سفر اللاويين | 17 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر اللاويين
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ عَشَرَ
١ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى».
قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى بعد أن قُرر أمر يوم الكفارة كما فُصلت متعلقاته أخذ يبين قانون كل يوم من أيام الحياة الدينية.
٢ «قُلْ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ وَجَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: هٰذَا هُوَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي يُوصِي بِهِ ٱلرَّبُّ».
وَجَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قوله «جميع بني إسرائيل» أول عبارة وردت هنا لم يسبق لها نظير في ما مر من التوراة. فإن الله خاطب:
- موسى وحده لكي يكلم غيره به (ص ٥: ١٤ و٢٠ و٦: ١٢ و٨: ١ و١٤: ١).
- أمر موسى أن يكلم هارون (ص ١٦: ١)
- أمر موسى أن يكلم هارون وبنيه (ص ٦: ١ و١٧).
- أمره أن يكلم بني إسرائيل (ص ١: ١ و٤: ١ و٧: ٢٨ و١٢: ١).
- أمر موسى وهارون معاً أن يكلما بني إسرائيل (ص ١١: ١ و١٥: ١).
- كلم هارون وحده (ص ١٠: ٨).
- كلم هنا موسى وحده وأمره أن يكلم هارون وبنيه وجميع بني إسرائيل أيضاً. ويصح أنه أراد بالجميع الشيوخ الذين هم نواب الشعب كله. فكان الكهنة والعامة في هذا الأمر سواء. وجاءت هذه العبارة في موضعين بعد هذا الموضع (انظر ص ٢١: ٢٤ و٢٢: ١٨).
هٰذَا هُوَ ٱلأَمْرُ الخ أي الشيء. زاد الله هذه العبارة هنا لموسى لكي يبين بها أهمية الشريعة. وجاءت في عدة مواضع لمثل هذه الغاية (انظر خروج ١٦: ١٦ و٣٥: ٤ ولاويين ٨: ٥ و٩: ٦ وعدد ٣٠: ٢ و٣٦: ٦).
٣، ٤ «٣ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ يَذْبَحُ بَقَراً أَوْ غَنَماً أَوْ مِعْزىً فِي ٱلْمَحَلَّةِ، أَوْ يَذْبَحُ خَارِجَ ٱلْمَحَلَّةِ، ٤ وَإِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ لاَ يَأْتِي بِهِ لِيُقَرِّبَ قُرْبَاناً لِلرَّبِّ أَمَامَ مَسْكَنِ ٱلرَّبِّ، يُحْسَبُ عَلَى ذٰلِكَ ٱلإِنْسَانِ دَمٌ. قَدْ سَفَكَ دَماً. فَيُقْطَعُ ذٰلِكَ ٱلإِنْسَانُ مِنْ شَعْبِهِ».
تثنية ١٢: ٥ و٢١ تثنية ١٢: ٥ و٦ و١٣ و١٤ رومية ٥: ١٣ تكوين ١٧: ١٤
لاَ يَأْتِي بِهِ أي من لا يأتي به إلى المكان الذي تُذبح فيه الذبائح ويقدمه ذبيحة سلامة للرب يجازي بالقطع من الشعب.
٥ «لِكَيْ يَأْتِيَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِذَبَائِحِهِمِ ٱلَّتِي يَذْبَحُونَهَا عَلَى وَجْهِ ٱلصَّحْرَاءِ وَيُقَدِّمُوهَا لِلرَّبِّ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ إِلَى ٱلْكَاهِنِ، وَيَذْبَحُوهَا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ لِلرَّبِّ».
تكوين ٢١: ٣٣ و٢٢: ٢ و٣١: ٥٤ وتثنية ١٣: ٢ و١ملوك ١٤: ٢٣ و٢ملوك ١٦: ٤ و١٧: ١٠ و٢أيام ٢٨: ٤ وحزقيال ٢٠: ٢٨ و٢٢: ٩
لِكَيْ يَأْتِيَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِذَبَائِحِهِمِ علة أمر الله لبني إسرائيل أن يأتوا بتلك الحيوانات من الأنواع الثلاثة المذكورة في الآية الثالثة إلى قرب القدس ويقدموها أولاً ذبائح سلامة للرب منع الإسرائيليين من أن يقدموها للشياطين على وجه الصحراء لأن الصحراء هي مسكن الشياطين على ما ذُكر في الكلام على عزازيل (انظر ص ١٦: ٧ – ١٠ والتفسير).
ٱلَّتِي يَذْبَحُونَهَا عَلَى وَجْهِ ٱلصَّحْرَاءِ أي التي اعتادوا أن يقربوها لآلهة الأمم في البرية وهم مائلون أن يأتوا ذلك في المستقبل. والمقصود بالصحراء هنا البرية التي خارج المحلة وهي الأرض التي يشغلها الإسرائيليين بحلولهم (انظر ص ١٤: ٧ و٥٣ والتفسير).
٦ «وَيَرُشُّ ٱلْكَاهِنُ ٱلدَّمَ عَلَى مَذْبَحِ ٱلرَّبِّ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ، وَيُوقِدُ ٱلشَّحْمَ لِرَائِحَةِ سُرُورٍ لِلرَّبِّ».
ص ٣: ٢ خروج ٢٩: ١٨ وص ٣: ٥ و١١ و١٦ و٤: ٣١ وعدد ١٨: ١٧
يَرُشُّ ٱلْكَاهِنُ كان الكاهن القائم بالخدمة بعد أن يذبح مقدمو الذبائح التي يأتون بها يأخذ الدم في إناء ويرشه على جدران مذبح المحرقة (انظر ص ١: ٥).
يُوقِدُ ٱلشَّحْمَ (انظر ص ٣: ٣ و٥ والتفسير).
٧ «وَلاَ يَذْبَحُوا بَعْدُ ذَبَائِحَهُمْ لِلتُّيُوسِ ٱلَّتِي هُمْ يَزْنُونَ وَرَاءَهَا. فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً تَكُونُ هٰذِهِ لَهُمْ فِي أَجْيَالِهِمْ».
تثنية ٣٢: ١٧ و٢أيام ١١: ١٥ ومزمور ١٠٦: ٣٧ و١كورنثوس ١٠: ٢٠ ورؤيا ٩: ٢٠ خروج ٣٤: ١٥ وص ٢٠: ٥ وتثنية ٣١: ١٦ وحزقيال ٢٣: ٨
وَلاَ يَذْبَحُوا بَعْدُ ذَبَائِحَهُمْ لِلتُّيُوسِ جاء في الترجمة الإنكليزية الشياطين بدل التيوس إذ فهم المترجم منها الآلهة التي كالتيوس وتقديمهم الذبائح لتلك الآلهة كتقديمها للشياطين لأن الشياطين أغروا أهلها بعبادتها. وكان المصريون وغيرهم من قدماء الأمم يتخذون التيوس آلهة وكان للتيس هياكل في مصر السفلى. وكان في الهياكل تماثيل للتيوس يعبدونها ويسألونها الخصب ويعتقدون أنها توحي إلى سدنتها. وكان اسم صنمهم التيسي باناً وسموه بندس أيضاً وأقاموا تمثاله في كل مكان. ومنه بان وسيلينوس والساتيرات وهي تماثيل نصف كل منها نصف إنسان والنصف الآخر نصف تيس. والفونان وغيرها من آلهة الآجام عند اليونانيين والرومانيين. وعليه صوَّر المسيحيون في القرون المتوسطة الشيطان تيساً ذا ذنب وقرون وأظلاف ولا تزال تماثيله تُشاهد في بعض المدن الأوربية. وأتى الإسرائيليون بتماثيله من مصر وعبدها بعضهم وأشار إلى ذلك الكتاب المقدس في مواضع كثيرة (انظر يشوع ٢٤: ١٤ وحزقيال ٢٠: ٧ و٢٣: ٣ الخ و٢أيام ١١: ١٥). وقوله «ولا يذبحوا بعد» يدل على أن اليهود كانوا يذبحون لتلك التيوس أو الآلهة التيسية. واعترض بعضهم على أن تلك الحيوانات من البقر والغنم والمعزى يجب أن تكون عند الإسرائيليين كثيرة لأنهم كانوا نحو مليونين إذ الرجال ست مئة ألف وكانوا يأكلون منها ويقدمون الذبائح. والعناية بهذه البهائم في البرية مما لا يستطيعه الإسرائيليون. قلنا لا نرى من قوة لهذا الاعتراض كما رأى المعترضون فإن العناية بالبهائم في البرية أسهل من العناية بها في المدن لكثرة المرعى والملاجئ وإن الإسرائيليين لم يكونوا كالأوربيين وغيرهم من أهل هذا العصر يكثرون أكل اللحم وما كانوا يأكلونها كل يوم بل معظم ما كانوا يأكلون منه هو ما كان من لحم الذبائح معهم من البقر والغنم والمعزى لم يكن لسوى التقدمة. وما كان عيش الإسرائيليين في البرية إلا كعيش البدو في هذه البلاد قديماً وحديثاً من قلة تناول اللحوم. هذا والكلام هنا على البهائم الثلاث وكان للإسرائيليين غيرها في البرية من الطيور كالحمام والحجل واليمام ومن البهائم كالغزلان والوعول إلى غير ذلك من بهائم البر الكثيرة فما المانع من أنهم كانوا يصيدون ويأكلون ما شاءوا. وبقي كثير مما يدفع هذا الاعتراض ولكن لا نرى من حاجة إلى ذكر بعد ما ذكرناه.
٨، ٩ «٨ وَتَقُولُ لَهُمْ: كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمِنَ ٱلْغُرَبَاءِ ٱلَّذِينَ يَنْزِلُونَ فِي وَسَطِكُمْ يُصْعِدُ مُحْرَقَةً أَوْ ذَبِيحَةً ٩ وَلاَ يَأْتِي بِهَا إِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ لِيَصْنَعَهَا لِلرَّبِّ، يُقْطَعُ ذٰلِكَ ٱلإِنْسَانُ مِنْ شَعْبِهِ».
ص ١: ٢ و٣ ع ٤
كُلُّ إِنْسَانٍ كُررت هذه العبارة في هذا الفصل (انظر ع ٣ و٨ و١٠ و١٣) للتعميم والتأكيد. كان الآباء الأولون يذبحون أين شاءوا وكان كل منهم بمنزلة كاهن لأهل بيته فمنع الله الشعب من ذلك هنا فكان على الإسرائيليين أن يأتوا بذبائحهم للرب ويذبحوها ويتركوا الخدمة المتعلقة بها للكهنة المعينين. ونعنى بالدخلاء الذين هادوا أي دانوا بدين اليهود من الأمم وهم الذين أرادهم بقوله «ومن الغرباء النازلين في وسطكم». وكان من خالف ذلك يُقطع.
١٠ «وَكُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمِنَ ٱلْغُرَبَاءِ ٱلنَّازِلِينَ فِي وَسَطِكُمْ يَأْكُلُ دَماً، أَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّ ٱلنَّفْسِ ٱلآكِلَةِ اْلدَّمِ وَأَقْطَعُهَا مِنْ شَعْبِهَا».
تكوين ٩: ٤ وص ٣: ١٧ و٧: ٢٦ و٢٧ و١٩: ٢٦ وتثنية ١٢: ١٦ و٢٣ و١٥: ٢٣ و١صموئيل ١٤: ٣٣ وحزقيال ٤٤: ٧ ص ٢٠: ٣ و٥ و٦ و٢٦: ١٧ وإرميا ٤٤: ١١ وحزقيال ١٤: ٨ و١٥: ٧
كُلُّ إِنْسَانٍ… يَأْكُلُ دَماً الخ كرر هذا التهديد هنا كما كرره في النهي عن أكل الشحم (انظر ص ٣: ١٧ و٧: ٢٦ و٢٧) بياناً لكونه ذا شأن لأن ذلك الدم فيه الحياة ولأنه كان للرب لأنه دم الذبائح التي قدمت له ولأن الدم هو الكفارة (انظر ع ١١). ويستثنى من ذلك بمقتضى القانون الذي عُرف مدة الهيكل الثاني دم الأسماك الطاهرة والجراد.
أَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّ ٱلنَّفْسِ أي أجعله يُشعر النفس بغضبي عليها (ففي الكلام مجاز مأخوذ من أن علامات الغيظ تظهر على وجه الإنسان). وردت هذه العبارة ثلاث مرات في الكتاب المقدس مرة بالنظر إلى تعلقها بالسنة المذكورة هنا ومرتين في غيرها وجاءت في الثلاث دالة على الغضب لظهور آياته على الوجه (انظر ص ٢٠: ٣ و٦ و١٦ ١٧). وجاء تغير الوجه والوجه بمعنى الغضب في (تكوين ٣١: ٢ ومراثي إرميا ٤: ١٦). وترجم قوله في المراثي «وجه الرب قسمهم»في الترجمة الكلدانية «غضب الرب قسمهم»(قابل هذا ما في ١بطرس ٣: ١٢).
١١ «لأَنَّ نَفْسَ ٱلْجَسَدِ هِيَ فِي ٱلدَّمِ، فَأَنَا أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ نُفُوسِكُمْ، لأَنَّ ٱلدَّمَ يُكَفِّرُ عَنِ ٱلنَّفْسِ».
ع ١٤ متّى ٢٦: ٢٨ ومرقس ١٤: ٢٤ ورومية ٣: ٢٥ و٥: ٩ وأفسس ١: ٧ وكولوسي ١: ١٤ وعبرانيين ١٣: ١٢ و١بطرس ١: ٢ و١يوحنا ١: ٧ ورؤيا ١: ٥ عبرانيين ٩: ٢٢
لأَنَّ نَفْسَ ٱلْجَسَدِ هِيَ فِي ٱلدَّمِ وجاءت الحياة بدلاً من الدم في الترجمة الكلدانية والذي في الأصل العبراني هو ما في المتن هنا. وما ذُكر هنا هو علة النهي عن أكل الدم. ومعنى «إن النفس هذ في الدم» إن الدم من الجوهريات التي تبقى بها النفس أو الحياة في الجسد لأنه إذا سفك الدم فارقته ولهذا جاءت النفس بمعنى الدم والدم بمعنى النفس في الأسفار المقدسة ومن ذلك ما جاء في المزمور الثلاثين وهو قولم المرنم «ما الفائدة من دمي» أي حياتي.
فَأَنَا أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ لأنه قوام الحياة فيقدم على المذبح فداء عن حياة المقدِم.
لأَنَّ ٱلدَّمَ يُكَفِّرُ عَنِ ٱلنَّفْس ِ (فيبذل الدم بدل الدم والحياة بدل الحياة) ومعنى العبارة إن الدم متحد بالحياة ويمثل نفس البهيمة ولذلك عيّنه الله فدى عن نفس الخاطئ أو حياته فحياة الذبيحة بدل من حياة مقدمها. وعلى هذا قال الرسول «وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!» (عبرانيين ٩: ٢٢).
١٢ «لِذٰلِكَ قُلْتُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: لاَ تَأْكُلْ نَفْسٌ مِنْكُمْ دَماً، وَلاَ يَأْكُلِ ٱلْغَرِيبُ ٱلنَّازِلُ فِي وَسَطِكُمْ دَماً».
لِذٰلِكَ الخ أي لأن الدم فيه الحياة ولأن الله عيّنه فدى عن الحياة مُنع الإسرائيليون عن أكله ومُنع الدخلاء عن ذلك كما مُنع الإسرائيليون الأصليون لأن الدخلاء بإيمانهم بشريعة موسى وجب عليهم فروضها وسننها ولأن أكلهم إياه لا يقتصر على كونه تعدياً للشريعة التي اختاروها بل يكون أيضاً عثرة لليهود وكراهة لهم ولهذا نهى عنه الرسل في المجمع الأورشليمي (أعمال ١٥: ٢٠ و٢٩ و٢١: ٢٥).
١٣ «وَكُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمِنَ ٱلْغُرَبَاءِ ٱلنَّازِلِينَ فِي وَسَطِكُمْ يَصْطَادُ صَيْداً، وَحْشاً أَوْ طَائِراً يُؤْكَلُ، يَسْفِكُ دَمَهُ وَيُغَطِّيهِ بِٱلتُّرَابِ».
ص ٧ و٢٥ و٢٦ تثنية ١٢: ١٦ و٢٤ و١٥: ٢٣ حزقيال ٢٤: ٧
وَكُلُّ إِنْسَانٍ كان الكلام السابق في الشريعة المتعلقة بدم الذبائح أي دم البقر والغنم والمعزى التي كانت تقدم ذبائح في القدس. والكلام هنا وفي ما بعده في البهائم الطاهرة شرعاً التي تؤكل وليست من الذبائح المقدمة.
يَصْطَادُ صَيْداً كان الصيد من أنواع اللهو عند الأمم القديمة وكان عند اليهود ذا شأن ومما تقتضيه الضرورة لقطع الوحوش المفترسة علاوة على الانتفاع بلحم الجائز أكله من البهائم (خروج ٢٣: ٢٩). وكانت الضرورة الكبرى الحصول على الطعام (تكوين ٢٥: ٢٧ وأمثال ١٢: ٢٧). وكان اليهود فوق أنهم يصيدون بالحُفر والشراك والفخاخ يصيدون بالأسلحة (تكوين ٢٨: ٣). فان القدماء من الأمم إذا جرح الحيوان الذي يصيدونه أو قُتل يحملونه سريعاً إلى مساكنهم ويتركون دمه على الأرض. ولكن عرفنا من بعض الكتب القديمة أن الصابئين كانوا إذا ذبحوا البهيمة تناولوا دمها بإناء أو جعلوه يجتمع في حفرة وردموها ثم أخذوا في الوليمة. فمنع بنو إسرائيل من أن يتركوا دم الصيد على وجه الأرض. فإنه كثيراً ما يتفق أن يكون الصياد جائعاً فيسرع إلى الصيد ويأكل لحمه والدم فيه. وقد حدث مثل هذا على ما عُرف من سفر صموئيل الأول (انظر ١صموئيل ١٤: ٣٢ – ٣٤ وقابل ذلك بما في حزقيال ٣٣: ٢٥).
وَحْشاً أَوْ طَائِراً يُؤْكَلُ أي من الوحوش والطيور التي يحل أكلها بمقتضى الشريعة وقد فسر هذا علماء الناموس في مدة الهيكل الثاني بقولهم وحشاً طاهراً أو طائراً يؤكل لأنه طاهر وما أوجبوا ما ذُكر للتي لا يجوز أكلها.
يَسْفِكُ دَمَهُ للأرض التي أخرجت البهائم عند خلقها (تكوين ١: ٢٤) أن تسترد حياتها عند قتلها. إنها وُلدت من رحم الأرض قدمها الذي فيه حياتها يرجع إليه. وهذا ما راعاه علماء الناموس في مدة الهيكل الثاني. وكانوا يقولون على أثر تغطية الدم «مبارك أنت أيها الرب إلهنا ملك العالمين الذي أمرنا أن نغطي الدم».
١٤ «لأَنَّ نَفْسَ كُلِّ جَسَدٍ دَمُهُ هُوَ بِنَفْسِهِ. فَقُلْتُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: لاَ تَأْكُلُوا دَمَ جَسَدٍ مَا، لأَنَّ نَفْسَ كُلِّ جَسَدٍ هِيَ دَمُهُ. كُلُّ مَنْ أَكَلَهُ يُقْطَعُ».
تكوين ٩: ٤ وع ١١ و١٢ وتثنية ١٢: ٢٣
لأَنَّ نَفْسَ كُلِّ جَسَدٍ دَمُهُ أي لأن الدم يشتمل على المبدإ الحيوي في البهائم فكأنه قال لأن حياة كل بهيمة في دمها لكن ذلك ما دام الدم يدور في الجسد فمتى سُفك وجف فارقته الحياة. (وما هو المبدأ الحيوي وكيف يكون في الدم ذلك لم يبين ولعل المقصود أن بقاء النفس في الجسد متوقف على بقاء الدم فيه في الحال العادية فيكون التقدير «لأن بقاء نفس كل ذي جسد بقاء دمه»).
١٥ «وَكُلُّ إِنْسَانٍ يَأْكُلُ مَيْتَةً أَوْ فَرِيسَةً، وَطَنِيّاً كَانَ أَوْ غَرِيباً، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَبْقَى نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ ثُمَّ يَكُونُ طَاهِراً».
خروج ٢٢: ٣١ وص ٢٢: ٨ وتثنية ١٤: ٢١ وحزقيال ٤: ١٤ و٤٤: ٣١ ص ١١: ٢٥ ص ١٥: ٥
مَيْتَةً هذا مبني على ما قبله لأن الميتة يبقى دمها فيها. والمقصود بالميتة هنا البهيمة التي تموت حتف أنفها.
فَرِيسَةً وهذا مبني على ما قبله أيضاً لأن الفريسة يبقى كثير من دمها فيها. وكانت الفريسة تُطرح للكلاب (خروج ٢٢: ٣١). وشدة هذه الشريعة تتبين مما جاء في (٢صموئيل ١٤: ٤٢ – ٤٥ وحزقيال ٤: ١٤ و٤٦: ٣٦). وكان القانون في مدة الهيكل الثاني المنع من أكل جثة البهيمة التي تموت موتاً طبيعياً أو تُقتل بحادثة من حوادث غير الذبح أو بالافتراس. وهذا يوضح حكم المجمع الرسولي الأورشليمي وهو تحريم المخنوق (أعمال ١٥: ٢٠).
أَوْ غَرِيباً أي دخيلاً دان بدين الإسرائيليين وإلا فله أن يأكلها (انظر تثنية ١٤: ٢١).
يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ هذا إذا كان اللحم وهو لا يعلم أنه لحم ميتة أو فريسة وإلا قُطع. ويدلك على هذا ما جاء في (ص ٥: ٢ وتفسيره).
١٦ «وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ وَلَمْ يَرْحَضْ جَسَدَهُ يَحْمِلْ ذَنْبَهُ».
ص ٥: ١ و٧: ١٨ و١٩: ٨ وعدد ١٩: ٢٠
يَحْمِلْ ذَنْبَهُ أي يُقطع أو يُجلد. فإنه كان إذا أهمل التطهير ودخل القدس وهو نجس أو أكل من لحم الذبيحة المقدسة وجب عليه الحد فيُقطع بالأول ويجلد بالثاني على ما عُرف من أقوال علماء اليهود في أيام المسيح.
السابق |
التالي |