سفر اللاويين

سفر اللاويين | 19 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر اللاويين

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ

١ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى».

وَقَالَ الخ كانت النواهي والأوامر في الأصحاح الثامن عشر لتقرير السلوك الأدبي باعتبار العلاقات بين الأشخاص والأمور البيتية. والوصايا والفرائض التابعة لتلك في هذا الأصحاح تتعلق بحياة الإسرائيليين باعتبار أنهم جماعة وشعب لله وما يجب عليهم لله وللناس. واعتبر علماء الناموس مدة الهيكل الثاني هذا الأصحاح تقريراً وتأكيداً للوصايا العشر لأنه يشتمل على جوهر كل تلك الوصايا وكان يقرأه الجميع في الاجتماعات الجمهورية. وفي هذا الأصحاح ستة عشر قسماً من الوصايا خُتمت ثمانية أقسام منها بقوله «أنا الرب إلهكم» والثمانية الأقسام الباقية بقوله «أنا الرب» (ع ٢ – ٤ و١٠ و٢٥ و٣١ و٣٤ و٣٦. ع ١٢ و١٤ و١٦ و١٨ و٢٨ و٣٠ و٣٢ و٣٧).

٢ «قُلْ لِكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: تَكُونُونَ قِدِّيسِينَ لأَنِّي قُدُّوسٌ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ».

ص ١١: ٤٤ و٢٠: ٧ و٢٦ و١بطرس ١: ١٦

قُلْ لِكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ هذه العبارة تدل على أهمية هذا الأصحاح الذي هو مختصر الشريعة ولم يُذكر لها من نظير في سفر اللاويين ولا في الأسفار الخمسة إلا في موضع واحد في سفر الخروج (انظر خروج ١٢: ٣) وكان ذلك في وضع عيد الفصح الذي هو عظيم الأهمية لأنه تذكار فداء إسرائيل من مصر.

ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ هذه العبارة العظيمة التي كُرر معناها في هذا الأصحاح (انظر تفسير ع ١) محور شرائع أو فرائض مختلفة. وهي عبارة يجب عند تلاوتها أعظم الوقار وقائمة مقام رابط لكل من الفرائض بالآخر في هذا الأصحاح. والمقصود منها أن يكون الإسرائيليين مقدسين لأنهم شعب إله قدوس هو وحده إلههم وعبيد رب قدوس هو وحده ربهم. وكان علماء الناموس في مدة الهيكل الثاني يقولون بناء على هذه الآية ما معناه إن الله بمنزلة ملك للإسرائيليين وإن الإسرائليين بمنزلة أهل البلاط والواجب على أهل البلاط الملكي أن يحملوا وسم ملكهم. والمعنى أن الله قدوس فيجب أن يتصف آله بصفات القداسة. وبعبارة أخرى أن اقترابهم من الله القدوس يستلزم أن لا تكون سيرتهم منافية لقداسة الله وأن يكون لهم فوق ذلك صورة الله. وهذا ما أرادوه بوسم ملكهم (انظر ص ١١: ٤٤ ومتّى ٥: ٤٨ و١بطرس ١: ١٥).

٣ «تَهَابُونَ كُلُّ إِنْسَانٍ أُمَّهُ وَأَبَاهُ وَتَحْفَظُونَ سُبُوتِي. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ».

خروج ٢٠: ١٢ خروج ٢٠: ٨ و٣١: ١٣

تَهَابُونَ كُلُّ إِنْسَانٍ أُمَّهُ وَأَبَاهُ أي ليهب كل منكم أمه وأباه. من أول صفات القداسة التي يطلبها الرب الإله القدوس أن يحترم الإنسان أباه وأمه وهذا هو الوصية الخامسة من الوصايا العشر (خروج ٢٠: ١٢) وهي كما قال الرسول أول وصية بوعد (أفسس ٦: ٢). قال علماء الناموس في مدة الهيكل الثاني أنه مما يستحق الاعتبار لندرته وغرابته أن الأم هنا قُدمت على الأب وهذا مثال من ثلاثة أمثلة لا رابع لها في الأسفار المقدسة والاثنان الباقيان أحدهما في (تكوين ٤٤: ٢٠) والثاني في (لاويين ٢١: ٢). قالوا والعلة في تقديم الأم على الأب هنا أن الأولاد بمقتضى العادة يحبون الأم ويخافون الأب فأوصى الأولاد أن يهابوا الأم أولاً ثم الأب لأنهم أشد افتقاراً إلى التوصية بأن يهابوا الأم لعادتهم أن يحبوها فبالأولى أن يهابوا الأب. وكانت تلك الهيبة تقوم بثلاثة أمور:

  1. أن لا يقفوا أو يجلسوا في موضع مفرز لوقوف الوالدين أو جلوسهما.
  2. أن لا يتعرضوا لتنفيذ أقوالهما أو مناقضتهما.
  3. أن لا يدعوهما باسميهما بل عليهما أن يدعوهما بأبي وأمي أو سيدي وسيدتي. وفسروا الإكرام في الوصية الخامسة (خروج ٢٠: ١٢) بأن يقوم الأولاد بمقومات معاش الوالدين من الطعام والكسوة وأن يحرسوهما. وحُسب الوالدان نائبي الله على الأرض فيجب أن يُكرم الوالدان كما يكرم الله لأن إكرام النائب إكرام الذي ناب عنه. فإنا نكرم الله بمالنا (أمثال ٣: ٩) فيجب أن نكرم الوالدين بذلك. وإننا نخاف الرب أو يجب أن نخافه (تثنية ٦: ١٣) فيجب أن نهاب الوالدين. وإنه من جدّف على اسم الرب يُقتل (ص ٢٤: ١٦) وكذلك كل من سب أباه أو أمه (ص ٢٠: ٩).

تَحْفَظُونَ سُبُوتِي (أي احفظوا سبوتي) قرَن بالوصية الخامسة في هذه الآية الوصية الرابعة من الوصايا العشر وعلى ذلك أنه كان على الوالدين الإسرائيليين أن يهذبا أولادهما منذ الصغر ويحثانهما على حفظ وصايا الله ولا سيما الوصية الرابعة. فإن في السبت المقدس كان للوالدين أحسن الفرص لتعليم أولادهما وتدريبهما وحثهما على حفظ وصايا الرب. وكان ذلك من أهم ما يجب على الوالدين في تقديس يوم الرب وفيه كان خدم الدين الذين يعلّمون الشعب ويرشدونه ويحثونه على حب الرب وطاعته وإكرامه والقداسة التي هي عماد هذا الأصحاح ولذلك أُنذر مدنسو ذلك اليوم الذي هو يوم القداسة وحُسب تدنيسه من أكبر الخطايا وأفظعها (حزقيال ٢٠: ١٢ و٢٢: ٨ و٢٣: ٣٨ الخ) والمرجّح أن هذا علة قول علماء الناموس في مدة الهيكل الثاني إن وصية السبت تحدد وجوب البنوية فقُرنت بالوصية الرابعة بياناً لوجوب أن يحفظ الأولاد السبت كما يجب أن يطيعيوا الوالدين وإنهم إذا لم يقدسوا السبت لم يطيعوا والديهم (انظر ص ٢٣: ٣).

٤ «لاَ تَلْتَفِتُوا إِلَى ٱلأَوْثَانِ، وَآلِهَةً مَسْبُوكَةً لاَ تَصْنَعُوا لأَنْفُسِكُمْ. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ».

خروج ٢٠: ٤ و٢ ٢٦: ١ و١كورنثوس ١٠: ١٤ و١يوحنا ٥: ٢١ خروج ٣٤: ١٧ وتثنية ٢٧: ١٥

لاَ تَلْتَفِتُوا إِلَى ٱلأَوْثَانِ كان على الإسرائيليين لأن الرب هو إلههم وليس من إله حق سواه أن لا يميلوا إلى الأوثان ولا يلتمسوها ولا يصلوا لها. فهذه الآية على وفق الوصية الأولى من الوصايا العشر (خروج ٢٠: ٣). فإن تلك الأصنام صور آلهة متوهمة لا وجود لها في سوى الأخيلة وعلى هذا قال الرسو ل «نَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ وَثَنٌ فِي ٱلْعَالَمِ، وَأَنْ لَيْسَ إِلٰهٌ آخَرُ إِلاَّ وَاحِداً» (١كورثنوس ٨: ٤). وفسّر علماء الناموس قوله «لا تلتفتوا» بقولهم لا تواجهوا وإن معنى ذلك لا تنظروا وإن الله حرم كل أمور العبادة الوثنية حتى نظر الأصنام.

آلِهَةً مَسْبُوكَةً لاَ تَصْنَعُوا هذه العبارة على وفق الوصية الثانية من الوصايا العشر (خروج ٢٠: ٤ – ٦). وذُكرت الآلهة مرة أخرى فقط (خروج ٣٤: ١٧). (ومعنى السبك إذابة الجسم المعدني وإفراغه في القالب).

٥ «وَمَتَى ذَبَحْتُمْ ذَبِيحَةَ سَلاَمَةٍ لِلرَّبِّ فَلِلرِّضَا عَنْكُمْ تَذْبَحُونَهَا».

ص ٧: ١٦

يظهر من الآية الثالثة إلى السابعة من الأصحاح السابع عشر أن بني إسرائيل اعتادوا أن يذبحوا للأوثان فنبههم الله هنا على وجوب أن لا يذبحوا لغيره ولم يكتف بذلك فأبان لهم ما يتعلق بتلك الذبائح.

مَتَى ذَبَحْتُمْ ذَبِيحَةَ بهيمة من البهائم الثلاثة البقر والغنم والمعزى ذبيحة سلامة فافعلوا كما يأتي.

فَلِلرِّضَا عَنْكُمْ تَذْبَحُونَهَا أي لكي يرضى الله عنكم ويقبلكم.

٦ «يَوْمَ تَذْبَحُونَهَا تُؤْكَلُ، وَفِي ٱلْغَدِ. وَٱلْفَاضِلُ إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يُحْرَقُ بِٱلنَّارِ».

يَوْمَ تَذْبَحُونَهَا تُؤْكَلُ، وَفِي ٱلْغَدِ أي يجب أن يؤكل لحم البهيمة في يوم ذبحها واليوم الذي يليه. قال علماء الناموس في مدة الهيكل الثاني أن المقصود بهذه الذبيحة التي تؤكل في يوم ذبحها وغده هي الذبيحة المذكورة في (ص ٧: ١٦) لأن لحم ذبيحة السلام يجب أن يؤكل في يوم الذبح (ص ٧: ١٥).

وَٱلْفَاضِلُ الخ (انظر ٧: ١٧ والتفسير).

٧ «وَإِذَا أُكِلَتْ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ فَذٰلِكَ نَجَاسَةٌ لاَ يُرْضَى بِهِ».

وَإِذَا أُكِلَتْ الخ (انظر ص ٧: ١٨).

٨ «وَمَنْ أَكَلَ مِنْهَا يَحْمِلُ ذَنْبَهُ لأَنَّهُ قَدْ دَنَّسَ قُدْسَ ٱلرَّبِّ. فَتُقْطَعُ تِلْكَ ٱلنَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا».

وَمَنْ أَكَلَ مِنْهَا (انظر ص ٧: ١٨ – ٢٠).

فَتُقْطَعُ تِلْكَ ٱلنَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا أي فتُقتل (انظر ص ٧: ٢٠ و٢١ و٢٥ و٢٧ انظر تفسير ص ٢٢: ٣).

٩ «وَعِنْدَمَا تَحْصُدُونَ حَصِيدَ أَرْضِكُمْ لاَ تُكَمِّلْ زَوَايَا حَقْلِكَ فِي ٱلْحَصَادِ. وَلُقَاطَ حَصِيدِكَ لاَ تَلْتَقِطْ».

ص ٢٣: ٢٢ وتثنية ٢٤: ١٩ و٢٠ و٢١ وراعوث ٢: ١٥ و١٦

عِنْدَمَا تَحْصُدُونَ في هذه الآية بيان أن الإحسان إلى المساكين من الوسائل التي يحصل بها الإسرائيليون على القداسة التي تقدرهم على أن يذكروا قداسة الله. إن الله محسن إلى جميع خلقه ويعد ما يحتاج إليه كل حي (مزمور ١٤٥: ١٥ و١٦) فوجب على شعبه بني إسرائيل أن يلتفتوا إلى حاجات المحتاجين. وبهذا جعل الله بالشريعة أن للمساكين حقاً أن يأخذوا جزءاً من غلال الأرض فأغناهم بذلك عن أخذ الإحسان السري الذي لا يخلو من احتقار السائل وظلم المسؤول.

حَصِيدَ أَرْضِكُمْ قال علماء الناموس في مدة الهيكل الثاني أن المقصود بهذا الحصيد خمسة غلال:

  1. النباتات التي تؤكل وتغذي لا التي يُصبغ بها.
  2. النباتات التي تحصل بالزراعة لا التي تنبت بالطبيعة في الأرض مطلقاً.
  3. التي تختص بالتربة المحروثة لا التي تنبت لمجرد الرطوبة كالفطر والكمأة وما شاكلهما.
  4. التي تنضج في وقت معيّن في السنة وتُجنى كذلك لا التي تنضج على التوالي كأثمار الأشجار.
  5. الغلال التي تُذخر وهذه غير البقول التي لا يمكن ذخرها.

لاَ تُكَمِّلْ زَوَايَا حَقْلِكَ فِي ٱلْحَصَادِ لكي يبقى ما في تلك الزوايا للمساكين. لم يُعيّن مقدار ما يجب أن يترك بلا حصاد هنا والذي قاله علماء الناموس أنه يجب أن لا يقل المتروك عن جزء من ستين من غلة الحقل ويجب أن يُترك ذلك على أطراف الحقل ليسهل على البائسين حصده. وكان للمساكين أن يأتوا إلى الحقول صباحاً وظهراً وعند تقدمة الذبيحة المسائية وذلك الساعة الثالثة بعد الظهر فكان الصباح للأمهات ذوات الأولاد الصغار لأن الأولاد يكونون نياماً حينئذ والظهر للمراضع والمساء للشيوخ.

لُقَاطَ حَصِيدِكَ لاَ تَلْتَقِطْ فسّر علماء الناموس في عصر الهيكل الثاني اللقط بما يقع من السنابل من اليد أو المنجل في أيام النضج وذلك لا يكون سوى سنبلة أو سنبلتين فإن زاد على ذلك كان لصاحب الحقل لا للاّقط. وإذا ذرت الرياح السنابل بعد حصدها وجب أن يعطي رب الحقل جزءاً مناسباً منها للاقطين وكذا إذا لم يسقط شيء من السنابل عند الحصاد وإلا وجب أن يُضرب بالعصيّ.

١٠ «وَكَرْمَكَ لاَ تُعَلِّلْهُ وَنِثَارَ كَرْمِكَ لاَ تَلْتَقِطْ. لِلْمِسْكِينِ وَٱلْغَرِيبِ تَتْرُكُهُ. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ».

كَرْمَكَ لاَ تُعَلِّلْهُ أي لا تحنِ ثمره بعد أخرى حتى لا تُبقي شيئاً من الثمر فيه فكان يجب أن لا يجني سوى كبار العناقيد ويترك ما عليه عنبة أو عنبتان للبائسين.

وَنِثَارَ كَرْمِكَ لاَ تَلْتَقِطْ كالحبوب التي تنفرط وتقع على الأرض.

١١ «لاَ تَسْرِقُوا وَلاَ تَكْذِبُوا وَلاَ تَغْدُرُوا أَحَدُكُمْ بِصَاحِبِهِ».

خروج ٢٠: ١٥ و٢٢: ١ و٧ و١٠ إلى ١٢ وتثنية ٥: ١٩ ص ٦: ٢ وأفسس ٤: ٢٥ وكولوسي ٣: ٩

لاَ تَسْرِقُوا هذه العبارة هي الوصية الثامنة من الوصايا العشر (خروج ٢٠: ١٥) ولكن هذا متعلق على الأرجح بأرباب الحقول والكروم فيدل على أن من لا يترك في أرضه شيئاً من غلالها للبائسين يُعدُّ سارقاً. ولهذا قال الناموسيون من وضع سلة تحت الجفنة عند الجنى يسرق المسكين.

١٢ «وَلاَ تَحْلِفُوا بِٱسْمِي لِلْكَذِبِ فَتُدَنِّسَ ٱسْمَ إِلٰهِكَ. أَنَا ٱلرَّبُّ».

خروج ٢٠: ٧ وص ٦: ٣ وتثنية ٥: ١١ ومتّى ٥: ٣٣ ويعقوب ٥: ١٢ ص ١٨: ٢١

لاَ تَحْلِفُوا هذا على وفق الوصية الثالثة من الوصايا العشر (خروج ٢٠: ٧).

١٣ «لاَ تَغْصِبْ قَرِيبَكَ وَلاَ تَسْلِبْ، وَلاَ تَبِتْ أُجْرَةُ أَجِيرٍ عِنْدَكَ إِلَى ٱلْغَدِ».

مزمور ١٠: ١٩ و١تسالونيكي ٤: ٦ تثنية ٢٤: ١٤ و١٥ وملاخي ٣: ٥ ويعقوب ٥: ٤

لاَ تَغْصِبْ فسّر هذا يوحنا المعمدان للجنود بقوله «لاَ تَظْلِمُوا أَحَداً وَٱكْتَفُوا بِعَلاَئِفِكُمْ» (لوقا ٣: ١٤).

لاَ تَبِتْ أُجْرَةُ أَجِيرٍ عِنْدَكَ إِلَى ٱلْغَدِ أي اعطه أجرته في يوم عمله لأن قوام معاشه ومعاش عياله متوقف على تلك الأجرة. وقد كُررت هذه الوصية في الكتاب لأهميتها (تثنية ٢٤: ١٤ و١٥ وإرميا ٣٢: ١٣ وملاخي ٣: ٥ ويعقوب ٥: ٤). ولهذا قال علماء الناموس في عصر الهيكل الثاني «من قسا على الأجير يخطأ خطاء عظيماً حتى كأنه قتله وتعدّى خمس وصايا».

١٤ «لاَ تَشْتِمِ ٱلأَصَمَّ، وَقُدَّامَ ٱلأَعْمَى لاَ تَجْعَلْ مَعْثَرَةً، بَلِ ٱخْشَ إِلٰهَكَ. أَنَا ٱلرَّبُّ».

تثنية ٢٧: ١٨ ورومية ١٤: ١٣ تكوين ٤٢: ١٨ وع ٣٢ وص ٢٥: ١٧ وجامعة ٥: ٧ و١بطرس ٢: ١٧

لاَ تَشْتِمِ ٱلأَصَمَّ شتم الأصم وهو الفاقد حس السمع دناءة وشر وإثم لأنه لا يسمع الشتم ولا يقدر أن يدفع عن نفسه (مزمور ٣٨: ١٤ و١٥). قال علماء الناموس إذا كان شتم الأصم محظوراً فبالأولى أن يكون شتم الذي يسمع كذلك لأن هذا يغضب ويحزن دون ذاك.

قُدَّامَ ٱلأَعْمَى لاَ تَجْعَلْ مَعْثَرَةً قال الله في موضع آخر «مَلْعُونٌ مَنْ يُضِلُّ ٱلأَعْمَى عَنِ ٱلطَّرِيقِ» (تثنية ٢٧: ١٨). وشاع منذ القديم أن مساعدة العميان من الأعمال التي يجزي الله عليها خيراً (بخلاف قول بعض جهلاء العامة «أين رأيت الأعمى فطبه فإنك لست أكرم من ربه»). وعلى هذا قال أيوب في الكلام على ما قام به من الخدم للقريب «كنت عيوناً للعمي» (أيوب ١٩: ١٥). وكان يرى علماء الناموس في أيام المسيح أن ذلك يطلق على الأعمى حقيقة والأعمى مجازاً كالجاهل وقليل الفهم وطالب النصح فمن لم يخلص النصيحة لمثل أولئك كان كمن يضع قدام الأعمى ما يعثر به. وهذا على وفق قول الرسول «لاَ يُوضَعَ لِلأَخِ مَصْدَمَةٌ أَوْ مَعْثَرَةٌ» (رومية ١٤: ١٣).

بَلِ ٱخْشَ إِلٰهَكَ إن الله يعاقب على شتم الأصم ووضع المعثرة قدام الأعمى عقاباً شديداً فيجب أن يخاف الناس الله في ذلك لأنه سميع بصير لا يخفى عليه شيء وهو ديّان عادل (انظر ع ٣٢).

١٥ «لاَ تَرْتَكِبُوا جَوْراً فِي ٱلْقَضَاءِ. لاَ تَأْخُذُوا بِوَجْهِ مِسْكِينٍ وَلاَ تَحْتَرِمْ وَجْهَ كَبِيرٍ. بِٱلْعَدْلِ تَحْكُمُ لِقَرِيبِكَ».

خروج ٢٣: ٢ و٣ وتثنية ١: ١٧ و١٦: ١٩ و٢٧: ١٩ ومزمور ٨٢: ٢ وأمثال ٢٤: ٢٣ ويعقوب ٢: ٩

لاَ تَرْتَكِبُوا جَوْراً فِي ٱلْقَضَاءِ أي يجب على الحكام أن يعدلوا في الأحكام.

لاَ تَأْخُذُوا بِوَجْهِ مِسْكِينٍ (أي لا تحابوا أو لا تعاقبوا المسكين البريء لأجل الغني. هذا على ما يفيده الأخذ بالشخص على ما في اللغة العربية وذكر الوجه هنا وأراد الرجل لأنه يُعرف بوجهه ولأن المحاباة تكون لذلك). والمعنى يجب على القضاة أن ينصفوا ويحكموا لفقير إذا كان الحق معه ولو كان على غاية الفقر وينصفوه من الغني ولو كان في أعلى درجات الغنى (خروج ٢٣: ٣). قال علماء الناموس في عصر الهيكل الثاني «إن قال الغني إني مكلف بمقتضى الشريعة أن أقوم بحاجات الفقير ولهذا أسمح له أن يربح الدعوى فيحصل على حاجاته دون أن يتذلل بطلب الصدقات قيل له لا تأخذ بوجه مسكين».

لاَ تَحْتَرِمْ وَجْهَ كَبِيرٍ في المحاكمة فإذا كان المتحاكمان أحدهما غني والآخر فقير وجب أن يكونا متساويين في الخطاب أمام القاضي أو الحاكم فلا يُكرم الغني ويُهان الفقير. وقد أشار الرسول إلى هذه العبارة بقوله «إِنْ كُنْتُمْ تُحَابُونَ تَفْعَلُونَ خَطِيَّةً، مُوَبَّخِينَ مِنَ ٱلنَّامُوسِ كَمُتَعَدِّينَ» (يعقوب ٢: ٩ قابل هذا بما في ع ٢ – ٤).

١٦ «لاَ تَسْعَ فِي ٱلْوِشَايَةِ بَيْنَ شَعْبِكَ. لاَ تَقِفْ عَلَى دَمِ قَرِيبِكَ. أَنَا ٱلرَّبُّ».

خروج ٢٣: ١ ومزمور ١٥: ٣ و٥٠: ٢٠ وأمثال ١١: ١٣ و٢٠: ١٩ وحزقيال ٢٢: ٩ خروج ٢٣: ١ و٧ و١ملوك ٢١: ١٣ ومتّى ٢٦: ٦٠ و٦١ و٢٧: ٤

لاَ تَسْعَ فِي ٱلْوِشَايَةِ (انظر إرميا ٦: ٢٨ و٩: ٤ وحزقيال ٢٢: ٩). (أي لا تنم بأحد عند الحاكم ولا تسعَ به). من عادة الظالمين النميمة بخصومهم عند الحكام فنهى الله عن ذلك ليكون الحكم بمقتضى الحق وخلوّ الذهن مما يحمل على الجور فإن النميمة أفسدت أخلاقاً وهدمت بيوتاً كثيرة وأهلكت كثيرين من الأبرياء (١صموئيل ٢٢: ٩ و١٨ وحزقيال ٢٢: ٩ الخ). وقال علماء الناموس في أيام المسيح إن الوشاية من شر الخطايا. وقالوا «ثلاثة تشقي الإنسان في هذا العالم وتحرمه السعادة في العالم الآتي عبادة الأصنام والزناء والقتل والوشاية شر الثلاثة لأنها تقتل ثلاثة أشخاص بضربة واحدة الواشي وقابل الوشاية والموشيُّ به». وعلى هذا تُرجمت الآية في ترجمة يوناثان الكلدانية «لا تسع باللسان الملعون ثلاثاً لأنه أقتل من سيف ذي حدين» (قابل هذا بما في جامعة ٨: ١٤).

لاَ تَقِفْ عَلَى دَمِ قَرِيبِكَ (معنى هذه العبارة مبهم وهي في العبرانية «لا تعمد على دم رعَك» أي لا تقف على دم صديقك أو صاحبك أو أخيك في البشرية وهذا هو المقصود بالقريب في عبارة المتن). وفسّر علماء الناموس هذه العبارة بقولهم «يجب عليك أن لا تقف غير مكترث بأخيك وهو عرضة لأن يُسفك دمه ويجب أن تسرع إلى مساعدته وإنقاذه ولو عرّضت حياتك للخطر مثل أن تدفع عنه اللصوص أو الوحوش المفترسة وغير ذلك من المهلكات أو يجب أن لا تقف ساكتاً إذا وقف قريبك أمام الحاكم وحُكم عليه ظلماً لعدم بيّنات تبرئته وأنت تعرف أنه بريء وتقدر أن تدفع عنه بالبيّنات». وعلى هذا جاء في ترجمة يوناثان الكلدانية «لا تسكت عن دم قريبك إذا عرفت الحق في القضاء» وقال بعضهم «لا تقف على شهادة الزور التي تقضي بسفك دم أخيك بل تقدم وبيّن فسادها» فتكون عبارة المتن على هذا على وفق ما في (خروج ٢٣: ١ و٧).

(وبقي أنه على ما ظهر لي أن العبارة كناية عن الإخفاء لأن من يقف على الشيء يخفيه تحت قدميه فيكون المعنى لا تخفِ دم اخيك ويستلزم ذلك أن لا يخفي شهادته على قاتله فينطبق هذا على المعنى الآخر).

١٧ «لاَ تُبْغِضْ أَخَاكَ فِي قَلْبِكَ. إِنْذَاراً تُنْذِرُ صَاحِبَكَ، وَلاَ تَحْمِلْ لأَجْلِهِ خَطِيَّةً».

١يوحنا ٢: ٩ و١١ و٣: ١٥ متّى ١٨: ١٥ ولوقا ١٧: ٢ وغلاطية ٦: ١ وأفسس ٥: ١١ و١تيموثاوس ٥: ٢٠ و٢تيموثاوس ٤: ٢ وتيطس ١: ١٣ و٢: ١٥ رومية ١: ٣٢ و١كورنثوس ٥: ٢ و١تيموثاوس ٥: ٢٢ و٢يوحنا ١١

لاَ تُبْغِضْ أَخَاكَ فِي قَلْبِكَ وصل الشارع هنا إلى الانفعال الباطن وأعماق القلب فيجب علينا أن لا نحقد على القريب ولا نبغضه ولو أساء إلينا.

إِنْذَاراً تُنْذِرُ صَاحِبَكَ أي لك أن تنبهه على ضلاله أو خطإه وتبين له سوء العاقبة بمقتضى الشرع والعقل بغية نفعه لا بغية الإذلال والتشفي. وفسّر الناموسيون هذه العبارة بقولهم: إذا أخطأ إنسان إلى أخيه وجب أن لا يضمر له العداوة والبغض ويسكت مقتدياً بأبشالوم على ما في قول الكتاب «وَلَمْ يُكَلِّمْ أَبْشَالُومُ أَمْنُونَ بِشَرٍّ وَلاَ بِخَيْرٍ، لأَنَّ أَبْشَالُومَ أَبْغَضَ أَمْنُونَ» (٢صموئيل ١٣: ٢٢). فله أن يقول لصاحبه لماذا أسأت إلي إنك أخطأت بذلك فدع الإساءة وما شاكل هذا. قلنا ومن فعل ذلك جرى على سنة المسيح في قوله «وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَوَبِّخْهُ» (لوقا ١٧: ٣).

وَلاَ تَحْمِلْ لأَجْلِهِ خَطِيَّةً بعدم معاتبتك إياه وإضمار البغض له. والخطاء في ذلك مضاعف وهو بغضك إياه وتركه في خطائه بعدم إنذاره بشريعة الله. وفسّر هذه العبارة علماء الدين في عصر الهيكل الثاني «فلا تحمل خطيئة بسبب ذلك أي إضمار البغض». وجاء في الترجمة الكلدانية ما معناه أنذره على خطيئته وإلا كنت شريكاً له فيها. وفسّر بعضهم ذلك بقوله أنذره فإن لم يؤثر فيه الإنذار فكرره ويجب أن تترك الإنذار متى رأيت وجهه احمرّ خجلاً لأن ذلك يدل على أن الإنذار قد أثر فيه فتخلصه بذلك من إثمٍ وتتبرأ من مشاركتك إياه فيه. وبعض هذه أو مضمونه ما في قول بولس الرسول في بعض رسائله (رومية ١: ٣٢ وأفسس ٤: ٢٦ و١تيموثاوس ٥: ٢٠ و٢٢).

١٨ «لاَ تَنْتَقِمْ وَلاَ تَحْقِدْ عَلَى أَبْنَاءِ شَعْبِكَ، بَلْ تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. أَنَا ٱلرَّبُّ».

٢صموئيل ١٣: ٢٢ وأمثال ٢٠: ٢٢ ورومية ١٢: ١٧ و١٩ وغلاطية ٥: ٢٠ وأفسس ٤: ٣١ ويعقوب ٥: ٩ و١بطرس ٢: ١ متّى ٥: ٤٣ و٢٢: ٢٩ ورومية ١٣: ٩ وغلاطية ٥: ١٤ ويعقوب ٢: ٨

لاَ تَنْتَقِمْ حُظر علينا أن نضمر البغض وأوجب علينا أن ننذر في الآية السابعة عشرة وحُظر علينا هنا أن ننتقم. ضرب علماء الناموس مثلاً للانتقام بقولهم إذا كنت في حاجة واستقرضت أخاك فلم يقرضك ثم احتاج ذلك الأخ واستقرضك فقلت له لا أقرضك لأنك لم تقرضني في حاجتي فقد انتقمت منه (قابل ذها بما في رومية ١٢: ١٩).

لاَ تَحْقِدْ (الحقد إمساك العداوة في القلب والتربص لفرصة الانتقام). هذا النهي يستلزم أن نغفر إساءة المسيء وننساها كأنها لم تكن ولهذا قال علماء الناموس في عصر المسيح «إذا استقرضك من لم يرد أن يقرضك في حاجتك وأقرضته ولكنك قلت له حينئذ إني أقرضتك ولم أفعل فعلك أو أجازك عليه فتكون قد حقدت وخالفت الوصية». وقالوا أيضاً «من غفر للمسيء غفر الله له في يوم الدين». وقالوا أيضاً «من احتمل الضر ولم يجاز عليه بمثله فقد أكمل عمل المحبة». وفي مثله قيل «أَحِبَّاؤُهُ كَخُرُوجِ ٱلشَّمْسِ فِي جَبَرُوتِهَا» (قضاة ٥: ٣١).

تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ هذه الوصية النفيسة المحور الذي دار عليه النظام الأدبي الذي وضعه كبراء أمة اليهود في عصر الهيكل الثاني. وقد سأل بعضهم المعلم هِليل خلاصة شريعة الله بأوجز عبارة فقال «لا تفعل بغيرك ما لا تريد أن يفعله بك هذه الشريعة كلها فاذهب وتعلّم». فقال القاعدة الأدبية غير مذهبة لأنها في طريق السلب. أما المسيح فقالها في طريق الإيجاب فكان قوله قاعدة ذهبية (انظر متّى ٧: ١٢ ولوقا ٦: ٣١ ورومية ١٣: ٨ – ١٠).

١٩ «فَرَائِضِي تَحْفَظُونَ. لاَ تُنَزِّ بَهَائِمَكَ جِنْسَيْنِ، وَحَقْلَكَ لاَ تَزْرَعْ صِنْفَيْنِ، وَلاَ يَكُنْ عَلَيْكَ ثَوْبٌ مُصَنَّفٌ مِنْ صِنْفَيْنِ».

تثنية ٢٢: ٩ و١٠ تثنية ٢٢: ١١

فَرَائِضِي تَحْفَظُونَ أي إن الوصايا الآتية وإن كانت ليست في طبقة الآداب العليا كالوصايا السابقة ضرورية لحفظ القداسة فإن الله صنع كل شيء «كجنسه» (تكوين ١: ١١ و١٢ و٢١ و٢٤ و٢٥ الخ). وجعل التمييز الطبيعية في رتب مخلوقاته. فالإنسان الذي يحاول توحيد المختلفات يحاول تشويش شرائع الله وأن يعمل على خلاف ترتيب القدوس وخلاف ما يحصل به على القداسة.

لاَ تُنَزِّ بَهَائِمَكَ جِنْسَيْنِ أي لا تسمح بأن يثب ذكور جنس من البهائم على أناث جنس آخر (علة هذا المنع أمران الأول أنه خلاف ترتيب الله (تكوين ١: ١١ و١٢ و٢١ و٢٤ و٢٥). والثاني أنه مما يخفف كراهة ما نُهي عنه في (ص ١٨: ٢٢ و٢٣). على أن الله لم ينه عن استخدام نتاج جنسين مختلفين. فقد رأينا أن اليهود الأقدمين استخدموا البغال كثيراً (انظر ٢صموئيل ١٣: ٢٩ و١٨: ١٠ و١ملوك ١: ٣٣ و٣٨ و١٠: ٢٥ و١٨: ٥ عزرا ٢: ٦٦ الخ). ولكن تلك البغال التي استخدموها إما اختلط آباؤها وأماتها لذاتها دون مداخلة اليهود وإما أُتي بها إليهم من بلاد الأمم. وهذه الشريعة لا يزال اليهود يراعونها إلى هذا اليوم في فلسطين وغيرها من البلاد.

حَقْلَكَ لاَ تَزْرَعْ صِنْفَيْنِ ذهب علماء الشريعة مدة الهيكل الثاني أن هذه الوصية مقصورة على ما يأكله الناس من الحبوب فالممنوع مثل زرع الحنطة والشعير أو الفول والعدس في حقل واحد. وكان محظوراً على الإسرائيلي أن يزرع ذلك وأن يسأل أخر أن يزرعه له. وأما بزور الأشجار فلم يمنع من زرع المختلفات منها في أرض واحدة فإذا زرع الإنسان تينة بين الدوالي لم يخالف الوصية (لوقا ١٣: ٦) ولم يحرّم اليهود زرع أجناس مختلفة من البزور إذا لم تكن طعاماً للناس بل كانت طعاماً للبهائم فقط أو كانت للطب والعلاج. وكان مباحاً لليهود أن يأكلوا الحبوب المخلوطة كما كان لهم أن يركبوا البغال ويستخدموها لغير الركب من الحاجات. ومما يجب الالتفات إليه إن هذه الوصية متقدمة على وقتها فإنه لم يكن للإسرائيليين حقول إلا بعد أن ملكوا أرض كنعان. وعلى هذا قال علماء الناموس في تفسير هذه العبارة «حقل ميراثك في أرض الميعاد». إن الأشجار لم تُذكر هنا ومع ذلك حرّم علماء الناموس أن يلقّح الأترج بالتفاح والأشجار بالبقول على أنه كان لهم أن يأكلوا أثمار الأشجار الملقّحة (أي المطعّمة).

لاَ يَكُنْ عَلَيْكَ ثَوْبٌ مُصَنَّفٌ مِنْ صِنْفَيْنِ كأن يكون منسوجاً من صوف وكتان. على أن علماء الناموس في عصر الهيكل الثاني منعوا فوق ذلك رقع الثوب برقعة من غير جنسه. وترجم بعضهم العبارة بقوله «لا يكن عليك ثوب من صوف وكتان» وقالوا علة ذلك على قول علماء الناموس إن الصوف والكتان كان للكهنة دون غيرهم. ولا يزال اليهود الورعون يراعون هذه السنة إلى هذا اليوم وإنما ترجموا العبارة كذلك بناء على تكرارها في سفر التثنية كذلك فإن فيه ما نصه «لاَ تَزْرَعْ حَقْلَكَ صِنْفَيْنِ… لاَ تَحْرُثْ عَلَى ثَوْرٍ وَحِمَارٍ مَعاً. لاَ تَلْبَسْ ثَوْباً مُخْتَلَطاً صُوفاً وَكَتَّاناً مَعاً» (تثنية ٢٢: ٩ – ١١).

٢٠ «وَإِذَا ٱضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ ٱمْرَأَةٍ ٱضْطِجَاعَ زَرْعٍ وَهِيَ أَمَةٌ مَخْطُوبَةٌ لِرَجُلٍ، وَلَمْ تُفْدَ فِدَاءً وَلاَ أُعْطِيَتْ حُرِّيَّتَهَا، فَلْيَكُنْ تَأْدِيبٌ. لاَ يُقْتَلاَ لأَنَّهَا لَمْ تُعْتَقْ».

وَإِذَا ٱضْطَجَعَ أي ارتكب الزناء.

أَمَةٌ أي مملوكة يهودية وقيل كنعانية.

مَخْطُوبَةٌ أي قبل أن تتزوج من خطيبها.

لَمْ تُفْدَ فِدَاءً بأن يدفع خطيبها ثمنها أي يشتريها من سيدها أو يعطيها سيده إياها وحينئذ تكون حرة على نوع ما (انظر خرج ٢١: ٤).

وَلاَ أُعْطِيَتْ حُرِّيَّتَهَا بأن يعتقها سيدها أو يشتريها خطيبها وعلى هذا جاء في الترجمة الكلدانية القديمة «ولم تحرر بصك تسريح».

فَلْيَكُنْ تَأْدِيبٌ كان هذا التأديب على ما عُرف من خدم الدين اليهودي في أيام الهيكل الثاني أربعين جلدة للمرأة بسوط من جلد الثور هذا إذا كانت ارتكبت الإثم باختيارها وظاهر العبارة إن التأديب للاثنين الرجل والمرأة. وقصره بعضهم على المرأة لأن تأديب الرجل بتقديم الذبيحة على ما في الآية الآتية.

لاَ يُقْتَلاَ لأن شريعة القتل على زناء الأحرار وهي لم تكن حرة حينئذ (انظر ص ٢٠: ١٠ وتثنية ٢٢: ٢٣ و٢٤).

٢١ «وَيَأْتِي إِلَى ٱلرَّبِّ بِذَبِيحَةٍ لإِثْمِهِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ: كَبْشاً، ذَبِيحَةَ إِثْمٍ».

ص ٥: ١٥ و٦: ٦

وَيَأْتِي إِلَى ٱلرَّبِّ بِذَبِيحَةٍ لإِثْمِهِ هذا كان جزاء الرجل فكان عليه أن يأتي بذبيحة الإثم على كل حال سواء أكان إثمه مقصوداً أم كانت زلته عن جهل أو عن غير عمد أما المرأة فكانت معفاة من الذبيحة لأنها كانت مُلك سيدها ولم تكن لنفسها فلم يكن لها ما تشتري به الذبيحة بل لم تكن تملك شيئاً.

إِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ أي إلى مدخل الخيمة الذي يؤتى إليه بكل الذبائح (انظر ص ١٧: ٤ و٥) وكان الكبش المذكور هنا البهيمة المعتادة لتقديم هذه الذبيحة (انظر ص ٥: ١٧ و١٨).

٢٢ «فَيُكَفِّرُ عَنْهُ ٱلْكَاهِنُ بِكَبْشِ ٱلإِثْمِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ مِنْ خَطِيَّتِهِ ٱلَّتِي أَخْطَأَ، فَيُصْفَحُ لَهُ عَنْ خَطِيَّتِهِ ٱلَّتِي أَخْطَأَ».

فَيُكَفِّرُ عَنْهُ ٱلْكَاهِنُ فمتى قدمت الذبيحة عن الإثم بواسطة الكاهن بمقتضى الرسوم الشرعية غُفر إثم مقدمها وأعلن المغفرة له ابن هارون الذي يكون قائماً بالخدمة (انظر ص ٤: ٢٠ و٢٦).

٢٣ «وَمَتَى دَخَلْتُمُ ٱلأَرْضَ وَغَرَسْتُمْ كُلَّ شَجَرَةٍ لِلطَّعَامِ تَحْسِبُونَ ثَمَرَهَا غُرْلَتَهَا. ثَلاَثَ سِنِينَ تَكُونُ لَكُمْ غَلْفَاءَ. لاَ يُؤْكَلْ مِنْهَا».

مَتَى دَخَلْتُمُ ٱلأَرْضَ وردت هذه العبارة اربع مرات في سفر اللاوين ببعض اختلاف في اللفظ:

  • الأولى: «متى جئتم إلى أرض كنعان» (ص ١٤: ٣٤).
  • الثانية: ما هنا.
  • الثالثة: «متى جئتم إلى الأرض» (ص ٢٣: ١٠).
  • الرابعة: «متى أتيتم إلى الأرض» (ص ٢٥: ٢) وكلها بمعنىً واحدٍ.

وَغَرَسْتُمْ كُلَّ شَجَرَةٍ لِلطَّعَامِ بناء على هذا قال علماء الدين في عصر الهيكل الثاني يُستثنى من هذه الشريعة الأشجار التي غرسها أهل أرض كنعان قبل أن يستولي عليها الإسرائيليون. وهي موضوعة على الأشجار ذوات الأثمار التي تؤكل كالأترج والزيتون والتين والعنب. وأما الأشجار ذوات الأثمار التي لا يأكلها الناس وتنمو بلا عمل الإنسان أو التي تُغرس لتكون وُشعاً (جمع وشيع وهو ما يجعل حول الحديقة من الشجر والشوك منعاً للداخلين) أو لينتفع بخشبها فهي غير داخلة في هذه الشريعة.

تَحْسِبُونَ ثَمَرَهَا غُرْلَتَهَا أي فتكون تلك الأثمار غير مناسبة فمنزلتها من الشجرة منزلة الغلفة من الإنسان. واستُعيرت الغرلة أيضاً في الكتاب المقدس للقلب الغليظ القاسي الذي لا يميل إلى الله (ص ٢٦: ٤١) وللفم الذي لا يفصح (خروج ٦: ١٢ و٣٠) وللآذان التي لا تسمع (إرميا ٦: ١٠).

ثَلاَثَ سِنِينَ تَكُونُ لَكُمْ غَلْفَاءَ فكانوا يقطفون الأثمار قبل نضجها أو يقطفون الزهر قبل أن يعقد مدة ثلاث سنين فيكون بذلك قوة للشجرة وزيادة حملها بعد ذلك أو يدفنون الثمر أو يحرقونه كما سيأتي.

لاَ يُؤْكَلْ مِنْهَا فكان الثمر يُحرق أو يُدفن في الأرض (فيكون سماداً حسناً لها) ولا يجوز أن يُباع وكان من أكل شيئاً منه ولو حبة زيتون واحدة يُجلد أربعين جلدة إلا واحدة. هذا ما عُرف من علماء الناموس في عصر المسيح.

٢٤ «ِوَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلرَّابِعَةِ يَكُونُ كُلُّ ثَمَرِهَا قُدْساً لِتَمْجِيدِ ٱلرَّبّ».

تثنية ١٢: ١٧ وأمثال ٣: ٩

وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلرَّابِعَةِ كان ثمر السنة الرابعة كالأعشار الثانية تُحمل إلى أورشليم ويأكلها صاحبها مع الفقراء والمحتاجين الذين يدعوهم إلى وليمته. وكان لصاحب الأثمار أن يفديها وهو أن ينفق خُمس ثمنها زيادة في المدينة المقدسة على صنع الولائم للفقراء والبائسين. وكانوا يزينون بعناقيد العنب الذي يحصل في جوار أورشليم منها إلى غاية سفر يوم أسواق مدينة أورشليم. وكان كروم السنة الرابعة مستثناة من الشريعة المذكورة في (ع ٩ و١٠) ومن شريعة العشور الأولى والعشور الثانية.

يَكُونُ كُلُّ ثَمَرِهَا قُدْساً لِتَمْجِيدِ ٱلرَّبِّ أي ينفق كل ثمرها أو ما يوازي ثمنه في المدينة المقدسة على الذبائح والولائم تمجيداً للرب (قضاة ٩: ٢٧).

٢٥ «وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلْخَامِسَةِ تَأْكُلُونَ ثَمَرَهَا، لِتَزِيدَ لَكُمْ غَلَّتَهَا. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ».

وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلْخَامِسَةِ كان لصاحب الثمر في هذه السنة أن يأكله بلا فداء.

لِتَزِيدَ لَكُمْ غَلَّتَهَا أي ترككم الثمر ثلاث سنين وإنفاقه في السنة الرابعة لتمجيد الرب يكون علة زيادة لأثماركم فتربحون من الزيادة في السنة الخامسة ما خسرتموه في السنين الأربع.

٢٦ «لاَ تَأْكُلُوا بِٱلدَّمِ. لاَ تَتَفَاءَلُوا وَلاَ تَعِيفُوا».

ص ١٧: ١٠ الخ وتثنية ١٢: ٢٣ تثنية ١٨: ١٠ و١١ و١٤ و١صموئيل ١٥: ٢٣ و٢ملوك ١٧: ١٧ و٢١: ٦ و٢أيام ٣٣: ٦ وملاخي ٣: ٥

لاَ تَأْكُلُوا بِٱلدَّمِ حُرّم هنا على قول علماء الدين اليهودي في زمان الهيكل الثاني خمسة أشياء:

  1. أكل لحم الحيوان المذبوح ما دام فيه أثر من الحياة أو ما دام لحمه يختلج.
  2. لحم البهائم المقدمة قرابين ما دام دمها في أنية الرش قبل أن ينضح على المذبح.
  3. أكل أقرباء المقطوع من شعبه (بأن سفك دمه) لحم مأتمه.
  4. أن يأكل قضاة المجلس شيئاً في يوم يحكمون على المذنب بالقتل.
  5. الشراهة أو كثرة الأكل لأنها تسبب القتل فكأنها أكل بالدم.

وعلى ما ذُكر جاء في الترجمة الكلدانية لا تأكلوا لحم الذبيحة ودمها في الإناء لم يُرش. والنواهي الخمسة متضمنة في قوله «لا تأكلوا بالدم». وهذا القول أيضاً يستلزم النهي عن أكل ذبائح الصابئين لأنهم كانوا يكرمون الشياطين بأن يجمعوا دم الذبائح المقدمة قرابين في إناء أو حفرة بالأرض ويجلسون حوله ويأكلون اللحم بالدم.

لاَ تَتَفَاءَلُوا (وفي العبرانية «لا تنجشوا» أي لا تنحسوا بالتشاؤم أو لا تتشاءموا أو لا تتطيّروا وإن الصواب أن يترجَم بذلك لأن تفاءل ضد تشاءم وتطير فالتفاؤل بالخير والتطير بالشر. على أن الفأل قد يُستعمل في الشر أيضاً فيكون معنى العبارة لا تتشاءموا ولا تتيمنوا). قال علماء الشريعة في مدة الهيكل الثاني هذا ينهي عن التشاؤم بوقوع اللقمة من الفم وسقوط العصا من اليد وصراخ الولد وراء والده ونعيب الغراب فوق الرأس ومرور الغزال على عرض الطريق أمام الإنسان وزحف الحية على اليمين ومرور الثعلب على الشمال فإن الناس يعتبرون ذلك نحساً في يوم حدوثه في كل الأعمال التي كانوا ذاهبين إلى عملها أو عازمين عليه. ومثل ذلك قول بعض الناس يومئذ لا تبدأ معي إن الفجر لم يطلع أو إنه أول الشهر أو أول الأسبوع إني بذلك سأكون منحوساً كل اليوم أو كل الأسبوع أو كل الشهر بالقيام بهذا الأمر أول كل شيء. (فهذا التفسير يدل على أن المقصود بقوله في العبرانية «لا تنحشوا» لا تنحسوا بالتشاؤم أو لا تتشاءموا أو لا تتطيروا كما تقدم).

وَلاَ تَعِيفُوا (في العربية عاف الطير يعيفها عيافة زجرها وهو أن تُعتبر بأسمائها ومساقطها وأصواتها فتتسعّد أو تتشأم. والظاهر من غير هذا القول إن العيافة أعم من التيمن والتشاؤم بالطيور بدليل تفسيرهم العائف بالمتكهن بالطير أو غيرها). قال علماء الناموس المذكورون آنفاً إن هذا يمنع عن مثل القول إن هذا الوقت لا يحسن فيه السفر وإن هذا اليوم صالح لقضاء الحاجات وذلك اليوم يُغبن فيه المشتري وأمثال ذلك.

٢٧ «لاَ تُقَصِّرُوا رُؤُوسَكُمْ مُسْتَدِيراً، وَلاَ تُفْسِدْ عَارِضَيْكَ».

ص ٢١: ٥ وإشعياء ١٥: ٢ وإرميا ٩: ٢٦ و٤٨: ٣٧

لاَ تُقَصِّرُوا رُؤُوسَكُمْ مُسْتَدِيراً أي لا تقصروا شعور رؤوسكم على الاستدارة. قال علماء اليهود أي لا تحلقوا الشعر الذي عند الصدغين ولا الذي على جانب الأذنين وخلفهما فتبقوا قليلاً من الشعر في قمة الرأس كما يفعل بعض الأمم (انظر إرميا ٩: ٢٦ و٢٥: ٢٣ و٢٩: ٣٢).

لاَ تُفْسِدْ عَارِضَيْكَ (أي جانبي لحيتك لأن شعرهما ينبت على العارضين أي صفحتي الخدين). كان العبرانيون والعرب وسائر أمم المشرق يعتبرون اللحية كثيراً ويحسبونها زينة الوجه وكانت عندهم عزيزة كالحياة. وكانت عند اليهود من مواضيع التحية (٢صموئيل ٢٠: ٩). وكانوا يعتنون بلحاهم كثيراً ولا يهملون العناية بها إلا في أزمنة الحزن وكانوا إذا أرادوا إظهار شدة الحزن يغطون اللحى أو يقصونها أو ينتفونها (٢صموئيل ١٩: ٢٤ وإشعياء ١٥: ٢ وإرميا ٤١: ٥ الخ). وكان حلقها عندهم من شر العار والخزي والعقاب الدنيء (٢صموئيل ١٠: ٤ وإشعياء ٧: ٢٠ وعزرا ٥: ١ – ٥ الخ). وكان بعض الأمم القديمة يحسبون أسمى التقدمات لآلهتهم بعض شعر اللحية على أثر إطلاقها وطولها وهذا أول ما يقصد من النهي هنا.

٢٨ «وَلاَ تَجْرَحُوا أَجْسَادَكُمْ لِمَيِّتٍ. وَكِتَابَةَ وَسْمٍ لاَ تَجْعَلُوا فِيكُمْ. أَنَا ٱلرَّبُّ».

ص ٢١: ٤٥ وتثنية ١٤: ١ وإرميا ١٦: ٦ و٤٨: ٣٧

لاَ تَجْرَحُوا أَجْسَادَكُمْ لِمَيِّتٍ كان المرزوؤون يتركون شعورهم تطول ولا يعتنون بها من أن يسرّحوها ويدهنوها وغير ذلك من أمور العناية بها (انظر ص ١٠: ٦) بل كانوا يجرحون وجوههم وأعناقهم وصدورهم ولا يزال أهل الشرق يفعلون ذلك عند وفاة الشبان والشابات وأهل الجاه من الأقرباء. أما الإسرائيليون شعب الله فما كان يحسن بهم أن يشوهوا بذلك صورهم التي خُلقت على صورته تعالى لأنه كان عليهم أن يكونوا مقدسين كما أن الرب إلههم قدوس (انظر ص ٢١: ٦ وتثنية ١٤: ١ الخ). وما كان يجوز لهم أن يحزنوا كالأمم الذين لا رجاء لهم. وكان مخالف هذه الشريعة يُجلد أربعين جلدة إلا جلدة.

كِتَابَةَ وَسْمٍ لاَ تَجْعَلُوا فِيكُمْ كانوا يأتون ذلك بالوشم وذلك بأن يرسموا على اليد أو غيرها من الجسم ما يريدون من صورة أو كتابة بالقلم أو ما يشبهه ويخزون المرسوم بالإبر ثم يرشون عليه النؤور أو النيلج وهو دخان الشحم وشاع الوشم كثيراً بين قدماء الأمم المتمدنين والمتوحشين (ولا يزال بعض أهل الشرق يأتون ذلك). وكان النخاسون يسمون وجوه العبيد السود بالكي (والبيض بالوشم) فنهت الشريعة الإلهية عن كل ذلك لكن كان لليهود علامات يُعرفون بها غير ما ذُكر مما لا يغير صورة الله (انظر خروج ١٣: ٩ و١٦ وتثنية ٦: ٨ و١١: ١٨).

٢٩ «لاَ تُدَنِّسِ ٱبْنَتَكَ بِتَعْرِيضِهَا لِلزِّنَى لِئَلاَّ تَزْنِيَ ٱلأَرْضُ وَتَمْتَلِئَ ٱلأَرْضُ رَذِيلَةً».

تثنية ٢٣: ١٧

لاَ تُدَنِّسِ ٱبْنَتَكَ في هذه العبارة إشارة إلى الدناءة التي في عبادة عشتروت التي تفشت في الأزمنة القديمة والتي كانت قد تفشت بين اليهود في زمان هذا النهي.

٣٠ «سُبُوتِي تَحْفَظُونَ وَمَقْدِسِي تَهَابُونَ. أَنَا ٱلرَّبُّ».

ع ٣ وص ٢٦: ٢ جامعة ٥: ١

سُبُوتِي تَحْفَظُونَ كان حفظ السبت من أحسن الموانع من النجاسة المذكورة في (ع ٢٩) وأحسن الوسائل لمعرفة كلام الله إذ كان يُعلّم في ذلك اليوم المقدس (انظر ع ٣ وتفسيره).

مَقْدِسِي تَهَابُونَ كان اليهود يكثرون التردد إلى المقدس في يوم السبت ولذا قُرنت إهابته بوصية حفظ السبت (انظر خروج ٤٦: ٣). وكانت إهابة المقدس على ما عُرف من أقوال علماء الشريعة تقوم بأن لا يدنو منه اليهودي وهو في حال النجاسة الشرعية وأن لا يصعد أحد منهم إلى جبل بيت الرب وعصاه في يده ونعله في رجله وعليه أثواب أيام العمل والغبار على رجليه وهو حامل أكياس الدراهم والدنانير أو الشواقل وما أشبه ذلك. ومن إهانة المقدس وضع أدوات التجارة وما يتعلق بها على ما عُرف من عمل يسوع المسيح في الهيكل (انظر مرقس ١١: ١٦). وما كان يجوز لمثل من يأتي ذلك أن يتخذ القدس طريقاً مختصرة.

٣١ «لاَ تَلْتَفِتُوا إِلَى ٱلْجَانِّ وَلاَ تَطْلُبُوا ٱلتَّوَابِعَ، فَتَتَنَجَّسُوا بِهِمْ. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ».

خروج ٢٢: ١٨ وص ٢٠: ٦ و٢٧ وتثنية ١٨: ١٠ و١صموئيل ٢٨: ٧ و١أيام ١٠: ١٣ وإشعياء ٨: ١٩ وأعمال ١٦: ١٦

لاَ تَلْتَفِتُوا إِلَى ٱلْجَانِّ (اختلفت الأقوال في الجان فمنهم من ذهب إلى أن الجان مخلوقات روحية مستقلة ومنهم من قال أنها أرواح الموتى ومنهم من قال أنها الشياطين ومنهم من قال أنها صور خيالية وهذا هو الصحيح. وكان الوثنيون يعتقدون أنها تعرف المغيبات وتضر بالأحياء وأخذ اليهود ذلك عنهم في تلك الأيام فنهاهم الله عن هذا الباطل).

لاَ تَطْلُبُوا ٱلتَّوَابِعَ (هي على زعم أهلها جنّ أو أرواح تتبع بعض الناس فتشقيهم أو تسعدهم وهذا من الأمور الباطلة التي صدّقها بعض اليهود في ذلك العصر). وهي في اللغة العبرانية «أبوت» وترجمها بعضهم بالسحرة والعرّافين (وهذا محتمل في هذه العبارة على تقدير لا تطلبوا أصحاب التوابع أي الأرواح التي تنبئ من تتبعهم بالخفيات. وهذا التفسير يوافق ما قاله علماء الناموس بأن المقصود من أصحاب التوابع أو أصحاب «الأبوت» من معه روح تنبئه بما فوق الطبيعة من الأمور فتتكلم من إبطه أو صدره بصوت عميق وقد تتكلم من داخل القنينة وهذا معنى لفظة «أوب» العبرانية في سفر أيوب على ما قال بعضهم والصحيح إن اللفظة هنا أبوت وتُرجمت بالزقاق (انظر أيوب ٣٢: ١٩). والخلاصة إن كل ذلك من التخيلات الباطلة). وتُرجمت في الكلدانية بروح بيثون. (وتُرجمت الآية في الانكليزية بقول المترجم لا تلتفتوا إلى الأرواح الآلفة ولا تطلبوا العرافين). وقال بعض مفسريهم إن العرافين هم الذين يخبرون الناس بحظوظهم يمسك أحدهم بفمه ريشة طائر اسمه «يدوع» (أو يدوا) ويوقد البخور وينبئ بالمستقبلات. وأرادوا بالأرواح الآلفة التوابع.

٣٢ «مِنْ أَمَامِ ٱلأَشْيَبِ تَقُومُ وَتَحْتَرِمُ وَجْهَ ٱلشَّيْخِ وَتَخْشَى إِلٰهَكَ. أَنَا ٱلرَّبُّ».

أمثال ٢٠: ٢٩ و١تيموثاوس ٥: ١ ع ١٤

مِنْ أَمَامِ ٱلأَشْيَبِ تَقُومُ أوجب على أثر النهي عن الالتفات إلى الجان وطلب التوابع أو السحرة أصحاب التوابع الاحترام للشيوخ لكبرهم في السن واختبارهم لأنه «عند الشيب حكمة وطول الأيام فهم». وإذا وجب أن نحترم الشيوخ لنيل القداسة فكم يجب أن نحترم «قديم الأيام» (دانيال ٧: ٩ و٢٣ و٣٢). فهذه الوصية التي كثيراً ما جاءت في الكتاب المقدس قال فيها علماء اليهود «من اعتنى بالشيخ يجزى على عنايته به كما يجزي على طلبه الله». وقالوا أيضاً «إنما يؤمن بالأنبياء متى جاءوا بالمعجزات وأما الشيوخ فيؤمن بهم دائماً». ولا يزال اليهود المراعين الشريعة إلى هذا اليوم يعتنون بإكرام الشيوخ فإذا دخل طاعن بالسن بيتاً قام له كل من فيه من الشبان ولا يجلسون إلا بعد أن يجلس ويأمرهم بالجلوس ويعفى من ذلك العملة والصنّاع فإذا كانوا في أعمالهم ومرّ بهم الشيوخ لم يكن من الواجب عليهم أن يقفوا له. (فيكون معنى «من أمام الأشيب تقوم» قم قدّام الشيخ).

٣٣ «وَإِذَا نَزَلَ عِنْدَكَ غَرِيبٌ فِي أَرْضِكُمْ فَلاَ تَظْلِمُوهُ».

خروج ٢٢: ٢١ و٢٣: ٩

إِذَا نَزَلَ عِنْدَكَ غَرِيبٌ وُضعت هذه الشريعة الحسنة النافعة المملوءة من المعروف والإنسانية والإحسان للغريب الذي ليس بيهودي في الأصل بل للذي يؤمن إيمان اليهود ويختتن ويسكن بينهم فكان عليه مع ذلك أن يصوم في يوم الكفارة مثلهم (ص ١٦: ٢٩) ويأتي ما يأتونه من الذبائح (ص ١٧: ٨ و٩ و٢٢: ١٨) وأن يعتزل أكل الدم والفريسة (ص ١٧: ١٠ و١٥). وأن يراعي شرائع الطهارة والعفاف (ص ١٨: ٢٦). وأن يكف عن التجديف وأن يلزم الآداب ومراعاة الشرائع الأدبية كالمولود إسرائيلياً (ص ٢٤: ١٦ – ٢٢).

فَلاَ تَظْلِمُوهُ بأن تعيّروه أنه من الأمم أو تفضّلوا اليهودي الأصلي عليه في المعاملات وأن لا يدعوه دخيلاً بل عليهم أن يعتبروه أخاً لإيمانه بالإله الحق ووحيه وقيامه بالفروض والسنن الشرعية.

٣٤ «كَٱلْوَطَنِيِّ مِنْكُمْ يَكُونُ لَكُمُ ٱلْغَرِيبُ ٱلنَّازِلُ عِنْدَكُمْ، وَتُحِبُّهُ كَنَفْسِكَ، لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ».

خروج ١٢: ٤٨ و٤٩ تثنية ١٠: ١٩

كَٱلْوَطَنِيِّ مِنْكُمْ يَكُونُ أي يجب أن يُعتبر الغريب النازل بينهم المؤمن إيمانهم القائم بفروضهم كما يُعتبر الوطني بلا أدنى تمييز.

وَتُحِبُّهُ كَنَفْسِكَ فوق معاملته بالاحترام والإكرام والإحسان ومشاركته في الحقوق والعدل فكما كان عليهم أن يحبوا القريب كالنفس كان عليهم أن يحبوا ذلك الغريب كذلك (انظر ع ١٨). فهذه الشريعة الحسنة جذبت كثيرين من الغرباء إلى اليهود فكان في الأرض المقدسة في أيام سليمان ١٥٣٦٠٠ من النزلاء والغرباء.

لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ هذا مخالف لما كان عليه الأمم المجاورة للإسرئيليين فإنهم كانوا يبغضون الغرباء. فالمشترع عرف مرارة ذلك البغض بالاختبار مما نزل بشعبه إسرائيل يوم كانوا غرباء في مصر. والشعب اختبر تلك المرارة ولم يستطع أن ينساها فعرف الجور وإيلامه فصار يشعر مع الغرباء فكان يسهل عليه مؤاساتهم ومعامتلهم بالسواء والإخاء كما اقتضت شريعة الله. فكأن الله قال للإسرائيليين بفم نبيه موسى. إنكم قد عرفتم مرارة الذل وثقل الجور أيام كنتم غرباء في أرض الذل والعبودية فعليكم أن تنصفوا الغريب وتحبوه كما يقتضيه اختباركم وإحسان الرب إلهكم. وجاء هذا المعنى ثلاث مرات أُخر في الأسفار الخمسة (انظر خروج ٢٢: ٢٠ و٢٣: ٩ وتثنية ١٠: ١٩).

٣٥ «لاَ تَرْتَكِبُوا جَوْراً فِي ٱلْقَضَاءِ، لاَ فِي ٱلْقِيَاسِ وَلاَ فِي ٱلْوَزْنِ وَلاَ فِي ٱلْكَيْلِ».

ع ١٥

لاَ تَرْتَكِبُوا جَوْراً فِي ٱلْقَضَاءِ هذه العبارة مثل العبارة في أول الآية الخامسة عشرة فجعل الجور في القياس والوزن كالجور في القضاء والجامع بينها إضافة الحقوق. وكثيراً ما نهى الكتاب المقدس عن هذا الجور لأن الله هو الذي اختار القياس والوزن والكيل كأنه هو واضع المقياس والميزان وأدوات الكيل (تثنية ٢٥: ١٣ و١٤ وحزقيال ٤٥: ١٠ و١٢ وهوشع ١٢: ٨ وعاموس ٨: ٥ وميخا ٦: ١٠ و ١١ وأمثال ١١: ١ و١٦: ١١ و٢٠: ١٠ و٢٣). وحكم علماء الناموس على من يجور في القياس والوزن والكيل التي هي كالجور في القضاء بخمسة ذنوب:

  1. إنه ينجس الأرض.
  2. إنه يدنس اسم الله.
  3. إنه يكون علة ذهاب السكينة.
  4. إنه يكون علة هلاك إسرائيل.
  5. إنه يُسبي. وقالوا خطية الغش أو الجور بالقياس والميزان والكيل أعظم من خطية الزناء وتعادل خطية نفي الله منقذ إسرائيل من أرض مصر. وأقاموا نظاراً في كل مكان على ذلك أي النظر في كل من القياس والوزن والكيل وأمروا أن يكون الموزون به من الحديد أو الرصاص أو غيرهما من المعادن أو الحجارة المصقولة والزجاج.

٣٦، ٣٧ «٣٦ مِيزَانُ حَقٍّ وَوَزْنَاتُ حَقٍّ وَإِيفَةُ حَقٍّ وَهِينُ حَقٍّ تَكُونُ لَكُمْ. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمُ ٱلَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. ٣٧ فَتَحْفَظُونَ كُلَّ فَرَائِضِي وَكُلَّ أَحْكَامِي وَتَعْمَلُونَهَا. أَنَا ٱلرَّبُّ».

تثنية ٢٥: ١٣ و١٥ وأمثال ١١: ١ و١٦: ١١ و٢٠: ١٠ خروج ١٦: ٣٦ خروج ٢٩: ٤٠ ص ١٨: ٤ و٥ وتثنية ٤: ٥ و٦ و٥: ١ و٦: ٢٥

وَزْنَاتُ حَقٍّ تبيعون بها وتشترون بها.

إِيفَةُ حَقٍّ هي كيل يعدل عشرة أعمار (انظر ص ١٤: ١٠) وهي للجوامد كما أن البت للسوائل.

هِينُ حَقٍّ كيل للسوائل يسع ما ثقله ٧٢ بيضة منها.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى