سفر القضاة | 21 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر القضاة
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ
محتويات هذا الأصحاح:
- ندم الإسرائيليين على حلفهم أن لا يزوجوا بني بنيامين بناتهم خشية أن ينقرض سبط من إسرائيل (ع ١ – ٧).
- إهلاكهم يابيش جلعاد ما عدا العذارى ليكون زوجات للباقين من بنيامين (ع ٨ – ١٥).
- توصيتهم للبنيامينيين أن يخطفوا بنات شيلوه وهن يرقصن الرقص المقدس لأن عذارى يابيش جلعاد لم يكن كافيات لهنّ (ع ١٦ – ٢٥).
طريق وقاية سبط بنيامين من الانقراض ع ١ إلى ٢٥
١ «وَرِجَالُ إِسْرَائِيلَ حَلَفُوا فِي ٱلْمِصْفَاةِ قَائِلِينَ: لاَ يُسَلِّمْ أَحَدٌ مِنَّا ٱبْنَتَهُ لِبِنْيَامِينَ ٱمْرَأَةً».
ص ٢٠: ١
حَلَفُوا فِي ٱلْمِصْفَاةِ لم يُذكر كيف كان ذلك الحلف في نبإ ما سبق من اجتماعهم في المصفاة (ص ٢٠: ١ – ١١). ويظهر من (ع ١٨) إن ذلك القَسَم لم يكن قسماً بسيطاً بل كان مقترناً بلعن من يخالف المقسوم عليه كالقَسم في (أعمال ٢٣: ١٤) وذُكر الكلام على المصفاة في تفسير (ص ٢٠: ١).
لاَ يُسَلِّمْ أَحَدٌ مِنَّا ٱبْنَتَهُ لِبِنْيَامِينَ ٱمْرَأَةً أي لا يعطي أحد منا ابنة له لأحد من سبط بنيامين زوجة.
٢ «وَجَاءَ ٱلشَّعْبُ إِلَى بَيْتِ إِيلَ وَأَقَامُوا هُنَاكَ إِلَى ٱلْمَسَاءِ أَمَامَ ٱللّٰهِ، وَرَفَعُوا صَوْتَهُمْ وَبَكَوْا بُكَاءً عَظِيماً».
ص ٢٠: ١٨ و٢٦
بَيْتِ إِيلَ… أَمَامَ ٱللّٰهِ ذُكر الكلام عليها في تفاسير الأسفار الماضية ومنها تفسير (ص ٢٠: ١٨). وكان فيها تابوت العهد في هذا الوقت فمعنى قوله «أمام الله» أمام تابوت الله أو أمام الله الذي في التابوت لأنه مسكنه بينهم.
وَبَكَوْا وهم علّة ما أبكاهم لا الرب.
٣ «وَقَالُوا: لِمَاذَا يَا رَبُّ إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ حَدَثَتْ هٰذِهِ فِي إِسْرَائِيلَ، حَتَّى يُفْقَدَ ٱلْيَوْمَ مِنْ إِسْرَائِيلَ سِبْطٌ؟».
لِمَاذَا… حَدَثَتْ هٰذِهِ هذا ليس بسؤال عن علة حدوث تلك الأمور المحزنة لأن علتها ظاهرة كل الظهور. فالاستفهام إنكاري معناه أنه لم يكن من سبب موجب لحدوث تلك النوازل إلا جهلهم الذي أبكاهم لندمهم على ما فعلوا فهو بمنزلة اعتراف لله بخطيئتهم وصلاة له ليتمكنوا من دفع ما صاروا إليه من الشر العظيم. وذكرهم «إسرائيل» ثلاث مرات في هذه الآية يدل على أنهم لم يفقدوا الشعور بأنهم شعب واحد تجب المحافظة على وحدته وإنهم أتوا ما يوجب تفريقه. فعدلهم التوحشي بانتقامهم الفظيع كان ممزوجاً بالرحمة الجاهلية التي هي أشد توحشاً منه بما أتوه إبقاء على سبط بنيامين كما سترى.
حَتَّى يُفْقَدَ ٱلْيَوْمَ مِنْ إِسْرَائِيلَ سِبْطٌ كان فقدان هذا السبط متوقعاً لأمرين الأول قتلهم ٢٦١٠٠ منه ظلماً لأن الأوريم والتميم وإن أجاز لهم الانتقام لم يجز لهم أن يقتلوا كل أولئك ليشرف به السبط على الانقراض. والثاني قسَمهم على أن لا يصاهروا أحداً من بنيامين. وهذا قسَم ضلال وإثم لا يجوز أن يراعى فكان تركه براً لهم والمحافظة عليه دينونة عليهم. وهذا دليل قاطع على أن الإسرائيليين كانوا يومئذ في جهل لا يقلّ عن جهل جيرانهم الوثنيين.
٤ «وَفِي ٱلْغَدِ بَكَّرَ ٱلشَّعْبُ وَبَنَوْا هُنَاكَ مَذْبَحاً وَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ».
٢صموئيل ٢٤: ٢٥
بَنَوْا هُنَاكَ مَذْبَحاً قال أحد المفسرين «إن داود أتى مثل هذا في بيدر أرونة اليبوسي (٢صموئيل ٢٤: ١٨ و٢٥).. فإن لم تكن خيمة الشهادة كلها قد نُقلت يومئذ إلى بيت إيل لم يكن ذلك المذبح إلا إلى حين لكثرة الذبائح والتقدمات». وقال آخر «أظن أنه لم يرد بذلك إلا بناء مذبح لخيمة الشهادة التي كانت يومئذ في بيت إيل فإن داود وصموئيل بنى كل منهما مذبحاً في غير تلك الخيمة» (٢صموئيل ٢٤: ٢٥ و١صموئيل ٧: ١٧). والخلاصة أن إقامة مذبح للتقدمات الدينية عند الضرورة كان جائزاً إنما المذبح الممنوع هو المذبح الدائم في غير خيمة الشهادة. ولم يقل أن فينحاس الكاهن منع حينئذ الإسرائيليين من بنائه.
٥ «وَقَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ: مَنْ هُوَ ٱلَّذِي لَمْ يَصْعَدْ فِي ٱلْمَجْمَعِ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلرَّبِّ؟ لأَنَّهُ صَارَ ٱلْحَلْفُ ٱلْعَظِيمُ عَلَى ٱلَّذِي لَمْ يَصْعَدْ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلَى ٱلْمِصْفَاةِ قَائِلاً: يُمَاتُ مَوْتاً».
ص ٥: ٢٣
مَنْ هُوَ ٱلَّذِي لَمْ يَصْعَدْ هذا السؤال مقدمة للآية الثامنة.
لأَنَّهُ صَارَ ٱلْحَلْفُ ٱلْعَظِيمُ هذا تعليل للسؤال السابق ولم يُذكر هذا الحلف في النبإ السابق.
ٱلْمَجْمَعِ محلّ الاجتماع.
٦ «وَنَدِمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى بِنْيَامِينَ أَخِيهِمْ وَقَالُوا: قَدِ ٱنْقَطَعَ ٱلْيَوْمَ سِبْطٌ وَاحِدٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ».
وَنَدِمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى بِنْيَامِينَ أَخِيهِمْ أي أسفوا أسفاً عظيماً على ما فعلوه بسبط بنيامين أخيهم من كثرة القتل حتى أشرف على الانقراض فالندم ليس على ذات السبط بل على ما فعلوه به. فإن الندم غمّ يصيب الإنسان ويتمنى أن ما وقع منه لم يقع.
٧ «مَاذَا نَعْمَلُ لِلْبَاقِينَ مِنْهُمْ فِي أَمْرِ ٱلنِّسَاءِ، وَقَدْ حَلَفْنَا نَحْنُ بِٱلرَّبِّ أَنْ لاَ نُعْطِيَهُمْ مِنْ بَنَاتِنَا نِسَاءً؟».
مَاذَا نَعْمَلُ الخ كان عليهم لو عرفوا الحق أن يخالفوا الحلف أي أن يحنثوا فيه لأنه على غير جائز ويزوجوا البنيامينيين بناتهم. وأيّ عاقل يعرف الحق يوجب على من يقسم أن يقتل بريّاً من الناس أن يبرّ في قسمه أو على حلف أن يسرق إن سرق فحلفهم أن لا يزوجوا البنيامينيين بناتهم خطأ يجب الرجوع عنه لا العمل بمقتضاه. لكن السؤال مع ذلك يدل على الشفقة على إخوتهم والعناية بأمرهم.
٨ «وَقَالُوا: أَيُّ سِبْطٍ مِنْ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ لَمْ يَصْعَدْ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلَى ٱلْمِصْفَاةِ؟. وَهُوَذَا لَمْ يَأْتِ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ رَجُلٌ مِنْ يَابِيشِ جِلْعَادَ إِلَى ٱلْمَجْمَعِ».
١صموئيل ١١: ١ و٣١: ١١
يَابِيشِ جِلْعَادَ المرجّح أنها اليوم أطلال في وادي يابيس تُعرف بالدير إلى الجنوب الشرقي من بحيرة طبرية وعلى غاية ٢٣ ميلاً منها.
لَمْ يَأْتِ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ رَجُلٌ مِنْ يَابِيشِ الخ المحلة مكان الحلول حول خيمة الشهادة والمراد بها المجمع كما أفاد قوله «إلى المجمع». ولم يذكر الكاتب السبب الذي حمل اليابيشيين على الغياب وللمفسرين فيه ظنون منها حزنهم على البنيامينيين فإنهم كانوا من المؤاسين لهم. ومنها أنهم ضُرّوا مع البنيامينيين في ذلك الانتقام الوحشي ضرراً عظيماً هبط بهم إلى الفقر والشقاء. وظل اليابيشيون على ولاء البنيامينيين بعد ذلك فإنهم لما بلغهم ما فعله الفلسطينيون بشاول من تشويه جثته وجثث بنيه وتسميره على سور بيت شان ساروا ليلاً وأنزلوها وأتوا بها (١صموئيل ٣١: ٨ – ١٣) ومدحهم داود على ذلك وباركهم (٢صموئيل ٢: ٤ – ٦).
٩ «فَعُدَّ ٱلشَّعْبُ فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ رَجُلٌ مِنْ سُكَّانِ يَابِيشِ جِلْعَاد».
فَعُدَّ ٱلشَّعْبُ أي عُدّت جماعاته باعتبار المدن والقرى لا أفراده ولعلّ بعضهم كان ينادي أهل كل مدينة وقرية فيجيب بعض أهلها بقوله نعم فلم يجبه أحد من سكان يابيش.
١٠ «فَأَرْسَلَتِ ٱلْجَمَاعَةُ إِلَى هُنَاكَ ٱثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ٱلْبَأْسِ، وَأَوْصَوْهُمْ: ٱذْهَبُوا وَٱضْرِبُوا سُكَّانَ يَابِيشِ جِلْعَادَ بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ مَعَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلأَطْفَالِ».
ص ٥: ٢٣ وع ٥ و١صموئيل ١١: ٧
فَأَرْسَلَتِ ٱلْجَمَاعَةُ أي الإسرائيليون المجتمعون.
ٱثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ٱلْبَأْسِ اعتادوا عدد الإثني عشر من عدد الأسباط فاختاروه وإن لم يكن حينئذ بينهم أحد من بنيامين. وكان ذلك العدد مقدساً عندهم ولعل هذا مما حملهم على الأسف الشديد من أشراف بني بنيامين على الانقراض.
مَعَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلأَطْفَالِ أي النساء المتزوجات والأبناء الأطفال (ع ١١). وهذا العمل مخالف للشريعة وليس فيه شيء من الصواب. فمثل هذه الأعمال لا تسلّم بها الشريعة بل توجب اللعنة على مرتكبيها بحكم الشريعة الإلهية العادلة. وما الحامل عليها إلا الجهل والكبرياء.
١١ «وَهٰذَا مَا تَعْمَلُونَهُ: تُحَرِّمُونَ كُلَّ ذَكَرٍ وَكُلَّ ٱمْرَأَةٍ عَرَفَتِ ٱضْطِجَاعَ ذَكَرٍ».
عدد ٣١: ١٧
هذه الآية أيضاح للآية العاشرة.
١٢ «فَوَجَدُوا مِنْ سُكَّانِ يَابِيشِ جِلْعَادَ أَرْبَعَ مِئَةِ فَتَاةٍ عَذَارَى لَمْ يَعْرِفْنَ رَجُلاً بِٱلاضْطِجَاعِ مَعَ ذَكَرٍ، وَجَاءُوا بِهِنَّ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ إِلَى شِيلُوهَ ٱلَّتِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ».
يشوع ١٨: ١
إِلَى شِيلُوهَ هذا يدل على أنهم نقلوا خيمة الشهادة إلى شيلوه بعد نهاية محاربتهم للبنيامينيين التي هي الموضع الأصلي للخيمة (ص ١٨: ٣١).
ٱلَّتِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ هذا تمييز لها عن شيلوه التي شرقي الأردن عل ما ظن بعضهم. وقال آخر إن هذا ذُكر لمقابلة قوله يابيش جلعاد. والظاهر الذي لا يحتاج إلى الظن أنها صفة واقعية لبيان أن شيلوه في أرض الكنعانيين لا في أرض جلعاد وهي مدينة شمالي بيت إيل المعروفة اليوم ببيتين وجنوبي لبونة على منتصف الطريق بين بيتين ونابلس وشمالي أورشليم وعلى غاية ١٧ ميلاً منها واسمها اليوم سيلون. اختارها يشوع مقاماً لخيمة الشهادة وتابوت العهد (يشوع ١٨: ١ و٨ – ١٠) فبقيا فيها ثلاث مئة سنة والأوقات التي كانت فيها في غير شيلوه قصيرة لا يعتدُّ بها.
١٣ «وَأَرْسَلَتِ ٱلْجَمَاعَةُ كُلُّهَا وَكَلَّمَتْ بَنِي بِنْيَامِينَ ٱلَّذِينَ فِي صَخْرَةِ رِمُّونَ وَٱسْتَدْعَتْهُمْ إِلَى ٱلصُّلْحِ».
ص ٢٠: ٤٧ تثنية ٢٠: ١٠
وَأَرْسَلَتِ ٱلْجَمَاعَةُ كُلُّهَا رجلاً أو رجالاً معيّنين فحذف المفعول به للقرينة.
صَخْرَةِ رِمُّونَ (انظر تفسير ص ٢٠: ٤٥).
إِلَى ٱلصُّلْحِ وتقرير السلم واعتبارهم إخوة وسبطاً من أسباط إسرائيل كما كانوا قبل الحرب.
١٤ «فَرَجَعَ بِنْيَامِينُ فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ، فَأَعْطُوهُمُ ٱلنِّسَاءَ ٱللَّوَاتِي ٱسْتَحْيَوْهُنَّ مِنْ نِسَاءِ يَابِيشِ جِلْعَادَ. وَلَمْ يَكْفُوهُمْ هٰكَذَا».
فَرَجَعَ بِنْيَامِينُ فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ إلى مدنهم وقراهم الخربة.
وَلَمْ يَكْفُوهُمْ لأن بنات يابيش جلعاد كانت أربع مئة (ع ١٢) ورجال بنيامين ست مئة (ص ٢٠: ٤٧).
١٥ «وَنَدِمَ ٱلشَّعْبُ مِنْ أَجْلِ بِنْيَامِينَ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ جَعَلَ شَقّاً فِي أَسْبَاطِ إِسْرَائِيل».
ع ٦
لأَنَّ ٱلرَّبَّ جَعَلَ شَقّاً فِي أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ في الكلام استعارة مكنيّة وهي استعارة الثوب السالم للشعب التام والقرينة عليه الشق أو استعارة مصرّحة وهي استعارة الشق لنقص أسباط الإسرائيليين وخلّوهم من سبط كان كثير العدد. فهم كانوا كثوب سالم في الكمال شُقّ منه قطعة أو كان بينهم خلوّ بالنقص كالشق في الثوب. ومعنى قوله «جعل الرب شقاً» إن الرب سمح بأن يكون ذلك الشق فيهم لأن الذي جعل الشق فيهم على الحقيقة هم أنفسهم بقساوتهم وتوحشهم وجهلهم ودوسهم شريعة الله.
١٦ «فَقَالَ شُيُوخُ ٱلْجَمَاعَةِ: مَاذَا نَصْنَعُ بِٱلْبَاقِينَ فِي أَمْرِ ٱلنِّسَاءِ، لأَنَّهُ قَدِ ٱنْقَطَعَتِ ٱلنِّسَاءُ مِنْ بِنْيَامِينَ؟».
مَاذَا نَصْنَعُ بِٱلْبَاقِينَ وهم المئتان (انظر تفسير ع ١٤) وجواب هذا السؤال سهل لو عرفوا الحق وهو أن يعطوهم بنات منهم لأن قسَمهم غير شرعيّ فيجب الرجوع عنه وقيامهم به إثمٌ فوق إثم فهم به كالذي يحلف بالله على أنه يدوس شريعته. قال أحد المفسرين هنا «أرادوا أن يبرّوا في قسَمهم بالحرف وهم يخنثون فيه بالروح». إن الحنث في الحلف عقابه شديد (خروج ٢٠: ٧) لكن الجهلاء يحلفون على ما لا يجوز فهم باجتهادهم في أن يبرّوا في حلفهم يدنسون الشريعة المقدسة.
١٧ «وَقَالُوا: مِيرَاثُ نَجَاةٍ لِبِنْيَامِينَ، وَلاَ يُمْحَى سِبْطٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ».
مِيرَاثُ نَجَاةٍ لِبِنْيَامِينَ أي ليكن لبنيامين ميراثهم للنجاة من الانقراض أو ليبق لهم ميراثهم من الأرض وليسكنوه مطمئنين وينجوا من الانقراض.
وَلاَ يُمْحَى سِبْطٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ إن هذا السبط لم يُمح ولكنه لم يرجع إلى ما كان عليه مع ما صنعوه له وأكرموه بأن اختاروا منه أهود قاضياً وشاول ملكاً وأول ملوك إسرائيل. ولعل هذا مفاد البركة التي باركه موسى إياها في قوله «حَبِيبُ ٱلرَّبِّ يَسْكُنُ لَدَيْهِ آمِناً. يَسْتُرُهُ طُولَ ٱلنَّهَارِ، وَبَيْنَ مَنْكِبَيْهِ يَسْكُنُ» (تثنية ٣٣: ١٢).
١٨ «وَنَحْنُ لاَ نَقْدِرُ أَنْ نُعْطِيَهُمْ نِسَاءً مِنْ بَنَاتِنَا، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَلَفُوا قَائِلِينَ: مَلْعُونٌ مَنْ أَعْطَى ٱمْرَأَةً لِبِنْيَامِينَ».
ص ١١: ٣٥ وع ١
مَنْ أَعْطَى ٱمْرَأَةً من بناته كما مرّ في (ع ١) وإلا فهم أعطوهم بنات يابيش جلعاد نساء (ع ١٤). وحذف الكاتب ذلك اعتماداً على القرينة (في هذه الآية نفسها وفي الآية الأولى).
١٩ «ثُمَّ قَالُوا: هُوَذَا عِيدُ ٱلرَّبِّ فِي شِيلُوهَ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ شِمَالِيَّ بَيْتِ إِيلَ، شَرْقِيَّ ٱلطَّرِيقِ ٱلصَّاعِدَةِ مِنْ بَيْتِ إِيلَ إِلَى شَكِيمَ وَجَنُوبِيَّ لَبُونَةَ».
هُوَذَا عِيدُ ٱلرَّبِّ فِي شِيلُوهَ قال بعضهم هو عيد موضعي مخصوص لأهل شيلوه. وقال آخر هو أحد الأعياد السنوية الثلاثة ولا يمكننا تعيينه إذ ليس في الآية من إشارة إلى مُعيَّن. وظن بعضهم أنه عيد المظال. وظن بعضهم أنه عيد الفصح وبنى ظنه على دوران البنات في الرقص (ع ٢١) ورأى أنهن كن يأتين ذلك تذكاراً لرقص النساء فرحاً بالخروج من مصر الذي في وقته وُضع عيد الفصح (خروج ١٥: ٢٠) وسيأتي الكلام في هذا الرقص (انظر ع ٢١).
شِيلُوهَ وصفها في هذه الآية نفسها يدل على أنها ما تُعرف اليوم بسيلون (انظر تفسير ع ١٢). ووصفها هنا بتعيين الموقع كوصفها في ما مرّ بأنها في أرض كنعان. وذكرها في عدة مواضع بلا وصف لا يحمل على توهم الزيادة هنا بيد غير يد الكاتب. فإن الكاتب رأى أن يزيد هذه الفائدة في آخر كتابه. ومثل هذا يقع كثيراً في كتب المؤرخين القدماء والمحدثين التي لم تغيرها يد غير يد كاتبها.
بَيْتِ إِيلَ… شَكِيمَ…. لَبُونَةَ بيت إيل هي المعروفة اليوم ببيتين على شرق منتصف خط بين القدس ونابلس. وشكيم هي المعروفة اليوم بنابلس. ولبونة جنوبي نابلس واسمها اليوم اللُّبن ولم تُذكر في غير هذا الموضع. ووُصفت شيلوه بالتدقيق ليعرف البنيامينيون المكان.
٢٠ «وَأَوْصَوْا بَنِي بِنْيَامِينَ: ٱمْضُوا وَٱكْمِنُوا فِي ٱلْكُرُومِ».
ٱمْضُوا وَٱكْمِنُوا فِي ٱلْكُرُومِ هذا يدلّ على الترجيح أن الكروم كانت مورقة حينئذ تحجب المختبئ فيها.
٢١ «وَٱنْظُرُوا. فَإِذَا خَرَجَتْ بَنَاتُ شِيلُوهَ لِيَدُرْنَ فِي ٱلرَّقْصِ، فَٱخْرُجُوا أَنْتُمْ مِنَ ٱلْكُرُومِ وَٱخْطِفُوا لأَنْفُسِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ ٱمْرَأَتَهُ مِنْ بَنَاتِ شِيلُوهَ، وَٱذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ بِنْيَامِينَ».
خروج ١٥: ٢٠ وص ١١: ٣٤ و١صموئيل ١٨: ٦ وإرميا ٣١: ١٣
بَنَاتُ شِيلُوهَ لِيَدُرْنَ فِي ٱلرَّقْصِ أي يرقصن على خط مستدير كمحيط الدائرة ولعل ذلك كرقص الدائرة المعروف عند العامة بالدبكة وهو لا يزال إلى هذا اليوم. واستدل الأسقف بتريك بهذا على أن العيد كان عيد المظال بدعوى أنه ما كان يُسمح للبنات اليهوديات أن ترقص في غير عيد المظال.
وَٱذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ بِنْيَامِينَ كان هنالك سكّة من شكيم إلى بيت إيل على حدود بنيامين يسهل عليهم الهرب فيها.
٢٢ «فَإِذَا جَاءَ آبَاؤُهُنَّ أَوْ إِخْوَتُهُنَّ لِيَشْكُوا إِلَيْنَا، نَقُولُ لَهُمْ: تَرَأَّفُوا عَلَيْهِمْ لأَجْلِنَا، لأَنَّنَا لَمْ نَأْخُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ ٱمْرَأَتَهُ فِي ٱلْحَرْبِ، لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ لَمْ تُعْطُوهُمْ فِي ٱلْوَقْتِ حَتَّى تَكُونُوا قَدْ أَثِمْتُمْ».
تَرَأَّفُوا عَلَيْهِمْ لأَجْلِنَا أي ارحموهم إكراماً لنا.
أَنْتُمْ لَمْ تُعْطُوهُمْ فِي ٱلْوَقْتِ حَتَّى تَكُونُوا قَدْ أَثِمْتُمْ أي أنتم لم تعطوا البنيامينيين بناتكم في الوقت الذي أخذوهنّ فيه وعلى ذلك تكونون غير حانثين في القسَم.
٢٣ «فَفَعَلَ هٰكَذَا بَنُو بِنْيَامِينَ، وَاتَّخَذُوا نِسَاءً حَسَبَ عَدَدِهِمْ مِنَ ٱلرَّاقِصَاتِ ٱللَّوَاتِي ٱخْتَطَفُوهُنَّ، وَذَهَبُوا وَرَجَعُوا إِلَى مُلْكِهِمْ وَبَنَوْا ٱلْمُدُنَ وَسَكَنُوا بِهَا».
ص ٢٠: ٤٨
وَاتَّخَذُوا نِسَاءً حَسَبَ عَدَدِهِمْ أي إن المئتين من البنيامينيين الذين لا نساء لهم خطفوا مئتي امرأة من الراقصات.
٢٤ «فَسَارَ مِنْ هُنَاكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى سِبْطِهِ وَعَشِيرَتِهِ، وَخَرَجُوا مِنْ هُنَاكَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مُلْكِهِ».
فَسَارَ مِنْ هُنَاكَ أي من شيلوه.
فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ أي الوقت الذي فيه خطف البنيامينيون بنات شيلوه.
٢٥ «فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ. كُلُّ وَاحِدٍ عَمِلَ مَا حَسُنَ فِي عَيْنَيْهِ».
ص ١٧: ٦ و١٨: ١ و١٩: ١ تثنية ١٢: ٨ وص ١٧: ٦
فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ أي الأيام التي حدثت فيها الأمور في هذا الأصحاح.
لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ الخ (انظر ص ١٧: ٦ و١٨: ١ و١٩: ١ والتفاسير).
فوائد
- إنه يجب أن يكون القسَم شرعياً حتى يُعد الحنث به إثماً وإلا فالقسَم عينه إثم كقسم بني إسرائيل هنا (ع ١).
- إنه يجب على المؤمن أن لا يعطي ابنته زوجة لغير المؤمن وعلى المؤمن أن لا يتزوج امرأة غير مؤمنة (ع ١).
- إنه يجب أن نخبر الرب بكل مصائبنا وننتظر منه التعزية والإرشاد (ع ٢).
- إذا تألم عضو واحد يتألم الجسد كله وشعب الله جسد واحد (ع ٣).
- إن عاقبة كل من الإفراط والتفريط الندم (ع ٢ و٣).
- إن عدم العمل خطيئة وعدم الاتحاد مع شعب الله خيانة (ع ٨).
- إن قتل النساء والأطفال في زمن الحرب من شرّ الأعمال الوحشية وأفظع الآثام. وخطأ الشعب ليس بقاعدة لنا لنجري عليها (ع ١٠ و١١).
- إن السلم الحقيقي لا يكون إلا بعد إقامة الحق والتطهير من الشرور (ع ٢٤).
- إنه من فوائد السلم أن يكون كل إنسان في بلاده وفي بيته وفي عمله (ع ٢٤).
-
إن تمكن الإنسان من عمل ما يحسن بعينيه بلا زاجر ولا رادع مصدر الشرور الكثيرة (ع ٢٥).
السابق |