سفر يشوع

سفر يشوع | 24 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر يشوع

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ

وصية يشوع للشعب وهي الوصية الأخيرة

١ «وَجَمَعَ يَشُوعُ جَمِيعَ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ إِلَى شَكِيمَ. وَدَعَا شُيُوخَ إِسْرَائِيلَ وَرُؤَسَاءَهُمْ وَقُضَاتَهُمْ وَعُرَفَاءَهُمْ فَمَثَلُوا أَمَامَ ٱلرَّبِّ».

تكوين ٣٥: ٤ ص ٢٣: ٢ و١صموئيل ١٠: ١٩

وَجَمَعَ يَشُوعُ جَمِيعَ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ إِلَى شَكِيمَ (انظر تفسير ص ٢٣: ٢) والظاهر أنه خاطب الرؤساء وهم خاطبوا الشعب على الأثر. كان يشوع من الذين قطعوا العهد عند جبل سيناء (خروج ١٩: ٥) والعهد الآخر في أرض موآب في نهاية الأربعين سنة (تثنية ٢٩: ١) وفي آخر حياته حرّض الشعب على تجديد هذ العهد. والمرجّح أن يشوع رأى أنه عاش أكثر مما كان ينتظر فقصد أن لا يذهب ما بقي من حياته عبثاً فأخذ يعظ الأسباط ويرشدهم ويستفرع المجهود في جذبهم إلى الرب فلسان حاله ينطق بمثل قول بطرس للمؤمنين في شيخوخته «لِذٰلِكَ لاَ أُهْمِلُ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ دَائِماً بِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ، وَإِنْ كُنْتُمْ عَالِمِينَ وَمُثَبَّتِينَ فِي ٱلْحَقِّ ٱلْحَاضِرِ. وَلٰكِنِّي أَحْسِبُهُ حَقّاً مَا دُمْتُ فِي هٰذَا ٱلْمَسْكَنِ أَنْ أُنْهِضَكُمْ بِٱلتَّذْكِرَةِ، عَالِماً أَنَّ خَلْعَ مَسْكَنِي قَرِيب» (٢بطرس ١: ١٢ – ١٤). و«شكيم» سماها اليونان نيابوليس وحرّفها العرب فقالوا نابلس والمراد هنا كورة نابلس أو ناحيتها وهي المدينة وما يلحق بها من القرى ولا ريب في أن جمع الأسباط كان في ضاحيتها.

فَمَثَلُوا أَمَامَ ٱلرَّبِّ كانت شكيم مكان مقدس بعض التقديس لأن فيها وعد الرب إبراهيم أول وعد وفيها بنى إبراهيم له أولاً مذبحاً (تكوين ١٢: ٦ و٧). وفي شكيم نزل يعقوب بعد رجوعه من فدان أرام وطهّر بيته بطمره الآلهة الغريبة تحت البلوطة (تكوين ٣٣: ١٨ – ٢٠ و٣٥: ٢ و٤). وفي شكيم دُفنت عظام يوسف (ع ٣٢). وفي شكيم قُرئت البركات واللعنات من جرزيم وعيبال (ص ٨: ٣٠ – ٣٥).

٢ «وَقَالَ يَشُوعُ لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ: هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ: آبَاؤُكُمْ سَكَنُوا فِي عَبْرِ ٱلنَّهْرِ مُنْذُ ٱلدَّهْرِ. تَارَحُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو نَاحُورَ، وَعَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى».

تكوين ١١: ٢٦ و٣١ تكوين ٣١: ٥٣

ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ (ع ٢٣ وخروج ٣: ١٥) في أول كلامه وفي آخره ذكرهم أنهم شعب الله الخاص الذين اختارهم لنفسه من جميع شعوب الأرض فعليهم أن يختاروه ليكون إلههم ويثبتوا في خدمته.

وإثباتاً لهذا التعليم ذكر خمس حوادث تاريخية:

(١) دعوة إبراهيم. (٢) الخروج من مصر. (٣) كسرة الأموريين. (٤) عبور الأردن. (٥) كسرة جميع الكنعانيين.

آبَاؤُكُمْ سَكَنُوا فِي عَبْرِ ٱلنَّهْرِ المراد بالنهر هنا نهر الفرات لا نهر الأردن.

وَعَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى أي تارح وإبراهيم وناحور وبعضهم نفى ذلك عن إبراهيم ولعله مصيب (انظر تكوين ٣١: ١٩). قال هذا تحذيراً لهم وحضاً على أن يعبدوا الرب ولا يعبدوا سواه على وفق قوله تعالى في الوصية الأولى من وصاياه العشر «لا يكن لك آلهة أخرى أمامي».

٣ «فَأَخَذْتُ إِبْرَاهِيمَ أَبَاكُمْ مِنْ عَبْرِ ٱلنَّهْرِ وَسِرْتُ بِهِ فِي كُلِّ أَرْضِ كَنْعَانَ، وَأَكْثَرْتُ نَسْلَهُ وَأَعْطَيْتُهُ إِسْحَاقَ».

تكوين ١٢: ١ وأعمال ٧: ٢ و٣ تكوين ٢١: ٢ و٣ ومزمور ١٢٧: ٢

فَأَخَذْتُ إِبْرَاهِيمَ أَبَاكُمْ مِنْ عَبْرِ ٱلنَّهْرِ أي أمرته الذهاب من أرضه وعشيرته ومن بيت أبيه إلى أرض كنعان وحملته على الإجابة (تكوين ١٢: ١) فكأني أخذته من تلك إلى هذه.

وَسِرْتُ بِهِ فِي كُلِّ أَرْضِ كَنْعَانَ أي رافقه في جولانه في تلك الأرض وأرشده في كل طرقه وحفظه واعتنى به.

وَأَكْثَرْتُ نَسْلَهُ وَأَعْطَيْتُهُ إِسْحَاقَ على سبيل المعجزة (انظر تكوين ٢١: ٢ و٣) وان إسحاق وحيداً وبنسل إسحاق ونسل نسله كثر الإسرائيليون. والآدوميون نسل عيسو كما في (ع ٤).

٤ «وَأَعْطَيْتُ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ وَعِيسُوَ، وَأَعْطَيْتُ عِيسُوَ جَبَلَ سَعِيرَ لِيَمْلِكَهُ. وَأَمَّا يَعْقُوبُ وَبَنُوهُ فَنَزَلُوا إِلَى مِصْرَ».

تكوين ٢٥: ٢٤ و٢٥ و٢٦ تكوين ٣٦: ٨ وتثنية ٢: ٥ تكوين ٤٦: ١ و٦ وأعمال ٧: ١٥

وَأَعْطَيْتُ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ وَعِيسُوَ فالأولاد عطية الله (انظر أيضاً إشعياء ٨: ١٨) فمن استهان بأولاده استهان بعطية الله.

وَأَعْطَيْتُ عِيسُوَ جَبَلَ سَعِيرَ لِيَمْلِكَهُ كان حق ميراث أرض كنعان لعيسو لأنه بكر إسحاق ولكن عيسو باع بكوريته فصارت كنعان ليعقوب وهو إسرائيل (تكوين ٣٢: ٢٨). ومع ذلك أحسن الله إلى عيسو ولم يحرمه كل بركة فأعطاه جبل سعير وسبق الكلام على هذا الجبل في تفسير سفر التكوين (انظر تفسير تكوين ٣٦: ٨).

وَأَمَّا يَعْقُوبُ وَبَنُوهُ فَنَزَلُوا إِلَى مِصْرَ وفي بعض التراجم الأوربية «لكن» بدل «أما» وهي المناسبة هنا لأنه استدرك هنا دفع ما يخطر على بال القارئ أن الإسرائيليين لم يكونوا قد بلغوا الأرض إلا بعد إقامة طويلة في مصر قاسوا فيها العذاب الشديد والاضطهاد. ولم يذكر الكاتب أسباب سفرهم إلى مصر اعتماداً على معرفة المخاطبين على أنه يفيد القارئ أن يرجع إلى نبإ سفرهم في سفر التكوين ونبإ رجوعهم في سفر الخروج. وفي الأصل العبراني «ويعقوب وبنوه الخ» لا «أمّا» ولا «لكن».

ولماذا عوقب بنو إسرائيل بالعبودية في مصر واستراح بنو عيسو بائع البكورية في سعير. والجواب أن ذلك لمقاصد كثيرة بعضها من أسرار الله وبعضها ظاهر كل الظهور وهو تأديب بني إسرائيل على بيعهم أخاهم عبداً ظلماً وعلى خطايا أخرى وحفظتم من التشتت زمان تكاثرهم واستعدادهم للخروج لأن الاضطهاد والمشقات جعلتهم شعباً واحداً كما يطرق الحداد قطعتين من الحديد بعد ما يحميهما بالنار ليصيرا قطعة واحدة. وعيسو قد دين على استهانته بالبكورية بحرمانه الميراث وغير ذلك من المشقات كما يظهر للمتأمل الخبير. ومن غاية ذكر نزول الإسرائيليين إلى مصر هنا بيان إحسان الله إليهم بتحريره إياهم من عبودية المصريين بواسطة موسى وهارون (ع ٥). وجعل يوسف مثالاً حسناً للمتقين إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة.

٥ «وَأَرْسَلْتُ مُوسَى وَهَارُونَ وَضَرَبْتُ مِصْرَ حَسَبَ مَا فَعَلْتُ فِي وَسَطِهَا، ثُمَّ أَخْرَجْتُكُمْ».

خروج ٣: ١٠ خروج ٧ و٨ و٩ و١٠ و١٢

أَرْسَلْتُ مُوسَى وَهَارُونَ أرسل موسى من مديان وهارون من مصر إلى فرعون (انظر خروج ٤: ٢٧ – ٣١).

وَضَرَبْتُ مِصْرَ الخ (انظر خروج ص ٧ – ١٠ وص ١٢).

٦ «فَأَخْرَجْتُ آبَاءَكُمْ مِنْ مِصْرَ، وَدَخَلْتُمُ ٱلْبَحْرَ وَتَبِعَ ٱلْمِصْرِيُّونَ آبَاءَكُمْ بِمَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ إِلَى بَحْرِ سُوفٍ».

خروج ١٢: ٣٧ و٥١ خروج ١٤: ٢ خروج ١٤: ٩

فَأَخْرَجْتُ آبَاءَكُمْ مِنْ مِصْرَ (خروج ١٢: ٣٧ و٥١).

دَخَلْتُمُ ٱلْبَحْرَ الخ (خروج ص ١٤) والبحر هنا هو البحر الأحمر.

٧ «فَصَرَخُوا إِلَى ٱلرَّبِّ، فَجَعَلَ ظَلاَماً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلْمِصْرِيِّينَ، وَجَلَبَ عَلَيْهِمِ ٱلْبَحْرَ فَغَطَّاهُمْ. وَرَأَتْ أَعْيُنُكُمْ مَا فَعَلْتُ فِي مِصْرَ، وَأَقَمْتُمْ فِي ٱلْقَفْرِ أَيَّاماً كَثِيرَةً».

خروج ١٤: ١٠ خروج ١٤: ٢٠ و٢٧ و٢٨ تثنية ٤: ٣٤ و٢٩: ٢ ص ٥: ٦

جَلَبَ عَلَيْهِمِ ٱلْبَحْرَ… وَأَقَمْتُمْ فِي ٱلْقَفْرِ أَيَّاماً كَثِيرَةً (خروج ص ١٤ وتثنية ٤: ٣٤ و٢٩: ٢) لما تذللتم قدام الله أحسن إليكم وأهلك أعدائكم ولما أخطأتم وعصيتم عاقبكم بالتيه في البرية أربعين سنة فالتصقوا بالله وأطيعوه وإلا أحاط بكم البلاء. فاذكروا جزاء كل من الطاعة والمعصية واتعظوا.

٨ «ثُمَّ أَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى أَرْضِ ٱلأَمُورِيِّينَ ٱلسَّاكِنِينَ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ فَحَارَبُوكُمْ، وَدَفَعْتُهُمْ بِيَدِكُمْ فَمَلَكْتُمْ أَرْضَهُمْ وَأَهْلَكْتُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ».

عدد ٢١: ٢١ و٣٣ وتثنية ٢: ٣٢ و٣: ١

أَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى أَرْضِ ٱلأَمُورِيِّينَ الخ (انظر ص ١٢: ١ – ٦ وعدد ٢١: ٢١ – ٣٥ و تثنية ٢: ٣٢ – ٣٦ و٣: ١ – ١٧).

٩ «وَقَامَ بَالاَقُ بْنُ صِفُّورَ مَلِكُ مُوآبَ وَحَارَبَ إِسْرَائِيلَ، وَأَرْسَلَ وَدَعَا بَلْعَامَ بْنَ بَعُورَ لِيَلْعَنَكُمْ».

قضاة ١١: ٢٥ عدد ٢٢: ٥ وتثنية ٢٣: ٤

وَقَامَ بَالاَقُ… وَحَارَبَ إِسْرَائِيلَ إن بالاق قصد محاربة إسرائيل واستعد لمحاربتهم وطلب بلعام ليلعنهم فيقوى عليهم فهو كالمحارب فعلاً وإن كان الله لم ييسر له محاربة إسرائيل. إن الشهوة بمقام العمل على ما في الشريعة الإلهية الطاهرة وكذا النيّة أو القصد. وقد أثبت هذا الحكم أو القانون الرب يسوع المسيح (انظر متّى ٥: ٢٨) وقُتل بلعام مع ملوك مديان (عدد ٣١: ٨).

١٠ «وَلَمْ أَشَأْ أَنْ أَسْمَعَ لِبَلْعَامَ، فَبَارَكَكُمْ بَرَكَةً وَأَنْقَذْتُكُمْ مِنْ يَدِهِ».

تثنية ٢٣: ٥ عدد ٢٣: ١١ و٢٠ و٢٤: ١٠

لَمْ أَشَأْ أَنْ أَسْمَعَ لِبَلْعَامَ الخ أي لم أوافقه على إرادة أن يلعنكم بل منعته من ذلك وأجبرته على أن يبارككم على خلاف قصده أن يلعنكم.

١١ «ثُمَّ عَبَرْتُمُ ٱلأُرْدُنَّ وَأَتَيْتُمْ إِلَى أَرِيحَا. فَحَارَبَكُمْ أَصْحَابُ أَرِيحَا: ٱلأَمُورِيُّونَ وَٱلْفِرِزِّيُّونَ وَٱلْكَنْعَانِيُّونَ وَٱلْحِثِّيُّونَ وَٱلْجِرْجَاشِيُّونَ وَٱلْحِوِّيُّونَ وَٱلْيَبُوسِيُّونَ، فَدَفَعْتُهُمْ بِيَدِكُمْ».

ص ٣: ١٤ و١٧ و٤: ١٠ و١١ و١٢ ص ٦: ١ و١٠: ١ و١١: ١

ٱلأَمُورِيُّونَ الخ (انظر ص ١٠: ١ – ٥ و١١: ١ – ٥ وخروج ٢٣: ٢٣ والتفسير).

١٢ «وَأَرْسَلْتُ قُدَّامَكُمُ ٱلزَّنَابِيرَ وَطَرَدْتُ مِنْ أَمَامِكُمْ مَلِكَيِ ٱلأَمُورِيِّينَ، لاَ بِسَيْفِكَ وَلاَ بِقَوْسِكَ».

خروج ٢٣: ٢٨ وتثنية ٧: ٢٠ مزمور ٤٤: ٣ و٦

وَأَرْسَلْتُ قُدَّامَكُمُ ٱلزَّنَابِيرَ (انظر تفسير خروج ٢٣: ٢٨). ولا مانع من أن تكون الزنابير هنا الهوام اللاسعة المعروفة.

مَلِكَيِ ٱلأَمُورِيِّينَ ومحالفيهما أو وجنودهما لا سيحون وعوجاً على الخصوص فالمقصود الكنعانيون على جانبي نهر الأردن. وقوله «ملكي الأموريين» تفسير للضمير المفعول به في قوله «طردتهم» فكأنه قال طردت أمامكم ملوك الكنعانيين على جانبي الأردن الذين أعظمهم سيحون وعوج فتأمل. ويصح المعنى أنه طرد أمامهم جيوش ذينك الملكين.

لاَ بِسَيْفِكَ وَلاَ بِقَوْسِكَ يعني أنه تعالى هو الذي غلب الأعداء ولم تكن سيوف إسرائيل وقسيه سوى آلات اتخذها هو ولولا ذلك لأبادوا إسرائيل من الأرض. وقد ذكر هذا أمام المغنين في قصيدته بقوله «أَنْتَ بِيَدِكَ ٱسْتَأْصَلْتَ ٱلأُمَمَ وَغَرَسْتَهُمْ. حَطَّمْتَ شُعُوباً وَمَدَدْتَهُمْ. لأَنَّهُ لَيْسَ بِسَيْفِهِمِ ٱمْتَلَكُوا ٱلأَرْضَ، وَلاَ ذِرَاعُهُمْ خَلَّصَتْهُمْ، لٰكِنْ يَمِينُكَ وَذِرَاعُكَ وَنُورُ وَجْهِكَ لأَنَّكَ رَضِيتَ عَنْهُمْ» (مزمور ٤٤: ٢ و٣).

١٣ «وَأَعْطَيْتُكُمْ أَرْضاً لَمْ تَتْعَبُوا عَلَيْهَا وَمُدُناً لَمْ تَبْنُوهَا وَتَسْكُنُونَ بِهَا، وَمِنْ كُرُومٍ وَزَيْتُونٍ لَمْ تَغْرِسُوهَا تَأْكُلُونَ».

تثنية ٦: ١٠ و١١ وص ١١: ١٣

مُدُناً لَمْ تَبْنُوهَا… كُرُومٍ وَزَيْتُونٍ لَمْ تَغْرِسُوهَا وهذا لا ينفي أنهم بنوا مدناً في تلك الأرض غير تلك المدن وغرسوا كروماً وزيوتاً فيها غير ما استولوا عليه من الكروم والزيتون.

١٤ «فَٱلآنَ ٱخْشَوْا ٱلرَّبَّ وَٱعْبُدُوهُ بِكَمَالٍ وَأَمَانَةٍ، وَٱنْزِعُوا ٱلآلِهَةَ ٱلَّذِينَ عَبَدَهُمْ آبَاؤُكُمْ فِي عَبْرِ ٱلنَّهْرِ وَفِي مِصْرَ، وَٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ».

تثنية ١٠: ١٢ و١صموئيل ١٢: ٢٤ وتكوين ١٧: ١ و٢٠: ٥ وتثنية ١٨: ١٣ ومزمور ١١٩: ١ و٢كورنثوس ١: ١٢ وأفسس ٦: ٢٤ لاويين ١٧: ٧ وع ٢ و٢٣ وحزقيال ٢٠: ١٨ حزقيال ٢٠: ٧ و٨ و٢٣: ٣

ٱخْشَوْا ٱلرَّبَّ أي اتقوا الإله الواجب الوجود الأزلي الذي لا إله حق سواه.

وَٱعْبُدُوهُ بِكَمَالٍ وَأَمَانَةٍ أي اعبدوه حق العبادة بإخلاص لا بمجرد علامات العبادة الظاهرة.

وَٱنْزِعُوا ٱلآلِهَةَ أي اطرحوا صور الآلهة الباطلة وتماثيلها. فالظاهر أنه كان عند بعض الإسرائيليين شيء من الصور والتماثيل التي حملوها من مصر. ورأى بعضهم أن المعنى اعتزلوا قصور تلك الآلهة.

ٱلَّذِينَ عَبَدَهُمْ آبَاؤُكُمْ كبعل ونسروخ ومولك وغيرهم (ع ٢ و٢٣ ولاويين ١٧: ٧ وحزقيال ٢٠: ١٨).

عَبْرِ ٱلنَّهْرِ نهر الفرات.

مِصْرَ إن الإسرائيليين بمخالطتهم للمصريين قلّ نفور بعضهم مما آلفه من أوثانهم فكانوا كأنهم من عبدتها. وآلهة المصريين كثيرة (انظر كتاب سواء السبيل في سكان أرض النيل وما نشر في أسبوعية سنة ١٩٠٩ من المقالات في العاديات المصرية).

وَٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ لا يكفي أن نعتزل الآلهة الباطلة بل يجب مع ذلك أن نعبد الإله الحق.

١٥ «وَإِنْ سَاءَ فِي أَعْيُنِكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا ٱلرَّبَّ، فَٱخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمُ ٱلْيَوْمَ مَنْ تَعْبُدُونَ: إِنْ كَانَ ٱلآلِهَةَ ٱلَّذِينَ عَبَدَهُمْ آبَاؤُكُمُ ٱلَّذِينَ فِي عَبْرِ ٱلنَّهْرِ، وَإِنْ كَانَ آلِهَةَ ٱلأَمُورِيِّينَ ٱلَّذِينَ أَنْتُمْ سَاكِنُونَ فِي أَرْضِهِمْ. وَأَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ ٱلرَّبَّ».

راعوث ١: ١٥ و١ملوك ١٨: ٢١ وحزقيال ٢٠: ٣٩ ويوحنا ٦: ٦٧ ع ١٤ خروج ٢٣: ٢٤ و٣٢ و٣٣ و٣٤: ١٥ وتثنية ١٣: ٧ و٢٩: ١٨ وقضاة ٦: ١٠ تكوين ١٨: ١٩

وَإِنْ سَاءَ فِي أَعْيُنِكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا ٱلرَّبَّ لم يحسن عبادة غيره فيها فهل يحسن أن تعبدوا المخلوق دون الخالق أو معه.

فَٱخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمُ ٱلْيَوْمَ مَنْ تَعْبُدُونَ أي كنتم ممن يعبدون فلا بد من أن تعبدوا الرب أو تعبدوا الآلهة الباطلة فكأن الوجه الثالث وهو عبادة الرب والآلهة الباطلة كالوجه الثاني لكنه شركاً والله إله غيور يأبى الشريك. ويستحيل أن يشرك العاقل الآلهة الباطلة بالله.

آلِهَةَ ٱلأَمُورِيِّينَ أراد بالأموريين كل سكان كنعان الوثنيين على وجه التغليب لأنهم أشهر الكنعانيين (انظر تفسير ص ٥: ١ وتفسير ص ١٠: ٥).

أَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ ٱلرَّبَّ لما كان يشوع قائدهم ومدبرهم وخليفة موسى النبي العظيم كان أولى من يُقتدى به يومئذ فأبان لهم من يعبد لكي يقتدوا به ويختاروا عبادة الرب وحده ويحملوا أهل بيوتهم على توحيد ذلك الإله الحق وعبادته دون سواه. وما أحسن أن يكون شعار كل إنسان وجوب توحيد الله وعبادته وحده. وما أطيب لسمع المؤمن القول «أما أنا وبيتي فنعبد الرب».

١٦ – ١٨ «١٦ فَأَجَابَ ٱلشَّعْبُ: حَاشَا لَنَا أَنْ نَتْرُكَ ٱلرَّبَّ لِنَعْبُدَ آلِهَةً أُخْرَى، ١٧ لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَنَا هُوَ ٱلَّذِي أَصْعَدَنَا وَآبَاءَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّةِ، وَٱلَّذِي عَمِلَ أَمَامَ أَعْيُنِنَا تِلْكَ ٱلآيَاتِ ٱلْعَظِيمَةَ، وَحَفِظَنَا فِي كُلِّ ٱلطَّرِيقِ ٱلَّتِي سِرْنَا فِيهَا وَفِي جَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّذِينَ عَبَرْنَا فِي وَسَطِهِمْ. ١٨ وَطَرَدَ ٱلرَّبُّ مِنْ أَمَامِنَا جَمِيعَ ٱلشُّعُوبِ، وَٱلأَمُورِيِّينَ ٱلسَّاكِنِينَ ٱلأَرْضَ. فَنَحْنُ أَيْضاً نَعْبُدُ ٱلرَّبَّ لأَنَّهُ هُوَ إِلٰهُنَا».

حَاشَا لَنَا الخ أي ننزه أنفسنا عن ترك الرب وهذا يُقال دفعاً للأمر المكروه جداً. فدلّ على أن بني إسرائيل يومئذ تمزّقت قلوبهم من تصوّر تركهم الرب الذي لم يتركهم مع كل زلّاتهم وذنوبهم والتصق بهم ووقاهم ونصرهم ومنحهم الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً. والخلاصة أن الإسرائيليين أبانوا هنا أنهم عبدة الله وحده لأسباب توجب عليهم عبادته بإخلاص فأثبتوا دعواهم بالأدلة القاطعة وأعلنوا إنهم اختاروا ما اختاره يشوع وهو أنهم هم وبيوتهم يعبدون الرب.

١٩ «فَقَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ: لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَعْبُدُوا ٱلرَّبَّ لأَنَّهُ إِلٰهٌ قُدُّوسٌ وَإِلٰهٌ غَيُورٌ هُوَ. لاَ يَغْفِرُ ذُنُوبَكُمْ وَخَطَايَاكُم».

متّى ٦: ٢٤ لاويين ١٩: ٢ و١صموئيل ٦: ٢٠ ومزمور ٩٩: ٥ و٩ وإشعياء ٥: ١٦ خروج ٢٠: ٥ خروج ٢٣: ٢١

لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَعْبُدُوا ٱلرَّبَّ العبادة الواجبة الخالصة وأنتم تشركون به (متّى ٦: ٢٤) فإنه لا يرضى إلا بأن تعبدوه وحده.

لأَنَّهُ إِلٰهٌ قُدُّوسٌ فتأبى قداسته أن تكون الآلهة النجسة الباطلة شركاءه.

وَإِلٰهٌ غَيُورٌ يكره كل الكره ويأبى كل الإباءة أن يتخذ شعبه شريكاً أو شركاء له كما يأبى الرجل الشريف أن تتخذ امرأته شريكاً أو شركاء له في حقه بها. وهذه الغيرة شريفة لأنها من صفات الكمال.

لاَ يَغْفِرُ ذُنُوبَكُمْ وَخَطَايَاكُمْ إن الله لا يغفر للمشركين ما لم يرجعوا عن شركهم ويعبدوا الله وحده حق عبادته. وهذا ما يقتضيه عدله وتبعد عنه رحمته. ولكن كل من يرجع إلى الرب بتوبة حقيقية ونية مخلصة يقدر أن يعبده والله يغفر الخطايا وإن كانت كالقرمز وهو يعطي نعمة كافية لكل ضعيف.

٢٠ «وَإِذَا تَرَكْتُمُ ٱلرَّبَّ وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً غَرِيبَةً يَرْجِعُ فَيُسِيءُ إِلَيْكُمْ وَيُفْنِيكُمْ بَعْدَ أَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ».

١أيام ٢٨: ٩ و٢أيام ١٥: ٢ وعزرا ٨: ٢٢ وإشعياء ١: ٢٨ و٦٥: ١١ و١٢ وإرميا ١٧: ١٣ ص ٢٣: ١٥ وإشعياء ٦٣: ١٠ وأعمال ٧: ٤٢

وَإِذَا تَرَكْتُمُ ٱلرَّبَّ وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً غَرِيبَةً كان ذلك شراً من الشرك لأن في الشرك بعض العبادة لله وترك الله لا شيء فيه من العبادة له فالشرك مهلك وترك الرب كذلك لكن عقاب تاركي الله أشد من عقاب المشركين به.

يَرْجِعُ إلى تذليلكم ومعاقبتكم.

فَيُسِيءُ إِلَيْكُمْ بدلاً من إحسانه.

وَيُفْنِيكُمْ يشتتكم ويذهب بكل مجدكم حتى كأنكم لم تكونوا.

٢١ «فَقَالَ ٱلشَّعْبُ لِيَشُوعَ: لاَ. بَلِ ٱلرَّبَّ نَعْبُدُ».

لاَ. بَلِ ٱلرَّبَّ نَعْبُدُ أي لا نشرك بالله ولا نتركه بل نستمر على عبادته وحده.

٢٢ «فَقَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ: أَنْتُمْ شُهُودٌ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ قَدِ ٱخْتَرْتُمْ لأَنْفُسِكُمُ ٱلرَّبَّ لِتَعْبُدُوهُ. فَقَالُوا: نَحْنُ شُهُودٌ».

مزمور ١١٩: ١٧٣

أَنْتُمْ شُهُودٌ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أي إنكم إذا أخلفتم بهذا الوعد فأنتم شهود على أنفسكم بأنك آثمون ومستحقون العقاب. وهذا نتيجة لازمة لا ريب فيها.

فَقَالُوا: نَحْنُ شُهُودٌ أي سلّموا بأنهم شهود على أنفسهم.

٢٣، ٢٤ «٢٣ فَٱلآنَ ٱنْزِعُوا ٱلآلِهَةَ ٱلْغَرِيبَةَ ٱلَّتِي فِي وَسَطِكُمْ وَأَمِيلُوا قُلُوبَكُمْ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ. ٢٤ فَقَالَ ٱلشَّعْبُ لِيَشُوعَ: ٱلرَّبَّ إِلٰهَنَا نَعْبُدُ وَلِصَوْتِهِ نَسْمَعُ».

تكوين ٣٥: ٢ وع ١٤ وقضاة ١٠: ١٦ و١صموئيل ٧: ٣

فَٱلآنَ ٱنْزِعُوا ٱلآلِهَةَ ٱلْغَرِيبَةَ ٱلَّتِي فِي وَسَطِكُمْ أي فقال يشوع فانزعوا الخ. والفاء في قوله فانزعوا تفيد التعليل أي لذلك انزعوا الخ. ومما يثبت أنهم سجدوا للأصنام مدة إقامتهم في القفر ما ورد في (لاويين ١٧: ٧ وعاموس ٢٥ و٢٦ وحزقيال ٢٠: ٦ – ٨). لكن لم يتبين لنا أنهم نزعوا ما حملوه معهم من مصر من تلك الآلهة النجسة فإنهم لم يطمروا صورة ولا تمثالاً كما كان في أيام يعقوب (تكوين ٣٥: ٤) ولا نزعوا شيئاً من ذلك كما نزع داود ورجاله (٢صموئيل ٥: ٢١). فقولهم «الرب إلهنا نعبد ولصوته نسمع» مجرد وعد باللسان وعزم على الإخلاف في الجنان كما كان منهم بعد يشوع والشيوخ بعده. نعم إن كبارهم كانوا قد ماتوا ولكن أولادهم تركوا الرب (قضاة ٢: ١٠) فإنهم أخذوا الزيغ عن الكلام.

٢٥ «وَقَطَعَ يَشُوعُ عَهْداً لِلشَّعْبِ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ وَجَعَلَ لَهُمْ فَرِيضَةً وَحُكْماً فِي شَكِيمَ».

خروج ١٥: ٢٥ و٢ملوك ١١: ١٧ ع ٢٦

قَطَعَ يَشُوعُ عَهْداً لِلشَّعْبِ أي حملهم أن يصدقوا أن الله يأبى الشريك ويغضب من أن يُترك وإنهم لا يشركون به ولا يتركونه وأن يعدوا بذلك وعداً شرعياً وأن يفوا بوعدهم بنزع كل الآلهة الغريبة. واستعمل «القطع» للمعاهدة لتقطيع الذبيحة التي تقدم عند التفوه بالعهد. وذُكر مثل هذا مراراً في الكتاب (انظر ٢أيام ٢٣: ١٦ و٣٤: ٣١).

وَجَعَلَ لَهُمْ فَرِيضَةً وَحُكْماً الفريضة ما أوجب من الأحكام والحكم هنا القضاء أو العدل المشتمل على القضاء أو هو القاعدة أو الأصل أو المبدأ أو القانون فالقول الله واحد حكم وإيجاب الإيمان بأن الله واحد فريضة. فإن يشوع حكم بأنه لا يعبد إلا الله وأوجب ذلك على الإسرائيليين وقد وعدوا بأن يقوموا بذلك ووعدهم هذا هو العهد.

فِي شَكِيمَ وفي موضعها اليوم نابلس وقُرئ في الترجمة السبعينية «شيلوه» بدلاً من «شكيم» وهي مدينة في منتصف الطريق بين بيت إيل المعروفة اليوم ببيتين ونابلس وتُسمى اليوم سيلون والمعتدّ هنا الأصل العبراني. وسبق ذهن المترجم من مترجمي السبعينية إلى شيلوه من ابتداء كل منهما بالشين ومن كون تابوت العهد كان في شيلوه نحو ثلاث مئة سنة ولهذا زيد في السبعينية «أمام مسكن إله إسرائيل».

٢٦ «وَكَتَبَ يَشُوعُ هٰذَا ٱلْكَلاَمَ فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ ٱللّٰهِ. وَأَخَذَ حَجَراً كَبِيراً وَنَصَبَهُ هُنَاكَ تَحْتَ ٱلْبَلُّوطَةِ ٱلَّتِي عِنْدَ مَقْدِسِ ٱلرَّبِّ»

تثنية ٣١: ٢٤ قضاة ٩: ٦ تكوين ٢٨: ١٨ وص ٤: ٣ تكوين ٣٥: ٤

وَكَتَبَ يَشُوعُ هٰذَا ٱلْكَلاَمَ فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ ٱللّٰهِ اختلفت الأقوال في تفسير هذه العبارة فمنهم من قال أن يشوع كتب هذا العهد في كتاب أضافه إلى الأسفار الخمسة. ومنهم من قال أن المراد «بسفر شريعة الله» التوراة وكل ما اتصل بها من مكتوبات الوحي. والذي ظهر لنا أن الكلام المشار إليه كُتب في هذا السفر أي سفر يشوع عينه وهذا السفر ضمه يشوع إلى شريعة الله التي هي التوراة بدليل واو العطف في أوله (انظر ص ١: ١) وهذا برهان قاطع على أن يشوع كاتب هذا السفر إلا القليل منه ويرجّح كل الترجيح أنّه كاتب خاتمة سفر التثنية فتأمل.

وَأَخَذَ حَجَراً تذكاراً للعهد الذي قطعه لهم وحجة عليهم. ونصب الحجارة للتذكار تعدد في الكتاب المقدس (تكوين ٢٨: ١٨ و٣١: ٤٥ – ٥٢ وتثنية ٢٧: ١ و٢ ويشوع ٤: ٣ – ٩ والآية هنا).

تَحْتَ ٱلْبَلُّوطَةِ في شكيم التي يشغل مكانها اليوم.

مَقْدِسِ ٱلرَّبِّ (انظر تفسير ع ١).

٢٧ «ثُمَّ قَالَ يَشُوعُ لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ: إِنَّ هٰذَا ٱلْحَجَرَ يَكُونُ شَاهِداً عَلَيْنَا، لأَنَّهُ قَدْ سَمِعَ كُلَّ كَلاَمِ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي كَلَّمَنَا بِهِ، فَيَكُونُ شَاهِداً عَلَيْكُمْ لِئَلاَّ تَجْحَدُوا إِلٰهَكُمْ. ٢٨ ثُمَّ صَرَفَ يَشُوعُ ٱلشَّعْبَ كُلَّ وَاحِدٍ إِلَى مُلْكِهِ».

تكوين ٣١: ٤٨ و٥٢ وتثنية ٣١: ١٩ و٢١ و٢٦ وص ٢٢: ٢٧ و٢٨ و٣٤ تثنية ٣٠: ١ قضاة ٢: ٦

إِنَّ هٰذَا ٱلْحَجَرَ يَكُونُ شَاهِداً عَلَيْنَا بتذكيره إيانا عهدنا الذي نصبناه لتذكاره.

لأَنَّهُ قَدْ سَمِعَ كُلَّ كَلاَمِ ٱلرَّبِّ لأنه كان حيث يُسمع الكلام. وفي قوله إن «الحجر قد سمع كلام الرب» تعريض شديد بكون قلوبهم أقسى من الحجارة وبكونهم صرفوا مسامعهم عن كلام الرب فصمّوا كأنهم صخور (تكوين ٣١: ٤٨).

كان يشوع من أعظم الجنود والقواد ولكن في كلامه هذا الأخير لم يذكر مَن كان عمله من أعمال البأس بل ذكر ما عمله الرب ولم يحرّض الشعب على الشجاعة والنشاط والاستعداد في الحروب بل على عبادة الرب وحفظ وصاياه فإن هذه هي أعظم أعمال الإنسان وأفضلها.

٢٩ – ٣٣ «٢٩ وَكَانَ بَعْدَ هٰذَا ٱلْكَلاَمِ أَنَّهُ مَاتَ يَشُوعُ بْنُ نُونٍ عَبْدُ ٱلرَّبِّ ٱبْنَ مِئَةٍ وَعَشَرِ سِنِينَ. ٣٠ فَدَفَنُوهُ فِي تُخُمِ مُلْكِهِ فِي تِمْنَةَ سَارَحَ ٱلَّتِي فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ شِمَالِيَّ جَبَلِ جَاعَشَ. ٣١ وَعَبَدَ إِسْرَائِيلُ ٱلرَّبَّ كُلَّ أَيَّامِ يَشُوعَ، وَكُلَّ أَيَّامِ ٱلشُّيُوخِ ٱلَّذِينَ طَالَتْ أَيَّامُهُمْ بَعْدَ يَشُوعَ وَٱلَّذِينَ عَرَفُوا كُلَّ عَمَلِ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي عَمِلَهُ لإِسْرَائِيلَ. ٣٢ وَعِظَامُ يُوسُفَ ٱلَّتِي أَصْعَدَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ دَفَنُوهَا فِي شَكِيمَ فِي قِطْعَةِ ٱلْحَقْلِ ٱلَّتِي ٱشْتَرَاهَا يَعْقُوبُ مِنْ بَنِي حَمُورَ أَبِي شَكِيمَ بِمِئَةِ قَسِيطَةٍ، فَصَارَتْ لِبَنِي يُوسُفَ مُلْكاً. ٣٣ وَمَاتَ أَلِعَازَارُ بْنُ هَارُونَ فَدَفَنُوهُ فِي جِبْعَةِ فِينَحَاسَ ٱبْنِهِ ٱلَّتِي أُعْطِيَتْ لَهُ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ».

قضاة ٢: ٨ ص ١٩: ٥٠ وقضاة ٢: ٩ قضاة ٢: ٧ تثنية ١١: ٢ و٣١: ١٣ تكوين ٥٠: ٢٥ وخروج ١٣: ١٩ تكوين ٣٣: ١٩ خروج ٦: ٢٥ وقضاة ٢٠: ٢٨

هذه الآيات كتبها أحد الملهمين بدليل قبول شعب الله إياها إلى هذا اليوم والمرجّح أنه كاتب سفر القضاة بدليل حرف العطف في أول سفر القضاة وهو قوله «وكان عند موت يشوع الخ» (قضاة ١: ١) فجرى كاتب سفر القضاة مجرى يشوع فإن يشوع ابتدأ كلامه في آخر سفر التثنية واتبعه الكلام في سفره وكاتب سفر القضاة ابتدأ كلامه في آخر سفر يشوع واتبعه الكلام في كتابه. وكان عمر يشوع عند وفاته كعمر يوسف (تكوين ٥: ٢٦).

تِمْنَةَ سَارَحَ (انظر ص ١٩: ٥٠) قيل إنها تبنة في الشمال الغربي من أورشليم وعلى غاية ١٤ ميلاً ونصف ميل منها.

جَاعَشَ جبل قرب تمنة سارح.

كُلَّ أَيَّامِ يَشُوعَ، وَكُلَّ أَيَّامِ ٱلشُّيُوخِ (ع ٣١) ثم تركوا الرب (قضاة ٢: ١٠).

عِظَامُ يُوسُفَ مات يوسف في مصر قبل يشوع بنحو مئتي سنة وكان قد أوصى بني إسرائيل بنقل عظامه من مصر إلى أرض كنعان (تكوين ٥٠: ٢٥) فلما خرجوا من مصر حملوا عظامه أربعين سنة في البرية ولم يدفنوها في مكان حتى دخلوا أرض كنعان فدفنوها في شكيم. ولعلهم عملوا ذلك حين قراءة اللعنات والبركات وبناء المذبح (ص ٨: ٣٠ – ٣٥).

وَمَاتَ أَلِعَازَارُ خدَم أولاً مع أخيه إيثامار في مدة حياة أبيهما وتقلّد منصب أبيه (عدد ٢٠: ٢٨) وعدّ كل الجماعة (عدد ٢٦: ١ – ٣) وملّك بني إسرائيل أنصبتهم مع يشوع (ص ١٤: ١).

مِئَةِ قَسِيطَةٍ (انظر تفسير تكوين ٣٣: ١٩).

جِبْعَةِ فِينَحَاسَ أكمة فينحاس من الأماكن التي أُعطيتها الكهنة في جبل أفرايم لا تبعد كثيراً عن مقام خيمة الشهادة. وكانت وفاة ألعازار قرب وفاة يشوع وبعد نحو خمس وعشرين سنة لوفاة موسى. وهنا نهاية ما كان من أمر يشوع وخدمته بأمانة لإسرائيل. وكان رمزاً عظيماً إلى يسوع المسيح الذي فتح كنعان السماوية لكل من يؤمن به.

فوائد

  1. يجب كلما نجتمع في بيت الله أي الكنيسة وغيرها من أماكن العبادة أن نشعر بأننا أمام الرب (ع ١) فندنو منه بكل احترام مقدس. وعندما نقرأ الكتاب أو نسمعه يجب أن نشعر بأن الله يكلمنا وعندما نصلي نشعر بأننا نكلمه. وكلما نجتمع يجب أن نخصص نفوسنا لخدمة الله ونجدد تخصيصنا هذا مرات كثيرة على الدوام.
  2. في هذا الخطاب كله ظهر جلياً أن الله هو العامل. هو أخذ إبراهيم وسار به إلى أرض كنعان وأكثر نسله وهو أعطى نصيباً لعيسو وأرسل موسى وضرب مصر وأخرج شعبه وردّ على المصريين البحر فغطاهم وأهلك الأموريين. ولم تحدث هذه الأمور اتفاقاً ليس بحكمتهم وقدرتهم ولا بتدبير موسى ويشوع بل حدثت كلها بتدبير الله. واليوم أيضاً يجب أن نرى يد الله في كل ما يحدث في العالم فنتكل عليه ونسلم أنفسنا له بالإيمان والطاعة.
  3. اختاروا لأنفسكم (ع ١٥) أعطى الله الإنسان قوة الاختيار وهذه القوة من أفضل المواهب فلم يعامل الإنسان كالبهائم التي جعلها تحت سلطان الإنسان ولم يعامله كعبد يجبره على حفظ وصاياه بل عامله كإنسان حرّ يحفظ وصاياه ويخدمه بإرادته خدمة عقلية مرضيّة.
  4. خيّر يسوع الشعب بين خدمة الله وخدمة غيره (ع ١٥) فعلى كل من يرفض خدمة الله أن يتأمل في نتيجة رفضه فينظر إلى الوثنيين والكفار ومحبي المال والمسرفين والسكارى والزناة والقتلة والمجدفين فيسأل نفسه قائلاً هل أفضّل الاتحاد بهؤلاء على الاتحاد بالله. ولا بد من خدمة إما خدمة الله وإما خدمة العالم والشهوات والشيطان. انظر ما عمل إيليا (١ملوك ١٨: ٢١).
  5. يجب على كل رب بيت أن يكون قدوة لأهل بيته فإن النساء غالباً يتبعن رجالهن والأولاد والديهم والضعيف يتبع القوي.
  6. من فضائل يشوع ثبوته في إيمانه وطاعته للرب وتواضعه في زمان الغلبة والنجاح خلافاً لبعض الأتقياء الذين عبدوا الرب في أول الأمر وتركوه بعد ما ثبتوا ونجحوا. تأمل في خطايا داود وسليمان وآسا ويهوشافاط وحزقيا في زمان ارتفاعهم.
  7. أكثر الناس يكتفون بإتمام واجباتهم لأبناء عصرهم. أما يشوع فشعر بمسؤولية للعصور القادمة.
  8. كان يشوع رمزاً إلى يسوع بما يأتي:
  • أولاً: بالاسم فإن لفظة يشوع ولفظة يسوع تفيدان معنىً واحداً أي مخلص.
  • ثانياً: بالغلبة (يوحنا ١٧: ٣٣) وهو قول يسوع «أنا قد غلبت العالم». و(١يوحنا ٣: ٨) «أُظْهِرَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ» و(رؤيا ١٩: ١١ و١٢).
  • ثالثاً: بالقسمة فإنه قسم أرض كنعان لبني إسرائيل وهكذا يسوع يعطي شعبه ميراثاً في السماء.

السابق
زر الذهاب إلى الأعلى