سفر اللاويين

سفر اللاويين | 11 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر اللاويين

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي عَشَرَ

١ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى وَهَارُونَ».

وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى وَهَارُونَ كان يخشى من سخط موسى على الكهنة الذي شاع بين اليهود (انظر ص ١٠: ١٦). أن يذهب بتأثيرهم في الشعب أو يقلله مع أنهم معلموهم شريعة الطاهر والنجس (انظر ص ١٠: ١٠ و ١١) ولذلك أكرم الرب هارون بأن جعله ممثل موسى في إلقاء الوحي إليه (انظر عدد ٩: ٦).

٢ «قُولاَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: هٰذِهِ هِيَ ٱلْحَيَوَانَاتُ ٱلَّتِي تَأْكُلُونَهَا مِنْ جَمِيعِ ٱلْبَهَائِمِ ٱلَّتِي عَلَى ٱلأَرْضِ».

تثنية ١٤: ٤ وأعمال ١٠: ١٢ و١٤

هٰذِهِ هِيَ ٱلْحَيَوَانَاتُ ٱلَّتِي تَأْكُلُونَهَا مِنْ جَمِيعِ ٱلْبَهَائِمِ أول شريعة الأطعمة كانت في البهائم البرية الداجنة والآبدة. وكانت البهائم عند العبرانيين أربعة أقسام (١) البرية. و(٢) المائية. و(٣) الهوائية أي الطيور. و(٤) السربية الهوامية أي التي تعيش جماعات من الهوام أو الحشرات. ولم يذكر أقسام التي يحل أكلها من البرية بأسمائها وهي عشرة كما يُعرف مما جاء في سفر التثينة ففيه «هٰذِهِ هِيَ ٱلْبَهَائِمُ ٱلَّتِي تَأْكُلُونَهَا: ٱلْبَقَرُ وَٱلضَّأْنُ وَٱلْمَعْزُ وَٱلإِيَّلُ وَٱلظَّبْيُ وَٱلْيَحْمُورُ وَٱلْوَعْلُ وَٱلرِّئْمُ وَٱلثَّيْتَلُ وَٱلْمَهَاةُ» (تثنية ١٤: ٤ و٥). وشاع بين اليهود في عصر الهيكل الثاني إن الله جعل البهائم تمر فعلاً أمام موسى وهارون كما جعل البهائم تأتي إلى نوح وهو في الفلك وبنوا هذا القول على قوله تعالى «هذه هي الحيوانات» إذ فهموا من ذلك أنه أشار إلى ما يشاهدونه في الحضرة.

٣ «كُلُّ مَا شَقَّ ظِلْفاً وَقَسَمَهُ ظِلْفَيْنِ وَيَجْتَرُّ مِنَ ٱلْبَهَائِمِ فَإِيَّاهُ تَأْكُلُونَ».

كُلُّ مَا شَقَّ ظِلْفاً وَقَسَمَهُ ظِلْفَيْنِ القاعدة الأولى لتمييز بهائم البرّ الطاهرة انشقاق الظلف انشقاقاً بيناً تاماً من أعلى ومن أسفل كما يدل على ذلك مثل هذه الآية في سفر التثنية وهي «كُلُّ بَهِيمَةٍ مِنَ ٱلْبَهَائِمِ تَشُقُّ ظِلْفاً وَتَقْسِمُهُ ظِلْفَيْنِ» (تثنية ١٤: ٦). وذلك مثل ما تراه في ظلف الثور والشاة والعنز فإن كلا منها مشقوق إلى اثنين من فوق ومن تحت بخلاف أيدي وأرجل الكلاب والهرر فإنها مقسومة إلى عدة براثن جمع برثن وهو لهؤلاء البهائم كالإصبع للإنسان. وفي الكتب العربية الظلف للبقرة والشاة والظبي وشبهها بمنزلة القدم للإنسان. وقيل بمنزلة الحافر للفرس والخف للبعير أي الجمل).

وَيَجْتَرُّ الانشقاق إلى ظلفين متميزين من فوق ومن تحت ليس بالعلامة الكاملة على طهارة البهيمة فيجب مع ذلك أن تكون من الحيوانات المجترة. وهذا هو القانون الذي شاع في زمن الهيكل الثاني «كل ذي أربع ليس له أنياب علوية يُعرف بأنه مجتر متى كان ذا ظلف مشتق إلى اثنين». وفي قانون مانو «أو مان» الهندي الأعظم تحريم أكل اللحم ذي الأربع غير المشقوق الظلف كذلك. وكذا كان قانون الكهنة المصريين فإنهم منعوا من أكل غير ذي ظلف مشقوق وكل ذي براثن. (والاجترار إخراج بعض البهائم الطعام من باطنه إلى فيه وأكله إياه ثانية).

٤ «إِلاَّ هٰذِهِ فَلاَ تَأْكُلُوهَا مِمَّا يَجْتَرُّ وَمِمَّا يَشُقُّ ٱلظِّلْفَ: ٱلْجَمَلَ، لأَنَّهُ يَجْتَرُّ لٰكِنَّهُ لاَ يَشُقُّ ظِلْفاً، فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ».

إِلاَّ هٰذِهِ فَلاَ تَأْكُلُوهَا لبعض البهائم من ذوات الأربع واحدة من العلامتين الاثنتين المذكورتين دون الأخرى الاجترار دون انشقاق الظلف وكانشقاق البهائم فمحظور أكله على الإسرائيليين.

ٱلْجَمَلَ، لأَنَّهُ يَجْتَرُّ لٰكِنَّهُ لاَ يَشُقُّ ظِلْفاً أي من أمثلة ما فيه واحدة من علامتي الطهارة المذكورتين دون الأخرى الجمل على أن ظلف الجمل وإن كان مشقوقاً من فوق هو غير مشقوق من تحت كظلف البقر والغنم فلا يدخل في هذا الاعتبار بين مشقوقات الظلف المذكورة. والمصريون والهنود لا يأكلون الجمل بدعوى أن لحمه حار وأنه يُنشئ في أكله القساوة والحقد وحب الانتقام. والفُرس وقدماء العرب والمسلمون يشربون لبن الإبل ويأكلون لحومها.

٥ «وَٱلْوَبْرَ، لأَنَّهُ يَجْتَرُّ لٰكِنَّهُ لاَ يَشُقُّ ظِلْفاً فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ».

تثنية ١٤: ٧ ومزمور ١٠٤: ١٨ وأمثال ٣٠: ٢٦

وَٱلْوَبْرَ لأَنَّهُ يَجْتَرُّ لٰكِنَّهُ لاَ يَشُقُّ ظِلْفاً (انظر ع ٤). (الوبر على ما في حياة الحيوان الكبرى للدميري دوبية أصغر من السنور طحلاء اللون لا ذنب لها تقيم في البيوت جمعه وبور وبارة والأنثى وبرة وقول الجوهري لا ذنَب لها أي لا ذَنب طويل وإلا فالوبر له ذنَب قصير جداً. والناس يسمون الوبر بغنم بني إسرائيل ويزعمون أنها مُسخت لأن ذنبها مع صغره يشبه إلية الخروف. وهو قول شاذ لا يُلتفت إليه ولا يعوّل عليه). وسمى قدماء الإنكليز الوبر بالأرنب (وهو في العبرانية شفن ولا أصل له فيها ليستدل به على معناه. وظن بعضهم إن معناه محتال ولذلك سمي بالإنكليزية كوني Coney و Cony من Cuning بتغيير التهجئة شيئاً. وقال بعضهم أنه اليربوع والصحيح أنه ليس إياه بل هو ما وصفه الدميري في حياة الحيوان الكبرى على ما ذُكر آنفاً) وهو ليس بالأرنب إنما هو حيوان يكثر في سورية ويعيش جماعات وقدر حجمه يقرب من قدر حجم الأرنب المعتدل وله شعر طويل أربد إلى السواد (أو أطحل أي لونه كلون الطحال) أو أسود يضرب إلى الصفرة وبطنه أبيض وذنبه قصير جداً وأذناه قصيرتان مستديرتان وفكه يشبه فك المجترات.

٦ «وَٱلأَرْنَبَ، لأَنَّهُ يَجْتَرُّ لٰكِنَّهُ لاَ يَشُقُّ ظِلْفاً فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ».

إشعياء ٦٥: ٤ و٦٦: ٣ و١٧

وَٱلأَرْنَبَ، لأَنَّهُ يَجْتَرُّ لٰكِنَّهُ لاَ يَشُقُّ ظِلْفاً وبعض الأمم غير اليهود يمتنعون من أكل الأرنب والمجوس يعتقدون أن الأرنب أنجس البهائم. وقدماء البريطون امتنعوا من أكل لحمه لأنه كريه في ذوقهم لأمراض مختصة به. وليس له معدة خاصة كالمجترات.

٧ «وَٱلْخِنْزِيرَ، لأَنَّهُ يَشُقُّ ظِلْفاً وَيَقْسِمُهُ ظِلْفَيْنِ لٰكِنَّهُ لاَ يَجْتَرُّ، فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ».

إشعياء ٦٥: ٤ و٦٦: ٣ و١٧

وَٱلْخِنْزِيرَ، لأَنَّهُ يَشُقُّ ظِلْفاً وَيَقْسِمُهُ ظِلْفَيْنِ لٰكِنَّهُ لاَ يَجْتَرُّ (انظر ع ٣). لما أبان صفة البهائم التي تنطوي تحت ما يصدق عليها الشرط الثاني فقط أي التي تجتر ولا تشق ظلفاً وتقسمه ظلفين وأبان أنها لا تؤكل أذ يبين بعض أفراد البهائم التي تنطوي تحت ما يصدق عليها الشرط الأول مثالاً لسائرها وهو الخنزير فإنه يصدق عليه أنه «يشق ظلفاً ويقسمه ظلفين لكه لا يجتر» فهو نجس عند اليهود وضربوا في نجساته المثل (أمثال ١١: ٢٢). واتخذوا أكل لحم الخنزير كناية عن مخالفة الشريعة وعن العناد. وقد اتخذه أنطيخوس أبيفانيس آية اليهودي الذي نسي الشريعة. وفي سفر المكابيين الثاني أنه كان رجل يقال له أليعازر من متقدمي الكتبة طاعن في السن رائع المنظر في الغاية فأكرهوه بفتح فيه على أكل لحم الخنزير فاختار أن يموت مجيداً على أن يحيا ذميماً وانقاد إلى العذاب طائعاً وقذف لحم الخنزير من فيه (٢مكابيين ٦: ١٨ و١٩). ولم يكن في مدة الدولة اليهودية من خنزير في بلاد اليهود ولذلك كانت الكورة التي ذهب الابن الضال إليها بعيدة وفي تلك الكورة البعيدة رعى الخنازير (لوقا ١٥: ١٣ – ١٥). وأما خنازير الجليل في عصر المسيح فكان يعتني بها الأمم للجيش الروماني (متّى ٧: ٣٠). وأعلن التلمود أنه إذا جُعلت أوبئة الأرض عشرة كان تسعة منها من الخنازير (أو نصيب الخنازير). على أن كثيرين من الوثنيين اتخذوا الخنزير رمزاً إلى الخصب ولهذا كانوا يقربونها لآلهة خصب التربة ووفرة القطعان من بقر وغنم. وكان يقربها قدماء المصريين إكراماً لأسيس وأوزريس مرة في السنة والقمر بدر وقدمها الأثينيون في معابدهم وكذا فعل البيوتيون وقدماء الرومانيين.

٨ «مِنْ لَحْمِهَا لاَ تَأْكُلُوا وَجُثَثَهَا لاَ تَلْمِسُوا. إِنَّهَا نَجِسَةٌ لَكُم».

إشعياء ٥٢: ١١ ومتّى ١٥: ١١ و٢٠ ومرقس ٧: ٢ و١٥ و١٨ وأعمال ١٠: ١٤ و١٥ و١٥: ٢٩ ورومية ١٤: ١٤ و١٧ و١كورنثوس ٨: ٨ وكولوسي ٢: ١٦ و٢١ وعبرانيين ٩: ١٠

مِنْ لَحْمِهَا لاَ تَأْكُلُوا مُنع اليهود في زمن الهيكل الثاني عن أكل هذا اللحم منهاً شديداً وأوجبوا التأديب على أكل المقدار الصغير منه فكان من يأكل مقدار زيتونة (أي حبة زيتون) من ذلك اللحم يؤدب بالسياط.

وَجُثَثَهَا لاَ تَلْمِسُوا كان مس الإنسان الميت يُعد أنجس من كل شيء ولم يمنع منه إلا الكهنة (انظر ص ٢١: ١ – ٣) وأما جثث البهائم المحرّم أكلها فمُنع من مسها كل الشعب. وكان إذا مس أحد من زوار أورشليم في أيام الأعياد جثة من تلك الجثث مُنع من دخول القدس ومن لمس كل شيء مقدس ومن أكل لحم الذبائح.

٩ «وَهٰذَا تَأْكُلُونَهُ مِنْ جَمِيعِ مَا فِي ٱلْمِيَاهِ: كُلُّ مَا لَهُ زَعَانِفُ وَحَرْشَفٌ فِي ٱلْمِيَاهِ، فِي ٱلْبِحَارِ وَفِي ٱلأَنْهَارِ، فَإِيَّاهُ تَأْكُلُونَ».

تثنية ١٤: ٩

هٰذَا تَأْكُلُونَهُ الخ هنا القسم الثاني من الحيوانات أو أقسام البهائم الأربعة التي ذكرناها آنفاً وهي البهائم المائية وتكلم عليها من (ع ٩ – ١٢) وجعل لها علامات التحليل والتحريم كما جعل للبهائم البرية سواء أكانت من حيوانات الماء المالح أم كانت من حيوانات الماء العذب. وأبان أن للطاهرة منها علامتين الأولى أن تكون ذات زعانف والثانية أن تكون ذات حرشف. ولما ذكر ذوات الأربع البرية لم يقتصر على بيان العلامتين اللتين يفرق بهما بين البهائم الطاهرة والبهائم النجسة بل زاد على ذلك أن الطاهرة عشرة (انظر تفسير ع ٢) وإن النجسة أربعة (انظر ع ٤ – ٧). ولما ذكر الحيوانات المائية وهي ما الكلام عليها هنا لم يذكر نوعاً منها باسمه وجاء بالشريعة المتعلقة بها مختصرة مجملة جداً فاضطر معلمو الشريعة أن يبينوها بالتدقيق. وهذا البيان هو ما اشتهر في زمن الهيكل الثاني.

  1. كل ما له حرشف من السمك له زعانف ولا يعكس أي ليس كل ما له زعانف له حرشف فقد يكون منه ما له زعانف ولا يكون له حرشف. فإذاً كل ما بيع من السمك في السوق أو أكل قطعة منه عليها حرشف يحل أكلها إذ لا بد من أن تكون من ذي زعانف وإن كانت الزعانف صغيرة جداً لا يدركها النظر وإن كل سمك ما له حرشف نجس يحرم أكله.
  2. إن السمك الطاهر له عمود فقري كامل وأما غير الطاهر فهو ذو مفاصل مفردة تتصل بحبل هلامي (أي جلاتيني). والأول قسمان ذو الزعانف الليّنة وذو الزعانف الصلبة.
  3. إن رأس السمك الطاهر عريض الطرف كثيراً أو قليلاً ورأس السمك غير الطاهر ضيق الطرف كثيراً أو قليلاً.
  4. إن مثانة السباحة في السمك الطاهر مستديرة أحد الطرفين وحادة الآخر ومثانة غير الطاهر إما مستديرة الطرفين أو حادتهما.

ويحسن هنا أن نذكر مثل الصياد أو الشبكة المأخوذ عن الحياة اليهودية وهو قوله له المجد «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ شَبَكَةً مَطْرُوحَةً فِي ٱلْبَحْرِ، وَجَامِعَةً مِنْ كُلِّ نَوْعٍ. فَلَمَّا ٱمْتَلأَتْ أَصْعَدُوهَا عَلَى ٱلشَّاطِئِ، وَجَلَسُوا وَجَمَعُوا ٱلْجِيَادَ إِلَى أَوْعِيَةٍ، وَأَمَّا ٱلأَرْدِيَاءُ فَطَرَحُوهَا خَارِجاً» أي ان الصيادين جلسوا ليميزوا بين الطاهر والنجس مما صيد بالشبكة من أنواع السمك المختلفة فأخذوا الطاهر وطرحوا النجس (متّى ١٣: ٤٧ و٤٨).

وأتقياء اليهود لا يزالون يميزون السمك بتلك الفوارق الأربعة ولا يأكلون إلا ما تحققوا طهارته بها. ومما يستحق الذكر هنا أن المصريين كانوا لا يزالون يعتقدون إن أكل السمك الخالي من الحراشف ضار وإن الرومانيين كان يحرمون أن يقدموه لآلهتهم.

١٠ – ١٢ «١٠ لٰكِنْ كُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ زَعَانِفُ وَحَرْشَفٌ فِي ٱلْبِحَارِ وَفِي ٱلأَنْهَارِ، مِنْ كُلِّ دَبِيبٍ فِي ٱلْمِيَاهِ وَمِنْ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ فِي ٱلْمِيَاهِ، فَهُوَ مَكْرُوهٌ لَكُمْ ١١ وَمَكْرُوهاً يَكُونُ لَكُمْ. مِنْ لَحْمِهِ لاَ تَأْكُلُوا وَجُثَّتَهُ تَكْرَهُونَ. ١٢ كُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ زَعَانِفُ وَحَرْشَفٌ فِي ٱلْمِيَاهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لَكُمْ».

تثنية ١٤: ٩ ص ٧: ١٨ وتثنية ١٤: ٣

كُلِّ دَبِيبٍ فِي ٱلْمِيَاهِ الخ أي ما عدا ما ذُكر آنفاً ممنوع أكله من كل حيوانات الماء.

١٣ «وَهٰذِهِ تَكْرَهُونَهَا مِنَ ٱلطُّيُورِ. لاَ تُؤْكَلْ. إِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ: اَلنَّسْرُ وَٱلأَنُوقُ وَٱلْعُقَابُ».

تثنية ١٤: ١٢

هٰذِهِ تَكْرَهُونَهَا مِنَ ٱلطُّيُورِ هذا القسم الثالث من أقسام الحيوانات الأربعة التي مرّ ذكرها وهو حيوانات الهواء أي الطيور والكلام عليها من (ع ١٣ – ١٩). ذكر لكل من القسمين السابقين ما يميز به طاهره من نجسه وأما هنا فلم يذكر شيئاً من المميزات فبيّن الطاهر من الطير من النجس منه بالأسماء وحكم على الجنس بما حكم به على النوع بقوله «على أجناسه» (انظرع ١٤ – ١٦ و١٩) ولذلك اضطر معلمو الشريعة إلى وضع ما يعرف به العامة طاهر الطيور من نجسها. وما يأتي هو ما كان شائعاً في عصر الهيكل الثاني في بيان الطيور غير الطاهرة.

  1. الطيور التي تخطف طعامها من الهواء وتبلعه بدون أن تضعه على الأرض.
  2. التي تضرب بمخالبها وتدوس الفريسة وتمزقها بمناسرها (جمع منسر وهو للجارح كالمنقار لغيره من الطير) لكي تتمكن من أكلها.
  3. التي تقسم مخالبها بوقوفها على حبل أو غصن فتضع اثنتين منها على الجانب الواحد واثنتين على الجانب الآخر لا ثلاثاً أمام وواحدة وراء.
  4. التي بيوضها مستديرة الطرفين أو حادتهما ويحيط محها بآحها (أي صفارها ببياضها).

اَلنَّسْرُ ذكر النسر أولاً لانه ملك الطيور (على ما يُقال تشبيهاً) وهو هنا يشتمل على كل أنواع النسر وصنوفه. وقد أجمع علماء المتكلمين بالعربية وأصحاب الرحلات منهم أن النسر يأكل الجيف قبل أن تنتن. وهذا على وفق ما في أيوب ٣٩: ٢٧ – ٣٠ وأمثال ٣٠: ١٧ ومتّى ٢٤: ٢٨ الخ). والمرجّح عند بعضهم أن النسر هنا هو العقاب المصري بناء على أن النسر لا يأكل الجيف وهو مخالف للنص فإنه في التوراة العبرانية نفسها «نسر» وإن كثيرين من الناس شاهدوا النسر يأكل الجيف. (ومن ذلك قول الدميري «إذا وقع (النسر) على جيف وعليها عقبان تأخرت ولم تأكل ما دام يأكل منها. وكل الجوارح تخافه وهو شره نهم رغيب إذا وقع على جيفة وامتلأ منها لم يستطع الطيران حتى يثب وثبات يرفع بها نفسه طبقة بعد طبقة في الهواء حتى يدخل تحت الريح». على أن العقاب داخل هنا تحت النسر فإنه محسوب من أنواعه وفي (ميخا ١: ١٦) إشارة إلى ذلك.

ٱلأَنُوقُ (اسمه وفي العبرانية فرس وهو من فرس أي كسر أو كسر العظم والفرس في العربية كسر العنق ثم أطلق على القتل مطلقاً) فمعنى الأنوق على ما في الأصل العبراني كاسر العظم أو الكاسر والمرجّح أنه الرخم الألحى أو الملتحي وهو من جنس النسر والعقاب ويُعد بينهما. واسمه في العبرانية مأخوذ من فعله فإنه يأخذ عظم الحيوان الذي أكلت لحمه الطيور الجوارح ويرتفع به إلى الجو ويطرحه على الصخر لينكسر فيخرج مخه فيأكله أو لينكسر كسراً صغيرة فيبلعها ويهون عليه هضمها.

وَٱلْعُقَابُ (وفي الترجمة الإنكليزية الزمج وقال مفسروها «وهو النسر البحري يفترس السمك وقد يفترس الطيور والدبابات وإذا لم يحصل على ما يشبعه منها قصد الجيف ولهذا وُضع في قائمة الطيور النجسة»). والعقاب مترجم غرنة في الأصل العبراني فكأنه مصحف واحدة الغرن في اللغة العربية وهو العقاب. ونقل بعض علماء الإنكليز عن العرب الغرن بالراء المهملة والعزن بالزاي ولم نره بهذه في ما وقفنا عليه من كتب اللغة) وعلى كل هو طائر من جنس النسر حديد البصر (وفي الأمثال العربية «أبصر من عقاب»).

١٤ «وَٱلْحِدَأَةُ وَٱلْبَاشِقُ عَلَى أَجْنَاسِه».

ٱلْحِدَأَةُ (وفي الترجمة الإنكليزية العقاب وفي الأصل العبراني دآه بلا حاء ومعناها كما في المتن العربي) و(الحدأة تقرب من العقاب كثيراً حتى زعم ابن وحشية وابن زهر أن العقاب والحدأة يتبدلان فيصير العقاب حدأة والحدأة عقاباً وهي من الطيور التي تأكل الجيف). ومعنى اسمها العبراني يدل على السرعة ومن طبعها أنها تقف في الطيران ناشرة أجنحتها لتراقب ما تنسره. (قال أحد المتكلمين في طبائع الحيوان من علماء العربية وليس ذلك الوقوف لغيرها من الكواسر). وهي تكثر في سورية وتخالط العقبان وتشاركها في أكل الجيف.

ٱلْبَاشِقُ واسمه في العبرانية «آيه» ومعناه صراخ أو صياح لكثرة صياحه وهو طائر حاد النظر (ورأى بعض علماء الإنكليز إنه ما يسمى في العربية باليؤيؤ لمشابهة هذا لاسمه في العبرانية ولأنه من جوارح الطير وذلك غير بعيد. قال الدميري «اليؤيؤ طائر كنيته أو برياح وهو الجلم وهو من جوارح الطير يشبه الباشق»).

١٥ «وَكُلُّ غُرَابٍ عَلَى أَجْنَاسِهِ».

غُرَابٍ (واسمه في العبرانية عُراب بالعين المهملة والألف الممالة ورسمه فيها عُرب. ومعنى اسمه طائر الليل لشدة سواده (نشيد الأناشيد ٥: ١١). وسُمي بالغراب في العربية لسواده. قال ذلك الدميري وغيره وفسر بعضهم الشيخ الغربيب بالذي يخضب شعره بالسواد). وكثر ذكر الغراب في الكتاب كما كثر ذكر النسر. وهو يأكل الجيف وهو مولع بتقوير عيون الميتة (أمثال ٣٠: ١٧). وقد يحاول تقوير أعين الأحياء. وهو شرِه يملأ الجو نعيباً إذا كان جائعاً (مزمور ١٤٧: ٩ وأيوب ٣٨: ٤١). ومن طمعه في السلب والخطف يدفع فراخه من العش عندما تستطيع الطيران وقبل أن تقدر على تحصيل طعامها كما ينبغي. وذهب القدماء إلى أنه يترك فراخه عندما تكون أنقافاً. (قال الدميري وإذا خرجت الفراخ من البيض طردتها (أي الأنثى) لأنها تخرج قبيحة المنظر جداً إذ تكون صغيرة الأجرام كبيرة الرؤوس والمناقير متفاوتة الأعضاء فالأبوان ينظران الفرخ كذلك فيتركانه فيجعل الله قوته من الذباب والبعوض الكائن في عشه إلى أن يقوى وينبت ريشه فيعود إليه أبواه). ومن العجيب أن الغراب مع حرصه وطمعه كان يحمل الطعام إلى إيليا النبي (١ملوك ١٧: ٤ و٦). والظاهر أن الله اختاره لذلك ليزيد المعجزة عجباً. وقوله «على أجناسه» يدل على عموم الحكم إلى تحريم كل أنواع الغراب من الحاتم والأبقع وغيرهما مما يكثر في أرض فلسطين.

١٦ «وَٱلنَّعَامَةُ وَٱلظَّلِيمُ وَٱلسَّأَفُ وَٱلْبَازُ عَلَى أَجْنَاسِهِ».

ٱلنَّعَامَةُ هي أكبر الطيور وأسرع الدبابات ظنها بعض الأقدمين نتاج بعض ذوات الأربع من الدواب وبعض الطيور (وقال بعضهم إنها بين صورة الطير والجمل. وقال قالوا للنعامة احملي فقالت أنا طائر فقالوا لها طيري فقالت أنا جمل. وفي الأمثال العربية «مثل النعامة لا طير ولا جمل». يُضرب لمن لا يحكم له بخير ولا شر). وتسكن النعام القفار (إشعياء ١٣: ٢١ و٣٤: ١٣ وإرميا ١: ٣٩). وتملأ الأرجاء زماراً (ميخا ١: ٨). وتترك بيضها في العراء لينقف بحر الشمس أو تطأه الرجل فيه قاسية جافية (مراثي إرميا ٤: ٣ وأيوب ٣٩: ١٤ – ١٧). وهي عارية من الفهم حتى شُبه بها تارك الرب بل بيّن أنها أفهم منه وأكثر شكراً لله (إشعياء ٤٣: ٢٠). وكان أهل أثيوبيا يأكلون لحم النعامة ومثلهم الهنود وغيرهم من قدماء الأمم. وكان دماغها يلذّ للرومانيين كثيراً. وكثيراً ما تبلغ النعامة الطيور والحشرات كالجوارح. وفي التقاليد اليهودية أن النعام أكلت جثة أجاج أحد ملوك أدوم. (والنعام يؤنث ويذكّر وهو اسم جنس مثل حمام وحمامة). ويقال للنعامة أم البيض وأم ثلاثة وثلاثين وجماعتها بنات الهيق والظليم ذكرها. قال الجاحظ والفُرس يسمونها اشتر مرغ وتأويله بعير وطائر. قال الشاعر:

ومثل نعامة تُدعى بعيراً تعاصينا إذا ما قيل طيري
فإن قيل احملي قالت فإني من الطير المرفّه في الوكور

 

وظن بعض الناس أن النعامة متولدة من جمل وطائر وهذا لا يصحّ. ومن أعاجيبها أنها تضع بيضها طولاً بحيث لو مُد عليها خيط لاشتمل على قدر بيضها ولم تجد لشيء منها خروجاً عن الآخر. ثم أنها تعطي كل بيضة منه نصيبها من الحضن إذ كان كل بدنها لا يشتمل على عدد بيضها. وهي تخرج لعدم الطعام فإن وجدت بيض نعامة أُخرى تحضنه وتنسى بيضها ولعلها تُصاد فلا ترجع إليه ولهذا توصف بالحمق ويُضرب بها المثل في ذلك قال ابن هرمة:

فإني وتركي ندى الأكرمين وقد حي بفكي زناداً شحاحاً
كتاركة بيضها بالعراء وملبسة بيض أخرى جناحا

 

(قال في الكفاية يقال عار الظليم إذا صاح والزمار صياح الأنثى).

ٱلظَّلِيمُ (واسمه في العبرانية «تحمس» وهو في العربية ذكر النعام فالمرجّح أن المقصود بالنعامة المذكورة قبله أنثى النعام).

ٱلسَّأَفُ واسمه في العبرانية (بإبدال السين بالشين والألف أو الهمزة بالحاء) ومعناه رقيق أو دقيق (ولم أر في كتب الحيوان العربية ولا في كتب اللغة التي وصلتُ إليها السأف ولا السأف بمعنى شيء من الجوارح) وذكر في سفر التثنية (السأف بالهمزة) (تثنية ١٤: ١٥). وفسرّه القدماء بغراب البحر وإنه ينزل في الماء ويخطف السمك وهو يأكل أيضاً الهوام والحشرات الصغيرة والجيف ولا يزال يأكل بيضه ولحمه أهل الشرق وبعض البلاد في شمالي أوربا.

وَٱلْبَازُ الخ (واسمه في العبرانية النيص ورسمه فيها نص). وتُجرم في سفر أيوب بالعقاب (أيوب ٣٩: ٢٦) ووُصف فيه أنه من القواطع أي الطيور التي تخرج من بلاد إلى بلاد في بعض الفصول ثم ترجع في بعضها وإنه من القواطع التي تذهب جنوباً في قرب فصل الشتاء. ويأكل لحوم ذوات الثدي والطيور وحيوانات الماء حتى أنه يأكل لحم أبويه وأليفه من الطيور. وهو صنوف كثيرة في كل أقسام آسية ولهذا قال على أجناسه. وبعض القبائل يأكلون لحمه ويلذون به. (وأفصح لغات الباز البازي ولفظه مشتق من البزوان وهو الوثب. وكنيته أبو الأشعث وأبو البهلول وأبو لاحق. وهو من أشد الحيوان تكبراً وأضيقها خلقاً وهو أشكال كثيرة. ومأواه مساقط الشجر العادية الملتفة والظل الظليل وهو خفيف الجناح سريع الطيران ويسمى فرخه غطريفاً. ويضرب به المثل في نهاية الشرف كما قال الشاعر:

إذا ما اعتز ذو علم بعلم فعلم الفقه أولى باعتزاز
فكم طيب يفوح ولا كمسك وكم طير يطير ولا كباز

 

قالوا وهو خمسة أصناف البازي (سموا أحد الصنوف باسم النوع) والزرق والباشق والبيدق والصقر).

١٧ «وَٱلْبُومُ وَٱلْغَوَّاصُ وَٱلْكُرْكِيُّ».

وَٱلْبُومُ ذكر أيضاً في (تثنية ١٤: ٦ وفي مزمور ١٠٢: ٦) ووُصف بأنه يسكن الخرب وطعامه الهوام والحشرات والحيوانات الرخوة والأرانب والبط والأوز والفار والجرذان التي هي من أنجس الحيوانات عند اليهود. وبعض الناس يأكلونه ويُلذون بطعمه. واسمه في العبرانية «كوس» ومعناه كوب قيل سُمي بذلك لأنه في وقوفه يشبه الكوب بأعلاه. قال صاحب حياة الحيوان الكبرى «البوم والبومة بضم الباء طائر يقع على الذكر والأنثى حتى تقول صدى أو فياد فيختص بالذكر. وكنية الأنثى أم الخراب وأم الصبيان ويقال لها أيضاً غراب الليل». وقال الجاحظ «الهامة والصدى والضوع والخفاش وغراب الليل والبومة تقع على كل طائر من طير الليل يخرج من بيته ليلاً. وبعض هذه الطيور يصيد الفار وسام أبرص (المعروف عند العامة بأبي بريص) والعصافير وصغار الحشرات وبعضها يصيد البعوض. ومن طبعها أن تدخل على كل طائر في وكره وتُخرجه منه وتأكل فراخه وبيضه».

وَٱلْغَوَّاصُ من أشد الطيور الآكلة السمك في الصيد ومن طبعه أنه يجتمع أسراباً على صخور الشواطئ البحرية تنقض من العلو إلى البحر وتغوص فيه و تصيد السمك وقد تجتمع على شواطئ الأنهار وتفعل كذلك ولذلك سمي بالغوّاص. (واسمه في العبرانية «شلك» ومعناه كذلك مع إفادة الانقضاض أو معناه منقض. قال الدميري «الغّواص طائر تسميه أهل مصر الغطاس وهو القِرلّي». قال القزويني «في الأشكال هو طائر يوجد بأطراف الأنهار يغطس في الماء ويصطاد السمك فيتقوت منه. وكيفية صيده أنه يغوص في الماء منكوساً بقوة شديدة ويمكث تحت الماء إلى أن يرى شيئاً من السمك فيأخذه ويصعد به. ومن العجائب لبثه تحت الماء. ويوجد كثيراً بأرض البصرة» انتهى. قال بعضهم رأيت غواصاً غاص فطلع بسمكة فغلبه غراب عليها فأخذها منه فغاص مرة أخرى فأخذها منه الغراب ثم الثالثة كذلك. فلما اشتغل الغراب بالسمكة وثب الغواص فأخذ برجل الغراب وغاص به تحت الماء حتى مات الغراب ثم خرج هو من الماء). والغواص يوجد في كل إقليم ويفني كثيراً من سمك الأنهار والبحار. ولهذا لُقب عند بعض الأوربيين بذي الريش المرعد ذوات الزعانف. وذُكر أيضاً في (تثنية ١٤: ١٧) من جملة الطيور النجسة.

ٱلْكُرْكِيُّ واسمه في العبرانية «ينشف أو ينشوف» (قال بعض علماء الإنكليز «إنه طير نجس من طيور الماء أو الآجام». وتُجرم في بعض التراجم القديمة في غير العربية بالبوم واسمه في العبرانية مشتق من «نشف» أي نفخ أو تنفّس). وذُكر في (تثنية ١٤: ١٦ وإشعياء ٣٤: ١١). ومن ذكره مع البوم يظن أنه يسكن الخرب. (ومن ذكره مع الغواص يظن أنه من طيور الماء أو الآجام). ومما شاع من وصفه في أيام المسيح أنه جاحظ العينين ووجهه كوجه الهر وخداه كخدي الإنسان يصيح في الليل صياحاً هائلاً (ولهذا ظنه بعضهم البوم) وقالوا رؤياه في الحلم شؤم. قال داود الضرير الأنطاكي في التذكرة «الكركي هو الغرنوق طائر يقرب من الأوز أبتر الذنب رمادي اللون في خده لمعات سود ريشه إلى اللدونة مما يلي ظهره عصبي قليل اللحم صلب العظم يأوى المياه أحياناً». وقال الدميري في حيات الحيوان الكبرى «الكركي طائر كبير معروف والجمع الكراكي وكنيته أبو عريان وأبو عيناء وأبو العيزار وأبو نعيم وأبو الهيصم. وذهب بعض الناس إلى أنه الغرنوق وهو أغبر طويل الساقين… ولا تطير الجماعة منه متفرقة بل صفا واحداً يقدمها واحد منها كالرئيس وهي تتبعه يكون ذلك حيناً ثم يخلفه آخر منها مقدماً حتى يصير الذي كان مقدماً مؤخراً».

١٨ «وَٱلْبَجَعُ وَٱلْقُوقُ وَٱلرَّخَمُ».

ٱلْبَجَعُ (واسمه في العبرانية «تنشمت» واشتقاقه من «نشم» أي تنسم أو تنفس. تُرجم في الفلغاتا إلى اللاتينية بالأوز وكذا تُرجم إلى الإنكليزية. وتُرجم إلى اليونانية في السبعينية بطير طويل العنق والساقين يشبه البجع). وجاء في التقاليد اليهودية أنه صنف من البوم وترجمه بعضهم بالخفاش وبعضهم بالرخم وبعضهم بغير ذلك. (والأرجح أنه البجع كما في المتن العربي. قال الدميري في حياة الحيوان الكبرى «البجع الحوصل». وقال «الحوصل طائر كبير له حوصلة عظيمة». وقال ابن البيطار في المفردات «هذا الطائر يكون في مصر كثيراً ويُعرف بالبجع وجمل الماء… وهو صنفان أبيض وأسود فالأسود منه كريه الرائحة ولا يكاد يُستعمل والأجود الأبيض»).

ٱلْقُوقُ هو طائر مائي طويل العنق من أكبر طيور الماء وأشرهها يأكل السمك ويحمله إلى فراخه أو يذخره إلى وقت الحاجة في حوصلته الكبيرة ويضغط عنقه وصدره ليقيء ما في تلك الحوصلة ولذلك سمي في العبرانية «قات» من «قا» أي قاء. وهو يحب سكنى البر والخلاء والخراب والانفراد وعلى ذلك قول المرنم «أشبهت قوق البرية» (مزمور ١٠٢: ٦). وقول بعض الأنبياء في ادوم ونينوى «يرثها القوق» (إشعياء ٣٤: ١١). و «القوق والقنفذ يأويان إلى تيجان عمدها» (صفنيا ٢: ١٤).

ٱلرَّخَمُ واسمه في العبرانية «الرحم» وهو من اللين والرحمة وذُكر أيضاً في (تثنية ١٤: ١٧). وهو من الطيور المقدسة عند قدماء المصريين ويُعرف بالعقاب المصري وبدجاجة فرعون وكثيراً ما شوهد مرسوماً على بعض العاديات. وأكرمه المصريون القدماء إكراماً دينياً لأمرين الأول أنه يقي البلاد من الوباء بأكله الأقذار التي يتفشى منها. والثاني لأنه يرفق بفراخه واعتقدوا أنه يعتني بها إلى حد أنه إذا لم يكن لها طعام أطعمها دمه ولذلك سُمي عندهم بالأم وبالرحم كما سماه العبرانيون. وهو نجس لأنه يأكل الجيف. قال الدميري الرخمة بالتحريك طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة وكنيتها أم جعفران وأم رسالة وأم عجيبة وأم قيس وأم كبير ويقال لها الأنوق والجمع رخم والهاء فيه للجنس… ويقال لهذا ذات الاسمين (لأنها تسمى الرخمة والأنوق) وهي تُحمق مع تحرزها. قال الكميت:

وذات اسمين والألوان شتى تُحمق وهي كيسة الحويل

 

أي الحيلة… ومن طبع هذا الطائر أنه لا يرضى من الجبال إلا الموحش منها ولا من الأماكن إلا بأسحقها وأبعدها من أماكن أعدائه ولا من الهضاب إلا بصخورها ولذلك تضرب العرب المثل في الامتناع ببيضه فيقولون أعز من بيض الأنوق… وتبيض بيضة واحدة وربما أتأمت. وهم من لئام الطير وهي ثلاثة البوم والغراب والرخمة. ومن أمثال العرب «أحمق من رخمة». وقال القزويني في عجائب المخلوقات «الرخمة طائر يشبه النسر في خلقته يختار لبيضه أطراف الجبال الشاهقة ليصعب الوصول إليه (ولذا) يقال أعز من بيض الأنوق. ويطير خلف العساكر ليأكل من جيف القتلى ويتبع الحاج أيضاً لطمعه في زبل الدواب ويتبع النعم أيضاً زمان وضعها أو حملها طمعاً في الجنين المجهض».

١٩ «وَٱللَّقْلَقُ وَٱلْبَبْغَاءَ عَلَى أَجْنَاسِهِ، وَٱلْهُدْهُدُ وَٱلْخُفَّاشُ».

ٱللَّقْلَقُ واسمه في العبرانية «حسيده» ومعناه الورِع أو التقي والمحسن (ذُكر أيضاً في تثنية ١٤: ١٨ ومزمور ١٠٤: ١٧ وإرميا ٨: ٧ وزكريا ٥: ٩). وسُمي بذلك لأن القدماء اعتبروه مثال العاطفة الأمية والبنوية والحنو. ومن المشهور أن الأنثى لا تترك فراخها ولو شُويت معها لتقيها من النار. واللقلق الأبيض من أكبر الطيور البرية وله جناحان أسودان قويّان يتخلل ريشهما ريش أبيض وعلى هذا قول النبي «لهما أجنحة كأجنحة اللقلق» (زكريا ٥: ٩). ويسكن اللقلق البروج العالية والأماكن الخربة ورؤوس الأشجار. ولا يزال يُشاهد على الأشجار في جوار بحر الجليل. وعلى ذلك قول المرنم «أما اللقلق فالسرو بيته» (مزمور ١٠٤: ١٧). ويرجع إلى عشه في وقت معين من أوقات السنة لأنه من الطيور القواطع (أي التي تسافر من بلاد إلى بلاد بغية الفصل المناسب لها). وإلى هذا أشار النبي بقوله «بل اللقلق في السموات يعرف ميعاده» (إرميا ٨: ٧). وطعامه السمك والزحافات وأحشاء البهائم ونفايات اللحوم ولهذا حُسب من الطيور النجسة.

قال القزويني «اللقلق طائر معروف يأكل الحيّات لا يزال يتبع الربيع وله وكران أحدهما بالجروم (أي الأماكن الحارة) والآخر بالصرود (أي البلاد الباردة) ويتحول من أحدهما إلى الآخر. ولا يأخذ الوكر إلا في مكان عال كمنارة أو شجرة فيأتي بالأعواد والحشيش ويركّب ببعضها في بعض تركيباً عجيباً كالبناء». وقال الدميري «اللقلق طائر أعجمي أراد أن اسمه أعجمي معرّب طويل العنق وكنيته عند أهل العراق أبو خديج وعبر عنه الجوهري بالقاف وهم اسم أعجمي قال وربما قالوا اللغلغ والجمع اللقالق وهو يأكل الحيّات. وصوته اللقلقة. وكذلك كل صوت فيه حركة واضطراب. ويوصف بالفطنة والذكاء». وقال الانطاكي «اللقلق طائر معروف يفرخ بالشام ويشتي بأطراف الهند».

ٱلْبَبْغَاءَ واسمه في العبرانية «أنفه» واشتقاقه من «أنف» أي غضب أو قسا فمعناه غضوب أو قاس. ذُكر أيضاً في (تثنية ١٤: ١٨). قال بعض المفسرين هو شرس جسور يضرب الكلب بمنقاره بعد أن يكون قد كسر رجليه. ويأوي إلى شطوط الأنهار والأرضين ذات المناقع ويأكل السمك والضفادع والوزغ والحلزون والفأر وكل نوع من أنواع الهوام. ولذلك حُسب من الطيور النجسة. وهو كثير الصنوف ولذلك قال الكتاب «والببغا على أجناسه». (وترجمه بعضهم بالزمج وبعضهم بالببغا وهذا الذي اعتمده مترجم النسخة العربية الإنجيلية. قال القزويني «الببغاء يُقال له بالفارسية «طوطو» طير حسن اللون جداً والشكل أكثره أخضر اللون وقد يكون أصفر وأحمر وأبيض له منقار عريض ولسان كذلك يسمع كلام الناس ويعيده ولا يدري معناه» . وفي وصفه في الكتب العربية كثير من المنافيات لاسمه في العبرانية).

ٱلْهُدْهُدُ (واسمه في العبرانية «دو كيفت» وهو مركب من كلمتين «دو» أي ذو و «كيفت» صخر وهو في الكلدانية كيفا فيكون معناه ذو الصخر. ورأى بعضهم أنه مركب من «دوك» أي ديك «وفت» أي فُتّ وهو البعر المفتوت أو الزبل فيكون المعنى ديك الزبل). وذُكر هذا الطائر النجس أيضاً في (تثنية ١٤: ١٨). وذكر القدماء أنه يبني أفحوصه في الغائط أي العَذِرَة وأكل أحشاء الجيف والنفايات الطعامية وهو كريه الرائحة مدة الحضن وبعده بنحو أسبوع وتلك الرائحة الخبيثة لا تكاد تحتمل. وطعم لحمه في أيام الربيع كطعم لحم السلوى وبعض الناس يأكله حينئذ وسماه بعض القدماء بديك الجبل.

(وجاء في بعض الكتب العربية القديمة الهدهد طائر ذو خطوط وألوان كثيرة ويكنى بأبي الأخبار وأبي ثمامة وأبي الربيع وأبي روح وأبي سجاد وأبي عباد ويُسمى أيضاً الهُدهد والهداهد وجمعه هداهد والواحدة هدهدة. وهو طير منتن الريح طبعاً لأنه يبني أفحوصه في الزبل وهذا عام في جميع جنسه. وقال الجاحظ فيه أنه وفاء حفوظ ودود وذلك أنه إذا غابت عنه أنثاه لم يأكل ولم يشرب ولم يشتغل بطلب الطعام ولا يقطع الصياح حتى تعود إليه وإن ماتت لا يقترن بغيرها ويعيش صائحاً عليها قليل الأكل إلى أن يموت).

ٱلْخُفَّاشُ طائر نجس بين خلقة الطير والفأر وذكره الكتاب المقدس مع الجرذان (إشعياء ٢: ٢٠). وهو يختبئ نهاراً ويخرج ليلاً (ولهذا يسميه كثيرون من الناس بطير الليل) ويشبه طيرانه طيران السنونو فإنه يخطف الهوام من الهواء كما يفعل السنونو. وعُدّ الخفاش من الطيور لطيرانه (وإلا فهو في بعض الاعتبارات ليس منها). والخفاش يكثر في سورية على اختلاف صنوفه وتدخل جماعات وأفراداً البيوت فتجعلها مكروهة السكنى لكراهة رائحتها.

(قال القزويني الخفاش طائر مشهور بصره ضعيف يسوءه شعاع الشمس لا يخرج إلا بين الضياء والظلام يشبه الفأر جناحه جلدة رقيقة وله أسنان وللأنثى ثدي كما للفأر يرضع ولده… يقصد الذباب والبق والبعض وأمثالها وربما تأخذ الأنثى ولدها وتطير وترضع ولدها وتأكل الرمان على الشجرة وتتركه قشراً مجوفاً).

وقال الدميري ما خلاصته «الخفاش الوطواط وقال قوم الخفاش الصغير والوطواط الكبير وهو لا يبصر في ضوء القمر ولا في ضوء النهار غير قوي» البصر قال الشاعر:

مثل النهار يزيد أبصار الورى نوراً ويعمي أعين الخفاش

 

ولما كان لا يبصر نهاراً التمس الوقت الذي لا يكون فيه ظلمة ولا ضوء وهو قريب غروب الشمس لأنه وقت هيجان البعوض فإن البعوض يخرج ذلك الوقت يطلب قوته وهو دماء الحيوان. والخفاش يخرج طالباً للطعام فيقع طالب رزق على طالب رزق «فسبحان الحكيم». واسمه في العبرانية «عطلف» (أي طائر الظلام).

٢٠ «وَكُلُّ دَبِيبِ ٱلطَّيْرِ ٱلْمَاشِي عَلَى أَرْبَعٍ. فَهُوَ مَكْرُوهٌ لَكُمْ».

كُلُّ دَبِيبِ ٱلطَّيْرِ هذا هو القسم الرابع من البهائم على ما ذُكر من قسمتها إلى أربعة أقسام كما مر في (ع ٢) وهو كل ما يدب على أربع من الطير (أو أكثر) والمقصود بها الهوام فيدخل تحته الجراد.

عَلَى أَرْبَعٍ أي الهوام الذي يطير ويدب أيضاً والأربع هنا لا يراد بها تعيين عدد القوائم بل ما لا يكون له رجلان فقط (وذكر الأربع دون غيرها لأنها هي الأظهر للناس) وعلى هذا جاء في الترجمة الكلدانية «وكل الدبابات ذوات الجناح التي تدب على أربع الذباب والزنابير والنحل على أنواعها».

مَكْرُوهٌ لَكُمْ (أي محرم عليكم لا جائز على كراهة) ظن بعضهم من هذه العبارة أن النحل نجس مع أن العسل من أحسن الأطعمة ومن خير ما وُعد به في أرض الميعاد (خروج ٣: ٨ و١٣: ٥ و١٦: ١٤ و٢٣: ٣ ولاويين ٢٠: ٢٤ الخ). قالوا وهو ليس من نتاج النحل الطبيعي بل هو أري العنب المعروف بالدبس ولم يزل يُحمل من سورية وفلسطين مقادير كثيرة منه إلى مصر ومنه العسل الذي يستخرج من النباتات من أعشاب وأشجار متنوعة. ومن أمهاره الكثيرة شيء وافر في شبه جزيرة سيناء فيكثر فيها العسل البري. والمعنى أن كثيراً من نبات أرض الميعاد يجري منه العسل ولذا ظن بعضهم أن اري مثل هذه الأعشاب هو المقصود بالعسل الذي أكله يوناثان في الوعر (١صموئيل ١٤: ٢٥). والذي أكله يوحنا المعمدان في البرية (متّى ٣: ٤). وكيف كان الأمر فإن القانون الذي اشتهر في زمان الهيكل الثاني هو «إن كل ما يخرج من النجس نجس». وعلى هذا يكون لبن الحيوانات النجسة نجس وكذا بيض الطيور النجسة والأسماك النجسة ومع ذلك كان عسل النحل طاهراً. وأبان علماء العبرانيين في أيام المسيح طهارته بأنه لا ينتج من النحل رأساً بل هو من عصير البقول. وعلى هذا جاء في حواشي الترجمة الكلدانية ما معناه بعد قوله «مكروه لكم» إلا عسل النحل فيكون يوحنا المعمدان أكل عسل النحل بمقتضى الشريعة وكان ذلك العسل مما جناه النحل ورتبه في شقوق الصخور وأجواف الأشجار. ومنع تقدمة العسل في الخدمة الدينية علتها اختماره لا كونه نسجاً (انظر ص ٢: ١١).

٢١ «إِلاَّ هٰذَا تَأْكُلُونَهُ مِنْ جَمِيعِ دَبِيبِ ٱلطَّيْرِ ٱلْمَاشِي عَلَى أَرْبَعٍ: مَا لَهُ كُرَاعَانِ فَوْقَ رِجْلَيْهِ يَثِبُ بِهِمَا عَلَى ٱلأَرْضِ».

إِلاَّ استثنى ما يأتي من التحريم.

مَا لَهُ كُرَاعَانِ (الكُراع مستدق الساق) ومعناه هنا الذي ساقه مؤلفة من ثلاثة أجزاء (ففيها كراعان) والثالث أطول وأقوى من الباقيين بخلاف سائر الهوام وبذلك يستطيع القفز إلى بعيد ومنه الجراد. وبيّن علماء الشريعة في عصر الهيكل الثاني الجراد الطاهر بما يأتي:

  1. ما كان له أربع أرجل مقدمة.
  2. ما كان له أربعة أجنحة.
  3. ما له رجلان للقفز.
  4. ما أجنحته طويلة عريضة حتى أنها تغطي أكثر مؤخر جسمه. فكل ما اجتمع فيه هذه العلامات الأربع فهو طاهر.

٢٢ «هٰذَا مِنْهُ تَأْكُلُونَ. ٱلْجَرَادُ عَلَى أَجْنَاسِهِ، وَٱلدَّبَا عَلَى أَجْنَاسِهِ، وَٱلْحَرْجُوانُ عَلَى أَجْنَاسِهِ، وَٱلْجُنْدُبُ عَلَى أَجْنَاسِهِ».

متّى ٣: ٤ ومرقس ١: ٦

ٱلْجَرَادُ عَلَى أَجْنَاسِهِ أجناس الجراد المحلّلة أربعة أحدها الجراد المسمى في العبرانية «اربه» (من «ربه» أي ربا بمعنى زاد ونما) وهذا كثير من ذُكر في الكتاب المقدس فذُكر ما يزيد على عشرين مرة وهو جراد الضربة الثامنة من ضربات مصر (خروج ١٠: ١٩) ووُصف بأنه مُفسد متلف مخرب (تثنية ٢٨: ٣٨ ويوئيل ١: ٤ و٢: ٢٥ وناحوم ٣: ٧) ويجتمع رِجلاً (أي جماعة) كبيرة ضُرب بكثرته المثل فقيل «كالجراد في الكثرة» (قضاة ٧: ١٢) و «أكثر من الجراد» (إرميا ٤٦: ٢٣). وقيل إن هذا النوع من القواطع أي الطيور التي تخرج من بلاد إلى أخرى. وسمى اليهود هذا النوع في زمن المسيح «بالجوب» و(الجيم تُلفظ كما يلفظها عامة المصريين) وكانوا يأكلون هذا النوع ويقولون قبل أكله ما معناه «مبارك الذي بكلمته خلق كل شيء». والجراد الذي يأكله اليوم اليهود وغيرهم من أمم المشرق يُعد بطرق مختلفة أعمها أنهم يطرحونه حياً في قدر ماء غالية يطرحون فيها الملح ويرفعونه بعد بضع دقائق وينزعون رأسه وأرجله ويجففون البدن في طاجن أو في الشمس على السطوح ويضعونه في أكياس ويذخرونه للشتاء وكثيراً ما يحمصونه ويطبخونه ويقلونه بالسمن أو يعجنون دقيقه بالسمن ويعملونه أقراصاً أو أرغفة ويخبزونه ويشبه طعمه طعم القريدس. وفي بعض بلاد المشرق دكاكين لا تبيع سوى الجراد. وإذا أكل الجراد الحبوب أكلوه. وكان طعام يوحنا المعمدان جراداً وعسلاً برياً (متّى ٣: ٤).

(وفي الكتب العربية القديمة «الجراد أصناف مختلفة فبعضه كبير الجثة وبعضه صغيرها وبعضه أحمر وبعضه أصفر وبعضه أبيض. وهو إذا خرج من بيضه يقال له الدبي فإذا طلعت أجنحته وكبرت فهو الغوغاء وذلك حين يموج بعضه على بعض فإذا بدت فيه الألوان واصفرت الذكور واسودت الإناث سمُي جراداً. وهو إذا أراد أن يبيض التمس لبيضه المواضع الصلدة فيلقي بيضه في صدوعها. وللجرادة ست قوائم يدان في صدرها وقائمتان في وسطها ورجلان في مؤخرها. وطرفا رجليها منشاران. وفي الجراد خلقة عشرة من جبابرة الحيوان وجه فرس وعينا فيل وعنق ثور وقرنا إيّل وصدر أسد وبطن عقرب وجناحا نسر وفخذا جمل ورجلا نعامة وذنب حية». وما أحسن قول بعضهم في الجرادة:

لها فخذا بكر وساقا نعامة وقادمتا نسر وجؤجؤ ضغيم
حبتها أفاعي الأرض بطناً وأنعمت عليها جياد الخيل بالرأس والفم

 

ويقال لجماعة الجراد رِجل. وكانت العرب تأكله ولا تزال تأكله).

ٱلدَّبَا (تقدّم أن الدبى في العربية الجراد عند خروجه من بيضه ولكنه هنا نوع من الجراد) واسمه في العبرانية «سلعم». فُسّر في كتب اللغة العبرانية بنوع مجنح من الجراد لذيد الطعم. وقال بعضهم أن الأصل المأخوذ منه ممات في العبرانية باق في الكدانية وهو يدل على الإتلاف. وفسره أخر أنه نوع من الجراد الوثاب يؤكل وما لأحد في تمييز هذا النوع سوى الظن. وفي التقاليد اليهودية أنه ذو حدبة (وفي الإنكليزية حدبة أو سنام) بلا ذنب.

ٱلْحَرْجُوانُ واسمه في العبرانية «حرجل» (والجيم كجيم عامة المصريين) ولم يُذكر في سوى هذا المكان من الكتاب المقدس (وفي كتب اللغة العربية الحرجلة الجماعة من الجراد) وهو نوع مستقل من الأنواع الأربعة المارّ ذكرها.

ٱلْجُنْدُبُ واسمه في العبرانية «حجب» سمي بذلك لأنه يحجب الأرض أي يسترها ويغطيها (عدد ١٣: ٣٣ وإشعياء ٤٠: ٢٢ وجامعة ١٢: ٥). ذكر بعض علماء الحيوان من الكتبة في العربية أن الجاحظ قال إن الجندب يغوص في الطين وفي الأرض إذا اشتد الحر). وذُكر في خمسة مواضع من الكتاب في هذه الآية وفي (عدد ١٣: ٣٣ و٢أيام ٧: ١٣ وجامعة ١٢: ٥ وإشعياء ٤٠: ٢٢) (إلا أنه تُرجم في (٢أيام ٧: ١٣) بالجراد وهو في العبرانية حجب). ووُصف بأنه متلف الحقول (٢أيام ٧: ١٣). قال رؤساء الدين اليهودي في عصر المسيح إن هذا النوع ذو ذنب بلا حدبة (أو سنام) وأطلقوا «الحجب» (أو الجندب) على كثير من أنواع الجراد. وبعضه كان جميل التركيب وكان أولاد اليهود شديدي الرغبة في مسكه واللعب به كما يرغب الأولاد اليوم في الفراش والزيز. وكانوا يجمعون كثيراً منه وينضحونه بالخمر ويبيعونه ولذلك وضع اليهود في تلك الأيام هاتين القاعدتين (١) لا يجوز ليهودي أن يشتري الجندب المعد على الأسلوب المذكور و(٢) إن من ينذر أن لا يأكل لحماً وجب عليه أن لا يأكل السمك ولا الجندب (أو الحجب) على أنواعه.

٢٣ «لٰكِنْ سَائِرُ دَبِيبِ ٱلطَّيْرِ ٱلَّذِي لَهُ أَرْبَعُ أَرْجُلٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لَكُمْ».

لٰكِنْ سَائِرُ دَبِيبِ ٱلطَّيْرِ ما عدا أنواع الجراد الأربعة المذكورة آنفاً على اختلاف صنوفها.

٢٤ «مِنْ هٰذِهِ تَتَنَجَّسُونَ. كُلُّ مَنْ مَسَّ جُثَثَهَا يَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ».

مِنْ هٰذِهِ تَتَنَجَّسُونَ أي الوحوش والبهائم التي ستُذكر (ع ٢٦ و٢٧).

يَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ لأن من مسّ ميتة يكون نجساً بقية يومه. إن المساء بداءة اليوم التالي وكان عندهم بعد غروب الشمس (قابل بهذا ص ٢٣: ٣٢). وكان يحظر عليه في مدة ساعات التنجس الشرعي أن يدخل القدس أو أن يمس شيئاً مقدساً أو يخالط الطاهرين بمقتضى الشريعة.

٢٥ «وَكُلُّ مَنْ حَمَلَ مِنْ جُثَثِهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ».

ص ١٤: ٨ و١٥: ٥ وعدد ١٩: ١٠ و٢٢ و٣١: ٢٤

وَكُلُّ مَنْ حَمَلَ كان على من نقل جيفة من المحلة أو المدينة يحسب نجساً بقية يومه ويجب عليه فوق ذلك أن يغسل ثيابه التي عليه لأن النجاسة بحملها أكثر من النجاسة بلمسها. وأبان خدمة الدين في عصر الهيكل الثاني أن الشريعة تأمر الإنسان بغسل ثيابه لأن النجاسة الشرعية التي اعترته تستلزم الأمر ولم يذكر هذا هنا وفي (ع ٢٨ و٤٠) بغية الاختصار. وفي النسخة السامرية وبعض النسخ العبرانية ما مترجمه «ويغسل ثيابه ويستحم بالماء» كما في (ص ١٧: ١٥ وعدد ١٩: ١٩). وفي هذا رمز إلى أنه على من يتنجسون بالخطية أن «يغسلوا ثيابهم ويبيضوها بدم الخروف» وفي هذه الآية الإنجيلية إشارة إلى تلك الآية الناموسية (رؤيا ٧: ١٤).

جُثَثَهَا كانت النجاسة تلحق من يمس هذه الجثث بحملها أو بمس شيء من أجزائها (انظر ع ٣٢).

٢٦ «وَجَمِيعُ ٱلْبَهَائِمِ ٱلَّتِي لَهَا ظِلْفٌ وَلٰكِنْ لاَ تَشُقُّهُ شَقّاً أَوْ لاَ تَجْتَرُّ، فَهِيَ نَجِسَةٌ لَكُمْ. كُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَكُونُ نَجِساً».

جَمِيعُ ٱلْبَهَائِمِ أي جثث جميع موتى البهائم. كان في هذه الآية خلاف بين الفريسيين والصدوقيين في عصر الهيكل الثاني فذهب الفريسيون إن قوله في آخر الآية «كل من مسها» يُراد به كل من مس جثثها أي جثث البهائم النجسة المذكورة في أول الآية ولا يكون ذلك ما لم تكن تلك البهائم النجسة ميتة سواء أكان الموت طبيعيا أم مقصوداً أم عرضياً فمن مس تلك الجثث تنجس (انظر ع ٨ و٣١). لكن إذا كانت تلك البهائم حيّة فمسها لا ينجس لأنها كانت تستخدم في المصالح اليومية كالجمال والحمير والخيل مع أنها غير طاهرة (١أيام ١٢: ٤٠ وزكريا ١٤: ١٥ ومتّى ٢١: ٢ ولوقا ١٣: ١٥ الخ). وجاء في كثير من التراجم «جثث جميع البهائم الخ». وأما الصدوقيون فأخذوا الآية على حقيقتها ونصها فكان عندهم كل من مس حيوان غير طاهر يتنجس فكان يصعب على الإنسان أن لا يتنجس إذا خرج من بيته بمقضتى مذهبهم.

٢٧ «وَكُلُّ مَا يَمْشِي عَلَى كُفُوفِهِ مِنْ جَمِيعِ ٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلْمَاشِيَةِ عَلَى أَرْبَعٍ فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. كُلُّ مَنْ مَسَّ جُثَثَهَا يَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ».

كُلُّ مَا يَمْشِي عَلَى كُفُوفِهِ أي كل من أطرافه ذوات أصابع أو براثن كالأسد والدب والقرد والذئب والهر الخ (وتُعرف أصابع وكفوف السباع منها بالبراثن).

٢٨ «وَمَنْ حَمَلَ جُثَثَهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ. إِنَّهَا نَجِسَةٌ لَكُمْ».

هذه الآية تفسير للآية السابعة والعشرين (وهي تثبت تفسير الفريسيين وتنفي تفسير الصدوقيين انظر تفسير ع ٢٦).

٢٩ «وَهٰذَا هُوَ ٱلنَّجِسُ لَكُمْ مِنَ ٱلدَّبِيبِ ٱلَّذِي يَدِبُّ عَلَى ٱلأَرْضِ: اِبْنُ عِرْسٍ وَٱلْفَأْرُ وَٱلضَّبُّ عَلَى أَجْنَاسِهِ».

إشعياء ٦٦: ١٧

هٰذَا هُوَ ٱلنَّجِسُ ذُكر في (ع ٢٤) وما بعده إلى (ع ٢٨) جثث الحيوانات النجسة من ذوات الأربع وأخذ هنا يذكر الدبابات النجسة. والأولى القسم الأول من المملكة الحيوانية والثانية القسم الرابع منها على ما مرّ في تفسير (ع ٢). فإن كل من مس جثث هذه أيضاً يتنجس وذكر ثمانية أجناس منها (ع ٢٩ و٣٠). وذكر ما يدب (ع ٢٠ – ٢٣). والفرق بين ما ذكره هنا وما ذكره هناك إن ما ذكره هنا لا أجنحة له وما ذكره هناك ذو أجنحة.

اِبْنُ عِرْسٍ واسمه في العبرانية «حلد» (وفي السريانية «حُلدُ» وعلى هذا فهو في العربية الخلُد وبهذا فسروه في المعجمات اللاتينية والعبرانية وبعض المعجمات الإنكليزية. ولكن الذي اشتهر من وصفه في كتب العبرانيين القديمة وغيرها يصدق على ابن عرس دون الخلد ولهذا ترجمه مترجم كتابنا العربي بابن عرس). وأجمعوا في زمن المسيح على أنه حيوان كابن عرس أو النمس وقالوا أنه يسكن في خلل الجدران وبالحفر ويفترس من البهائم ما هو أكبر منه ويحملها بفمه ويأكل الدجاج كثيراً ولهذا كانوا يصنعون كوى بيوت الدجاج التي يقصدون بها تجديد الهواء ضيقة لكي يمتنع عليه ان يدخل إليها. وله أسنان حادة معوجة تنفذ جمجمة الدجاجة ودماغها ويهجم على الأولاد النائمين وجيف البشر ويلعق الماء من الآنية. وهو مولع بسرقة الأشياء اللامعة وتخبئتها في وجاره. وهذا ما وصف به رؤساء الدين في عصر الهيكل الثاني ابن عرس لا الخلد على أن هذا اللفظ أي «الحلد» جاء بمعنى الخلد في بعض كتب التلمود.

قال الدميري «ابن عرس وكنيته أبو الحكم وأبو الوثاب وهي دابة تسمى بالفارسية راسو». وقال القزويني «وهو حيوان دقيق يعادي الفار يدخل حجره ويخرجه… ويعادي الحية أيضاً ويقتلها. وذكر غيره أنه يأكل بيض الدجاج وإنه يسرق الدنانير». ووصفه الشاعر المعروف بالشمقمق بقوله:

نزل الفارات بيتي رفقة من بعد رفقة
وابن عرس رأس بيت صاعد في رأس طبقه
صبغة أبصرت منها في سواد العين زرقه
مثل هذا في ابن عرس أغبش تعلوه بلقه

 

فوصفه بكونه أغبش أبلق وإنه من الفأر. وفي كفاية المتحفظ «ابن عرس هو السرعوب ويقال له النمس» وغلّطه الدميري بدعواه إن النمس ليس من جنس الفار. وقال السنباطي «بنات عرس هي هذه التي في بيوت مصر» وهو كلام مبهم. وفي القاموس ابن عرس «دويبة اشتر أصلم اسك» أي جفنه مقلوب منشق كأنه مقطوع الأذنين خلقة. والأسك يقرب من الأصلم وهو الأصم أيضاً. وقال بعضهم إن ابن عرس يطلق بالاشتراك على ضرب من الفار وعلى النمس.

ٱلْفَأْرُ واسمه في العبرانية «عكبر» ومعناه مفسد الحقل أو آكل البرّاي الحنطة (والعكابر في العربية الذكور من اليرابيع جمع يربوع وهو ضرب من الفار). وذُكر في سفر صموئيل الأول أربع مرات في أصحاح واحد (١صموئيل ٦: ٤ و٥ و١١ و١٨). ومرة في سفر إشعياء (إشعياء ٦٦: ١٧). وتُرجم في الأربعة المواضع في سفر صموئيل بالفيران وفي سفر إشعياء بالجرذ (وهو ما تسميه العامة بالجرذون) فدل على أن معناه في العبرانية الفار. وكذا فهمه مفسرو الشريعة في عصر الهيكل الثاني ووصفوه بأنه متلف غلال الحصاد في وقت قصير. ولذلك أشار به المصريون في رسومهم إلى الخراب والإتلاف. ووُصف «بمفسد الأرض» في (١صموئيل ٦: ٥). وكثيراً ما أتلف غلال الحقول في فلسطين. وأذن رؤساء الدين في عصر الهيكل الثاني لليهود بأن يقتلوه في أي وقت شاءوا حتى أوقات الأعياد الاحتفالية وعيد الفصح والمظال. وكان الفار يفسد ما لا يؤكل أيضاً. وكان يدخل القدس ويفسد الأطعمة المقدسة ويتلف الكتب ولقّبه اليهود بالشرير.

ٱلضَّبُّ وفي العبرانية «الصبّ» ومعناه ورم أو منفوخ (انظر ع ٥: ٢٧ في الأصل العبراني). ولم يُذكر في غير هذا الموضع من التوراة (وفُسر في بعض التراجم الأوربية بالسلحفاة) وليس هو إياها فإن السلاحف ليست من الحيوانات النجسة عند علماء الإسرائيليين. قال ميمونيدس «ليس الحيوانات النجسة إلا التي ذُكر أنها نجسة في التوراة (لاويين ١١: ٢٩ و٣٠) فالحية والضفدع والسلحفاة ليست بنجسة». ومن المحقق أن رؤساء الدين اليهودي في عصر المسيح فسروا «الصب» العبرانية بضرب من الضفادع أو بحيوان يشبه الضفدع وهو يوافق معنى الصب أي المنفوخ أو المنتفخ. وهو يختلف عن الضفدع بكثافته وقصر رجليه وزيادة انتفاخه. وفُسر في بعض التراجم القديمة «بتمساح البر» (وهو الضب لا محالة لأنه أشبه من كل ما نراه بالتمساح) وقيل إن هذا الضرب من الضفادع أو الحيوان الذي يشبه الضفدع حُرم دون سائر الضفادع لأنه لقصر رجليه يظهر أنه كالزحاف وإنه على ما اعتقدوا يفرز سيالاً صافياً يسم من يمسه هذا على مذهب تفسيره بذلك الضرب من الضفادع.

(وفي كتب العرب القديمة وأشعارهم وأمثالهم كثير من أوصاف الضب. وهو حيوان بري يشبه الحرذون المعروف بالورل ويشبه التمساح أيضاً ولذلك سماه بعض القدماء بتمساح البر وهو عندهم من الأسماء المشتركة فيُطلق على ورم في خف البعير ولهذا فسر بعض العلماء «الصب» في العبرانية بالورم والمنتفخ وعلى ضبة الحديد وغير ذلك. وكانت العرب تأكله قال أحد الشعراء:

أكلت الضباب فما عفتها وإني اشتهيت قديد الغنم

 

وقالوا في الأمثال «أضلّ منضب». و «أعقّ من ضب». و «أخدع من ضب». و «أعقد من ذنب الضب». وقالوا في ذنبه إحدى وعشرون عقدة).

٣٠ «وَٱلْحِرْذَوْنُ وَٱلْوَرَلُ وَٱلْوَزَغَةُ وَٱلْعِظَايَةُ وَٱلْحِرْبَاءُ».

وَٱلْحِرْذَوْنُ وفي الأصل العبراني «انقه» (ومعناه صراخ أو نواح أو عويل) ولم يُذكر إلا هنا في الكتاب المقدس وفسّره القدماء من رؤساء الشريعة بما يفيد أنه القنفذ إذ قالوا «هو حيوان مغطى بأشواك حادة إذا مُس اجتمع فكان كالكرة». كان القدماء يغطون بجلده ضروع البقر منعاً للحيوانات من أن ترضع لبنها. وتُرجم في بعض التراجم الأجنبية القديمة بالفارة السيئة الطبع وفي بعض الحديثة منها بالوزغة (وفي الترجمة الإنكليزية بابن عرس). وكل ذلك بعيد من الحرذون إلا الوزغ فإنه يشبه الحرذون.

(والحرذون معروف وهو دويبة كالضب لها كف مثل كف الإنسان مقسومة الأصابع إلى أنامل ولا برَص في جلده كالوزغ أي سامّ أبرص المعروف عند العامة بأبي بريص. قالوا إنه من ذوات السموم وهو يكثر في العمران المهجورة).

ٱلْوَرَلُ واسمه في العبرانية «كح» ومعناه قوة ولم يُذكر في غير هذه الآية من كل آيات الكتاب المقدس بهذا المعنى أي بمعنى كونه من الدبابات. وهو قادر على البقاء بلا طعام زمناً طويلاً وهذا ما حمل القدماء على اعتقاد أنه يغتذي بالهواء (ولهذا الاعتقاد أصل في كل اللغات السامية). وترجمه الإنكليز بالحرباء لأن معنى اسمه عندهم أسد الأرض فوجدوا أنه موافق لاسمه في العبرانية أي قوة وفسروا أسد الأرض بأن للحرباء قوة كقوة الأسد بالنسبة إلى جنسه. واعتقاد أنه يعيش على الهواء علة تسميته بالآرامية «زكيتا» ومعناه حيوان يملأ نفسه هواء. وذكر علماء الدين اليهودي في أمر طعامه في كتاب التلمود قصة نسبوها إلى أحد أبناء نوح وإنها حدثت في السفينة وهي ما معناه «قال سام بن نوح عجبنا كثيراً من الحرباء فإنا كنا نطعم البهائم يوماً فيوماً ولم نعلم ماذا كان طعام الحرباء فاتفق يوماً أني كسرت رمانة فوقع منها دودة على الأرض فابتلعتها حالاً. وربطت عدة بقول وتركتها على الأرض فاجتمع عليها الدود وغيره من الهوام فابتلعته». ويوجد الحرباء المعتاد في سورية وفلسطين. وبعض أمم المشرق يعتقدون أنه إذا أكل لحمه مسلوقاً أبرأ من الهزال وإذا أكل مقدداً شفى من الحمى. ويربي أهل أسبانيا الحرباء في البيوت لإهلاك البراغيث.

قلنا وأكثر هذه الأوصاف تصدق على الورل على ما في كتب الحيوان العربية لا على الحرباء. قال القزويني «الورل هو الحيوان العظيم من الوزغ وسام أبرص الطويل الذنب الصغير الرأس. وهو سريع السير خفيف الحركة عدو للضب والحية يدخل بيتها ويأكلها وليس شيء أقوى على قتل الحيّات منه (ولعل هذا علة من علل تسميته بالعبرانية بما معناه القوة كما ذُكر آنفاً). ولا يحتفر لنفسه بيتاً بل يغتصب من كل حيوان بيته (ولعل هذه علة ثانية للتسمية العبرانية) لأنه أي بيت دخله هرب ساكنه. ويغتصب بيت الحية من الحية كما تغتصب الحية بيت سائر الأجناس الأُخر». وقال الدميري «إنه دابة على خلقة الضب إلا أنه أعظم منه و له كف ككف الإنسان مقسومة أصابعها إلى الأنامل». وقال عبد اللطيف البغدادي «الورل والضب والحرباء وشحمة الأرض والوزغ كلها مناسبة في الخلق».

ٱلْوَزَغَةُ واسمها في العبرانية «لطاه» (من لطا في العبرانية كلطأ في العربية أي لصق بالأرض) وهي الوزغة كما في المتن العربي لكن وصف الناموسيين لا يبين نوعها. قالوا هي دويبة غليظة الجلد ناعمته تبيض بيضاً لا يستقل محه عن آحه (أي صفاره عن بياضه). وإذا قُطع ذنبها بقي يتحرك زمناً بعد قطعه وقد تحيا هذه الدويبة بعد موتها إذا صُب عليها الماء البارد سريعاً (وفي آخر هذا الكلام ما فيه وسائر الأوصاف تعم أنواعاً كثيرة من الدبابات).

(والوزغ سام أبرص أو هو وسام أبرص صنفان لنوع واحد).

ٱلْعِظَايَةُ واسمها في العبرانية «حُمط» رجح بعضهم أنها ضرب من الوزغ وفسرها أحد أكابر العلماء من اليهود بالحلزون ولهذا تُرجم إلى الانكليزية (بالحلزون Snail).

والعظاية والعظاءة أيضاً دويبة أكبر من الوزغة ملساء تغدو وتتردد كثيراً تشبه سام أبرص لكنها أحسن منه ولا تؤذي وتسمى شحمة الأرض وشحمة الرمل. وهي أنواع كثيرة منها الأبيض والأحمر والأصفر والأخضر ومن طبعها محبة الشمس ولهذا يسميها بعض العامة حية الشمس وبعض عامة اللبنانيين بالشموسة.

ٱلْحِرْبَاءُ (وفي العبرانية «تنشمت» من نشم في العبرانية أي تنسم أو تنفس سموه بذلك لأن الأقدمين كانوا يعتقدون أن الحرباء يعيش بالتنفس أي بابتلاع الهواء بواسطة التنفس وتُرجم في السبعينية والفلغاتا بالخلد. وترجم في الإنكليزية به). وترجموه بالخلد اتباعاً لبعض التراجم القديمة ولصدق وصفه في أيام الهيكل الثاني أو عصر المسيح على الخلد وهو «إن ليس له عينان ويحفر نفقاً في الأرض ويتلف أصول النبات ويحمل الحبوب إلى نافقائه» ولذا أُجير قتله في أيام الهيكل الثاني في أثناء أيام العيدين الاحتفاليين أي الفصح والمظال (والأرجح أنه الحرباء كما في المتن العربي هنا).

(والحرباء دويبة معروفة خلقه كخلق العظاية إلا أنه أكبر والأنثى حرباءة يتلون ألواناً مختلفة وله لسان طويل دقيق يخطف به الذباب وغيره من صغار الهوام. وقيل أنه يمده على الأرض فمتى مسته الهوام جذبه إلى حلقه. قال قدماء علماء الحيوان في العربية أنه يستقبل الشمس ويدور معها ولذا قال بعضهم أنه مجوسي. ويكنيه بعض عامة سورية بأم البخت ويسميه بعضهم بالبربختي).

٣١ «هٰذِهِ هِيَ ٱلنَّجِسَةُ لَكُمْ مِنْ كُلِّ ٱلدَّبِيبِ. كُلُّ مَنْ مَسَّهَا بَعْدَ مَوْتِهَا يَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ».

هٰذِهِ هِيَ ٱلنَّجِسَةُ أي الدبابات المذكورة في (ع ٢٩) وهي ثمانية ابن عرس والفار والضب والحرذون والورل والوزغة والعظاية والحرباء.

كُلُّ مَنْ مَسَّهَا بَعْدَ مَوْتِهَا الخ أي من مس جثثها وهي ميتة. وهذا يدل على أن من مسها وهي في الحياة لا يتنجس. وكان قانون رؤساء الدين في عصر الهيكل الثاني «لا شيء من المخلوقات ينجس وهو حي إلا الإنسان».

٣٢ «وَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْهَا بَعْدَ مَوْتِهَا يَكُونُ نَجِساً. مِنْ كُلِّ مَتَاعِ خَشَبٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ بَلاَسٍ. كُلُّ مَتَاعٍ يُعْمَلُ بِهِ عَمَلٌ يُلْقَى فِي ٱلْمَاءِ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ ثُمَّ يَطْهُرُ».

ص ١٥: ١٢

كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْهَا أو جزء من الجثة فإذا مس شيء من جثثها الآنية تنجست (انظر ع ٢٥). وكانت الشريعة في عصر الهيكل الثاني إن الجثة تنجس والجزء منها ينجس إذا كان عليه لحم وإلا فالجلد والشعر والقرون والعظام المجردة وأشباه ذلك لا ينجس فإنهم كانوا يصنعون من ذلك أدوات مختلفة يستعملونها في البيوت. ووقع الخلاف بين الفريسيين والصدوقيين في زمن المسيح فالصدوقيون قطعوا بنجاسة كل جزء من الحيوانات النجسة والفريسيون جروا على الشريعة المذكورة.

مَتَاعِ خَشَبٍ المقصود به كل ما صُنع من البردي أو الحلفاء (إشعياء ١٨: ٢) أو القصب أو ثمام أو خوص أو قشر الجوز أو اللحاء أو سوق الأشجار وفروعها وسائر المواد النباتية.

أَوْ ثَوْبٍ أي كل منسوج من صوف أو كتان أو قنب أو غيره مما ينمو في البر وعلى هذا كانت الأثواب المصنوعة مما ينشأ في البحر مستثناة من هذا القانون في عصر الهيكل الثاني.

أَوْ جِلْدٍ من جلود الحيوانات البرية على قول مفسري العبرانيين فجلود الحيوانات المائية لا تتنجس عندهم.

أَوْ بَلاَسٍ إذا قابلنا هذا بما في (عدد ٣١: ٢٠) تبين لنا أن المقصود بالبلاس هنا كل ثوب نُسج من خشن شعر المعزي كالمسوح (إشعياء ٢٠: ٢). والظاهر إن الذي يتنجس من الجلود والبلاس ما صُنع ثوباً بخلاف ما لم يكن كذلك.

٣٣ «وَكُلُّ مَتَاعِ خَزَفٍ وَقَعَ فِيهِ مِنْهَا، فَكُلُّ مَا فِيهِ يَتَنَجَّسُ، وَأَمَّا هُوَ فَتَكْسِرُونَهُ».

ص ٦: ٢٨ و١٥: ١٢

كُلُّ مَتَاعِ خَزَفٍ أي كل إناء من فخّار وهو ما يصنع من التراب المعروف بالصلصال (المعروف عند العامة بالدلغان) ويشوى بالآتون.

وَقَعَ فِيهِ مِنْهَا أي إذا وقع شيء من جثثها على ما في الإناء تنجس (انظر ع ٣٢) كما يتنجس الإناء. إن الآنية المعدنية كانت تطهر بالغسل وأما الآنية الخزفية فلم تكن تطهر بذلك ولهذا كانوا يكسرونها (انظر ص ٦: ٢٨).

٣٤ «مَا يَأْتِي عَلَيْهِ مَاءٌ مِنْ كُلِّ طَعَامٍ يُؤْكَلُ يَكُونُ نَجِساً. وَكُلُّ شَرَابٍ يُشْرَبُ فِي كُلِّ مَتَاعٍ يَكُونُ نَجِساً».

مَا يَأْتِي عَلَيْهِ مَاءٌ أي كل طعام يعد بالماء يتنجس إذا مسه شيء من جثث الحيوانات النجسة وقس على ذلك كل مشروب. والذي فُهم من قوانين اليهود في عصر الهيكل الثاني إن الطعام إذا كان غير رطب أو معداً بالماء وكان جافاً عند مس تلك الجثث إياه لا يتنجس. وفهموا بالماء كل سائل من الماء والزيت والخمر واللبن والعسل وما أشبه ذلك.

