سفر القضاة

سفر القضاة | 08 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر القضاة

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ

مشتملات هذا الأصحاح:

  1. جواب جدعون اللطيف لرجال أفرايم (ع ١ – ٣).
  2. عدم إيمان أهل سكّوت وفنوئيل (ع ٤ – ٩).
  3. الانتصار على زبح وصلمنّاع (ع ١٠ – ١٢).
  4. قصاص جدعون لأهل سكوت وأهل فنوئيل (ع ١٣ – ١٧).
  5. قتل جدعون لزبح وصلمنّاع (ع ١٨ – ٢١).
  6. عرض الإسرائيليين الملك على جدعون (ع ٢٢ و٢٣).
  7. طلب جدعون الأقراط من الغنائم (ع ٢٤ – ٢٦).
  8. صنع جدعون من الأقراط أفوداً كان عثرة للإسرائيليين وفخاً له ولبنيه (ع ٢٧).
  9. أيام جدعون الأخيرة وأولاده وموته (ع ٢٨ – ٣٢).
  10. ارتداد إسرائيل بعد موت جدعون (ع ٣٣ – ٣٥).

شكوى أفرايم وجواب جدعون ع ١ إلى ٣

١ «وَقَالَ لَهُ رِجَالُ أَفْرَايِمَ: مَا هٰذَا ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فَعَلْتَ بِنَا، إِذْ لَمْ تَدْعُنَا عِنْدَ ذَهَابِكَ لِمُحَارَبَةِ ٱلْمِدْيَانِيِّينَ؟ وَخَاصَمُوهُ بِشِدَّةٍ».

ص ١٢: ١ و٢صموئيل ١٩: ٤١

رِجَالُ أَفْرَايِمَ كان أفرايم أحد الأسباط الأثني عشر وكان سبطه في أجمل أرض الميعاد. وكانت حدود سهمه من الغرب البحر المتوسط ومن الشرق الأردن ومن الشمال قسم من سهم منسى ومن الجنوب أجزاء من سهمي دان وبنيامين. وكانت مدينة شيلوه داخل تخومه. وكانت عاصمة مملكة الأسباط العشرة التي عُرفت بمملكة إسرائيل داخل تلك التخوم حتى دُعيت تلك المملكة بأفرايم (إرميا ٣١: ٩ و١٨ و٢٠). والظاهر أن سبط أفرايم كان متسلطاً على سائر الأسباط قبل انقسام المملكة. ولعل علة تعظمهم وكبريائهم أمران الأول قوتهم وتقدمهم على سائر الأسباط فإنهم كانوا كثيري العدد أبطالاً أشداء. والثاني ما يذكرونه مما كان لأبيهم يوسف من المجد والنعمة على كل بني إسرائيل. ومن أن كان له نصيب اثنين إذ كان واحداً خرج منه سبطان. ومن أن يعقوب فضل أفرايم عل منسى في البركة مع أن أفرايم أصغر من منسى. وكانت هذه الكبرياء بلاء عليهم أخيراً (ص ١٢: ١ – ٦) لأنه «تَأْتِي ٱلْكِبْرِيَاءُ فَيَأْتِي ٱلْهَوَانُ» (أمثال ١١: ٢). والمرجّح أن شكواهم وتذمرهم على جدعون كان عند إتيانهم إليه برأسي غراب وذئب من عبر الأردن (ص ٧: ٢٥) وإظهارهم قوتهم وأمانتهم للشعب وغايتهم من ذلك أن تعترف سائر الأسباط بفضلهم.

وَخَاصَمُوهُ بِشِدَّةٍ لأنهم اعتقدوا أن الواجب كان يدعوهم إلى محاربة المديانيين قبل سائر الأسباط لشجاعتهم وقوتهم وفضلهم على الجميع ولعلهم وبخوه وتهددوه كما فعلوا مع يفتاح (ص ١٢: ١).

وأما تقدُّم أفرايم على غيره من الأسباط فظاهر مما في (يشوع ١٧: ١٧) وأما كثرة نفوس هذا السبط فلم تكن قديماً (عدد ١: ٣٣ و٢٦: ٣٧) لكن أرضهم الحصينة وقَتهُم زماناً طويلاً غزو الغزاة وقتهلم وسبيهم حتى صاروا كثيرين في زمن هذه الحادثة وغيره وسادوا. ولكن هذه السيادة نُزعت منهم وصارت إلى يهوذا بعد حين. وما زادهم عظمة وقوة كون أرضهم جبلية اضطرتهم إلى الجِد والنشاط في العمل.

٢ «فَقَالَ لَهُمْ: مَاذَا فَعَلْتُ ٱلآنَ نَظِيرَكُمْ؟ أَلَيْسَ خُصَاصَةُ أَفْرَايِمَ خَيْراً مِنْ قِطَافِ أَبِيعَزَرَ؟».

لاويين ١٩: ١٠ وتثنية ٢٤: ٢١

مَاذَا فَعَلْتُ ٱلآنَ نَظِيرَكُمْ أي لم أفعل شيئاً من الأفعال ذات الشأن مثلما فعلتم. كأنه قال الفخر الذي حصلتم عليه من حجزكم المخاوض والاستيلاء على المياه ومنعكم العدو من الهرب وإتيانكم برأسي غراب وذئب وتسهيل إهلاك المديانيين بما أتيتم لا فخر مثله وهو عمل عظيم لا يعد عملي شيئاً بالنسبة إليه.

أَلَيْسَ خُصَاصَةُ أَفْرَايِمَ خَيْراً مِنْ قِطَافِ أَبِيعَزَرَ «الخصاصة» ما يبقى في الكرم بعد قطافه وهي ما تسميه العامة بالعفارة. و«القطاف» وقت القطف والمراد به هنا ما يُقطف من العنب في القطاف. شبّه جدعون عمل أفرايم بالخصاصة وعمل جنوده بالقطاف وفضّل عمل أفرايم مع أنه بمنزلة الخصاصة على ما قطفه هو ورجاله أي كان إتيان الأفرايميين برأسي القائدين الأكبرين غراب وذئب وأخذ المخاوض أعظم من قتل الأبيعزريين للألوف من جنود ذينك القائدين (ع ٣) والعبارة مثلٌ في تفضيل القليل على الكثير. وفي الترجمة الكلدانية «أليس ضعف بيت أفرايم خيراً من قوة بيت أبيعزر» والمؤدى واحد. وما في ترجمتنا هو الذي على وفق الأصل العبراني. وما جاء جدعون في هذا شيئاً من التمليق إنما تكلم بالحق (إشعياء ١٠: ٢٦) والحكمة بألطف سبيل فأزال عتب رجال أفرايم وغيظهم. وشتّان بين جواب جدعون لرجال أفرايم وجواب يفتاح لهم (ص ١٢: ٢ – ٦).

وبقي أن جدعون دعا رجال أفرايم للجُلّى أي المحاربة العظمى لأن رجاله ما أتوا إلا النفخ في الأبواق وكسر الجرار وحمل المصابيح والهتاف وكان مَن قُتل من الأعداء قتلى سيوف الأعداء نفوسهم فعمل جدعون ورجاله ليس شيئاً بالنظر إلى عمل رجال أفرايم على أن الفضل كله للرب الذي جعل سيف كل واحد من الأعداء بصاحبه (ص ٧: ١٩ – ٢٢).

٣ «لِيَدِكُمْ دَفَعَ ٱللّٰهُ أَمِيرَيِ ٱلْمِدْيَانِيِّينَ غُرَاباً وَذِئْباً. وَمَاذَا قَدِرْتُ أَنْ أَعْمَلَ نَظِيرَكُمْ؟. حِينَئِذٍ ٱرْتَخَتْ رُوحُهُمْ عَنْهُ عِنْدَمَا تَكَلَّمَ بِهٰذَا ٱلْكَلاَمِ».

ص ٧: ٢٤ و٢٥ وفيلبي ٢: ٣ أمثال ١٥: ١

ٱرْتَخَتْ رُوحُهُمْ عَنْهُ عِنْدَمَا تَكَلَّمَ بِهٰذَا ٱلْكَلاَمِ روحهم في العبرانية «روحم» وهي هنا الريح المندفعة من الأنف أو الفم عند هياج الغضب بشدة وارتخاؤها كناية عن زوال الغيظ والمعنى أنه زال غضبهم بجوابه اللطيف و«اَلْجَوَابُ ٱللَّيِّنُ يَصْرِفُ ٱلْغَضَبَ» (أمثال ١٥: ١). وجاءت الروح بهذا المعنى في العربية ففي كليّات أبي البقاء الروح الريح المترددة في مخارق البدن ومنافذه ومن معانيها في المعجم «النفخ». ويجوز أن يكون معنى الروح هنا الريح الخارجة من الفم عند التكرُّه والتضجُّر بلفظة أُفٍّ أو إحدى أخواتها ويكون معنى العبارة انصرَف تكرههم وتضجرهم. وما التكّره والتضجر إلا من مواليد الغضب.

مطاردة الأعداء ع ٤ إلى ١٢

٤ «وَجَاءَ جِدْعُونُ إِلَى ٱلأُرْدُنِّ وَعَبَرَ هُوَ وَٱلثَّلاَثُ مِئَةِ ٱلرَّجُلِ ٱلَّذِينَ مَعَهُ مُعْيِينَ وَمُطَارِدِينَ».

وَجَاءَ جِدْعُونُ إِلَى ٱلأُرْدُنِّ هذا تابع للآية الثالثة والعشرين من الأصحاح السابع وما بينهما كلام معترض.

مُعْيِينَ وَمُطَارِدِينَ الواو هنا عاطفة حالاً على حال أي عبروا النهر وهم معيون من الجري ومطاردون الأعداء أي ظلوا يطاردون الأعداء مع إعيائهم. والإعياء هو التعب الشديد دون العجز. وجاء في الترجمة السبعينية «معيين وجائعين» كأن المترجم نظر إلى أن الإعياء مع المطاردة من لوازم الجوع واختاره لمناسبة ما في (ع ٥). وفي الفلغاتا «وللإعياء عجزوا أن يدركوا الهاربين» والذي في ترجمتنا هو الذي على وفق الأصل العبراني. ولا ريب في أن ذلك الإعياء من لوازم الجوع المؤدي إلى العجز عن المطاردة وإدراك الهاربين.

٥ «فَقَالَ لأَهْلِ سُكُّوتَ: أَعْطُوا أَرْغِفَةَ خُبْزٍ لِلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ مَعِي لأَنَّهُمْ مُعْيُونَ، وَأَنَا سَاعٍ وَرَاءَ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ مَلِكَيْ مِدْيَانَ».

تكوين ٣٣: ١٧ ومزمور ٦٠: ٦

فَقَالَ لأَهْلِ سُكُّوتَ أَعْطُوا أَرْغِفَةَ معنى سكوت مظال وهو موضع شرقي الأردن في أرض جاد سُمي بذلك من بناء يعقوب فيه مظال لمواشيه (تكوين ٣٣: ١٧) وسماه التلمود «درالا» وقد وجد الدكتور مرل الأميركي موضعاً يسمى تل درالا شمالي نهر الزرقاء وعلى غاية ميل منه فرجّح أنه هو سكوت. ووجد على ذلك التل كثيراً من عاديات الخزف. وجدعون لم يكلف أهل سكوت أمراً كبيراً فالمراد من قوله لهم «أعطوا أرغفة» لا اسألكم إلا قليلاً من الخبز لهؤلاء الرجال القليلين المطاردين لأعداء إسرائيل مع أنه كان عليهم أن ينصروا إخوتهم ويمدوهم بكل ما يستطيعونه.

لأَنَّهُمْ مُعْيُونَ من المطاردة والجوع فيحتاجون إلى الطعام ليشتدوا به.

وَأَنَا سَاعٍ مع هؤلاء الشرذمة القليلة.

وَرَاءَ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ معنى «زبح» ذبيحة والظاهر أنه سمى بذلك لكونه كان نذيراً لآلهة المديانيين. ومعنى «صلمنّاع» الذي لم يقدَّم له ملجأ.

مَلِكَيْ مِدْيَانَ كان المديانيون شعبين لكل منهما ملك وكانا متحالفين وذهب يوسيفوس إلى أنهما قائدان لا ملكان وأن غراباً وذئباً كانا الملكين. ولكن الذي في الأصل العبراني يفيد أنهما ملكا المديانيين. وأما غراب وذئب ففي العبرانية أن رجال أفرايم أمسكوا «شني سري مدين» مثنى سري أي سربّي مديان. ومعنى السري في العربية الشريف والسيد والرئيس وتُرجم في ترجمتنا بالأمير والمراد به أمير العسكر وهو من كبار القواد أو أكابرهم. وهذا اللقب لُقب به سيسرا ولم يكن ملكاً بل كان قائداً (انظر ص ٤: ٢). ولقب به رؤساء سكوت (ع ٦ و١٤). وجاء في التركية السر بمعنى القائد ومنه سر عسكر. والأسوار عند الفرس القائد.

٦ «فَقَالَ رُؤَسَاءُ سُكُّوتَ: هَلْ أَيْدِي زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ بِيَدِكَ ٱلآنَ حَتَّى نُعْطِيَ جُنْدَكَ خُبْزاً؟».

١ملوك ٢٠: ١١ و١صموئيل ٢٥: ١١

رُؤَسَاءُ سُكُّوتَ وفي العبرانية «سري سكوت» (راجع تفسير ع ٥).

هَلْ أَيْدِي زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ بِيَدِكَ لنأمن شرهما ونتوفر غلالنا. وكون أيديهما بيده كناية عن أسره إياهما وشد أيديهما بالكتاف وهو حبل تُشد به اليدان إلى الوراء. أي أنت لا تستطيع أن تمسكهما وتأخذ أيديهما بيديك وتكتفهما. فهم علموا أن جيش المديانيين عرمرم فرأوا من المحال أن يقدر عليهم جدعون بتلك الشرذمة المعيية وإن زبح وصلمنّاع ينتقمان منهم إن علما أنهم أمدوه بالطعام فأبانوا بذلك أنهم جبناء لا إيمان لهم وبلا شفقة ولا إنسانية وعارون من حبّ الإخوة والوطن.

٧ «فَقَالَ جِدْعُونُ: لِذٰلِكَ عِنْدَمَا يَدْفَعُ ٱلرَّبُّ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ بِيَدِي أَدْرُسُ لَحْمَكُمْ مَعَ أَشْوَاكِ ٱلْبَرِّيَّةِ بِٱلنَّوَارِجِ».

ع ١٦

لِذٰلِكَ أي لما قلتموه وفعلتموه من الهزء والبخل وعدم الثقة بنا.

عِنْدَمَا يَدْفَعُ ٱلرَّبُّ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ بِيَدِي أوجز الكلام لدلالة العادة في مثل قولهم وجوابه. ومراده إن الله لا بد من أن يدفع هذين الملكين إلى يدي ويبيّن صدق نبيه وعبده ويبين أنكم قاومتم الله بما فعلتم وحيئنذ يحسن عقابكم على كفركم. وهذا دليل على شجاعة جدعون وقوة إيمانه.

أَدْرُسُ لَحْمَكُمْ مَعَ أَشْوَاكِ ٱلْبَرِّيَّةِ بِٱلنَّوَارِجِ كان جدعون قاضياً لبني إسرائيل وهو بمنزلة ملك فكان له أن يعاقب المذنبين بمقتضى شريعة موسى على أن عقابه لهم شديد ولكنه لم يكن سوى إنسان عرضة للخطإ في الأعمال وكان زمانه زمان القسوة والخشونة والتنكيل الفظيع. ولا نعتب من إتيان جدعون هذا إذا تذكرنا بأن داود الذي بلغ من العلم والتمدن درجات فوق جدعون أتى مثل ذلك التنكيل الفظيع بل شراً منه (٢صموئيل ١٢: ٣١). إلا أن جدعون نكّل بالإسرائيليين وداود نكّل بالعمونيين. وزمان الجميع من إسرائيليين وأمم كانوا زمان الغلظة والقساوة. ولم يزل كثيرون من أهل البادية والبلاد غير الراقية في درجات التقدم يأتون أمثال ذلك ومعنى قوله أنه «يدرس لحمهم مع أشواك البرية» أنه يعرّيهم ويطرحهم ويغطيهم بالأشواك ويدوسهم بالنوارج. والنوارج جمع نورج (مورج) وهو ما تداس به الأكداس من سنابل الحنطة والشعير وغيرهما لإخراج الحبوب من سنابلها ويكون من خشب ومن حديد. إن الإساءة لا تترك لعقل المُساء إليه وقتاً للتأمل ما لم يكن حكيماً كامل التهذيب وكذلك يسبق فعله نظره في حقيقة ما يعمله وعاقبته. وأين لطف جدعون برجال أفرايم من قسوته على رجال سكّوت على أن الفرق عظيم بين الفريقين.

٨ «وَصَعِدَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى فَنُوئِيلَ وَكَلَّمَهُمْ هٰكَذَا. فَأَجَابَهُ أَهْلُ فَنُوئِيلَ كَمَا أَجَابَ أَهْلُ سُكُّوتَ».

تكوين ٣٢: ٣٠ و١ملوك ١٢: ٢٥

وَصَعِدَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى فَنُوئِيلَ وتُسمى أيضاً فنيئيل ومعنى فنوئيل وفنيئيل وجه الله سميت بذلك تذكاراً لرؤيا يعقوب (تكوين ٣٢: ٣٠). وكانت أرض جاد على نجد فرق نهر الأردن وادي الأردن على الشاطئ الجنوبي من نهر يبوق المعروف اليوم بنهر الزرقاء. قال مرل إن موضع فنوئيل هذه عند طبول الذهب على الزرقاء وعلى غاية أربعة أميال شرقي الأردن. وكانت مدينة حصينة على ما يظنّ.

وَكَلَّمَهُمْ هٰكَذَا أي قال لهم «اعطوا أرغفة خبز للقوم الذين معي» (ع ٥).

فَأَجَابَهُ أَهْلُ فَنُوئِيلَ كَمَا أَجَابَ أَهْلُ سُكُّوتَ أي قالوا له «هل أيدي زبح وصلمنّاع بيدك الخ» (ع ٦).

٩ «فَقَالَ أَيْضاً لأَهْلِ فَنُوئِيلَ: عِنْدَ رُجُوعِي بِسَلاَمٍ أَهْدِمُ هٰذَا ٱلْبُرْجَ».

١ملوك ٢٢: ٢٧ ع ١٧

عِنْدَ رُجُوعِي بِسَلاَمٍ لم يقل إن رجعت بسلام كأنه يشك في ذلك لأنه كان على يقين أنه يرجع صحيحاً سالماً منتصراً لقوة إيمانه وثقته بالله.

أَهْدِمُ هٰذَا ٱلْبُرْجَ الظاهر أنهم حين أجابوه بالرفض أشاروا له إلى برج لهم حصين وقالوا له وهم يشيرون إليه قولاً مهيناً دلالة على أنهم لا يخشونه وأنه يقصر باعاً عن تأديبهم إذا تحصنوا بذلك البرج فأنذرهم بهدمه. أو كان معلوماً عنده أن أهل فنوئيل يفتخرون بذلك البرج وإنهم يتحصنون به من العدو ويعتقدون أنه لا يمكن أن يؤخذ.

١٠ «وَكَانَ زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ فِي قَرْقَرَ وَجَيْشُهُمَا مَعَهُمَا نَحْوُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً، كُلُّ ٱلْبَاقِينَ مِنْ جَمِيعِ جَيْشِ بَنِي ٱلْمَشْرِقِ. وَٱلَّذِينَ سَقَطُوا مِئَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ رَجُلٍ مُخْتَرِطِي ٱلسَّيْفِ».

ص ٧: ١٢ ص ٢٠: ٢ و ١٥ و١٧ و٢٥ و٢ملوك ٣: ٢٦

قَرْقَرَ مدينة قرب تخم جاد الشرقي غير بعيدة عن منبع يبوق أي نهر الزرقاء ولم يُعيّن موقعها إلى الآن ولم تُذكر إلا هنا.

بَنِي ٱلْمَشْرِقِ المديانيين ومن معهم من سكان البادية من اليهودية وسورية.

خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً أي تسع جيشهم لأنه كان ١٣٥ ألفاً.

مُخْتَرِطِي ٱلسَّيْفِ أي سالّي السيف والمعنى أنهم ضُرّاب بالسيوف.

١١ «وَصَعِدَ جِدْعُونُ فِي طَرِيقِ سَاكِنِي ٱلْخِيَامِ شَرْقِيَّ نُوبَحَ وَيُجْبَهَةَ، وَضَرَبَ ٱلْجَيْشَ وَكَانَ ٱلْجَيْشُ مُطْمَئِنّاً».

عدد ٣٢: ٣٥ و٤٢ ص ١٨: ٢٧ و١تسالونيكي ٥: ٣

طَرِيقِ سَاكِنِي ٱلْخِيَامِ المرجّح أنه سار في طريق غير عادية وغير مظنون السّير فيها على محاذاة أماكن غرب الخيام. وجاء في الترجمة الكلدانية «وذهب جدعون في طريق منازل العرب الذين يسكنون الخيام في البرية».

نُوبَحَ مدينة في جلعاد لنصف سبط منسى موقعها غير معروف والظاهر من القرينة أنها كانت عند تخم جاد الشرقي وقرية من يجبهة. ونوبح هذه غير المذكورة في (ع ٣٢: ٤٢) التي كانت لمنسى وبعيدة عن طريق جدعون.

يُجْبَهَةَ مدينة في أرض جاد (عدد ٣٢: ٣٥). قال أحد المفسرين لم يُعرف موقعها اليوم. وقال آخر يمكن أنها جُبيبة وهي اليوم طلل شمالي عمان وعلى غاية أربعة أميال منها.

وَضَرَبَ ٱلْجَيْشَ وَكَانَ ٱلْجَيْشُ مُطْمَئِنّاً أي ضربه بالسيف. وكان جيش المديانيين مطمئناً لأن الطريق إليه كانت ممنوعة وكان مانعوهم أحلافهم من العرب وأهل البادية. وجدعون أتى في طريق لم يتوقع المديانيون أن الإسرائيليين يأتون فيها لأنها غير معتادة ولا مطروقة فحمل عليهم جدعون ومن معه بغتة فاضطربوا وتشوشت أمورهم كما حدث لهم في وادي يزرعيل وهذه خدعة ثانية. ومن أسباب اطمئنان الجيش على ما رآه بعضهم استبعادهم أن شرذمة قليلة من الإسرائليين يتبعونهم إلى ذلك المكان البعيد.

١٢ «فَهَرَبَ زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ، فَتَبِعَهُمَا وَأَمْسَكَ مَلِكَيْ مِدْيَانَ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ وَأَزْعَجَ كُلَّ ٱلْجَيْشِ».

مزمور ٨٣: ١١

فَهَرَبَ زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ ومن معهما. إن الله الذي أخافهم وضربهم وجعلهم يركنون إلى الفرار كما جعل سيف كل منهم بصاحبه وهم في وادي يزرعيل وإن أحسن جدعون التدبير. ويريك مقدار سرعة هربهم قول المرنم «كَنَارٍ تُحْرِقُ ٱلْوَعْرَ، كَلَهِيبٍ يُشْعِلُ ٱلْجِبَالَ. هٰكَذَا ٱطْرُدْهُمْ بِعَاصِفَتِكَ، وَبِزَوْبَعَتِكَ رَوِّعْهُمُ» (مزمور ٨٣: ١٤ و١٥).

أَزْعَجَ كُلَّ ٱلْجَيْشِ أي جعله في قلق ورعبة فهرب.

عقاب سكوت وفنوئيل ع ١٣ إلى ١٧

١٣ «وَرَجَعَ جِدْعُونُ بْنُ يُوآشَ مِنَ ٱلْحَرْبِ مِنْ عِنْدِ عَقَبَةِ حَارَسَ».

ص ١: ٣٥

وَرَجَعَ… مِنْ عِنْدِ عَقَبَةِ حَارَسَ وفي العبرانية «من عقبة الحارس». ويحتمل الأصل معنى «قبل طلوع الشمس» وكذا جاءت في الترجمة الكلدانية وفي كلام بعض رباني اليهود ولكن الشمس في العبرانية شمس كما في العربية إلا إذا أُريد بالحارس الشمس على سبيل المجاز. والعقبة ترجمة «معله» في العبرانية ومعناها المصعد أو المرتقى إلى الجبل. والحارس هنا اسم جبل (انظر ص ١: ٣٥) ولكنه ليس الجبل المذكور في ذلك المكان بل جبل آخر.

١٤ «وَأَمْسَكَ غُلاَماً مِنْ أَهْلِ سُكُّوتَ وَسَأَلَهُ، فَكَتَبَ لَهُ رُؤَسَاءَ سُكُّوتَ وَشُيُوخَهَا، سَبْعَةً وَسَبْعِينَ رَجُلاً».

أَمْسَكَ غُلاَماً لمجرد السؤال والاستفهام منه (انظر ص ١: ٢٤) ومعنى الغلام هنا الفتى.

فَكَتَبَ لَهُ رُؤَسَاءَ سُكُّوتَ أي كتب الفتى لجدعون أسماء رؤساء سكوت. وقد تقدم الكلام على سكوت في تفسير (ع ٥). والرؤساء هنا في العبرانية «سريم» حُذفت منه ميم الجمع للإضافة وهو جمع «سر» (راجع تفسير ع ٥).

وَشُيُوخَهَا عطف تفسير على «رؤساء» على قول بعضهم ولعل الرؤساء هنا غير الشيوخ كما سيأتي. والشيوخ هنا في العبرانية «ذقني» والذقن في العربية الشيخ الهم أي الفاني أو الذي أفناه الكبر فأريد بها الأكبر هنا في المنزلة.

سَبْعَةً وَسَبْعِينَ رَجُلاً والظاهر أن الرؤساء والشيوخ معاً كان عددهم سبعة وسبعين.

١٥ «وَدَخَلَ إِلَى أَهْلِ سُكُّوتَ وَقَالَ: هُوَذَا زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ ٱللَّذَانِ عَيَّرْتُمُونِي بِهِمَا قَائِلِينَ: هَلْ أَيْدِي زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ بِيَدِكَ ٱلآنَ حَتَّى نُعْطِي رِجَالَكَ ٱلْمُعْيِينَ خُبْزاً؟».

ع ٦

وَدَخَلَ إِلَى أَهْلِ سُكُّوتَ أي إلى مجمع الرؤساء والشيوخ من أهلها.

عَيَّرْتُمُونِي بِهِمَا أي عيرتموني بعجزي عن أسرهما واستخففتم بي فمنعتم الخبز عن رجالي وأعلنتم أنكم بلا إيمان بالله فقد ظهر وفاء الله بوعده وإثمكم العظيم فما بقي إلا أن أقوم بما أنذرتكم به (ع ٧).

١٦ «وَأَخَذَ شُيُوخَ ٱلْمَدِينَةِ وَأَشْوَاكَ ٱلْبَرِّيَّةِ وَٱلنَّوَارِجَ وَعَلَّمَ بِهَا أَهْلَ سُكُّوتَ».

ع ٧ عاموس ١: ٣

وَأَخَذَ شُيُوخَ ٱلْمَدِينَةِ أي أكابر أهلها.

وَأَشْوَاكَ ٱلْبَرِّيَّةِ وَٱلنَّوَارِجَ فجعل الشوك على لحوم الشيوخ وداسهم بالنوارج.

عَلَّمَ بِهَا أَهْلَ سُكُّوتَ أي علّم أهل سكوت بوضع الأشواك على لحوم شيوخهم ودوسهم بالنوارج وقتلهم شر قتلة عبرة ومثالاً لما يقع على القساة الخاذلين إخوتهم العارين من الإيمان بالله لكي لا يأتوا ما أتاه شيوخهم ما عاشوا. والخلاصة أنه أدّب الباقين من أهل تلك المدينة بما فعله بشيوخهم. ضرب الكبار فأدّب الصغار.

١٧ «وَهَدَمَ بُرْجَ فَنُوئِيلَ وَقَتَلَ رِجَالَ ٱلْمَدِينَةِ».

١ملوك ١٢: ٢٥

وَهَدَمَ بُرْجَ فَنُوئِيلَ (انظر ع ٩) وجدّد بناء هذه المدينة يربعام ولا ريب في أنه جدّد بناء البرج لأنه حصن ذو شأن (١ملوك ١٢: ٢٥).

وَقَتَلَ رِجَالَ ٱلْمَدِينَةِ أي مدينة فنوئيل وقد تقدم الكلام على هذه المدينة في تفسير (ع ٨).

قتل زبح وصلمناع ع ١٨ إلى ٢١

١٨ «وَقَالَ لِزَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ: كَيْفَ ٱلرِّجَالُ ٱلَّذِينَ قَتَلْتُمَاهُمْ فِي تَابُورَ؟ فَقَالاَ: مَثَلُهُمْ مَثَلُكَ. كُلُّ وَاحِدٍ كَصُورَةِ أَوْلاَدِ مَلِكٍ».

ص ٤: ٦ ومزمور ٨٩: ١٢

وَقَالَ لِزَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ إن جدعون أبقاهما حيين ليُري شيوخ سكوت الجبناء الخالين من الإيمان إياهما وإن «أيديهما بيده» (ع ٦). ولم يذكر الكتاب أين قتلهما أفي سكوت قتلهما كما رأى يوسيفوس أم في عفرة مدينته (ع ٢٧). ولعله قتلهم حيث كان يسكن هو وإخوته الذين قتلاهم كما سيأتي.

كَيْفَ ٱلرِّجَالُ ٱلَّذِينَ قَتَلْتُمَاهُمْ فِي تَابُورَ أي ما صنعة الرجال الخ. وتابور جبل في الجليل يعرف اليوم بالطور. وهذه الحادثة أي قتل زبح وصلمنّاع لإخوة جدعون لم تذكر قبلاً وجاء ذكرهما هنا لبيان أنهما كانا قد استحقا القتل قبل هذه الحرب فلم يقتلهما جدعون بلا محاكمة. وحكم بقتلهما لأنه كان قاضي إسرائيل ولم يحكم بسوى الحق. وسؤاله إياهما للتقرير لا لطلب الفهم لأنه كان قد عرف أنهما قتلا إخوته. وذُكر في الآية مكان قتلهم ولكنها لم تذكر زمانه والمرجّح أنه كان في أثناء سني استعباد المديانيين للإسرائيليين. ولعل زبح وصلمناع قتلا إخوة جدعون في السنة السابعة التي على أثرها دعاه الرب للانتقام من المديانيين وإنقاذ الإسرائيليين. وقتلهما إياهم في جبل تابور يدل على شدة ظلمهما حتى كان يصعدان إلى الجبال ومخابئ الإسرائيليين فيها وينهبان ويقتلان.

فَقَالاَ: مَثَلُهُمْ مَثَلُكَ أي يشبهونك في الصورة وهذا يدل شيئاً على أنهم إخوته لأنه يغلب أن يتشابه الإخوة في الصورة.

كُلُّ وَاحِدٍ كَصُورَةِ أَوْلاَدِ مَلِكٍ يغلب الجمال في أولاد الملوك ولهذا كان الناس يضربون المثل في جمالهم ولا يزالون يأتون ذلك إلى هذا اليوم. ولا يخلو هذا الكلام من شيء من الشجاعة أو من التملّق والمداهنة لجدعون ليخففا غضبه إن كانا قد علما أن الذين قتلاهم إخوته وإلا فهما وصفاهم كما شاهدا وأفادانا أن جدعون كان حسن الصورة. ولكن سؤاله العام وجوابهما الخاص يدل على أنهما علما أن جدعون سألهما عن إخوته. وكلاهما يدل على أنهما قتلا ولم يظهرا خوفاً فهما وصفا قتلاهما بالواقع.

١٩ «فَقَالَ: هُمْ إِخْوَتِي بَنُو أُمِّي. حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ لَوِ ٱسْتَحْيَيْتُمَاهُمْ لَمَا قَتَلْتُكُمَا!».

فَقَالَ: هُمْ إِخْوَتِي بَنُو أُمِّي كان الإسرائيليون يجيزون الاقتران بزوجتين أو أكثر وكان الحب بين الإخوة من أب واحد وأم واحدة أشد من الحب بينهم ومن أب واحد وأُميّن أو أمهات (انظر تكوين ٤٣: ٢٩ و٣٠) وكان يظهر الأخ هذا الحب الشديد بقوله لأخيه يا ابن أمي.

حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ كانت هذه العبارة قَسماً عند الإسرائيليين.

لَوِ ٱسْتَحْيَيْتُمَاهُمْ أي تركتماهم أحياء.

لَمَا قَتَلْتُكُمَا له أن يعفو عنهما لمجرد المحاربة ولكنهما قتلا إخوته وشهدا على نفسيهما.

٢٠ «وَقَالَ لِيَثَرَ بِكْرِهِ: قُمِ ٱقْتُلْهُمَا. فَلَمْ يَخْتَرِطِ ٱلْغُلاَمُ سَيْفَهُ، لأَنَّهُ خَافَ، بِمَا أَنَّهُ فَتىً بَعْدُ».

وَقَالَ لِيَثَرَ بِكْرِهِ: قُمِ ٱقْتُلْهُمَا الخ أمر جدعون لابنه بقتلهما كان ضرباً من الإهانة التي يعدّون الموت أهون منها. وكان من غاية جدعون بذلك شيء آخر فوق الإهانة وهو أن يشجع بكره على قتل أعداء إسرائيل ويعوّده الغلظة على الأعداء.

٢١ «فَقَالَ زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ: قُمْ أَنْتَ وَقَعْ عَلَيْنَا، لأَنَّهُ مِثْلُ ٱلرَّجُلِ بَطْشُهُ. فَقَامَ جِدْعُونُ وَقَتَلَ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ، وَأَخَذَ ٱلأَهِلَّةَ ٱلَّتِي فِي أَعْنَاقِ جِمَالِهِمَا».

مزمور ٨٣: ١١ إشعياء ٣: ١٨

قُمْ أَنْتَ وَقَعْ عَلَيْنَا كانوا يكنون بالوقوع عن الضرب بالسيف وغيره لانحناء الضارب على المضروب كأنه يقع عليه إذ كانت العادة أن يكون المضروب جاثياً أو مطروحاً على الأرض أو سافلاً عن الضارب في حال من الأحوال. وسألاه ذلك أنفة من أن يقتهلما صبي لا يجسر على القتل. وهذا يدل على أنهما لم يخشيا القتل وإنهما ماتا موت الأبطال لا موت الجبناء.

لأَنَّهُ مِثْلُ ٱلرَّجُلِ بَطْشُهُ أي إن بطش الرجل بالنسبة إلى ما هو عليه من السن والشجاعة ومزاولة القتال. والمراد أن الصبي صغير السن لم يمارس حرباً ويخاف من أن يقتل وأما أنت فرجل كامل الرجولية شجاع مجرّب وبطل مدرّب فالأجدر أن تقتلنا أنت لا هذا الصبي. قال أحد المفسرين سألاه ذلك أنفة من العار وتخلصاً من شدة الألم لأن ضرب الجبان ضعيف فيحتاج إلى أن يضربهما مراراً كثيرة فيطول عذابهما وتألمهما. والظاهر أن العبارة مثلٌ.

وَأَخَذَ ٱلأَهِلَّةَ ٱلَّتِي فِي أَعْنَاقِ جِمَالِهِمَا الأهلّة حُلى من الفضة أو الذهب على صورة الأهلّة وهي جمع هلال وهو القمر من أول ظهوره بعد المحاق إلى ليلتين أو ثلاث أو سبع منه وليلتين آخر الشهر أي حين يكون شكله كالقوس كانت هذه الآهلة تعلّق بالأعناق أعناق البهائم والناس (انظر إشعياء ٣: ١٨). وقد تعلّق على الرؤوس ولا يزال بعض أهل البادية يحلّون بها النساء والأولاد الصغار والجمال. ولعلها كانت في الأصل تمائم للحفظ من الأضرار لأنهم كانوا يعبدون القمر فصاغوها على شكله وهو هلال.

مشورة جدعون ووفاته ع ٢٢ إلى ٣٢

٢٢ «وَقَالَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ لِجِدْعُونَ: تَسَلَّطْ عَلَيْنَا أَنْتَ وَٱبْنُكَ وَٱبْنُ ٱبْنِكَ، لأَنَّكَ قَدْ خَلَّصْتَنَا مِنْ يَدِ مِدْيَانَ».

هذه الآية أوضح دليل على أن جدعون كان شريف النفس مع عدم الاعتداد بنفسه وإنه كان أميناً لله ومحباً لشعبه ومتيقناً أن كل الفضل في انتصاره على المديانيين لله وإنه لم يكن له عرض مما أتاه إلا الطاعة لأمر الله والنفع لإسرائيل ولم يخطر في باله السيادة والتسلط على الشعب.

وَقَالَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ أي وجوههم ورؤساءهم لا كل رجال إسرائيل والأرجح أن لفظة «إسرائيل» هنا لا تشير إلى جميع الأسباط بل إلى الذين كانوا في جهة الشمال فكانوا عرضة أكثر من غيرهم لتعديات المديانيين.

تَسَلَّطْ عَلَيْنَا أَنْتَ وَٱبْنُكَ وَٱبْنُ ٱبْنِكَ أي كن علينا ملكاً يظل المُلك في نسلك يرثه الابن عن أبيه. قالوا ذلك لما نالوه بواسطته من الخلاص والتحرر من عبودية المديانيين والانتصار عليهم وتوقعهم أن يدوم لهم العزّ بملكه وملك سلالته وطيب العيش وصفاء الزمان.

لأَنَّكَ قَدْ خَلَّصْتَنَا مِنْ يَدِ مِدْيَانَ أي لأنك قد أنقذتنا من عبودية المديانيين وظلمهم ونهبهم لنا وإذلالهم إيانا وقتلهم كثيرين منا وضيق من نجا من سيفهم وسكناهم في الكهوف وشقوق الصخور فبتسلطك علينا نعز ونستريح ونسعد. كان على الإسرائيليين أن يقولوا لأن الله قد خلّصنا من يد مديان بواسطتك ثم يمدحوا جدعون على اجتهاده وبذله الوسع في إنقاذهم.

٢٣ «فَقَالَ لَهُمْ جِدْعُونُ: لاَ أَتَسَلَّطُ أَنَا عَلَيْكُمْ وَلاَ يَتَسَلَّطُ ٱبْنِي عَلَيْكُمُ. اَلرَّبُّ يَتَسَلَّطُ عَلَيْكُمْ».

١صموئيل ٨: ٧ و١٠: ١٩ و١٢: ١٢

لاَ أَتَسَلَّطُ أَنَا عَلَيْكُمْ وَلاَ يَتَسَلَّطُ ٱبْنِي عَلَيْكُمُ نسي الإسرائيليون أن جدعون قبل القاضوية والقائدية لأن الرب دعاهما إليهما (ص ٦: ١١ – ٢٤) فهو رفض الملك وأن يكون ميراثاً لنسله لأن الرب لم يدعه إليه ولو دعاه إليه لقبله لمجرد الطاعة للرب لا حباً للملك كما قبل القاضوية لتلك الطاعة لا حباً للرياسة والإمارة.

اَلرَّبُّ يَتَسَلَّطُ عَلَيْكُمْ هذا توبيخ لهم على أنهم لم ينسبوا كل المجد لله ويعترفوا بإحسانه ولم يريدوا أن يبقوا الله ملكاً عليهم ونصحٌ لهم وإرشاد إلى ما فيه كل النفع والخير. وقوله «الرب يتسلط عليكم» خبر بمعنى الأمر أي اتخذوا الرب سلطاناً لا العبد. وهذا يشبه قول الرب لصموئيل في شأن إسرائيل حين طلبوا ملكاً «إِيَّايَ رَفَضُوا حَتَّى لاَ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ» (١صموئيل ٨: ٧). وقال أحد المفسرين إن قول جدعون كان ذكرى لمن قضى بعده لإسرائيل وبها ساء صموئيل طلب إسرائيل إليه أن يقيم لهم ملكاً (١صموئيل ٨: ٥ و٦).

٢٤ «ثُمَّ قَالَ لَهُمْ جِدْعُونُ: أَطْلُبُ مِنْكُمْ طِلْبَةً: أَنْ تُعْطُونِي كُلُّ وَاحِدٍ أَقْرَاطَ غَنِيمَتِهِ. لأَنَّهُ كَانَ لَهُمْ أَقْرَاطُ ذَهَبٍ لأَنَّهُمْ إِسْمَاعِيلِيُّونَ».

تكوين ٢٥: ١٣ و٣٧: ٢٥ و٢٨

أَنْ تُعْطُونِي كُلُّ وَاحِدٍ أَقْرَاطَ غَنِيمَتِهِ أي الأقراط مما غنمه من الأعداء وهي جمع قرط وهو الشنف الذي يُعلّق بشحمة الأذن وهذه الأقراط هي المعروفة عند العامة بالحلَق.

لأَنَّهُ كَانَ لَهُمْ أي للأعداء المديانيين بدلالة القرينة.

لأَنَّهُمْ إِسْمَاعِيلِيُّونَ أي مثل الإسماعيليين في أسلوب المعاش واللباس والزينة. وليس المديانيين من نسل إسماعيل بل من نسل مديان بن إبراهيم من قطورة والإسماعيليون من نسل إسماعيل بن إبراهيم من هاجر. ولكنهم كانوا أعظم قبائل بلاد العرب فأُطلق اسمهم على قبائل أخرى لكونها متحدة أو أقل منهم شهرة (انظر تكوين ٣٧: ٢٥ و٢٨).

٢٥ «فَقَالُوا: إِنَّنَا نُعْطِي. وَفَرَشُوا رِدَاءً وَطَرَحُوا عَلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ أَقْرَاطَ غَنِيمَتِهِ».

فَقَالُوا: إِنَّنَا نُعْطِي أي لا شك في أننا نعطي فالذين عرضوا عليه أن يملك ويتسلط عليهم لا يتوقفون عن تقديم شيء زهيد من الغنائم وهي الأقراط.

وَفَرَشُوا وفي السعبينية وفرش.

رِدَاءً أي ملحفة أو الثوب الذي يُلبس فوق سائر الثياب.

٢٦ «وَكَانَ وَزْنُ أَقْرَاطِ ٱلذَّهَبِ ٱلَّتِي طَلَبَ أَلْفاً وَسَبْعَ مِئَةِ شَاقِلٍ ذَهَباً، مَا عَدَا ٱلأَهِلَّةَ وَٱلْحَلَقَ وَأَثْوَابَ ٱلأُرْجُوَانِ ٱلَّتِي عَلَى مُلُوكِ مِدْيَانَ، وَمَا عَدَا ٱلْقَلاَئِدَ ٱلَّتِي فِي أَعْنَاقِ جِمَالِهِمْ».

ع ٢١

وَكَانَ وَزْنُ أَقْرَاطِ ٱلذَّهَبِ… أَلْفاً وَسَبْعَ مِئَةِ شَاقِلٍ ذَهَباً وذلك يزيد على ٢٦ أقة من الذهب. وقدّر ذلك بعض المفسرين بنحو ٣٤٠٠ ليرة إنكليزية. ودلّ ذلك على أن المديانيين كانوا كثيري الغنى.

مَا عَدَا ٱلأَهِلَّةَ وَٱلْحَلَقَ التي كانت حلياً للناس من أمثال الهلال والدائرة من المصوغات الذهبية. طلب جدعون الأقراط فزادوا على ذلك الأهلة والحلق وما يأتي بياناً لأنهم بذلوا ذلك مسرورين.

وَأَثْوَابَ ٱلأُرْجُوَانِ ٱلَّتِي عَلَى مُلُوكِ مِدْيَانَ هذا أول ما ذُكر في الكتاب المقدس أن الأرجوان كان لون أثواب الملوك. والأرجوان مما عرفه الناس منذ العصور الخالية وذُكر في سفر الخروج في عدة مواضع (خروج ٢٥: ٤ و٣٥: ٦ و٣٩: ٢٩). وكان يُستخرج صبغ الأرجوان من نوع من الصفد واشتهرت به صور وصيداء ولا يزال أكام من أصدافه التي أُخذ منها خارج باب صيداء الجنوبي. وأطلق العرب الأرجوان على الأحمر من الصفد وغيره.

ٱلْقَلاَئِدَ ٱلَّتِي فِي أَعْنَاقِ جِمَالِهِمْ كان أهل الشرق ولا يزالون يحلون أعناق الإبل والخيل بالقلائد المنظومة من قطع الفضة والذهب وكثيرون اليوم من الكبراء يحلون رؤوس الخيل وصدورها بمثل القلائد الفضية والذهبية.

٢٧ «فَصَنَعَ جِدْعُونُ مِنْهَا أَفُوداً وَجَعَلَهُ فِي مَدِينَتِهِ فِي عَفْرَةَ. وَزَنَى كُلُّ إِسْرَائِيلَ وَرَاءَهُ هُنَاكَ، فَكَانَ ذٰلِكَ لِجِدْعُونَ وَبَيْتِهِ فَخّاً».

ص ١٧: ٥ و١٨: ١٧ و٢٠ و١صموئيل ٢٣: ٦ وهوشع ٣: ٤ ص ٦: ٢٤ مزمور ١٠٦: ٣٩ تثنية ٧: ١٦

فَصَنَعَ جِدْعُونُ مِنْهَا أَفُوداً ترى هنا أن جدعون لم يأخذ الأقراط الذهبية وغيرها من المصوغات لنفسه حتى يُنسب إليه الطمع أو السُّفول إنما أخذها ليصنع منها أفوداً. وكان الأفود من ثياب الكهنة الدينية وتُرجم في سفر الخروج «بالرداء» وكان مصنوعاً من نقيّ الكتان لكن أفود الكاهن العظيم كان مطرزاً بألوان مختلفة. وكان أفود الكاهن قطعة منه للظهر وأخرى للصدر تتصلان في أعلى كل من الكتفين بحجر من الجزع على أحدهما ستة من أسماء أسباط إسرائيل وعلى الآخر الستة الأسماء الأخرى وعلى القطعة الصدرية الصُّدرة وهي مرصعة باثني عشر حجراً من الحجارة الكريمة عليها أسماء أسباط إسرائيل الاثني عشر. وكان حول ذيوله زنار من ذهب واسمانجوني وقرمز وبوص مبروم. وكان الأفود البسيط يلبسه غير الكهنة كصموئيل وداود (١صموئيل ٢: ١٨ و١أيام ١٥: ٢٧). وفُصّل الكلام على الأفود أو الرداء والصدرة في (خروج ٢٨: ٤ – ٣٥).

وَجَعَلَهُ فِي مَدِينَتِهِ فِي عَفْرَةَ (ص ٦: ١١ و٢٤) لعل غايته بذلك أن يسأل الرب بواسطته. والأفود الذي صنعه جدعون لم يكن الأفود البسيط الذي كان الكهنة يلبسونه (١صموئيل ١٢: ١٨) وتمنطق داود به (٢صموئيل ٦: ١٤) بل أفود مثل أفود رئيس الكهنة. وكانت غاية جدعون أن يجعل نفسه في مقام رئيس كهنة إسرائيل وذلك بناء على ظهور الرب له واختيار الرب له ليكون مخلصاً لإسرائيل من المديانيين. ولكن كان في ذلك خطاء لأن الرب لم يدعُه ليكون كاهناً بل كان الكاهن المعيّن من الرب من نسل هارون وكان مركز العبادة في شيلوه في سبط أفرايم. ونرى أن جدعون لم يسقط في التجربة الأولى أي أن يصير ملكاً ولكنه سقط في الثانية أي طلب أن يكون رئيس كهنة.

وَزَنَى كُلُّ إِسْرَائِيلَ وَرَاءَهُ هُنَاكَ أي وراء الأفود لا وراء جدعون (انظر ع ٣٣). والمراد «بالزنى» هنا ترك الله واتباع الأوثان. شبّه الراجع عن الله إلى الأوثان بالمرأة التي تخون زوجها أو تصير إلى آخر على غير السنّة الإلهية. فمعنى قوله «وزنى… وراءه» تركوا الله واتبعوا الأفود وعبدوه.

هُنَاكَ أي في عفرة مدينة جدعون.

فَكَانَ ذٰلِكَ لِجِدْعُونَ وَبَيْتِهِ فَخّاً الفخ آلة يُصاد بها استعاره هنا لما كان من عاقبة وضع الأفود في عفرة وهو عبادة إسرائيل إياه وعدولهم عن شيلوه مقدس الرب إلى عفرة. وكونه صار لجدعون وبيته فخاً أنه أدّى بهم إلى الرزايا والخراب فأدى بجدعون إلى الأسف على صنعه ذلك الأفود ووضعه إياه هناك وتألمه الشديد من أنه كان سبب ضلال الإسرائيليين وأدى ببيته إلى الدمار كما سيُذكر في الأصحاح الآتي وأُشير إليه في (ع ٣٥) من هذا الأصحاح. ولعل جدعون عرف هنا أن استحسان البشر لبعض البدع في الدين كثيراً ما يؤدي إلى الضلال وأن عبادة الله بواسطة المرئيات يؤدي إلى العبادة الوثنية. فالعبارة لم يُرد بها أن جدعون سقط في عبادة الأفود فإنه بقي أميناً للرب ومات بشيبة صالحة (ع ٣٢) وتفسير الفخ يؤدي إلى البلاء والخراب يؤيده ما في (خروج ١٠: ٧).

٢٨ «وَذَلَّ مِدْيَانُ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ يَعُودُوا يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ. وَٱسْتَرَاحَتِ ٱلأَرْضُ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي أَيَّامِ جِدْعُونَ».

ص ٥: ٣١

وَذَلَّ مِدْيَانُ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أي صاروا إلى الهوان والضعة بعد أن كانوا أعزّاء متكبرين (انظر ص ٣: ٣٠ والتفسير) وخضعوا لبني إسرائيل.

وهذه الآية خاتمة الجزء الكبير من ترجمة جدعون والآيات الباقية بيان لحوادث الجزء الثالث والأخير من حياته.

وَلَمْ يَعُودُوا يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ رفع الرأس كناية عن العزّ والفخر وخفضه كناية عن الذلّ والهوان. فالمديانيون بعد ذلك الانكسار العظيم ذُّلوا وهانوا ولم يستطيعوا أن يعودوا إلى عزهم وافتخارهم.

وَٱسْتَرَاحَتِ ٱلأَرْضُ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي أَيَّامِ جِدْعُونَ أي استراح أهل الأرض أربعين سنة وجدعون في قيد الحياة.

٢٩ «وَذَهَبَ يَرُبَّعْلُ بْنُ يُوآشَ وَأَقَامَ فِي بَيْتِهِ».

وَذَهَبَ يَرُبَّعْلُ أي جدعون (انظر ص ٦: ٢٨ – ٣٢).

وَأَقَامَ فِي بَيْتِهِ لم يُفهم من هذا أنه ترك القضاء والمرجّح أنه استمر يقضي لهم.

٣٠ «وَكَانَ لِجِدْعُونَ سَبْعُونَ وَلَداً خَارِجُونَ مِنْ صُلْبِهِ، لأَنَّهُ كَانَتْ لَهُ نِسَاءٌ كَثِيرَاتٌ».

ص ٩: ٢ و٥

وَكَانَ لِجِدْعُونَ سَبْعُونَ وَلَداً خَارِجُونَ مِنْ صُلْبِهِ أي كان له سبعون ولداً حقيقياً دفعاً لتوهم أن بعضهم مُتبنّى أو من أولاد أقاربه اعتنى بهم كما يعتني بأولاده. والصُّلب السلسلة الفقرية أي العظم الممتد في الظهر المؤلف من فقرات.

لأَنَّهُ كَانَتْ لَهُ نِسَاءٌ كَثِيرَاتٌ قال هذا بياناً لعلة كثرة أولاده. وكان عدد النساء الذي يجوز للإسرائيلي أن يقترن بها شرعاً غير معيّن وكان الحكام والمتسلطون منهم كثيري النساء كجدعون هنا ويائير (ص ١٠: ٣ و٤) وداود وسليمان وغيرهم. على أن إكثار النساء لم يكن ممدوحاً بل نهى الملوك عنه (تثنية ١٧: ١٧).

٣١ «وَسُرِّيَّتُهُ ٱلَّتِي فِي شَكِيمَ وَلَدَتْ لَهُ هِيَ أَيْضاً ٱبْناً فَسَمَّاهُ أَبِيمَالِكَ».

ص ٩: ١

وَسُرِّيَّتُهُ الخ هي ثاني الزوجة الحرة في المقام لأن أولادها لا يرثون مع أولاد الحرّة فكان مقامها كمقام هاجر بالنسبة إلى سارة. أصلها أَمة وكانوا يتزوجونها سراً عن الزوجة الحرّة فُسميت سرّية نسبة إلى السرّ. وشكيم هي المدينة المعروفة اليوم بنابلس.

٣٢ «وَمَاتَ جِدْعُونُ بْنُ يُوآشَ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ، وَدُفِنَ فِي قَبْرِ يُوآشَ أَبِيهِ فِي عَفْرَةِ أَبِيعَزَرَ».

تكوين ٢٥: ٨ وأيوب ٥: ٢٦ ص ٦: ٢٤ وع ٢٧

وَمَاتَ جِدْعُونُ… بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ أي كان إنساناً سعيداً صالحاً إلى يوم وفاته (تكوين ٢٥: ٨) لكن نسله كان شقياً شريراً.

ارتداد الإسرائيليين أي رجوعهم إلى العبادة الوثنية ع ٣٣ إلى ٣٥

٣٣ «وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ جِدْعُونَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجَعُوا وَزَنَوْا وَرَاءَ ٱلْبَعْلِيمِ، وَجَعَلُوا لَهُمْ بَعْلَ بَرِيثَ إِلٰهاً».

ص ٢: ١٩ ص ٢: ١٧ ص ٩: ٤ و٤٦

وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ جِدْعُونَ كان جدعون باجتهاده وتقواه يمنع الناس من عبادة البعل فلما مات زاغوا وانحرفوا إلى عبادته. فترى الإنسان الصالح يصلح كثيرين فخميرة صغيرة تخمر العجين كله.

رَجَعُوا عن الله إلى أباطيلهم وخرافات الأمم وشركهم.

وَزَنَوْا وَرَاءَ ٱلْبَعْلِيمِ أي تركوا الله واتّبعوا البعل أي الشمس فإنها كانت إله كثيرين من الأمم. ولعل بني إسرائيل مالوا إلى عبادة البعل منذ عبدوا الأفود الذي صاغه جدعون من أقراط المديانيين. فالانحراف القليل عن كتاب الله يؤدي إلى الضلال الكثير. فإن جدعون صنع ذلك من الأفود من مجرد استحسانه لا بأمر الرب ولا مشورته.

وَجَعَلُوا لَهُمْ بَعْلَ بَرِيثَ إِلٰهاً جعلوا هنا بمعنى صيّروا أو اتخذوا واعتقدوا. ومعنى بعل بريث «سيد العهد أو رب الميثاق» سمّاه البعليون بهذا لاعتقادهم أنه أخذ على نفسه أن يصون عبدته وينتقم لهم من أعدائهم وأخذوا على نفوسهم أن يعبدوه. ورأى بعضهم أنه لُقب «برب العهد» لأن الإسرائيليين عاهدوا الكنعانيين على عبادته.

٣٤ «وَلَمْ يَذْكُرْ بَنُو إِسْرَائِيلَ ٱلرَّبَّ إِلٰهَهُمُ ٱلَّذِي أَنْقَذَهُمْ مِنْ يَدِ جَمِيعِ أَعْدَائِهِمْ مِنْ حَوْلِهِمْ».

مزمور ٧٨: ١١ و٤٢ و١٠٦: ١٣ و٢١

وَلَمْ يَذْكُرْ بَنُو إِسْرَائِيلَ ٱلرَّبَّ إِلٰهَهُمُ نسوا الإله الحق الذي أحسن إليهم وخلّصهم من عبودية الأمم مراراً ونصرهم على الأعداء وأبان لهم قدرته ورحمته بآيات كثيرة واتخذوا بدل الرب إلههم الحي القادر على كل شيء بعض مخلوقاته إلهاً وعبدوا تماثيله التي لا حياة لها. ما أكفر الإنسان بالإحسان وما أقل من يذكر الحسنات كما يذكر السيئآت.

٣٥ «وَلَمْ يَعْمَلُوا مَعْرُوفاً مَعَ بَيْتِ يَرُبَّعْلَ (جِدْعُونَ) نَظِيرَ كُلِّ ٱلْخَيْرِ ٱلَّذِي عَمِلَ مَعَ إِسْرَائِيلَ».

ص ٩: ١٦ و١٧ و١٨ وجامعة ٩: ١٤ و١٥

يَرُبَّعْلَ جِدْعُونَ الخ جدعون عطف بيان ليربعل والمعنى يربعل هو جدعون وقد مرت علة تسميته بيربعل (ص ٦: ٣٢). ولعل الكاتب ذكر لقبه هنا لأنه يذكر بهدمه مذبح البعل الذي أخذ الإسرائيليون يبنونه بعد موته. قال الكاتب إن الإسرائيليين لم يعملوا معروفاً لأولاد جدعون جزاء على إحسان جدعون إليهم. وهذا لا نعجب منه فإنهم نسوا إحسان الرب ولم يذكروه (ع ٣٤) فقليل أن ينسوا إحسان أحد عبيده إليهم.

فوائد

  1. إن الجواب الليّن يصرف الغضب (ع ١ – ٣).
  2. إن التواضع من صفات العظمة الحقيقية مهما كانت الصعوبات (ع ٤).
  3. إنه يجب الثبات إلى النهاية في كل عمل صالح مهما كانت الصعوبات (ع ٤).
  4. إنه يجب العمل مع كل من يعمل للرب (ع ٥).
  5. إنه يجب النظر إلى الغاية العظمى وتأجيل الغايات الثانوية – كما أجلّ جدعون تأديب أهل سكّوت وفنوئيل إلى بعد رجوعه من الحرب.
  6. إنه يجب أن لا نتمثل بكل ما يعمله رجال الله. وأمثلة ذلك قساوة جدعون في التأديب وتزوجه نساء كثيرات وعمله الأفود.
  7. قد يكون من يستعفي من الرئاسة أفضل ممن يطلبها لنفسه (ع ٢٣).
  8. إن تجارب النجاح أعظم من تجارب الضيق. فإن جدعون أطاع الرب وحارب بالشجاعة والأمانة ولكنه سقط في بعض الخطايا في وقت الراحة والارتقاء.
  9. إنه يجب أن تكون عبادة الله كما رسم في كتابه وليس كما يستحسن الناس. فكان عمل الأفود خطاء (ع ٢٧).
  10. إن الناس يميلون إلى عدم الشكر. كما عمل بنو إسرائيل مع بيت جدعون ولم يذكروا الرب (ع ٣٤ و٣٥).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى