سفر القضاة | 11 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر القضاة
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي عَشَرَ
محتويات هذا الأصحاح:
- طرد يفتاح من بيته (ع ١ – ٣).
- انتخاب الجلعاديين يفتاح رئيساً لهم وقائداً في الحرب (ع ٤ – ١١).
- إرسال يفتاح الرسل إلى العمونيين (ع ١٢).
- رفض العمونيين سمعهم دعوى يفتاح (ع ١٣).
- إرسال يفتاح الرسل ثانية واحتجاجه التاريخي (ع ١٤ – ٢٧).
- رفض العمونيين السلم (ع ٢٨).
- نذر يفتاح (ع ٢٩ – ٣١).
- انتصاره على العمونيين (ع ٣٢ و٣٣).
- خروج ابنة يفتاح لملاقاة أبيها (ع ٣٤ و٣٥).
- وفاء يفتاح بنذره (ع ٣٥ – ٤٠).
اختيار يفتاح قائداً ع ١ إلى ١١
١ «وَكَانَ يَفْتَاحُ ٱلْجِلْعَادِيُّ جَبَّارَ بَأْسٍ، وَهُوَ ٱبْنُ ٱمْرَأَةٍ زَانِيَةٍ. وَجِلْعَادُ وَلَدَ يَفْتَاحَ».
عبرانيين ١١: ٣٢ ص ٦: ١٢ و٢ملوك ٥: ١
يَفْتَاحُ ٱلْجِلْعَادِيُّ معنى يفتاح الرب يفتح (انظر يشوع ١٩: ١٤) وفي قاموس الكتاب «يهوه (أي الرب) يحرر». والجلعادي منسوب إلى جلعاد وهي الأرض المسماة بجلعاد ومنسوب إلى أبيه أيضاً فإن اسمه جلعاد فكان يفتاح جلعادي من الجهتين.
جَبَّارَ بَأْسٍ الجبار هنا العظيم القوي والبأس الشجاعة والشدة في الحرب والمعنى أنه بطل شديد القوة وافر الشجاعة.
وَهُوَ ٱبْنُ ٱمْرَأَةٍ زَانِيَةٍ رأى بعضهم ومنهم علماء اليهود أن الزانية هنا بمعنى الوثنية من الأمم لأن الزنى كثيراً ما جاء في الكتاب بمعنى عبادة الأوثان وإنها كانت أمة لأبي يفتاح تسراها فولدت له يفتاح. ورأى آخرون وهم كثيرون إن يفتاح ابن غير شرعي لجلعاد. ونفر كثيرون من هذا المعنى لأن يفتاح صار رجلاً صالحاً وعليه روح الرب. وهذا ليس بحجة على كونه ابناً شرعياً وهو ليس بعلة وجوده من زانية فهو بريء من تلك الخطيئة. إن الذي أخطأ أبوه والابن لا يطالب بخطيئة الآب (حزقيال ١٨: ٢٠) وعدم دخول ابن الزنى في جماعة الرب أي في المجمع لا يمنع من قيادة الجيش والقضاء ولا من دخول السماء (تثنية ٢٣: ٢ و٣).
٢ «ثُمَّ وَلَدَتِ ٱمْرَأَةُ جِلْعَادَ لَهُ بَنِينَ. فَلَمَّا كَبِرَ بَنُو ٱلْمَرْأَةِ طَرَدُوا يَفْتَاحَ، وَقَالُوا لَهُ: لاَ تَرِثْ فِي بَيْتِ أَبِينَا لأَنَّكَ أَنْتَ ٱبْنُ ٱمْرَأَةٍ أُخْرَى».
ثُمَّ وَلَدَتِ ٱمْرَأَةُ جِلْعَادَ الإسرائيلية أو الشرعية.
طَرَدُوا يَفْتَاحَ لأنه ابن أمة أو جارية أو أجنبية فهو لا يرث مع أبناء الحرة أو لأنه ابن غير شرعي على التفسيرين (تثنية ٢٣: ٢ و٣). وإبراهيم أطلق ابن هاجر وأبناء قطورة ليسكنوا في غير مساكن إسحاق (تكوين ٢١: ١٠ و٢٥: ٦).
لأَنَّكَ أَنْتَ ٱبْنُ ٱمْرَأَةٍ أُخْرَى أي أمة أو أجنبية أو غير شرعية على التفسيرين أيضاً. ورأى أحد المفسرين أنها آرامية من كورة طوب (ع ٣).
٣ «فَهَرَبَ يَفْتَاحُ مِنْ وَجْهِ إِخْوَتِهِ وَأَقَامَ فِي أَرْضِ طُوبٍ. فَٱجْتَمَعَ إِلَى يَفْتَاحَ رِجَالٌ بَطَّالُونَ وَكَانُوا يَخْرُجُونَ مَعَهُ».
٢صموئيل ١٠: ٦ و٨ وص ٩: ٤ و١صموئيل ٢٢: ٢
أَرْضِ طُوبٍ كورة آرامية في عبر الأردن عاصمتها طوب (أو طيّب) ولعلها المعروفة اليوم بطيّبة أو الطيبة في بلاد حوران وهي في الشمال الشرقي من بيرية (٢صموئيل ١٠: ٦ و٨).
رِجَالٌ بَطَّالُونَ (انظر ص ٩: ٤ والتفسير).
كَانُوا يَخْرُجُونَ مَعَهُ لقطع الطريق والسلب والنهب والسرقة ولم يُعتبر ذلك من الأمور المحرّمة والمعيبة في تلك الأيام وتلك الأحوال (١صموئيل ٢٢: ١ و٢ و٢٣: ١ – ٥).
٤ «وَكَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ أَنَّ بَنِي عَمُّونَ حَارَبُوا إِسْرَائِيلَ».
وَكَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ من طرد أبناء جلعاد ليفتاح وهو زمان غير محدود.
أَنَّ بَنِي عَمُّونَ حَارَبُوا إِسْرَائِيلَ أي غزوا الإسرائيليين غزوة جديدة فوق غزواتهم الماضية (انظر ص ١٠: ٨ و٩ و١٧ و١٨).
٥ «وَلَمَّا حَارَبَ بَنُو عَمُّونَ إِسْرَائِيلَ ذَهَبَ شُيُوخُ جِلْعَادَ لِيَأْتُوا بِيَفْتَاحَ مِنْ أَرْضِ طُوبٍ».
وَلَمَّا حَارَبَ بَنُو عَمُّونَ إِسْرَائِيلَ في نهاية الثماني عشرة سنة التي هي سنو الاستعباد (ص ١٠: ٨).
ذَهَبَ شُيُوخُ جِلْعَادَ أي نواب الجلعاديين الإسرائيليين.
لِيَأْتُوا بِيَفْتَاحَ فإنه كان حينئذ قد اشتهر بالبأس والشجاعة والبطش وكان رئيس جماعة من القتلة. وكان إسرائيلياً جلعادياً ولا ريب في أن جماعته أتوا معه حين أتى ليقود الجيش الإسرائيلي الجلعادي.
٦ «وَقَالُوا لِيَفْتَاحَ: تَعَالَ وَكُنْ لَنَا قَائِداً فَنُحَارِبَ بَنِي عَمُّونَ».
وَكُنْ لَنَا قَائِداً الكلمة العبرانية المترجمة بالقائد «قصين» ومعناها على ما قال أحد المفسرين القائد في وقت الحرب فقط. ولهذا توقف يفتاح عن إجابة طلبهم واحتج عليهم حتى وعدوه أن يكون رئيسهم في السلم أيضاً فأجاب طلبهم.
٧ «فَقَالَ يَفْتَاحُ لِشُيُوخِ جِلْعَادَ: أَمَا أَبْغَضْتُمُونِي أَنْتُمْ وَطَرَدْتُمُونِي مِنْ بَيْتِ أَبِي؟ فَلِمَاذَا أَتَيْتُمْ إِلَيَّ ٱلآنَ إِذْ تَضَايَقْتُمْ؟».
تكوين ٢٦: ٢٧
فَقَالَ يَفْتَاحُ… أَمَا أَبْغَضْتُمُونِي أَنْتُمْ أي إنكم قد أبغضتموني فالاستفهام إنكاري وسبق له نظائر كثيرة.
وَطَرَدْتُمُونِي مِنْ بَيْتِ أَبِي لا شك أن إخوته طردوه بحكم الشيوخ فيكون الشيوخ الذين طردوه من بيت أبيه.
فَلِمَاذَا أَتَيْتُمْ إِلَيَّ ٱلآنَ إِذْ تَضَايَقْتُمْ فما إتيانكم إليّ إلا لافتقاركم إليّ لا لحبكم إياي كأخ إسرائيلي مستحق أن يقود جنودكم في الحرب ويغار للرب ولشعبه. ولم يردوا كلامه إذ كانوا مفتقرين إليه وهو علم ذلك وهم سلموا بدعواه كما يأتي.
٨ «فَقَالَ شُيُوخُ جِلْعَادَ لِيَفْتَاحَ: لِذٰلِكَ قَدْ رَجَعْنَا ٱلآنَ إِلَيْكَ لِتَذْهَبَ مَعَنَا وَتُحَارِبَ بَنِي عَمُّونَ، وَتَكُونَ لَنَا رَأْساً لِكُلِّ سُكَّانِ جِلْعَادَ».
ص ١٠: ١٨ و١٧: ٤ ص ١٠: ١٨
لِذٰلِكَ اي لمعرفتنا خطأنا بطردك ومعرفتنا استحقاقك أن تكون قائداً. وعناية الله كانت تحوّل الشر خيراً فإنهم بطردهم يفتاح جعلوا له على غير قصدهم فرصة لأن يزاول رئاسة البطالين ويختبر أحوال الحرب والبطش ويتأهل ليكون قائداً للجنود الإسرائيليين.
٩ «فَقَالَ يَفْتَاحُ لِشُيُوخِ جِلْعَادَ: إِذَا أَرْجَعْتُمُونِي لِمُحَارَبَةِ بَنِي عَمُّونَ وَدَفَعَهُمُ ٱلرَّبُّ أَمَامِي فَأَنَا أَكُونُ لَكُمْ رَأْساً».
فَأَنَا أَكُونُ لَكُمْ رَأْساً شارطهم على تأكيد قولهم إنه يكون رأساً لهم وإنه بذل سنين من حياته بين الأمم وارتكب المحرمات من السلب والسرقة وقطع الطريق. فكان يشك أن يسلموا برئاسته بعد أن يكون حارب معهم وعرّض نفسه للقتل في حومة القتال والموت.
١٠ «فَقَالَ شُيُوخُ جِلْعَادَ لِيَفْتَاحَ: ٱلرَّبُّ يَكُونُ سَامِعاً بَيْنَنَا إِنْ كُنَّا لاَ نَفْعَلُ هٰكَذَا حَسَبَ كَلاَمِكَ».
إرميا ٤٢: ٥
ٱلرَّبُّ يَكُونُ سَامِعاً بَيْنَنَا أي شاهداً علينا بما قلنا وهو قسَم لتأكيد الوعد.
١١ «فَذَهَبَ يَفْتَاحُ مَعَ شُيُوخِ جِلْعَادَ، وَجَعَلَهُ ٱلشَّعْبُ عَلَيْهِمْ رَأْساً وَقَائِداً. فَتَكَلَّمَ يَفْتَاحُ بِجَمِيعِ كَلاَمِهِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ فِي ٱلْمِصْفَاةِ».
ع ٨ ص ١٠: ١٧ و٢٠: ١ و١صموئيل ١٠: ١٧ و١١: ١٥
جَعَلَهُ ٱلشَّعْبُ إذ سلّم له الشيوخ بذلك وهم نوّاب الشعب.
رَأْساً وَقَائِداً أي حاكماً عليهم وقائداً لجنودهم.
فَتَكَلَّمَ يَفْتَاحُ بِجَمِيعِ كَلاَمِهِ أي بكل ما وعد به سابقاً وعاهد الرب أو أقسم به على أن يقوم بوفاء مواعيده ليثق الشعب به كما حلفوا له على أن يجعلوه رأساً ليثق بهم.
أَمَامَ ٱلرَّبِّ فِي ٱلْمِصْفَاةِ لا يلزم من هذا أن تابوت الرب كان في الحضرة أو أن ذلك كان بواسطة حبر يكلم الرب فالمعنى أنه أقام عليه شاهداً الله الذي هو مع شعبه في كل مكان وإنه عاهدهم عهداً دينياً مقدساً. وقد ذُكر الكلام على المصفاة آنفاً (انظر تفسير ص ١٠: ١٧) ولعل الإشارة هنا إلى جبل هوشع وهو شمالي السلط وعلى بُعد ساعة منها.
منابآت يفتاح ع ١٢ إلى ٢٨
١٢ «فَأَرْسَلَ يَفْتَاحُ رُسُلاً إِلَى مَلِكِ بَنِي عَمُّونَ يَقُولُ: مَا لِي وَلَكَ أَنَّكَ أَتَيْتَ إِلَيَّ لِلْمُحَارَبَةِ فِي أَرْضِي؟».
فَأَرْسَلَ يَفْتَاحُ رُسُلاً إِلَى مَلِكِ بَنِي عَمُّونَ جرى يفتاح هنا بمقتضى الحكمة إذ رام بت الأمر من غير حرب حتى إذا لم يخضع ملك بني عمون كان ليفتاح الحق في محاربته وكانت حربه عادلة. وكان بذلك نائباً عن الإسرائيليين لأنه كان رئيسهم وقائد جنودهم.
ما لِي وَلَكَ الخ الاستفهام هنا إنكاري أي لا شيء لي عليك يوجب الحرب بيننا. وهذا كقولنا اليوم أيُّ شيء بيني وبينك أوجب هذه القطيعة أو الخلاف.
أَرْضِي قال هذا لأنه رئيس أهل تلك الأرض وهي جلعاد. وأبان بذلك أن له الحق أن يمنعه من أخذها.
١٣ «فَقَالَ مَلِكُ بَنِي عَمُّونَ لِرُسُلِ يَفْتَاحَ: لأَنَّ إِسْرَائِيلَ قَدْ أَخَذَ أَرْضِي عِنْدَ صُعُودِهِ مِنْ مِصْرَ مِنْ أَرْنُونَ إِلَى ٱلْيَبُّوقِ وَإِلَى ٱلأُرْدُنِّ. فَٱلآنَ رُدَّهَا بِسَلاَمٍ».
عدد ٢١: ٢٤ و٢٥ و٢٦ تكوين ٣٢: ٢٢ وعدد ٢١: ٢٤ وتثنية ٢: ٣٧ ويشوع ١٢: ٢
لأَنَّ إِسْرَائِيلَ قَدْ أَخَذَ أَرْضِي هذه حجة ظاهرها صواب ولكنها غير موافقة للواقع لأن بني إسرائيل لم يعتدوا على العمونيين. فإن الإسرائيليين نُهوا عن أن يحاربوا الموآبيين والعمونيين (تثنية ٢: ٩ و١٩) ولكن سيحون ملك الأموريين أبى أن يأذن للإسرائيليين أن يمروا بسلام في أرضه وخرج لمحاربتهم فغلبوه واستولوا على أرضه وكان قسم كبير من أرضه في الأصل للموآبيين والعمونيين أخذها منها سيحون (عدد ٢١: ٢١ – ٣٠). فالإسرائيليون استولوا على أرض سيحون حينئذ لا على أرض العمونيين والموآبيين.
مِنْ أَرْنُونَ إِلَى ٱلْيَبُّوقِ وَإِلَى ٱلأُرْدُنِّ وكان سكان هذه الأرض حينئذ جاد في الشمال ورأوبين في الجنوب. «وأرنون» ومعناه العجّاج وفي قاموس الكتاب «المصوب» أعظم الأنهر في شرقي بحر لوط. وكان في أول الأمر تخماً بين الموآبيين والعمونيين ثم بين الموآبيين والأموريين وصار التخم الجنوبي لرأوبين وتخماً بينه وبين الموآبيين ويُعرف اليوم بنهر الموجب ووادي الموجب. وطوله نحو خمسين ميلاً يصب في البحر المذكور.
و«اليبوق» بالألف واللام هنا حسب العبرانية وجاء بدونهما في غير موضع (انظر عدد ٢١: ٢٤) ومعناه مفرّغ. وهو نهر منبعه قرب عمان يجري من ينبوعه شرقاً ثم شمالاً ثم غرباً إلى الأردن في نحو منتصف المسافة بين بحر لوط وبحر طبرية ويعرف اليوم بنهر الزرقاء ووادي الزرقاء.
و«الأردن» له عدة ينابيع وممدّات ومن ينابيعه ينبوع في حاصبيا وعدة ينابيع عند تلّ القاضي يمر في بحر طبرية ويجري منه إلى بحر لوط.
فَٱلآنَ رُدَّهَا بِسَلاَمٍ جرى ملك عمون مجرى يفتاح بالرغبة في السلم لكن يفتاح طلب السلم بالحق وملك عمون بغير الحق كما علمت.
١٤ «وَعَادَ أَيْضاً يَفْتَاحُ وَأَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى مَلِكِ بَنِي عَمُّونَ».
وَعَادَ… وَأَرْسَلَ الخ لم يُعلن يفتاح الحرب بناء على كلام ملك عمون بل أقام له البرهان على بُطل دعواه حتى لم يُبق له عذراً ولا حجة لأمرين الأول الرغبة في السلم والثاني بيان أن محاربته له إذا أبى الحق عادلة خالية من كل جور. وهذا يدلنا على أن الله وهب يفتاح حكمة ذات شأن.
وخلاصة حجة يفتاح كما يأتي:
- إنهم لم يأخذوا الأرض التي وقع الاختلاف عليها من العمونيين بل من الأموريين وكان الأموريين أخذوها من الموآبيين (عدد ٢١: ٢٦) والعمونيين (يشوع ١٣: ٢٥).
- إنه كان مضى مدة ٣٠٠ سنة من زمان استيلاء إسرائيل على الأرض فصار فيها حقوق وضع اليد.
- إن الرب الذي له الأرض وشعوبها أعطى مملكة سيحون ملكاً لإسرائيل. وإن كان العمونيون لا يعرفون الرب فهو إله إسرائيل كما كان كموش إله العمونيين.
- إن الموآبيين لم يدّعوا بأن الأرض لهم مع أن سحيون كان أخذها منهم أيضاً وليس من العمونيين وحدهم.
١٥ «وَقَالَ لَهُ: هٰكَذَا يَقُولُ يَفْتَاحُ: لَمْ يَأْخُذْ إِسْرَائِيلُ أَرْضَ مُوآبَ وَلاَ أَرْضَ بَنِي عَمُّونَ».
تثنية ٢: ٩ و١٩
لَمْ يَأْخُذْ إِسْرَائِيلُ أَرْضَ مُوآبَ وَلاَ أَرْضَ بَنِي عَمُّونَ بل أرض الأموريين (ع ١٩). والله لم ينه إسرائيل عن محاربتهم على إنهم اضطروا أن يحاربوا سيحون ملك الأموريين لأنه هو قدم على محاربة إسرائيل فدفعوا عن نفوسهم وغلبوه فلم يعتدوا على أحد.
١٦ «لأَنَّهُ عِنْدَ صُعُودِ إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ سَارَ فِي ٱلْقَفْرِ إِلَى بَحْرِ سُوفٍ وَأَتَى إِلَى قَادِشَ».
عدد ١٤: ٢٥ وتثنية ١: ٤٠ ويشوع ٥: ٦ عدد ١٣: ٢٦ و٢٠: ١ وتثنية ١: ٤٦
لأَنَّهُ عِنْدَ صُعُودِ إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ (انظر ع ٢٠ و٢١).
سَارَ فِي ٱلْقَفْرِ أي البرية في السنة الثانية من التِيه (تثنية ١: ١٩).
بَحْرِ سُوفٍ أي البحر الأحمر (انظر عدد ١٤: ٢٥ وتثنية ١: ٤٠ و٢: ١). البحر الأحمر خليج من بحر الهند طوله ١٤٥٠ ميلاً ومعظم عرضه ٢٢١ ميلاً ويضيق إلى جهة الشمال ثم ينقسم إلى خليجين خليج العقبة إلى الشرق وخليج السويس إلى الغرب. أما شبه جزيرة سيناء فهي بين الخليجين. ولما خرج الإسرائيليون من مصر عبروا خليج السويس ثم ساروا في برية سيناء إلى خليج العقبة وهو المشار إليه هنا بالقول ساروا في القفر إلى بحر سوف ثم ساروا شمالاً إلى قادش والبحر عن يمينهم.
قَادِشَ وتسمى قادش برنيع أيضاً (يشوع ١٠: ٤١ و١٥: ٣) وهي بين برية صين وفاران (انظر عدد ١٣: ٢٦ و٢٠: ١ و١٦). ورأى الأكثرون على أنها المعروفة اليوم بعين قادس وهي في أرض رحبة تحيط بها التلال حسنة التربة غزيرة الماء تبعد عن حبرون أي الخليل ٧٧ ميلاً وعن بئر سبع ٥١ ميلاً. والإسرائيليون نزلوا فيها مرتين أول مرة في السنة الثانية والشهر الخامس (عدد ١٠: ١١ و١٣: ٢٠) و ثاني مرة في أول السنة الأربعين (عدد ٢٠: ١) وهنا ماتت مريم وضرب موسى وهارون الصخرة فخرج منها ماء.
١٧ «وَأَرْسَلَ إِسْرَائِيلُ رُسُلاً إِلَى مَلِكِ أَدُومَ قَائِلاً: دَعْنِي أَعْبُرْ فِي أَرْضِكَ. فَلَمْ يَسْمَعْ مَلِكُ أَدُومَ. فَأَرْسَلَ أَيْضاً إِلَى مَلِكِ مُوآبَ فَلَمْ يَرْضَ. فَأَقَامَ إِسْرَائِيلُ فِي قَادِشَ».
عدد ٢٠: ١٤ عدد ٢٠: ١٨ و٢١ عدد ٢٠: ١
وَأَرْسَلَ إِسْرَائِيلُ رُسُلاً هذه العبارة وما بعدها مأخوذة من سفر العدد بشيء من الإيجاز (انظر عدد ٢٠: ١٤ و١٧) لكن في ذلك السفر أن موسى هو الذي أرسل الرسل إلى ملك آدوم ويفتاح قال إن إسرائيل أرسلهم لأن موسى كان نائب إسرائيل فكلامه كلامهم وقد سبق لهذا نظائر كثيرة في هذا التفسير وأما قول موسى فما أفاد أن المرسل الرسل إسرائيل وهاك قوله «هٰكَذَا يَقُولُ أَخُوكَ إِسْرَائِيلُ» (عدد ٢٠: ١٤). والقصة كانت محفوظة في أذهان الإسرائيليين وذاكرة يفتاح لأنها كانت قريبة العهد.
فَأَرْسَلَ أَيْضاً إِلَى مَلِكِ مُوآبَ هذه الحادثة لم تُكتب في التوراة ولكنه لم ينفِ أنها وقعت وبقيت القصة محفوظة بين الإسرائيليين فذكرها يفتاح هنا.
فَأَقَامَ إِسْرَائِيلُ فِي قَادِشَ مرّ الكلام على قادش في تفسير (ع ١٦) فارجع إليه. إن بني إسرائيل أقاموا بقادش أياماً كثيرة (تثنية ١: ٤٦).
١٨ «وَسَارَ فِي ٱلْقَفْرِ وَدَارَ بِأَرْضِ أَدُومَ وَأَرْضِ مُوآبَ وَأَتَى مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ إِلَى أَرْضِ مُوآبَ وَنَزَلَ فِي عَبْرِ أَرْنُونَ، وَلَمْ يَأْتُوا إِلَى تُخُمِ مُوآبَ لأَنَّ أَرْنُونَ تُخُمُ مُوآبَ».
عدد ٢١: ٤ وتثنية ٢: ١ إلى ٨ عدد ٢١: ١١ عدد ٢١: ١٣ و٢٢: ٣٦
وَدَارَ بِأَرْضِ أَدُومَ وَأَرْضِ مُوآبَ (انظر تفسير عدد ٢٠: ٢٢ و٢١: ٤ و١٣).
عَبْرِ أَرْنُونَ (انظر عدد ٢١: ١٣ والتفسير) وقد مرّ الكلام على أرنون في (تفسير ع ١٣).
لأَنَّ أَرْنُونَ تُخُمُ مُوآبَ (عدد ٢١: ١٣).
١٩ «ثُمَّ أَرْسَلَ إِسْرَائِيلُ رُسُلاً إِلَى سِيحُونَ مَلِكِ ٱلأَمُورِيِّينَ مَلِكِ حَشْبُونَ، وَقَالَ لَهُ إِسْرَائِيلُ: دَعْنِي أَعْبُرْ فِي أَرْضِكَ إِلَى مَكَانِي».
عدد ٢١: ٢١ وتثنية ٢: ٢٦ عدد ٢١: ٢٢ وتثنية ٢: ٢٧
إِلَى سِيحُونَ مَلِكِ ٱلأَمُورِيِّينَ (انظر عدد ٢١: ٢١ وتثنية ٢: ٢١ – ٣٢). معنى سيحون الانقراض ومعنى الأموريين الجبليون سُموا بذلك لأنهم كانوا يسكنون الجبال وهم قبيلة سورية من نسل كنعان (تكوين ١٠: ١٦) كانت من أشد أعداء الإسرائيليين. واشتهر الأموريون بالقوة والشجاعة وطول القامة (عاموس ٢: ٩). سكنوا أولاً في الأرض الكثيرة الهضاب جنوباً ثم انتقوا أخصب أرض في أرض كنعان وهي الأرض التي بين نهر أرنون ونهر يبوق والأردن.
مَلِكِ حَشْبُونَ حشبون مدينة هي عاصمة مملكة الأموريين وهذه المدينة كانت أولاً للموآبيين ثم استولى عليها سيحون وجعلها حاضرة ملكه. وكانت على الحد بين رأوبين وجاد ثم أصلحها وحسنها الرأوبينيون ووهبها الجاديون للاويين (يشوع ٢١: ٣٩). ولم تزل أطلال هذه المدينة على غاية خمسة عشر ميلاً في شرقي طرف بحر لوط الشمالي واسمها اليوم حسبان.
دَعْنِي أَعْبُرْ فِي أَرْضِكَ (انظر عدد ٢١: ٢٢).
مَكَانِي أي المكان الذي أقصده وهذا مرويٌّ بالمعنى.
٢٠ «وَلَمْ يَأْمَنْ سِيحُونُ لإِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْبُرَ فِي تُخُمِهِ، بَلْ جَمَعَ سِيحُونُ كُلَّ شَعْبِهِ وَنَزَلُوا فِي يَاهَصَ وَحَارَبُوا إِسْرَائِيلَ».
عدد ٢١: ٢٣ وتثنية ٢: ٣٢
وَلَمْ يَأْمَنْ سِيحُونُ لإِسْرَائِيلَ لم يثق سيحون بوعد بني إسرائيل إنهم يمرون بأرضه دون أن يخسروه شيئاً (عدد ٢١: ٢٣).
بَلْ جَمَعَ سِيحُونُ تكاد هذه العبارة وما بعدها إلى آخر الآية مثل ما في سفر العدد وهذا دليل على أن التوراة كانت في عصر يفتاح (انظر عدد ٢١: ٢٣).
وَنَزَلُوا فِي يَاهَصَ (انظر عدد ٢١: ٢٣ وإشعياء ١٥: ٤ وإرميا ٤٨: ٢١) وسُميت في إشعياء يهصة وموقعها مجهول. ولم يُعيّن مكان الحرب ولكن لا بد من أنه كان غير بعيد عن ياهص.
٢١ «فَدَفَعَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ سِيحُونَ وَكُلَّ شَعْبِهِ لِيَدِ إِسْرَائِيلَ فَضَرَبُوهُمْ، وَٱمْتَلَكَ إِسْرَائِيلُ كُلَّ أَرْضِ ٱلأَمُورِيِّينَ سُكَّانِ تِلْكَ ٱلأَرْضِ».
عدد ٢١: ٢٤ و٢٥ وتثنية ٢: ٣٣ و٣٤
فَدَفَعَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ هذا كلام أتقياء مؤمنين بالإله الحق. فنسب يفتاح النصر إلى الإله الحق على الآلهة الباطلة آلهة الأموريين وهو إرشاد مختصر وعظة وإنذار لملك عمون. وبرهان على أن الله منحهم الأرض فهي لهم لا له.
٢٢ «فَٱمْتَلَكُوا كُلَّ تُخُمِ ٱلأَمُورِيِّينَ مِنْ أَرْنُونَ إِلَى ٱلْيَبُّوقِ وَمِنَ ٱلْقَفْرِ إِلَى ٱلأُرْدُنِّ».
تثنية ٢: ٣٦
كُلَّ تُخُمِ ٱلأَمُورِيِّينَ فكانت كل تلك الأرض لبني إسرائيل بمقتضى كل شرائع الأمم منذ أبعد العصور. فهم أخذوا أرض الأموريين لا أرض العمونيين ولا أرض الموآبيين وثبتت لهم شرعاً بإجماع كل أمم الأرض على ما هو المعروف من قوانين الحرب.
مِنْ أَرْنُونَ إِلَى ٱلْيَبُّوقِ وَمِنَ ٱلْقَفْرِ إِلَى ٱلأُرْدُنِّ هذا ردٌ على قول ملك عمون بلفظه تقريباً (انظر ع ١٣) وفيه زيادة لفظة «القفر» أي البرية في شرقي تلك الأرض. وقد تقدم الكلام على أرنون واليبوق والأردن في (تفسير ع ١٣).
٢٣ «وَٱلآنَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ قَدْ طَرَدَ ٱلأَمُورِيِّينَ مِنْ أَمَامِ شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ. أَفَأَنْتَ تَمْتَلِكُهُ؟».
وَٱلآنَ واقعة «الآن» هنا موقع إذاً. ولعلها متعلقة بمحذوف تقديره أقول أي وأقول الآن أو حكاية الزمان الحاضر يومئذ.
ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ قَدْ طَرَدَ ٱلأَمُورِيِّينَ كرر نسبة النصر إلى إله إسرائيل للتقرير في ذهن ملك عمون ليعرف قدرة الإله الحق وإن الإسرائيليين لم يعتدوا على عمون ولا على موآب وإن الأرض ملك إسرائيل بقضاء الرب وشريعة الحرب.
أَفَأَنْتَ تَمْتَلِكُهُ الضمير المنصوب هنا يعود إلى التخم في (ع ٢٢) والاستفهام إنكاري والمعنى ليس لك أن تمتلكه وليس من الحق أن يحارب إسرائيل الأموريين ويسفكوا دماءهم ليأخذوا أرضهم ويعطوها ملك عمون. وفوق ذلك إن الرب أعطاهم الأرض وهي الحجة العظمى.
٢٤ «أَلَيْسَ مَا يُمَلِّكُكَ إِيَّاهُ كَمُوشُ إِلٰهُكَ تَمْتَلِكُ؟ وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ طَرَدَهُمُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا مِنْ أَمَامِنَا فَإِيَّاهُمْ نَمْتَلِكُ».
عدد ٢١: ٢٩ و١ملوك ١١: ٧ وإرميا ٤٨: ٧ تثنية ٩: ٤ و٥ و١٨: ١٢ ويشوع ٣: ١٠
أَلَيْسَ مَا يُمَلِّكُكَ إِيَّاهُ كَمُوشُ إِلٰهُكَ تَمْتَلِكُ الخ انظر إلى هذه المقابلة البليغة في هذه الآية والحجة الدامغة والتعريض بضلال العمونيين. ومعناه لا ريب في أنك تمتلك ما يملكك إياه إلهك كموش ونحن الرب ملّكنا أرض الأموريين لا أرضك فلنا الحق أن نملكها. والتعريض أن كموش يعجز عن أن يملّكه أرض الرب التي أعطاها شعبه لأن الرب إله حي وكموش إله ميت أو جماد والرب إله حق وكموش إله باطل والأرض كلها للرب وكموش لا يملك شيئاً. ولا ريب في أن ذلك إنذاراً لملك عمون وعظة بالغة.
وبقي هنا أن كموش إله موآب ومولك إله عمون. ولكن كان موآب وعمون حينئذ متحدين في العبادة والحكومة ومتحالفين على الأعداء (انظر ص ٣: ١٢ و١٣) وهما من دم واحد. على أن كموش ومولك اسمان لإله واحد من الآلهة الباطلة فالموآبيون سموه كموش والعمونيون سموه مولك ولكل منهما بعل فغور على ما حققه علماء التاريخ. وسُمي الموآبيون شعب كموش (إرميا ٤٨: ٤٦) وقد تحقق من صفاته أنه ليس سوى مولك إله العمونيين.
٢٥ «وَٱلآنَ فَهَلْ أَنْتَ خَيْرٌ مِنْ بَالاَقَ بْنِ صِفُّورَ مَلِكِ مُوآبَ، فَهَلْ خَاصَمَ إِسْرَائِيلَ أَوْ حَارَبَهُمْ مُحَارَبَةً؟».
عدد ٢٢: ٢ ويشوع ٢٤: ٩
وَٱلآنَ أي وأقول الآن.
فَهَلْ أَنْتَ خَيْرٌ مِنْ بَالاَقَ بْنِ صِفُّورَ بالاق أحد ملوك موآب وهو الذي أنعم على بلعام بهدايا كثيرة ليلعن إسرائيل فما كان من بلعام إلا أنه باركه (عدد ص ٢٢ – ص ٢٤). ومعنى العبارة أنت لست خيراً من الملك بالاق ومع ذلك لم يحارب إسرائيل فعليك أن تسلك مسلكه ولا تحارب شعب الرب ولا تطمع في أرضه التي أخذها من الأموريين لا منك ولا من قومك الموآبيين.
وهذه العبارة تظهر في بادئ الرأي إنها منافية لما جاء في سفر يشوع من أن بالاق بن صفّور ملك موآب حارب إسرائيل ودعا بلعام بن بعور ليلعن الإسرائيليين (يشوع ٢٤: ٩). وتُدفع هذه الشبهة بأن بالاق على ما في سفري يشوع حارب إسرائيل نيّة لأنه استعد لحربهم وطلب بلعام ليلعنهم فيقوى عليهم ولكن بلعام باركهم فرجع بالاق عن محاربتهم وهذا ما دلّت عليه القرائن. وتنزيل النية منزلة الفعل كثير في الكتاب المقدس وكل اللغات السامية. ورأى بعضهم أن الحرب المذكورة في يشوع هي الواقعة بين إسرائيل والمديانيين وإن بلعام كان قد انضم إليهم لأنه كان حليفهم وهي الواقعة التي قُتل فيها بلعام (عدد ٣١: ٨ ويشوع ١٣: ٢٢) وهذا مع تسليمه لا يخدش دليل يفتاح وليس له أدنى تأثير فيه إذ لم تكن محاربته يومئذ لرده ما أخذه الإسرائيليون من الأموريين. على أن نيّة بالاق محاربة إسرائيل في غير هذا الموضع لم تكن لاسترجاع الأرض بل لكراهته بني إسرائيل وحسده لهم.
٢٦ «حِينَ أَقَامَ إِسْرَائِيلُ فِي حَشْبُونَ وَقُرَاهَا وَعَرُوعِيرَ وَقُرَاهَا وَكُلِّ ٱلْمُدُنِ ٱلَّتِي عَلَى جَانِبِ أَرْنُونَ ثَلاَثَ مِئَةِ سَنَةٍ، فَلِمَاذَا لَمْ تَسْتَرِدَّهَا فِي تِلْكَ ٱلْمُدَّةِ؟».
عدد ٢١: ٢٥ تثنية ٢: ٣٦
وَقُرَاهَا وفي العبرانية بناتها على طريق المجاز تنزيلاً للقرى من المدينة بمنزلة البنات من الأم.
وَعَرُوعِيرَ مدينة في شمالي نهر أرنون لم تزل أطلالها على شاهق شرقي بحر لوط وعلى غاية اثني عشر ميلاً منها وتُعرف اليوم بعراعير.
ثَلاَثَ مِئَةِ سَنَةٍ من قسمة الأرض إلى تسلط كوشان رشعتايم (ص ٣: ٨) عشر سنين. ومن نهاية ذلك التسلط إلى تسلط العمونيين ٣٠٠ سنة وسنة. وإذا أضفنا ١٨ وهي مدة تسلط العمونيين يكون المجموع ٣٢٩ سنة وقال يفتاح ٣٠٠ سنة والمراد بقوله أكثر من ٣٠٠ سنة (انظر الفصل الرابع من المقدمة). والمعنى أن الأرض لو كانت لك أو لكان لك حق ردها إليك لما سكتّ عن ذلك إلى الآن.
٢٧ «فَأَنَا لَمْ أُخْطِئْ إِلَيْكَ. وَأَمَّا أَنْتَ فَإِنَّكَ تَفْعَلُ بِي شَرّاً بِمُحَارَبَتِي. لِيَقْضِ ٱلرَّبُّ ٱلْقَاضِي ٱلْيَوْمَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَنِي عَمُّونَ».
تكوين ١٦: ٥ و٣١: ٥٣ و١صموئيل ٢٤: ١٢ و١٥ تكوين ١٨: ٢٥
فَأَنَا لَمْ أُخْطِئْ إِلَيْكَ لم أسيء إليك شيئاً.
وَأَمَّا أَنْتَ فَإِنَّكَ تَفْعَلُ بِي شَرّاً بِمُحَارَبَتِي لأنها حرب تعدّ وأضرار.
لِيَقْضِ ٱلرَّبُّ أي أني أترك القضاء بيني وبينك للرب الإله الحق لا لكموش أو لمولك الإله الباطل.
٢٨ «فَلَمْ يَسْمَعْ مَلِكُ بَنِي عَمُّونَ لِكَلاَمِ يَفْتَاحَ ٱلَّذِي أَرْسَلَ إِلَيْهِ».
فَلَمْ يَسْمَعْ الخ أي فلم يقتنع ويكفّ عن الحرب بعد كل ذلك البيان. ولأجل تفصيله (انظر تفسير ع ١٤).
نذر يفتاح وانتصاره ع ٢٩ إلى ٣٣
٢٩ «فَكَانَ رُوحُ ٱلرَّبِّ عَلَى يَفْتَاحَ، فَعَبَرَ جِلْعَادَ وَمَنَسَّى وَعَبَرَ مِصْفَاةَ جِلْعَادَ، وَمِنْ مِصْفَاةِ جِلْعَادَ عَبَرَ إِلَى بَنِي عَمُّونَ».
ص ٣: ١٠
فَكَانَ رُوحُ ٱلرَّبِّ عَلَى يَفْتَاحَ كما كان على عثنيئيل وجدعون وشمشون (انظر ص ٣: ٩ و١٠ و٦: ٣٤ و١٣: ٢٤ و٢٥ و١٤: ١٩ و١٥: ١٤). لكن حلول روح الرب عليه غير حلوله على جدعون فليس المعنى هنا أن يفتاح صار نبياً بل إن الله منحه الشجاعة والقوة والتدبير إلى غير ذلك من الأمور العادية التي يتمكن بها القائد من الانتصار. ولا ريب في أن وهب له فوق ذلك الإيمان (عبرانيين ١١: ٣٢ و٣٣).
فَعَبَرَ جِلْعَادَ وَمَنَسَّى أي دخل البلادين وجازهما وهما القسم الشمالي من أرض إسرائيل. الأردن وغايته من ذلك أن يجمع الجنود ويهيج حمية الشعب ويوقد نار الحرب.
وَعَبَرَ مِصْفَاةَ جِلْعَادَ تقدم الكلام على المصفاة (انظر ص ١٠: ١٧).
وَمِنْ مِصْفَاةِ جِلْعَادَ عَبَرَ إِلَى بَنِي عَمُّونَ أكمل تكتيب الجنود في المصفاة زحف بهم إلى قتال العمونيين فكان الهاجم بالحسام بعد أن كان المدافع بالكلام. وكانت المصفاة معسكر الجيش الأول ومركز الحركات الحربية ومقام يفتاح (ع ٣٤).
٣٠، ٣١ «٣٠ وَنَذَرَ يَفْتَاحُ نَذْراً لِلرَّبِّ قَائِلاً: إِنْ دَفَعْتَ بَنِي عَمُّونَ لِيَدِي ٣١ فَٱلْخَارِجُ ٱلَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَبْوَابِ بَيْتِي لِلِقَائِي عِنْدَ رُجُوعِي بِٱلسَّلاَمَةِ مِنْ عِنْدِ بَنِي عَمُّونَ يَكُونُ لِلرَّبِّ، وَأُصْعِدُهُ مُحْرَقَةً».
تكوين ٢٨: ٢٠ و١صموئيل ١: ١١ لاويين ٢٧: ٢ و٣ الخ و١صموئيل ١: ١١ و٢٨ و٢: ١٨ لاويين ٢٧: ١١ و١٢ ومزمور ٦٦: ١٣
وَنَذَرَ يَفْتَاحُ نَذْراً لِلرَّبِ النذر ما كان إلا وعداً على شرط كقولك عليّ إن شفى الله مريضي إن أعطي الفقراء ليرة. قال يعقوب «إِنْ كَانَ ٱللّٰهُ مَعِي، وَحَفِظَنِي فِي هٰذَا ٱلطَّرِيقِ ٱلَّذِي أَنَا سَائِرٌ فِيهِ، وَأَعْطَانِي خُبْزاً لآكُلَ وَثِيَاباً لأَلْبِسَ، وَرَجَعْتُ بِسَلاَمٍ إِلَى بَيْتِ أَبِي، يَكُونُ ٱلرَّبُّ لِي إِلٰهاً الخ» (تكوين ٢٨: ٢٠ – ٢٢) وهكذا إسرائيل (عدد ٢١: ٢) وحنة (١صموئيل ١: ١١) وأبشالوم (٢صموئيل ١٥: ٨) والنوتية الوثنيون (يونان ١: ١٦). وأما النذور فلا توافق تعليم العهد الجديد كما يظهر مما يأتي:
- إن كل ما لنا لله ونحن له لأنه خلقنا وأعطانا كل شيء والمسيح فدانا واشترانا بدمه فعلينا أن نقدم نفوسنا له ونقف له كل مالنا وذلك بلا شرط.
- إن الله هو الآب السماوي يحبنا محبة أعظم جداً من محبة الوالدين لأولادهم فيعطينا كل ما نحتاج إليه بلا نذور منا.
- إن المسيح علمنا أن نطلب في الصلاة مهما احتجنا إليه وقال «مَهْمَا سَأَلْتُمْ بِٱسْمِي فَذٰلِكَ أَفْعَلُهُ» (يوحنا ١٤: ١٣) و الشرط الوحيد هو أن يكون مطلوبنا ما يتمجد الله به. فالنذر يدل على عدم وقف النفس للرب وعدم الثقة بالآب السماوي وعدم الإيمان بوعد المسيح.
وأما القدماء فلم يكن لهم هذه المعرفة فنذروا نذوراً. ومن شروط النذر أولاً أنه يكون بعد التأمل والمعرفة وحساب الكلفة. وثانياً إنه يكون في أمر جائز. ونرى أن يفتاح أخطأ من الجهتين لأنه لم يفتكر أن ابنته المحبوبة تلاقيه وإن تقديمها ذبيحة لا يجوز.
فَٱلْخَارِجُ ٱلَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَبْوَابِ بَيْتِي لِلِقَائِي هذا يدل دلالة واضحة أنه نذر عاقلاً للتقدمة لأن البهيمة لا تخرج للقائه. وكان الوثنيون يقدمون أبناءهم وبناتهم ذبائح ومحرقات لآلهتهم الباطلة وأما هو فلم يعلن إن الذبائح البشرية محظورة في شريعة الله (تثنية ١٢: ٣١).
٣٢ «ثُمَّ عَبَرَ يَفْتَاحُ إِلَى بَنِي عَمُّونَ لِمُحَارَبَتِهِمْ. فَدَفَعَهُمُ ٱلرَّبُّ لِيَدِهِ».
ثُمَّ عَبَرَ أي تقدّم.
فَدَفَعَهُمُ ٱلرَّبُّ لِيَدِهِ أي نصره عليهم.
٣٣ «فَضَرَبَهُمْ مِنْ عَرُوعِيرَ إِلَى مَجِيئِكَ إِلَى مِنِّيتَ (عِشْرِينَ مَدِينَةً) وَإِلَى آبَلَ ٱلْكُرُومِ ضَرْبَةً عَظِيمَةً جِدّاً. فَذَلَّ بَنُو عَمُّونَ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ».
حزقيال ٢٧: ١٧
فَضَرَبَهُمْ هو وجنده بالسيوف.
مِنْ عَرُوعِيرَ… إِلَى مِنِّيتَ عروعير هنا غير عروعير التي ذُكرت في (ع ٢٦) فتلك مدينة لرأوبين في شمالي نهر أرنون وتٌعرف الآن بعراعير (انظر تفسير ع ٢٦). وهذه مدينة لجاد أمام ربة المعروفة اليوم بعمان (انظر عدد ٣٢: ٣٤ ويشوع ١٣: ٥). ومِنّيت مكان في أرض بني عمون كان كثير الحقول الخصبة فكان يؤتى بالحنطة منه إلى صور (حزقيال ٢٧: ١٧) ويُعرف اليوم بمنية جنوبي حسبان المسماة في الكتاب حشبون وعلى غاية أربعة أميال منها على ما قال أوسابيوس وجيروم.
عِشْرِينَ مَدِينَةً أي أهل عشرين مدينة وهو بدل من الضمير المنصوب في ضربهم.
وَإِلَى آبَلَ ٱلْكُرُومِ معطوف على قوله «إلى منيت» ترجمها بعضهم بمرج الكروم بناء على أن آبل اسم جنس لا علم والصحيح أنها علم لم يزل موقعها مجهول.
مصاب ابنة يفتاح ع ٣٤ إلى ٤٠
٣٤ «ثُمَّ أَتَى يَفْتَاحُ إِلَى ٱلْمِصْفَاةِ إِلَى بَيْتِهِ، وَإِذَا بِٱبْنَتِهِ خَارِجَةً لِلِقَائِهِ بِدُفُوفٍ وَرَقْصٍ. وَهِيَ وَحِيدَةٌ. لَمْ يَكُنْ لَهُ ٱبْنٌ وَلاَ ٱبْنَةٌ غَيْرَهَا».
ص ١٠: ١٧ وع ١١ خروج ١٥: ٢٠ و١صموئيل ١٨: ٦ ومزمور ٦٨: ٢٥ وإرميا ٣١: ٤
إِلَى ٱلْمِصْفَاةِ إِلَى بَيْتِهِ هذا يدلنا على أن المصفاة كانت مركز حركات يفتاح الحربية والمعسكر الأول لجيشه رجال جلعاد. وكان راجعاً بالنصر وقد ابتهج بنصره كل الإسرائيليين هناك ولا سيما أهل بيته وخصوصاً ابنته الوحيدة العذراء التي لا ابن له ولا بنت غيرها.
وَإِذَا بِٱبْنَتِهِ خَارِجَةً لِلِقَائِهِ بِدُفُوفٍ وَرَقْصٍ خرجت للقائه هي وأترابها وصويحباتها يضربنَ بالدفوف ويرقصن ابتهاجاً بنصر أبيها يفتاح. وهذه كانت العادة بلقاء المنتصر ولا تزال إلى الآن في بعض الأماكن في سورية وغيرها من بلاد المشرق. فمريم خرجت وبيدها الدف ووراءها جميع النساء بدفوف ورقص فرحاً بالنجاة من المصريين وترنمن بأغنية التسبيح (خروج ١٥: ٢٠ و٢١). والنساء خرجت من جميع مدن إسرائيل بالغناء والرقص والدفوف والمثالث والفرح للقاء شاول وداود وهما راجعان من النصر على الفلسطينيين.
٣٥ «وَكَانَ لَمَّا رَآهَا أَنَّهُ مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَقَالَ: آهِ يَا ٱبْنَتِي! قَدْ أَحْزَنْتِنِي حُزْناً وَصِرْتِ بَيْنَ مُكَدِّرِيَّ، لأَنِّي قَدْ فَتَحْتُ فَمِي إِلَى ٱلرَّبِّ وَلاَ يُمْكِنُنِي ٱلرُّجُوعُ».
تكوين ٣٧: ٢٩ و٣٤ جامعة ٥: ٢ عدد ٣٠: ٢ ومزمور ١٥: ٤ وجامعة ٥: ٤ و٥
مَزَّقَ ثِيَابَهُ إعلاناً لشدة حزنه ولا يزال كثيرون من الناس في سورية يمزقون أطواقهم وجيوبهم وينتفون شعور رؤوسهم عند شدة الحزن وأكثر من يأتي ذلك النساء. وقيل إن اليهود لا يزالون يأتون ذلك قرب موضع الهيكل في أورشليم. وقد سبق يفتاح إلى مثل ذلك يشوع (انظر يشوع ٧: ٦). وسبق يشوع إلى مثله رأوبين (تكوين ٣٧: ٢٩). وبقي الإسرائيليون يأتون مثل ذلك في شدة الحزن أو الغيظ (٢ملوك ٢: ١٢) وأتوا مثل ذلك في عصر المسيح (متّى ٢٦: ٦٥).
آهِ يَا ٱبْنَتِي «آه» كلمة توجُّع اي كلمة تُعلن وجع المتكلم. وقوله «يا بنتي» بيان لشدة تألمه لأن مصابه بابنته الوحيدة التي لا و لد له سواها. وكان له أن ينجو من ذلك الألم بأن لا يفي بذلك النذر لسببين (١) إن الله منع الذبائح البشرية. (٢) إن لا حق له أن يقتل بريئة. ولكن يظهر من كلامه وجواب ابنته الآتي إنه هو وابنته كانا يتصوران إن الرب كآلهة الأمم يوجب الوفاء بالنذر على كل حال وإنه يسر بأن يُسفك له دم البنين والبنات. إن يفتاح وابنته ظنا بما أتياه أنهما يخلصان الطاعة للرب وما فطنا أن العصيان خيرٌ من تلك الطاعة لأنها معصية عُدّت طاعة وخلاف عُدَّ موافقة.
قَدْ أَحْزَنْتِنِي حُزْناً أي أوقعت الحزن في قلبي حقيقة. وكان الصواب أن يقول لقد أحزنت نفسي بما أتيته لأن الحق عليه لا عليها. وإنه هو الذي أحزنها لا هي التي أحزنته. هي خرجت للقائه مبتهجة فرجعت عنه حزينة.
لأَنِّي قَدْ فَتَحْتُ فَمِي إِلَى ٱلرَّبِّ أي أعلنت النذر بالكلام. وكان النذر عند العبرانيين قسمين أحدهما يُفدى فيه المنذور (لاويين ٢٧: ٢٧) والآخر لا يُفدى فيه المنذور وهو المحرّم فإنه يُقتل من الناس والبهائم. فيمكن أن يفتاح حسب نذره من القسم الثاني وهو خطاء فإن ذلك كان مقصوراً على الأعداء وغنائمهم في الحرب وعلى ما يُملك (عدد ٢١: ٢) ولم يكن في البنين والبنات.
وَلاَ يُمْكِنُنِي ٱلرُّجُوعُ لعله قال هذا بناء على قوله تعالى «إِذَا نَذَرَ رَجُلٌ نَذْراً لِلرَّبِّ، أَوْ أَقْسَمَ قَسَماً أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ بِلاَزِمٍ، فَلاَ يَنْقُضْ كَلاَمَهُ» (عدد ٣٠: ٢). ولكن هذا قيل في ما هو شرعي لا في ما هو منافٍ للشريعة كالتقدمات والمحرقات البشرية الوثنية.
٣٦ «فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبِي، هَلْ فَتَحْتَ فَاكَ إِلَى ٱلرَّبِّ؟ فَٱفْعَلْ بِي كَمَا خَرَجَ مِنْ فِيكَ، بِمَا أَنَّ ٱلرَّبَّ قَدِ ٱنْتَقَمَ لَكَ مِنْ أَعْدَائِكَ بَنِي عَمُّونَ».
عدد ٣٠: ٢ و٢صموئيل ١٨: ١٩ و٣١
يَا أَبِي… فَٱفْعَلْ بِي كَمَا خَرَجَ مِنْ فِيكَ، بِمَا أَنَّ ٱلرَّبَّ قَدِ ٱنْتَقَمَ لَكَ هذه الطاعة تكاد تزيد على طاعة إسحاق لإبراهيم (تكوين ٢٢: ١ – ١٠). ولا ريب في أنها أتت ذلك إكراماً للرب.
٣٧ «ثُمَّ قَالَتْ لأَبِيهَا: فَلْيُفْعَلْ لِي هٰذَا ٱلأَمْرُ: ٱتْرُكْنِي شَهْرَيْنِ فَأَذْهَبَ وَأَنْزِلَ عَلَى ٱلْجِبَالِ وَأَبْكِيَ عَذْرَاوِيَّتِي أَنَا وَصَاحِبَاتِي».
ٱتْرُكْنِي شَهْرَيْنِ ما كان هذا الترك ممنوعاً مع العزم على الوفاء بالنذر.
عَلَى ٱلْجِبَالِ منفردة أنا وصاحباتي عن الناس.
وَأَبْكِيَ عَذْرَاوِيَّتِي فسّر يوسيفوس هذا بقوله «أبكي صباي». وذهب أكثر المفسرين بأنها تبكي موتها بلا زيجة ولا ولد فإن عدم الولد كان عاراً على النساء ومصاباً على الإسرائيليات لأن كل واحدة منهنّ كانت تتوقع أن تلد المسيح الموعود به. وإذ كانت وحيدة كان موتها زوالاً لبيت أبيها وزوال بيت من إسرائيل كان يُعدّ عقاباً من الله (انظر ١صموئيل ١: ٢ ولوقا ١: ٢٥ وتكوين ٣: ١٥ و٤: ١ ومزمور ١٠٩: ١٣).
فَذَهَبَت هي وَصَاحِبَاتِها ليبكين معها مؤاساة لها.
٣٨ «فَقَالَ: ٱذْهَبِي. وَأَرْسَلَهَا إِلَى شَهْرَيْنِ. فَذَهَبَتْ هِيَ وَصَاحِبَاتُهَا وَبَكَتْ عَذْرَاوِيَّتَهَا عَلَى ٱلْجِبَالِ».
ٱذْهَبِي لا ريب في أن يفتاح هنا كان أحب إليه أن يراها في ذينك الشهرين ويكثر من مشاهدتها ويبين لها الحب والشفقة والأسف ولكنه نظر إلى ما يسرّها دون ما يسرّه.
٣٩، ٤٠ «٣٩ وَكَانَ عِنْدَ نِهَايَةِ ٱلشَّهْرَيْنِ أَنَّهَا رَجَعَتْ إِلَى أَبِيهَا، فَفَعَلَ بِهَا نَذْرَهُ ٱلَّذِي نَذَرَ. وَهِيَ لَمْ تَعْرِفْ رَجُلاً. فَصَارَتْ عَادَةً فِي إِسْرَائِيلَ ٤٠ أَنَّ بَنَاتِ إِسْرَائِيلَ يَذْهَبْنَ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ لِيَنُحْنَ عَلَى بِنْتِ يَفْتَاحَ ٱلْجِلْعَادِيِّ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فِي ٱلسَّنَةِ».
ع ٣١ و١صموئيل ١: ٢٢ و٢٤ و٢: ١٨
وَكَانَ عِنْدَ نِهَايَةِ ٱلشَّهْرَيْنِ أَنَّهَا رَجَعَتْ إطاعة لله ولأبيها وإلا ما رجعت وكان لها وسائل كثيرة للاختفاء.
فَفَعَلَ بِهَا نَذْرَهُ أي أصعدها محرقة للرب (ع ٣١). وقال البعض أن يفتاح نذر ابنته للعذراوية الدائمة وإن حزنها لم يكن على موتها بل على كونها منذورة للبتولية. فنجيب:
- إن نذر البتولية لم يكن من عادات العبرانيين ولم تُعد البتولية عندهم فضيلة مرضية عند الله.
- إن حزن يفتاح يدل على صحة التفسير العادي الواضح أي إنه قدمها محرقة.
- لو فرضنا أنها لم تقدَّم محرقة لما كفاها شهران في الجبال مع صاحباتها بل كانت ندبت سوء حظها كل حياتها (قاموس الكتاب في «يفتاح»).
وَهِيَ لَمْ تَعْرِفْ رَجُلاً كناية عن أنها ماتت بلا نسل فانقرض بيت أبيها لأنه لا ولد له غيرها.
فَصَارَتْ عَادَةً فِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ بَنَاتِ إِسْرَائِيلَ الخ الظاهر أن هذه العادة كانت موضعية أي اقتصرت عليها بنات المصفاة في جلعاد فجعلن ذلك ذكراً لبنت يفتاح كما يجعل أهل بلدة ذكراً لأحد أبطالهم أو مشاهيرهم إذ لا ذكر لذلك ولا إشارة إليه في غير مكان من أمكنة إسرائيل.
فوائد
- إن العمل الشريف يعطي عار النسب (ع ١).
- إن من له استعداد لعمل ما يُدعى إليه في حينه (ع ٦).
- إن المختلفين في وقت السلم يتحدون في وقت الخطر العمومي (ع ٨).
- إنه يجب أن نبذل كل جهدنا في حفظ السلام قبل الالتجاء إلى السيف والسنان (ع ١٢).
- إن كلام الله يجب أن يكون الحاكم في كل ما وقع الاختلاف فيه (ع ١٥ – ٢٢).
- إنه يحل روح الرب على من يختاره وبدونه لا يقدر الجبار أن يعمل شيئاً ومعه الضعيف يستطيع كل شيء (ع ٢٩).
- إن الله يعطينا روحه ليؤهلنا للخدمة (ع ٢٩).
- إنه يجب قبل الكلام النظر في العاقبة (ع ٣٠ و٣٤ و٣٥).
- إن كان الوعد بما لا يجوز فعله فمخالفته خير من الوفاء به (٣٥).
-
إن الذي يقدم إرادة الله على إرادته ومصلحة غيره على مصلحته يكرمه الله والناس (ع ٣٩ و٤٠).
السابق |
التالي |