٣٥ «وَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ مِنْ جُثَثِهَا يَكُونُ نَجِساً. اَلتَّنُّورُ وَٱلْمَوْقِدَةُ يُهْدَمَانِ. إِنَّهَا نَجِسَةٌ وَتَكُونُ نَجِسَةً لَكُمْ».

وَكُلُّ مَا يريد غير ما ذُكر من المواد.

اَلتَّنُّورُ (وفي العبرانية «تنور» وهو مركب من «تن» أي مخبز أو أتون و «نور» أي نار) وهو إناء كبير من خزف يقرب شكله من الأسطوانة يُخبز فيه الخبز الفطير الرقيق. وكان عند القدماء ضيق الأعلى واسع الجوف والأسفل فبذلك تُحفظ فيه الحرارة زماناً طويلاً (ولم يزل في بعض المدن وكثير من القرى في سورية).

ٱلْمَوْقِدَةُ مكان لإيقاد النار ذو جدار محيط أو جدران وكان عند القدماء طويلاً يسع قدرين يوضعان عليه للطبخ (ولا يزال إلى هذا اليوم في كثير من قرى سورية).

يُهْدَمَانِ لأنهما لا يطهران بالغسل بالماء (انظر ص ٦: ٢٨).

٣٦ «إِلاَّ ٱلْعَيْنَ وَٱلْبِئْرَ، مُجْتَمَعَيِ ٱلْمَاءِ، تَكُونَانِ طَاهِرَتَيْنِ. لٰكِنْ مَا مَسَّ جُثَثَهَا يَكُونُ نَجِساً».

إِلاَّ ٱلْعَيْنَ وَٱلْبِئْرَ، مُجْتَمَعَيِ ٱلْمَاءِ لتجدُّد الماء فيهما.

لٰكِنْ مَا مَسَّ جُثَثَهَا يَكُونُ نَجِساً فوجب أن ينزح قدر ما كان فيهما من الماء لأنه تنجس.

٣٧ «وَإِذَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ جُثَثِهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ بِزْرِ زَرْعٍ يُزْرَعُ فَهُوَ طَاهِرٌ».

إِذَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ جُثَثِهَا الخ (كلها أو جزء منها) كان الزرع أو النبات الحي كالماء المتجدد لما فيه من النمو فإنه يستمد دائماً مواد جديدة من التربة والهواء. وعلى هذا كان قانون اليهود في عصر الهيكل الثاني «كل ما هو نام في الأرض لا يتنجس إذا لمسته الجثث ما لم يُحصد ويجُمع فإن مسته حينئذ يتنجس».

٣٨ «لٰكِنْ إِذَا جُعِلَ مَاءٌ عَلَى بِزْرٍ فَوَقَعَ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ مِنْ جُثَثِهَا فَإِنَّهُ نَجِسٌ لَكُمْ».

إِذَا جُعِلَ مَاءٌ عَلَى بِزْرٍ وهو في إناء لدخول الماء النجس في مسامه وعدم نموه حينئذ فهو يتنجس ويتنجس الإناء الذي هو فيه ويجب أن يُكسر إن كان من الخزف (قابل بهذا ص ٦: ٢٨). والمقصود بالماء هنا السوائل على اختلاف أنواعها على مقتضى ما مر في تفسير (ع ٣٤).

٣٩ «وَإِذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلْبَهَائِمِ ٱلَّتِي هِيَ طَعَامٌ لَكُمْ، فَمَنْ مَسَّ جُثَّتَهُ يَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ».

وَاحِدٌ مِنَ ٱلْبَهَائِمِ الطاهرة إذا لم يُذبح بأن مات لمرض أو حادث غير الذبح. وكان القانون في أيام الهيكل الثاني مقصوراً على حيوانات البر الداجنة والآبدة دون الطيور والسمك.

فَمَنْ مَسَّ جُثَّتَهُ تُعد ميتة الحيوان الطاهر هنا كميتة الحيوان النجس (انظر ع ٢٤ – ٢٨) فمسها ينجس (انظر ص ١٧: ١٥) وهذا مقصور على لحم الحيوان دون جلده وعظامه وأوتاره وقرونه وما شاكل ذلك فهذه كلها طاهرة عند الفريسيين بخلاف الصدوقيين والسامريين.

٤٠ «وَمَنْ أَكَلَ مِنْ جُثَّتِهِ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ. وَمَنْ حَمَلَ جُثَّتَهُ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ».

ص ١٧: ١٥ و٢٢: ٨ وتثنية ١٤: ٢١ وحزقيال ٤: ١٤ و٤٤: ٣١

مَنْ أَكَلَ سهواً أو عمداً وإلا وجب عليه الحد العظيم وهو القطع (انظر عدد ١٥: ٣٠ وتثنية ١٤: ٢١).

وَمَنْ حَمَلَ جُثَّتَهُ بأن نقلها من مكانها ليطرحها بعيداً يتنجس بها كما يتنجس الحيوان النجس (انظر ع ٢٥).

٤١ «وَكُلُّ دَبِيبٍ يَدِبُّ عَلَى ٱلأَرْضِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لاَ يُؤْكَلُ».

كُلُّ دَبِيبٍ (الدبيب كل داب أي ماش على الأرض) هذا فوق ما ذُكر من أنواع الدبيب الثمانية التي مس جثتها كما ذُكر في (ع ٢٩ و٣٠) ما عدا ما في (ع ٢١ و٢٢) فهذه كلها نجاسة فلا يجوز أكلها. وكانت القاعدة في أيام الهيكل الثاني أن الدود الصغير الذي لا يدب على الأرض مستثنى ومن ثم حكموا بأن الدود الذي يعيش في الأثمار والبقول والحبوب لا ينجسها وكذا دود الجبن واللحم الذي تحت الجلد فلا ينجس ما لم يخرج ويدب على الأرض. ولهذا جاء في الترجمة الكلدانية ليوناثان «وكل دبيب يطير نجس لكم» (انظر تثنية ١٤: ١٩). و «كل النحل والزنابير ودود البقول الذي يترك الطعام ويطير كالطيور نجس لكم».

٤٢ «كُلُّ مَا يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ، وَكُلُّ مَا يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ مَعَ كُلِّ مَا كَثُرَتْ أَرْجُلُهُ مِنْ كُلِّ دَبِيبٍ يَدِبُّ عَلَى ٱلأَرْضِ، لاَ تَأْكُلُوهُ لأَنَّهُ مَكْرُوهٌ».

كُلُّ مَا يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ قُسمت الدبابات في هذا الأصحاح ثلاثة أقسام الأول ما يدب على قسم المعدة وهو الذي عبر عنه هنا بأنه يمشي على البطن كالحية (انظر تكوين ٣: ١٤).

كُلُّ مَا يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ هذا هو القسم الثاني وهو ما له أربع قوائم ويدب كالعقارب والجُعل.

كُلِّ مَا كَثُرَتْ أَرْجُلُهُ هذا هو القسم الثالث وهو كثير الأرجل الصغيرة القصيرة التي يعسر نظرها بمجرد العين فتظهر أنها تزحف على بطنها كدود الربيع والحريش (أي أم أربع وأربعين) وما شاكلها.

٤٣ «لاَ تُدَنِّسُوا أَنْفُسَكُمْ بِدَبِيبٍ يَدِبُّ، وَلاَ تَتَنَجَّسُوا بِهِ وَلاَ تَكُونُوا بِهِ نَجِسِينَ».

ص ٢٠: ٢٥

لاَ تُدَنِّسُوا أَنْفُسَكُمْ بأكل البهائم النجسة التي بُينت نجاستها في هذا الكتاب (انظر ص ٧: ٢١ و١١: ١٠ – ١٣ و٢٠ و٢٣ و٤١ و٤٢).

لاَ تَتَنَجَّسُوا أي بمس جثته فأكله ومس جثته كلاهما منجس في شريعة الله القديمة.

٤٤ «إِنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ فَتَتَقَدَّسُونَ وَتَكُونُونَ قِدِّيسِينَ، لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ. وَلاَ تُنَجِّسُوا أَنْفُسَكُمْ بِدَبِيبٍ يَدِبُّ عَلَى ٱلأَرْضِ».

خروج ١٩: ٦ وص ١٩: ٢ و٢٠: ٧ و٢٦ و١تسالونيكي ٤: ٧ و١بطرس ١: ١٥ و١٦

إِنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ (الجملة استئنافية واقعة موقع التعليل فيكون المعنى لأني أنا الرب إلهكم ولهذا تُرجمت العبارة بهذا المعنى في التوراة الإنكليزية) فإن الرب لأنه قدوس وجب على شعبه المصاحب له أن يكون مقدساً وهذا يستلزم أن يعتزل شعبه كل شيء نجس. وعلى هذا قول الرسول «بَلْ نَظِيرَ ٱلْقُدُّوسِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ» (١بطرس ١: ١٥ و١٦).

وَتَكُونُونَ قِدِّيسِينَ، لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ (القدوس الكثير القداسة وهو مما لا يُنعت به إلا الله. وهذه الآية بمعنى الآية في ص ٢٠: ٧).

٤٥ «إِنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَصْعَدَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لِيَكُونَ لَكُمْ إِلٰهاً. فَتَكُونُونَ قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ».

خروج ٦: ٧ ع ٤٤

أَصْعَدَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ أخرجهم من أرض مصر وأنقذهم من عبودية المصريين بطريق عجيبة ليكونوا شعباً خاصاً له (قابل هذا بما في ٢صموئيل ٧: ٢٣). فلقدوس إسرائيل الحق أن يطلب من شعبه الذي افتداه لنفسه أن يطيع شريعته وأن يكون مقدساً لأن فاديه قدوس. وكررت آية الفداء في الكتاب المقدس لأمرين الأول الإعلان للإسرائيلين إنهم مكلفون بأن يطيعوا وصايا الله. والثاني الكشف لهم إنهم منكرو الجميل أو إنهم كافرون بنعمة الله بمعاصيهم (تثنية ٨: ١٤ و١٣: ٦ ويشوع ٢٤: ١٧ وقضاة ٢: ١٢ الخ).

٤٦ «هٰذِهِ شَرِيعَةُ ٱلْبَهَائِمِ، وَٱلطُّيُورِ، وَكُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ تَسْعَى فِي ٱلْمَاءِ، وَكُلِّ نَفْسٍ تَدِبُّ عَلَى ٱلأَرْضِ».

هٰذِهِ شَرِيعَةُ ٱلْبَهَائِمِ هذا تكرار ما تقدم في الشريعة الطعامية من ذكر أقسام البهائم الأربعة:

  1. الحيوانات البرية.
  2. الحيوانات المائية.
  3. الحيوانات الهوائية أي الطيور التي تطير في الهواء.
  4. الحيوانات السربية أي التي تعيش أسراباً كالنحل والجراد (انظر ص ٧: ٣٧ و٣٨).

٤٧ «لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ ٱلنَّجِسِ وَٱلطَّاهِرِ، وَبَيْنَ ٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلَّتِي تُؤْكَلُ وَٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلَّتِي لاَ تُؤْكَلُ».

ص ١٠: ١٠

لِلتَّمْيِيزِ أي إن شريعة الأطعمة وُضعت لتمكن خدم الدين والشعب من معرفة ما حرّم أكله من البهائم وما أحل وما ينجس وما لا ينجس.

بَيْنَ ٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلَّتِي تُؤْكَلُ الخ هذا أخصّ من قوله الحيوانات الطاهرة والحيوانات النجسة لأن الحيوان قد يكون طاهراً ولا يؤكل. وكذا كان الأمر في أيام الهيكل الثاني. فإن الحيوان الطاهر لا يجوز أن يؤكل ما لم يكن في حال الصحة فإنه حينئذ لا يجوز أكله لما فيه من المرض.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى