سفر يشوع

سفر يشوع | 06 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر يشوع

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ

١ «وَكَانَتْ أَرِيحَا مُغَلَّقَةً مُقَفَّلَةً بِسَبَبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. لاَ أَحَدٌ يَخْرُجُ وَلاَ أَحَدٌ يَدْخُلُ».

إذا تأملت قليلاً رأيت هذه الآية معترضة بين كلام رئيس جند الرب في نهاية الأصحاح الخامس والآية الثانية من الأصحاح السادس. وذُكرت تمهيداً لبيان قوة الله في نصرة شعبه.

كَانَتْ أَرِيحَا مُغَلَّقَةً مُقَفَّلَةً أي كانت أبواب أريحا موصدة بالإقفال والعقل يدل على ما عُرف من أمور الحصار يومئذ إن الأبواب كانت من حديد ومقواة بالمتاريس والعصي الحديدية أو النحاسية حتى يتعذّر على الأعداء فتحها ولذلك جاء بالترجمة التفسيرية الكلدانية ما مترجمه «وكانت أريحا مغلقة بأبواب الحديد ومحصّنة بالمتاريس النحاسية حتى لا يستطيع أحد أن يخرج لحرب أو لتأدية ما به السِّلم».

بِسَبَبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أي خوفاً من دخول بني إسرائيل واستيلائهم على المدينة.

لاَ أَحَدٌ يَخْرُجُ وَلاَ أَحَدٌ يَدْخُلُ من أهلها إذ الخارج لا يجسر أن يدنو منها خوفاً من أن يقتله الإسرائيليون والداخل لا يجسر على الخروج لذلك ولفتح السبيل للإسرائيليين. ولا ريب في أن حرس الأريحيين كانوا وراء الأبواب وعلى الأسوار بكل أدوات الحرب حتى كاد يتعذّر الاستيلاء عليها دون أن يُقتل كثيرون من الإسرائيليين.

٢ «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ: ٱنْظُرْ. قَدْ دَفَعْتُ بِيَدِكَ أَرِيحَا وَمَلِكَهَا جَبَابِرَةَ ٱلْبَأْسِ».

ص ٢: ٩ و٢٤ و٩: ١ تثنية ٧: ٢٤

فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ أي قال له ذلك على أثر خلع نعله (ص ٥: ١٥) والذي سُمي هناك «رئيس جند الرب» سمي هنا «الرب» (وفي العبرانية «يهوه» وهو واجب الوجود الأزلي) وهذا دليل قاطع على أن الابن هو الروح الأزلي والحكمة الأزلية والكلمة التي لا بداءة لها أو هو واجب الوجود علة العلل ورب الأزل.

ٱنْظُرْ أي تأمل وتحقق. قال ذلك تأكيداً وتنبيهاً دفعاً لكل شك. والداعي لذلك ما كانت عليه أريحا من قوة التحصّن والاستعداد للدفاع مما يحمل على الشك في الاستيلاء عليها. انظر يا يشوع وتنبّه لما أقول واعرف من هو الذي يكلمك إنه القادر على كل شيء.

قَدْ دَفَعْتُ بِيَدِكَ أَرِيحَا جاء بصيغة الماضي بدل المضارع للتحقيق أن ذلك سيكون بلا ريب حتى كأنه كان. أي كان مقتضى اللغة أن يقول «ادفع» فقال «دفعت» وزاد ذلك تحقيقاً بلفظة «قد». إن ما يقصد الله إحداثه لا بد من أن يحدث. ومثل له تقديره على الاستيلاء على أريحا بشيء صغير في يده زيادة لثقته.

وَمَلِكَهَا كانت ممالك أرض كنعان صغيرة حتى كان لكل مدينة ملك (انظر تثنية ٧: ٢٤).

جَبَابِرَةَ ٱلْبَأْسِ عطف بيان لقوله «أريحا» إذ المراد رجال الحرب فيها من باب المجاز المرسل وهو التعبير عن الحال باسم المحل فكأنه قال دفعت بيدك أبطال أريحا وملكها كل جبابرة البأس. ووصفهم بذلك لبيان أن هذا الانتصار يتم بمساعدته تعالى لا بقدرة يشوع ورجال الحرب من إسرائيل. «والجبابرة» العُتاة القتلة «والبأس» القوة.

٣ «تَدُورُونَ دَائِرَةَ ٱلْمَدِينَةِ، جَمِيعُ رِجَالِ ٱلْحَرْبِ. حَوْلَ ٱلْمَدِينَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً. هٰكَذَا تَفْعَلُونَ سِتَّةَ أَيَّامٍ».

تَدُورُونَ دَائِرَةَ ٱلْمَدِينَةِ… سِتَّةَ أَيَّامٍ خاطبه في ع ٢ بضمير المفرد وخاطبه هنا بضمير الجمع كأنه هو ومن يقودهم في الأول شخص واحد وهنا دل على أن خطابه له الأول خطاب لكل إسرائيل. وأراد بقوله «تدورون دائرة المدينة» تمشون على مثل محيط بدائرة المدينة والمعنى تدورون حول المدينة. وفي هذا عدة مقاصد:

  1. تعظيم قوة الله في عيون الإسرائيليين والأمم إذ هدم المدينة بمجرد ما أتوه لا يمكن فما بقي إلا أن قوة الله هي التي هدمتها.
  2. إمتحان إيمان يشوع والإسرائيليين إذ الانتصار على أولئك المحاصَرين المتحصنين بما أمر الله الإسرائيليين به جهل بالنظر إلى الحكمة البشرية ومحال بحكم البديهة.
  3. حملهم على احترام التابوت باعتبار أنه سكن الله وآية حضوره.

ثم أن دورانهم حول المدينة كانت ستاً إذ كانوا يدورون مرة حولها كل يوم ستة أيام وسبعاً في اليوم السابع كما سيأتي في الآية الرابعة.

٤ «وَسَبْعَةُ كَهَنَةٍ يَحْمِلُونَ أَبْوَاقَ ٱلْهُتَافِ ٱلسَّبْعَةَ أَمَامَ ٱلتَّابُوتِ. وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ تَدُورُونَ دَائِرَةَ ٱلْمَدِينَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَٱلْكَهَنَةُ يَضْرِبُونَ بِٱلأَبْوَاقِ».

قضاة ٧: ١٦ و٢٢ عدد ١٠: ٨ و٩

سَبْعَةُ كَهَنَةٍ يَحْمِلُونَ أَبْوَاقَ ٱلْهُتَافِ ٱلسَّبْعَةَ أَمَامَ ٱلتَّابُوتِ عدد السبعة عند اليهود عدد مقدس يدل على الكمال. فهنا كان الكهنة سبعة والأبواق سبعة ونُفخ فيها في اليوم السابع. و«أبواق الهتاف» هي أبواق النصر والبهجة. والمعنى أنهم بذلك ينتصرون انتصاراً كاملاً ويبتهجون ابتهاجاً تاماً. ومع أن النصر كله كان من الله كان عليهم أن يقوموا بشيء من العمل لأن الله لا يعمل شيئاً لمن لا يعمل معه ولو كالذهاب إلى بركة سلوام ودحرجة الحجر عن قبر لعازر.

٥ «وَيَكُونُوا عِنْدَ ٱمْتِدَادِ صَوْتِ قَرْنِ ٱلْهُتَافِ عِنْدَ ٱسْتِمَاعِكُمْ صَوْتَ ٱلْبُوقِ، أَنَّ جَمِيعَ ٱلشَّعْبِ يَهْتِفُ هُتَافاً عَظِيماً، فَيَسْقُطُ سُورُ ٱلْمَدِينَةِ فِي مَكَانِهِ، وَيَصْعَدُ ٱلشَّعْبُ كُلُّ رَجُلٍ مَعَ وَجْهِهِ».

عِنْدَ ٱمْتِدَادِ صَوْتِ قَرْنِ ٱلْهُتَافِ عِنْدَ ٱسْتِمَاعِكُمْ صَوْتَ ٱلْبُوقِ قوله «عند استماعكم الخ» بدل اشتمال من قوله «عند امتداد الخ» لأن امتداد الصوت يستلزم أنه يسمع فهو من مشتملاته والبدل يفيد التوكيد. وبقي أن أبواق الهتاف على ما في الآية الرابعة سبعة وهنا ذكر واحداً فالمراد بالواحد هنا الجنس ويكفي أن يكون المسموع صوت بوق واحد والبوق تفسير للقرن فإنهم كانوا يصنعون القرون أبواقاً وقد يُصنع البوق من المعدن على هيئة القرن فيسمى قرناً للشبه.

فَيَسْقُطُ سُورُ ٱلْمَدِينَةِ فِي مَكَانِهِ أو إلى أساسه وفي الأصل العبراني «فيسقط سور المدينة تحتها» والمعنى واحد.

وَيَصْعَدُ ٱلشَّعْبُ على ردم السور إذ يكون حينئذ مرتفعاً عن موقفهم.

كُلُّ رَجُلٍ مَعَ وَجْهِهِ قوله «كل رجل» بدل من الشعب للتوكيد كما مرّ. والمراد بصعوده مع وجهه سيره على خط مستقيم من محيط المدينة إلى مركزها إذ لم يبق أمامهم من حاجز ولا مانع. والمعنى بمقتضى اللفظ أن كل رجل يصعد مصاحباً ما يقابل وجهه من الطريق.

٦ «فَدَعَا يَشُوعُ بْنُ نُونٍ ٱلْكَهَنَةَ وَقَالَ لَهُمُ: ٱحْمِلُوا تَابُوتَ ٱلْعَهْدِ. وَلْيَحْمِلْ سَبْعَةُ كَهَنَةٍ سَبْعَةَ أَبْوَاقِ هُتَافٍ أَمَامَ تَابُوتِ ٱلرَّبِّ».

فَدَعَا يَشُوعُ بْنُ نُونٍ ٱلْكَهَنَةَ الخ كان سلطان يشوع فوق سلطان الكهنة وكان رئيسهم الآمر كما كان سميه يسوع رئيس كهنة الله فهو رمز إلى المسيح من وجوه كثيرة. وهذه ليست طريقة الحصار المعتاد فكانت امتحاناً لإيمان يشوع والكهنة والشعب معاً ولكن إيمان يشوع كان وطيداً ففعل كما أمره الرب بلا اعتراض ولا سؤال لأنه آمن بأن الله قادر على كل شيء.

٧ «وَقَالُوا لِلشَّعْبِ ٱجْتَازُوا وَدُورُوا دَائِرَةَ ٱلْمَدِينَةِ وَلْيَجْتَزِ ٱلْمُتَجَرِّدُ أَمَامَ تَابُوتِ ٱلرَّبِّ».

وَقَالُوا لِلشَّعْبِ كذا في الأصل العبراني ونظم الكلام يقتضي الأفراد أي وقال للشعب وقرئ كذلك في بعض النسخ. وعلى هذا جرى مترجمو الكلدانية واللاتينية وكثير من سائر الترجمات وعلى ما في المتن يكون القائلون الكهنة أو القواد الذين أمرهم يشوع.

ٱلْمُتَجَرِّدُ أي كل متجرد (فالكلام فيه لاستغراق الجنس انظر تفسير ع ٩).

تَابُوتِ ٱلرَّبِّ كان تابوت الرب أمام الإسرائيليين في كل أمر ذي شأن لأمور كثيرة أهمها ما يأتي:

  1. أن ينظروا إلى الله في كل أعمالهم لأن الله قائدهم وعلامة ذلك تابوت العهد آية حضوره.
  2. أن ينظروا إلى شريعته ويسلكوا بمقتضاها لأن في التابوت خلاصة كل الشريعة وهي الوصايا العشر.
  3. أن يعلموا أن الله معهم لأن التابوت كان علامة ذلك.
  4. إن الله زاحف بجيش نقمته على الأمم التي أمهلها حتى تتوب عصوراً وزاد على ذلك أن أمهلها أربعين سنة التي تاه فيها شعبه ليتوبوا قبل أن يصلوا إليها وينتقموا منها باعتبار أنهم جنود الله المرسلون للانتقام حتى أن طواف الإسرائيليون سبعة أيام حول أريحا بلا حرب كان من إمهال الله لهم وصبره عليهم لكي يرجعوا إليه.

٨ «وَكَانَ كَمَا قَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ. ٱجْتَازَ ٱلسَّبْعَةُ ٱلْكَهَنَةُ حَامِلِينَ أَبْوَاقَ ٱلْهُتَافِ ٱلسَّبْعَةَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، وَضَرَبُوا بِٱلأَبْوَاقِ. وَتَابُوتُ عَهْدِ ٱلرَّبِّ سَائِرٌ وَرَاءَهُمْ».

أَمَامَ ٱلرَّبِّ أي أمام تابوت الرب (من باب المجاز المرسل وهو التعبير عن المحل باسم الحال لأن التابوت كان بمنزلة محل للرب لأنه محل ظهوره للإسرائيليين).

تَابُوتُ عَهْدِ ٱلرَّبِّ أي التابوت الذي فيه اللوحان المكتوب فيهما الوصايا العشر التي هي عهد الرب.

٩ «وَكُلُّ مُتَجَرِّدٍ سَائِرٌ أَمَامَ ٱلْكَهَنَةِ ٱلضَّارِبِينَ بِٱلأَبْوَاقِ. وَالساقة (ٱلْبَقِيَّةُ) سَائِرَةٌ وَرَاءَ ٱلتَّابُوتِ. كَانُوا يَسِيرُونَ وَيَضْرِبُونَ بِٱلأَبْوَاقِ».

عدد ١٠: ٢٥

كُلُّ مُتَجَرِّدٍ أي جاد للحرب ومتفرغ لها. وفي بعض الترجمات «الكمأة» أي المتسلحون. يُقال تجرد للأمر إذ جد فيه وتفرغ له.

الساقة الذين في مؤخر الجيش كأنهم يسوقون من أمامهم فإن الجيش مؤلف من خمس فرق وهي المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة ولذلك سُمي بالخميس.

١٠ «وَأَمَرَ يَشُوعُ ٱلشَّعْبَ: لاَ تَهْتِفُوا وَلاَ تُسَمِّعُوا صَوْتَكُمْ، وَلاَ تَخْرُجْ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ كَلِمَةٌ حَتَّى يَوْمَ أَقُولُ لَكُمُ: ٱهْتِفُوا. فَتَهْتِفُونَ».

لاَ تُسَمِّعُوا صَوْتَكُمْ ما الحكمة في أنهم يسكتون فوق امتناعهم عن النفخ في الأبواق قبل الوقت المعيّن. قال بعضهم ما خلاصته «إنهم أُمروا بالسكوت التامّ إعلاناً لوقارهم وخشيتهم لله قبل وقوع المنتظر واتقاء للخطإ لئلا يوهمهم الصوت الإيذان بالهتاف قبل الوقت المعيّن فلا تقع الأسوار فيهزأ بهم الأعداء». وظهر من وصية يشوع ومن طاعة بني إسرائيل أنهم كانوا جنوداً منظمين أحسن تنظيم لأن السكوت أصعب من التكلم والهدوء أصعب من الهجوم.

١١ «فَدَارَ تَابُوتُ ٱلرَّبِّ حَوْلَ ٱلْمَدِينَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً. ثُمَّ دَخَلُوا ٱلْمَحَلَّةَ وَبَاتُوا فِي ٱلْمَحَلَّةِ».

دَارَ تَابُوتُ ٱلرَّبِّ أي داروا به فأسند الفعل إلى المفعول به مجازاً.

ولا ريب في أن المحتفين بذلك الدوران كانوا بعيدين عن أن تصل إليهم سهام الأعداء وعن أن يسمعوا استهزاءهم بالإسرائيليين لأن الأعداء كانوا يرون ما يفعله الإسرائيليين مثل لعب الأولاد ولا فعل رجال الحرب المحاصرين وزادهم ذلك استخفافاً بالإسرائيليين إنهم كانوا يرونهم يأتون ذلك على توالي الأيام فكانوا يطمئنون يوماً فيوماً ويقولون سلام وفيما هم يقولون سلام أتاهم الموت بغتة فويل للمتهاونين.

١٢ «فَبَكَّرَ يَشُوعُ فِي ٱلْغَدِ، وَحَمَلَ ٱلْكَهَنَةُ تَابُوتَ ٱلرَّبِّ».

تثنية ٣١: ٢٥

فَبَكَّرَ يَشُوعُ هذا شأن خادم الرب الأمين أن يبكر إلى عمله وعلى الرئيس أن يكون مثالاً حسناً للمرؤسين في خدمة الرب.

وَحَمَلَ ٱلْكَهَنَةُ تَابُوتَ ٱلرَّبِّ فيجب على خدم الدين أن يحملوا كتاب عهد الرب أمام مخدوميهم ويكونوا مثالاً لهم في السّير على سنن ذلك الكتاب.

١٣ «وَٱلسَّبْعَةُ ٱلْكَهَنَةُ ٱلْحَامِلُونَ أَبْوَاقَ ٱلْهُتَافِ ٱلسَّبْعَةَ أَمَامَ تَابُوتِ ٱلرَّبِّ سَائِرُونَ سَيْراً وَضَارِبُونَ بِٱلأَبْوَاقِ، وَٱلْمُتَجَرِّدُونَ سَائِرُونَ أَمَامَهُمْ، وَٱلْبَقِيَّةُ سَائِرَةٌ وَرَاءَ تَابُوتِ ٱلرَّبِّ. كَانُوا يَسِيرُونَ وَيَضْرِبُونَ بِٱلأَبْوَاقِ».

سَائِرُونَ سَيْراً معتاداً لا حاملون على الأعداء أو زاحفون عليهم فسيرهم حقيقي كالسير المعهود من غير القاصدين الحرب. والظاهر من تمام الآية أن التابوت كان في قلب الجيش وقدامه المتجردون وهم المقدمة وراءه الساقة فهو موقّي من كل الجهات. وهذا يدل على وجوب المحافظة على كتاب الله وشدة العناية به.

١٤ «وَدَارُوا بِٱلْمَدِينَةِ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّانِي مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ. هٰكَذَا فَعَلُوا سِتَّةَ أَيَّامٍ».

وَدَارُوا بِٱلْمَدِينَةِ أي داروا حول أريحا أي ساروا حولها في مثل محيط دائرة حسب الوصية (انظر ع ٣).

١٥ «وَكَانَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ أَنَّهُمْ بَكَّرُوا عِنْدَ طُلُوعِ ٱلْفَجْرِ وَدَارُوا دَائِرَةَ ٱلْمَدِينَةِ عَلَى هٰذَا ٱلْمِنْوَالِ سَبْعَ مَرَّاتٍ. فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ فَقَطْ دَارُوا دَائِرَةَ ٱلْمَدِينَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ».

وَكَانَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ أَنَّهُمْ بَكَّرُوا عِنْدَ طُلُوعِ ٱلْفَجْرِ الخ بكروا هكذا لأنه كان عليهم أن يدوروا سبع مرات حول أريحا في ذلك اليوم. والمتأمل قليلاً في هذه الآية يرى أن أريحا لم تكن مدينة كبيرة وإنه لم يدر حولها كل بني إسرائيل فإنها لو كانت كبيرة لكان محيطها مسافة طويلة وكم يكون المحيط الذي يدورون فيه وهم بعيدون عنها إلى حد تقصر عنه السهام المرمية (انظر تفسر ع ١١) وإن رجال الحرب في إسرائيل دون غيرهم نحو ٦٠٠٠٠٠ فيكون مجموع الإسرائيليين نحو ٢٠٠٠٠٠٠ فدورانهم في ذلك المحيط سبع مرات في يوم واحد لا يتوقّع فلعلهم اختاروا عدداً كافياً أو مناسباً لذلك واكتفوا به بذلك الدوران.

وبقي في هذا البحث إنه لا بد من أن يكون أحد هذه الأيام السبعة يوم سبت فيكون بنو إسرائيل عملوا به على خلاف الوصية. ودفع مفسروا اليهود ذلك بأن تلك الأيام لم تكن كلها متوالية فهم قدسوا السبت وفي سائر الأيام عملوا. وهذا لا نصّ عليه. واتخذ بعضهم عدم النصّ حجة على بطلان قولهم ولكن لليهود أن يفسروا كذلك بدلالة الالتزام. وبقي لدفع الاعتراض أمران الأول أن الذي وضع السبت وحرّم فيه العمل له أن يحلله فيه للاقتضاء. والثاني إنه لم يثبت أن اليوم السابع هنا هو يوم السبت بل هو السابع من اليوم الذي ابتدأوا فيه الدوران ومجرّد الدوران كل يوم كان نوعاً من العبادة. والعبادة من الواجبات في يوم السبت لا من المحرّمات فيه والله اعلم.

١٦ «وَكَانَ فِي ٱلْمَرَّةِ ٱلسَّابِعَةِ عِنْدَمَا ضَرَبَ ٱلْكَهَنَةُ بِٱلأَبْوَاقِ أَنَّ يَشُوعَ قَالَ لِلشَّعْبِ: ٱهْتِفُوا، لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ أَعْطَاكُمُ ٱلْمَدِينَةَ».

ٱهْتِفُوا، لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ أَعْطَاكُمُ ٱلْمَدِينَةَ أي مدّوا أصواتكم بالفرح لأن الرب ولاكم أريحا. يظهر من هذا أن يشوع لم يخبر بني إسرائيل بطريق الاستيلاء على أريحا حتى استولوا عليها كما أنهم ساروا إلى الأردن ليعبروه ولم يخبرهم بطريق عبوره حتى عبروه فسلكوا في الأمرين سبيل الإيمان ولهذا قال كاتب رسالة العبرانيين «بِٱلْإِيمَانِ سَقَطَتْ أَسْوَارُ أَرِيحَا بَعْدَمَا طِيفَ حَوْلَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ» (عبرانيين ١١: ٣٠).

١٧ «فَتَكُونُ ٱلْمَدِينَةُ وَكُلُّ مَا فِيهَا مُحَرَّماً لِلرَّبِّ. رَاحَابُ ٱلزَّانِيَةُ فَقَطْ تَحْيَا هِيَ وَكُلُّ مَنْ مَعَهَا فِي ٱلْبَيْتِ، لأَنَّهَا قَدْ خَبَّأَتِ ٱلْمُرْسَلَيْنِ ٱللَّذَيْنِ أَرْسَلْنَاهُمَا».

لاويين ٢٧: ٢٨ وميخا ٤: ١٣ ص ٢: ٤

فَتَكُونُ ٱلْمَدِينَةُ وَكُلُّ مَا فِيهَا مُحَرَّماً لِلرَّبِّ ما في قوله «كل ما فيها» مستعملة للإنسان وغيره مع أنها لغير العاقل وإنما استُعلمت هنا للتغليب على أنها قد تُستعمل للعاقل دون التغليب.

والمراد «بالمحرّم» هنا ما نُذر للرب وحُظر بيعه وشراءه وفداؤه (انظر لاويين ٢٧: ٢٨ والتفسير) أو الملعون (ع ١٨ وتثنية ٧: ٢٦). وعلى هذا يكون المعنى أن المدينة وكل ما فيها من الأملاك والبهائم والناس منذور أو موقوف للعنة والدمار إكراماً للرب ما عدا راحاب وأهل بيتها وعلى هذا المعنى أكثر المفسرين. ومنهم من جمع المعنيين هنا فقال المعنى إن المدينة وكل ما فيها منذوران للرب وللعنة أي متروكان لله ليجري عليهما لعنته. قالوا وقد اجتمع المعنيان في تقدمة الخطيئة فإنّها تقدم لله وتُدعى قدس أقداس وتحمل لعنة الإثم وتُحرق (لاويين ٦: ٢٥).

لأَنَّهَا قَدْ خَبَّأَتِ ٱلْمُرْسَلَيْنِ من يحرص على حياة رسل الله يحرص الله على حياته وحياة من له.

١٨ «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَٱحْتَرِزُوا مِنَ ٱلْحَرَامِ لِئَلاَّ تُحَرَّمُوا وَتَأْخُذُوا مِنَ ٱلْحَرَامِ وَتَجْعَلُوا مَحَلَّةَ إِسْرَائِيلَ مُحَرَّمَةً وَتُكَدِّرُوهَا».

تثنية ٧: ٢٦ و١٣: ١٧ وص ٧: ١ و١١ و١٢ ص ٧: ٢٥ و١ملوك ١٨: ١٧ و١٨ ويونان ١: ١٢

وَأَمَّا أَنْتُمْ فَٱحْتَرِزُوا مِنَ ٱلْحَرَامِ لِئَلاَّ تُحَرَّمُوا أنزلت هذه المدينة «أريحا» منزلة باكورة الأثمار التي تقدم للرب لأنها أول مدن أرض الميعاد التي استولى عليها الإسرائيليون فكان بجملتها للرب فكان يحرم عليهم أن يملكوا شيئاً منها ومن تعدّى الوصية دين فكان عرضة للعنة القتل وهو معنى قوله «تحرّموا» وقوله «تجعلوا محلة إسرائيل محرّمة». وأما غيرها من المدن فكان لهم أن يقتسموا غنيمتها (عدد ٣١: ٣١ – ٤٧).

تُكَدِّرُوهَا وفي العبرانية «تعكّروها» والمعنى واحد وهو إيذاؤها وإفساد حالها كإفساد حال الماء بالتكدير أو التعكير.

١٩ «وَكُلُّ ٱلْفِضَّةِ وَٱلذَّهَبِ وَآنِيَةِ ٱلنُّحَاسِ وَٱلْحَدِيدِ تَكُونُ قُدْساً لِلرَّبِّ وَتَدْخُلُ فِي خِزَانَةِ ٱلرَّبِّ».

وَكُلُّ ٱلْفِضَّةِ وَٱلذَّهَبِ وَآنِيَةِ ٱلنُّحَاسِ وَٱلْحَدِيدِ… تَدْخُلُ فِي خِزَانَةِ ٱلرَّبِّ أبقى هذا وأتلف ما سواه لأنه ما يحتاج إليه في خدمة المقدس.

٢٠ «فَهَتَفَ ٱلشَّعْبُ وَضَرَبُوا بِٱلأَبْوَاقِ. وَكَانَ حِينَ سَمِعَ ٱلشَّعْبُ صَوْتَ ٱلْبُوقِ أَنَّ ٱلشَّعْبَ هَتَفَ هُتَافاً عَظِيماً، فَسَقَطَ ٱلسُّورُ فِي مَكَانِهِ، وَصَعِدَ ٱلشَّعْبُ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ كُلُّ رَجُلٍ مَعَ وَجْهِهِ، وَأَخَذُوا ٱلْمَدِينَةَ».

ع ٥ وعبرانيين ١١: ٣٠

ضَرَبُوا بِٱلأَبْوَاقِ أي نفخ الكهنة بالأبواق وإنما أُسند ذلك إلى الشعب لأن الكهنة كانوا نوابّه.

فَسَقَطَ ٱلسُّورُ ولعله قتل بسقوطه كثيرين ممن كانوا عليه وممن كانوا قريبين منه من أهل أريحا. ولا ريب في أن بعض السور لم يسقط إذ كان بيت راحاب جزءاً منه.

إن انتصار الإسرائيليين على أهل أريحا بلا أسلحة ولا حرب يصلح أن يكون رمزاً إلى انتصار الدين المسيحي على سائر الأديان بلا رمح ولا سيف ولا قتال فقوة الله في نصرة هذا الدين ظاهرة كما ظهرت في نبإ أريحا.

٢١ «وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي ٱلْمَدِينَةِ مِنْ رَجُلٍ وَٱمْرَأَةٍ، مِنْ طِفْلٍ وَشَيْخٍ حَتَّى ٱلْبَقَرَ وَٱلْغَنَمَ وَٱلْحَمِيرَ بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ».

تثنية ٧: ٢ و١٣: ١٥ و١٦

ٱلْبَقَرَ وَٱلْغَنَمَ وَٱلْحَمِيرَ لئلا يُظن أن الإسرائيليين قتلوا الكنعانيين رغبة في الغنيمة والمقصود أنهم يقتلونهم إتماماً لانتقام الله منهم. والله ينتقم من العصاة الأثمة بطرُق مختلفة ووسائل متعددة منها الناس والزلازل والأوبئة وهنا كانت الوسيلة الكبرى الناس الإسرائيليين فليس قتل الإسرائيليين للكنعانيين من باب الغلو في الدين. فالذين أتاه الإسرائيليون لم يكن إلا العمل بمقتضى أمر الرب الذي انتقم من أعدائه المصريين على خطاياهم فلو أن الله كان بعد أن احتمل أولئك الأمم ما يزيد على أربع مئة سنة وهو ينذرهم ويرفق بهم ويحلم عليهم فلم يرجعوا عن شرّهم ورذائلهم وآثامهم الفظيعة قتلهم بالجوع أو الوباء وأبادهم من وجه الأرض فمن كان يعترض عليه تعالى ومن يستطيع أن يقول إنه لم يعاقبهم بالعدل وكذا لو قتلهم بأن أنزل عليهم ناراً كأهل سدوم وعمورة أو إغراقهم بالطوفان كما فعل بقوم نوح فعلام يُعترض عليه بإهلاكهم بالحرب أو بأمر غيرهم بقتلهم. فالإسرائيليون لم يكونوا إلا بمنزلة أدوات لانتقامه تعالى. وفي هذا القدر كفاية لقوم يعقلون.

٢٢ «وَقَالَ يَشُوعُ لِلرَّجُلَيْنِ ٱللَّذَيْنِ تَجَسَّسَا ٱلأَرْضَ: ٱدْخُلاَ بَيْتَ ٱلْمَرْأَةِ ٱلزَّانِيَةِ وَأَخْرِجَا مِنْ هُنَاكَ ٱلْمَرْأَةَ وَكُلَّ مَا لَهَا كَمَا حَلَفْتُمَا لَهَا».

ص ٢: ١٤ وعبرانيين ١١: ٣١

ٱدْخُلاَ بَيْتَ ٱلْمَرْأَةِ ٱلزَّانِيَةِ هذا دليل على أن ذلك البيت لم يسقط بسقوط السور وهذا معجزة خاصة ضمن معجزة عامة.

مَا لَهَا ومن لها كما يتبين من ع ٢٣ «فما» أُجريت هنا على العاقل وغير العاقل.

كَمَا حَلَفْتُمَا لَهَا (انظر ص ٢: ١٤).

٢٣ «فَدَخَلَ ٱلْجَاسُوسَانِ وَأَخْرَجَا رَاحَابَ وَأَبَاهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا وَكُلَّ مَا لَهَا، وَكُلَّ عَشَائِرِهَا وَتَرَكَاهُمْ خَارِجَ مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ».

ص ٢: ١٣

أَخْرَجَا رَاحَابَ وَأَبَاهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا… وَكُلَّ عَشَائِرِهَا معروف واحدة خلّص كثيرين و «العشائر» هنا الأقرباء.

وَتَرَكَاهُمْ خَارِجَ مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ إلى أن ينتهوا من إهلاك السكان من الناس والبهائم ويطهروا راحاب ومن لها من النجاسة الوثنية ويسمعوا اعترافهم بالله والإيمان بشرائعه ووصاياه ومن ثمّ يدخلونهم الجماعة أو المحلة التي هي الكنيسة الإسرائيلية.

٢٤ «وَأَحْرَقُوا ٱلْمَدِينَةَ بِٱلنَّارِ مَعَ كُلِّ مَا بِهَا. إِنَّمَا ٱلْفِضَّةُ وَٱلذَّهَبُ وَآنِيَةُ ٱلنُّحَاسِ وَٱلْحَدِيدِ جَعَلُوهَا فِي خِزَانَةِ بَيْتِ ٱلرَّبِّ».

ع ١٩

مَعَ كُلِّ مَا بِهَا من الناس والبهائم (ع ١٩).

٢٥ «وَٱسْتَحْيَا يَشُوعُ رَاحَابَ ٱلزَّانِيَةَ وَبَيْتَ أَبِيهَا وَكُلَّ مَا لَهَا. وَسَكَنَتْ فِي وَسَطِ إِسْرَائِيلَ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ، لأَنَّهَا خَبَّأَتِ ٱلْمُرْسَلَيْنِ ٱللَّذَيْنِ أَرْسَلَهُمَا يَشُوعُ لِيَتَجَسَّسَا أَرِيحَا».

متّى ١: ٥

وَٱسْتَحْيَا يَشُوعُ رَاحَابَ وعلة استحياؤها إيمانها بأن الله هو إله إسرائيل وإنه لا بد من أن ينصر شعبه ويوليهم أرض الميعاد ويهلك الأمم الخاطئة التي لم تتب بعد إمهاله إياها وحلمه وصبره عليها. «بِٱلْإِيمَانِ رَاحَابُ ٱلزَّانِيَةُ لَمْ تَهْلِكْ مَعَ ٱلْعُصَاةِ» (عبرانيين ١١: ٣١). وعلى هذا قول يسوع للتي خدمته في بيت سمعان الفريسي «مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ… إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ! اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ» (لوقا ٧: ٤٧ – ٥٠). «كَذٰلِكَ رَاحَابُ ٱلزَّانِيَةُ أَيْضاً، أَمَا تَبَرَّرَتْ بِٱلأَعْمَالِ، إِذْ قَبِلَتِ ٱلرُّسُلَ» (يعقوب ٢: ٢٥). أي إنها آمنت فقبلت الرسل وهذا هو العمل الصالح الذي هو ثمرة الإيمان. وقول يعقوب على وفق قول يشوع «لأنها خبأت المرسلَين» (والظاهر أن اللام في الرسل في كلام يعقوب للجنس فنطلق لفظة الرسل على الاثنين).

وَسَكَنَتْ فِي وَسَطِ إِسْرَائِيلَ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ أي صارت منهم واشتركت في كل ما لهم من الامتيازات أي عُدت واحدة من النسل المختار وما قصرت على هذا الجزاء بل صارت من أسلاف المسيح إذ اقترن بها سلمون بن نحشون ورئيس سبط يهوذا (متّى ١: ٥). فالإيمان يمحو الآثام ويرفع من هاوية الدناءة فليؤمن شر الخطاة وليتب ولا ييأس. وقوله «إلى هذا اليوم» هنا دليل قاطع على أن قوله مثل هذا في مكان آخر لا يستلزم بُعد الزمان وإن غير يشوع كتبه فإن راحاب كانت في وسط إسرائيل ويشوع حي بالبداهة.

٢٦ «وَحَلَفَ يَشُوعُ فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ قَائِلاً: مَلْعُونٌ قُدَّامَ ٱلرَّبِّ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي يَقُومُ وَيَبْنِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةَ أَرِيحَا. بِبِكْرِهِ يُؤَسِّسُهَا وَبِصَغِيرِهِ يَنْصِبُ أَبْوَابَهَا».

١ملوك ١٦: ٣٤

مَلْعُونٌ قُدَّامَ ٱلرَّبِّ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي يَقُومُ وَيَبْنِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةَ لم تقع هذه اللعنة على أحد حتى قام حيئيل البيتئيلي وبناها في ملك آخاب. أما مدينة النخل شُكّ في أنها هي أريحا. وهذه كان يسكنها الموآبيون تحت سلطة عجلون بعد يشوع بوقت ليس بطويل (قضاة ٣: ١٣ الخ) والظاهر أن عجلون كان يسكنها يوم قتله أهود فاللعنة وقعت على حيئيل وأهله. والظاهر أن لعنة أريحا أُزيلت بشفاعة أليشع يوم سأله سكانها ذلك (٢ملوك ٢: ١٨ – ٢٢).

وليُعلم هنا أن اللعنة كانت على بانيها لا على سكانها بعد بنائها ومع ذلك كان فيها من تلك اللعنة ما لا يوافق السكان من رداءة الماء والإقليم على ما سفر الملوك الثاني.

وبقي أن مدينة النخل في بقعة في أريحا وإن كانت هي أريحا فتكون قد أُطلقت على مساكن قريبة منها فنُسبت إليها.

بِبِكْرِهِ يُؤَسِّسُهَا وَبِصَغِيرِهِ يَنْصِبُ أَبْوَابَهَا أي يموت كل أولاده في مدة بنائها من أكبرهم إلى أصغرهم ووقع هذا على حيئيل البيتئيلي (١ملوك ٦: ٣٤) والمسيح عمل في أريحا بعض أعماله العجيبة إذ فتح عيني برتيماوس وبشّر زكا العشار (مرقس ١٠: ٤٦ – ٥٢ ولوقا ١٩: ١ – ١٠).

٢٧ «وَكَانَ ٱلرَّبُّ مَعَ يَشُوعَ، وَكَانَ خَبَرُهُ فِي جَمِيعِ ٱلأَرْضِ».

ص ١: ٥ ص ٩: ١ و ٣

وَكَانَ ٱلرَّبُّ مَعَ يَشُوعَ أي كان مساعداً له بقدرته ومرشداً إياه إلى منهج الحكمة والتدبير كأنه رفيق له في كل خدمته الروحية أو الدينية.

وَكَانَ خَبَرُهُ فِي جَمِيعِ ٱلأَرْضِ أي بلغ ما فعله الله بواسطته كل أرض كنعان حتى رهبه كل سكانها.

فوائد

  1. إن النجاح مضمون لمن يطيع وصايا الله (ع ٢).
  2. إن للصلاة قدرة لا توصف فإن دوران الإسرائيليين حول أريحا والنفخ بالأبواق كان صلاة (ع ٣ – ١١).
  3. إن على كلٍّ من المسيحيين أن يحارب الشر (ع ١٢ – ١٦).
  4. إن شعب الله موقّي من كل شرّ في سبيل الواجبات. فإن الإسرائيليين استولوا على أريحا دون أن يلم بهم إدنى ضرر لأنهم فعلوا كما أمرهم الله.
  5. إنه يجب أن لا نكلّ من عمل الصلاح. إن الإسرائيليين داروا سبعة أيام حول المدينة ثلاث عشرة مرة ولم يكلوا. والعدد السبعة يدل على الكمال فيجب علينا أن نقوم بما علينا من الواجبات قياماً كاملاً.
  6. إنه يجب علينا أن نميت كل الشهوات الجسدية المحظورة كما أهلك الإسرائيليون كل حيّ في أريحا ونستحيي الإرادة الصالحة كما استحيوا المؤمنين فيها.
  7. إن الإيمان لا ينافي حكم العقل السليم وإن نافى الحكمة البشرية. إن ما قصده الإسرائيليون من الاستيلاء على أريحا كان يقتضي بمقتضى الحكمة البشرية الهجوم على أريحا وتسلُّق أسوارها ورمي السهام والضرب بحد السيف لكنهم لم يأتوا سوى الدوران حول المدينة على بُعد من مرمى السهام لأن الله أمرهم بذلك ففعلوا مؤمنين أن الله يولّيهم المدينة بمجرد ما ينافي تلك الحكمة لأنهم حكموا عقلاً أن الله القادر على كل شيء الصادق الوافي بوعده لا بد من أن ينصرهم على الأعداء بمجرد القيام بما أمرهم به.
  8. إن أريحا رمز إلى حصون الإثم وسقوط أسوارها عند النفح بالأبواق والهتاف رمز إلى سقوط أسوار الجهل والكفر بالمناداة بإنجيل الله.
  9. إنه يجب على المؤمن أن يعمل مع الله فإنه تعالى قادر على كل شيء فما كان يعسر عليه أن يُسقط أسوار أريحا ويميت أهلها بمجرد إرادته ومع ذلك أمر الإسرائيليين بالدوران والهتاف وقتل الأشرار.
  10. إن الله لا يضيع أجر المحسنين إلى عبيده ويضاعف أجرهم فإنه أنقذ راحاب ومن لها لمجرد أنها قبلت الجاسوسين وخبأتهما. إنها خلّصت بما فعلته الجاسوسين من الهلاك الجسدي لكن الله خلّصها من الهلاكين الجسدي والروحي وزاد على ذلك أنه جعلها في سلسلة نسب مسيحه.
  11. إن الله يمحو الذنوب الماضية والعار لمن يؤمن ويتوب وإن كان من شرّ الخطأة فبالإيمان والتوبة مُحيت آثام تلك الزانية وعيوبها وشُرّفت شرفاً عظيماً.
  12. إن الله قد يخلّص عبيده وأصدقاءه قبل أن يهلك أعداءه ولو اقتضت الأحوال خلاف ذلك فإنه في أثناء العمل العظيم والانقلاب الغريب قال يشوع للجاسوسين «ٱدْخُلاَ بَيْتَ ٱلْمَرْأَةِ ٱلزَّانِيَةِ وَأَخْرِجَا مِنْ هُنَاكَ ٱلْمَرْأَةَ» قبل أن هجموا على الأعداء ليقتلوهم كما أخرج لوطاً من سدوم قبل أن دمرها وقد حفظ بيت راحاب بمعجزة إذ كان بحائط السور (ع ٢٥).
  13. إنّا نستفيد من هذا الأصحاح أن الخلاص بالإيمان وأن الإيمان المخلّص هو الإيمان المثمر أي الذي تنشأ عنه الأعمال الصالحة وإنه لا خلاص لمن لا يُظهرون إيمانهم بأعمالهم.
  14. إن المؤمن يخلّص نفسه ويكون سبباً لخلاص غيره فإن أهل راحاب نجوا بإيمان راحاب ومن أجلها كما أُنقذ من الطوفان أهل نوح من أجل نوح.
  15. إن الله لا يُخلف الميعاد وإن طال الزمان. إنه وعد إبراهيم بأرض الميعاد ووفى بوعده بعدما ما يزيد على أربع مئة سنة.
  16. إن الله يجزي خيراً من يصنع لشعبه أو لأحد عبيده خيراً فإحسان راحاب إلى عبديه الجاسوسين أولاها جزاء عظيماً جداً. قال الرب يسوع «مَنْ يَقْبَلُ نَبِيّاً بِٱسْمِ نَبِيٍّ فَأَجْرَ نَبِيٍّ يَأْخُذُ وَمَنْ سَقَى أَحَدَ هٰؤُلاَءِ ٱلصِّغَارِ كَأْسَ مَاءٍ بَارِدٍ فَقَطْ بِٱسْمِ تِلْمِيذٍ، فَٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ» (متّى ١٠: ٤١ و٤٢).
  17. إن المسيح كان مع الشعب المختار من بداءة خلق الإنسان فإنه هو الذي ظهر ليشوع وهو عند أريحا كما ظهر لموسى في العليقة.
  18. إن المسيح هو الرب الأزلي الواجب الوجود فإن الذي قال ليشوع «أنا رئيس جند الرب» هو الذي دُعي «الرب» وهو في العبرانية «يهوه» أي الواجب الوجود الإله الواحد الأزلي (انظر ص ٥: ١٣ – ١٥ وص ٦: ٢).
  19. إن الله رب السبت فله أن يجيز الأعمال في السبت كما أجاز للإسرائيليين ذلك. على أن الأعمال الصالحة أولى بالجواز في ذلك اليوم ولا سيما العبادة فإن بني إسرائيل عملوا سبعة أيام في حصار أريحا فلا بد من أن يكون واحد منها السبت والمسيح شفى الأمراض يوم السبت وهو رب السبت (متّى ١٢: ٨ ومرقس ٢: ٢٨ ولوقا ٦: ٥).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى