سفر يشوع

سفر يشوع | 09 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر يشوع

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ

معاهدة الجبعونيين

١ «وَلَمَّا سَمِعَ جَمِيعُ ٱلْمُلُوكِ ٱلَّذِينَ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ فِي ٱلْجَبَلِ وَفِي ٱلسَّهْلِ وَفِي كُلِّ سَاحِلِ ٱلْبَحْرِ ٱلْكَبِيرِ إِلَى جِهَةِ لُبْنَانَ، ٱلْحِثِّيُّونَ وَٱلأَمُورِيُّونَ وَٱلْكَنْعَانِيُّونَ وَٱلْفِرِزِّيُّونَ وَٱلْحِوِّيُّونَ وَٱلْيَبُوسِيُّونَ».

عدد ٣٤: ٦ خروج ٣: ١٧ و٢٣: ٢٣

عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ أرض الشاطئ الغربي حيث كان الإسرائيليون وكاتب هذا السفر يكتب هذا النبأ كأنهم اعتادوا القول «عبر الأردن» فلم يزالوا يسمّون به الشاطئ الغربي بعد ما عبروا.

ٱلْبَحْرِ ٱلْكَبِيرِ أي بحر الروم وهو البحر المتوسط.

ٱلْحِثِّيُّونَ وَٱلأَمُورِيُّونَ وَٱلْكَنْعَانِيُّونَ وَٱلْفِرِزِّيُّونَ وَٱلْحِوِّيُّونَ وَٱلْيَبُوسِيُّونَ «الحثيون» أبناء حثّ ثاني أبناء كنعان سكنوا أولاً في قرية أربع وهي حبرون وسُميت أيضاً ممرا (تكوين ٢٣: ١٩ و٣٥: ٢٧) وهي لا تزال إلى هذا اليوم وتُعرف بالخليل. ودلت كتابات الأشوريين وأنباء المصريين على أنهم كانوا أمة قوية. و«الأموريون» أمة كنعانية وُصفوا بطول القامة والشجاعة (عاموس ٢: ٩) وكانوا يسكنون في أول أمرهم الحزون الكثيرة الهضاب جنوبي أورشليم ثم سكنوا بين نهر أرنون ويبوق والأردن فكانت أرضهم الأرض الجبلية بين الأردن والنهر الكبير. و«الكنعانيون» سلالة كنعان بن حام بن نوح وهم سكان الأرض المقدسة قبل أن دخلها بنو إسرائيل والمراد بهم قسم من الكنعانيين بقوا يسمون بنسبتهم إلى كنعان وإلا فالحثيون والأموريون وغيرهم كنعانيون. ومثل هذا كثيراً ما يحدث في هذه الأيام فتسمى أقسام من العشيرة بأسماء مختلفة ويبقى كثيرون منها معروفين بالاسم الأول. و«الفرزيون» القرويون أي سكان القرى كانوا من سكان فلسطين. و«اليبوسيون» سكان أورشليم يومئذ وهم أمة كنعانية على ما يرجّح.

٢ «ٱجْتَمَعُوا مَعاً لِمُحَارَبَةِ يَشُوعَ وَإِسْرَائِيلَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ».

مزمور ٨٣: ٣ و٥

ٱجْتَمَعُوا مَعاً لِمُحَارَبَةِ يَشُوعَ أي تعاهدوا وتحالفوا على محاربة يشوع وشعب يشوع وفي العبارة عطف العام على الخاص لأن يشوع واحد من الإسرائيليين.

بِصَوْتٍ وَاحِدٍ وفي العبرانية «بفم واحد» والمعنى باتفاق تامّ.

٣ «وَأَمَّا سُكَّانُ جِبْعُونَ لَمَّا سَمِعُوا بِمَا عَمِلَهُ يَشُوعُ بِأَرِيحَا وَعَايٍ».

ص ١٠: ٢ و٢صموئيل ٢١: ١ و٢ ص ٦: ٢٧

سُكَّانُ جِبْعُونَ معنى جبعون تلّ وهي مدينة كبيرة لبنيامين (ص ١٨: ٢٥) أُعطيها بنو هارون (ص ٢١: ١٧) على غاية نحو ٦ أميال من أورشليم وفي شماليها كان سكانها يومئذ الحويون (ع ٧) ولعلها كانت عاصمتهم. وهي اليوم قرية صغيرة تُسمى جيب أو جب فاسمها الآن قطعة من جبعون وهي على قنة أكمة في حضيضها الشرقي عين ينصب ماؤها إلى بركة طولها ١٢٠ قدماً وعرضها مئة قدم. وكان هؤلاء على ما يظهر أعقل من سائر سكان كنعان لعلمهم أن النصر للإسرائيليين فلم يحالفوا أولئك الأحلاف المذكورين في الآية الأولى. وخداعهم يومئذ ليشوع وسائر الإسرائيليين كان من أعجب المجاراة الاتفاقية فكأنه كان جزاء لهم على خداع شمعون ولاوي للحويين قديماً منذ عهد مجيء يعقوب إلى شكيم من فدان آرام (انظر تكوين ص ٣٤). ويزيد ذلك عجباً إن زمان دخلها يعقوب أعمل ولداه السيف في أهلها وزمان إتيان يشوع أُنقذت هي وسائر مدن الحويين الأربع (ع ١٧) من سيف الإسرائيليين.

لَمَّا سَمِعُوا بِمَا عَمِلَهُ يَشُوعُ بِأَرِيحَا وَعَايٍ كان العمل عمل الثلاثين ألفاً من الإسرائيليين فأُسند إلى يشوع لأنه كان الآمر. وما أكثر المجاز في هذا السفر.

٤ «عَمِلُوا بِغَدْرٍ، وَمَضَوْا وَدَارُوا وَأَخَذُوا جَوَالِقَ بَالِيَةً لِحَمِيرِهِمْ، وَزِقَاقَ خَمْرٍ بَالِيَةً مُشَقَّقَةً وَمَرْبُوطَةً».

عَمِلُوا بِغَدْرٍ وفي العبرانية «بعرمة» أي بخداع وأما الغدر فهو الخيانة ونقض العهد. إن أهل جبعون قصدوا بهذا الخداع النجاة دون الإضرار بالإسرائيليين فهم عملوا بفطنة كوكيل الظلم الذي ذكره المسيح وكان هذا مألوفاً عند سكان كنعان وما أظنهم حسبوه حراماً ولذلك لم يجازوا عليه لأنه إذا لم يكن من شريعة فليس من عقاب فهم أخطأوا على غير علم وربما حسبوا ذلك جائراً لعدم قصدهم الشر لغيرهم فنجوا كما نجت راحاب ولكن هذا كله لا يبرئهم من الخطاء فكان عليهم أن يعرفوا ذلك ويعتزلوه ولعلهم ندموا على ذلك بعد حين ورأوا أنهم كانوا قادرين على معاهدة الإسرائيليين من غير خداع والذي حملهم على الخداع إن الإسرائيليين كانوا يعتقدون إن أهل أرض كنعان كلهم كانوا أعداءهم ويريدون لهم الشرّ.

جَوَالِقَ جمع جِوالَق (بكسر الجيم وفتح اللام) وجُوالَق (بضم الجيم وفتح اللام) وجُوالِق (بضم الجيم وكسر اللام) وهو عِدل كبير من صوف أو شعر يُحشى تبناً ويوضع تحت الحمل وهو فارسي معرّب. وللكلمة العبرانية معنىً آخر وهو الإخلاص والبُلس أي البراذع.

زِقَاقَ جمع زق وهو ظرف من الجلد.

مَرْبُوطَةً الشقوق بدل الخياطة أو الرّقع بأن جُمعت أطراف الشق ورُبطت بخيط كما يفعل أهل الأسفار البعيدة.

٥ «وَنِعَالاً بَالِيَةً وَمُرَقَّعَةً فِي أَرْجُلِهِمْ، وَثِيَاباً رَثَّةً عَلَيْهِمْ، وَكُلُّ خُبْزِ زَادِهِمْ يَابِسٌ قَدْ صَارَ فُتَاتاً».

نِعَالاً أي أحذية وكانت يومئذ قطعاً من الجلود تحت الأقدام تُربط إلى ظهورها بسيورٍ وهي قدد من الجلد فلم تكن كأحذية هذا العصر والعصور الحديثة قبله ولهذا كان المضيفون يغسلون أرجل الضيوف عند نزولهم عليهم لأن ظهور الأقدام وأصابعها كانت تحمل غباراً وأوساخاً كثيرة في أثناء السفر.

فُتَاتاً متفتتاً. وأتوا كلّ ما في هذه الآية والتي قبلها ليوهموا الإسرائيليين أنهم قصدوهم من مكان بعيد.

٦ «وَسَارُوا إِلَى يَشُوعَ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ فِي ٱلْجِلْجَالِ، وَقَالُوا لَهُ وَلِرِجَالِ إِسْرَائِيلَ: مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ جِئْنَا. وَٱلآنَ ٱقْطَعُوا لَنَا عَهْداً».

ص ٥: ١٠ تثنية ٧: ٢

لِرِجَالِ إِسْرَائِيلَ أي شيوخ الإسرائيليين أو عرفائهم (انظر ع ١٥) وفي الأصل العبراني «رجل إسرائيل» فاستعمل المفرد للجمع إذ حسب الرؤساء المتحدين كشخص واحد كاستعمال إسرائيل لكل الشعب ومثل هذا كثير في العبرانية. والمسوغ لذلك أن الرؤساء كانوا وكلاء الشعب وكانوا كواحد في القصد والعمل.

ٱقْطَعُوا لَنَا عَهْداً وفي العبرانية «كرتوا (أو كرثوا) لنو بريت» أي اقطعوا لنا مقطوعاً وأرادوا بالمقطوع العهد لأن أصله من قطع الذبيحة ذبيحة العهد (انظر تكوين ١٥: ١٠ والتفسير). ومادة الكرث لا تزال في العربية والمستعمل منها انكرث أي انقطع. وبريت كأنها وزن فعيل من برت أي قطع ففي متون اللغة العربية برث الشيء يبرته برتاً قطعه وكذا البرت في العبرانية ولكني لم أقف على بريت في كتب اللغة العربية. و«العهد» هنا الحلف على أنهم لا يضرونهم وأن يتخذوهم أصدقاء وخلطاء.

٧ «فَقَالَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ لِلْحِوِّيِّينَ: لَعَلَّكَ سَاكِنٌ فِي وَسَطِي، فَكَيْفَ أَقْطَعُ لَكَ عَهْداً؟».

ص ١١: ١٩ خروج ٢٣: ٣٢ وتثنية ٧: ٢ و٢٠: ١٦ وقضاة ٢: ٢

فَقَالَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ وفي العبرانية «رجل إسرائيل» كما في ع ٦ (انظر التفسير) والمراد الشيوخ أو الرؤساء. والمفرد هو المناسب لقوله «في وسطي».

لِلْحِوِّيِّينَ وفي العبرانية «للحوي» بلفظ المفرد وهو المناسب لقوله «لعلك ساكن» على أن المراد به الجمع.

لَعَلَّكَ سَاكِنٌ فِي وَسَطِي أي بيننا وفي أرضنا لأن الإسرائيليين كانوا أرباب أرض كنعان بمقتضى وعد الله.

فَكَيْفَ أَقْطَعُ لَكَ عَهْداً أي لا أقطع لك عهداً. وعلى ذلك قول الله بلسان موسى «مَتَى أَتَى بِكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكَهَا وَطَرَدَ شُعُوباً كَثِيرَةً مِنْ أَمَامِكَ: ٱلْحِثِّيِّينَ وَٱلْجِرْجَاشِيِّينَ وَٱلأَمُورِيِّينَ وَٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلْفِرِزِّيِّينَ وَٱلْحِوِّيِّينَ وَٱلْيَبُوسِيِّينَ، سَبْعَ شُعُوبٍ أَكْثَرَ وَأَعْظَمَ مِنْكَ. َدَفَعَهُمُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ أَمَامَكَ، وَضَرَبْتَهُمْ، فَإِنَّكَ تُحَرِّمُهُمْ. لاَ تَقْطَعْ لَهُمْ عَهْداً، وَلاَ تُشْفِقْ عَلَيْهِمْ» انظر تثنية ٧: ١ و٢ والتفسير). فعمل أهل جبعون يدل على أنهم كانوا عارفين هذه الوصية وإن المدن البعيدة مستثناة منها كما في (تثنية ٢٠: ١٥).

٨ «فَقَالُوا لِيَشُوعَ: عَبِيدُكَ نَحْنُ. فَقَالَ لَهُمْ يَشُوعُ: مَنْ أَنْتُمْ، وَمِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟».

تثنية ٢٠: ١١ و٢ملوك ١٠: ٥

عَبِيدُكَ نَحْنُ على مقتضى شريعة موسى في أهل المدن البعيدة التي تريد السلم (تثنية ٢٠: ١٠ – ١٢) فقد سلّمنا بلا حرب ولا شروط فنرضى ما ترضون إنما نبغي حفظ حياتنا ومصادقتنا وووقايتنا من حد السيف رحمة منك ومن رؤساء إسرائيل.

مَنْ أَنْتُمْ وَمِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ لعل إتيانهم على تلك الحال من الخضوع والتذلل جعل في نفس يشوع ريباً من أمرهم فسألهم هذا على ما رأى أحد المفسرين. ويحتمل الكلام أن قولهم دلّ على أنهم ليسوا من أمم كنعان السبع التي نهى الإسرائيليين عن معاهدتهم واستبقائهم (تثنية ٢٠) فسأل ليعرف من هم وما بلادهم.

٩ «فَقَالُوا لَهُ: مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ جِدّاً جَاءَ عَبِيدُكَ عَلَى ٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ، لأَنَّنَا سَمِعْنَا خَبَرَهُ وَكُلَّ مَا عَمِلَ بِمِصْرَ».

تثنية ٢٠: ١٥ خروج ١٥: ١٤ وص ٢: ١٠

مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ جِدّاً جَاءَ عَبِيدُكَ أي ما جاء عبيدك إلا من أرض بعيدة. قالوا ذلك للتحقيق ودفع الريب.

عَلَى ٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ أي لأجل اسم الرب إلهك.

لأَنَّنَا سَمِعْنَا خَبَرَهُ أي خبر أعماله وعنايته وما استلزم ذلك من أنه إله قدير محب لشعبه وأدلة قدرته نصركم على الأعداء وما صنعه من المعجزات وأعلنه من الآيات.

وَكُلَّ مَا عَمِلَ بِمِصْرَ من الضربات وقهر المصريين وإلجائهم على أن يطلقوا شعب إسرائيل الخ. وذكروا هذه الأمور القديمة ليبينوا ليشوع أنهم وآبائهم من قبلهم عرفوا قدرة إله إسرائيل وصلاحه وإنه الإله الحق وإنهم مؤمنون بذلك الإله العظيم. أتوا كل ذلك ستراً لأمرهم أو لخداعهم. ولذلك كتموا الأمور الحديثة من العظائم كشق نهر الأدرن وهدم أريحا وغير ذلك لئلا يُظنوا أنهم من أرض قريبة منهم فإن تلك الأمور القديمة إذا كانت قد بلغتهم حديثاً دلّ ذلك على أن بلادهم بعيدة.

١٠ «وَكُلَّ مَا عَمِلَ بِمَلِكَيِ ٱلأَمُورِيِّينَ ٱللَّذَيْنِ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ، سِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ وَعُوجَ مَلِكِ بَاشَانَ ٱلَّذِي فِي عَشْتَارُوثَ».

عدد ٢١: ٢٤ و٣٣

بِمَلِكَيِ ٱلأَمُورِيِّينَ… سِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ وَعُوجَ مَلِكِ بَاشَانَ (انظر عدد ٢١: ٢٤ – ٣٣ والتفسير). فسيحون (ومعناه الانقراض) أُهلك لأنه منع الإسرائيليين من المرور بأرضه وهم آتون من مصر إلى كنعان وهُزم جيشه وأُخذت حسبون عاصمة ملكه واقتسم الإسرائيليون بلاده. وعوج ملك من الرفائيين كان طويل القامة شديد البأس (تثنية ٣: ١١ ويشوع ١٣: ١٢) حاول منع الإسرائيليين من المرور بأرضه (تثنية ٣: ١). لكنه هرب في واقعة أذرعي وقُتل هو وبنوه (عدد ٢١: ٣٤ وتثنية ١: ٤). واقتسم الرأوبينيون والجاديون ونصف سبط منسى مدنه الستين المحصنة (عدد ٣٢: ٢ – ٥). وكان سريره من حديد أخذه أهل ريّة بني عمون وحفظوه بين نفائسهم (تثنية ٣: ١١). و«حشبون» تسمى اليوم حسبان وهي على أكمة تعلو ٢٠٠ قدم عن صعيد موآب. وكانت على التخم الذي بين سهمي رأوبين وجاد على غاية ١٥ ميلاً من شرقي الطرف الشمالي من بحر لوط وهي خربة ظاهرة الأطلال. وإلى شرقيها بقايا قنوات وبركة يًُظن أنها إحدى بُرك حشبون (نشيد الأناشيد ٧: ٤). و«باشان» قسم من أرض كنعان شرقي الأردن بين جبلين أحدهما حرمون أي جبل الشيخ والآخر جلعاد وهو جنوبي يبوق علوه نحو ٤٠٠٠ قدم بين خمسة أميال وستة أميال وهو يمتد شرقاً وغرباً ويقرب من عمان. و«عشتاروت» مدينة في باشان شرقي الأردن (تثنية ١: ٤) وهي بعشترة (ص ٢١: ٢٧) والمرجّح أنها ما يُعرف اليوم بتل عشترة في الجولان.

١١ «فَكَلَّمَنَا شُيُوخُنَا وَجَمِيعُ سُكَّانِ أَرْضِنَا قَائِلِينَ: خُذُوا بِأَيْدِيكُمْ زَاداً لِلطَّرِيقِ، وَٱذْهَبُوا لِلِقَائِهِمْ وَقُولُوا لَهُمْ: عَبِيدُكُمْ نَحْنُ. وَٱلآنَ ٱقْطَعُوا لَنَا عَهْداً».

فَكَلَّمَنَا شُيُوخُنَا أي حكامنا. رأى بعضهم من هذا أن حكمهم كان جمهورياً لا ملكياً أي إنه كان يسوسهم جماعة من المنتخبين الذين هم أهل للحكم.

ٱذْهَبُوا لِلِقَائِهِمْ لأنهم لو بقوا لوصل إليهم الإسرائيليون وأهلكوهم ولم تجد حيلة ولا ينفع خداع. وكلامهم يدل على أنهم عرفوا أن الإسرائيليين سيصلون إلى أرضهم وإنهم قادمون إليها وإنهم سيقتلون أمم كنعان (ع ٢٤).

١٢، ١٣ «١٢ هٰذَا خُبْزُنَا سُخْناً تَزَوَّدْنَاهُ مِنْ بُيُوتِنَا يَوْمَ خُرُوجِنَا لِنَسِيرَ إِلَيْكُمْ، وَهَا هُوَ ٱلآنَ يَابِسٌ قَدْ صَارَ فُتَاتاً. ١٣ وَهٰذِهِ زِقَاقُ ٱلْخَمْرِ ٱلَّتِي مَلأْنَاهَا جَدِيدَةً، هُوَذَا قَدْ تَشَقَّقَتْ. وَهٰذِهِ ثِيَابُنَا وَنِعَالُنَا قَدْ بَلِيَتْ مِنْ طُولِ ٱلطَّرِيقِ جِدّاً».

سُخْناً تَزَوَّدْنَاهُ الخ فيدلكم يبسه وتفتته على بُعد المسافة بيننا وبينكم وكذا سائر أدواتنا.

١٤ «فَأَكَلَ ٱلرِّجَالُ مِنْ زَادِهِمْ، وَمِنْ فَمِ ٱلرَّبِّ لَمْ يَسْأَلُوا».

عدد ٢٧: ٢١ وقضاة ١: ١ و١صموئيل ٢٢: ١٠ و٢٣: ١٠ و١١ و٣٠: ٨ و٢صموئيل ٢: ١ و٥: ١٩ وإشعياء ٣٠: ١ و٢

فَأَكَلَ ٱلرِّجَالُ مِنْ زَادِهِمْ هذه العبارة مبهمة فلا يُعلم منها أرجال إسرائيل أخذوا من زاد الحويين أم الرجال الحويون أخذوا من زاد أنفسهم ولكن الكلام الفصيح يقتضي الأول. والمراد بأولئك الرجال الشيوخ الإسرائيليون. ومعنى أخذهم الزاد مبهم أيضاً فهل أخذوه وأكلوه فكان ذلك علامة الصداقة كما هو المعهود إلى الآن في الشرق أو أخذوه ليروا أنه كما قالوا يبس وتفتت لطول المسافة فوجدوه يابساً متفتتاً فصدقوا قول الجبعونيين أنهم أتوا من مكان بعيد جداً. وفي الترجمة الكلدانية ما معناه والرجال صدقوا كلامهم. وقال بعضهم إن الأصل العبراني يحتمل أنهم قبلوا الرجال بسبب زادهم أي ما رأوه من أحواله الدالة على أنهم قدموا من مكان بعيد.

وَمِنْ فَمِ ٱلرَّبِّ لَمْ يَسْأَلُوا أي سلّموا بقول الحويين الذين هم أهل جبعون ولم يسألوا كلاماً أو بياناً من فم الرب بواسطة الكاهن الذي كان يعلم إرادة الرب بواسطة الأوريم والتميم (خروج ٢٨: ٣٠ وعدد ٢٧: ٢١ و١صموئيل ٣٠: ٧ و٨) فهذا يدل على أنهم لو سألوا الرب ما خُدعوا ولم يقبلوا الجبعونيين ولم يرحموهم. وإن الله خلّص الجبعونيين لإيمانهم وتوبتهم وإن كان ذلك ليس بعذر للجبعونيين على كذبهم ولا لرؤساء إسرائيل على غفلتهم عن أن يسألوا الرب.

١٥ «فَعَمِلَ يَشُوعُ لَهُمْ صُلْحاً وَقَطَعَ لَهُمْ عَهْداً لاسْتِحْيَائِهِمْ، وَحَلَفَ لَهُمْ رُؤَسَاءُ ٱلْجَمَاعَةِ».

ص ١١: ١٩ و٢صموئيل ٢١: ٢

وَحَلَفَ لَهُمْ رُؤَسَاءُ ٱلْجَمَاعَةِ أي حلف رؤساء الإسرائيليين لأهل جبعون على أنهم لا يقتلونهم. ومعنى هذا الحَلف أن غضب الله يقع عليهم إن خانوا أو خالفوا عهدهم بأن قتلوهم أو أفسدوا صداقتهم.

١٦ «وَفِي نِهَايَةِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَمَا قَطَعُوا لَهُمْ عَهْداً سَمِعُوا أَنَّهُمْ قَرِيبُونَ إِلَيْهِمْ وَأَنَّهُمْ سَاكِنُونَ فِي وَسَطِهِمْ».

وَفِي نِهَايَةِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ إذ كانوا قد وصلوا إلى بلادهم. الظاهر أنه كان بين مدن الجبعونيين والجلجال حيث كان الإسرائيليون ثلاث مراحل فإن الجبعونيين في اليوم الثالث بعد قطع العهد وصلوا إلى بلادهم وكانوا قد أشاعوا على الطريق إنهم عاهدوا الإسرائيليين فبلغ ذلك مسامع الإسرائيليين إن الذين عاهدوهم أهل جبعون.

وَأَنَّهُمْ سَاكِنُونَ فِي وَسَطِهِمْ أي في وسط أرضهم (والمجاز كثير في هذا السفر كما عرفت) وفي العبرانية «ساكنون في وسطه» أي في وسط أرض شعب إسرائيل فاستعمل المفرد للجمع وقد سبق له نظائر.

١٧ «فَٱرْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَجَاءُوا إِلَى مُدُنِهِمْ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ. وَمُدُنُهُمْ هِيَ جِبْعُونُ وَٱلْكَفِيرَةُ وَبَئِيرُوتُ وَقَرْيَةُ يَعَارِيمَ».

ص ١٨: ٢٥ و٢٦ و٢٨ وعزرا ٢: ٢٥

فَٱرْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ على أثر سمعهم فالفاء سببيّة (ويصحّ أنها استئنافية) أو عاطفة غير سببيّة للترتيب.

وَجَاءُوا إِلَى مُدُنِهِمْ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ أي مدن الحويين الذين منهم الجبعونيون. وقال بعضهم إن المعنى الأحسن حسب الأصل العبراني لأنه حين سافر الإسرائيليون جاءوا إلى مدنهم فيكون المعنى أن الإسرائيليين إذ جاءوا إلى مدن الحوّيين سمعوا أنهم ساكنون في وسطهم فيكون فرق المدة بين التفسيرين ثلاثة ايام إذ على المعنى الأول أنهم سمعوا بعد الحلف بثلاثة أيام إن الذين حالفوهم ساكنون في وسطهم أي في أرضهم لأنها كانت لهم بوعد لله وقد دخلوها فسافروا إلى مدنهم ووصلوا إليها في اليوم الثالث فتكون المدة بين الحلَف ووصول الإسرائيليين إلى مدن الحويين ستة أيام وعلى التفسير الثاني ثلاثة أيام والأول هو المناسب لنظم الكلام.

وَمُدُنُهُمْ هِيَ جِبْعُونُ وَٱلْكَفِيرَةُ وَبَئِيرُوتُ وَقَرْيَةُ يَعَارِيمَ «جبعون» كانت مدينة عظيمة على غاية نحو ٦ أميال من شمالي أورشليم وهي اليوم قرية تُعرف بالجيب. و«الكَفيرة» وهي اليوم قرية اسمها الكفير أو كفيرة على غاية ثمانية أميال من الجيب وفي الشمال الغربي منها. و«بئيروت» معناها آبار كانت مدينة في سبط بنيامين على سفح الأكمة التي عليها جبعون وعلى غاية عشرة أميال في شمالي أورشليم وهي اليوم قرية اسمها البيرة. و«قرية يعاريم» معناها مدينة الآجام ظنّ بعضهم أنها قرية العنب قرب أورشليم وآخر أنها عرمة على غاية أربعة أميال من عين شمس شرقاً وتسمى بعلة وقرية بعل. أُتي إليها بالتابوت من بيت شمس (١صموئيل ٦: ٢١ و٧: ١ و٢) فبقي هناك حتى نقله داود إلى بيدر ناخون وبيت عوربيد أدوم (٢صموئيل ٦: ٦ – ١٠).

١٨ «وَلَمْ يَضْرِبْهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لأَنَّ رُؤَسَاءَ ٱلْجَمَاعَةِ حَلَفُوا لَهُمْ بِٱلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ. فَتَذَمَّرَ كُلُّ ٱلْجَمَاعَةِ عَلَى ٱلرُّؤَسَاءِ».

مزمور ١٥: ٤ وجامعة ٥: ٢

لَمْ يَضْرِبْهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أي لم يقتلوهم ضرباً بالسيف أو لم يضربوهم بيسوفهم فيقتلوهم.

لأَنَّ رُؤَسَاءَ ٱلْجَمَاعَةِ حَلَفُوا لَهُمْ أي لأن رؤساء الإسرائيليين عاهدوهم بقسم على أن لا يقتلوهم فلو ضربوهم حنثوا والحنث محظور وكذا الإخلاف بالوعد ونقض العهد (مزمور ١٥: ٤).

فَتَذَمَّرَ كُلُّ ٱلْجَمَاعَةِ عَلَى ٱلرُّؤَسَاءِ لا شك في أن تذمُّر بعضهم كان لأن ذلك مخالف لوصية الله إذ نهاهم عن معاهدة أمم كنعان وأمرهم بتحريمهم والقسوة عليهم انتقاماً منهم على معاصيهم وإصرارهم على آثامهم. وإن تذمُّر الآخرين وهم الأكثر كان لأن ذلك الحلف حرمهم غنائم الجبعونيين.

١٩ «فَقَالَ جَمِيعُ ٱلرُّؤَسَاءِ لِكُلِّ ٱلْجَمَاعَةِ: إِنَّنَا قَدْ حَلَفْنَا لَهُمْ بِٱلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ. وَٱلآنَ لاَ نَتَمَكَّنُ مِنْ مَسِّهِمْ».

حَلَفْنَا لَهُمْ فعل الرؤساء فعل الرجل الكامل أنه «يَحْلِفُ لِلضَّرَرِ وَلاَ يُغَيِّرُ» (مزمور ١٥: ٤). وأشبهوا يفتاح بأنه قتل ابنته وليس له ولد غيرها ولم يرجع عن نذره. وكان لهم أن يقولوا للجبعونيين أنتم خدعتمونا وكان حلفنا لكم بناء على أنكم من أرض بعيدة ولكنكم كذبتم فبطل ما بنينا عليه الحلف فبطل الحلف أيضاً لكنهم حلفوا بالرب فلم يرجعوا تعظيماً لما حلفوا به لأنهم لو نكثوا عهدهم أهان الأمم أعداء الله وجدفوا عليه واستهانوا به لأن شعبه حلف به وحنث ولعل هذا ما حمل يفتاح على قتل ابنته لئلا يبطل نذره ولا يفي به.

مَسِّهِمْ بضرر أو أذىً. وجاء المس في مواضع كثيرة من الكتاب المقدس بمعنى الإضرار ومنها ما في (تكوين ٢٦: ١١ وراعوث ٢: ٩ وزكريا ٢: ٨) وعلى هذا جاء في الترجمة الكلدانية «لا يمكننا أن نوقع بهم ضرّاً».

٢٠ «هٰذَا نَصْنَعُهُ لَهُمْ وَنَسْتَحْيِيهِمْ فَلاَ يَكُونُ عَلَيْنَا سَخَطٌ مِنْ أَجْلِ ٱلْحَلْفِ ٱلَّذِي حَلَفْنَا لَهُمْ».

٢صموئيل ٢١: ١ و٢ و٦ وحزقيال ١٧: ١٣ و١٥ و١٨ و١٩ وزكريا ٥: ٣ و٤ وملاخي ٣: ٥

فَلاَ يَكُونُ عَلَيْنَا سَخَطٌ مِنْ أَجْلِ ٱلْحَلْفِ كما كان السخط على شاول لأنه قتل الجبعونيين (٢صموئيل ٢١: ١ و٢).

٢١ «وَقَالَ لَهُمُ ٱلرُّؤَسَاءُ: يَحْيَوْنَ وَيَكُونُونَ مُحْتَطِبِي حَطَبٍ وَمُسْتَقِي مَاءٍ لِكُلِّ ٱلْجَمَاعَةِ كَمَا كَلَّمَهُمُ ٱلرُّؤَسَاءُ».

تثنية ٢٩: ١١ ع ١٥

مُحْتَطِبِي حَطَبٍ وَمُسْتَقِي مَاءٍ أي يكونوا عبيداً على وفق قولهم (ع ٨) ووفق شريعة الله (تثنية ٢٠: ١١). وهذه الخدمة من أدنى الخدم (تثنية ٢٩: ١٠ و١١).

لِكُلِّ ٱلْجَمَاعَةِ لا لكل فرد من الإسرائيليين فالخدمة عامة لا خاصة (ع ٢٣).

كَمَا كَلَّمَهُمُ ٱلرُّؤَسَاءُ الكاف متعلقة بقولهم «يحيون» أي يحيون كما عاهدهم الرؤساء (ع ١٥).

٢٢ «فَدَعَاهُمْ يَشُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا خَدَعْتُمُونَا قَائِلِينَ: نَحْنُ بَعِيدُونَ عَنْكُمْ جِدّاً، وَأَنْتُمْ سَاكِنُونَ فِي وَسَطِنَا؟».

ع ٦ و٩ ع ١٦

لِمَاذَا خَدَعْتُمُونَا أي لم يكن من داع لكم إلى الخداع فكان يمكنكم أن تؤمنوا بالله وتتوبوا فنستحييكم. قال أحد الأفاضل إن يشوع لم يصفهم بالدناءة ولم يفه بكلمة قاسية كأن يقول لهم أيها الأخساء الكاذبون والثعالب المحتالون كما كانوا يستحقون بل اقتصر على قوله «لماذا خدعتمونا» فعلينا بذلك الاعتصام بالحلم عند مهيجات الغضب فإن الحق لا يحتاج إلى حماية الغضب المؤدي إلى الهجر والسلاطة والشتائم.

٢٣ «فَٱلآنَ مَلْعُونُونَ أَنْتُمْ. فَلاَ يَنْقَطِعُ مِنْكُمُ ٱلْعَبِيدُ وَمُحْتَطِبُو ٱلْحَطَبِ وَمُسْتَقُو ٱلْمَاءِ لِبَيْتِ إِلٰهِي».

تكوين ٩: ٢٥ ع ٢١ و٢٧

فَٱلآنَ مَلْعُونُونَ أَنْتُمْ أي لذلك أي لخداعكم وجبتم اللعنة على أنفسكم. فالكلام خبر لا دعاء عليهم. وكانت لعنتهم العبودية لأنفسهم ولأولادهم. وكأن هذه اللعنة كانت تصديقاً للعنة أبيهم كنعان لعنة العبودية وهي قول نوح «مَلْعُونٌ كَنْعَانُ. عَبْدَ ٱلْعَبِيدِ يَكُونُ لإِخْوَتِهِ» (تكوين ٩: ٢٥).

فَلاَ يَنْقَطِعُ مِنْكُمُ ٱلْعَبِيدُ وَمُحْتَطِبُو ٱلْحَطَبِ وَمُسْتَقُو ٱلْمَاءِ لِبَيْتِ إِلٰهِي هذه خدمة عامة (ع ٢١ و٢٧). وبيت الله هنا خيمة الشهادة ثم صارت الهيكل. فكانت تلك اللعنة بما أتوه من الإيمان والطاعة والتسليم بركة لهم لأنها أدّت بهم إلى خدمة بيت الله وهي شرف. قال المرنم «ٱخْتَرْتُ ٱلْوُقُوفَ عَلَى ٱلْعَتَبَةِ فِي بَيْتِ إِلٰهِي عَلَى ٱلسَّكَنِ فِي خِيَامِ ٱلأَشْرَارِ» (مزمور ٨٤: ١٠). ويُظن أنهم بقوا في خدمة الرب كل أيامهم على توالي الأنسال فخدموا بيت الله قبّة الشهادة وبيته الهيكل وسموا بعد ذلك النثينيم أي الموقوفين وكانت خدمتهم أدنى من خدمة اللاويين وكثرت الإشارة إليهم في سفر عزرا وسفر نحميا. وذُكروا مع الكهنة واللاويين والبوابين والمغنّين (١أيام ٩: ٢ وعزرا ٧: ٢٤) وسكنوا في الأكمة (نحميا ١١: ٢١) ولم يؤخذ منهم جزية ولا خراج ولا خفارة (عزرا ٧: ٢٤). وكانوا مُستعبدين لسليمان وخداماً في بناء بيت الرب لأنهم من بقيّة الكنعانيين (١ملوك ٩: ٢٠ و٢١ و٢أيام ٨: ٧ و٨ وانظر أيضاً عزرا ٢: ٥٨).

٢٤ «فَأَجَابُوا يَشُوعَ: أُخْبِرَ عَبِيدُكَ بِمَا أَمَرَ بِهِ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ مُوسَى عَبْدَهُ أَنْ يُعْطِيَكُمْ كُلَّ ٱلأَرْضِ، وَيُبِيدَ جَمِيعَ سُكَّانِ ٱلأَرْضِ مِنْ أَمَامِكُمْ. فَخِفْنَا جِدّاً عَلَى أَنْفُسِنَا مِنْ قِبَلِكُمْ، فَفَعَلْنَا هٰذَا ٱلأَمْرَ».

خروج ٢٣: ٣٢ وتثنية ٧: ١ و٢ خروج ١٥: ١٤

فَأَجَابُوا الخ بالواقع ولم يبرروا نفوسهم.

٢٥ «وَٱلآنَ نَحْنُ بِيَدِكَ، فَٱفْعَلْ بِنَا مَا هُوَ صَالِحٌ وَحَقٌّ فِي عَيْنَيْكَ أَنْ تَعْمَلَ».

تكوين ١٦: ٦

نَحْنُ بِيَدِكَ، فَٱفْعَلْ بِنَا مَا هُوَ صَالِحٌ وَحَقٌّ فِي عَيْنَيْكَ أي نحن خاضعون للعقاب الذي نستحقه بحسب ما تراه نافعاً وحقاً. وهذا اعتراف ظاهر بأنهم أقروا بإثمهم أو بأنهم آثمون وإن ليس لهم ما يدفعون به عن نفوسهم.

٢٦ «فَفَعَلَ بِهِمْ هٰكَذَا، وَأَنْقَذَهُمْ مِنْ يَدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يَقْتُلُوهُم».

فَفَعَلَ بِهِمْ هٰكَذَا أي فعل بهم ما ينفعهم ويوافق العدل فوقفهم للخدمة.

٢٧ «وَجَعَلَهُمْ يَشُوعُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ مُحْتَطِبِي حَطَبٍ وَمُسْتَقِي مَاءٍ لِلْجَمَاعَةِ وَلِمَذْبَحِ ٱلرَّبِّ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ، فِي ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي يَخْتَارُهُ».

ع ٢١ و٢٣ و١أيام ٩: ٢ وعزرا ٨: ٢٠ تثنية ١٢: ٥

فِي ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي يَخْتَارُهُ أي يختاره الرب لمذبحه أو بيته من الخيمة والهيكل.

فوائد

  1. خطيئة السهو أخفّ من خطيئة العمد وإن كانت تجلب جزاءها معها. وخفّتها أن مرتكبها يندم عليها سريعاً ويعجّل الله غفرانها بخلاف خطيئة العمد والله يميّز بين الخطيئتين. فسهو بني إسرائيل عن تحقيق كلام الجبعونيين أوجب عليهم الملام وكان تنبيهاً لكل مؤمن أن يحترس من الخطإ سهواً.
  2. إنه يجب علينا أن نستشير الرب في كل أفكارنا وأقوالنا وأعمالنا فخطاء بني إسرائيل بمعاهدة الحويين نشأ عن أنهم لم يسألوا الرب وكانوا يسألون الله بالأوريم والتميم ونحن نسأله بالصلاة بقلب خاشع وروح متواضعة.
  3. إنه يجب علينا أن نقوم بما يجب علينا من الوفاء بالوعد وحفظ العهد ولو آل ذلك إلى ضرّنا كما قام بنو إسرائيل بوعدهم وعهدهم للحويين وإن كان ذلك أتوه عن انخداع. ولكن يجب علينا أن نتأمل في الوعد والعهد قبل أن نأتيهما.
  4. إنه يجب أن نفي بالعهد ما لم يكن الوفاء به خطيئة ونعلم أنه خطيئة فكل نذر ووعد وعهد يُبطل إن كان إثماً.
  5. قد يكون الخطاء خيراً للخاطئ إذا ارتكبه على غير قصد الشرّ كما كان للجبعونيين ولكن ذلك لا يجيزه فليس لنا أن نبرر الواسطة بالغاية أو أن نفعل السيئات لكي تأتي الخيرات. والله هو الذي ينشئ عن الشر خيراً لا الذي يفعل الشرّ.
  6. إن خطأ إسرائيل يبيّن لنا أن الإنسان عرضة للخداع وإنه قد يخدع بسهولة فيجب أن ننتبه كل الانتباه.
  7. إن الإنسان بالطبع يكره أن يُخدع ويغضب على من يخدعه فيجب أن نلجم الغضب بالحلم كما فعل يشوع في عتابه للجبعونيين.
  8. إن كان الوفاء بالعهد يضرنا وعدم والوفاء به يحمل الأعداء على تعيير إلهنا وجب أن نقوم به وإن كان مما نشأ عن مخدوعيتنا أو غفلتنا فالمرجّح أن شيوخ إسرائيل لم ينقضوا العهد للحويين وأن يفتاح لم يرجع عن الوفاء بنذره دفعاً لذلك التعبير.
  9. إنه يجب علينا بعد ارتكاب الإثم أن لا نيأس من رحمة الله وأن نتوب فيُحسن الله آخرتنا كما أحسن آخرة الجبعونيين.
  10. إنه يجب علينا أن نرضي المقام الذي يختاره الله لنا فإن الجبعونيين رضوا بأدنى الخدم والله أحسن إليهم. فمن لم يرض بمقامه الذي عيّنه الله له فهو مقاوم لله.
  11. إنه يجب علينا أن ننبئ الخطأة بعواقب الإثم فإن يشوع مع كل تلطفه مع الجبعونيين أنبأهم بوقوع لعنة العبودية عليهم ولكن يجب أن نكون لطفاء بالإنباء وإلا خُشي أن نزيد الأثيم إثماً.
  12. إن الكذب والخداع لا يُستران أبداً فقد صدق من قال حبل الكذب قصير فإن كذب الجبعونيين وخداعهم لم يَطُل خفاؤهما أكثر من ثلاثة أيام.
  13. إنه يجب علينا أن نثق بمواعيد الله ونعتبر أنه وفى بها قبل الوفاء فعلاً لأنّ الله لا يخلف الميعاد فإن بني إسرائيل كانوا يرون أرض كنعان قبل أن يستولوا عليها وتُقسم عليهم بالقرعة.
  14. إن الخلاص والنجاة من الله ولكن على الإنسان أن يبذل جهده في طلبهما ثم يترك الأمر لله فإن الجبعونيين أتوا من أرضهم وبذلوا جهدهم حتى أمكنهم الحصول على العهد الذي تكفل لهم بالنجاة أو الاستحياء وإلا كانوا أصبحوا طعاماً لسيوف الإسرائيليين.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى