكلف أن يفكه. ولكنه إذا بيع لإسرائيلي فليس على قريبه أن يفكه وليس له أن يستدين ليفك نفسه ولا أن يفك نفسه بالتقسيط». ويؤيد هذا ما جاء في سفر نحميا وهو قوله «نَحْنُ ٱشْتَرَيْنَا إِخْوَتَنَا ٱلْيَهُودَ ٱلَّذِينَ بِيعُوا لِلأُمَمِ حَسَبَ طَاقَتِنَا. وَأَنْتُمْ أَيْضاً تَبِيعُونَ إِخْوَتَكُمْ فَيُبَاعُونَ لَنَا» (نحميا ٥: ٨).

٥٠ – ٥٢ «٥٠ فَيُحَاسِبُ شَارِيَهُ مِنْ سَنَةِ بَيْعِهِ لَهُ إِلَى سَنَةِ ٱلْيُوبِيلِ، وَيَكُونُ ثَمَنُ بَيْعِهِ حَسَبَ عَدَدِ ٱلسِّنِينَ. كَأَيَّامِ أَجِيرٍ يَكُونُ عِنْدَهُ. ٥١ إِنْ بَقِيَ كَثِيرٌ مِنَ ٱلسِّنِينِ فَعَلَى قَدْرِهَا يَرُدُّ فِكَاكَهُ مِنْ ثَمَنِ شِرَائِهِ. ٥٢ وَإِنْ بَقِيَ قَلِيلٌ مِنَ ٱلسِّنِينَ إِلَى سَنَةِ ٱلْيُوبِيلِ يَحْسِبُ لَهُ وَعَلَى قَدْرِ سِنِيهِ يَرُدُّ فِكَاكَهُ».

أيوب ٧: ١ وإشعياء ١٦: ١٤ و٢١: ١٦

فَيُحَاسِبُ شَارِيَهُ أي الإنسان المبيع إذا قدر أن يفك نفسه أو قريبه. قال علماء الدين مدة الهيكل الثاني وأصابوا أن هذه الآية توجب على العبرانيين أن يعاملوا السادة من الأمم بالحسنى وأن يؤدّوهم البدل الواجب بمقتضى عدد السنين الباقية إلى اليوبيل وأن لا يأخذوا ربحاً من الوثني.

٥٣ «كَأَجِيرٍ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ يَكُونُ عِنْدَهُ. لاَ يَتَسَلَّطْ عَلَيْهِ بِعُنْفٍ أَمَامَ عَيْنَيْكَ».

كَأَجِيرٍ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ يَكُونُ عِنْدَهُ أي يجب عليكم أن لا تدعوا الغريب يستخدم من اشتراه من إخوتكم كما يستخدم السيّد عبده بل أن يستخدمه كأجير المساناة وإنه يحرّر بعد الوقت المعيّن.

لاَ يَتَسَلَّطْ عَلَيْهِ بِعُنْفٍ أي الغريب الذي اشتراه.

أَمَامَ عَيْنَيْكَ حُذّر الإسرائيلي هنا من السكوت على ما يشاهده من قسوة السيد الغريب على أخيه. ومع أنه لم يكره ذلك الجور كما كرهه الشارع نفسه (خروج ٢: ١١ و١٢) كان لا بد له من أن يوبخ الوثني على قساوته وأن يحامي عن أخيه على قدر طاقته.

٥٤ «وَإِنْ لَمْ يُفَكَّ بِهٰؤُلاَءِ يَخْرُجُ فِي سَنَةِ ٱلْيُوبِيلِ هُوَ وَبَنُوهُ مَعَهُ».

ع ٤٨ و٤٩ خورج ٢١: ٢ و٣ وع ٤١

وَإِنْ لَمْ يُفَكَّ بِهٰؤُلاَءِ الإشارة إلى أقربائه وغيرهم ممن يجب عليهم أن يفكوه إذا لم يستطع أن يفك نفسه (انظر ع ٤٨ و٤٩). والمعنى إن لم يفكه أقرباؤه إذا عجز عن فك نفسه يُحرّر في سنة اليوبيل (انظر ع ٤٠). فكان على الأمم أن يخضعوا لشريعة اليوبيل كالعبرانيين.

٥٥ «لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِي عَبِيدٌ. هُمْ عَبِيدِي ٱلَّذِينَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ».

ع ٤٢

لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِي عَبِيدٌ الخ (انظر ع ٣٨ و٤٢ والتفسير).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى