سفر اللاويين | 02 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر اللاويين
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي
١ «وَإِذَا قَرَّبَ أَحَدٌ قُرْبَانَ تَقْدِمَةٍ لِلرَّبِّ، يَكُونُ قُرْبَانُهُ مِنْ دَقِيقٍ. وَيَسْكُبُ عَلَيْهَا زَيْتاً، وَيَجْعَلُ عَلَيْهَا لُبَاناً».
ص ٦: ١٤ و٩: ١٧ وعدد ١٥: ٤
قُرْبَانَ تَقْدِمَةٍ القرابين في هذا الأصحاح من المواد النباتية وهي ثلاثة أنواع الأول الدقيق مع الزيت واللبان (ع ١: ٣) وكان الدقيق دقيق الحنطة (خروج ٢٩: ٢) وكان ثمنه ضعفي ثمن دقيق الشعير (٢ملوك ٧: ١ و١٦ و١٨). ولدخوله في التقدمات كان مما يُذخر في الهيكل (١أيام ٩: ٢٩ و٢٣: ٢٩).
يَسْكُبُ عَلَيْهَا زَيْتاًكان الزيت من أطعمة بني إسرائيل ويقوم عندهم مقام الزبدة اليوم عند الأوربيين وكثيرين من السوريين وغيرهم. وكان على مقرّب هذا القربان أن يطيبه بذلك ليكون مقبولاً إلى الكهنة لأنهم كانوا يأكلون جزءاً منه (ع ٣) وكان اللبان لمضادة الرائحة المنتشرة من اللحم المحرق هناك.
٢ «وَيَأْتِي بِهَا إِلَى بَنِي هَارُونَ ٱلْكَهَنَةِ، وَيَقْبِضُ مِنْهَا مِلْءَ قَبْضَتِهِ مِنْ دَقِيقِهَا وَزَيْتِهَا مَعَ كُلِّ لُبَانِهَا. وَيُوقِدُ ٱلْكَاهِنُ تِذْكَارَهَا عَلَى ٱلْمَذْبَحِ، وَقُودَ رَائِحَةِ سُرُورٍ لِلرَّبِّ».
ص ٥: ١٢ ع ٩ وص ٥: ١٢ و٦: ١٥ و٢٤: ٧ وإشعياء ٦٦: ٣ وأعمال ١٠: ٤
يَقْبِضُ مِنْهَا مِلْءَ… تِذْكَارَهَا كان يأخذ الكاهن قبضة من ذلك ويوقدها لتكون تذكاراً للمقدم بالله وعهده ليرغب في حفظ وصاياه وتزيد ثقته به وليكون بمنزلة تذكير لله بما وعد به لشعبه. وعلى هذا قال المرنم «لِيَذْكُرْ كُلَّ تَقْدِمَاتِكَ» (مزمور ٢٠: ٣). وقول الملاك لكرنيليوس «صَلَوَاتُكَ وَصَدَقَاتُكَ صَعِدَتْ تِذْكَاراً أَمَامَ ٱللّٰهِ» (أعمال ١٠: ٤).
٣ «وَٱلْبَاقِي مِنَ ٱلتَّقْدِمَةِ هُوَ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ. قُدْسُ أَقْدَاسٍ مِنْ وَقَائِدِ ٱلرَّبِّ».
ص ٧: ٩ و١٠: ١٢ و١٣ خروج ٢٩: ٣٧ وعدد ١٨: ٩
وَٱلْبَاقِي بعد قبضة التذكار من الدقيق والزيت واللبان يكون للكهنة على السواء.
قُدْسُ أَقْدَاسٍ كانت القرابين قسمين المقدس والأقدس فالمقدس قرابين الشكر (ص ٢٣: ٢٠ وعدد ٦: ٢٠) وباكورات الزيت والخمر والقرابين الفصحية. وهذه القرابين كان يجوز أن يأكلها الكهنة وأهل بيوتهم كلها أو يأكلوه جُزؤها في كل مكان طاهر. والأقدس قربان البخور وخبز الوجوه (خروج ٣٠: ٢٦ ولاويين ٢٤: ٩) وقرابين الخطية (ص ٦: ٢٥ – ٢٨ و٧: ١ و٦ و١٤: ١٣ الخ) والقرابين الطعامية المذكورة هنا. وما كان يجوز أكل هذه في سوى دار القدس ولا يجوز أكلها لغير الكهنة.
٤ «وَإِذَا قَرَّبْتَ قُرْبَانَ تَقْدِمَةٍ مَخْبُوزَةٍ فِي تَنُّورٍ، تَكُونُ أَقْرَاصاً مِنْ دَقِيقٍ، فَطِيراً مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ، وَرِقَاقاً فَطِيراً مَدْهُونَةً بِزَيْتٍ».
خروج ٢٩: ٢
قُرْبَانَ تَقْدِمَةٍ مَخْبُوزَةٍ فِي تَنُّورٍ القسم الثاني من قربان التقدمة مخبوز بزيت في الفرن أو على الطاجن أو فيه (ع ٤ – ١٠). والمرجّح أن التنور هنا هو التنور العالي عن الأرض المعروف في هذه الأيام في كثير من أقسام سورية ويكون علوه غالباً نحو ثلاث أقدام (ص ٢١: ٣٥) ويكون الخبز عند خروجه منه ليناً يطوى كالروق وإذا مرّ عليه بضعة أيام يبس وقسا.
٥ «وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُكَ تَقْدِمَةً عَلَى ٱلصَّاجِ تَكُونُ مِنْ دَقِيقٍ مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ، فَطِيراً».
عَلَى ٱلصَّاجِ (المرجّح أن الصاج كلمة عامية محرفة عن الطاجن وهو طابق من الحديد ذو وجهين محدّب ومقعّر بوجّه المقعّر إلى النار ويُخبز على المحدّب. وترجم بعضهم عبرانيته بالطاجن وهو فارسي معرّب ويناسب أن يبدّل بالطابق أو الطاجن على أن كلا منهما ليس إياه تماماً ولهذا اختاره المترجم وآثره على غيره مع معرفته أنه من كلام العامة ولا مانع من استعمال الكلام العامّي إذا لم يكن من فصيح يقوم مقامه). وقد ذُكر في (حزقيال ص ٤: ٣) ولا يزال البدويون وكثيرون من أهل القرى يستعملونه وخبزه رقيق واسع. وكان هذا الخبز يُصنع في دار القدس وتحفظ أداته فيها (حزقيال ٤٢: ٢٠ وأيوب ٢٣: ٢٨ و٢٩).
٦ «تَفُتُّهَا فُتَاتاً وَتَسْكُبُ عَلَيْهَا زَيْتاً. إِنَّهَا تَقْدِمَةٌ».
تَفُتُّهَا فُتَاتاً ما كانوا يقدمون الخبز صحيحاً بل كانوا يفتونه ويطيبونه بالزيت. والخبز المفتوت والزبدة أو اللبن أو العصير الحلو لم يزل من الأطعمة الطيبة عند العرب ولا سيما عرب البادية.
٧ «وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُكَ تَقْدِمَةً مِنْ طَاجِنٍ، فَمِنْ دَقِيقٍ بِزَيْتٍ تَعْمَلُهُ».
تَقْدِمَةً مِنْ طَاجِنٍ أي من قدر فإن المقصود بالطاجن هنا إناء عميق يُطبخ فيه فإنهم كانوا يطبخون به الخبز بالزيت.
٨ «فَتَأْتِي بِٱلتَّقْدِمَةِ ٱلَّتِي تُصْطَنَعُ مِنْ هٰذِهِ إِلَى ٱلرَّبِّ وَتُقَدِّمُهَا إِلَى ٱلْكَاهِنِ، فَيَدْنُو بِهَا إِلَى ٱلْمَذْبَحِ».
فَتَأْتِي كان على الكاهن أن يأتي بالتقدمة إلى المذبح. وكان في أيام الهيكل الثاني إنه يوضع فتات الخبز في إناء الخدمة والزيت واللبان ويحمل مقدمها ذلك الإناء إلى الكاهن والكاهن يحمله إلى المذبح إلى الجنوب الغربي منه.
٩، ١٠ «٩ وَيَأْخُذُ ٱلْكَاهِنُ مِنَ ٱلتَّقْدِمَةِ تِذْكَارَهَا وَيُوقِدُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ وَقُودَ رَائِحَةِ سُرُورٍ لِلرَّبِّ. ١٠ وَٱلْبَاقِي مِنَ ٱلتَّقْدِمَةِ هُوَ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ، قُدْسُ أَقْدَاسٍ مِنْ وَقَائِدِ ٱلرَّبِّ».
ع ٢ خروج ٢٩: ١٨ ع ٣
في هاتين الآيتين التقدمات المذكورة في (ع ١ و٢) وهي القرابين غير الدموية.
١١ «كُلُّ ٱلتَّقْدِمَاتِ ٱلَّتِي تُقَرِّبُونَهَا لِلرَّبِّ لاَ تُصْطَنَعُ خَمِيراً، لأَنَّ كُلَّ خَمِيرٍ وَكُلَّ عَسَلٍ لاَ تُوقِدُوا مِنْهُمَا وَقُوداً لِلرَّبِّ».
ص ٦: ١٧ ومتّى ١٦: ١٢ ومرقس ٨: ١٥ ولوقا ١٢: ١ و١كورنثوس ٥: ٨ وغلاطية ٥: ٩
في هذه الآية والآيتين بعدها قانون يتعلق بتلك القرابين غير الدموية كما ذُكر آنفاً. وحُسب العسل مع الخمير لأن الناس في العصور القديمة كانوا يخمرون به أو يتخذونه خميرة (ص ١١: ٢٠).
١٢ «قُرْبَانَ أَوَائِلَ تُقَرِّبُونَهُمَا لِلرَّبِّ. لٰكِنْ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ لاَ يَصْعَدَانِ لِرَائِحَةِ سُرُورٍ».
خروج ٢٢: ٢٩ وص ٢٣: ١٠ و١١
قُرْبَانَ أَوَائِلَ في هذه الآية استثناء من القاعدة في التي قبلها وهو أن الذي لا يصعد من العسل والخمير يجب أن يقدم مع باكورات الأثمار ولذلك ذكرا مع باكورات الأثمار (ص ٢٣: ١٧ و٢أيام ٣١: ٥).
١٣ «وَكُلُّ قُرْبَانٍ مِنْ تَقَادِمِكَ بِٱلْمِلْحِ تُمَلِّحُهُ، وَلاَ تُخْلِ تَقْدِمَتَكَ مِنْ مِلْحِ عَهْدِ إِلٰهِكَ. عَلَى جَمِيعِ قَرَابِينِكَ تُقَرِّبُ مِلْحاً».
مرقس ٩: ٤٩ وكولوسي ٤: ٦ عدد ١٨: ١٩ حزقيال ٤٣: ٢٤
كُلُّ قُرْبَانٍ كان الملح للجميع لأنه يمنع غير الدموية من الاختمار ويمنعها ويمنع الدموية من الفساد (حزقيال ٤٣: ٢٤).
مِلْحِ عَهْدِ إِلٰهِكَ اتُخذ الملح لما فيه من منع الفساد رمزاً إلى خالص الود ودوامه. وأكل الخبز والملح في الشرق كان آية لذلك ولم يزل كذا عند كثيرين من المشارقة. قيل أن العرب اليوم متى أرادوا المعاهدة وضعوا ملحاً على صفحة السيف ووضع كل منهم قليلاً منه في فمه فيبقى كل منهم أميناً لمعاهده ولو في أشد الأخطار. وكانوا يفعلون كذلك منذ عهد بعيد وعلى هذا قيل في سفر عزرا «وَٱلآنَ بِمَا إِنَّنَا نَأْكُلُ مِلْحَ دَارِ ٱلْمَلِكِ، وَلاَ يَلِيقُ بِنَا أَنْ نَرَى ضَرَرَ ٱلْمَلِكِ، لِذٰلِكَ أَرْسَلْنَا فَأَعْلَمْنَا ٱلْمَلِكَ» (عزرا ٤: ١٤).
١٤ – ١٦ «١٤ وَإِنْ قَرَّبْتَ تَقْدِمَةَ بَاكُورَاتٍ لِلرَّبِّ فَفَرِيكاً مَشْوِيّاً بِٱلنَّارِ. جَرِيشاً سَوِيقاً تُقَرِّبُ تَقْدِمَةَ بَاكُورَاتِكَ. ١٥ وَتَجْعَلُ عَلَيْهَا زَيْتاً وَتَضَعُ عَلَيْهَا لُبَاناً. إِنَّهَا تَقْدِمَةٌ. ١٦ فَيُوقِدُ ٱلْكَاهِنُ تِذْكَارَهَا مِنْ جَرِيشِهَا وَزَيْتِهَا مَعَ جَمِيعِ لُبَانِهَا وَقُوداً لِلرَّبِّ».
ص ٢٣: ١٠ و١٤ و٢ملوك ٤: ٤٢ وع ١ ع ٢ و٩
كان القسم الثالث من القرابين غير الدموية باكورات الأثمار. وهاتان الآيتان متعلقتان بالآية الثانية عشرة والثالثة عشرة معترضة بينهما ومثل هذا كثير في الكتابات العبرانية. ولا يزال الفريك من المآكل الطيبة عند أهل الشرق (ص ٢٣: ١٤ ويشوع ٥: ١١ و١صموئيل ١٧: ١٧ و٢٥: ١٨ و٢صموئيل ١٧: ٢٧ وراعوث ٢: ١٤).
السابق |
التالي |