سفر القضاة | 13 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر القضاة
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ عَشَرَ
مشتملات هذا الأصحاح:
- ضلال إسرائيل وارتداده (ع ١).
- ظهور الملاك لإمرأة منوح وإنباؤه إياها بأنها تلد ابناً نذيراً ومنقذاً (ع ٢ – ٥).
- قصّ امرأة منوح قول الملاك على زوجها (ع ٦ و٧).
- ظهور الملاك لمنوح على أثر صلاته (ع ٨ – ١٠)
- المخاطبة بين منوح والملاك في شأن الابن الموعود به (ع ١١ – ١٤).
- عزم منوح على تقديم جدي للملاك لأنه لم يعرف في أول الأمر إنه ملاك (ع ١٥ – ١٨).
- صعود الملاك إلى السماء (ع ١٩ و٢٠).
- اضطراب منوح خوفاً وتسكين زوجته اضطرابه (ع ٢١ – ٢٣).
- ميلاد شمشون وأول أعماله (ع ٢٤ و٢٥).
البشارة بميلاد شمشون ع ١ إلى ٢٥
١ «ثُمَّ عَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعْمَلُونَ ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ، فَدَفَعَهُمُ ٱلرَّبُّ لِيَدِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ أَرْبَعِينَ سَنَةً».
ص ٢: ١١ و٣: ٧ و٤: ١ و٦: ١ و١٠: ٦ و١صموئيل ١٢: ٩
ثُمَّ عَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعْمَلُونَ ٱلشَّرَّ كعادتهم في التردد بين الضلالة والهدى (ص ٢: ١١ و١٩ و٣: ١٢ و٤: ١ و٦: ١ و٨: ٣٣ و١٠: ٦).
فَدَفَعَهُمُ ٱلرَّبُّ لِيَدِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ كان للفلسطينيين من هذا العهد إلى أيام داود شأن كبير وهم ليسوا من الكنعانيين بل من الغرباء الغالبين. ومعنى الفلسطينيين مهاجرون أو غرباء ومعنى أرضهم فلسطين مهجر أو متغرب أو أرض الغربة وكانت أرضهم للعويين فغزوهم وأخذوها منهم (تثنية ٢: ٢٣). وكانوا يُعرفون حينئذ بالكفتوريين نسبة إلى مسكنهم الأصلي كفتور وهي جزيرة كريت على ما رأى بعضهم أو جزيرة قبرس على ما رأى آخر وكبدوكية على ما قال آخر. ورجّحت الترجمة السبعينية أنهم كريتيون. وكانوا في فلسطين في عصر إبراهيم (تكوين ٢١: ٣٢).
أَرْبَعِينَ سَنَةً كانت نهايتها الواقعة المذكورة في (١صموئيل ٧: ١٣). وكان تابوت العهد قد أُخذ ورُدّ قبل عشرين سنة لهذه الواقعة. والمرجّح إن أعمال شمشون كانت في أثناء هذه السنين فيكون عالي قد مات نحو الزمان الذي بلغ فيه شمشون كمال الرجولية.
قال أحد المفسرين إنه من غزوة العمونيين الأولى إلى وفاة عبدون تسع وأربعون سنة لكن شمشون قضى لإسرائيل عشرين سنة (ص ١٥: ٢٠) فيكون ما أتاه شمشون من أعمال الأبطال في أثناء قضاء إيلون في شمالي فلسطين وربما كانت بدائتها في أيام يفتاح. فكان يتفق أن يتعاصر بعض القضاة والقواد وهذا أمر جدير بالذكر لكل من تصدّى لتفسير هذا السفر. وإذا رجعت إلى (ص ١٠: ٦ و٧) وجدت أن الفلسطينيين والعمونيين استعبدوا إسرائيل في وقت واحد فذكر المؤرخ استعباد العمونيين وإنقاذ يفتاح الشعب منهم أولاً ثم ذكر استعباد الفلسطينيين وما أتاه شمشون ثانياً (انظر المقدمة الفصل الرابع).
٢ «وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ صُرْعَةَ مِنْ عَشِيرَةِ ٱلدَّانِيِّينَ ٱسْمُهُ مَنُوحُ، وَٱمْرَأَتُهُ عَاقِرٌ لَمْ تَلِدْ».
يشوع ١٩: ٤١
وَكَانَ رَجُلٌ مقدمة نبإ شمشون هنا كمقدمة نبإ ميلاد صموئيل (١صموئيل ١: ١).
صُرْعَةَ مدينة كانت ليهوذا ثم صارت لدان وتُعرف اليوم بسورة وهي غربي أورشليم من يافا وعلى أمد ٢٣ ميلاً منها وعلى شمالي بيت شمس وعلى مسيرة ميلين منها وهي على قنة تل يُشرف على وادي سورق ويعلو البحر بنحو ١١٥٠ قدماً وعلى جنوبي يالو وعلى غاية سبعة أميال منها وغربي قرية بعاريم. ذُكرت في (٢أيام ١١: ١٠ ونحميا ١١: ٢٩). وتلّها على هيئة مخروط وفيها ينبوع غزير الماء فجعلها ذلك مدينة قوية.
مِنْ عَشِيرَةِ ٱلدَّانِيِّينَ أي من سبط دان والعشيرة القبيلة السبط في بني إسرائيل. وعبّر بالعشيرة عن سبط لاوي كما عبر بها عن سبط دان (زكريا ١٢: ١٣).
مَنُوحُ معنى هذا الاسم «راحة» ولعله سُمي به تفاؤلاً بالراحة أو شوقاً إليها في مشقات تلك الأيام.
وَٱمْرَأَتُهُ عَاقِرٌ كان من أمثالها سارة (تكوين ١٦: ١) ورفقة (تكوين ٢٤: ٢١) وحنة (١صموئيل ١: ٢) وأليصابات (لوقا ١: ٧). وفي التلمود أن اسم أم شمشون هصّلفوني وكأنهم ظنوها المذكورة في سفر الأيام (١أيام ٤: ٣) وإنها كانت من سبط يهوذا. ومعنى هصّلفوني «الظل يقع عليّ» وفي قاموس الكتاب «الظل مقبل عليّ».
لَمْ تَلِدْ تفسير لقوله «عاقر» أو تأكيد له لأنه بمعناه. وكثر مثل هذا في كلام القدماء ومنه قوله «وَكَانَتْ سَارَايُ عَاقِراً لَيْسَ لَهَا وَلَدٌ» (تكوين ١١: ٣٠) ولا تزال أمثاله في المكالمات إلى هذا اليوم كقول الأرملة «إني أرملة ثيب لا بعل لي». وكقولهم في الدعاء «تعيش ولا تموت» وهلم جراً.
٣ «فَتَرَاءَى مَلاَكُ ٱلرَّبِّ لِلْمَرْأَةِ وَقَالَ لَهَا: هَا أَنْتِ عَاقِرٌ لَمْ تَلِدِي، وَلٰكِنَّكِ تَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْناً».
ص ٦: ١٢ ولوقا ١: ١١ و١٣ و٢٨ و٣١
مَلاَكُ ٱلرَّبِّ قال الرباني لاوي بن جرشوم إن هذا الملاك رسول هو فنحاس. والحق أنه ملَك غير مخلوق وهو ملاك الرب (ملك يهوه) وهو الذي ظهر لموسى في العليقة وليشوع وجدعون وغيرهم ويُعرف بملاك العهد وهو أقنوم الكلمة الأزلي.
هَا أَنْتِ عَاقِرٌ لَمْ تَلِدِي جرى الملاك في كلامه مجرى الناس في التأكيد والله يخاطب البشر بلغتهم المتعارفة (انظر ع ٢ والتفسير).
وَلٰكِنَّكِ تَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْناً هذا يصعب تصديقه على العاقر ولكن قدرة الله خارقة العادة. والظاهر أن امرأة منوح لم تتردد ولم تعترض كما فعلت سارة.
٤ «وَٱلآنَ فَٱحْذَرِي وَلاَ تَشْرَبِي خَمْراً وَلاَ مُسْكِراً وَلاَ تَأْكُلِي شَيْئاً نَجِساً».
عدد ٦: ٢ و٣ وع ١٤ ولوقا ١: ١٥
فَٱحْذَرِي من إتيان ما أنهاك عنه.
وَلاَ تَشْرَبِي خَمْراً وَلاَ مُسْكِراً الخمر هنا المختمر من عصير العنب والمسكر أعمّ من الخمر فيطلق على ما اختمر من الأشربة القويّة المستقطرة من الحبوب كالجعة والمزر والعسل والتمر فهو من عطف العام على الخاص وهذا بخلاف المسطار المذكور في (ص ٩: ١٣). على إن المسطار قد يأتي بمعنى الخمرة الصارعة وهو مما حرم عليها هنا مسكراً أو غير مسكر (ع ١٤). فأوجب ملاك الرب على هذه المرأة بعض ما أوجب على النذير لأن المولود المبشر به كان نذيراً من الرحم.
وَلاَ تَأْكُلِي شَيْئاً نَجِساً مما جُعل نجساً للنذر علاوة على الأطعمة المنهي عنها كل إسرائيلي (انظر عدد ٦: ١ – ٢١) حيث قيل أيضاً «لا يأتي إلى جسد ميت». والظاهر أنه لم يُطلب ذلك من شمشون فإنه لو طُلب منه لما خلّص إسرائيل بقتله أعداءهم وقد أوضح ذلك في (ع ١٤).
٥ «فَهَا إِنَّكِ تَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْناً، وَلاَ يَعْلُ مُوسَى رَأْسَهُ، لأَنَّ ٱلصَّبِيَّ يَكُونُ نَذِيراً لِلّٰهِ مِنَ ٱلْبَطْنِ، وَهُوَ يَبْدَأُ يُخَلِّصُ إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ».
عدد ٦: ٥ و١صموئيل ١: ١١ عدد ٦: ٢ و١صموئيل ٧: ١٣ و٢صموئيل ٨: ١ و١أيام ١٨: ١
فَهَا إِنَّكِ تَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْناً كرّر هذا للتوكيد (ع ٣).
لاَ يَعْلُ مُوسَى رَأْسَهُ الموسى المُدية التي يُحلق بها فنهى عن أن يُحلَق رأس النذير. وقد بُينت شريعة النذير في الأصحاح السادس من سفر العدد.
لأَنَّ ٱلصَّبِيَّ يَكُونُ نَذِيراً لِلّٰهِ مِنَ ٱلْبَطْنِ هذا تعليل لنهيه لها عما نُهي عنه النذير.
يَبْدَأُ يُخَلِّصُ إن ضعف سجيّة شمشون الخاصة منعه من أن يتمم خلاص إسرائيل فإن شمشون أضعف قوة الفلسطينيين لكن خضوعه لشهوته التي جعلته تحت سلطان تلك المرأة المحتالة منعته من إخضاع الفلسطينيين وإذلالهم إلى الغاية فهو ابتدأ يخلّص ولم يكمّل فبقي الإكمال إلى أن قضى صموئيل.
كان ظهور الملاك علامة أن الرب لم يرفض شعبه إسرائيل رفضاً تاماً وإن كان أسلمهم وقتياً لأعدائهم. ولكن في كلام تنبيه أنهم لا يخلصون إلا بالتقديس المشار إليه في شريعة النذير وكان الرب قد اختار إسرائيل ليكون شعبه الخاص ومملكة كهنة لجميع شعوب الأرض.
٦ «فَدَخَلَتِ ٱلْمَرْأَةُ وَقَالَتْ لِرَجُلِهَا: جَاءَ إِلَيَّ رَجُلُ ٱللّٰهِ، وَمَنْظَرُهُ كَمَنْظَرِ مَلاَكِ ٱللّٰهِ، مُرْهِبٌ جِدّاً. وَلَمْ أَسْأَلْهُ مِنْ أَيْنَ هُوَ، وَلاَ هُوَ أَخْبَرَنِي عَنِ ٱسْمِهِ».
تثنية ٣٣: ١ و١صموئيل ٢: ٢٧ و٩: ٦ و١ملوك ١٧: ٢٤ متّى ٢٨: ٣ ولوقا ٩: ٢٩ وأعمال ٦: ١٥ ع ١٧ و١٨
وَقَالَتْ لِرَجُلِهَا لتبهجه وتُعلن له ابتهاجاً فإنها كانت قد صدّقت الأنباء.
جَاءَ إِلَيَّ رَجُلُ ٱللّٰهِ ذكرت أنه رجل الله وما يأتي من صفاته تأكيداً له وبرهاناً على أن إيمانها بالبشرى بُني على إسّ وطيد. ولكنها لم تقل أنه رجل إلا لأنه ظهر لها في صورة رجل وهذا كان شأن الملائكة في الظهور للناس. فهي حكمت لما ظهر لها من صورته وإن كانت رهيبة ومنظرها كمنظر الملاك أنه نبيّ وهذا مبلغ علمها. وكانت الملائكة وملاك العهد الأزلي الأبدي تظهر في صورة الناس ليأنس الناس بهم ولا يرهبوا شديد الرهبة أو يموتوا خوفاً. قال يوسيفوس في وصف هذا الملاك ليأتي كلامه على وفق ذوق القرّاء من الأمم «إنه كان شاباً جميلاً طويل القامة هاج غيرة منوح وأوقد فيه نار الحميّة والإباء».
مَنْظَرُهُ كَمَنْظَرِ مَلاَكِ ٱللّٰهِ أي جميل رهيب معاً. إن الجمال العظيم يجعل الرهبة في قلب مشاهده.
مُرْهِبٌ جِدّاً تفسير لقولها «منظره كمنظر ملاك، ملاك الله» (قابل هذا بما في متّى ٢٨: ٣ و٤). فإن قيل كيف عرفت منظر ملاك الله لتشبه منظر الرجل الذي ظنته نبياً به فهل نظرت الملاك قبلاً وهل نظره منوح كذلك ليظهر له وجه الشبه. قلت إن ذلك مبني على ما سمعته هي وزوجها من وصف الملائكة السماويين من الأنبياء كما هو شأننا اليوم فإنّا كثيراً ما نشبه ذا الجمال والهيبة بالملاك والقبيح الكريه بالشيطان ونحن لم ننظر ملاكاً ولا شيطاناً.
وأضافت الملاك إلى الله إشارة إلى عظمته وجماله (انظر مزمور ١٠٤: ١٦) «أَشْجَارُ ٱلرَّبِّ، أَرْزُ لُبْنَانَ» أي الأشجار العظيمة.
وَلَمْ أَسْأَلْهُ مِنْ أَيْنَ هُوَ من الهيبة والرهبة واشتغال أفكارها بالبشرى وتعجبها العظيم من أنها تلد ابناً وهي عاقر.
وَلاَ هُوَ أَخْبَرَنِي عَنِ ٱسْمِهِ لأنه لو أخبرها لماتت خوفاً لأنه الرب ولا أحد يرى الرب ويعيش (خروج ٣٣: ٢٠) وهذا كان معروفاً لكل إسرائيلي من عهد موسى حتى كانوا يخافون الموت من رؤية الملاك أو الله في صورة إنسان (ع ٢٢).
٧ «وَقَالَ لِي: هَا أَنْتِ تَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْناً. وَٱلآنَ فَلاَ تَشْرَبِي خَمْراً وَلاَ مُسْكِراً وَلاَ تَأْكُلِي شَيْئاً نَجِساً، لأَنَّ ٱلصَّبِيَّ يَكُونُ نَذِيراً لِلّٰهِ مِنَ ٱلْبَطْنِ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهِ».
لأَنَّ ٱلصَّبِيَّ يَكُونُ نَذِيراً لِلّٰهِ مِنَ ٱلْبَطْنِ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهِ لم تُذكر عبارة «إلى يوم موته» في كلام الملاك السابق (ع ٥) ولكن لا ريب في أنه قالها والمؤلف تركها أولاً اقتصاراً على بيان علة أمر الأم بالقيام بما على النذير. وذكرها هنا بياناً لبقاء المولود نذيراً كل حياته وهذا ما أغناه عن تكرارها.
كانت الأمهات الإسرائيليات في أزمنة الضيق والبلايا ينذرنَ أولادهنّ قبل الولادة للرب ليكونوا في وَزَرهِ وحفظه لأنهم له. وكان نذر شمشون كنذر يوحنا المعمدان (انظر لوقا ١: ١٥). فقول الملاك لها «إنه يكون نذيراً» كان بشرى ثانية لها فإنها كان على ذلك في حرزٍ إلهي من الحمل به إلى آخر حياته. ولكن شمشون لم يراعِ ذلك كما يجب لغلبة الشهوة إياه وإطاعته للمرأة الخائنة فالله لا يحفظ الناس على رغم إرادتهم. فالذين نُذروا للرب يجب أن يعيشوا للرب ليدركوا فوائد النذر.
٨ «فَصَلَّى مَنُوحُ إِلَى ٱلرَّبِّ: أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي أَنْ يَأْتِيَ أَيْضاً إِلَيْنَا رَجُلُ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي أَرْسَلْتَهُ وَيُعَلِّمَنَا مَاذَا نَعْمَلُ لِلصَّبِيِّ ٱلَّذِي يُولَدُ».
فَصَلَّى مَنُوحُ إِلَى ٱلرَّبِّ قوله «صلى منوح إلى الرب» كلام إجمالي فسره بما عطفه عليه كما يأتي. ولا ريب في أنه حمد الله وباركه على نعمته ورأى نفسه محتاجة إلى إرشاده إلى ما يجب عليه للصبي المبشر به.
أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي هذا تذلل وخشوع الله واعتراف بالعبودية له. فيجب على كل إنسان أن يقف أمام الله وقوف العبد أمام سيده. ولكن المسيحي امتاز بواسطة أخيه المسيح أن يقف أمام الله وقوف الابن أمام أبيه مع التواضع والخشوع.
وَيُعَلِّمَنَا مَاذَا نَعْمَلُ لِلصَّبِيِّ ٱلَّذِي يُولَدُ هذا دليل قاطع على أن منوح وثق بنبأ امرأته كل الثقة وآمن بوعد الله كل الإيمان وبأن امرأته لا بد أن تلد وإن المولود يكون صبياً.
٩ «فَسَمِعَ ٱللّٰهُ لِصَوْتِ مَنُوحَ، فَجَاءَ مَلاَكُ ٱللّٰهِ أَيْضاً إِلَى ٱلْمَرْأَةِ وَهِيَ جَالِسَةٌ فِي ٱلْحَقْلِ، وَمَنُوحُ رَجُلُهَا لَيْسَ مَعَهَا».
فَسَمِعَ ٱللّٰهُ لِصَوْتِ مَنُوحَ لأن صلاته كانت صلاة إخلاص وإيمان والله يسر بالذين يطلبون التعليم منه فيستجيب لهم ولا سيما الذين يطلبون إرشاده في تربية أولادهم.
فَجَاءَ مَلاَكُ ٱللّٰهِ أَيْضاً إِلَى ٱلْمَرْأَةِ وَهِيَ جَالِسَةٌ فِي ٱلْحَقْلِ الخ لعلها كانت قاعدة للراحة من العمل في الحقل. إن الملائكة تظهر للعاملين والعاملات القائمين والقائمات بما قسم الله لهم ولهنّ من الأعمال كما ظهروا للرعاة وهم يعتنون بحراسة غنمهم (لوقا ٢: ٨ – ٢٠).
١٠ «فَأَسْرَعَتِ ٱلْمَرْأَةُ وَرَكَضَتْ وَأَخْبَرَتْ رَجُلَهَا: هُوَذَا قَدْ تَرَاءَى لِيَ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي جَاءَ إِلَيَّ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ».
فَأَسْرَعَتِ ٱلْمَرْأَةُ الخ هذا دليل الإخلاص والتصديق للبشرى.
١١ «فَقَامَ مَنُوحُ وَسَارَ وَرَاءَ ٱمْرَأَتِهِ وَجَاءَ إِلَى ٱلرَّجُلِ، وَقَالَ لَهُ: أَأَنْتَ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ مَعَ ٱلْمَرْأَةِ؟ فَقَالَ: أَنَا هُوَ».
فَقَامَ مَنُوحُ وَسَارَ وَرَاءَ ٱمْرَأَتِهِ لثقته بقولها ومن المحتمل أن المرأة تسبق رجلها في الأمور الروحية فعليه أن يسير وراءها.
أَأَنْتَ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ مَعَ ٱلْمَرْأَةِ الاستفهام هنا للتقرير الذي يبني عليه الطلب الآتي لا لتحقق قول المرأة لأنه كان واثقاً بقولها.
فَقَالَ: أَنَا هُوَ فحقّ حينئذ لمنوح أن يسأله ما يأتي.
١٢ «فَقَالَ مَنُوحُ: عِنْدَ مَجِيءِ كَلاَمِكَ، مَاذَا يَكُونُ حُكْمُ ٱلصَّبِيِّ وَمُعَامَلَتُهُ؟».
عِنْدَ مَجِيءِ كَلاَمِكَ أي عند حدوث ما أنبأت به. وهذا القول يستلزم ثقة منوح بصدق كلام الذي ظهر له في صورة رجل إذ سأل عن العمل في زمان حدوث أمر مسلّم بأنه لا بد من أن يحدث.
مَاذَا يَكُونُ حُكْمُ ٱلصَّبِيِّ وَمُعَامَلَتُهُ أي ما السياسة التي يجب أن نسوس الصبي بها وما العناية التي نعتنيها به.
١٣ «فَقَالَ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ لِمَنُوحَ: مِنْ كُلِّ مَا قُلْتُ لِلْمَرْأَةِ فَلْتَحْتَفِظْ».
فَقَالَ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ ملاك العهد الأزلي الأبدي رئيس جند الرب.
مِنْ كُلِّ مَا قُلْتُ لِلْمَرْأَةِ فَلْتَحْتَفِظْ أي فلتحذر المرأة من مخالفة شيء مما أوصيتها به.
١٤ «مِنْ كُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ جَفْنَةِ ٱلْخَمْرِ لاَ تَأْكُلْ، وَخَمْراً وَمُسْكِراً لاَ تَشْرَبْ، وَكُلَّ نَجِسٍ لاَ تَأْكُلْ. لِتَحْذَرْ مِنْ كُلِّ مَا أَوْصَيْتُهَا».
ع ٤
مِنْ كُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ جَفْنَةِ ٱلْخَمْرِ هذا وما بعده إلى آخر الآية تفسير وبسط لقوله «من كل ما قلت للمرأة فلتحتفظ» وتكرار ما قيل في الآية السابعة للتأكيد وتحقيق الأمر كله لمنوح. فكان عليها أن تعتزل شرب الخمر والخلّ وأكل العنب والزبيب والدبس وسائر ما يُصنع من العنب وعصيره أو عصارته أو يكون منه (عدد ٦: ٣ – ٥).
١٥ «فَقَالَ مَنُوحُ لِمَلاَكِ ٱلرَّبِّ: دَعْنَا نُعَوِّقْكَ وَنَعْمَلْ لَكَ جَدْيَ مِعْزىً».
تكوين ١٨: ٥ وص ٦: ١٨
دَعْنَا نُعَوِّقْكَ أي اسمح لنا أن نعوّقك بإجابتك إيانا إلى ما نسألك لأن إعداده يستلزم تعويقك.
وَنَعْمَلْ لَكَ جَدْيَ مِعْزىً أي نذبح جدي معزى ونطبخه ونضعه أمامك وهذا يقتضي وقتاً ليس بقليل فيستلزم تعويقه. أراد منوح أن يزيد إكرام ضيفه بأن يصنع له طعاماً فاخراً لاعتقاده أنه إنسان.
والقصة هنا تشبه قصة ظهور الملاك لجدعون. قال بعضهم والأصل العبراني المترجم هنا «نعمل لك» يحتمل هذا المعنى ويحتمل «نذبح لك» أو «نقرب لك» فعلى الأول يكون المراد إعداد طعام القرى وعلى الثاني عملاً عبادياً وهو تقديم ذبيحة قرباناً.
١٦ «فَقَالَ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ لِمَنُوحَ: وَلَوْ عَوَّقْتَنِي لاَ آكُلُ مِنْ خُبْزِكَ، وَإِنْ عَمِلْتَ مُحْرَقَةً فَلِلرَّبِّ أَصْعِدْهَا. (لأَنَّ مَنُوحَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ)».
لاويين ٩: ٧ و١٥: ١٥ و١٦: ٩ وص ٦: ١٩
وَلَوْ عَوَّقْتَنِي لاَ آكُلُ مِنْ خُبْزِكَ أي لو سمحت لك أن تعوّقني لا آكل من طعامك فإن الخبز كثيراً ما يعبر به عن الطعام مطلقاً.
وَإِنْ عَمِلْتَ مُحْرَقَةً فَلِلرَّبِّ أَصْعِدْهَا لأنه إذا كان منوح يظنه رجلاً أو ملاكاً مخلوقاً منعه من تقديم الذبيحة له لأن ذلك عبادة والعبادة لا تجوز لغير الله. فكان عمله هنا مشبهاً لعمل الملاك مع يوحنا (رؤيا ٢٢: ٩) ولعمل برنابا وبولس في ليكأونية (أعمال ١٤: ١٤ – ١٨). قال يسوع للشاب (متّى ١٩: ١٧) «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحاً؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ ٱللّٰهُ» أي لا يجوز أن يدعو يسوع صالحاً إن لم يعتقد أنه الله. وهكذا قول الملاك هنا أي أنه لا يجوز لمنوح أن يقدم له محرقة إن لم يعرفه ويعتقد به إنه الرب.
لأَنَّ مَنُوحَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ فلم يعمل الطعام إلا عملاً عادياً كما يعمل لكل ضيف يراد إكرامه. ولم يعلم يقيناً أنه الرب ولكن من المحتمل أنه ظن من منظره ومن كلامه أنه ليس إنساناً ولا ملاكاً مخلوقاً بل الرب نفسه فيكون ما كان مزمعاً أن يقدمه له محرقة لا طعاماً عادياً.
١٧ «فَقَالَ مَنُوحُ لِمَلاَكِ ٱلرَّبِّ: مَا ٱسْمُكَ حَتَّى إِذَا جَاءَ كَلاَمُكَ نُكْرِمُكَ؟».
مَا ٱسْمُكَ يريد من أنت فإن الاسم قديماً كان يدل على معنى في المسمى سُمي به ليدل عليه أو يُذكر بحادثة تتعلق به كإسم موسى أي منشول لأنه نُشل من الماء وكإسم يسوع أي مخلص لأنه جاء ليخلص شعبه من خطاياهم وأمثال ذلك كثيرة وعلى هذا صار بتوالي الأوقات يعني حقيقة المسمى فكأن منوح قال له من أنت أو ما حقيقتك. ولا ريب في أن منوح كان متردداً في حقيقة من يخاطبه فلم يعلم حقيقة أنبيٌّ هو أم ملَك بصورة رجل.
حَتَّى إِذَا جَاءَ كَلاَمُكَ نُكْرِمُكَ أي حتى إذا تمّ الذي أبنته بكلامك أي ميلاد ابن لي نقوم بإكرامك جزاء لك على ذلك الأنباء كان يقدم له شيئاً من الهدايا النفيسة.
١٨ «فَقَالَ لَهُ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ: لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ ٱسْمِي وَهُوَ عَجِيبٌ؟».
تكوين ٣٢: ٢٩ وإشعياء ٩: ٦
لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ ٱسْمِي وَهُوَ عَجِيبٌ (انظر إشعياء ٩: ٦) إن اسمه كان «يهوه» أي الرب الأزلي الواجب الوجود الذي كان الإسرائيليون لا يجيزون أن يُلفظ به فكانوا إذا قرأوا الكتاب ومرّ بهم ذلك الاسم يلفظون بدلاً منه «أدوناي» أي السيد تنزيهاً له عن أن تتحرك به أفواههم فهو مما لا يسوغ للإنسان أن يتكلم به (٢كورنثوس ١٢: ٤) على ما اعتادوه من الاحترام لذلك الاسم الأعظم.
١٩ «فَأَخَذَ مَنُوحُ جَدْيَ ٱلْمِعْزَى وَٱلتَّقْدِمَةَ وَأَصْعَدَهُمَا عَلَى ٱلصَّخْرَةِ لِلرَّبِّ. فَعَمِلَ عَمَلاً عَجِيباً وَمَنُوحُ وَٱمْرَأَتُهُ يَنْظُرَانِ».
ص ٦: ١٩ و٢٠
وَأَصْعَدَهُمَا عَلَى ٱلصَّخْرَةِ لِلرَّبِّ كما أوصاه ملاك الرب (ع ١٦) فقدمهما منوح له وهو لا يدري لأنه لم يكن يعلم أنه هو يهوه أي الرب وقد أصاب ولو قدمهما له على علمٍ وهو يعتقد أنه رجل لأشرك بالله وعبد المخلوق حسب اعتقاده مع الخالق ولكنه أصعدهما للرب والذي كان يخاطبه هو الرب في صورة بشرية.
٢٠ «فَكَانَ عِنْدَ صُعُودِ ٱللَّهِيبِ عَنِ ٱلْمَذْبَحِ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ أَنَّ مَلاَكَ ٱلرَّبِّ صَعِدَ فِي لَهِيبِ ٱلْمَذْبَحِ وَمَنُوحُ وَٱمْرَأَتُهُ يَنْظُرَانِ. فَسَقَطَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا إِلَى ٱلأَرْضِ».
لاويين ٩: ٢٤ و١أيام ٢١: ١٦ وحزقيال ١: ٢٨ ومتّى ١٧: ٦
ٱلْمَذْبَحِ هو الصخرة كما ذُكر في (ع ١٩) فقُدّست حتى صارت تُسمى مذبحاً.
فَسَقَطَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا إِلَى ٱلأَرْضِ (لاويين ٩: ٢٤ وحزقيال ١: ٢٨). أتيا ذلك رهبة وخشوعاً لله لأنهما علما من صعود ملاك الرب في اللهيب أن الرسول سماوي أرسله الله إليهما ولعلهما علما أنه الرب لعهدهما سماعاً إن الله كان يظهر للآباء بصورة إنسانية وهذا هو الأرجح (انظر ع ٢٢).
٢١ «وَلَمْ يَعُدْ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ يَتَرَاءَى لِمَنُوحَ وَٱمْرَأَتِهِ. حِينَئِذٍ عَرَفَ مَنُوحُ أَنَّهُ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ».
ص ٦: ٢٢
حِينَئِذٍ أي في ذلك الحين.
عَرَفَ مَنُوحُ أَنَّهُ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ (ص ٦: ٢٢) إما عرف أنه الملاك الذي هو الرب وهو الأرجح (انظر ع ٢٢) أو عرف أنه الملاك الذي كان يرسله الرب في إجراء الأعمال أو الأنباء الخارقة للعادة (انظر ع ٢). فإن بعض الإسرائيليين ولا سيما الآباء كانوا يعرفون إن ذلك الملك هو الرب (تكوين ٤٨: ١٦).
٢٢ «فَقَالَ مَنُوحُ لامْرَأَتِهِ: نَمُوتُ مَوْتاً لأَنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا ٱللّٰهَ!».
تكوين ٣٢: ٣٠ وخروج ٣٣: ٢٠ وتثنية ٥: ٢٦ وص ٦: ٢٢
نَمُوتُ مَوْتاً لأَنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا ٱللّٰهَ (تكوين ٣٢: ٣٠). قال ذلك لاعتقاده إن من يرى الله يموت بناء على قوله تعالى لموسى (انظر خروج ٣٣: ٢٠) ولكنه تعالى لم يقل ذلك على رؤية الإنسان إياه بصورة بشرية وإلا لمات كل من رأى الابن المتجسد من أول رؤيته إياه.
٢٣ «فَقَالَتْ لَهُ ٱمْرَأَتُهُ: لَوْ أَرَادَ ٱلرَّبُّ أَنْ يُمِيتَنَا لَمَا أَخَذَ مِنْ يَدِنَا مُحْرَقَةً وَتَقْدِمَةً، وَلَمَا أَرَانَا كُلَّ هٰذِهِ، وَلَمَا كَانَ فِي مِثْلِ هٰذَا ٱلْوَقْتِ أَسْمَعَنَا مِثْلَ هٰذِهِ».
لَوْ أَرَادَ ٱلرَّبُّ أَنْ يُمِيتَنَا لَمَا أَخَذَ الخ إيمان امرأة منوح أراها ما لم ير خوف منوح إياه. وقد أقامت على نفي إرادة الله أن يميتها أحسن البراهين.
- الأول: إن الله قبل المحرقة والتقدمة وهذا علامة الرضا والإحياء.
- الثاني: إنه أراهما كل هذه أي الأمور العجيبة الدالة على قدرته وعنايته ومحبته لهما.
- الثالث: إنه وعدهما بابن وهو صادق أمين لا يخلف الميعاد وهذا لا يمكن إتمامه بإماتتهما بالبديهة.
ولنا من هذا فائدة من أحسن فوائد الإيمان وقاعدة من أفضل قواعد الدين وهو أن الإيمان يدفع الخوف أو ينفيه والإشارة في «هذه» الأخيرة إلى الأقوال التي قالها ملاك الرب.
٢٤ «فَوَلَدَتِ ٱلْمَرْأَةُ ٱبْناً وَدَعَتِ ٱسْمَهُ شَمْشُونَ. فَكَبِرَ ٱلصَّبِيُّ وَبَارَكَهُ ٱلرَّبُّ».
عبرانيين ١١: ٣٢ و١صموئيل ٣: ١٩ ولوقا ١: ٨٠ و٢: ٥٢
شَمْشُونَ قال يوسفيوس معناه «قويٌّ» وإن اشتقاقه من الشَّمم. وهو في العربية الارتفاع والسيادة والكبر. ورأى جيروم أن معناه «قوة الشمس» وإنه مركب من «شمش» أي شمس و«أون» أي قوة. وقال آخر والمرجّح أن معناه شمسيٌّ. وبذا فسّره صاحب قاموس الكتاب. وجاء في سفر عزرا «شمشاي» اسم الكاتب وهو وشمشون من أصل واحد على ما يرجّح (عزرا ٤: ٨). فالمراد بالشمشي القوي (انظر ص ٥: ٣١ ومزمو ١٩: ٤ و٥ و٦). وقال الربانيون إنه سُمي منسوباً إلى الله لأن الرب شمس ومجنّ لإسرائيل (مزمور ٨٤: ١١). وسمته أمه بذلك في حال ولادته (قابل تكوين ٢٩: ٣٢ – ٣٥ و٣٥: ١٨ بما في لوقا ١: ٦٠).
فَكَبِرَ ٱلصَّبِيُّ وَبَارَكَهُ ٱلرَّبُّ إن بركة الرب أنواع مختلفة والذي يظهر من إجمال النبإ أنها هنا الصحة والقوة والشجاعة وما شاكل ذلك. ولا ريب في أن هذه البركة تشبه من بعض الوجوه بركة صموئيل (١صموئيل ٢: ٢١ – ٢٦ و٣: ١٩) أو بركة يوحنا المعمدان (لوقا ١: ٨٠). والخلاصة أن الله حفظ شمشون ووهب له ما هو ضروري للقيام بما اختاره له إلى حين موته.
٢٥ «وَٱبْتَدَأَ رُوحُ ٱلرَّبِّ يُحَرِّكُهُ فِي مَحَلَّةِ دَانَ بَيْنَ صُرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ».
ص ٣: ١ و١صموئيل ١١: ٦ ومتّى ٤: ١ ص ١٨: ١٢ يشوع ١٥: ٣٣ وص ١٨: ١١
وَٱبْتَدَأَ رُوحُ ٱلرَّبِّ يُحَرِّكُهُ أي اتخذه آلة لإجراء قضائه. ويجب هنا أن يُعلم أن كل الأمور في هذا العالم تجري بيمين الرب فليس كل من حركه روح الرب نبياً أو معصوماً فربما حرّك روح الرب أحد ملوك الأمم ليعاقب شعبه أو غيره تأديباً على أعمالهم كما حرّك ملك الكلدانيين فأصعده على شعبه فأدبهم وحرّك كورش (كسرى) ملك فارس على بناء بيته في أورشليم (٢أيام ٣٦: ١٧ – ٢٣ وإرميا ٢٥: ٨ – ١٤). وجاء في ترجوم يوناثان «حركة روح شجاعة من الرب». وجمع عاموس بين الأنبياء والمنذورين (عاموس ٢: ١١). لكن لم يجعل للمنذورين مقام الأنبياء على أن النبي يأتي في الكتاب بمعنى المرشد والمعلم. إن الله إله حكيم مختار يري قضاءه بواسطة الأخيار والأشرار بمقتضى حكمته ومشيئته ولا يقضي إلا للخير فإن نشأ عن قضائه شر كما يرى الإنسان فعلة الشر من الإنسان نفسه والله صالح إلى الأبد.
مَحَلَّةِ دَانَ بَيْنَ صُرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ محلة دان اسم موضع لم يُعرف موقعه إلا أنه بين صرعة (انظر تفسير ع ٢) وأشتأول وهي على الحد بين دان ويهوذا. قال صاحب قاموس الكتاب ويُظن أنها كانت واقعة على الجنوب الشرقي من أشقلون. وقال غيره يُظن أنها يشوا على أكمة شرقي صرعة وعلى غاية ميلين منها.
فوائد
- إن لنبإ شمشون أربعة أصحاحات (ص ١٣ – ١٦) أي جزء كبير من كتاب الله ومن يقرأه بلا تأمل يظن أنه يشبه حكايات يلذ بها القارئ ولكن بلا فائدة روحية. ولكن من تأمل يرى أن تاريخ شمشون مثال تاريخ إسرائيل فلهم في نبإ شمشون هذه الفائدة العظيمة أنهم مقتدرون بقوة الرب ما داموا ثابتين فيه وضعفاء إذا تركوه.
- إن الزيجة حصن مقدس للرجال والنساء والله يبارك المتزوجين حسب الشريعة الإلهية ومن ذلك إظهار كل من الزوجين للآخر ما في نفسه من العلاقات الزوجية كما كان من امرأة منوح وزوجها (ع ٦).
- إن الوالدين محتاجون إلى إرشاد الله في تربية أولادهم التربية الحسنة فعليهم الصلاة لأجلهم ومعهم وتعليمهم تعاليم الكتاب المقدس (ع ٨).
- إن الله وحده يستحق عبادتنا وهو وحده يسمع الصلاة ويستجيبها وأما الملائكة فخدّامه على الأرض يخدمون ورثة الخلاص (ع ١٦).
- إن الإنسان يخاف أن يعاين الله على الأرض لخطاياه لكنه يجب أن يراه في السماء ويأنس به لأنه يكون قد تبرر وتقدّس بالمسيح (ع ٢٢).
-
إنا لا يمكن أن نقوم بالأعمال الصالحة ما لم يحركنا عليها روح الرب (ع ٢٥).
السابق |
التالي |