سفر اللاويين | 10 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر اللاويين
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْعَاشِرُ
١ «وَأَخَذَ ٱبْنَا هَارُونَ، نَادَابُ وَأَبِيهُو، كُلٌّ مِنْهُمَا مِجْمَرَتَهُ وَجَعَلاَ فِيهِمَا نَاراً وَوَضَعَا عَلَيْهَا بَخُوراً، وَقَرَّبَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ نَاراً غَرِيبَةً لَمْ يَأْمُرْهُمَا بِهَا».
ص ١٦: ١ و٢٢: ٩ وعدد ٣: ٣ و٤ و٢٦: ٦١ و١أيام ٢٤: ٢ ص ١٦: ١٢ وعدد ١٦: ١٨ خروج ٣٠: ٩
نَادَابُ وَأَبِيهُو على أثر إعلان الله قبوله لخدمة الكهنة المقترنة بتعينهم وإعلان الشعب شكرهم لله على قبوله أولئك الكهنة وخدمتهم وفرحهم بذلك رأوا وهم مجتمعون أعجب الحوادث وهي أنهم رأوا اثنين من الكهنة الخمسة الذين عينوا ذلك اليوم ووقع عليهما عقاب عظيم على عثرتهما وكانا ابني هارون الأكبرين اللذين كانا قد امتازا أعلى امتياز بمصاحبتهما أباهما وموسى إلى قنّة الجبل المقدس (خروج ٢٤: ١). فتعلّم بنو إسرائيل من هذه الحادثة أن الكهنة مع كونهم وسطاء بين الله والشعب يُعاقبون على مخالفة وصايا الله كغيرهم ولا تمنع رتبتهم العالية ما توجبه المخالفة لأمر الله من القصاص.
كُلٌّ مِنْهُمَا مِجْمَرَتَهُ كانت خطية ناداب وأبيهو مركبة من عدة معاص:
- إن كل واحد منهما أخذ مجمرته لا إناء القدس المقدس.
- إنهما قدما البخور معاً مع أن الواجب أن يقدمه واحد.
- إنهما أتيا ما يختص بالحبر الأعظم لأنه لا يجوز بمقتضى الشريعة لأحد غير الحبر الأعظم أن يوقد ذلك البخور في مجمرة (انظر ص ١٦: ١٢ و١٣ وعدد ١٧: ١١). وكان من شأن الكهنة العاديين أن لا يوقدوا البخور إلا على مذبح الذهب في القدس (خروج ٣٠: ٧ و٨) أو على مذبح النحاس باعتبار أنه جزء من التذكار (انظر ص ٢: ٢ و٣ و١٦ الخ). وأما ما كان من قورح وجماعته فمستثنى لأنه كان بأمر موسى لغاية خاصة (عدد ١٦: ٦ – ٢٥).
- إنهما أوقدا البخور في غير وقته لأنه كان مستقلاً عن ذبيحة الصباح وذبيحة المساء.
نَاراً غَرِيبَةً إنهما ملأا مجمرتهما بنار عادية بدلاً من أن يملآها بالنار المقدسة نار المذبح التي كانت معينة أبداً لإيقاد البخور في المجمرة (انظر ص ٩: ٢٤ و١٦: ١٢). ويشير إلى هذا ما جاء في سفر الرؤيا وهو قول الرسول «ثُمَّ أَخَذَ ٱلْمَلاَكُ ٱلْمِبْخَرَةَ وَمَلأَهَا مِنْ نَارِ ٱلْمَذْبَحِ» (رؤيا ٨: ٥). وجاء في تقاليد اليهود القديمة شربا خمر التقدمة وأتيا الخدمة وهما سكرانان فلم يميّزا بين الشرعي وغير الشرعى وشاع هذا التقليد كثيراً حتى ظن إن الآية التاسعة من هذا الأصحاح متعلقة بما أتياه على ما يتبين من النسخة الكلدانية الفلسطينية ونص تلك الآية «خمراً ومسكراً لا تشرب أنت وبنوك معك عند دخولكم إلى خيمة الاجتماع لكي لا تموتوا فرضاً دهرياً في أجيالكم».
وظن بعضهم إن المقصود بالنار الغريبة بخور غريب أي بخور غير مصنوع على وفق ما أمرت الشريعة (خروج ٣٠: ٩).
أَمَامَ ٱلرَّبِّ أي أمام مسكن الرب أي تجاه باب القدس (انظر ص ١: ٥) أو تجاه قدس الأقداس (انظر ص ٤: ٦).
لَمْ يَأْمُرْهُمَا بِهَا مثل صورة النفي في هذه العبارة كثيراً ما يأتي في العبرانية مكان صورة النهي كما يأتي الأمر بصورة الخبر (ص ١٢: ١٢) فيكون المعنى نهاهما الرب عنها.
٢ «فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ وَأَكَلَتْهُمَا، فَمَاتَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ».
ص ٩: ٢٤ وعدد ١٦: ٣٥ و٢صموئيل ٦: ٧ و٢ملوك ١: ١٠ و١٢
فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ أخطأا بالنار وبالنار قُتلا. فالنار التي كانت تخرج وتحرق الذبائح دلالة على قبول الله إياها خرجت هنا نار انتقام من الخاطئ فصدق عليها قول الرسول «لِهٰؤُلاَءِ رَائِحَةُ مَوْتٍ لِمَوْتٍ، وَلِأُولٰئِكَ رَائِحَةُ حَيَاةٍ لِحَيَاةٍ» (٢كورنثوس ٢: ١٦).
أَكَلَتْهُمَا اي قتلتهما ولم تحرقهما لأن جسديهما بقيا كما كانا وإن قميصهما بقيا كذلك على ما في الآية الخامسة.
فَمَاتَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ أي في دار القدس (انظر ع ١) في الموضع الذي أخطاا فيه.
٣ «فَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: هٰذَا مَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ قَائِلاً: فِي ٱلْقَرِيبِينَ مِنِّي أَتَقَدَّسُ، وَأَمَامَ جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ أَتَمَجَّدُ. فَصَمَتَ هَارُونُ».
خروج ١٩: ٢٢ و٢٩: ٤٣ وص ٢١: ٦ و١٧ و٢١ وإشعياء ٥٢: ١١ وحزقيال ٢٠: ٤١ و٤٢: ١٣ إشعياء ٤٩: ٣ وحزقيال ٢٨: ٢٢ ويوحنا ١٣: ٣١ و٣٢ و١٤: ١٣ و٢تسالونيكي ١: ١٠ مزمور ٣٩: ٩
فَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: هٰذَا مَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ هذا يدلنا على أن الله كان قد أوصى موسى بما لم يُذكر قبلاً فأعلنه موسى هنا للأب الذي رُزئ بولدين من أولاده فأبان له إن ما حدث كان بقضاء الله وقصده.
فِي ٱلْقَرِيبِينَ مِنِّي أَتَقَدَّسُ أي اتقدس بالذين يقتربون إليّ فإن الرب قدّس لنفسه هارون وبنيه بالمسحة المقدسة (انظر ص ٨: ١٠ و١٢) حتى يقدسوه بتوسطهم بينه وبين الشعب. وإذ قصر ابناه عن ذلك قدس الله نفسه بهما بما أوقعه من العقاب لهم على معصيتهما (انظر حزقيال ٢٧: ٢٢ وعدد ١٦: ٥ وحزقيال ٤٢: ١٣ و٤٣: ١٩).
أَمَامَ جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ أَتَمَجَّدُ أعلن الله بهذا الانتقام غيرته على شريعته وإنها مقدسة وإنه هو قدوس إسرائيل لا يسمح بتدنيسها.
فَصَمَتَ هَارُونُ أي خضع لقضاء الله العادل على ولديه ولم يعترض فكان لسان حاله يقول كما قال المرنم «صَمَتُّ. لاَ أَفْتَحُ فَمِي لأَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ» (مزمور ٣٩: ٩).
٤ «فَدَعَا مُوسَى مِيشَائِيلَ وَأَلْصَافَانَ ٱبْنَيْ عُزِّيئِيلَ عَمِّ هَارُونَ، وَقَالَ لَهُمَا: تَقَدَّمَا ٱرْفَعَا أَخَوَيْكُمَا مِنْ قُدَّامِ ٱلْقُدْسِ إِلَى خَارِجِ ٱلْمَحَلَّةِ».
خروج ٦: ١٨ و٢٢ وعدد ٣: ١٩ و٣٠ لاويين ٢٢: ٤ وأعمال ٥: ٦ وعدد ٥: ٢ و٨: ٢
فَدَعَا مُوسَى… ٱبْنَيْ عُزِّيئِيلَ هما ابنا قوهات أخي عمرام الأصغر لأن عمرام هو أبو هارون وعزيئيل عمه. وكان لعزيئيل ثلاثة بنين ميشائيل والصافان اثنان منهم (خروج ٦: ١٨ و٢٢). وإذ كان أليعازار وإيثامار كاهنين عاديين كان لهما أن يرفعا جثتي أخويهما المقتولين (انظر ص ٢١: ١ – ٤). ولا ريب في أنهما تأثرا بذلك المشهد فرأى موسى أن يخفف عنهما الانفعال فأمر ابني عمهما برفع القتيلين. وعلى أنه لم يذكر هنا يصهار وحبرون وهما عما هارون الأكبران إنه قاوم بنوهما هارون وبنيه على الكهنوت ثم قام بالعصيان قورح بن يصهار (عدد ص ١٦ وص ١٧). ولا شك في أن العصيان أخذ ينمو من ذلك الوقت. وكان من الضروري أن يتولى دفن ذينك العاصيين من هم أبرياء من مخالفة شريعته المقدسة ومن التذمر عليها.
ٱرْفَعَا أَخَوَيْكُمَا أي قريبيكما. وكثيراً ما جاء الأخ في التوراة بمعنى النسيب القريب (انظر تكوين ١٣: ٨ و١٤: ٦ و٢٤: ٤٨ و٢٩: ١٢ – ١٥ الخ).
مِنْ قُدَّامِ ٱلْقُدْسِ من دار القدس حيث أُوقد البخور في وسط الشعب المبتهج وحيث قُتل ذانك الكاهنان العاصيان (انظر ص ٩: ٥).
٥ «فَتَقَدَّمَا وَرَفَعَاهُمَا فِي قَمِيصَيْهِمَا إِلَى خَارِجِ ٱلْمَحَلَّةِ كَمَا قَالَ مُوسَى».
رَفَعَاهُمَا فِي قَمِيصَيْهِمَا كان كل من ذينك القميصين ثوباً طويلاً أبيض معداً للخدمة الكهنوتية وكان من أخصّ ثياب الكهنة. وكان العتيق من قمصان الكهنة يُصنع فتائل لسُرج القدس وهنا دُفنا مع لابسيهما أنهما تنجسا بمسهما جثتيهما.
خَارِجِ ٱلْمَحَلَّةِ كانت المقابر في الأزمنة القديمة خارج المدن (كما هي اليوم في بعض مدن سورية). (انظر تكوين ٢٣: ٩ و١٧ ومتّى ٢٧: ٧١ ولوقا ٨: ٢٧).
٦ «وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ وَأَلِعَازَارَ وَإِيثَامَارَ ٱبْنَيْهِ: لاَ تَكْشِفُوا رُؤُوسَكُمْ وَلاَ تَشُقُّوا ثِيَابَكُمْ لِئَلاَّ تَمُوتُوا وَيُسْخَطَ عَلَى كُلِّ ٱلْجَمَاعَةِ. وَأَمَّا إِخْوَتُكُمْ كُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ فَيَبْكُونَ عَلَى ٱلْحَرِيقِ ٱلَّذِي أَحْرَقَهُ ٱلرَّبُّ».
خروج ٣٣: ٥ وص ١٣: ٤٥ و٢١: ١٠ وعدد ٦: ٦ و٧ وتثنية ٣٣: ٩ وحزقيال ٢٤: ١٦ و١٧ عدد ١٦: ٢٢ و٤٥ ويشوع ٧: ١ و٢٢: ١٨ و٢٠ و٢صموئيل ٢٤: ١
لاَ تَكْشِفُوا رُؤُوسَكُمْ كانت عادة النائحين أن يكشفوا رؤوسهم ويرخوا شعورهم ويشوشوها (ص ١٣: ٤٥ و٢١: ١٠ و٢صموئيل ١٥: ٣٠ و١٩: ٤ الخ). ولهذا السبب كان الكهنة المعينون لخدمة الرب محظوراً عليهم أن يحلقوا رؤوسهم ولا يتركون خُصل شعرهم تطول لمثل تلك الحال (حزقيال ٤٤: ٢٠). وفي هذه الحال منع هارون وابنيه الباقيين من إظهار آيات الحزن أو إتيان ما ذُكر علامة له لأن ذلك يدل على أنهما لم يرضوا قضاء الله العادل.
لاَ تَشُقُّوا ثِيَابَكُمْ كان تمزيق الثياب من جملة ما اعتاده القدماء في المآتم إظهاراً لشدة الحزن (تكوين ٣٧: ٢٩ و٣٤ ويشوع ٧: ٦ و٢صموئيل ١٣: ٢١ الخ) ولا يزال اليهود إلى هذا اليوم يأتون ذلك عند موت أحد الأقارب فإنهم يمزقون ثيابهم ويرخون شعورهم ولا يغتسلون.
يُسْخَطَ عَلَى كُلِّ ٱلْجَمَاعَةِ أي إن مخالفة أمره لا تقتصر على أن تأتي بالعقاب على هارون وابنيه بل تأتي به على كل جماعة الإسرائيليين فيقع غضب الله على الجميع. إن الكاهن الأعلى كان نائباً عن الشعب في النفع والضرر فكان إذا أخطأ وعوقب عوقب الشعب معه (انظر ص ٤: ٣).
وَأَمَّا إِخْوَتُكُمْ دُعي كل بني إسرائيل إخوة في ذلك الرزء ليُظهروا مؤاساتهم للمرزوئين كأن المصاب وقع عليهم جميعاً.
٧ «وَمِنْ بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ لاَ تَخْرُجُوا لِئَلاَّ تَمُوتُوا. لأَنَّ دُهْنَ مَسْحَةِ ٱلرَّبِّ عَلَيْكُمْ. فَفَعَلُوا حَسَبَ كَلاَمِ مُوسَى».
ص ٢١: ١٢ خروج ٢٨: ٤١ وص ٨: ٣٠
مِنْ بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ أي من مدخل الخيمة (انظر ص ١: ٣) لم يكن لهارون وبنيه أن يتركوا دار القدس ليشهدوا الدفن.
لأَنَّ دُهْنَ مَسْحَةِ ٱلرَّبِّ عَلَيْكُمْ هذه علة أنه حُظر عليهم أن يشهدوا الدفن مع سائر الناس إنهم كانوا معيّنين لخدمة الرب المقدسة. فما كانت العلاقة النسبية الأرضية تعترض واجباتهم لله ولهذا كان محرماً على الكهنة أن يحزنوا كغيرهم حين يأخذون في الخدمة أمام الرب (انظر ص ٢١: ١٠١ – ١٢). وكانت هذه الشريعة تحفظ أشد الحفظ في عصر الهيكل الثاني. فكان الكاهن إذا نُعي إليه أحد أقربائه لا يترك القدس لئلا يظهر أنه يحب الشخص الميت أكثر من حبه لله الحي.
٨ «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِهَارُونَ».
وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِهَارُونَ لما ضرب الله نحو نصف الكهنة الذين عيّنوا حديثاً ومنع النصف الآخر من الحزن أو الحداد ظنوا أن الله لم يسرّ بهم كما لم يسر بمن ضربهما فقال الله ذلك تعزية لهم وبياناً أنهم لم يزالوا كهنة في عيون الشعب الذين شاهدوا المعصية والعقاب عليها. وكلم هارون بذلك رأساً بدون توسط موسى إكراماً له.
٩ «خَمْراً وَمُسْكِراً لاَ تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ لِكَيْ لاَ تَمُوتُوا. فَرْضاً دَهْرِيّاً فِي أَجْيَالِكُمْ».
حزقيال ٤٤: ٢١ ولوقا ١: ١٥ و١تيموثاوس ٣: ٣ وتيطس ١: ٧
خَمْراً هذا دل الأقدمين على أن ذنب الكاهنين اللذين قتلهما الله بناره نتج عن سكرهما وعلى ذلك قول الرسول «فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ٱلأُسْقُفُ… غَيْرَ مُدْمِنِ ٱلْخَمْرِ… كَذٰلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ٱلشَّمَامِسَةُ… غَيْرَ مُولَعِينَ بِٱلْخَمْرِ ٱلْكَثِيرِ» (١تيموثاوس ٣: ٢ و٣ و٨).
مُسْكِراً الخمر على أنواعها من خمر القمح والشعير والتفاح والتمر والعسل والعنب وسائر الأثمار فهذه كلها محرمة على الكاهن عند دخوله الخيمة.
عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ وزيد في النسخة الكلدانية الفلسطينية «كما فعل ابناك اللذان ماتا بالنار المتقدة». وهذه الشريعة ذُكرت في نبوءة حزقيال وهي قوله «لاَ يَشْرَبُ كَاهِنٌ خَمْراً عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى ٱلدَّارِ ٱلدَّاخِلِيَّةِ» (حزقيال ٤٤: ٢١). وهذه العبارة تدل أنه كان يجوز للكهنة أن يشربوا الخمر في غير ذلك الوقت إذا اقتضت الحال.
١٠ «وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ ٱلْمُقَدَّسِ وَٱلْمُحَلَّلِ وَبَيْنَ ٱلنَّجِسِ وَٱلطَّاهِرِ».
ص ١١: ٤٧ و٢٠: ٢٥ وإرميا ١٥: ١٩ وحزقيال ٢٢: ٢٦ و٤٤: ٢٣
لِلتَّمْيِيزِ هذا هو علة نهيهم عن المسكر فإنهم إذا كانوا صحاة قدروا أن يميزوا بين الحلال والحرام بخلاف ما لو كانوا سكارى. وهذا يقوي القول بأن ناداب وأبيهو كانا سكرانين حتى لم يميزا النار المقدسة من غير المقدسة.
١١ «وَلِتَعْلِيمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَمِيعَ ٱلْفَرَائِضِ ٱلَّتِي كَلَّمَهُمُ ٱلرَّبُّ بِهَا بِيَدِ مُوسَى».
تثنية ٢٤: ٨ ونحميا ٨: ٢ و٨ و٩ و١٣ وإرميا ١٨: ١٨ وملاخي ٢: ٧
وَلِتَعْلِيمِ فما كان يجب على الكهنة أن يمتنعوا عن المسكر لمجرد الخدمة الرمزية بل كان عليهم أيضاً أن يكونوا صحاة ليعلّموا الشعب لأنه كان عليهم أن يعتنوا بالحياة البيتية والهيئة الاجتماعية بواسطة تعليم الشعب الشريعة الإلهيه (تثنية ٢٣: ١٠ وملاخي ٢: ٧). وعلى إهمال الكهنة هذا الأمر العظيم وبخهم الله بقوله «كَهَنَتُهَا خَالَفُوا شَرِيعَتِي وَنَجَّسُوا أَقْدَاسِي. لَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ ٱلْمُقَدَّسِ وَٱلْمُحَلَّلِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا ٱلْفَرْقَ بَيْنَ ٱلنَّجِسِ وَٱلطَّاهِرِ» (حزقيال ٢٢: ٢٦).
١٢ «وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ وَأَلِعَازَارَ وَإِيثَامَارَ ٱبْنَيْهِ ٱلْبَاقِيَيْنِ: خُذُوا ٱلتَّقْدِمَةَ ٱلْبَاقِيَةَ مِنْ وَقَائِدِ ٱلرَّبِّ وَكُلُوهَا فَطِيراً بِجَانِبِ ٱلْمَذْبَحِ لأَنَّهَا قُدْسُ أَقْدَاسٍ».
خروج ٢٩: ٢ وص ٦: ١٦ وعدد ١٨: ٩ و١٠ ص ٢١: ٢٢
قَالَ مُوسَى لِهَارُونَ قال موسى هذا الكلام المتعلق بالذبائح التي تقدم في اليوم الثامن أو اليوم الذي بعد يوم التقديس لهارون وابنيه الباقيين على أثر رزئهم. فإن هارون لما فقد ابنيه الأكبرين لأنهما خالفا الشريعة ونجسا الترتيب المقدس رغب موسى كثيراً في أن يقيه وابنيه الباقيين من التعدي شيء من الرسوم المتعلقة بتلك التقدمات لئلا يهلكوا كما هلك الأخوان.
خُذُوا ٱلتَّقْدِمَةَ ٱلْبَاقِيَةَ أي التقدمة الطعامية التي قدمها الشعب في ذلك اليوم على أثر تقديس الكهنة حين وقع المصاب (انظر ص ٩: ١٧) ولم تكن قد أُكلت فإنه كان ما عدا القبضة التي كانت ُتحرق على المذبح مختصاً بالكهنة (انظر ص ٢: ١ – ٣ و٦: ٤ – ١٨).
كُلُوهَا فَطِيراً بِجَانِبِ ٱلْمَذْبَحِ أي في دار الخيمة حيث مذبح المحرقة (انظر ٦: ١٦).
لأَنَّهَا قُدْسُ أَقْدَاسٍ أي مقدسة كثيراً ولهذا ما كان يجوز أن يأكلها من عيال الكهنة سوى الذكور في دار القدس (انظر ص ٦: ١٨).
١٣ «كُلُوهَا فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ لأَنَّهَا فَرِيضَتُكَ وَفَرِيضَةُ بَنِيكَ مِنْ وَقَائِدِ ٱلرَّبِّ. فَإِنَّنِي هٰكَذَا أُمِرْتُ».
ص ٢: ٣ و٦: ١٦
كُلُوهَا فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ أي في جزء من دار القدس وما كان يجوز أكلها خارح القدس.
١٤ «وَأَمَّا صَدْرُ ٱلتَّرْدِيدِ وَسَاقُ ٱلرَّفِيعَةِ فَتَأْكُلُونَهُمَا فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ أَنْتَ وَبَنُوكَ وَبَنَاتُكَ مَعَكَ، لأَنَّهُمَا جُعِلاَ فَرِيضَتَكَ وَفَرِيضَةَ بَنِيكَ مِنْ ذَبَائِحِ سَلاَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ».
خروج ٢٩: ٢٤ و٢٦ و٢٧ وص ٧: ٣١ و٣٤ وعدد ١٨: ١١
صَدْرُ ٱلتَّرْدِيدِ وَسَاقُ ٱلرَّفِيعَةِ (وفي الترجمة الإنكليزية وكتف الرفيعة وما في الترجمة العربية على وفق العبرانية) وهما قسم من التقدمة التي قدمها الشعب (انظر ص ٩: ١٨ – ٢١) وكان يعطى الكهنة طعاماً لعيالهم (ص ٧: ٣٤) وهذا الجزء كان يجوز أكله أين شاءوا من أماكن المحلة بشرط أن يكون طاهراً على مقتضى الرسوم.
١٥ «سَاقُ ٱلرَّفِيعَةِ وَصَدْرُ ٱلتَّرْدِيدِ يَأْتُونَ بِهِمَا مَعَ وَقَائِدِ ٱلشَّحْمِ لِيُرَدَّدَا تَرْدِيداً أَمَامَ ٱلرَّبِّ، فَيَكُونَانِ لَكَ وَلِبَنِيكَ مَعَكَ فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ».
ص ٧: ٢٩ و٣٠ و٣٤
سَاقُ ٱلرَّفِيعَةِ وَصَدْرُ ٱلتَّرْدِيدِ (وفي الترجمة الإنكليزية كتف الرفيعة) أي هذا الجزء للكاهن وعياله هبة من الرب (انظر ص ٧: ٢٩ و٣٠).
١٦ «وَأَمَّا تَيْسُ ٱلْخَطِيَّةِ فَإِنَّ مُوسَى طَلَبَهُ فَإِذَا هُوَ قَدِ ٱحْتَرَقَ. فَسَخَطَ عَلَى أَلِعَازَارَ وَإِيثَامَارَ ٱبْنَيْ هَارُونَ ٱلْبَاقِيَيْنِ وَقَالَ».
ص ٩: ٣ و١٥
وَأَمَّا تَيْسُ ٱلْخَطِيَّةِ فَإِنَّ مُوسَى طَلَبَهُ أي لحم تيس ذبيحة الخطية الذي قدمه الشعب في اليوم الثامن (انظر ص ٩: ١٥).
فَإِذَا هُوَ قَدِ ٱحْتَرَقَ إن اليعازر وإيثامار لحزنهما على فقد أخويها لم يستطيعا أن يأكلا وإذ لم يكن جائزاً لغير الكهنة أن يأكل لحم ذبيحة الخطية أحرقاه على المذبح منعاً له من الفساد وأتيا ذلك في الوقت الذي فيه أُحرق لحم ذبيحة تقدمة هارون عن الخطية خارج المحلة (انظر ص ٩: ١١).
فَسَخَطَ عَلَى أَلِعَازَارَ وَإِيثَامَارَ كان على هارون ما كان على ابنيه في أكل اللحم فالمرجّح أن موسى لم يظهر سخطه على هارون حفظاً لمقامه في عيون الشعب.
١٧ «مَا لَكُمَا لَمْ تَأْكُلاَ ذَبِيحَةَ ٱلْخَطِيَّةِ فِي ٱلْمَكَانِ ٱلْمُقَدَّسِ، لأَنَّهَا قُدْسُ أَقْدَاسٍ، وَقَدْ أَعْطَاكُمَا إِيَّاهَا لِتَحْمِلاَ إِثْمَ ٱلْجَمَاعَةِ تَكْفِيراً عَنْهُمْ أَمَامَ ٱلرَّبِّ».
ص ٦: ٢٦ و٢٩
مَا لَكُمَا لَمْ تَأْكُلاَ كما أُمر في (ص ٦: ٢٦).
أَعْطَاكُمَا إِيَّاهَا أي أعطاكما الله لحم ذبيحة الخطية لتأكلاه (انظر ص ٦: ٢٩).
لِتَحْمِلاَ إِثْمَ ٱلْجَمَاعَةِ تَكْفِيراً الخ أي لتزيلا الإثم عنها فإن ما كان يأتيه الكاهن أمام الرب في ذلك كان تكفيراً عن الشعب. فكان يُعطى الكاهن لحم ذبيحة الخطية حتى يظهروا بأكلهم إياه إن الرب قبل الذبيحة وغفر بإحسانه فكان أكلها فعلاً مقدساً وغفران الله هبة (انظر تكوين ٤: ٧ وخروج ٣٢: ٣٢ ومزمور ٣١: ١ و٥ الخ).
١٨ «إِنَّهُ لَمْ يُؤْتَ بِدَمِهَا إِلَى ٱلْقُدْسِ دَاخِلاً. أَكْلاً تَأْكُلاَنِهَا فِي ٱلْقُدْسِ كَمَا أَمَرْتُ».
ص ٦: ٣٠ ص ٦: ٢٦
إِنَّهُ لَمْ يُؤْتَ بِدَمِهَا إِلَى ٱلْقُدْسِ كان من الواجب بمقتضى شريعة الذبيحة (التي لم يُحمل دمها إلى القدس) أن يأكلها الكهنة فقط في مكان مقدس وكان ذلك جزءاً من الخدمة الكهنوتية (انظر ص ٦: ٢٥ و٢٦ و١٠: ١٧). وكان لحم ذبيحة الخطية هنا من الذبائح التي يحمل دمها إلى القدس ولكنه لم يحمل دمها إلى القدس (انظر ص ٩: ٩).
أَكْلاً تَأْكُلاَنِهَا فِي ٱلْقُدْسِ كَمَا أَمَرْتُ كان يجب على هارون وابنيه أن يأكلا اللحم في دار القدس كما أمر موسى (ص ٦: ٢٦).
١٩ «فَقَالَ هَارُونُ لِمُوسَى: إِنَّهُمَا ٱلْيَوْمَ قَدْ قَرَّبَا ذَبِيحَةَ خَطِيَّتِهِمَا وَمُحْرَقَتَهُمَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ وَقَدْ أَصَابَنِي مِثْلُ هٰذِهِ. فَلَوْ أَكَلْتُ ذَبِيحَةَ ٱلْخَطِيَّةِ ٱلْيَوْمَ، هَلْ كَانَ يَحْسُنُ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ؟».
ص ٩: ٨ و١٢ إرميا ٦: ٢٠ و١٤: ٢١ وهوشع ٩: ٤ وملاخي ١: ١٠ و١٢
فَقَالَ هَارُونُ تقدم في الآية السادسة عشرة ان موسى سخط على العازار وإيثامار ولم يظهر سخطه على هارون لعلو مرتبته ولحفظ هيبته في عيون الشعب ولما كان سخط موسى على ابني هارون لأمر اشترك فيه هارون نفسه كان شريكاً لهما في المسخوطية لا محالة وقد شعر بذلك ولهذا دفع عن ولديه.
قَرَّبَا ذَبِيحَةَ خَطِيَّتِهِمَا قبل أن يقع ما وُبخوا عليه رأى هارون إن كل ما أتاه بنوه قبل رزئه بابنيه الأكبرين كان على وفق التعليم المتعلق بالرسوم وإن بنيه الذين ساعدوه قدموا ذبيحة خطيتهم وذبيحة خطية الشعب والمحرقة (ص ٩: ١٥ و١٦) بمقتضى الشريعة وهذا دليل على أن ابني هارون الباقيين وهارون نفسه لم يقصدوا التعدي إنما منعهم مما لامهم موسى عليه مما ألم بهم من الحزن كما يتبين مما يأتي.
وَقَدْ أَصَابَنِي مِثْلُ هٰذِهِ أي المصيبة التي وقعت على ابنيه الباقيين وهي الأسف على أخويهما ناداب وأبيهو وقعت عليه هو لأنه أبوهما فشمل الأسف الثلاثة.
فَلَوْ أَكَلْتُ الخ يريد هارون أنه لو أكل هو وابناه لحم الذبيحة وقلوبهم مملوءة من الحزن وأفكارهم في شغل شاغل عن ذلك كان إساءة إلى الله لأن خدمته تقتضي أن يكون العقل صاحياً منتبهاً والقلب متوجهاً إليه. قلنا وبناء على حجة هارون كان القانون في أيام الهيكل الثاني إن الكاهن العادي إذا نُعي إليه أحد أقاربه وهو يخدم في القدس وجب أن يكف عن الخدمة وإن لم يجز له أن يترك الهيكل وإلا نُجست الذبيحة على أن الحبر الأعظم الذي كان عليه أن يكمل الخدمة كان يكملها ولا يأكل من لحم الذبيحة.
٢٠ «فَلَمَّا سَمِعَ مُوسَى حَسُنَ فِي عَيْنَيْهِ».
حَسُنَ فِي عَيْنَيْهِ أي رأى حجة هارون صحيحة على وفق الصواب وسلّم بأنه أسرع إلى اللوم. وهذا من أجلى البينات على تواضع موسى وعلى حسن سجيته باعتبار أنه المشترع (انظر أيضاً عدد ٣٢: ٦ الخ) وعلى هذا نسب اليهود منذ زمن بعيد الخطأ إلى موسى والصواب إلى هارون في هذه الحادثة وأوضحت ذلك النسخة الكلدانية الفلسطينية أحسن إيضاح ففيها ما ترجمته «فلما سمع موسى ذلك استحسنه ونادى في كل محلة إسرائيل إني نسيت الشريعة فذكرنيها أخي هارون».
السابق |
التالي |